الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدع الكلام والمشي
فصل
التماوت في الكلام والمشي
وإن مما ابتدع واستميل به القلوب العوام الجهال: التماوت في الكلام والمشي، حتى صار ذلك شعاراً لمن يريد أن يظن به النسك والتورع.
صفة الرسول وأصحابه في الكلام والمشي
فيعلم أن الدين بخلاف ذلك، وهو ما كان عليه النبي (وأصحابه، ثم السلف الصالح، كما سنورده من أخبارهم في ذلك وصفاتهم في حركاتهم وسكناتهم، فقد كان سيد الأولين والآخرين إذا مشى يقلع من صَبَبِ، وفي سنن أبي داود عن أنس، قال: كان النبي (إذا مشى كأنما يهوي في صوب. وفي رواية كان إذا مشى يقلع. وفي رواية: إذا زال زال قلعاً. والمعنى: أنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعاً بائناً بقوة، لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه تنعماً.
وجاء في صفته) : أنه كان يمشي هوناً. قال ابن الأنباري: معناه كان يميل في مشيته كما يميل الغصن إذا حركه الرياح، الهون
معناه الرفق والتثبت، وهو معنى قوله:(يمشون على الأرض هوناً) والمحمود من ذلك ترك العجلة المفرطة، وترك التكاسل والتثبيط والتماوت، ولكن بين ذلك.
وفي كتاب " شرح السنة " عن ابن عباس رضي الله عنه إذا مشى مشى مشياً مجتمعاً يعرف أنه ليس بمشي تماجن ولا كسلان.
وروي عن الشفاء بنت عبد الله أنها رأت فتياناً يقتصدون في المشي رويداً، فقالت: ما هؤلاء؟ فقالوا: نُساك. فقالت: كان والله عمر رضي الله عنه إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقاً.
وعن عبيد الله بن عبد الله قال: لم يكن البر يعرف في عمر وابنه حتى يقولا أو يفعلا. قال يزيد بن هارون أخبر عبيد الله بن عبد الله بن أويس
المدني عن الزهري عن سالم نحوه. قال: قلت: يا أبا بكر ما تعني بذلك؟ قال: لم يكونا موحشين ولا متماوتين.
وفي كتاب " الكامل " لأبي العباس المبرد قال: ويروى أن عائشة رضي الله عنها نظرت إلى رجل متماوت، فقالت: ما هذا؟ فقالوا: أحد القراء. فقالت: قد كان عمر قارئاً، فكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع.
قال: ويروى أن عمر نظر إلى رجل يظهر النسك، يتماوت في مشيته، فخفقه بالدرة، وقال: لا تمت علينا ديننا، أماتك الله.
وروى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي الدرداء، قال: أستعيذ بالله من خشوع النفاق. قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع.
وقال سفيان الثوري: سيأتي أقوام يخشعون رياء وسمعة، وهم كالذئاب الضواري، غايتهم الدنيا، وجمع الدراهم من الحلال والحرام.
وقال أبو حاتم الرازي: كان أحمد بن حنبل إذا رأيته تعلم أنه لا يظهر النسك، ورأيت عليه نعلاً لا يشبه نعل القراء، له رأس كبير معقف، وشراكه مشبك، كأنه اشتري له من السوق، ورأيت عليه إزاراً وجبة برد مخططة. قال عبد الرحمن: أراد بهذا - والله اعلم ترك التزين بزي القراء، وإزالته عن نفسه ما يشهر به.
وقال الإمام أبو محمد بن إبراهيم البوشيخي: ما رأيت أحداً في عصر أحمد أكثر منه ديانة وصيانة وأبعد من التماوت.
وقال المروزي: رأيت أبا عبد الله إذا كان في البيت كان