الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لا) الزائدة
الحذف والزيادة خلاف الأصل فكلما أمكن أن يكون الكلام مستقيما دون تقدير محذوف كان ذلك أولى وكذلك إذا استقام الكلام دون جعل الكلمة زائدة هذا أصل متفق عليه.
وبعض العلماء يتحرج من إطلاق لفظ (الزائد) على ما في القرآن. لأن الزيادة لغو في الكلام لا يناسب فصاحة القرآن.
ومن ذلك أن السهيلي قد أزعجه كلمة (أم المنقطعة) فظن أنها منافية للفصاحة فقال: إنها لا تقع في القرآن وحولها إلى (أم) المتصلة بتقدير معطوف عليه محذوف وقد أعجب بهذا الرأي أيما إعجاب ابن القيم فأطال الحديث عنه في بدائع الفوائد كما ذكرنا قبل.
وبجانب هذا نجد إسرافًا من بعض العلماء في إطلاق الزائد حتى ولو كان الكلام مستقيما من غير اعتبار الزيادة.
وأعجب ما وقفت عليه من ذلك أن الإربلي صاحب كتاب «جواهر الأدب في معرفة كلام العرب» جعل من مواضع زيادة (لا) وقوعها بعد (إن) الشرطية قال في ص 124: «وسادسها: بعد (إن) الشرطية»
كقوله تعالى: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن} وقوله سبحانه وتعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه} .
وقال في ص 123: «وثالثها بعد (كي) الناصبة بعد اللام أيضًا: كقوله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} .
هذا هو نص كلامه ولست أدري ما الذي يريده بزيادة (لا) هنا إنها نافية في الآيتين ويفسد المعنى بجعلها زائدة.
وللأستاذ الأكبر الشيخ عبد الرحمن تاج - أطال الله بقاءه - بحث قيم عن زيادة (لا) والواو نشر في مجلة الأزهر [شوال سنة 1386]. وكان نصيب (لا) خمس مقالات وعهدنا بالأستاذ فقيها فقها، وقد أظهرت هذه المقالات أنه جمع النحو إلى الفقه وقد ذكرنا بأستاذنا الشيخ إبراهيم حمروش رحمه الله.
ولا عجب فأبو سعيد السيرافي شارح كتاب سيبويه كان نحويا ومفتيا حنفيا. وإكبارنا لهذا البحث يدعونا إلى أن نقف معه وقفة.
1 -
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [4: 65].
ويرى الأستاذ أن (لا) الأولى نافية وليست بزائدة وهي مقدمة من تأخير و (لا) الثانية زائدة مؤكدة للأولى وهي من قبيل الزائد اللازم.
والطبري يرى أن (لا) نافية لكلام محذوف أي فليس الأمر كما يزعمون وقد ضعف الأستاذ رأى الطبري بأنه ليس في (لا) دلالة على المحذوف حين ننطق بها وحدها مقطوعة عما بعدها.
والزمخشري يرى أن (لا) زائدة لتأكيد معنى القسم وقد رد عليه الأستاذ بأن الزائد لا يكون في صدر الكلام، ولا سيما إن كان زائدا للتوكيد فحقه أن يكون مؤخرًا عن المؤكد ثم إنه قد جعلها تأكيدًا للقسم ولا علاقة بين (لا) والقسم حتى تكون توكيدًا له فهي حرف نفي.
أبو البقاء العكبري جوز الأمرين أن تكون (لا) الأولى زائدة وأن تكون (لا) الثانية هي الزائدة والقسم معترض إعرابه 1: 104.
رجعت إلى ما أحفظه من كلام العرب من الشواهد التي على نسق الآية فوجدت ما يأتي:
1 -
(أ) قول السيدة أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما لجدها:
فلا والله ما ترك لنا شيئًا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك. نهاية الأرب 16: 333.
(ب) وقول أبي تمام:
فلا والله ما في العيش خير
…
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
(ج) وقول الأعرابية:
لا والذي ردك يا صفي
…
ما مسني بعدك من أنسى
شواهد العيني 2: 232:
(د) قال صفوان بن أمية الكناني. وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية:
رأيت الخمر صالحة وفيها
…
مناقب تفسد الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي
…
ولا أشفي بها أبدا سقيما
وقال السموأل:
وفيت بأدرع الكندي إني
…
إذا ما ذم أقوام وفيت
وقالوا: إنه كنز رغيب
…
فلا والله أغدر ما مشيت
ديوانه: 18 - 19
وقال العريان بن سهل الجرمي:
فقلت له: لا والذي حج حاتم أخونك عهدا إنني غير خوان
الخزانة 2: 521.
من هذا ترى أن النفي قد جاء بما كما في المجموعة الأولى و (ما) لنفي الحال فهل تصلح أن تكون (ما) توكيدًا للا وهي لنفي المستقبل؟
2 -
وقع بعد (ما) الفعل الماضي في قول بنت الصديق: (والله ما ترك لنا شيئا) و (لا) النافية إذا دخلت على الماضي وجب تكرارها إلا في الدعاء هكذا جاءت في كلام العرب وفي القرآن. {فلا صدق ولا صلى} {فلا اقتحم العقبة} .
3 -
حذفت (لا) الثانية في جواب القسم كما في المجموعة (د)، كما حذفت في قوله تعالى:{تالله تفتأ تذكر يوسف} فلو كانت (لا) الثانية توكيدا ما جاز حذفها لأن حذف المؤكد لا يجوز وقد اختلفوا في حذف المؤكد.
4 -
(لا) الأولى على أن مكانها بعد القسم كما يرى الأستاذ تكون جوابا للقسم فقدم جزء من جواب القسم على القسم، وما أظن أن لذلك نظير في كلام العرب الذي يبعدنا عن هذه الإشكالات ويصحح المعنى ويرضي الصناعة أن تكون (لا) نافية لفعل محذوف يدل عليه الفعل المذكور، والأصل: فلا يؤمنون ثم أكد بالقسم بعد ذلك، وقد وقفت على هذا في كلام كمال الدين الأنباري قال في كتابه «البيان في غريب إعراب القرآن» 1: 258: «تقديره فلا يؤمنون وربك لا يؤمنون فأخبر أولا وكرره بالقسم ثانيا فاستغنى بذكر الفعل في الثاني عن ذكره في الأول» .
والناظر في «كتاب أيمان العرب في الجاهلية» يجد (لا) قبل القسم في أيمان كثيرة وقد حذف جوابها نذكر طرفا منها:
لا والذي يراني من فوق سبعة أرقعه أي سبع سموات ص 15.
لا والذي شق الرجال للخيل، والجبال للسيل ص 16.
لا والذي شقهن خمسا من واحدة، أي الأصابع ص 16.
لا والذي وجهي زقم بيته، أي نحو بيته
…
ص 16.
لا والذي لا يواريني منه خمر، لا والذي لا يواريني منه غيب ص 16.
لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة
…
ص 19.
لا والذي سمك السماء
…
ص 19.
لا وفالق الإصباح، وباعث الأرواح
…
ص 19.
لا ومجرى الرياح لا ومنزل القطر لا ومجرى البحر ولا منشئ السحاب ص 20 - 21
لا والذي سجد له النجم والشجر. لا والذي حجت له العمائر.
لا والذي يرصدني أني ص 22
لا ورب الشمس والقمر لا ورب البيت والحجر لا والذي أخرج الماء في الحجر. والنار من الشجر. لا ورب النور والظلام. لا ورب الحل والحرام ص 22.
لا والذي يراني ولا أراه ص 26.
لا والسماء لا والماء لا والطارقات. لا والسابحات ص 23.
وفي البحر المحيط 8: 477: «لا والقمر الطاحي، أي المشرق المرتفع» .
جواب هذه الأقسام محذوف، وهو جملة منفية، لا مثبتة ويصح هنا أن تكون (لا) نفيا لكلام سابق دل عليه السياق أي لا أفعل ونحوه، أو لا يكون هذا.
الآيات التي قيل فيها بزيادة (لا)
1 -
لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضله [57: 29]
في سيبويه 1: 195: «وقد يجوز أن تقول: أما أن لا يكون يعلم فهو يعلم وأنت تريد: أن يكون كما جاءت: {لئلا يعلم أهل الكتاب} في معنى لأن يعلم أهل الكتاب» .
وقال في 2: 306: «أما (لا) فتكون كما في التوكيد واللغو. قال الله عز وجل {لئلا يعلم أهل الكتاب} أي لأن يعلم» .
وهي زائدة عند الفراء أيضًا معاني القرآن 1: 374، 3:137.
وفي المقتضب 1: 47: «ولوقوعها زائدة في مثل قوله {لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء} . أي ليعلم كما قال الراجز:
وما ألوم البيض ألا يسخرا
…
لما رأين الشمط القفندرا
والكشاف 4: 70، ابن يعيش 8: 136».
و (لا) زائدة عند ابن الشجري، أماليه 2: 230 - 231، الزمخشري المفصل 2: 205، وفي المحتسب 1: 180: «زيادة (لا) قد شاعت عنهم واتسعت» .
والرضى 2: 358، والبحر 8: 229، البرهان 4:358.
وفي البيان 2: 425، وفي (لا) وجهان.
أحدهما: أن تكون زائدة.
والثاني: أن تكون غير زائدة لأن قوله تعالى {يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم} لئلا يعلم أهل الكتاب أن يفعل بكم هذه الأشياء ليبين جهل أهل الكتاب وأن ما يؤتكم الله من فضله لا يقدرون على إزالته وتغييره.
وفي العكبري 2: 135: «(لا) زائدة والمعنى ليعلم وقيل: ليست زائدة والمعنى: لئلا يعلم أهل الكتاب عجز المؤمنين» .
وقال أبو السعود 5: 143: «وقد قيل: (لا) غير مزيدة وضمير (لا يقدرون) للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه.
والمعنى: لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمؤمنون به على شيء من فضل الله الذي هو عبارة عما أتوه من سعادة الدارين». وانظر ما قاله الأستاذ الأكبر الشيخ تاج.
2 -
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك
…
[7: 12].
في معاني القرآن للفراء 1: 374: «المعنى - والله أعلم ما منعك أن تسجد، و (أن) في هذا الموضع تصحبها (لا) وتكون (لا) صلة
…
».
وفي أمالي الشجري 2: 231: «ومما زيدت فيه قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} أراد: ما منعك أن تسجد كما قال في الأخرى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}» .
وفي الكشاف 2: 54: «فإن قلت: ما فائدة زيادتها؟.
قلت: توكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه وتحقيقه كأنه قيل: ليتحقق علم أهل الكتاب وما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك».
وفي البيان 1: 355: «(لا) زائدة وتزاد كثيرا في كلامهم» . الرضى 2: 358.
وفي البرهان 4: 358: «وأما السيرافي فجعلها على بابها حيث جاءت: زعم أن الإنسان إذا فعل شيئًا لأمر ما قد يكون فعله لضده، فإذا قلت: جئت لقيام زيد، فإن المعنى: أن المجيء وقع لأجل القيام وهل هو لأن يقع أو لئلا يقع؟
محتمل فمن جاء للقيام فقد جاء لعدم القيام ومن جاء لعدم القيام فقد جاء للقيام، برهان ذلك أنك إذا نصصت على مقصودك فقلت: جئت لأن يقع أو أردت أن يقع، فقد جئت لعدم القيام أي لأن يقع عدم القيام وهو أعني عدم الوقوع - طلب وقوعه -».
3 -
قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري [20: 92 - 93].
في العكبري 2: 26: «(لا) زائدة مثل قوله: {ما منعك ألا تسجد} .
وفي البحر 6: 273: «(لا) زائدة كهي في قوله: {ما منعك ألا تسجد}» .
وقال علي بن عيسى: «دخلت (لا) هاهنا لأن المعنى: ما دعاك إلى ألا تتبعن وما حملك على أن لا تتبعن» . المغني 1: 200.
4 -
فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض
…
[27: 24 - 25].
في الكشاف 3: 140: «{ألا يسجدوا} من قرأ بالتشديد أراد: فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا فحذف الجار مع (أن). ويجوز أن تكون (لا) مزيدة
ويكون المعنى: فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا».
وفي البيان 2: 221: «(أن) في موضع نصب لأنه يتعلق بيهتدون، و (لا) زائدة وقيل: منصوب على البدل من (أعمالهم) و (لا) غير زائدة وقيل: هو في موضع جر على البدل من (السبيل) و (لا) زائدة» . وانظر البحر 7: 68، العكبري 2:90.
5 -
قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون [6: 109].
(لا) زائدة عند الفراء. معاني القرآن 1: 350 - 374.
وقيل: (أن) بمعنى (لعل) قاله الخليل. كتاب سيبويه 1: 462 - 463. وضعفه الفارسي بأن التوقع لا يناسب قراءة كسر همزة (إنها).
وفي الكشاف 2: 24 - 34: «وذلك أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها، فقال عز وجل: وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى: أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون به.
ألا ترى إلى قوله: {كما لم يؤمنوا به أول مرة
…
} ومنهم من جعل (لا) مزيدة في قراءة الفتح».
وانظر البيان 1: 334، البحر 4: 201 - 203، المغني 1: 202، العكبري 1: 144، المحتسب 1:181.
6 -
وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [21: 95].
(لا) زائدة عند الفراء. معاني القرآن 1: 374.
وفي أمالي الشجري 2: 231: «ومما زيدت فيه قوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} المعنى: حرام على قرية أهلكناها رجوعهم إلى الدنيا» . وفي البيان 2: 165 «وفي (لا) وجهان:
أحدهما: أن تكون زائدة
…
والثاني: أن تكون غير زائدة ويكون (حرام) مبتدأ خبره مقدر.
وتقديره: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون كائن أو محكوم عليه.
فحذف الخبر: وحذف الخبر أكثر من زيادة (لا) وهو أوجه الوجهين عند أبي على الفارسي».
وفي البحر 6: 338: «وقرئ (إنهم) بالكسر فيكون الكلام قد تم عند قوله (أهلكناها) ويقدر محذوف تصير به (وحرام على أهل قرية أهلكناها) جملة أي ذاك، وتكون إشارة إلى العمل الصالح
…
والمعنى: وحرام على أهل قرية قدرنا إهلاكها لكفرهم عمل صالح ينجون به من الإهلاك
…
وقراءة الجمهور بالفتح تصح على هذا المعنى وتكون (لا) نافية على بابها والتقدير: لأنهم لا يرجعون».
وقال الزجاج: وحرام على قرية أهلكناها حكمنا بإهلاكها أن نتقبل أعمالهم لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون
…
وانظر الكشاف 3: 20، العكبري 2: 72، المغني 1: 202 - 203.
وفي ابن كثير 5: 366: «قال ابن عباس وجب يعني قدر تقديرًا أن أهل كل قرية أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا» .
7 -
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا [6: 151]
في البيان 1: 349: «{ألا تشركوا} في موضع نصب على البدل من (ما) أو من الهاء و (لا) زائدة وتقديره: حرم عليكم أن تشركوا.
ويجوز أن يكون (ألا تشركوا) في موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره: هو ألا تشركوا ولا زيادة في هذا الوجه».
انظر المغني 1: 201 - 202، البحر 4: 249 - 251، العكبري 1: 148، معاني القرآن 1:364.
8 -
ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم
…
[3: 79 - 80].
في معاني القرآن 1: 224: «{ولا يأمركم} أكثر القراء على نصبها تردونها على (أن يؤتيه الله) ولا أن يأمركم» .
وفي الكشاف 1: 198: (ولا يأمركم) بالنصب عطفا على (ثم يقول) وفيه وجهان:
أحدهما: أن تجعل (لا) مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله: ما كان لبشر والمعنى: ما كان لبشر أن يستنبئه الله وينصبه للدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة وترك الأنداد، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادًا له ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا، كما تقول: ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي.
والثاني: أن تجعل (لا) غير مزيدة والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينهي قريشا عن عبادة الملائكة، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح فلما قالوا له: أنتخذك ربا قيل لهم: ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادته وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء.
وفي البحر 2: 507: «وقرأ عاصم
…
بنصب الراء وخرجه أبو علي وغيره على أن يكون المعنى: ولا له أن يأمركم فقدروا (أن مضمرة بعد (لا) وتكون (لا) مؤكدة معنى النفي السابق كما تقول: ما كان من زيد إتيان ولا قيام وأنت تريد انتفاء كل واحدة منهما فلا للتوكيد في النفي السابق وصار المعنى: ما كان من زيد إتيان ولا منه قيام.
وقال الطبري قوله: (ولا يأمركم) بالنصب معطوف على قوله (ثم يقول).
قال ابن عطية: وهذا خطأ لا يلتئم به المعنى.
ولم يبين جهة الخطأ ولا عدم التئام المعنى به.
ووجه الخطأ أنه إذا كان معطوفًا على (ثم يقول) وكانت (لا) لتأسيس النفي. فلا يمكن إلا أن يقدر العامل قبل (لا) وهو (أن) فينسيك من (أن) والفعل المنفي مصدر منتف فيصير المعنى: ما كان لبشر موصوف بما وصف به انتفاء أمره
باتخاذ الملائكة والنبيين أرباب وإذا لم يكن له الانتفاء كان له الثبوت فصار آمرا باتخاذهم أربابا وهو خطأ.
فإذا جعلت (لا) لتأكيد النفي السابق كان النفي منسحبا على المصدرين المقدر ثبوتهما فينتفي قوله: {كونوا عبادا لي} وآمره باتخاذ الملائكة أربابا
…
فإطلاق ابن عطية الخطأ وعدم التئام المعنى إنما يكون على أحد التقديرين في (لا) وهي أن تكون لتأسيس النفي».
9 -
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن [41: 34]
- وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور
- وما يستوي الأحياء ولا الأموات
…
[35: 19: 22].
- وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء [40: 58].
في أمالي الشجري 2: 231: «ومن مواضع زيادتها المطردة مجيئها بعد النفي مؤكدة له في نحو قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} .
وقد تجيء مؤكدة للنفي في غير موضعها الذي تستحقه كقوله: {وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء} .
المعنى: وما يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيء لأنك تقول: ما يستوي زيد وعمرو ولا تقول: ما يستوي زيد فتقتصر على واحد ومثله {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} .
وأما قوله تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير} فالأولى والثانية غير زائدتين والثالثة والرابعة والخامسة زوائد.
وفي الكشاف 3: 273: «فإن قلت: (لا) المقرونة بواو العطف ما هي؟
قلت: إذا وقعت الواو في النفي قرنت بها لتأكيد معنى النفي.
فإن قلت: هل من فرق بين هذه الواوات؟ قلت: بعضها ضمت شفعا على شفع وبعضها وتر إلى وتر».
وفي البحر 7: 308: «(يستوي) من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد فدخول (لا) في النفي لتأكيد معناه كقوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} .
وقال ابن عطية: دخول (لا) إنما هو على هيئة التكرار كأنه قال: ولا الظلمات والنور. ولا النور والظلمات فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ودل مذكور الكلام على متروكه.
وما ذكر غير محتاج إلى تقديره لأنه إذا نفى استواء الظلمات والنور فإي فائدة في تقدير نفي استوائهما ثانيا وادعاء محذوفين».
وقال في ص 498 و (لا) في قوله: {ولا السيئة} زائدة للتوكيد فهي في قوله: {ولا الظل ولا الحرور} لأن {استوى} لا يكتفي بمفرد. انظر المغني 1: 198.
10 -
فإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء [4: 3].
في البحر 3: 162: «قرأ النخعي وابن وثاب (تقسطوا) بفتح التاء من (قسط) والمشهور في قسط أنه بمعنى (جار) وقال الزجاج: يقال: قسط بمعنى أقسط أي عدل، فإن حملت هذه القراءة على مشهور اللغة كانت (لا) زائدة. العكبري 1:93.
وفي المحتسب 1: 180: «ومن ذلك ما رواه المفضل عن الأعمش عن يحيى وإبراهيم وأصحابه: (ألا تقسطوا) بفتح التاء.
قال ابن مجاهد: ولا أصل له.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد مستقيم غير منكر وذلك على زيادة (لا) حتى كأنه قال: وإن خفتم أن تقسطوا في اليتامى، أي تجوروا.
يقال: قسط إذا جار، وأقسط: إذا عدل. قال الله جل وعلا: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} وزيادة (لا) قد شاعت عنهم واتسعت منه قوله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب} وقوله: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} فيمن ذهب إلى زيادة (لا) وقال: معناه: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون.
11 -
فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم [56: 75 - 77].
- لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة [75: 1 - 2].
- لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد [90: 1 - 2].
- فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون [70: 40].
- فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس
…
[81: 15].
- فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق
…
[84: 16].
في أمالي الشجري 2: 219 - 222: «قال أبو علي في قول الله تعالى جده: {لا أقسم بيوم القيامة} من قال: إن (لا) صلة كانت كالتي في قوله: {لئلا يعلم أهل الكتاب} فإن قلت: إن (لا) و (ما) والحروف التي تكون زوائد إنما تكون بين كلامين كقوله: {فبما رحمة من الله}
…
ولا تكاد تزاد أولا، فقد قالوا: إن مجاز القرآن مجاز الكلام الواحد والسورة الواحدة.
قالوا: والذي يدل على ذلك أنه قد يذكر الشيء في سورة فيجيء جوابه في سورة أخرى
…
وأقول: أن بعض النحويين أنكر أن تكون (لا) زائدة في قوله: {لا أقسم بيوم القيامة} . قال: لأن زيادة الحرف تدل على أطراحه وكونه في أول الكلام يدل على قوة العناية به.
فلا يجوز أن يكون مطرحا معنيا به في حالة واحدة وإذا قبح الجمع بين اطراحه العناية به لم يجز أن تجعل (لا) في هذه الآية زائدة، وجعلناها نافية ردًا على من جحد البعث وأنكر القيامة وقد حكى الله أقوالهم في مواضع من الكتاب فكأنه قيل: لا ليس الأمر على ما تقولتموه من إنكاركم ليوم القيامة ثم قال: (أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة).
وأقول: إنه ليست (لا) في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} وقوله: {فلا أقسم برب المشارق والمغارب} ونحو ذلك بمنزلتها في قوله {لا أقسم بيوم القيامة} كما زعم بعض النحويين. لأنها ليست في أول السورة فمجيئها بعد الفاء، والفاء عاطفة جملة على جملة يخرجها عن كونها بمنزلتها في {لا أقسم بيوم القيامة} فهي إذا زائدة للتوكيد».
انظر الكشاف 4: 61، 163، البيان 2: 476، البحر 8: 213، 384، المغني 1: 200 - 201، والتبيان في أقسام القرآن 147.
وانظر ما قيل في (لا جرم) ص 487 من المطبوع.
(لا) الزائدة بعد واو العطف
وفي البرهان 4: 356: «ومثال النهي قوله تعالى: {لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام} فلا زائدة وليست بعاطفة لأنها إنما يعطف بها في غير النهي» .
وقال الرضى 2: 358: «وأما (لا) فتزاد بعد الواو العاطفة بعد نفي أو نهي
نحو: ما جاءني زيد ولا عمرو، وهي - وإن عدت زائدة لكنها رافعة أحد المجئين دون الآخر. والعجب أنهم لا يرون تأثير الحروف تأثيرًا معنويًا كالتأكيد في الياء. ورفع الاحتمال في (لا) هذه وفي (من) الاستغراقية مانعا من كون الحروف زائدة ويرون تأثيرها تأثيرًا لفظيا ككونها كافة مانعا من زيادتها».
وفي المغني 1: 198: «وكذلك (لا) المقترنة بعاطف في نحو: ما جاءني زيد ولا عمرو ويسمونها زائدة وليست زائدة البتة ألا ترى أنه إذا قيل: ما جاءني زيد ولا عمرو احتمل أن المراد نفي مجيء كل منهما على كل حال وأن يراد نفي اجتماعهما في وقت المجيء، فإذا جيء بلا صار الكلام نصا في المعنى الأول.
نعم هي في قوله سبحانه: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} لمجرد التوكيد».
مواضع (لا) الزائدة
سبقها نفي بما في هذه المواضع: 2: 105، 107، 120، 3: 67، 5: 19، 103، 6: 59، 148، 9: 74، 116، 10: 61، 11: 19، 13: 37، 33: 36، 34: 37، 35: 21، 22، 40: 18، 41: 22، 40: 18، 41: 22، 42: 8، 31، 52، 46: 9، 26، 52: 29، 57: 22، 58: 7، 69: 2، 59: 6، 72: 3، 86:10.
سبق (لا) الزائدة نفي بلا في هذه المواضع:
2: 262، 3: 5، 153، 4: 38، 43، 173، 5: 76، 6: 71، 2: 188، 9: 8، 10، 29، 120، 121، 10: 18، 26، 49، 13: 16، 17: 56، 18: 49، 20: 58، 89، 107، 111، 118، 24: 37، 25: 3، 26: 88، 28: 83، 31: 33، 33: 17، 55، 34: 3، 42، 41: 42، 48: 22، 55: 39، 56: 32، 33، 25، 57: 15، 63: 9، 72: 13، 21، 76: 9، 13، 78: 24، 35.
سبق (لا) الزائدة نفي بلن في هذه المواضع: 2: 120، 3: 10، 116، 4: 172، 22: 37، 34: 31، 58: 17، 60:3.
سبقها نفي بلم في هذه المواضع: 4: 137، 6: 91، 9: 16، 55:56.
سبقها نفي بليس في هذه المواضع: 4: 123، 6: 50، 70، 9: 91، 92، 24: 58، 61، 40: 43، 48: 17، 69:36.
سبقها نفي بغير في هذه المواضع: 2: 173، 4: 25، 5: 5، 6: 145، 16: 115، 22: 8، 31:20.
سبق (لا) الزائدة (لا) الناهية في هذه المواضع: 2: 233، 282، 4: 89، 123، 5: 2، 9: 55، 20: 94، 41: 37، 49: 11 ن 71: 23.
وقع بعد (لا) الزائدة الفعل الماضي في قوله تعالى:
1 -
قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به [10: 16].
2 -
لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء [6: 148].
3 -
لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء
…
[16: 35].