المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادسفي ذكر بعض زهده وتجرده وتقاعده عن الدنيا وتبعده - الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية - ط عطاءات العلم

[أبو حفص البزار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ ترجمة المؤلف

- ‌ نبذة عن الكتاب:

- ‌1 - إثبات نسبته للمؤلف:

- ‌2 - نسخ الكتاب الخطية:

- ‌3 - طبعات الكتاب:

- ‌4 - منهج التحقيق:

- ‌الفصل الأولفي ذكر منشئه وعمره ومدّة عمره رضي الله عنه وأرضاه

- ‌الفصل الثانيفي غزارة علومه ومؤلفاته ومصنفاته، وسَعَة نقله في فتاويه ودروسه البديهية ومنصوصاته

- ‌الفصل الثالثفي ذكر معرفته بأنواع أجناس المذكور والمقول والمنقول، والمتصوَّر والمفهوم والمعقول

- ‌الفصل الرابعفي ذكر تعبّده

- ‌الفصل الخامسفي ذكر بعض وَرَعه

- ‌الفصل السادسفي ذكر بعض زُهده وتجرده وتقاعده عن الدنيا وتبعّده

- ‌الفصل السابعفي إيثاره مع فقره، وتواضعه

- ‌الفصل الثامنفي هيئته ولباسه

- ‌الفصل التاسعفي ذكر بعض كرامته وفراسته

- ‌الفصل العاشرفي ذكر كرمه رضي الله عنه

- ‌الفصل الحادي عشرفي ذكر قوة قلبه وشجاعته

- ‌الفصل الثاني عشرمن ذكر قوّته في مرضاة الله وصبره على الشدائد،واحتماله إياها وثبوته على الحق

- ‌الفصل الثالث عشرفي أنّ الله جعله حُجّة في عصره ومعيارًا للحق والباطل

- ‌الفصل الرابع عشرفي ذكر وفاته وكثرة من صلى عليه وشَيَّعه

الفصل: ‌الفصل السادسفي ذكر بعض زهده وتجرده وتقاعده عن الدنيا وتبعده

‌الفصل السادس

في ذكر بعض زُهده وتجرده وتقاعده عن الدنيا وتبعّده

أمّا زهده في الدنيا ومتاعها، فإنّ الله تعالى جعل ذلك له شعارًا من صغره. حدّثني من أثق به عن شيخه الذي علّمه القرآن المجيد قال: قال لي أبوه وهو صبي ــ يعني الشيخ ــ: أحبُّ إليك أن توصيه وتَعِده بأنك إذا لم تنقطع عن القراءة والتلقين أدفع إليك كلّ شهر أربعين درهمًا. قال: ودفع إليّ أربعين درهمًا، وقال: أعطه إيّاها، فإنه صغير وربّما يفرح بها فيزداد حرصه على الاشتغال بحفظ القرآن ودرسه، وقل له: لك في كلّ شهر مثلها. فامتنع من قبولها وقال: يا سيدي، إنّي عاهدت الله تعالى أن لا آخذ على القرآن أجرًا، ولم يأخذها، فرأيت أن هذا لا يقع من صبي إلّا لما لله فيه من العناية.

قلتُ: وصدق شيخه، فإنّ عناية الله هي التي أوصلته إلى ما وصل من كل خير من صغره، ولقد اتفق كلُّ من رآه ــ خصوصًا من أطال ملازمته ــ أنه ما رأى مثله في زهده في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهورًا، بحيث قد استقرّ في قلب القريب والبعيد من كلّ من سمع بصفاته على وجهها، بل لو سُئل عامي من أهل بلد بعيد من الشيخ: من كان أزهد أهل هذا العصر وأكملهم في رفض فضول الدنيا، وأحرصهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سمعت بمثل ابن تيمية.

وما اشتهر له ذلك إلا لمبالغته فيه، مع تصحيح النية، وإلاّ فمَن رأينا

ص: 765

من العلماء قنع من الدنيا بمثل ما قنع هو منها، أو رضي بمثل حالته التي كان عليها؟ لم يُسمع أنه رغب في زوجةٍ حسناء ولا سرية حوراء، ولا دار قوراء، ولا جَوَارٍ، ولا بساتين ولا عَقار، ولا شدّ على دينار ولا درهم، ولا رغب في دواب ولا نَعَم، ولا ثياب ناعمة فاخرة ولا حَشَم، ولا زاحم في طلب الرياسات، ولا راءى ساعيًا في تحصيل المباحات، مع أنّ الملوك والأمراء والتجّار والكبار كانوا طَوعَ أمرِه، خاضعين لقوله وفعله، وادّين أن يتقربوا إلى قلبه مهما أمكنهم، مظهرين لإجلاله، أو أن يؤهل كلًا منهم

(1)

في بذل ماله.

فأين حاله هذه من أحوال بعض المنتسبين إلى العلم وليسوا من أهله، ممّن قد أغراه الشيطان بالوقيعة فيه بقوله وفعله؟ أتُرى ما نظروا ببصائرهم إلى صفاتهم وصفاته، وسِماتهم وسماته، وتحاسدهم في طلب الدنيا وفراغه عنها، وتحاشدهم في الاستكثار منها، ومبالغته في الهرب منها، وخدمتهم الأمراء واختلافهم إلى أبوابهم، وذلّ الأمراء بين يديه، وعدم اكتراثه بكبرائهم وأترابهم ومداجاتهم وتعبداتهم، وصدعه إيّاهم بالحق، وقوّة جأشه في محاورتهم؟ بلى والله! ولكن قتَلَتْهم الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، وغطّى على أحلامهم حبّ الدنيا السارقة، سارقة العقل لا سارقة البدن، حتى أصبحوا قاطعين من بايَنَهم

(2)

في طلبها، واصلين مَن واصلهم في جلبها.

(1)

كذا العبارة في (ط، ك).

(2)

(ط، ك): «يأتيهم» ولعلها ما أثبت ويدل عليها السياق بعدها.

ص: 766