المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامنفي هيئته ولباسه - الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية - ط عطاءات العلم

[أبو حفص البزار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ ترجمة المؤلف

- ‌ نبذة عن الكتاب:

- ‌1 - إثبات نسبته للمؤلف:

- ‌2 - نسخ الكتاب الخطية:

- ‌3 - طبعات الكتاب:

- ‌4 - منهج التحقيق:

- ‌الفصل الأولفي ذكر منشئه وعمره ومدّة عمره رضي الله عنه وأرضاه

- ‌الفصل الثانيفي غزارة علومه ومؤلفاته ومصنفاته، وسَعَة نقله في فتاويه ودروسه البديهية ومنصوصاته

- ‌الفصل الثالثفي ذكر معرفته بأنواع أجناس المذكور والمقول والمنقول، والمتصوَّر والمفهوم والمعقول

- ‌الفصل الرابعفي ذكر تعبّده

- ‌الفصل الخامسفي ذكر بعض وَرَعه

- ‌الفصل السادسفي ذكر بعض زُهده وتجرده وتقاعده عن الدنيا وتبعّده

- ‌الفصل السابعفي إيثاره مع فقره، وتواضعه

- ‌الفصل الثامنفي هيئته ولباسه

- ‌الفصل التاسعفي ذكر بعض كرامته وفراسته

- ‌الفصل العاشرفي ذكر كرمه رضي الله عنه

- ‌الفصل الحادي عشرفي ذكر قوة قلبه وشجاعته

- ‌الفصل الثاني عشرمن ذكر قوّته في مرضاة الله وصبره على الشدائد،واحتماله إياها وثبوته على الحق

- ‌الفصل الثالث عشرفي أنّ الله جعله حُجّة في عصره ومعيارًا للحق والباطل

- ‌الفصل الرابع عشرفي ذكر وفاته وكثرة من صلى عليه وشَيَّعه

الفصل: ‌الفصل الثامنفي هيئته ولباسه

‌الفصل الثامن

في هيئته ولباسه

كان رضي الله عنه متوسّطًا في لباسه وهيئته، لا يلبس فاخر الثياب بحيثُ يُرْمق ويمدّ إليه النظر فيها، ولا أطمارًا، ولا غليظةً تُشهر حال لابسها ويُميَّز من عامّة الناس بصفةٍ خاصة يراه الناسُ فيها

(1)

. بل كان لباسُه وهيئتُه كغالب الناس ومتوسّطهم. ولم يكن يلزم نوعًا واحدًا من اللباس فلا يَلْبَسُ غيرَه. كان يلبس ما اتفق وحصل ويأكل ما حضر.

وكانت بذاذة الإيمان

(2)

عليه ظاهرة. لا يُرَى مُتَصَنِّعًا في عمامة ولا لباس ولا مِشية ولا قيام ولا جلوس، ولا يتهيّأ لأحدٍ يلقاه، ولا لمَنْ يَرِدُ عليه من بلد.

ومن العجب أنّي كنتُ قد رأيتُه قبل لُقِيِّه بمدّةٍ فيما يرى النائم، ونحن جلوس نأكلُ طعامًا على صفة مُعيّنة. فحالَ لقائي له ودخولي عليه وجدتُه يأكلُ مثل ذلك الطعام على نحوٍ من الصفة التي رأيت. فأجلسني، وأكلنا جميعًا كما رأيت في المنام.

وأخبرني غير واحد أنه ما رآه ولا سمع أنه طلب طعامًا قطُّ ولا غداء ولا عشاء، ولو بقي مهما بقي؛ لشدّة اشتغاله بما هو فيه من العلم والعمل، بل كان يؤتى بالطعام، وربما يُترك عنده زمانًا حتى يلتفت إليه، وإذا أكل

(1)

في (ل، ك) زيادة: «من عالم وعابد» .

(2)

البذاذة: رثاثة الهيئة. والمراد: ترك الترفُّه والتنطع في اللباس والتواضع فيه. انظر «فتح الباري» : (10/ 368).

ص: 771

أكل شيئًا يسيرًا. قال: وما رأيناه يذكر شيئًا من ملاذّ الدنيا ونعيمها، ولا كان يخوض في شيء من حديثها، ولا يُسألُ عن شيء من معيشتها، بل جلُّ همّته وحديثه في طلب الآخرة، وما يقرّب إلى الله تعالى.

وهكذا كان في لباسه، لم يُسمع أنه أمر أن يُتَّخذ له ثوب بعينه، بل كان أهله يأتون بلباسه وقت علمهم باحتياجه إلى بدل ثيابه التي عليه، وربّما بقيت عليه مدّة حتى تتّسخ ولا يأمر بغسلها حتى يكون أهله هم الذين يسألونه ذلك.

وأخبر أخوه

(1)

الذي كان ينظر في مصالحه الدنيوية أنّ هذا حاله في طعامه وشرابه ولباسه وما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه من أمور الدنيا، وما رأيت أحدًا كان أشدَّ تعظيمًا للشيخ من أخيه هذا ــ أعني القائم بأوَدِه

(2)

ــ وكان يجلس بحضرته كأنّ على رأسه الطير، وكان يهابه كما يهاب سلطانًا، وكنا نعجب منه في ذلك ونقول له: إنّ من العرف والعادة أنّ أهل الرجل لا يحتشمونه كالأجانب، بل يكون انبساطهم معه فضلًا عن الأجنبي، ونحن نراك مع الشيخ كتلميذ مبالغ في احتشامه واحترامه، فيقول: إني أرى منه أشياء لا يراها غيري، أوجبَتْ أن أكون معه ما ترون. وكان يُسأل عن ذلك فلا يذكر منه شيئًا لما يعلم من عدم إيثار الشيخ لذلك.

(1)

هو زين الدين عبد الرحمن بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 747). ترجمته في «البداية والنهاية» : (18/ 490) و «الدرر الكامنة» : (2/ 329).

(2)

كذا، ولعلها:«بأموره» .

ص: 772