الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الوسطية في العقيدة]
الوسطية في العقيدة لقد خلص التوحيد في عقيدة المسلمين لله سبحانه مما شابه- بفعل تقادم العهد- من الشرك بالله، واتخاذ الأوثان والأصنام آلهة.
كما خلص من كل دعوات التشبيه والتعطيل، التي ابتدعها أصحاب المذاهب التي استمدت من ثقافات غير إسلامية.
وخلص من كل الأفكار الضالة والمنحرفة عن كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لقد سادت بين أهل السنة والجماعة عقيدة التوحيد الخالص، ولم يتأثروا بما واجهوه من انحرافات وأباطيل، وقاوم فقهاء أهل السنة
وعلماؤها التيارات المنحرفة، وهم أهل الاستقامة، وأصحاب الصراط المستقيم، والفرقة الوسط.
لقد كان لهؤلاء العلماء أكبر الأثر في الحفاظ على وسطية الأمة وفكرها العقدي المستمد من القرآن الكريم ومن السنة النبوية، وقد لقي بعضُ الفقهاء في ذلك عنتًا وشدة، كما حدث للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الذي تصدى لفتنة القول بخلق القرآن التي ثارت في عهد المأمون.
لقد كانت الوسطية بمعناها القرآني، هاديًا وسراجا للدعاة والفقهاء، وسط تيارات عقدية تريد أن تزحزح الوسطية بمعناها القرآني عن مكانتها في الفكر الإسلامي.
لقد ساد في الفكر الإسلامي الصحيح، التوازن الظاهر بين الدين والدنيا، وبين العقل والنقل، وبين عَالَم الغيب وعَالَم الشهادة، وبين النفس والبدن.
يقول الغزالي رحمه الله في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد: (إن نظام الدين لا يكتمل إلا بنظام الدنيا، وإن نظام الدنيا شرط لنظام الدين) .
فالوسطية الإسلامية، ليست سمة لفكر علماء معينين، ولكنها سمة العقيدة الإسلامية التي تمسَّك بها أهل السنة والجماعة في عصور المسلمين المختلفة، واعتبروا كل من يخرج عن هذه الوسطية في الاعتقاد أو السلوك، خارجًا عن الأعدل والأوسط، وذَمَّ هؤلاء العلماء كل
غلو أو تطرف يريد الإخلال بصفة الوسطية بمعناها القرآني، ويفرض الانحراف الفكري أو السلوكي في المجتمع الإسلامي.
لقد سادت الوسطية في التفكير الإسلامي، سواء تعلق ذلك بالعقائد أم بالتشريع، وهو مجال رحب لظهور وسطية الإسلام.
وقد استدل علماء المسلمين على مقولاتهم في العقيدة، أو الفقه، بالنقل الذي لا يخالفه العقل السليم، وميزوا بين الواقع والمثال، وبين الغايات والوسائل، واستدلوا بما في القرآن الكريم من الحوار والحِجَاج العقلي والمنطقي، وقياس الأمور على أشباهها وأمثالها.
إننا نجد في القرآن الكريم في الإيمان بالله
ووحدانيته، ووجوب إفراده بالعبادة سبحانه، توجيهًا للإنسان للنظر في الكون المشهود، للاستدلال به، إلى جانب عَالَم الغيب الذي وردت في القرآن حقائق عنه، وكثير من مشاهده، يقول الله تعالى:{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ - وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20 - 21](الداريات الآيتان 20، 21) .
ويقول سبحانه:
والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا.
وفي مجال النبوات والوحي، ترد الأدلة في القرآن الكريم بما تخضع له العقول السوية والمنطق السليم.
وفي تصديق الرسول والرسالة الخاتمة، والتدليل على صدقه صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مخاطبًا المنكرين:
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16](يونس الآية 16) .
ويأخذ على الكفار فساد حجتهم في قولهم: إنما يعلِّمه بشر، فيقول تعالى:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103](النحل الآية 103) .
وهذا التدليل، يجمع بين الفطرة الإنسانية السليمة القابلة للإيمان بالله، وبين الدليل العقلي أو الحِجَاج المنطقي.
وهي وسطية، تخلو من التطرف والغلو الذي عابه ابن حزم على من أوجبوا لصحة الإيمان اصطناع الدليل العقلي بمقدمات ونتائج.
فلم يترك أهل السنة والجماعة التدليل العقلي، مع ما في أيديهم من حجة الكتاب والسنة، وهي الحجة البالغة.
ولم يستسلموا للعقل وحده في قضية الإيمان والوحدانية وعَالَم الغيب، كما فعلت الفلسفات القديمة، أو العلمانية الحديثة، حين اقتصرت على الدليل العقلي أو المنطقي، أو القياس
الفاسد بين عَالَم الغيب وعَالَم الشهادة، في قضايا الإيمان والوحي والرسالات السماوية، فجاء فكرها منقوصًا ومنقوضًا ومتصفا بالغلو والتطرف، في تقديس العقل وإهمال النقل، وقصور المنهاج، وكذلك لم يسلكوا مسلك الأشاعرة الذين ألغوا دلالة العقل في الأحكام الشرعية، ولا مسلك المعتزلة الذين قالوا باستقلالية العقل في التشريع، وهو ما يسمونه التحسين والتقبيح العقلي.
إن المسلمين هم أول من سعى لإزالة التعارض الظاهري بين العقل والنقل، وأفردوا تلك القضية بمؤلفات عظيمة تدل على رسوخ قدمهم في المسائل العقلية، والحجج المنطقية، إلى، جانب حيازتهم قصب السبق في العلوم النقلية،
على غرار ما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفريد (درء تعارض العقل والنقل) .
وبذلك لم يدخل علماء المسلمين في متاهات الفلسفة الإغريقية، التي لم تنتج شيئًا له قيمة في قضية الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وشَبَّهها بعض فلاسفة الغرب المحدَثين بأنها حرث في الماء.