المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الانحراف عن منهاج الواسطية] - الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله - جـ ١

[عبد الله بن عبد المحسن التركي]

الفصل: ‌[الانحراف عن منهاج الواسطية]

[الانحراف عن منهاج الواسطية]

الانحراف عن منهاج الواسطية في آخر عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه ظهرت الفتنة بالانحراف عن هذا المنهاج الوَسَطيِّ في الدعوة، وأطلت الفتنة برأسها، وانتهت بمقتل الخليفة عثمان - رضي الله- عنه ظلمًا وعدوانًا.

وكانت هذه بداية الفتنة الكبرى في تاريخ الإسلام، وذلك حينما انحرفت دعوة الإصلاح أو الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الوجه الشرعي الصحيح، وظهر الخوارج عن منهاج الوسطية في الدعوة إلى الله، فكان ظهورهم انحرافًا عن منهاج الإسلام في الدعوة

ص: 98

إلى الإصلاح، وذكَّرهم الخليفة الراشد علي رضي الله عنه بهذا المنهاج الأقوم والأرشد، ولكنهم تنكبوا الطريق، وعَدَوا على ولي الأمر وخليفة المسلمين بعد أن بايعه الناس ورضوه إمامًا لهم، وكان مسلكهم فيما يتظاهرون به من الدعوة إلى الله، على ما تحكي كتب التاريخ الإسلامي، واضح البطلان والزيف.

كانوا يتمسكون لفظًا بشعارات الإسلام، ويرتكبون عمدًا ما تنكره فرائض الإسلام وشريعته، فلم يصلوا إلى أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، وتفرقت جموعهم إلى فرق شتى، بعضها خرج من الإسلام كما يخرج السهم من الرمية.

ص: 99

تحكي كتب التاريخ أن جماعة من الخوارج التقوا عبد الله بن خباب بن الأرت رضي الله عنه وامرأته حامل متم، فجادلوه وقتلوه وامرأته، وشقوا بطنها عدوانا وظلمًا، ووضع أحدهم تمرة في فمه، فذكَّره زميل له بأنها لا تحل له؟ لأنها من نخل رجل كتابي، فأسرع الخارجي بلفظ التمرة من فمه، كأنه يرى ذلك ذنبًا عظيمًا أكبر في الإثم من قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.

وكفى بذلك وما ذكره المؤرخون من تعسفهم في الفهم، وتأويلهم الباطل، وانحرافهم في القصد، دليلا على مجانبتهم وزيغهم عن الحق، والمنهاج الأوسط والأقوم.

ص: 100

لقد ظل اسم الخوارج منذ انحرافهم الأول يطلق على كل فئة ضالة، تخرج عن منهاج القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في إصلاح القلوب، وتزكية النفوس، وتشق عصا الطاعة، وتخرج على ولي أمر المسلمين، وتفارق الجماعة.

وقد ابتلي العالم الإسلامي في مناطق مختلفة منه بالابتعاد عن منهاج الوسطية في الدعوة، فأضر ذلك كثيرًا بانتشار الإسلام، والتزام المسلمين بأحكامه.

فهناك من فرطوا في الدين، وسعوا إلى تبديل حكم الله، واتباع الأهواء، والابتعاد عن جماعة المسلمين.

وهناك من الدعاة من ظنوا أن ذلك لا يصلحه

ص: 101

إلا التشدد والغلو، واتهام الأولين بالكفر والمروق من الدين، وإباحة دمائهم وأموالهم دون دليل شرعي سليم.

وبدأت تنتشر في العصر الحديث، دعوات وفرق وجماعات من المسلمين، تجانب الوسطية في دعوتها إلى إصلاح القلوب وتزكية النفوس، وهي تجاهر بعدائهما لأمتها، وأولياء الأمر فيها، وسائر الناس، وتخلع الطاعة التي يقوم عليها نظام المجتمع وسلامته، وأمن أفراده، وحرمة أموالهم وأنفسهم.

ومن الغريب أنهم يذهبون في ذلك مذاهب أهل الضلال والغلو من أتباع الأديان الأخرى مما عرف بالأصولية، يستهدفون التشدد والبعد عن

ص: 102

إعمال العقل، ويهتمون بمقاصد سياسية ظاهرة، بقصد السيطرة على المجتمع.

ومع الأسف سرعان ما نسب هذا الغلو والتطرف إلى الإسلام، وكأنه منه، فأصبحت كلمة الأصولية- وهي كلمة أوروبية المنشأ والأصل- وصفا للجماعات الإسلامية التي يعيبها التشدد والغلو، وتكفير الناس، واستباحة الدماء والأموال، والمسارعة إلى الخروج عن الطاعة.

وهذا كله مما يرفضه الإسلام ويدينه، ويرفضه أهل العلم فيه، جرى على ذلك فقه السلف والخلف، منذ ظهر الخوارج في العالم الإسلامي.

ص: 103