الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهم مفرداتها.
[المفهوم الفلسفي للوسطية]
إن الوسطية هنا، ليست فلسفية، وليست خصيصة عرقية، ولكنها تتبع الإسلام، وهي خصيصة إسلامية، وميزة دينية أيضًا.
فهي ليست وسطية فلسفية، كما هي عند أرسطو الذي تعني الوسطية عنده، تداخل الشيئين؛ لكي يتكون منهما في النهاية شيء آخر ثالث، يلغيهما، ويقف بدلًا منهما.
وقد ظهرت وسطية أرسطو في مباحث الأخلاق.
فالشجاعة مثلًا: حد جديد، مقتضاه إلغاء حدين آخرين: الجبن والتهور، ولكنه غيرهما، وهو فضيلة ووسط بين رذيلتين.
وقد انتُقدت الوسطية الفلسفية في مجال الأخلاق بالذات، بأنها تحاول أن تضع للأخلاق موازين حسابية أو هندسية.
وَهَذَا الْمِقْيَاسُ لا يصحُّ، كَمَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ محمود عباس العقاد رحمه الله إلا إذا كان مفروضًا على الإنسان أن يختار بين رذيلتين محققتين، فيختار التوسط بينهما.
إِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْكَرَمِ لا تُعَدُّ فِي كُل حال إسرافًا، والزيادة في الشجاعة لا تعد دائمًا تهورًا.
إذ إن ذلك يتوقف على ظروف عديدة، وبواعث نفسية، ومصالح عامة، بحيث تصبح زيادة الشجاعة، أو المبالغة في الكرم، زيادة في
الفضل، دعت إليها ظروف أو بواعث، أو مصالح اجتماعية.
إِنَّ الْمَفْهُومَ الْإِسْلَامِيَّ لِلْوَسَطِيَّةِ، لا يلغِي الطَّرَفَيْنِ؛ لِيَتَكَوَّنَ مِنْهُمَا حدٌّ ثَالِثٌ، وَإِنَّمَا يَبْقَى فِيهِ الطَّرَفَانِ مُتَجَاوِرَيْنِ، وَيَحْتَفِظُ كُلُّ طرفٍ بوجُودِهِ، وذلك مما يتفق مع الطبيعة البشرية، التي ينتقل فيها الإنسان من حال إلى حال، ويختار بين المفترقات أو المتناقضات، بحسب دوافعه النفسية وحاجات الزمان أو المكان وظروفهما.
وَلَعَلَّ مِنْ خَصَائِصِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْوَحْيُ الْإِلَهِيُّ، القرآن الكريم، أنها في معنى الوسطية، لا تنحو منحى ماديًا في اعتبار الوسط
موقعًا بين طرفين، أو درجة بين الأعلى والأدنى.
بل يظهر في معنى الوسطية اللغوية، أنها الفضل والعدل والأجود، كما يظهر فيها أيضًا بدلالة اللغة، أنها الوسط بين طرفين، وبذلك يكون اللفظ جامعًا لمعان عديدة، مما يسهم في فهم شامل لمعنى الوسطية الإسلامية، وفي بيان مجالات تطبيقها، بحيث تصبح الأمة الوسط في الآية الكريمة:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143](البقرة الآية 143) . هي أمة الخير، والعدل، والشهادة، والتوسط بين الأمور.