الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبو هريرة من قبيلة دوس الزهرانية، ويمكن عزو هذه اللغة إليها، إذ لايزال بعض أهل السراة إلى اليوم يقول:"فزد، وزدّه"، في: فزت وزدته. وقد عزاها سيبويه إلى تميم أيضًا فقال: "وقالوا: فزد، يريدون فزت، كما قالوا: فحصط"1. قال السيرافي شارح الكتاب: "هي لغة لبعض تميم
…
يقلبون الدال من تاء فعلت إذا كان لام الفعل حرفًا من هذه الحروف الثلاثة: الزاي والدال والذال، كقولهم: فزد في معنى فزت، يشبهون هذه التاء بتاء فعلت، وليس هذا بالكثير"2.
ويمكن تفسير هذه الظاهرة بأن التاء أخت الدال في المخرج، كما أن الدال والزاي حرفان مجهوران، والتاء حرف مهموس، فأبدلوا من التاء دالاً، ليقربوا بين الصوتين، وتتحقق بينهما المجانسة والتناسق الصوتي3.
1 الكتاب 4/241.
2 شرح كتاب سيبويه 576.
3 ينظر: سر صناعة الإعراب 1/185، وشرح المفصل 10/48.
2-
إبدال التاء هاء:
استشهدوا لهذا الإبدال في لغات الأزد بلفظ واحد هو (التابوت)، فهم يقولون:(التابوه) بالهاء، وهي لغة الأنصار خاصة، وقرئ بها - في الشواذ - قوله تعالى:{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ} 4.
4 سورة البقرة 248.وينظر: شواذ القرآن 22، وإعراب القراءات الشواذ1/261، والمحتسب 1/129، والمحرر الوجيز/133، وشرح الكافية الشافية 4/2160، وشرح المفصل 10/45، والقرطبي1/154، واللسان (توب) 1/233.
قال القاسم بن معن: "لم تختلف لغة قريش والأنصار في شيء من القرآن إلا في (التابوت) فلغة قريش بالتاء، ولغة الأنصار بالهاء"1.
وروي عن زيد بن ثابت الأنصاري، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث، وعبد الله بن الزبير، والثلاثة من قريش، أنهم اختلفوا عند كتابة المصحف في (التابوت) فقال القرشيون:(بالتاء) وقال زيد: (بالهاء) فرفعوا اختلافهم إلى عثمان رضي الله عنه فقال: "اكتبوه التابوت، فإنه نزل بلسان قريش"2.
ويري الجوهري أن التاء ليست أصلية، وأنه من (ت وب) وأصله: تابُوَةٌ، مثل ترقوة، وهو فعلوة، فلما سكنت الواو انقلبت هاء التأنيث تاء3.
قال ابن بري: "الصواب أن يذكره في مادة (ت ب ت) لأن تاءه أصلية، ووزنه فاعول مثل: حاطوم، وعاقول، والوقف عليه بالتاء في أكثر اللغات، ومن وقف عليه بالهاء، فإنه أبدلها من التاء، كما أبدلها في الفرات حين وقف عليها بالهاء، وليست التاء في الفرات بتاء تأنيث، وإنما هي أصلية من نفس الكلمة"4.
وذهب الزمخشري إلى أنه فعلوت، مشتق من التوب، وهو الرجوع، لأنه ظرف توضع فيه الأشياء وتودعه، فلا يزال يرجع إليه فيما يحتاج إليه من
1 الصحاح (توب) 1/92.
2 سنن الترمذي 5/285. وينظر: مسند أبي يعلى1/64، وتفسير القرطبي 1/54، وسنن البيهقي2/385، والدر المصون 2/523، وشرح شذور الذهب 63.
3 الصحاح (ت وب) 1/92.
4 التنبيه والإيضاح1/45.
مودعاته. قال: ولا يكون فاعولا، لقلته، نحو: سلس وقلق، ولأنه تركيب غير معروف، فلا يجوز ترك المعروف إليه1.
ويرى العكبري أنه (فاعول) وأنه لا يعرف له اشتقاق في لغة العرب2.
وقد عزيت هذه اللغة إلى طيئ أيضًا، حيث كانوا يقفون على تاء جمع المؤنث وما يماثلها بالهاء، حكى قطرب عنهم أنهم يقولون:"كيف البنون والبناه، وكيف الإخوة والأخواه"3.ومنه قولهم: "دفن البناه من المكرماه"4 أي: دفن البنات من المكرمات، وهو حديث شريف5.
ومثل ذلك قولهم: (هيهاه) و (وأولاه) و (اللاه) في: هيهات وأولات واللات6.
ولم تعز هذه اللغة لغير طيئ والأنصار، ولا غرابة، فكلاهما من القبائل اليمنية القحطانية المهاجرة من موطن واحد.
ولا تزال تسمع في اليمن، في بعض جهات صعدة، وبخاصة لدى قبيلتي
1 الكشاف 1/293.وينظر: البحر المحيط 2/579،والدر المصون 2/523.
2 التبيان 1/198.
3 سر صناعة الإعراب 2/563، والممتع 1/402، وشرح المفصل لابن يعيش 10/45، والأشموني 4/214،334.
4 شرح الألفية لابن الناظم 811، وأوضح المسالك 4/287، والتصريح 5/259.
5 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 11/366، والأوسط2/372، والهيثمي في مجمع الزوائد3/12، والعجلوني في كشف الخفاء 1/445.
6 معاني القرآن للأخفش 1/11، وتفسير الطبري27/59، وسر صناعة الإعراب 2/563، وشرح المفصل لابن يعيش 10/45، وأوضح المسالك 4/288، والأشموني 4/214.
علاف والأبقور1.
ويرى الدكتور إبراهيم أنيس أن هذه الظاهرة ليست من قبيل قلب صوت إلى آخر، بل هي حذف الآخر من الكلمة. قال:"وما ظنه القدماء هاء متطرفة هو في الواقع امتداد في التنفس حين الوقوف على صوت اللين الطويل، أو كما يسمى عند القدماء ألف المد"2.
ولعل الدكتور أنيس نظر إلى عدم توفر شروط الإبدال بين الهاء والتاء، فالهاء صوت حلقي رخو، والتاء صوت لثوي شديد3، أي ليس بينهما تقارب يسوغ التبادل بينهما.
والصحيح أن هذه الظاهرة هي نوع من الإبدال، وقد فسرها ابن جني بقوله: "التابوه بدل من التاء في التابوت. وجاز ذلك لما أذكره: وهو أن كل واحد من التاء والهاء حرف مهموس، ومن حروف الزيادة في غير هذا الموضع. وأيضًا فقد أبدلوا الهاء من التاء التي للتأنيث في الوقف، فقالوا: حمزه، وطلحه، وقائمه، وجالسه. وذلك منقاد مطرد عند الوقف، ويؤكد هذا أن عامة عقيل فيما لا نزال نتلقاه من أفواهها تقول في الفرات: الفراه، بالهاء في الوصل والوقف.
1 لهجات اليمن قديمًا وحديثًا44، ودراسات في لهجات شمال وجنوب الجزيرة العربية24.
2 في اللهجات العربية 136.
3 الكتاب 4/433، ومخارج الحروف وصفاتها 124-126، والأصوات اللغوية 61،88.