المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المبحث الأول: اللغات الملقبة: ‌ ‌الاستنطاء: … المبحث الأول: اللغات الملقبة: نعني باللغات الملقبة، تلك - الإبدال في لغات الأزد دراسة صوتية في ضوء علم اللغة الحديث

[أحمد بن سعيد قشاش]

الفصل: ‌ ‌المبحث الأول: اللغات الملقبة: ‌ ‌الاستنطاء: … المبحث الأول: اللغات الملقبة: نعني باللغات الملقبة، تلك

‌المبحث الأول: اللغات الملقبة:

‌الاستنطاء:

المبحث الأول: اللغات الملقبة:

نعني باللغات الملقبة، تلك الظواهر اللغوية التي خلت منها لغة قريش، وعرفت بألقاب خاصة، كالكسكسة والكشكشة والطمطمانية والاستنطاء، ونحو ذلك مما ذكره ابن فارس تحت باب (اللغات المذمومة) 1 وذكره السيوطي بعنوان (معرفة الرديء والمذموم من اللغات)2.

وقد عزي إلى قبائل الأزد بعض الظواهر الإبدالية الملقبة، من غير أن تنفرد بلقب واحد منها، حيث نجد بعض المصادر تنسب اللقب إلى الأزد في حين يُنسب في مصادر أخرى إلى غيرهم من قبائل العرب، وليس هذا من قبيل التعارض في النسبة، لأن بعض الظواهر اللغوية قد تنتشر بحكم المجاورة أو الاختلاط في المواسم الدينية أو الأسواق أو الحروب بين عدد كبير من القبائل العربية، فيروي كل لغوي ما بلغه منها.

وسندرس - فيما يلي - ما عزي إلى الأزد من ظواهر الإبدال الملقبة، مرتبة على حروف المعجم:

1-

الاستنطاء:

يفسر اللغويون هذه الظاهرة بأنها عبارة عن جعل العين الساكنة نونًا إذا جاورت الطاء، كقولهم:"أنطى" بدلاً من أعطى3. ومن شواهدها: ما روته أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ "إنا أنطيناك الكوثر" 4.

1 الصاحبي53.

2 المزهر1/221.

3 الإبدال لأبي الطيب 2/318، والمزهر1/222، والتاج (ن ط ا) 10/372.

4 سورة الكوثر 1. وينظر: المعجم الكبير للطبراني23/365 (862) ، وشواذ القرآن182، والكشاف4/806.

ص: 435

كما قرأ ابن مسعود والأعمش: (وأنطاهم تقواهم) 1 في قوله تعالى: {وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} 2.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا مانع لما أنطيت، ولا منطي لما منعت"، وقوله:"اليد المنطية خير من اليد السفلى"، ومنه كتابه لوائل بن حُجْر:"وأنطوا الثَّبَجَة" وقوله لرجل آخر: "أنطه كذا"3.

وفي كتابه صلى الله عليه وسلم لتميم الداري: "هذا ما أنطى محمد رسول الله لتميم الداري وإخوته

" 4 قال الزَّبيدي: "ويسمون هذا الإنطاء الشريف، وهو محفوظ عند أولاده"5. وقال ابن الأعرابي:"شرّف النبي صلى الله عليه وسلم هذه اللغة وهي حميرية"6.

ومن شواهدها في الشعر قول أعشى قيس:

جيادك في القيظ في نعمة

تُصان الجِلال وتنطى الشَّعيرا7

وأنشد ثعلب:

من المنطيات المركب المعج بعدما

يُرى في فروع المقلتين نُضوب8

1 شواذ القرآن142.

2 سورة محمد 17.

3 النهاية1/206، 5/76. والثبجة: الوسط في الصدقة.

4 مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري 1/174.

5 التاج (ن ط ا) 10/372.

6 تهذيب اللغة 14/30.

7 الإبدال لأبي الطيب 2/318، وفي ديوانه 149:(وتعطي الشعير) .

8 اللسان (ن ض ب) 1/763، (ن ط ا) 15/333.

ص: 436

قال الخليل: "الإنطاء لغة في الإعطاء"1 وقال الجوهري: "الإنطاء: الإعطاء بلغة اليمن"2.وعزاها ابن الأعرابي - في قوله المتقدم - وابن الجوزي3 إلى حمير. وقال التبريزي: "هي لغة العرب العاربة من أولي"4 وعزاها السيوطي5 والزَّبيدي6 إلى سعد بكر، وهذيل، والأزد، وقيس، والأنصار، وهم بطن من الأزد.

ويرى الدكتور الجندي أن قيس المذكورة ليس المراد بها قيس عيلان، وإنما هي بطن من همدان، بدليل قول الأعشى السابق، وهو من قيس القحطانية.

كما يرى أن هذيل المذكورة ليست تلك القبيلة المعروفة من مضر، وإنما هي هذيل اليمنية. قال: فتكون هذه اللغة قد خلصت لليمن بدليل وجود الأنصار والأزد في نص السيوطي، وجميعهم من اليمن7. غير أن هذا لا يمنع من انتقالها إلى قبائل أخرى غير يمنية، فاللغات لا تعرف الثبات بل تنتقل بين القبائل بالمجاورة والاختلاط، ومن المعروف جغرافيًا أن بعض بطون هذيل وقيس كانت تجاور الأزد في السراة8، ومن هنا يأتي التأثير، فانعكست بعض الظواهر الأزدية على قبيلة هذيل وقيس ومنهم بنو سعد بن بكر.

1 العين 7/454.

2 الصحاح (نطا) 6/2512.وينظر: الفائق 1/17، والنهاية5/76.

3 غريب الحديث2/418.

4 البحر المحيط 10/556، والدر المصون 11/125.

5 المزهر 1/222.

6 التاج (المقدمة) 1/8، (ن ط ا) 10/372.

7 اللهجات العربية في التراث 1/381.

8 ينظر: معجم ما استعجم 1/15، ومعجم البلدان 3/204.

ص: 437

كما أن "التوزيع الجغرافي لمواطن النطق بالصيغة (أنطى) قديمًا وحديثًا، يبين أنها كانت توجد على طرق القوافل، من الجنوب إلى الشمال، ومن ثم فإن احتمال انتقال هذه الصيغة من الجنوب، أي: من بلاد اليمن، على طول رحلتي الشتاء والصيف، احتمال مقبول"1.

ولا تزال هذه اللغة منتشرة في أماكن مختلفة من الوطن العربي، فقد سُمعت في العراق2 وفي صحاري مصر3 وفي غرب السودان وشرقه4.

ولم يسمع للاستنطاء مثال آخر غير الفعل أعطى في لغة القبائل التي روي عنها، ومن هنا استبعد الدكتور رمضان عبد التواب أن تقلب العين وهي حرف حلقي إلى النون وهي حرف غير حلقي، فمخرج كل منهما بعيد عن مخرج الأخرى. قال:"ومن المعروف أن الصوت لا يقلب إلى صوت آخر إلا إذا كان بين الصوتين نوع من القرابة الصوتية في المخرج والصفة"5 وقد أشرنا من قبل إلى رأي فريق من العلماء القدامى والمعاصرين الذي يشترط وجود علاقة صوتية بين الحرفين المبدلين تدعو إلى إحلال أحدهما محل الآخر.

ويرى الدكتور عبد الغفار حامد هلال أن تباعد مخرجي النون والعين ليس مبررًا كافيًا يمنع أن تقلب العين نونًا، فالصوتان وإن تباعد مخرجاهما إلا أن بينهما تقاربا في بعض الصفات يسوغ التبادل بينهما، كالجهر والانسفال والانفتاح، ثم هما أيضًا صوتان متوسطان بين الرخاوة والشدة6.

1 العربية ولهجاتها 51.

2 دراسات وتعليقات في اللغة 125.

3 مميزات لغات العرب 13.

4 دراسات وتعليقات في اللغة 124.

5 ودراسات وتعليقات في اللغة 126.

6 اللهجات العربية نشأة وتطورًا 186، وينظر: مخارج الحروف وصفاتها 126، 127، وارتشاف الضرب1/10، وفي اللهجات العربية 141.

ص: 438

ومحاولة تفسير هذه الظاهرة بإيجاد علاقة صوتية بين العين والنون أراه تكلفًا لا مسوغ له، فيكفي أن نقول: إنهما لغتان، لأن إبدال العين نونًا لم يصدر - بالتأكيد - عن ناطق واحد، بل هما - كما يقول أبو الطيب اللغوي في تفسير ظواهر الإبدال - لغتان مختلفتان هذه لقبيلة، وتلك لأخرى1.

وكان الدكتور إبراهيم أنيس يرى "أن الأمر لم يكن مقصورًا على الفعل (أعطى) بل يتعلق بكل (عين) سواء وليها طاء أو صوت آخر. فلعل من القبائل من كانوا ينطقون بهذا الصوت بصفة خاصة نطقًا أنفميًا، وذلك بأن يجعلوا مجرى النفس معه من الفم والأنف معًا، فتسمع العين ممتزجة بصوت النون وليست في الحقيقة نونًا، بل هي (عين) أنفمية. وعلى هذا فيمكن أن يقال: إن الرواة قد سمعوا هذه الصفة ممثلة في الفعل (أعطى) فأشكلت عليهم، ولم يصفوها لنا على حقيقتها"2.

وهذا افتراض بلا دليل، ولو أن الرواة سمعوا للاستنطاء أمثلة أخرى غير الفعل (أعطى) لذكروها، لأن الأمر عندهم لا يتوقف على ظاهرة لغوية مجردة لم يحسنوا وصفها كما زعم، بل يتعلق بنص القرآن الكريم وما ورد فيه من قراءات بلغوا الغاية في وصفها وضبطها.

ويرى بعض المستشرقين أن الاستنطاء لا علاقة له ألبتة بالفعل (أعطي) ، بل هو فعل سامي آخر معروف في العبرية هو (نطا) بمعنى (مد يده، ثم زيدت عليه الهمزة فصار على وزن (أفعل) في العربية، بزيادة الهمزة3.

1 ينظر: ص 13، 14من هذا البحث.

2 في اللهجات العربية 142.

3 في اللهجات العربية 142.

ص: 439

وذهب إلى هذا الرأي الدكتور عبد المجيد عابدين، وقال:"فـ (أنطى) في العربية أصله: نطا ينطو، أي: مدّ يمدّ، يقال: نطوت الحبل، أي: مددته، وهو من أصل يختلف عن: عطا يعطو، بمعنى: تناول، وإن كان معنياهما يتقاربان في الاستعمال، ولكل لفظ في الفصحى مادته ومشتقاته. وظن السيوطي أن العين الساكنة أبدلت نونًا، وليس هناك إبدال على الحقيقة، ولا لتسكين العين أو تحريكها علاقة بالصيغة النونية"1.

وكان أبو حيان - وهو على دراية ببعض اللغات السامية - يرى أيضًا أنهما أصلان مختلفان لا إبدال فيهما، قال:"قال أبو الفضل الرازيّ وأبو زكريا التبريزيّ: أبدل من العين نونًا، فإن عنيا النون في هذه اللغة مكان العين في غيرها فحسن، وإن عنيا البدل الصناعي فليس كذلك، بل كل واحد من اللغتين أصل بنفسها لوجود تمام التصرف من كل واحدة، فلا يقول الأصل العين، ثم أبدلت النون منها"2.

ويرى الدكتور عبد الرحمن أيوب أن في العربية الفعل (ناط) بمعنى أسند الأمر لإنسان ما ليقوم به وهو في العبرية (ناتا) وفي الأمهرية (أمطى) مزيد عليه الهمزة كالفعل العربي (أعطى) ووجود النون في العبرية فاء للفعل والميم في الأثيوبية دليل على أن المادة الأصلية للفعل العربي (ن ط ى)3.

ولم يرتض الدكتور رمضان عبد التواب هذا التفسير، لأنه – في رأيه - يبعد عن المعنى العام لكلمة (أنطى) في العربية، وهو مطلق الإعطاء. ويرى أن

1 من أصول اللهجات العربية في السودان 112.

2 البحر المحيط 10/556.

3 العربية ولهجاتها 51.

ص: 440

مقابل الفعل (أعطى) في العبرية (natan) أي: نون وتاء ونون. وفي السريانية في المضارع (nettal) مع إدغام النون الأولى في التاء، والنون الثانية في لام الجر. قال: ولعل ما حدث في لغة هذه القبائل التي روي عنها الاستنطاء، هو عملية نحت لما في هاتين اللغتين واللغة العربية، فأخذت فاء الفعل من العبرية والسريانية، وبقيت عينه ولامه كما هما في العربية"1.

وللدكتور إبراهيم السامرائي رأي طريف في تفسير هذه الظاهرة، حيث يقول:"إني لأرى فيها أن بين الفعل (أعطى) و (آتى) قرابة، والفعلان هما هما في الدلالة، قال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} 2، وأنا أفترض أن الثلاثي (أتى) بزيادة الهمزة يؤدي هذا المعنى. وإذا ضاعفنا التاء كان عندنا (أتّى) والمضاعف يصبح (أنتى) حين يفك التضعيف ويبدل النون من إحدى التاءين على غرار طائفة من الأفعال غير هذا الفعل، وكأن (أنتى) صار (أنطى) بإبدال الطاء من التاء. ولنا أن نقول: إن (أعطى) جاء من (آتى) بإبدال الهمزة الثانية عينًا، والتاء طاء"3.

وهذا الرأي قريب من واقع الكلمة في بيئتها العربية، ويعضده ما عزي إلي بعض أهل اليمن أنهم يبدلون الحرف الأول من الحرف المشدد نونًا، فيقولون في الحظّ، والإجّاص، والإجّانة، والقبّرة: الحنظ، والإنجاص، والإنجانة، والقنبرة4.

1 دراسات وتعليقات في اللغة 127، 128.

2 سورة البقرة 177.وكتبت الآية في الأصل سهوًا: "وآتى المال على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا".

3 في اللهجات العربية القديمة 80،191. وينظر: دراسات في اللغة 217.

4 الاقتضاب 2/181.

ص: 441