المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الأول: الإبدال في الحروف (الصوامت) : ‌ ‌توطئة: الإبدال في الاصطلاح: جعل - الإبدال في لغات الأزد دراسة صوتية في ضوء علم اللغة الحديث

[أحمد بن سعيد قشاش]

الفصل: ‌ ‌الفصل الأول: الإبدال في الحروف (الصوامت) : ‌ ‌توطئة: الإبدال في الاصطلاح: جعل

‌الفصل الأول: الإبدال في الحروف (الصوامت) :

‌توطئة:

الإبدال في الاصطلاح: جعل حرف مكان آخر مطلقاً، وهو عند علماء العربية1 قسمان:

1-

إبدال صرفي، وهو الإبدال القياسي المطرد عند جميع العرب، ويقع في حروف معينة، مثل تاء افتعل إذا جاء بعدها أحد حروف الإطباق فإنها تبدل طاء، كقولهم في (اصتب) :"اصطبر" وهو لا غنى عنه، تركه يوقع في الخطأ، أو مخالفة الأكثر من كلام العرب2.

وحروفه تسعة عند ابن مالك، عبر عنها في (الألفية) و (الكافية الشافية) بقوله:"هدأت موطيا"3 وفي (التسهيل) 4 بقوله: "طويت دائمًا" فأسقط الهاء. وجمعها أبو علي القالي في اثني عشر حرفًا عبر عنها بقوله: "طال يوم أنجدته"5. وهي عند الزمخشري خمسة عشر حرفًا عبر عنها بقوله: "استنجده يوم طال زط"6. والذي ذكره سيبويه منها أحد عشر حرفًا: ثمانية من حروف الزيادة، وهي ما سوى اللام والسين، وثلاثة من غيرها، وهي الدال والطاء والجيم، يجمعها في اللفظ عبارة:"أجد طويت منهلا"7.

1 ينظر: الأمالي2/186، وشرح الكافية الشافية4/2079،2080، والأشموني4/282، وهمع الهوامع 3/427، والمزهر1/ 474.

2 شرح الكافية الشافية4/2080.

3 شرح الكافية الشافية4/2077، وشرح ابن عقيل 2/481، والأشموني 4/280.

4 ص 300.وينظر: المساعد 4/86.

5 الأمالي2/186.

6 المفصل 428.

7 سيبويه4/237، والتبصرة 2/812.وينظر: المقتضب 1/61، وابن يعيش 10/8، والأشموني4/283.

ص: 431

2-

إبدال لغوي، وهو الذي يعنينا في هذا البحث، وهو سماعي غير مطرد في كلام العرب، ولكنه يختلف باختلاف القبائل، فقبيلة تقول: مدح، بالحاء، وأخرى: مده، بالهاء1. ولا يعد مخالفه مجانبًا للصواب اللغوي2، ويقع - غالبًا - في جميع حروف المعجم3.

ولم تقف نظرة اللغويين عند التغيير الذي يلحق حروف الكلمة، بل رأوا أن الإبدال يكون في الحركات أيضًا، وعلى هذا فيمكن تعريف الإبدال بأنه: جعل حرف مكان آخر، أو حركة مكان أخرى4.

وقد اختلف القدماء في معنى الإبدال اللغوي وسببه على رأيين:

1-

فريق يرى أن كل لفظين اختلفا في حرف واحد، واتفقا في سائر الحروف هو من باب الإبدال، ومن هؤلاء أبو الطيب اللغوي الذي كان يرى أن الإبدال بجميع صوره لا يقع إلا بين لغتين مختلفتين، وقد وضح هذا بقوله: "ليس المراد بالإبدال أن العرب تتعمد تعويض حرف من حرف، وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة، تتقارب اللفظتان في لغتين لمعنى واحد حتى لا يختلفا إلا في حرف واحد.

قال: والدليل على ذلك أن قبيلة واحدة لا تتكلم بكلمة طورًا مهموزة، وطورًا غير مهموزة، ولا بالصاد مرة، وبالسين أخرى، وكذلك إبدال لام التعريف ميمًا، والهمزة المصدرة عينًا، كقولهم في أنّ: عنّ، لا تشترك العرب في

1 الصاحبي203، والإبدال 1/316.

2 اللهجات العربية72.

3 همع الهوامع 3/427، والمزهر 1/461.وينظر: شرح الكافية الشافية4/2079، والمساعد 4/86،87، والأشموني4/279، 282.

4 اللهجات العربية71.

ص: 432

شيء من ذلك، إنما يقول هذا قوم، وذاك آخرون"1.

2-

وفريق آخر يشترط لكي تعد الكلمتان من الإبدال تقارب الصوتين، أي: وجود علاقة صوتية بينهما تسوغ إحلال أحدهما محل الآخر، كقول الأصمعي:"النغر والمغر. الميم بدل من النون لمقاربتها في المخرج"2. وقد نص على ذلك صراحة أبو علي الفارسي في قوله: "القلب في الحروف إنما هو فيما تقارب منها، وذلك: الدال والطاء والتاء، والذال والظاء والثاء، والهاء والهمزة، والميم والنون، وغير ذلك مما تدانت مخارجه. فأما الحاء فبعيدة من الثاء، وبينهما تفاوت يمنع من قلب إحداهما إلى أختها"3.

وكان تلميذه ابن جني يرى -كذلك - أن الإبدال لا يقع إلا في الأصوات المتقاربة المخارج4.

وقال ابن سيده: "ما لم يتقارب مخرجاه ألبتّة فقيل على حرفين غير متقاربين فلا يسمى بدلاً، وذلك كإبدال حرف من حروف الفم من حرف من حروف الحلق"5.

وفي عبارة موجزة علل الأزهري حدوث الإبدال في لغات العرب بقوله: إذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغات"6.

وقد وصل هذا الخلاف إلى المعاصرين، فمنهم من يرى إمكانية حدوث الإبدال في جميع أصوات العربية سواء فيما تقارب منها مخرجًا وصفة، أو ما تقارب صفة وتباعد

1 الإبدال 1/69، وينظر: المزهر 1/460.

2 النوادر لأبي زيد291.

3 سر صناعة الإعراب 1/180.

4 الخصائص 2/149-152.

5 المخصص13/274.

6 تهذيب اللغة10/6.

ص: 433

مخرجًا. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي عبد الله أمين في كتابه (الاشتقاق)1.

ومنهم من يقول بوجوب التقارب بين الصوتين، ومن هؤلاء الدكتور إبراهيم أنيس الذي يقول: "حين نستعرض تلك الكلمات التي فُسرت على أنها من الإبدال حينًا، أو من تباين اللهجات حينًا آخر، لا نشك لحظة في أنها جميعًا نتيجة التطور الصوتي

غير أنه في كل حالة يشترط أن نلحظ العلاقة الصوتية بين الحرفين المبدل والمبدل منه. ودراسة الأصوات كفيلة بأن توقفنا على الصلات بين الحروف وصفات كل منها. أي: أن القرب في الصفة والمخرج شرط أساسي في كل تطور صوتي"2.

ونحن في بحثنا هذا سنأخذ برأي الفريقين في تفسير ظواهر الإبدال في لغات الأزد، سواء ما كان منها في الحروف (الصوامت) أو الحركات (الصوائت) .

1 ص361.

2 من أسرار اللغة75. وينظر بعض أراء المعاصرين في وجوب التقارب: الإبدال لأبي الطيب (مقدمة المحقق) 1/9، ودراسات في فقه اللغة217-219.

ص: 434