الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويؤكد هذا قول الدكتور جاكوب بارت: إن كسر حروف المضارعة في الساميات القديمة طارئ عليها، وليس أصلاً فيها، إذ إنه انتقل في اللغتين العبرية والسريانية من وزن فعِل يفعَل إلى الأوزان الأخرى، فصارت كلها مكسورة أحرف المضارعة إلا في اللغة العربية، في الأفعال الحلقية الفاء والجوفاء والمضعفة، فقد بقيت فيها حروف المضارعة مفتوحة1.
أما دليله الثاني - وهو أن استمرار الكسر في اللهجات العربية الحديثة دليل على أصالة الكسر - فهو مردود بأن هذه اللهجات تُستعمل – دائمًا - إما متوارثة عن لغات عربية قد يكون بعضها محافظًا على الصيغة القديمة، وإما متطورة عن هذه اللغات التي غيرت نهجها وفقًا لقوانين لغوية2.
ومن هنا يتضح لنا أن فتح حرف المضارعة أذهب في القدم من الكسر.
1 في الأصوات اللغوية 190.
2 لغة تميم 210.
المبحث الثاني: بين الفتح والكسر في اللام الجارة:
تُكسراللام الجارة مع الاسم الظاهر، وتُفتح مع المضمر. هذه القاعدة المطردة في العربية الفصحى، بل في اللغات السامية الأخرى كالعبرية والحبشية3. أما قبيلة خزاعة الأزدية فإنها تخالف هذا الاطراد. قال ابن عقيل:"وفتح اللام مع المضمر لغة غير خزاعة، فيقول غيرهم من العرب: لَكم ولَها ولَه، بفتح اللام، وأما خزاعة فيكسرون اللام مع المضمر، كما فعل هم وغيرهم مع المظهر، وهذا في غير الياء4 والمستغاث"5.
3 التطور النحوي للغة العربية160.
4 ياء المتكلم.
5 المساعد2/260.
وأكثر مصادر العربية تعزو هذه الظاهرة - أيضًا - إلى خزاعة1، عدا ابن جني فقد عزاها إلى قضاعة2، وهي موصولة بخزاعة نسبًا وجوارًا، فهما من القبائل القحطانية المهاجرة من اليمن إلى أرض الحجاز.
ولما كان الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها، كان فتح اللام مع المضمر هو الأصل، وإنما كسرت مع الظاهر - سوى المستغاث - خوف التباسها بلام التوكيد أو الابتداء3.
وحكى ابن جني أن هذه اللام قد تفتح مع المظهر على الأصل في بعض اللغات، فيقال: المال لَزيد، بفتح اللام. ونقل عن أبي عبيدة، والأخفش، وخلف الأحمر، ويونس أنهم سمعوا العرب تفتح اللام الجارة مع المظهر، واستشهد بقراءة سعيد بن جبير:{وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} 4 بفتح اللام. ونقل عن أبي زيد الأنصاري أنه سمع من يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} 5 بفتح اللام أيضًا6.
وقال ابن عقيل: فتحها مع الفعل لغة عكل وبلعنبر، واستشهد بقراءة ابن جبير أيضًا7.
1 شرح الرضي 4/283، وجواهر الأدب 70، وارتشاف الضرب4/1706، والجنى الداني 183، وهمع الهوامع 2/372.
2 الخصائص2/10.وينظر: الاقتراح 186.
3 الكتاب 2/376، ومعاني الحروف للرماني 56، وسر صناعة الإعراب1/ 327، واللامات للهروي 7، وللزجاجي 98.
4 سورة إبراهيم 46.
5 سورة الأنفال33.
6 سر صناعة الإعراب1/328-330.وينظر: معاني القرآن للأخفش 1/122.
7 المساعد2/260.
بعد هذا العرض يتضح أن للعرب في اللام الجارة لغير ياء المتكلم والمستغاث ثلاث لغات:
الأولى: فتحها مع المضمر وكسرها مع الظاهر، وهي اللغة الفصحى.
الثانية: كسرها مطلقًا مع الظاهر والمضمر، وهي لغة خزاعة، وتعزى كذلك إلى قضاعة.
الثالثة: فتحها مطلقًا مع الظاهر والمضمر، وهي لغة لبعض العرب، وعزيت مع الفعل لعكل وبلعنبر.
وحكم ابن جني على هاتين الأخيرتين بالشذوذ الذي لا يقاس عليه، ولكنه عاد فجوزهما بضرب من التأويل والتعليل، فقال:"إذا رُدّت في بعض المواضع إلى ضرب من التأوّل إليه فله وجه من القياس. وأما الكسر ففرع، والحمل على الأصول أجوز من النزول إلى الفروع. ووجه جوازه أنه لما شُبه المظهر بالمضمر في فتح لام الجر معه نحو قراءة سعيد بن جبير وغيرها، كذلك شُبه المضمر بالمظهر في كسر لام الجر معه"1.
ولا تزال لغة خزاعة شائعة إلى اليوم في بعض الحواضر المصرية2، وسمعتها من أهل السراة بكسر لام الجر مع كاف المخاطبة فقط.
1 سر صناعة الإعراب1/330.وينظر: الخصائص 2/10.
2 جواهر الأدب (الحاشية)70.