الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجاب المانعون
عن هذا فقالوا:
إن الاقتران في النظم لا يستلزم الاقتران في الحكم والشركة إنما تكون في المتعاطفات الناقصة المحتاجة إلى ما تتم به فإذا تمت بنفسها فلا مشاركة كما في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} (الفتح: 29) فإن الجملة الثانية معطوفة على الأولى، والصحابة لا يشاركون النبي صلى الله عليه وسلم في الرسالة ونحو ذلك كثير في الكتاب والسنة، والأصل في كل كلام تام أن ينفرد بحكمه ولا يشاركه غيره، فمن ادعى خلاف هذا في بعض المواضع فلدليل خارجي ولا نزاع فيما كان كذلك ولكن الدلالة فيه ليست للاقتران بل للدليل الخارجي، أما إذا كان المعطوف ناقصا بأن لا يذكر خبره كقول القائل فلانة طالق وفلانة فلا خلاف في المشاركة، ومثله عطف المفردات وإذا كان بينهما مشاركة في العلة فالتشارك في الحكم إنما كان لأجلها لأجل الاقتران وقد احتج الشافعي على وجوب العمرة بقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البقرة:196)، والأمر يقتضي الوجوب فكان احتجاجه بالأمر دون الاقتران.
والمروي عن الحنفية كما حكاه الزركشي (1)
(1) الزَّرْكشي (745 - 794 هـ) هو محمد بن بهادر بن عبد الله، أبو عبد الله، بدر الدين، الزركشي. فقيه شافعي أصولي. تركي الأصل، مصري المولد والوفاة. له تصانيف كثيرة في عدة فنون.
من تصانيفه: " البحر المحيط " في أصول الفقه 3 مجلدات، و " إعلام الساجد بأحكام المساجد "، و " الديباج في توضيح المنهاج " فقه، " المنثور " يعرف بقواعد الزركشي. [الأعلام 6/ 286، والدرر الكامنة 3/ 397].
عنهم في "البحر" أنها إذا عطفت جملة على جملة فإن كانتا تامتين كانت المشاركة في أصل الحكم لا في جميع صفاته؛ وقال: لا تقتضي المشاركة أصلاً وهي التي تسمى واو الاستئناف كقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} (الشورى:24)، فإن قوله:{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} جملة مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها ولا هي داخلة في جواب الشرط وإن كانت الثانية ناقصة شاركت الأولى في جميع ما هي عليه (1).
وقال العلامة الآمدي (2) في الإحكام (2|258) رداً على من قال بأن العطف على العام يوجب العموم في المعطوف:
استدل أصحابنا على أن المسلم لا يقتل بالذمي بقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ (3)» وهو عام بالنسبة إلى كل كافر، حربياً كان أو ذمياً.
(1) راجع: إرشاد الفحول للشوكاني (2 |1013) طبعة دار الفضيلة.
(2)
الآمدي (551ـ631 هـ) هو علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، أبو الحسن، سيف الدين الآمدي. ولد بآمد من ديار بكر. أصولي باحث. كان حنبليا ثم تحول إلى المذهب الشافعي. برع في علم الخلاف وتفنن في علم أصول الدين وأصول الفقه والفلسفة والعقليات. دخل الديار المصرية وتصدر للإقراء. حسده بعض الفقهاء ونسبوه إلى فساد العقيدة والتعطيل ومذهب الفلاسفة. فخرج منها إلى البلاد الشامية، وتوفي بدمشق. من تصانيفه:" الإحكام في أصول الأحكام "؛ و " أبكار الأفكار " في علم الكلام؛ و " لباب الألباب ".
[الأعلام للزركلي 5/ 153؛ وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 129 ـ 130]
(3)
صحيح أخرجه بهذا اللفظ: أحمد (6690)(6796) وأبو داود (2751) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7752) وهو جزء حديث في صحيح البخاري (3047).
فقال أصحابُ أبي حنيفة: لو كان ذلك عاماً للذمي، لكان المعطوفُ عليه كذلك، وهو قوله:«وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» ضرورة الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم وصفته، وليس كذلك، فإن الكافر الذي لا يقتل به المعاهد إنما هو الكافر الحربي دون الذمي.
ثم قال: إنه قد ورد عطف الخاص على العام في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة: 228)
فإنه عام في الرجعية والبائن، وقوله:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (البقرة: 228) خاص (أي بالرجعية).
وورد عطف الواجب على المندوب في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ} (النور: 33) فإنه للندب، وقوله:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} للإيجاب. وورد عطف الواجب على المباح في قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} (الأنعام: 141) فإنه للإباحة وقوله: {وَآتُوا حَقَّهُ} للإيجاب.
ولو كان الأصل هو الاشتراك في أصل الحكم وتفصيله، لكان العطف في جميع هذه المواضع على خلاف الأصل، وهو ممتنع (1) اهـ.
(1) الإحكام في أصول الأحكام (2|259).