الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة على عدم الوجوب وعدم إمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب، لأنه وإن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يمكن بالنسبة إلى لفظ واجب وحق إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله. ولا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدمه (1) " انتهى.
قلت: ويرد على ذلك بأن الأحاديث القاضية بوجوب الغسل ليست معترضة بالاقتران فقط، وإنما صرفتها أحاديث أخرى كحديث سَمُرَة بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ (2)» .
(4)
احتج الشافعي على وجوب العمرة بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
(البقرة: 196).
قال البيهقي: قال الشافعي الوجوب أشبه بظاهر القرآن، لأنه قرنها بالحج (3). اهـ
(1) راجع نيل الأوطار (1 |292 ـ 293) بتصرف يسير.
(2)
حسن: أخرجه أحمد (20089)(20120)(20174)(20177)(20259) وأبو داود (354) والترمذي (497) والنسائي في الكبرى (1696) وحسنه الألباني.
(3)
البحر المحيط (8 |111).
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (1):
قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّهَا لِقَرِينَتِهَا " إنَّمَا أَرَادَ بِهَا لِقَرِينَةِ الْحَجِّ فِي الْأَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، فَكَانَ احْتِجَاجُهُ بِالْأَمْرِ دُونَ الِاقْتِرَانِ (2).
قلت: يستلزم التركيب اللغوي كثيراً الجمع بالعطف أو بغير أدوات العطف أحياناً بين المتغايرات في الحكم أو المعنى ، كالجمع بين الحج والعمرة في قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} وفي حديث: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
…
(3)» وفي قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (النور:33).
قوله {فَكَاتِبُوهُمْ} المكاتبة مستحبة، وقوله {وَآتُوهُمْ} على الوجوب.
وهذا قد يعرف بدلالة التركيب اللغوي، ومثله لو قال قائل: جئت راكباً ورأيت القطار. فهذا لا يلزم منه أنه جاء راكبا القطار.
وقد يدل الاقتران في اللفظ على الاشتراك في الحكم ولكن ليس من مجرد الاقتران وإنما بالقرائن الدالة على التساوي في الحكم ، أو من أدلة أخرى خارجة تقوي القول بالاقتران في الحكم والله أعلم.
(1) أبو الطيب الطبري (348 - 450 هـ) هو طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، القاضي أبو الطيب، الطبري. فقيه، أصولي جدلي. من أعيان الشافعية، ولد في آمل بطبرستان، واستوطن بغداد، سمع الحديث بجرجان، ونيسابور، وبغداد، وولي القضاء بربع الكرخ.
من تصانيفه: " شرح مختصر الممزني "، في فروع الفقه الشافعي، و " شرح ابن الحداد المصري " وكتاب في " طبقات الشافعية "، والمجرد " [طبقات الشافعية 3/ 176، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 247، والأعلام 3/ 321، ومعجم المؤلفين 5/ 37].
(2)
البحر المحيط (4| 398).
(3)
صحيح: أخرجه أحمد (167)(3669) ابن ماجه (2887) والنسائي في الكبرى (3596) والترمذي (810) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1200).