الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتأمل تحديد الهدف وفق زمن محدد (العصر)، ودليل اعتبار الوقت في تحقيق الأهداف، اجتهاد بعض الصحابة فأخروا الصلاة، يقول الحافظ في الفتح:" فتخوف ناس فوات الوقت فصلوا، وتمسك آخرون بظاهر الأمر فلم يصلوا، فما عنف صلى الله عليه وسلم أحداً منهم، من أجل الاجتهاد المسوغ، والمقصد الصالح"(1).
ومنه أيضاً: ما أخرجه الشيخان من حديث البراء رضي الله عنه، قال: ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تلك شاة لحم"، فقال: يا رسول الله، إنّ عندي جذعة من المعز، فقال:"ضح بها، ولا تصلح لغيرك"، ثم قال:" من ضحى قبل الصلاة، فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين"(2).فتحديد زمن الفعل معتبر هنا، لذا عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلّ بالانضباط بهذا الوقت مضيع لنسك الأضحية، وإنْ ذبح شاة أو ناقة! وقال:"ذبح لنفسه". يعني ينتفع به أو يتصدق به. والأمثلة كثيرة جداً لمن يتتبع.
المطلب الرابع: أن تكون مرنة قابلة للتعديل (البدائل):
نبذل كل الاسباب أحياناً لتحقيق الهدف، لكنّ خللاً ما أو ربما بتقدير من الله يمنع تحقيق هذا الهدف حتى بعد بذل الأسباب، أو أحيانا تقصر طاقة الإنسان عن تحقيق هدفٍ بعينه، وهذا لا يعد فشلا في الوصول إلى الهدف، وصاحب المشروع الفطن يتوجب عليه ايجاد البدائل المناسبة التي تعوض هذا الهدف المطلوب، وكل عمل على مستوى الفرد أو المؤسسة إذا لم تجعل في حساباتها بدائل ممكنة عن الأهداف فالنتيجة الفشل والانهيار.
ومن يتتبع السنة النبوية يجد أمثلة رائعة توضح هذا المفهوم، من ذلك: ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله بن جعفر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال:" فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر، فإنْ قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة".فلقوا العدو فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه وأتى خبرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فخرج إلى النّاس فحمد الله وأثنى عليه وقال:"إنّ إخوانكم لقوا العدو وإنّ زيداً أخذ الراية فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبى طالب فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد، ففتح الله عليه
…
الحديث " (3).
(1) فتح الباري 1/ 209.
(2)
أخرجه البخاري (5236) ومسلم 3/ 1552 (1961) -واللفظ له-
(3)
أخرجه أحمد 1/ 204، وأبو داود (4192) والنسائي 8/ 128.
وهنا يظهر بوضوح البدائل التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم للجيش فهم في معركة شرسة مع ثاني أقوى دولة في الأرض (الروم)،وأرض المعركة بعيدة عن مركز القيادة في المدينة المنورة، لأنّ المعركة دارت في أرض الشام، فلابد من وضع بدائل مناسبة وإلا فالهدف لن يتحقق، فجاء الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل الثلاثة، ولعل السبب في عدم جعل خالد بن الوليد في البدائل، أن إسلامه كان قريباً، وربما لو وُضع في البدائل حدثت بلبلة في وسط الجند، لاسيما أنها أوّل معركة يخوضها خالد رضي الله عنه مع المسلمين فترك النبيّ صلى الله عليه وسلم الأمر على حاله، وجاء دور أبي سليمان خالد بن الوليد وظهر بمظهره المناسب، إذ جاء ترشيحه للقيادة برأي الجند -أنفسهم- في ساحة المعركة مع شدة الوطيس واستنان البيض.
فانظر إلى البدائل التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة، ثم انظر إلى فطنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار خالد بن الوليد رضي الله عنه.
ومن الأمثلة الجلية على أهمية البدائل في الأهداف، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان مما يوصي أمرآءه في الحرب فيقول:"ذاإ لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله، وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا"(1).
وتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم:" فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم .. ": فكان صلى الله عليه وسلم يضع للقائد خيارات وبدائل للوصول إلى هدفه، فالإسلام أولاً، وإذا قبلوا به فهم أمام خيرين إما الهجرة أو البقاء في أرضهم ولكل واحدة أحكامها، وإذا رفضوا الدخول في الاسلام، فانتقل إلى الخيار الثاني وهو الجزية، فإن قبلوا فاقبل منهم، وإن رفضوا فانتقل إلى البديل الأخير: وهو القتال.
(1) أخرجه مسلم 3/ 1357 (1371)،وغيره.