المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: أن يكون الهدف محددا واضحا: - رسم الأهداف

[عبد القادر المحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: (الهدف) مفهومه، وشروط تحقيقه

- ‌المطلب الأول: تعريف الهدف لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: شروط تحقيق الأهداف (في ضوء السنة النبوية)

- ‌أولاً: أن يكون الهدف محدداً واضحاً:

- ‌ثانياً: أن يكون الهدف قابلاً للتنفيذ

- ‌ثالثاً: أن يكون الهدف واقعياً:

- ‌رابعاً: أنْ يكون الهدف محدداً بوقت معين:

- ‌خامساً: وضع الأهداف الجزئية:

- ‌المبحث الثاني: معايير تحقيق الأهداف (في ضوء السنة النبوية)

- ‌المطلب الأول: تحديد العمل المطلوب انجازه، ومَنْ يقوم به، ومتى يقوم به، ولماذا يقوم به

- ‌المطلب الثاني: تحديد المعيار الكمي، والنوعي لقياس الإنجاز:

- ‌المطلب الثالث: تحديد الإطار الزمني المطلوب لإنجاز العمل

- ‌المطلب الرابع: أن تكون مرنة قابلة للتعديل (البدائل):

- ‌المطلب الخامس: أن تكون متوافقة مع قيم المجتمع وتوجهاته:

- ‌المبحث الثالث: مراجعة الأداء وتقييم صحة الأهداف ودقتها (في ضوء السنة النبوية)

- ‌المطلب الأول: مقدار علاقة الهدف بالرسالة المقصودة

- ‌المطلب الثاني: مراجعة الجدول الزمني وتدقيقه:

- ‌المطلب الثالث: مراجعة وتدقيق مكان الهدف:

- ‌المطلب الرابع: من سيقوم بالأعمال والخطوات اللازمة لتحقيق الهدف

الفصل: ‌أولا: أن يكون الهدف محددا واضحا:

فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" (1).

قال المناوي:" الغرض: الهدف المقصود بالرمي، ثم جعل اسما لكل غاية يتحرى إدراكها، وقال الشريف: الغرض هو الفائدة المترتبة على الشيء من حيث هي مطلوبة بالإقدام عليه "(2).

فالأهدف والأغرض بمعنى واحد، وهما: الغاية التي يتحراها طالبها للوصول إلى مراده، ولا تتحقق إلا بالإقدام عليها، وقد تكون واحدة أو أكثر، كلية أو جزئية.

‌المطلب الثاني: شروط تحقيق الأهداف (في ضوء السنة النبوية)

.

لتحقيق الأهداف شروط مهمة يجب توفرها حتى تتحقق الأهداف، وأهم هذه الشروط:

‌أولاً: أن يكون الهدف محدداً واضحاً:

خلق الله تعالى هذا الكون بنظام دقيق، فهو يسير وفْق غاية محددة وهدف منشود، وهذا النظام الكوني البديع مرآة تدلّ على أنّ كل شيء فيه له هدف. قال تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} الأنبياء16، فالله جل جلاله خلق هذا الكون ونظمه، وجعل له أهدافاً بينة وواضحة {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر49. فالأنسان -أي انسان - لو تامل قليلاً بتجرد تام في ملكوت السموات والأرض لما ملك نفسه أن يعترف بهذا الخالق العظيم.

ولما كان الأنسان خليفة في هذه الأرض كان عليه أنْ يعرف الهدف الذي يعيش من أجله، ويسعى لتحقيقه، وإلاّ فإنه ولد وعاش وسيموت وهو لا يدري لم خلق وأين سيمضي.

أما المسلم الدّاعي إلى الله فيجب عليه أولاً أن يُحدِّد الهدف من دعْوته، وتحديد الهدف يدفعه إلى سلوك السبل الصحيحة المرتّبة في حياته، فيكون لكلامه حينئذٍ أكثر نفعاً، وأبلغ تأثيراً.

وأزعم إنّ ما يَحدُث في ميدان الدّعوة اليوم من اخفاقات سببها في أغلب الأحيان عدم تحديد الأهداف ووضوحها، إذ يَتَشتّت ذهن المستمع في موضوعات شتَّى وفي أمور متنوِّعة، تجْعله ينصرف عن الدّعاة، لأنه لم يجد لديْهم هدفاً مُحدّداً.

ولقد حدّد الله سبحانه وتعالى الهدَف من خلْق الإنسان قبل خلقه!،فقال:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} البقرة30،وأمر الملائكة أن يسجدوا له فقال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ

(1) أخرجه أحمد 5/ 57،والترمذي (3862)،وغيرهما، واسناده ضعيف.

(2)

التوقيف على مهمات التعاريف ص 536.

ص: 6

فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} الحجر29.وحدد له وظيفته في هذا الكون، فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات56،وحدّد صلى الله عليه وسلم مضمونَ رسالته، والغايةَ منها، منذ أوّل يوم، إذ صعد على جبل الصفا في قلب مكة، فصدح بهدفه، فأخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال:": لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} الشعراء214. صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أنْ يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال صلى الله عليه وسلم:" أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أنْ تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ ". قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال:" فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا، فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} المسد:1،2 " (1).

فالنبيّ صلى الله عليه وسلم جمع عشيرته وأقاربه على صعيد واحد، وحدد لهم الهدف الذي بعث من أجله، بكل وضوح ودقة وإيجاز، وكذا أخرج أحمد في مسنده من حديث أبي الزناد عن ربيعة بن عباد الديلي، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول:" يا أيها النّاس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا". ويدخل في فجاجها والنّاس متقصفون عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً وهو لا يسكت، يقول:" أيها النّاس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا". إلاّ أنّ وراءه رجلاً أحول وضيء الوجه ذا غديرتين، يقول: إنّه صابئ كاذب. فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد بن عبد الله، وهو يذكر النبوة قلت: من هذا الذي يكذبه؟ قالوا: عمه أبو لهب " (2).

ومن الدقة العالية للأهداف النبوية أنه حدد مطلبه من قومه بكلمة واحدة: (لا إله إلا الله)، ولكنهم رفضوها، قال ابن عباس رضي الله عنه:مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبيّ صلى الله عليه وسلم وعند أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كى يمنعه، وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي: ما تريد من قومك؟ قال: إني أريد منهم كلمة واحدة تدين لهم بها العرب، وتؤدى إليهم العجم الجزية". قال: كلمة واحدة! قال:" كلمة واحدة". قال:" يا عم قولوا لا إله إلا الله". فقالوا: إلها واحداً (ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إنْ هذا إلا اختلاق). قال: فنزل فيهم القرآن: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ص 1و2 إلى قوله: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} ص 7" (3).

فالنبيّ صلى الله عليه وسلم حدد هدفه (كلمة واحدة)،وأخبرهم بالنتائج المستقبلية التي خطط لها النبيّ صلى الله عليه وسلم، تدين لهم العرب، وتؤدي العجم الجزية إليهم، وهذا بالتأكيد ناتج عن تخطيط نبوي على مستوى عالٍ، فكأني بالنبيّ صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه البخاري (4492)، ومسلم 1/ 192 (204)،وغيرهما.

(2)

الحديث صحيح، أخرجه أحمد 4/ 341.

(3)

أخرجه أحمد 1/ 227،والترمذي (3232)، والنسائي في الكبرى (8716)،وغيرهم

ص: 7

كان يجلس الساعات والأيام يفكر ويرسم الخطط لتحقيق الأهداف، وبالتأكيد يظلله الوحي ويسدد تلك الخطوات.

لذا كان لهذا التحديد والوضوح أثر بالغ في التأثير في إسلام كثير من الصحابة، فالإنسان السوي يهمه وضوح الأهداف ودقة الرؤى في ما يطلب منه، لاسيما في مسألة تتعلق بنهايته المحتومة، وبآخرة إما إلى خلود في الجنة أو في النار-أعاذنا الله منها-.

فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فى أصحابه، وكان ضمام رجلا جلداً أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنا ابن عبد المطلب". قال: محمد؟ قال:" نعم". فقال: ابن عبد المطلب: إني سائلك ومغلظ فى المسألة، فلا تجدنًّ فى نفسك. قال:" لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك". قال: أنشدك الله، إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك: آلله بعثك إلينا رسولاً؟ فقال:" اللهم نعم". قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أنْ تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئاً، وأنْ نخلع هذه الأنداد التى كانت آباؤنا يعبدون معه؟ قال:" اللهم نعم". قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أنْ نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال:" اللهم نعم". قال-ابن عباس-: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة، الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع الإسلام كلها، يناشده عند كل فريضة كما يناشده فى التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص. قال: ثم انصرف راجعاً إلى بعيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولّى:" إنْ يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة". قال: فأتى إلى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أوّل ما تكلم به أنْ قال: بئست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام اتق البرص والجذام اتق الجنون. قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إنْ الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، وإني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفى حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً. قال: يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة" (1).

(1) أخرجه أحمد 1/ 250 و1/ 264 و1/ 265، والدارمي (652)، وأبو داود (487)،وغيرهم.

ص: 8