الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أنْ نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً وأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصيام، -قال: فعدد عليه أمور الإسلام- فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به .. الحديث " (1).فتأمل في القيم العليا التي أثرت بهذا الملك، وجعلته يسلم دون أنْ يلقى النبيّ صلى الله عليه وسلم أو بسمع منه، ثم بالأسلوب الرائع والفظنة الهاشمية لجعفر رضي الله عنه في اختياره هذه العبارت.
المبحث الثالث: مراجعة الأداء وتقييم صحة الأهداف ودقتها (في ضوء السنة النبوية)
.
المطلب الأول: مقدار علاقة الهدف بالرسالة المقصودة
.
لكل رسالة في هذه الدنيا أهداف، وهذه الأهداف لابد من أن تكون محددة وواضحة للآخرين -كما سبق – لتعريفهم بهذه الأهداف وتحمل أعباء حملها والقيام بها، لذا فأنت تقرأ باستمرار في سيرة المؤسسات الناجحة أول ما تقرأ: ما هي اهدافنا، ولماذا هذه الأهداف؟
(1) أخرجه أحمد 1/ 201،وابن خزيمة (2260)، إسناده حسن، لحال محمد بن إسحاق وقد تفرد ولم يتابع.
فربط الأهداف بالرسالة التي نريدها مهم جداً، ولنوضح ذلك:
كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يطوف على القبائل في مواسم الحج ويعرض دعوته عليهم، ويطلب بوضوح النصرة والمأوى والمنعة له ولإصحابه، لارتباط كل هذه بالدعوة وتبليغ دين الله، كما جاء في مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على النّاس بالموقف، فيقول:" هل من رجل يحملني إلى قومه فإنّ قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل". فأتاه رجل من همدان فقال: "ممن أنت؟ " فقال الرجل: من همدان. قال:" فهل عند قومك من منعة؟ ". قال: نعم. ثم إن الرجل خشي أن يخفره قومه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: آتيهم فأخبرهم ثم آتيك من عام قابل. قال:" نعم". فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب " (1).
ويحدثنا علي رضي الله عنه عن أحدى المرات بينما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحاول مع قبائل العرب، ويعرض نفسه عليهم، حدث أمر ذا بالٍ، كما أخرجه ابن حبان في سيرته من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال:" قال حدثني علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر الصديق، حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر فسلم وقال: ممن القوم ...... "-حتى قال المثنى بن حارثة الشيباني:-:" قد سمعت مقالتك يا أخا قريش! والجواب هو جواب هانىء بن قبيصة، في تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك، وإنما نزلنا بين ضرتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هاتان الضرتان؟ ". قال: أنهار كسرى ومياه العرب إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى لا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه الله من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، ويفرشكم نساءهم، أتسبحون الله وتقدسونه؟ ". فقال النعمان بن شريك: اللهم! نعم. قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً} الأحزاب5، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يد أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض" (2).
(1) حديث صحيح، أخرجه أحمد 3/ 390،والدارمي (3354)،وابن ماجه (201)،وابو داود (4734)،
والترمذي (2925)،وقال:"حسن صحيح". والنسائي في الكبرى (7680).
(2)
السيرة النبوية 1/ 93.