المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: (الهدف) مفهومه، وشروط تحقيقه

- ‌المطلب الأول: تعريف الهدف لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: شروط تحقيق الأهداف (في ضوء السنة النبوية)

- ‌أولاً: أن يكون الهدف محدداً واضحاً:

- ‌ثانياً: أن يكون الهدف قابلاً للتنفيذ

- ‌ثالثاً: أن يكون الهدف واقعياً:

- ‌رابعاً: أنْ يكون الهدف محدداً بوقت معين:

- ‌خامساً: وضع الأهداف الجزئية:

- ‌المبحث الثاني: معايير تحقيق الأهداف (في ضوء السنة النبوية)

- ‌المطلب الأول: تحديد العمل المطلوب انجازه، ومَنْ يقوم به، ومتى يقوم به، ولماذا يقوم به

- ‌المطلب الثاني: تحديد المعيار الكمي، والنوعي لقياس الإنجاز:

- ‌المطلب الثالث: تحديد الإطار الزمني المطلوب لإنجاز العمل

- ‌المطلب الرابع: أن تكون مرنة قابلة للتعديل (البدائل):

- ‌المطلب الخامس: أن تكون متوافقة مع قيم المجتمع وتوجهاته:

- ‌المبحث الثالث: مراجعة الأداء وتقييم صحة الأهداف ودقتها (في ضوء السنة النبوية)

- ‌المطلب الأول: مقدار علاقة الهدف بالرسالة المقصودة

- ‌المطلب الثاني: مراجعة الجدول الزمني وتدقيقه:

- ‌المطلب الثالث: مراجعة وتدقيق مكان الهدف:

- ‌المطلب الرابع: من سيقوم بالأعمال والخطوات اللازمة لتحقيق الهدف

الفصل: ‌خامسا: وضع الأهداف الجزئية:

ثم إنّ وعي كثير منا بالوقت ضعيف، ولذا فإن استخدامنا له في حل مشكلاتنا محدود، والزمن عنصر في تكوين الأهداف وتراكمها، وطريقة حلها، ووجود هدف في حياة الواحد منا يجعل وعيه بقيمة الزمن أعظم، ويساعده هذا الوعي على استخدامه في تغيير أوضاعه. وأتساءل ماذا بإمكاننا أن نفعل تجاه جهلنا بعلم من العلوم المعاصرة؟ فإننا سنجد أنّه في الوقت الحاضر لا نستطيع أن نفعل أي شيء يذكر تجاه ذلك، أما إذا احترمنا الزمن وخططنا لخمس سنين-مثلاً- فسنجد أننا نستطيع فعل الكثير؛ وذلك بسبب وجود خطة، واستهداف للمعالجة، وهما يعتمدان على عنصر الزمن. فكثير من الخلل المنهجي في تصور أحوالنا، وحل أزماتنا، يعود إلى ضيق مساحة الرؤية، ومساحة الفعل معًا، وذلك كله بسبب فقد النظر البعيد المدى (1).

‌خامساً: وضع الأهداف الجزئية:

لا نعني بالجزئية أنها هامشية، وإنما هي أهداف مرحلية توصل بمجموعها إلى الهدف الأكبر، المقصود من ذلك الفعل، وهذه الأهداف الجزئية يجب ألا تتقاطع مع الهدف الأصل أو تتنافر معه، لأنها لن تصبح اهدافاً جزئية حينئذٍ، بل تتحول إلى معوق عن تحقيق الهدف الكبير.

فلو أراد أحد منّا بناء مدرسة فلابد أولاً من موقع مناسب، وتصميم مناسب، وأساتذة أكفاء، وطلبة، ومناهج علمية، فتحقيق كل واحدة من هذه هدف جزئي، وبمجموعها يتحقق الهدف الكبير، وكل واحدة من هذه الجزئيات مهمة بمفردها لتحقيق التكامل من الهدف (إنشاء المدرسة).

فلو تهيأ موقع مناسب، وطلبة، ووسائل متطورة، بلا أساتذة، فلن يتحقق الهدف، وكذا لو تهيأ طلبة وأساتذة ووسائل بلا مكان مناسب فلن يتحقق الهدف، وهكذا في بقية الأهداف الجزئية، فهي تكاملية غير متضادة. ولنوضح المسألة بمثال من السنة النبوية: أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن:" إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أنْ يشهدوا أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب "(2).

(1) ينظر: من أجل إنتاجية أفضل أهمية رسم الأهداف، د. عبد الكريم بكار، صيد الفوائد، مقال على الشبكة العنكبوتية.

(2)

أخرجه البخاري (1425)، ومسلم 1/ 50 (19)،وغيرهما.

ص: 13

فهذه الأجزاء تتكامل بمجموعها فتشكل الإسلام، ولا يفهم منه أنّ من أقر بالشهاديتن، والصلاة ثم جحد الزكاة أنه على الإسلام، بل هذه الأهداف الجزئية يكمل بعضها بعضاً، فلا تقبل الشهادتان بلا صلاة، ولا صلاة بلا زكاة، وهذا التكامل في الأهداف الجزئية قد فهمه أعظم رجل بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأمة أبو بكر الصديق حينما قاتل مانعي الزكاة، فأخرج الشيخان من حدث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه كيف تقاتل النّاس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أمرت أنْ أقاتل النّاس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلاّ بحقه وحسابه على الله ". فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإنّ الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه فوالله ما هو إلا أنْ قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق" (1).

ومن يتأمل مراحل الدعوة النبوية، المرحلة السرية، والعلنية، والهجرة، وإقامة الدولة، والفتوحات، كلها مراحل متكاملة غير متضاد ولا متقاطعة، وكانت كل واحدة من هذه الأجزاء هدفاً مستقلاً في فترة زمنية معينة، تكاملت لتشكل الهدف الكبير (دعوة الإسلام).

ومن ذلك أيضاً: الأهداف الرئيسة التي حققها النبيّ صلى الله عليه وسلم في أوّل مقدمه المدينة المنورة، وهي (بناء المسجد، المؤاخاة، وثيقة المدينة) فهذه أهداف جزئية تتكامل ضمن هدف كبير هو بناء الدولة المؤسساتية.

فأول مؤسسة بنيت في دولة الإسلام هي (المسجد)، فالمسجد كان مكان عبادة، وملتقى الأخوة والمدرسة التعليمية وهو كذلك كان مقر القيادة منه تنطلق الجيوش وفيه تعقد اللقاءات الداخلية والخارجية (2)، ومن النكت اللطيفة التي نبه إليها الإمام البخاري في صحيحه أنه عنون باباً (التعاون في بناء المسجد)(3) فالنبيّ صلى الله عليه وسلم بنى هو وأصحابه متعاونين هذه المؤسسة الضخمة، وفي هذا تأثير روحي كبير في نفوس المسلمين.

ثم جاء الهدف الثاني: (المؤاخاة): وهو هدف مهم جداً ذوب فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم الاختلافات القبلية والنفسية بين المسلمين، فلا فرق بين أسود وأبيض، ولا غني أو فقير، فالميزان التقوى، فتقدمت رابطة الدين على رابطة الدم، وهذه الخطوة كانت هامة للغاية ولاسيما بين فئات مختلفة في أشياء كثيرة، ففيهم القرشي

(1) أخرجه البخاري (1335)، ومسلم 1/ 51 (20)،وغيرهما.

(2)

وللمزيد ينظر: دلائل النبوة للبيهقي 2/ 546،والسيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شهبة 2/ 30،،والرسول القائد محمود شيت خطاب ص77.

(3)

كتاب الصلاة، أبواب المساجد باب (30) 1/ 171.

ص: 14

والفارسي والرومي، والحبشي، والغفاري، والدوسي، والأوسي والخزرجي،

الخ، اضف إلى الخلافات الكبيرة بين الأوس والخزرج، ووجود العدو القديم الجديد (اليهود) الذين يتربصون بالمؤمنين، ثم الطابور الثالث (أهل النفاق)، فكانت المؤاخاة مهمة جداً لضبط العلاقات والروابط الاجتماعية (1).

ثم جاء الهدف الثالث: وهو تنظيم العلاقات بين المسلمين وبين غير المسلمين فجاءت الوثيقة النبوية ببنود مهمة أرست القواعد والمبادئ، بما يحقق العدالة والمساواة التامة بين البشر، وأن يتمتع بنو الإنسان على اختلاف ألوانهم، ولغاتهم، وأديانهم، بالحقوق والحريات بأنواعها،"ولا تزال المبادئ التي تضمنها الدستور -في جملتها- معمولاً بها، والأغلب أنها ستظل كذلك في مختلف نظم الحكم المعروفة إلى اليوم

وصل إليها النّاس بعد قرون من تقريرها، في أول وثيقة سياسية دونها الرسول صلى الله عليه وسلم " (2).

فهذه الأهداف الثلاثة هي جزئية يكمل بعضها بعضاً، وهي تصب في تحقيق هدف كبير هو إقامة دولة إسلامية، ولاسيما أنّ الدولة كانت تمر بمنعطف تاريخي كبير، فهي تمر باختبار مهم والكل يتربص بها غلطاً أو تقصيراً، فهي تحولت من جماعة إلى أمة، ومن مرحلة الاستضعاف والتهجير إلى مرحلة الاستقرار والتمكين. فالأهداف الجزئية مهمة جداً، ورسم الخطط والمناهج بهذا الأهداف من واجبات القيادة، وتنظيم هذه الأهداف وترتيبها حسب الأولويات، لتحقيق الهدف الرئيس.

يقول أساتذة التخطيط:" (فكر عالمياً وتصرف محلياً)،أي يجب أن تفكر بشكل شامل واسع، تستطيع من خلال تقييم قدراتك، وتحديد موقعك على خارطة أحلامك بدقة. لكن حينما تبدأ العمل يجب أن تصرف اهتمامك إلى تلك الأشياء الصغيرة التي تستطيع انجازها، والتي تحسب في خانة انجازاتك، إن الهدف الجزئي يكون ممكناً نظراً لسهولة القيام به، لكن الهدف الكبير يكون خيالياً نظراً لشكنا في امكانية القيام به، وكثيراً ما تصبح الأحلام الكبيرة مجرد أمنيات في عقل أصحابها لأنهم لم يجزئوها وينجزوها مرحلة تتبعها أخرى .... فالأحلام الكبيرة والأمجاد العظيمة ممكنة ونقدر عليها بشرط أن نخطط لها جيداً، ونجزئها إلى مراحل ونضع لكل مرحلة خطة عمل ووقتاً للبدء والانتهاء"(3).

(1) ينظر: السيرة النبوية، ابن كثير 2/ 326،ودراسات في السيرة، عماد الدين خليل ص125،والإدارة العربية والاسلامية فكراً وتطبيقاً، د. عامر الكبيسي ص52.

(2)

النظام السياسي في الإسلام، محمد أبو فارس ص65،،وينظر: وقفات تربوية مع السيرة النبوية، أحمد فريد ص166،ووثيقة المدينة المنورة دراسة تحليلة، د. عبد القادر المحمدي ص 25.

(3)

أفكار صغيرة لحياة كبيرة، كريم الشاذلي ص104

ص: 15