الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: قيمة الكتاب العلمية وبيان وجوه الحسن والإجادة
إن قيمة أي كتاب علمية تعتمد على مؤلفه، وموضوعه، ومادته العلمية، ومصادره، فإذا كان المؤلف قديراً، والموضوع مهماً، والمادة غزيرة، والمصادر أصيلة، علت قيمة الكتاب، وكثرت الاستفادة منه.
ولقد تجمعت هذه العناصر الأربعة في كتاب الشوشاوي، إضافة إلى أمور أخرى مساعدة، مما يجعل كتاب الشوشاوي يزاحم غيره من الكتب في المكتبة الأصولية، وسنعرض فيما يلي أهم النقاط التي تتضح من خلالها القيمة العلمية لكتاب الشوشاوي ونبين وجوه الحسن والإجادة:
1 -
إن هذا الكتاب شرح لتنقيح الفصول للقرافي، وقد علم القارئ قيمة هذا المختصر العلمية، الذي جمع لباب أصول فقه المالكية، وبالإضافة إلى محصول الرازي، وبالتالي ندرك قيمة هذا الشرح، الذي تناول مسائل المختصر بالتفصيل والبيان.
2 -
إن الكتاب يعتبر موسوعة لأصول فقه المالكية؛ حيث يحرص مؤلفه على بيان موقف المذهب المالكي من كل مسألة.
فهو يعتني بآراء مالك وأصحابه المتقدمين، كما يعتني بمن جاء بعدهم من رجال المذهب المالكي، فتجد آراء أبي الفرج، والقاضي إسماعيل،
والأبهري، وأمثالهم.
كما تجد اهتماماً بآراء المبرزين في علم الأصول من المالكية، كالقاضي الباقلاني، والقاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي، والباجي، والمازري، وابن الحاجب وغيرهم.
وتجد أيضاً النقول العديدة عن كتب الأصول المالكية، كالملخص للقاضي عبد الوهاب، وإحكام الفصول للباجي، وشرح المحصول للقرافي، وشرح البرهان للمازري، وشرح البرهان للإبياري، ومختصر ابن الحاجب، وشروح التنقيح، وغيرها.
3 -
مع جمع الكتاب لآراء المالكية، واهتمامه بها، إلا أنه أيضاً محتوٍ على آراء المذاهب الأخرى في كل مسألة مع عرض الحجج والمناقشات.
4 -
اعتمد الشوشاوي رحمه الله في كتابه هذا على شرح القرافي، وشرح المسطاسي لكتاب التنقيح، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إنه قد حوى ما فيهما، وبالإضافة إليهما نقل عن بعض الشراح ممن لم يسمهم، وهذا بلا شك يزيد قيمة هذا الشرح؛ إذ فيه عصارة أفكار من سبقه إلى شرح التنقيح.
5 -
بسط الشرح، وطول نفس الشوشاوي في عرض المسائل، أثرى مادة الكتاب بكثير من المسائل والفوائد.
ولقد اشتمل على عدد من المعارف التي تتصل بمواطن البحث، يجدها القارئ مبثوثة في ثنايا الكتاب.
ومع أن هذا قد يعتبر من الاستطراد المخرج عن الموضوع، إلا أن رد كل علم إلى المتخصصين فيه شأن ذوي الألباب، فإذا طالعت باب أقل الجمع، أو
الاستثناء، أو حروف المعاني فكأنك تطالع كتاباً في النحو.
وإذا طالعت باب الأخبار تظن أنك تقلب كتاباً في المصطلح، وقد تقلب الصفحات في تفسير آية، أو تصريف كلمة.
6 -
استخدام الشوشاوي للتمهيد في أغلب الأبواب والفصول، وعنايته في أغلب تمهيداته بشرح معنى الباب أو الفصل.
7 -
حصر أو عرض المسائل المراد بحثها في الفصل قبل الشروع فيها.
8 -
حسن ترتيب المسائل داخل الفصل، وحسن عرض المسألة؛ حيث يبدأ غالباً بالأقوال، فمحل النزاع أو سبب الخلاف، ثم التمثيل للمسألة، ثم الحجاج والإجابة عنها.
9 -
الربط بين كلام القرافي في المواضع الأخرى من الكتاب وكلامه في المسألة.
10 -
العناية باختلاف نسخ المتن وتوجيه اختلافها.
11 -
نسبة النقول - في الغالب - إلى أصحابها.
12 -
تحديد مكان النقل والإحالة - أحياناً - من الكتاب المنقول عنه.
13 -
استيفاء الأقوال في المسألة ونسبتها إلى أصحابها.
14 -
وفرة وتنوع أدلة الشوشاوي.
15 -
ذكر وجه الاستدلال من الدليل - غالباً -.
16 -
وفرة الأمثلة في الكتاب حتى لا تكاد تخلو مسألة ولو كانت فرعية من مثال أو أكثر.
17 -
ذكره - في مواضع كثيرة - لمحل النزاع وسبب الخلاف في المسألة.
18 -
اهتمامه بثمرة الخلاف في المسألة والفروع الفقهية التطبيقية.
19 -
اهتمامه بشرح الكلمات الغريبة التي ترد في أثناء الشرح.
20 -
عنايته بالتوجيهات والفوائد العلمية المتنوعة.
21 -
إنصافه في بحث المسائل؛ حيث لا تجد منه ميلاً إلى نصرة مذهبه، بل أحياناً يصرح بترجيح غيره.
22 -
كثرة استدراكاته على القرافي.
إما بزيادة أقوال في المسألة، أو بزيادة أدلة، أو بزيادة أقسام ونحوها.
وإما بالاعتراض عليه فيما يورده من أدلة وآراء، أو بيان تناقض أقوال المؤلف في مواضع أخرى، مع الموضع الذي يجري بحثه.
وقد يزيد الشوشاوي مسائل برأسها لم يتعرض لها القرافي.
23 -
وأخيراً مما يدل على قيمة هذا الكتاب العلمية واهتمام علماء المالكية به، أنه كان يدرس في المغرب، وخصوصاً في سوس.
يقول المختار السوسي في ترجمته للمؤلف: حسين بن علي الشوشاوي دفين أولاد برحيل بقبيلة المنابهة، له رفع النقاب عن تنقيح الشهاب يعني تنقيح القرافي، وهو يدرس به في سوس (1).
(1) سوس العالمة ص 177، وانظر أيضاً: خلال جزولة 4/ 161، وجريدة الميثاق العدد 237، 15 ذو الحجة 1396 هـ، ومقدمة تحقيق الفوائد الجميلة 1/ 45.
ومن أشهر العلماء السوسيين الذين كانوا يدرسون الكتاب، الفقيه الأصولي أَبو فارس الأدوزي (1)، الذي كان لا يدرس الأصول إلا بشرح الشوشاوي، ذكر ذلك المختار السوسي حينما تكلم عن فن أصول الفقه في بلاد السوس وأنه بدأ الاهتمام به وتدريسه من بداية القرن التاسع وذكر من أشهر المؤلفين الشوشاوي.
يقول المختار السوسي: وكأبي فارس الأدوزي المولع بتدريس التنقيح شرح الشوشاوي (2).
والمدرسة التي درس بها أَبو فارس هي المدرسة البوعبدلية قرب تزنيت، وصفها المختار فقال: هذه المدرسة من كبريات مدارس سوس (3)، وذكر أنها لم تعد مدرسة علمية نشيطة إلا بعد عام 1240 هـ (4)، وقال: إنها لا تزال تقوم بالواجب إلى الآن على يد أستاذها سيدي الحاج إبراهيم (5).
وكان المختار السوسي رحمه الله قد قام بزيارة لهذه المدرسة عام 1363 هـ (6).
…
(1) هو أَبو فارس عبد العزيز بن محمد الأدوزي الفقيه الأصولي الأديب درس بالمدرسة البوعبدلية قرب تزنيت عدداً من الفنون ومنها: أصول الفقه بشرح الشوشاوي، له مصنفات منها: شرح الشمقمقية في الآداب، شرح قفا نبك لامرئ القيس، شرح قصائد عربية جاهلية، مجموعة فتاويه، سنن العيد، شرح فصول في التنقيح، توفي رحمه الله سنة 1336 هـ.
انظر ترجمته في: خلال جزولة 4/ 13، 14، سوس العالمة ص 165، 205، دليل مؤرخ المغرب لابن سودة 1/ 83، 2/ 432.
(2)
سوس العالمة ص 43.
(3)
خلال جزولة 4/ 20.
(4)
سوس العالمة ص 165.
(5)
انظر المصدر السابق.
(6)
انظر: خلال جزولة 4/ 22.
وعندما قمنا برحلة علمية للمغرب عام 1406 هـ زرنا هذه المدرسة البوعبدلية والتقينا =