المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السادس عشر: زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال: - زكاة الأثمان

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أولاًَ: مفهوم الأثمان:

- ‌الأثمان لغة:

- ‌واصطلاحاً:

- ‌ثانياً: زكاة الذهب والفضة: واجبة ب‌‌الكتابوالسنة والإجماع:

- ‌الكتاب

- ‌ السنة

- ‌ الإجماع

- ‌ثالثاً: نصاب الذهب والفضة على النحو الآتي:

- ‌ نصاب الفضة

- ‌ نصاب الذهب

- ‌رابعاً: زكاة العملات المعدنية والورقية:

- ‌خامساً: حقيقة الأوراق النقدية:

- ‌قرار هيئة كبار العلماءرقم (10) وتاريخ 17/ 4/1393 ه

- ‌سادساً: حكم ضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب:

- ‌سابعاً: تضم عروض التجارة إلى كل من الذهب والفضة:

- ‌ثامناً: مقدار الزكاة في الذهب والفضة: ربع العشر:

- ‌تاسعاً: كيفية إخراج الزكاة من المال تكون بطرق منها:

- ‌الطريقة الأولى:

- ‌الطريقة الثانية:

- ‌عاشراً: إخراج أحد النقدين: من الذهب والفضة عن الآخر في الزكاة:

- ‌الحادي عشر: ما يباح للرجال: من الفضة والذهب:

- ‌الثاني عشر: ما يباح للنساء من الذهب والفضة:

- ‌الثالث عشر: تحريم آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء جميعاً:

- ‌الرابع عشر: لا زكاة في الحلي من غير الذهب والفضة: إجماعاً

- ‌الخامس عشر: وجوب الزكاة في الحلي المحرم، أو المعد للتجارة: من الذهب والفضة:

- ‌السادس عشر: زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال:

- ‌السابع عشر: ترجيح جمع كثير من العلماء لوجوب زكاة الحلي:

- ‌1 - ابن حزم

- ‌3 - الصنعاني

- ‌4 - أحمد البناء

- ‌5 - سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

- ‌9 - جماعة من أهل العلم أيدوا القول بالوجوب

- ‌16 - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌17 - سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

- ‌الثامن عشر: أهل الزكاة ثمانية أصناف، على النحو الآتي:

- ‌1 - الفقير:

- ‌2 - المسكين:

- ‌3 - العامل عليها:

- ‌4 - المؤلَّف:

- ‌5 - المكاتَب:

- ‌6 - الغارم:

- ‌7 - الغازي في سبيل الله:

- ‌8 - ابن السبيل:

- ‌التاسع عشر: أصناف الذين لا يصحّ دفع الزكاة إليهم:

- ‌1 - آل النبي محمد

- ‌2 – الأغنياء بمال أو كسب

- ‌3 – الكفار إلا المؤلَّفة قلوبهم

- ‌4 – الرقيق المملوك

- ‌5 – من تلزم نفقته:

- ‌6 – الفاسق والمبتدع

- ‌7 – جهات الخير من غير الأصناف الثمانية:

الفصل: ‌السادس عشر: زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال:

وغيرها من الحلي الذي ليس بذهب ولا فضة، إلا أن يقصد به التجارة، ففيه زكاة عروض التجارة، والله تعالى أعلم (1).

‌الخامس عشر: وجوب الزكاة في الحلي المحرم، أو المعد للتجارة: من الذهب والفضة:

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وكل ما كان اتخاذه محرماً من الأثمان لم تسقط زكاته باتخاذه؛ لأن الأصل وجوب الزكاة فيها؛ لكونها مخلوقة للتجارة، والتوسل بها إلى غيرها، ولم يوجد ما يمنع ذلك، فبقيت على أصلها)) (2).

وذكر رحمه الله تعالى أثناء كلامه على تحريم آنية الذهب والفضة، فقال: ((إذا ثبت هذا فإن فيها الزكاة بغير خلاف بين أهل العلم، ولا زكاة فيها حتى تبلغ نصاباً بالوزن، أو يكون عنده ما يبلغ نصاباً بضمِّها إليه، وإن زادت قيمته؛ لصياغته، فلا عبرة بها؛ لأنها محرمة فلا قيمة لها في الشرع

)) (3).

قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة إذا كان حليًّا محرم الاستعمال، أو كان معدًّا للتجارة أو نحوها)) (4).

‌السادس عشر: زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال:

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى، قديماً وحديثاً في زكاة الحلي المباح، الذي أُعد للاستعمال: هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب؟ (5).

(1) انظر: زكاة الحلي: الذهب والفضة والمجوهرات، للدكتور/ محمد بن عثمان شبير، ص 28.

(2)

المغني لابن قدامة، 4/ 229، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 27.

(3)

المغني، 4/ 228، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 7/ 30.

(4)

فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 261.

(5)

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مسألة زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال على أقوال أشهرها قولان:

القول الأول: القول بوجوب الزكاة، روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهري، والثوري، وبه قال الإمام أبو حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وداود الظاهري، وأحد القولين في مذهب الشافعي، وهذا القول هو الذي دل عليه ظاهر الكتاب والسنة الصحيحة، وثبت فيه أحاديث صريحة، وأقوال بعض الصحابة رضي الله عنهم. انظر: المغني، لابن قدامة،

4/ 220، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 157، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 261، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 84.

القول الثاني: قول من قال: ليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:((وهذا ظاهر المذهب، [أي مذهب الإمام أحمد] وروي ذلك عن ابن عمر، وجابر، وأنس، وعائشة، وأسماء رضي الله عنهم، وبه قال القاسم، والشعبي، وقتادة، ومحمد بن علي، وعمرة، ومالك، والشافعي، وأبو عبيد، وإسحاق، وأبو ثور)) رحمهم الله تعالى، واستدلوا بما روي عن جابر مرفوعاً:((ليس في الحلي زكاة)) [رواه الدارقطني، 2/ 107وغيره، ولكن هذا حديث حكم عليه أهل العلم بالضعف؛ لأن في سنده إبراهيم بن أيوب الراوي له عن عافية، وقد حكم عليه بالضعف، فسقط به الاستدلال، وانظر: إرواء الغليل للألباني، 3/ 295، برقم 817، وقال: وللحديث علة أخرى وهي الوقف] وقد ثبت موقوفاً على جابر رضي الله عنه، فعن أبي الزبير عن جابر قال:((لا زكاة في الحلي))، قلت: إنه يكون فيه ألف دينار؟ قال: ((يعار ويلبس)) [ابن أبي شيبة، 4/ 27، قال الألباني: وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وأبو الزبير قد صرح بالسماع، وقد تابعه عمرو بن دينار قال: ((سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا، فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار، فقال جابر: كثير أخرجه الشافعي،

1/ 239، وأبو عبيد، 442/ 1275، قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 295:((وإسنادهما على شرط الشيخين)) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 38].

واستدلوا بفعل عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلي بنات أخيها محمد يتامى في حجرها، لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة)) [موطأ الإمام مالك، 3/ 235، وصحح إسناده النووي في المجموع، والمباركفوري في تحفة الأحوذي، 3/ 285] وبما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة)) [موطأ الإمام مالك، 1/ 235، وصحح إسناده المباركفوري في تحفة الأحوذي، 3/ 285]، واستدلوا بما جاء عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:((أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه، نحواً من خمسين ألفاً)) [السنن الكبرى للبيهقي،

4/ 138]، وسئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن الحلي، فقال:((ليس فيه زكاة)) [البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 138]، ولكن لم يثبت لمانعي الزكاة حديث صحيح صريح في عدم وجوب الزكاة، كما ثبت لمن أوجبها من عموم الأحاديث الصحيحة، وصريح وجوب الزكاة في حديث: عائشة، وأم سلمة، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفاطمة بنت قيس، مع عموم آية سورة التوبة. ثم الآثار عن بعض الصحابة بعدم وجوب الزكاة معارضة بأحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعارضة بآثار صحيحة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعض الصحابة الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، ثبت عن بعضهم أنهم قالوا: بوجوب الزكاة في الحلي، ومن المعلوم: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارضه قول أحد من الناس كائناً من كان، فلا قول لأحد مع قوله صلى الله عليه وسلم، وقد أحسن الإمام الصنعاني رحمه الله حين قال:[القول] الثاني: لا تجب الزكاة في الحلية وهو مذهب مالك، والشافعي في أحد قوليه؛ لآثارٍ وردت عن السلف قاضية بعدم وجوبها في الحلية، ولكن بعد صحة الحديث لا أثر للآثار [سبل السلام، 4/ 51].

ص: 37

وقد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على وجوب ردِّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، عملاً بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)،وقال سبحانه وتعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2). وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} (3). وإذا رددنا هذه المسألة إلى الكتاب والسنة، وجدناهما يدلان دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حلي النساء: من الذهب والفضة، حتى لو كان للاستعمال أو العارية، سواء كانت: قلائد، أو أسورة، أو خواتم، أو ما تحلى به السيوف والخناجر من الذهب والفضة إذا بلغ ذلك نصاباً أو كان عند مالكه من

(1) سورة النساء، الآية:59.

(2)

سورة النساء، الآية:65.

(3)

سورة الشورى، الآية:10.

ص: 39

الذهب والفضة أو عروض التجارة ما يكمل به النصاب، والقول بوجوب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال هو أصح أقوال أهل العلم (1)، وقد رُوي هذا الوجوب: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهري، والثوري، وبه قال الإمام أبو حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وداود الظاهري رحمهم الله ورضي عنهم جميعاً (2). واستدلوا بأدلة: من الكتاب، والسنة الثابتة، وأقوال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على النحو الآتي:

1 -

عموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (3). قال الإمام الطبري رحمه الله: ((

قال بعضهم: هو كل مال وجبت فيه الزكاة، فلم تؤدَّ زكاته، قالوا: وعنى بقوله: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} ولا يؤدون زكاتها)) ثم ساق بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((كل مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفوناً، وكل مال لم تؤدَّ منه الزكاة وإن لم يكن مدفوناً فهو كنز)) (4). ثم قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى بعد ذكره

(1) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 85، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء،

9/ 261 - 270.

(2)

المغني، لابن قدامة، 4/ 220.

(3)

سورة التوبة، الآيتان: 34 - 35.

(4)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 14/ 217، بألفاظ متقاربة، برقم 16649 - 16656 عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.

ص: 40

لأقوال أهل العلم في تفسير الآية: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصحة القول الذي ذكر عن ابن عمر: من أن كل مال أديت زكاته فليس بكنز يحرم على صاحبه اكتنازه وإن كثر، وأن كل مالٍ لم تؤدَّ زكاته فصاحبه معاقب مستحق وعيد الله، إلا أن يتفضل الله عليه بعفوه، وإن قل إذا كان مما يجب فيه الزكاة)) (1). والآية عامة في زكاة الذهب والفضة، ويدخل في العموم زكاة الحلي، قال الجصاص رحمه الله تعالى:((وجه دلالة الآية على وجوبها في الحلي لشمول الاسم له)) (2). أي: الآية تتناول الذهب والفضة ويدخل في ذلك الحلي، فلا يجوز إخراج الحلي بدون دليل مخصص. وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى:((باب ما أدِّيَ زكاته فليس بكنز، ثم ساق خبر ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال له أعرابي: أخبرني عن قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} (3). قال ابن عمر رضي الله عنهما: من كنزها فلم يؤدِّ زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تُنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرة للأموال)) (4).

وزكاة الحلي تدخل في هذا العموم، إلا بدليل صحيح صريح مخصص)) (5).

(1) تفسير الطبري، 14/ 223، وانظر: تفسير البغوي، 2/ 287، وتفسير ابن كثير، ص 607، طبعة دار السلام.

(2)

أحكام القرآن للجصاص، 3/ 107.

(3)

سورة التوبة، الآية:34.

(4)

البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدِّي زكاته فليس بكنز، برقم 1404 [تعليقاً]، ورقم 4661 [تعليقاً أيضاً].

(5)

انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 85، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 159، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 265.

ص: 41

2 -

روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار .. )) (1). فالحديث عام في وجوب الزكاة في كل ذهب وفضة، بهذا النص الصحيح، ولم يأت إجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد إلا بعض أحوال الذهب وصفاته، فلم يجز تخصيص شيء من ذلك بغير نص صحيح ولا إجماع)) (2).

3 -

روى أبو داود، والنسائي، وأحمد، والترمذي، واللفظ لأبي داود، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما: أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مَسكتَان (3) غليظتان من ذهب، فقال لها:((أتعطين زكاة هذا؟ ((قالت: لا، قال: ((أيَسُرُّكِ أن يُسَوِّركِ اللهُ بهما يوم القيامة سوارين من نار؟)) قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله)) (4).

(1) مسلم، برقم 987، وهو عند البخاري مختصراً برقم 1402، ومن حديث جابر عند مسلم، برقم 988، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام.

(2)

انظر: المحلى، لابن حزم، 6/ 100.

(3)

مسكتان: المسكة - بتحريك السين - واحدة المسك، وهي أسورة، من ذبل أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك أضيفت إلى ما هي منه، فيقال: من ذهب، أو فضة، أو غيرهما. جامع الأصول، لابن الأثير، 4/ 608.

(4)

أبو داود، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحُليِّ، برقم 1563، والنسائي، كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي، برقم 2478، 2479، وأحمد، 2/ 178، 204، 208، والدارقطني، 2/ 112، وابن أبي شيبة في الأموال، ص 537، برقم 1260، والبيهقي، 4/ 140، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الحلي، برقم 637، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 429، وفي إرواء الغليل، 3/ 296، وقال الحافظ ابن القطان: إسناده صحيح كما نقله الإمام عبدالعزيز ابن باز في مجموع الفتاوى له، 14/ 86.

ص: 42

وهذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على وجوب الزكاة في الحلي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ألحق الوعيد الشديد بترك أداء الزكاة في الحلي كما في هذا الحديث.

4 -

وروى أبو داود، واللفظ له، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى في يديَّ فتخاتٍ (1) من وَرِقٍ، فقال:((ما هذا يا عائشة؟)) فقلت: صنعتهنَّ أتزيَّنُ لك يا رسول الله! قال: ((أتُؤدِّين زكاتهُنَّ؟)) قلت: لا، أو ما شاء الله، قال:((هو حَسْبُكِ من النار)) (2).

وهذا الحديث الصحيح يدل على وجوب زكاة الحلي المعد للاستعمال؛ لأن عائشة رضي الله عنها استعملت الفتخات لتتزين بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك تَضَمَّن الحديث الوعيد لمن لم يؤدِّ زكاة الحلي، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم من الحلي شيئاً: لا المستعار ولا غيره، فوجب الأخذ

(1) فتخات: الفتخات جمع فتخة، وهي حلقةٌ لا فص لها، تجعلها المرأة في أصابع رجليها، وربما وضعتها في يديها، جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 609.

(2)

أبو داود، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي، برقم 1565، والدارقطني، 2/ 105 - 106، والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، 1/ 389 - 390، والبيهقي في السنن الكبرى،

4/ 139، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 429، ووصفه الإمام ابن باز بأنه ثابت كما في مجموع الفتاوى له، 14/ 87.

ص: 43

بصريح النص وعمومه، ولا يجوز أن تخصص النصوص إلا بنصٍّ ثابتٍ يقتضي التخصيص (1).

5 -

وروى أبو داود بلفظه، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، عن أمِّ سلمة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: كنت ألبس أوضاحاً (2) من ذهب، فقلت: يا رسول الله! أكنز هُوَ؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدَّى زكاته فزكِّي فليس بكنز)) (3). في هذا الحديث الإشارة إلى اشتراط النصاب، وأن ما لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، ولا يدخل في الكنز المتوعد عليه بالعذاب، وأن كل مال وجبت فيه الزكاة فلم يزكَّ فهو من الكنز المتوعد عليه بالعذاب، وفي الحديث الدلالة الصريحة على وجوب الزكاة في الحلي؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت عن ذلك كما هو صريح الحديث)) (4).

6 -

وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله خذ منه الفريضة التي جعل الله فيه، قالت: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثقالاً وثلاثة أرباع مثقالٍ فوجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله خذ منه الذي جعل الله فيه، قالت:

(1) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 87.

(2)

أوضاحاً: الأوضاح: حُليٌُّ من الدراهم الصحاح، هكذا قال الجوهري، وقال الأزهري: الأوضاح حليٌّ من الفضة، جامع الأصول، لابن الأثير، 4/ 610.

(3)

أبو داود، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحُليّ برقم 1564، والدارقطني، 2/ 105، والحاكم وصححه على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، 1/ 390، والبيهقي، 4/ 83، 140، وحسن الألباني المرفوع منه فقط، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 429، وقال الإمام عبدالعزيز ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى له، 14/ 86، عن إسناد أبي داود:(( .. بإسناد جيد)).

(4)

انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 86 - 87.

ص: 44

فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأصناف الستة، وعلى غيرهم، فقال: فذكره، قالت: قلت: يا رسول الله، رضيت لنفسي ما رضي الله عز وجل به ورسوله)) (1). قال العلامة الألباني رحمه الله:((وفي هذا الحديث دلالة صريحة على أنه كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة على حُلي النساء، وذلك بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم بها في غير ما حديث صحيح، كنت ذكرت بعضها في ((آداب الزفاف))؛ ولذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليأخذ زكاتها منه، فليُضم هذا الحديث إلى تلك لعل في ذلك ما يقنع الذين لايزالون يفتون بعدم وجوب الزكاة على الحلي، فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء)).

7 -

آثار واردة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم دالة على وجوب الزكاة، منها ما يأتي:

الأثر الأول: عن عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنه، أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري:((أن مرَّ من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهنَّ)) (2).

(1) أخرجه أبو الشيخ في جزئه، (انتقاء ابن مردويه، 83/ 30، طبع الرشد، قاله الألباني رحمه الله في الأحاديث الصحيحة، الحديث رقم 2978، المجلد السادس، القسم الثاني، ص 1183 - 1185، ودرس إسناده وثبت عنده رحمه الله، وجزاه خيراً.

قلت: والحديث أخرجه الدارقطني، في كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي، 2/ 105، ولكن لم يذكره الألباني في تخريجه للحديث والظاهر أنه تركه عمداً؛ لأن الدارقطني رحمه الله قال في إسناده:((أبو بكر الهذلي متروك ولم يأتِ به غيره)) فهذا هو السبب في ترك الألباني لتخريجه من الدارقطني والله أعلم، ولكن خرجه عند أبي الشيخ كما سبق ذكره وحكم عليه بالصحة، والله تعالى أعلم.

(2)

البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 139، وذكره ابن حزم في المحلى، 6/ 93، وانظر: نصب الراية للزيلعي، 2/ 274.

ص: 45