الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن القول الصحيح في الدين المرجو - وهو ما كان على مقرٍّ موسر - وجوبُ تزكيته كل عام، وهو قول جمهور الفقهاء؛ لأنه الدين المرجو بمنزلة ما في يده.
فلما كان السند ناميًا ويجلب فائدة للدائن، وجبت تزكيته، ولا يمنع من ذلك كون الفائدة محظورة؛ إذ إن حَظْرَ الفائدة لا يكون سببًا في إعفاء صاحب السند من الزكاة.
الاتجاه الثاني:
لا ينظر إلى الأسهم تبعًا لنوع شركاتها؛ فيفرق بين أسهم في شركة وأسهم في أخرى؛ بل ينظر إليها كلها نظرة واحدة ويعطيها حكمًا واحدًا؛ بغَضِّ النظر عن الشركة التي أصدرتها؛ فالأسهم والسندات أموال قد اتُّخذَت للشراء والبيع والكسب والإتجار، وقيمتها الحقيقية التي تقدَّر في الأسواق تختلف في البيع
والشراء عن قيمتها الاسمية؛ فهي إذن عروض تجارة؛ فكان من الحق أن تكون وعاء للزكاة ككل أموال التجارة، ويلاحظ فيها ما يلاحظ في عروض التجارة.
ولا فرق هنا بين السَّهم والسند؛ بل يعاملان معاملة واحدة في إيجاب الزكاة، وهذا هو الاتجاه الصحيح، وبناء على هذا يؤخذ من هذه الأسهم آخر كل حول 2.5% اثنان ونصف بالمائة (أي ربع العشر) من قيمة الأسهم حسب قيمتها في الأسواق، مضافًا إليها الربح؛ بشرط أن يبلغ الأصل والربح نصابًا.
وهذا هو الاتجاه الصحيح والأوفق بالنظر إلى الأفراد من الاتجاه الأول؛ لأن كل مساهم سيعرف مقدار أسهمه، ويعرف كل عام أرباحها فيزكيها بسهولة.
بخلاف ما إذا أرادت دولة مسلمة جمع الزكاة من الشركات، فإن الاتجاه الأول أولى وأرجح، والله أعلم.
مما سبق يتضح:
1 -
أنَّ كلاًّ من السَّهْم والسَّند له قيمة اسمية وهي قيمته المقدرة عند إصداره، وقيمة سوقية تحدد في سوق الأوراق المالية، وكل منهما قابِلٌ للتعامل والتداول بين الأفراد كسائر السلع، وأن بيع الأسهم وشراءها وإصدارها والتعامل بها حلال لا حرج فيه، ما لم يكن عمل الشركة التي تكوَّنت من مجموع الأسهم مشتملًا على محظور، كصناعة الخمر وبيعها والتجارة فيها، أو كانت تتعامل بالفوائد الربوية إقراضًا واستقراضًا، أو نحو ذلك.
أما السندات فشأنها غير الأسهم؛ لاشتمالها على الفوائد الربوية المحرمة، ولكنها مع ذلك رأس مال مملوك لصاحبه كالأسهم.
2 -
أن الاتجاه الأول يجعل مدار وجود الزكاة في أسهم الشركات: كون الشركة تمارس عملاً تجاريًّا؛
سواء أكانت معه صناعة أم لا، وإخراج الزكاة من هذه الشركات وفق هذا الاتجاه يكون على النحو التالي:
أ- تقدَّر الأسهم بقيمتها الحالية.
ب- تحسم قيمة المباني والآلات والأدوات المملوكة لهذه الشركات، ويحسم من قيمة السهم ما يقابل ذلك، وتجب الزكاة في الباقي، ويمكن معرفة قيمة المباني والآلات والأدوات بالرجوع إلى ميزانية الشركة. وهذا الاتجاه مبناه على الرأي المشهور: أن المصانع والعمائر الاستغلالية ورؤوس الأموال المغلة غير التجارية على وجه العموم كالفنادق والسيارات والقاطرات والطائرات ونحوها - ليس فيها كلها زكاة، لا في رأس المال ولا الربح معًا كمال التجارة، ولا في الغَلَّة والإيراد، كالخارج من الأرض الزراعية - إلا إذا بقي منها شيء وحال عليه الحول.
وعلى هذا الأساس أعفى هذا الاتجاه أسهم
الشركات الصناعية التي لا تمارس أعمالا ً تجارية، وأوجب الزكاة في أسهم الشركات التي تمارس أعمالاً تجارية.
والأفضل إذا أخذنا بهذا الاتجاه أن تعامل الشركات التجارية التي معظم رأس مالها في منقولات يتاجر فيها، ولا يبقى عينها - معاملة المحلات التجارية إذا كانت ملكًا للأفراد، فتؤخذ الزكاة من أسهمها على النحو التالي:
أ- أن تقوم الأسهم في السوق وتعرف قيمتها.
ب- أن يضاف الربح إلى قيمة الأسهم.
ج- تؤخذ الزكاة - ربع العشر «2.5» - بعد طرح قيمة الأثاث الثابت من الأسهم، كما في عروض التجارة؛ فالزكاة في عروض التجارة في رأس المال المتداوَل المتحرك.
والسَّنَدات على هذا الاتجاه تجب الزكاةُ فيها بشرطين:
أ- أن ينتهي أجلها ويملكها صاحبها.
ب- أن يمضي على ملكيتها عام أو أكثر.
ذلك أن جمهور الفقهاء يقولون بوجوب تزكيتها كل عام؛ لأن الدين المرجوَّ بمنزلة ما في يده. وهو اختيار أبي عبيد (1) وغيره.
(1) هو: أبو عبيد القاسم بن سلام الأزدي البغدادي، صاحب المصنفات الكثيرة، منها:«كتاب الأموال» ويعدُّ أوسع كتاب ألف في بابه، وأنفسه، وأجمعه لكل ما يتعلق بالأموال في الدولة الإسلامية. ولد بهراة سنة (157هـ)، وتوفي بمكة المكرمة سنة (224 هـ) رحمه الله.
انظر: الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام من ص 3: 8ط: مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، لبان، ط: الأولي 1981هـ.