المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المجلد الأول ‌ ‌مقدمة … ترجمة وافية ومستوعبة للإمام الترمذي "رحمه الله تعالى" تشمل: اسمه، - سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي - جـ ١

[يوسف بن محمد الدخيل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الحديث الأوّل: باب ما يقول إذا دخل الخلاء، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّاني: باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّالث: باب ما جاء في المسح على الخفين: أعلاه وأسفله. من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع: باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الخامس: باب ما جاء في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، من أبواب الطهارة عن رسول الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّادس: باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّابع: باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّامن: باب ما جاء في التطوع في السفر من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التّاسع: باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصّبح حتى تطلع الشمس من أبواب الصّلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حديث العلشر: باب ما ذكر في فضل الصلاة من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الحادي عشر: باب ما جاء في زكاة الذهب والورق من أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّاني عشر: باب ما جاء في الخرص من أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌ ‌المجلد الأول ‌ ‌مقدمة … ترجمة وافية ومستوعبة للإمام الترمذي "رحمه الله تعالى" تشمل: اسمه،

‌المجلد الأول

‌مقدمة

ترجمة وافية ومستوعبة للإمام الترمذي "رحمه الله تعالى" تشمل:

اسمه، ونسبه، ونسبته، وكنيته، ومولده، ونشأته، وطلبه للعلم، ورحلته، وصفاته الخلقية والخلقية، وشيوخه، وتلاميذه، وصلته بالإمام البخاري، ومكانته العلمية، وثناء الأئمة عليه، وآثاره، ووفاته.

نبذة يسيرة ومختصرة عن حياة الإمام البخاري "رحمه الله تعالى".

ص: 8

أما بعد/

فإنه يسرني –وقد تهيأت لي المناسبة- أن أقدّم –في مجال السنة النبوية- هذا الجهد المتواضع الذي أرجو أن يفسح له من القارئ الكريم محل وأن يصادف لديه قبولا.

كما يسرني شرف الانتساب إلى خدمة السنّة المطهّرة وأن أسلك في عداد من أتيحت له فرصة الاتصال بها والاطلاع على بعض جوانبها المشرقة، والتمتع بشيء من أنفاسها العطرة، والارتشاف من معينها الصافي.

وإني إذ أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره على ذلك ليسعدني أن أبدأ فأقدّم للقارئ العزيز:

فكرة موجزة عن موضوع هذه الرسالة مع ذكر أسباب اختياره ومنهج البحث فيه.

كلمة في علم علل الحديث تبحث في:

أهميته، ومنزلته من علوم الحديث، وتعريف العلة لغة واصطلاحاً، وتعريف الحديث المعل، ومواطن العلة، وأنواعها، وكيف تدرك، والطرق الموصلة إليها، وأهم الكتب المؤلفة في علل الحديث، مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم.

المؤلفات التي على هذا النمط "السؤالات والأجوبة عليها، في علم الحديث، الموجود منها والمفقود، مع تعريف موجز لكل من السائل والمجيب".

ص: 13

فكرة موجزة عن موضوع الرسالة

ربما يظن البعض أو يتصور من عنوان هذه الرسالة أنها مخطوطة، وللبيان فإنها ليست كذلك؛ إذ أن موضوع هذه الرسالة أحاديث في "جامع الترمذي" أدار الترمذي حولها سؤالات وجهها لشيخه البخاري ونقل إجابته عليها، وقد قمت بادئ ذي بدء بتتبعها والتقاطها من "جامع الترمذي" ومن ثَمّ جمعها وترتيبها والاشتغال فيها، حتى برزت بهذا الشكل، وهذه الصورة التي نرى.

والحقيقة: أن الله عز وجل هو الذي هداني إلى هذا الموضوع فلم يكن لي سابق علم به وبمضمونه، وما يحمله من مشاق وصعاب، ولم يذكره لي أحد، كما لم أر من نصّ عليه، أو ساقه ضمن مؤلفات الترمذي.

هذا والتزاماً مني بالسير على منهج البحث العلمي الصحيح؛ وأملا في الوصول إلى غاية منشودة ونتيجة حاسمة –حيث أخذت على عاتقي الكتابة في هذا الموضوع- قمت –فيما بعد- بالتأكد والتثبت فيما إذا كان هناك شيء مؤلف بهذا اللقب1 للإمام الترمذي أو لأحد غيره، فسألت بعض ذوي الاختصاص ولكن كانت الإجابة بنفي العلم وعدم الاطلاع.

1 "سؤالات الترمذي للبخاري".

ص: 15

كما أني فتشت ونقبت في المظان من فهارس المخطوطات وفهارس كتب السنة ومعاجم المطبوعات، مما قُدِّر لي الاطلاع عليه لعل وعسى إلا أنني لم أقف على ذكر لذلك أو خبر، ومعنى هذا سيظل الباب مفتوحاً حتى نحصل على شيء بهذا الصدد.

وكتتمة لما سبق البدء به فإنه رغم ما شغلته هذه السؤالات وأجوبتها من مواضع في "جامع الترمذي" تربو على الثلاثين موضعاً لم يكتب لها من نبه عليها بخصوصها بصريح العبارة، هذا ما لم يقع لي الظفر به حتى هذه اللحظة.

فلعلها ضاعت في زحمة الأقوال التي يزخر بها الجامع ويشتمل عليها فلم تبرز ككل.

أو أن لتباعدها وتناثرها موزعة هنا وهناك على طول وعرض الكتاب أثره الفعّال في عدم تبيين معالمها وتمييزها وإعطاء الذهن تنبيها عنها.

نعم نوه الترمذي عنها وأشار إليها ضمناً فلم يقتصر على إيرادها فحسب وذلك حين قال في كتابه "العلل الصغير"1 الذي في آخر "الجامع":

1 /57 بشرح الحافظ ابن رجب الحنبلي.

ص: 16

"وما كان فيه –يعني الجامع- من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ فهو ما استخرجته من كتاب "التاريخ1" وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد بن إسماعيل ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن وأبا زرعة وأكثر ذلك عن محمد وأقل شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة" اه.

فإذا كان للترمذي أن يثبت رأي البخاري مثلا الذي جاء نتيجة المناظرة معه مجرداً من أي دلالة على ذلك، فإنه لا أصدق ولا أدلّ على المناظرة من هذه الأسئلة والأجوبة إذ المناظرة في الأصل المحاورة والمناقشة والمباحثة والمذاكرة وهذا ما تمثله هذه الأسئلة والأجوبة وتصوره تصويراً ظاهراً وحياً.

فلا يبقى إلا أن نهتدي من خلال كلام الترمذي ذلك إلى هذه الأسئلة والأجوبة التي يحويها "الجامع".

وإذا كنا بصدد إعطاء فكرة موجزة عن مختلف محتويات الأسئلة والأجوبة موضوع هذه الرسالة، فإنه بعد استعراض السؤالات وتقليب النظر فيها أمكن توزيعها على النحو الآتي:

القسم الأول: "أسئلة تختص بالرواة" وهي على أنواع:-

النوع الأوّل: يتعلق بطلب الكشف عن بعض الرواة ومعرفة

1 المراد به "التاريخ الكبير" للبخاري انظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب/58.

ص: 17

أسمائهم، كأن يكون الراوي المسئول عنه مبهماً كما في الحديث الرابع والحديث التاسع والعشرين، أو مذكوراً بكنية ونسبته، كما في الحديث السابع والثامن.

النوع الثاني: يتعلق بمعرفة سماع بعض الرواة من بعض أو عدمه مما يتوقف عليه اتصال الحديث أو انقطاعه. وهذا كما في الحديث الخامس والحديث الحادي والثلاثين.

النوع الثالث: يتصل بمعرفة أحوال بعض الرواة جرحاً وتعديلاً (علم ميزان الرجال) . وهذا كما في الحديث التاسع والحديث السادس والعشرين والحديث الأخير.

القسم الثاني: "أسئلة حول الصناعة الحديثيّة" وهي على نوعين:

النوع الأوّل: يتناول ناحية معينة في الحديث بغية الوصول إلى إيجاد حل ومخرج لها.

وذلك كأن يكون الحديث مختلفاً فيه فيلتمس ما يرفع الاختلاف ويزيله.

وهذا كما في الأحاديث الأول والثاني والحادي عشر والثاني عشر والثامن عشر.

أو أن يكون الحديث ورد متصلا ومرسلا والهدف الوقوف على الراجح والصحيح من ذلك. وهذا كما في الحديث السادس.

ص: 18

النوع الثاني: على العكس من سابقه، ويمثل غالبية الأسئلة؛ إذ لا يحدد طلبا معيناً في الحديث، فنجد الترمذي يطلق السؤال عن حكم الحديث عموماً، فيقول مثلا:"وسألت محمداً عن هذا الحديث".

هذا وأما بالنسبة للأجوبة فإنها تتسم بالدقة والعمق والإيجاز الشديد الذي يعرف به البخاري، مما يحتاج معه إلى تأمل طويل، وتدبر قوي على أنها أحياناً اقتصرت على التلويح دون التصريح، كما هي عادة البخاري، قال المعلمي في مقدمة تحقيقه لكتاب "موضح أوهام الجمع والتفريق"1 للخطيب البغدادي:"وللبخاري رحمه الله ولع بالاجتراء بالتلويح عن التصريح كما جرى عليه في مواضع من "جامعه الصحيح" حرصاً منه على رياضة الطالب، واجتذاباً له إلى التنبيه، والتيقظ، والتفهم".

والحقيقة أن ذلك أتعبني جداً، وأخذ مني جهداً عظيماً ووقتاً كبيراً في فهمها، وفي معرفتها، وحلها، ومن ثَمّ بسطها، والكشف عن مراميها.

ولا أذيع سراً إذا قلت: إن البخاري كان موفقاً جداً في إجاباته، وعلى جانب عظيم من الورع، والتواضع، والحيطة،

1 /14.

ص: 19

والتحري، والتحفظ بعيداً عن المجازفة والإسفاف في القول، والتهور والتسرع في إصدار الأحكام، مما يفيدنا نحن في التريث والتثبت حينما نريد أن نُقْدِم على إصدار حكم، أو إعطاء إجابة على شيء ما.

وليس هذا غريباً على البخاري المعروف بسداد الرأي، وقوة العلم، وخدمة السنّة النبويّة، لا سيما وهو في مستوى العالم العامل المجرب الذي منحه الله نفاذاً في البصر، ونوراً في البصيرة.

فمن أجل ذلك تراه يجيب في بعض الأحيان بالاحتمال أو التخمين من غير قطع أو جزم، فيقول: يحتمل كذا، وأرى كذا.

كما تراه يقف على بعض السؤالات ولا يتعاظم أن يقول بملء فيه: لا أدري عن كذا، أولا أعرف ذا، من غير أن ينقص ذلك من معارفه الواسعة أو يمس مقداره، وهذا هو شأن كثير من كبار المحدثين، فإنهم لم يدعوا الإحاطة والمعرفة بكل شيء، مما يعطي انطباعاً حسناً عن حال سلفنا الصالح في عدم تحمل الإجابة والإقدام عليها بغير علم، "وإنهم يريدون بعلمهم وجه الله تعالى؛ فإن من يريد غير وجه الله

ص: 20

بعلمه لا تسمح نفسه بأن يقر على نفسه بأنه لا يدري"1

ولا ريب أن هذا يزيدنا تعلقاً بهم، واطمئناناً إلى أحكامهم، ووثوقاً بها، وأنهم بحق حماة الشريعة والقائمون عليها، الذين اختارهم الله للذود عنها، والذب عن كيانها.

ونحن إذا استعرضنا إجابات البخاري نجدها قد أغنت الرسالة بدسامة مادتها وأصالة جوهرها، وأمدت البحث بأشياء كثيرة فكشفت لنا عن أمور في غاية الأهمية اعتمد عليها البحث إلى حد بعيد، بل اعتمدت عليها كثير من المصادر الحديثيّة، كما ساعدت على حل بعض المشكلات العلمية إلى البت والجزم في بعض القضايا الحديثيّة، ولم تخل من إبداء آراء لها قيمتها وإضافة معلومات جديدة وضرورية يحتاج إليها المقام، وبدونها يبقى فراغ.

فمن ذلك أنها أوقفتنا على مكانة بعض رجال الحديث جرحاً وتعديلا مما يترتب عليه قبول الحديث أورده.

كما تناولت بالمقارنة والترجيح بعض الرواة الضعفاء، مما يفيدنا عند المعارضة.

1 انظر: "إحياء علوم الدين" 1/27 و"حياة الحيوان الكبرى" /318

ص: 21

وعن لقيا الرواة وسماع بعضهم من بعض، فقد ساهمت باطلاعنا على جانب من ذلك، فعرفتنا الثابت منه وغير الثابت، مما يكشف لنا عن اتصال الحديث أو انقطاعه.

كما أوضحت أسماء رواة ذكروا بكناهم أو العكس.

وفيما يختص بالأحاديث والكلام عليها وبيان حالها، فقد اعتنت بذكر درجات بعض الأحاديث من الصحة أو الحسن كما حكمت على بعضها بالضعف أو النكارة.

وفي التعرف على مسلك البخاري الذي سلكه في هذه الأجوبة في تصحيح الأحاديث وتضعيفها.

فإنه أحياناً يعل الحديث بذكر طريق أخرى راجحة، تدل على موضع العلة في ذلك الحديث، وذلك كما في الحديث الثالث، والحديث الثالث عشر، والحديث السادس عشر.

وقد يعل الحديث المرفوع بالوقف؛ بأن يرويه موقوفاً، وأحياناً يكتفي بإعلاله بذلك من غير أن يسوق الطريق إلى الموقوف عليه، كما في الحديث السابع عشر والعشرين.

وفي مجال المقارنة النقديّة بين الروايات فإنه أحياناً يرجح رواية على أخرى مصرحاً بصحة الرواية الراجحة، وصوابها

ص: 22

وخطأ وغلط الرواية المرجوحة، وأحياناً يكتفي في ذلك كله بالإشارة والتلميح، وهذا كما في الحديث الثاني عشر، والثاني والعشرين، والخامس والعشرين، والثاني والثلاثين. ويحصل أنه يجزم بترجيح رواية على روايات أخرى، ثم يعمد إلى محاولة يجمع فيها بين تلك الروايات كلها باحتمال يذكره، كما في الحديث الثامن عشر.

وقد يعل الحديث بالإرسال، معيناً من وقع منه الخطأ باتصاله ورفعه، كما في الحديث التاسع عشر.

وفي الاختلاف بين الوصل والانقطاع، فإنه يبين الراجح والصواب في ذلك مصحوباً بالدليل، وهذا كما في الحديث السادس.

ص: 23

اختيار الموضوع إذا كان كثير ممن يكتب في الرسائل الجامعية اعتاد أن يعطي في المقدمة جواب سؤال تقليدي وهو: "ما الداعي لاختيار هذا الموضوع؟ "

فإن سبب اختياري لهذا الموضوع: "سؤالات الترمذي للبخاري" والتصدي له بالكتابة والبحث فيه يتبدى في النقاط التالية:

أولاً: هو أنني رأيت أنه أولى الموضوعات التي فكرت فيها؛ لما يحمله من طابع الجدة حسب اعتقادي، وموطن الجدة فيه يكمن في حصر أسئلة الترمذي المتفرقة في "جامعه" وأجوبة شيخه البخاري عليها في مكان واحد ولأول مرة؛ إذ لم يسبق –فيما أعلم- أنها جمعت في مؤلف مستقل؛ ليتسنى للمطالع الوقوف عليها ككل، وبالتالي الرجوع إلى شيء منها وقت الحاجة.

وقبل هذا وذاك فإنه يمكن بعد تبين أمرها ألاّ تعدم مشتغلا في جانب منها آخر يراه ضرورياً وتدعو إليه الحاجة.

ولا يكفي وجودها مبثوثة في "جامع الترمذي"؛ لأن ذلك –في نظري- لا يؤلف وحدة متكاملة لها، كما لا استبعد أن مجيئها على ذلك النحو سبَّبَ ويسبِّبُ عدم التنبه لها.

ص: 26

ثانياً: ما يراودني من الأمل في أن تقف هذه السؤالات وأجوبتها بجانب أخواتها آخذة مكانها الذي ينتظرها تذكر إذا ذكرت، فإنه آن الأوان لتبرز مستقلة تضارع مثيلاتها.

ولا شك أن نزع تلك السؤالات والأجوبة عليها من جامع الترمذي فكرة ضرورية، لا سيما أنها لإمام المحدثين، وأمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله البخاري، وتلميذه الترمذي.

وكم يصعب على النفس أن تذكر المؤلفات المماثلة ولا تجد بينها سؤالات الترمذي ورد شيخه البخاري عليها.

ثالثاً: ما يتسم به هذا الموضوع –في نظري- من طرافة، وما يحمله من مفاجآت علمية، وقضايا حديثيّة مهمة، سواء في الأسئلة أو في الأجوبة.

وحقاً إن موضوعاً كهذا قائم على الحوار، وعلى شبه المجاذبة والمناظرة بين طرفين لا بد من أن يستميل النفوس ويحظى بإقبالها عليه.

وأينا لا يستهويه أسلوب الحوار وهو أسلوب شيق، ومحبب إلى النفس يطرد الملل، ويدفع السأم، ويربط الذهن بدورة منتظمة، ويجعله أكثر تفتحاً وتجاوباً.

وإنك لتجد هذا التفاعل واضحاً هنا في ترقب كيفية سؤال

ص: 27

الترمذي، وفي ترقب الجواب عنه، وفي تصور هذه الحركة الفكرية العلمية بين هذين الإمامين إذ يتقدم أحدهما من الآخر، ولا يضيره أن يخرج بمخرج التلميذ والمستفيد، ويجيبه الآخر ولا يتوانى في إفادته، والرد على استفساراته.

والحق يقال إن الترمذي بإثارته هذه الأسئلة شد انتباهنا وحرك أذهاننا وأكسبنا متابعته في كل الأحاديث التي سأل عنها، وأشركنا معه، وكأننا حاضرون نسمع سؤاله ونصغي جميعاً باحترام لجواب شيخه البخاري عليه.

رابعاً: أن هذا الموضوع يلتقي مع رغبة المشرف السابق فضيلة الدكتور محمد أمين المصري "رحمة الله تعالى" فإنه كان يوجه أنظارنا أثناء الدراسة التمهيدية إلى بذل الاعتناء بالسنن الأربعة أبي داود، والترمذي والنسائي، وابن ماجه، والانصراف إلى خدمتها وإعطائها الأولوية في الاشتغال بها لحاجتها.

لذلك وجدتني مقبلا عليه مائلا إليه لأنه يمثل جزءاً من العمل في "سنن الترمذي" وهو جزء –كما يبدو لي- مهم.

كل ذلك وغيره مما لم أذكره شجعني على الإقدام على هذا الموضوع والسير فيه، وشدني للمساهمة، وبذل الجهد والوقت واستفراغ الوسع؛ شعوراً بالمسؤولية، وخدمة للعلم، وسداً لباب وقفت عليه، وتقديراً لهذين الرجلين

ص: 28

البخاري، والترمذي، واعترافاً بفضلهما وما قدماه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وعلى الرغم من صعوبته التي لا تخفى فإنه في "علل الحديث" أدقّ علم وأعوصه، الذي لا يجيده إلا الأفذاذ من العلماء الحفاظ ذوي الفهم الثاقب والنظر النافذ. ولا أدل على ذلك من إدخال المصنف معظم هذه الأحاديث في كتابه "العلل الكبير" وقد نبهت على هذا في مواضعه.

أضف إلى ذلك أن الترمذي إمام لا يَسْأل إلا عما هو مهم ومجدي، أو عما عسر عليه التوصل إلى البت في أمره، وأن البخاري شيخه الذي يتوجه بأسئلته إليه إمام أعظم منه، فلتوقفه في الإجابة وزن، ولمخالفته غيره في الرأي شأن، ولإجابته المحتملة سر.

فكون الموضوع في علل الحديث، وكونه يعزى للإمامين الكبيرين البخاري، والترمذي المعروفين بثقلهما في ميدان الحديث وعلومه، فهذا كله مؤذن بقوّته وصلابته وقيمته والله المستعان.

ص: 29

كلمة في علل الحديث

لما كان موضوع هذه الرسالة أو معظمه في علل الحديث، رأيت تخصيص الكلمة الآتية للتحدث عن أهمية علم علل الحديث ومنزلته من علوم الحديث، وتعريف العلة، والحديث المعل، ومواطن العلة، وأنواعها، وكيف تدرك؟ والطرق الموصلة إليها مما أرشد إليه النقاد، وأهم الكتب المؤلفة في علل الحديث مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم.

وذلك ليتمكن القارئ الكريم من متابعة بحوث هذه الرسالة بشكل جيد ومرضي، وليكون على ذكرى من هذا العلم العملاق والخطير، وما قام به أسلافنا الصالحون -رحمهم الله تعالى- من مجهودات ضخمة وعظيمة في هذا المضمار تفوق التصور والوصف، فيكفي أن نعلم أن الواحد منهم كان يقطع الفيافي والقفار –مع قلة الإمكانات وصعوبة وسائل المواصلات- ويسير المراحل الطويلة الواسعة ينتقل من مكان إلى مكان من أجل تصحيح حديث أو تضعيفه، وهذا بالفعل ما حصل لشعبة بن الحجاج رحمه الله حين رحل من الكوفة إلى مكة، ثم إلى المدينة، ثم إلى البصرة يتتبع حديثاً واحداً فقط هو حديث عقبة بن عامر:"من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل مسجداً فصلى ركعتين واستغفر الله غفر الله له". يريد

ص: 33

أن يتثبت منه ويقف على حقيقته، وقد تم له ذلك1

فتأمل إلى أي مدى وصل بهم الجهد والحرص والحدب على سنة النبي صلى الله عليه وسلم والعناية بها، حتى أنهم أوقفوا حياتهم عليها، فاستحقوا أن يكونوا أمناء الله في أرضه، وأن يتناولهم الحديث المرفوع الذي يقول:"لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته"2.

وما ذلك إلا مثل واحد من عشرات بل مئات الأمثلة، فإذا شئت أن تقف عليها أو على بعضها فما عليك إلا أن تدنو من سير القوم وتنظر فيها، وهي مدونة –ولله الحمد- في كثير من كتب التراجم التي حفلت بهم؛ لترى العجب العجاب من مزايا ومحاسن وجهاد أولئك القوم مما يبعث على الاعتزاز والاقتداء بهم، والاعتراف بتقصيرنا وتأخرنا الشديد في عدم اللحوق بركابهم، فضلا عن الوصول إلى ما وصلوا إليه مع توفر كافة الإمكانات، وتيسير سبل العلم، وما هذا إلا بسبب فساد نياتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

1 انظر: "تقدمة الجرح والتعديل"/167 و"الكفاية"/516-517 و"ميزان الاعتدال" 2/283-461 و"فتح المغيث" 1/173.

2 سنن ابن ماجه المقدمة 1/5 حديث رقم 8.

ص: 34

علم علل الحديث

لا تنكر أهمية هذا العلم، ومكانته من علوم الحديث، فهو يأتي في مقدمتها وعلى رأسها، إذ هو أعظمها وأرفعها، به يتميز صحيح السنة من سقيمها، وسليمها من معلولها، وقويها من ضعيفها ومقبولها من مردودها.

وقد اهتم به العلماء اهتماً بالغاً وكبيراً حتى روى ابن أبي حاتم1 بإسناده إلى ابن مهدي أنه قال:

"لأن أعرف علة حديث واحد هو عندي أحب إليّ من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي".

ولدقة مسلك هذا الفن وصعوبته وغموضه واعتماده على يقظة وفطنة، ومهارة ومجالسة ومذاكرة،وخبرة قوية، وذكاء متوقد، وممارسة ودربة طويلة، فإنه خفي على كثير من علماء الحديث ولم يتمكن منه ويخض غماره إلا نفر قليل من أكابر علماء هذا الشأن ذوي الاختصاص، ممن وهبه الله فهماً ثاقباً، ونظراً فاحصاً، وحفظاً واسعاً، واطلاعاً حاويا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة واعية بالأسانيد والمتون، كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي

1 علل الحديث 1/9 وانظر: "معرفة علوم الحديث" للحاكم/112 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/175 و"تدريب الراوي"/161

ص: 35

حاتم، وأبي زرعة الرازيين، والترمذي، وابن عدي، والدارقطني. وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين من أساطين هذا العلم والماهرين فيه الجهابذة، أهل النقد الذين أفنوا أعمارهم في خدمة السنة والاشتغال في علومها.

فلا تنكر جهود هؤلاء العلماء الأفذاذ التي بذلوها في حياطة الحديث وحراسة أسانيده، كما لا ينكر مدى حرصهم على تقويمه، ومبلغ عنايتهم في تنحية ما علق به من دخل وخلل أو وهم وخطأ وتنقية ما يشوب صفاءه من كدر، وأباطيل وترهات، وآفات.

فبينوا –رحمهم الله تعالى- علل أحاديث كثيرة ومحصوها، وحققوا القول فيها؛ أداء للأمانة، ونصحاً للمسلمين، وحفظاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصيانة لها، ودفاعاً عنها.

وفي هذا حماية للشريعة؛ فإن السنة صنو القرآن مبينة له وشارحة له.

وأن آثارهم العظيمة التي خلفوها شاهدة لهم بذلك، ودالة على دقة منهجهم وسلامته، وشدة بحثهم وقوة ضبطهم، واحتياطهم وتحريهم.

ص: 36

تعريف العلة*

العلة في اللغة:

"العِلّة بالكسر، المرض علَّ الرجل يَعِلّ علاّ فهو عليل، واعتلّ

ص: 37

اعتلالا، وأعلّه الله أي أصابه بعلّة فهو معل وعليل. ولا تقل معلول".

والعلة في اصطلاح المحدثين:

عبارة عن سبب غامض خفي قادح في صحة الحديث.

فالحديث المعل1:

هو ما اطلع فيه على علة خفية قادحة في صحته مع أن ظاهره السلامة منها.

وقد تطلق العلة على غير معناها الاصطلاحي:

فتطلق على القوادح الظاهرة في الحديث ككذب الراوي

1 وسماه ابن الصلاح: "المعلل" وتبعه النووي وابن حجر. وقد وقع في عبارة كثير من المحدثين كالبخاري والترمذي وابن عدي والدارقطني وأبي يعلى الخليلي والحاكم وغيرهم تسميته بـ "المعلول" انظر الحديث الثالث من هذه الرسالة.

قال ابن الصلاح: وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: "العلة والمعلول" مرذول عند أهل العربية واللغة. ا?. وقال النووي: "ويسمونه بالمعلول وهو لحن". ا?. وقال السيوطي: "لأن اسم المفعول من أعل الرباعي لا يأتي على مفعول بل الأجود فيه "معل" بلام واحدة لأنه مفعول أعلّ قياسا وأما معلول فمفعول علل وهو لغة: بمعنى ألهاه بالشيء وشغله وليس هذا الفعل بمستعمل في كلامهم" ا?.

ص: 38

وفسقه وغفلته وسوء حفظه ونحو ذلك من أنواع الجرح. وهذا موجود بكثرة في كتب علل الحديث.

وأما الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث" فإنه جعل معرفة علل الحديث علماً برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل حيث قال:

"وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولا

"

قال: السخاوي: "قد يعِلّون -أي أهل الحديث- في كتبهم الحديث بكل قدح ظاهر كفسق وغفلة ونوع جرح ونحو ذلك من الأمور الوجودية التي يأباها كون العلة خفية ولذا صرّح الحاكم بامتناع الإعلال بالجرح ونحوه، فإن حديث المجروح ساقط واهٍ ولا يعل الحديث إلا بما ليس بالجرح فيه مدخل. قال السخاوي: على أنه يحتمل أن التعليل بذلك من الخفي لخفاء وجود طريق أخر ليخبر بها ما في هذا من ضعف، فكأن المعلِّل أشار إلى تفرده".

كما أطلقها أبو يعلى الخليلي في كتاب "الإرشاد" على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال: "من أقسام الصحيح: ما هو صحيح معلول" كما قال

ص: 39

بعضهم1:"من الصحيح ما هو صحيح شاذ".

ونقل ابن الصلاح وتبعه غيره أن الترمذي سمّى النسخ علة من علل الحديث.

قال العراقي: "فإن أراد الترمذي أنه علة في العمل بالحديث (بمعنى أنه لا يعمل بالحديث المنسوخ) فهو كلام صحيح، وإن أراد أنه علة في صحة نقله فلا، لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة" اه.

قال السخاوي: "بل وصحح الترمذي نفسه من ذلك جملة فتعيّن لذلك إرادته". ا?.

قال الشيخ أحمد شاكر: "والذي أجزم به أن الترمذي إنما يريد به أنه علة في العمل بالحديث فقط، ولا يمكن أن يريد أنه علة في صحته، لأنه قال في سننه2:

"إنما كان "الماء من الماء" في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك" فلو كان النسخ عنده علة في صحة الحديث لصرح بذلك" اه.

مواطن العلة:

وأكثر ما تقع العلة في السند فتقدح فيه وفي المتن معاً وذلك

1 قائل ذلك الحاكم أبو عبد الله النيسابوري.

2 1/185 بتحقيق وتعليق أحمد شاكر.

ص: 40

كالإعلال بالوقف1 أو الإرسال2 أو الانقطاع.

وقد تقدح في السند وحده إذا كان المتن مروياً بإسناد آخر صحيح3.

وتقع العلة في المتن ولكن قليلا، وهذه قد تستلزم القدح في السند وقد لا تستلزم بأن يقتصر أثرها على المتن فقط.

أنواع العلل:

قسم الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في كتابه "معرفة علوم الحديث" أجناس العلل إلى عشرة أجناس وأورد لكل جنس مثالا، موضحاً العلة التي فيه، ثم قال عقب ذلك منبهاً على أن أجناس علل الحديث كثيرة غير محصورة في هذا العدد:

"وبقيت أجناس لم نذكرها، وإنما جعلتها مثالا لأحاديث كثيرة معلولة ليهتدي إليها المتبحِّر في هذا العلم، فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم"

وقد اختصرها البلقيني في "محاسن الإصطلاح" ذاكراً قبل كل

1 انظر على سبيل المثال الحديث الثالث عشر والسابع عشر.

2 انظر على سبيل المثال الحديث الثالث والحديث السادس عشر.

3 انظر على سبيل المثال الحديث الثالث والعشرين.

ص: 41

مثال تعريف الجنس الذي أورد الحاكم ذلك المثال لأجله؛ وخوفاً من الإطالة فإنني أكتفي بسرد تعاريف الأجناس من غير ذكر الأمثلة، ومن أحبّ أن يقف على الأمثلة فليرجع إلى مصدرها المشار إليه آنفاً أو إلى محل اختصارها المذكور، هذا وإن من المؤسف جداً أن السيوطي في "تدريب الراوي" نسب صنيع البلقيني هذا لنفسه1؛ والذي حدث عقب ذلك أن من جاء بعد السيوطي ولم يحقق في الموضوع أضاف ذلك الصنيع له، باعتبار أنه صاحبه وهو للبلقيني كما عرفت؛ لذا رأيت التنبيه على ذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الأول: أن يكون السند ظاهره الصحة وفيه من لا يُعْرف بالسماع ممن روى عنه2.

الثاني: أن يكون الحديث مرسلا من وجه، رواه الثقات الحفاظ، ويسند من وجه ظاهره الصحة ولكن له علة تمنع من صحة السند.

الثالث: أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي، فيروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته، كرواية المدنيين عن الكوفيين.

1 وانظر: "توجيه النظر إلى أصول الأثر" /268 للشيخ طاهر الجزائري فإنه نسب تعاريف الأجناس التي أتى بها البلقيني لنفسه ولم يعزها لصاحبها.

2 انظر على سبيل المثال الحديث الثلاثين والحادي والثلاثين.

ص: 42

الرابع: أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي ويروى عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحبته بل ولا يكون معروفاً من جهته، وربما وقع وهم آخر في إسناده.

الخامس: أن يكون الحديث روي بالعنعنة وسقط منه رجل دلّ عليه طريق أخرى محفوظة1.

السادس: أن يخْتلف على رجل بالإسناد وغيره، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد فيكون ذلك علة في المسند.

السابع: الاختلاف على رجل في تسمية شيخه وتجهيله.

الثامن: أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه ولكن لم يسمع منه أحاديث معينة، فإذا رواها عنه من غير ذكر واسطة تبينت علتها ببيان أنه لم يسمعها منه.

التاسع: أن تكون طريق معروفة يروي أحد رجالها حديثاً من غير تلك الطريق فيقع مَن رواه من تلك الطريق بناء على الجادة في الوهم.

العاشر: أن يروى الحديث مرفوعاً من وجه آخر2.

1 انظر على سبيل المثال الحديث الحادي العشرين.

2 انظر على سبيل المثال الحديث الثالث عشر والسابع عشر.

ص: 43

وتدرك العلة:

بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له ممن هو أحفظ واضبط أو أكثر عدداً مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه الناقد الحاذق البصير بهذا الفن على وهم وقع بإرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو وصل مرسل، أو رفع موقوف، أو دخول حديث في حديث، أو إبدال راو ضعيف بثقة أو غير ذلك من الأشياء القادحة بحيث يقع في نفسه أن الحديث معل، ويغلب على ظنه ذلك فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف فيه.

وربما تقصر عبارته عن إقامة الحجّة على دعواه فيما ذهب إليه بأن يعلم أن في الحديث قصوراً لكن لا يقدر على بيانه كالصيرفي1 في نقد الدينار والدرهم إذ قد يصل إلى اكتشاف العلة بضرب من الإلهام.

قال عبد الرحمن بن مهدي: "معرفة الحديث إلهام2 فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة".

قال السخاوي: "يعني يعبّر بها غالباً وإلا في نفسه حجج للقبول والرد" اه.

1 الصَيْرَفي: بفتح الصاد وسكون الياء وفتح الراء ينسب إلى صرف الدنانير والدراهم.

2 شيء يرد على قلوبهم وعلم يلقيه الله في نفوسهم.

ص: 44

وقال ابن رجب في "شرح علل الترمذي": "قاعدة مهمة: حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك. وهذا مما لا يعبّر عنه بعبارة تحضره، وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم كما سبق ذكره في غير موضع فمن ذلك". ثم ساق بعض الأمثلة الموضحة لما ذكر.

وقال الشيخ طاهر الجزائري في كتابه "توجيه النظر إلى أصول الأثر": "وهذه المسألة ليست من المسائل الغامضة فإن كل من اشتغل بفن من الفنون وتفرغ له وسلك مسلك أهله وصرف عنايته إليه قد يحكم في مسائله بحكم لا يتيسر له إقامة الدليل الظاهر عليه، وإن كان له في نفس الأمر دليل ربما كان أقوى من الأدلة الظاهرة إلا أن العبارة تقصر عنه".

هذا وأسند ابن أبي حاتم إلى محمد بن عبد الله بن نمير قال: "قال ابن مهدي: "معرفة الحديث إلهام".

قال ابن نمير: "وصدق لو قلت له من أين قلت؟ لم يكن له جواب".

وقيل له أيضاً: "إنك تقول للشيء: هذا صحيح، وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته

ص: 45

دراهمك، فقال: هذا جيد، وهذا بهرج1، أكنت تسأل عمن ذلك أو تسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر. قال: فهذا كذلك بطول المجالسة والمناظرة والخبرة".

وقال ابن أبي حاتم في "تقدمة كتاب الجرح والتعديل" في ترجمة يحيى ابن معين: نا الوليد بن أبان الأصبهاني قال: سمعت يعقوب بن سفيان الفسوي قال: سمعت سليمان بن حرب يقول: كان يحيى بن معين يقول في الحديث: "هذا خطأ"، فأقول: كيف صوابه؟ فلا يدري، فأنظر في الأصل فأجده كما قال.

وسئل أبو زرعة: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته ثم تقصد ابن وارة –يعني محمد بن مسلم بن وارة- وتسأله عنه ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه فيذكر علته. ثم تقصد أبا حاتم فيعلله ثم تميّز كلام كل منا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافاً في علته فاعلم أن كلاً منّا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم.

ففعل الرجل فاتفقت كلمتهم عليه فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام.

1 بهرج: بوزن جعفر: الرديء من الشيء، والدرهم البهرج: الرديء من الفضة. انظر: أساس البلاغة/32 والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/166 وتاج العروس 5/432 وما بعدها.

ص: 46

قال البلقيني في "محاسن الاصطلاح": "وهذه الحكاية التي ذكرها الحاكم تدل على أن الجهابذة النقاد يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه ومعوجه ومستقيمه كما يميّز الصيرفي بين الجيد والرديء وكم من شخص لذلك لا يهتدي". اه.

وسأل بعض الأجلاء من أهل الرأي (القياس) أبا حاتم عن أحاديث؟ فقال في بعضها هذا خطأ دخل لصاحبه حديث في حديث وهذا باطل وهذا منكر وهذا صحيح.

فسأله: من أين علمت هذا أخبرك الراوي بأنه غلط أو كذب؟ فقال له: لا ولكني علمت ذلك، فقال له الرجل: أتدَّعي الغيب؟ فقال: ما هذا ادعاء غيب، قال: فما الدليل على قولك؟ فقال: أن تسأل غيري من أصحابنا فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف.

فذهب الرجل إلى أبي زرعة، وسأله عن تلك الأحاديث بعينها فاتفقا، فتعجب السائل من اتفاقهما من غير مواطأة، فقال له أبو حاتم: أفعلمت أنا لم نجازف؟ ثم قال: والدليل على صحة قولنا، أنك تحمل بهرجاً إلى صيرفي فإن أخبرك أنه بهرج وقلت له: أكنت حاضراً حين بهرج أو هل أخبرك الذي بهرجه بذلك؟ يقول لك لا. ولكن علم رزقنا معرفته، وكذلك إذا حملت إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج يعرف ذا من ذا، ونحن نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون كلام النبوة، ونعرف سقمه ونكارته بتفرد من لم تصح عدالته.

ص: 47

قال السخاوي ناقل ذلك: "وهو –أي الحديث المُعَلّ- كما قال غيره: أمر يهجم على قلوبهم لا يمكنهم رده، وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها؛ ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث كابن خزيمة، والإسماعيلي، والبيهقي، وابن عبد البرّ لا ينكر عليهم، بل يشاركهم ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة، هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غير فنه فهو متعنٍ".

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: مثل معرفة الحديث كمثل فصٍ ثمنه مئة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم.

وروى بإسناده إلى أحمد بن صالح أنه قال: "معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب، والشبه فإن الجوهر إنما يعرفه أهله، وليس للبصير فيه حجة إذا قيل له كيف قلت هذا؟ ". يعني الجيد أو الرديء.

الطريق الموصلة إلى الكشف عن العلة:

والطريق إلى معرفة علل الحديث هو بالتفتيش وكثرة التتبع وجمع طرق الحديث واستقصائها من المجامع والمسانيد والأجزاء وغير ذلك من كتب الحديث، وفحصها وسبر أحوال رواتها والنظر في اختلافهم ومقدار ضبطهم وإتقانهم.

ص: 48

قال أبو بكر الخطيب: "السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته ويعتبر" أي الخطأ والصواب "بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط" اه.

وروى عن علي بن المديني أنه قال: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه" اه.

وكان بعض الحفاظ1 يقول: "كل حديث لم يكن عندي من مئة وجه فأنا فيه يتيم"2.

وقال ابن معين3:"لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه".

وقال أبو حاتم الرازي4:"لو لم نكتب الحديث من ستين وجهاً ما عقلناه".

أهم الكتب المؤلفة في علل الحديث:

كتاب "التاريخ والعلل"5 للإمام يحيى بن معين (158-

1 هو إبراهيم بن سعيد الجوهري.

2 ميزان الاعتدال 1/35 وفتح المغيث للسخاوي 1/218.

3 انظر: تهذيب التهذيب 11/282.

4 انظر: التبصرة والتذكرة 2/233.

5 انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من كتب الحديث- وضع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني/113، و"تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان 3/162 وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/158.

والكتاب حققه أحمد محمد نور سيف ونال به درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر، وقد عنونه بالتاريخ من غير أن يذكر كلمة "العلل"؛ نظراً لأن بعض المصادر اقتصرت في تسميته على "التاريخ"، وأنه لم ترد هذه الكلمة "العلل" -حسبما ذكر- إلا في موضع واحد في عنوان الكتاب على الورقة الأولى ملحقة أعلى السطر، واستبعد أن تكون في الأصول التي أخذت عنها النسخة، قال: أما ما سار عليه البعض في تسمية الكتاب بالتاريخ والعلل فإنما كانوا متأثرين بالعنوان الذي جاء في أول هذه النسخة، وعن إلحاق كلمة "العلل" بعنوان النسخة قال: ولعل مبعث ذلك ما اشتهر به ابن معين من الإمامة في هذا الفن".

ومتى عرف أن ما تقدم إنما يتعلق باسم الكتاب والتحقيق فيه من غير نظر إلى ما يحتويه من علل، فإن من الثابت قطعاً أن الكتاب مشتمل على تعليل أحاديث كثيرة، ولعل هذا هو الحامل لإضافة كلمة "العلل" إلى عنوان الكتاب. أما الاقتصار في تسميته على "التاريخ" مع أن فيه عللا وتاريخاً، فذلك كاقتصار الإمام البخاري على تسمية كتابه بالتاريخ مع أن فيه عللا وذلك من باب التغليب.

والذي يبدو لي أنه لو جعل أحدٌ كتاب ابن معين هذا أقدم مؤلف في علل الحديث –وإن لم يكن مستقلا بموضوع العلل- فإنه لا يعد والصواب والله أعلم.

ملاحظة: الكتاب يتولى طبعه الآن مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بمكة وهو يقع في أربعة أجزاء وقد صدر منه جزءان الأول والثاني.

ص: 49

00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000

لبروكلمان 3/162 وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/158.

والكتاب حققه أحمد محمد نور سيف ونال به درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر، وقد عنونه بالتاريخ من غير أن يذكر كلمة "العلل"؛ نظراً لأن بعض المصادر اقتصرت في تسميته على "التاريخ"، وأنه لم ترد هذه الكلمة "العلل" -حسبما ذكر- إلا في موضع واحد في عنوان الكتاب على الورقة الأولى ملحقة أعلى السطر، واستبعد أن تكون في الأصول التي أخذت عنها النسخة، قال: أما ما سار عليه البعض في تسمية الكتاب بالتاريخ والعلل فإنما كانوا متأثرين بالعنوان الذي جاء في أول هذه النسخة، وعن إلحاق كلمة "العلل" بعنوان النسخة قال: ولعل مبعث ذلك ما اشتهر به ابن معين من الإمامة في هذا الفن".

ومتى عرف أن ما تقدم إنما يتعلق باسم الكتاب والتحقيق فيه من غير نظر إلى ما يحتويه من علل، فإن من الثابت قطعاً أن الكتاب مشتمل على تعليل أحاديث كثيرة، ولعل هذا هو الحامل لإضافة كلمة "العلل" إلى عنوان الكتاب. أما الاقتصار في تسميته على "التاريخ" مع أن فيه عللا وتاريخاً، فذلك كاقتصار الإمام البخاري على تسمية كتابه بالتاريخ مع أن فيه عللا وذلك من باب التغليب.

والذي يبدو لي أنه لو جعل أحدٌ كتاب ابن معين هذا أقدم مؤلف في علل الحديث –وإن لم يكن مستقلا بموضوع العلل- فإنه لا يعد والصواب والله أعلم.

ملاحظة: الكتاب يتولى طبعه الآن مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بمكة وهو يقع في أربعة أجزاء وقد صدر منه جزءان الأول والثاني.

ص: 50

233هـ) رواية أبي الفضل العباس بن محمد الدوري عنه.

كتاب "العلل"1 للإمام على بن المديني (161-234هـ)

كتاب "العلل ومعرفة الرجال"2 للإمام أحمد بن حنبل

1 نشرة المكتب الإسلامي بدمشق عام 1392هـ بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وقد ذكره سزكين في "تاريخ التراث العربي" 1/160 بعنوان "علل الحديث ومعرفة الرجال".

هذا وذكرت بعض المصادر لابن المديني كتاب "المسند المعلل" الذي يبدو أنه مفقود. انظر: فهرست ابن النديم/231 و"معرفة علوم الحديث" للحاكم/71 و: "شرح علل الترمذي" لابن رجب/186.

2 مخطوط في مكتبة جامع أيا صوفيا بإلاستانة تحت رقم (3380) وهو عبارة عن ثمانية أجزاء تقع في 180 ورقة حجم 294-165 مليمتراً وقد اطلعت على صورة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (381)

وتوجد عدة أجزاء ناقصة منه في دار الكتب الظاهرية بدمشق ضمن مجموعتي رقم 40 و 46.

وقد طبع المجلد الأول منه في أنقرة سنة 1963م ويقع في 414 صفحة عدا المقدمة والفهارس بتحقيق الدكتور طلعت قوج بيكيت والدكتور إسماعيل جراح أوغلي، وهو يمثل –كما أشير في آخره- الأربعة الأجزاء الأولى من نسخة آيا صوفيا الفريدة.

انظر: مقدمة: "كتاب العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد بن حنبل كج و"تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان 3/312، و"تاريخ التراث العربي" لسزكين 2/204.

ص: 51

(164-241هـ) وهو من رواية ابنه عبد الله عنه.

كتاب "علل الحديث ومعرفة الرجال"1 للإمام أحمد بن حنبل من رواية أبي بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي (

-275هـ) وغيره. وهو إجابات أحمد على أسئلتهم في الحديث ورجاله.

كتاب "علل الحديث ومعرفة الشيوخ"2 للإمام أبي جعفر محمد ابن عبد الله بن عمار المخرمي الموصلي (162-242هـ)

كتاب "العلل"3 للإمام أبي حفص عمرو بن علي الفلاس

1 توجد نسخة منه اطلعت عليها في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (99) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق ضمن مجموع رقم (40) تقع في (22) ورقة. انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من كتب الحديث- وضع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني/222، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –التاريخ وملحقاته- وضع الدكتور يوسف العش/232.

2 ذكره الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 5/417 والذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/596 و"تذكرة الحفاظ" 2/494 ووصفه بأنه كبير. انظر: "الإعلام" للزركلي 7/92 و"معجم المؤلفين" 10/228.

3 ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 8/81 وانظر: "الإعلام" للزركلي 5/254 و"معجم المؤلفين" 8/11.

ص: 52

(

- 249?) .

كتاب "العلل"1 للإمام البخاري (194-256هـ) .

كتاب "العلل"2 للإمام مسلم (204-261هـ) .

1 ذكره ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"/492 وانظر: "الرسالة المستطرفة"/147.

2 ذكره النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" الجزء الثاني من القسم الأول/91 والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/590 وحاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/1160 وانظر: "الرسالة المستطرفة"/147 و"مقدمة تحفة الأحوذي"/70.

هذا وللإمام مسلم كتاب "التمييز" وهو في بيان أوهام وقعت في رواية بعض الأحاديث، وهم قوم في روايتها فصارت عند أهل العلم في عداد الغلط والخطأ، نشر الكتاب الدكتور محمد مصطفى الأعظمي بتحقيقه وتعليقه بعد أن صدره بمقدمة ضافية، وهو –أي الكتاب- ليس كاملا بل فقد منه جزء كبير من الأخير، ولم يبق منه إلا عشر ورقات في دار الكتب الظاهرية هي التي نشرها الدكتور الأعظمي جزاه الله خيراً. انظر: مقدمة المحقق و"فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من مخطوطات الحديث- وضع ناصر الدين الألباني"/408.

هذا وقد ادعى بعض الناس أن كتاب "العلل" لمسلم هو كتاب "التمييز" هذا ولم يذكر دليلا على ذلك، وعندما أحال على بعض المصادر أحال على مصادر اعتنت بذكر كتاب "العلل" لمسلم. ولا يخفى أن الحاكم الذي أورد لمسلم ستة عشر مصنفاًُ أثبتها الذهبي في "تذكرة الحفاظ" نقلا عنه ذكر فيها هذين الكتابين كتاب "العلل" وكتاب "التمييز" وكذا تعاقب على ذكرهما ونسبتهما لمسلم من جاء بعده مما يفيد أن كتاب "العلل" غير كتاب "التمييز" والله أعلم.

ص: 53

كتاب "العلل"1 للإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم (

-262هـ) .

كتاب "المسند الكبير المعلل"2 للإمام يعقوب بن شيبة

1 ذكره ابن النديم في "الفهرست"/335 والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 5/110 والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/571 وابن كثير في "البداية والنهاية" 11/108 وانظر: "الرسالة المستطرفة"/148.

2 أثنى عليه الذهبي فقال في ترجمة يعقوب من "تذكرة الحفاظ" 2/577: "ما صنف مسند أحسن منه ولكنه ما أتمه". وقال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 14/281 في ترجمة يعقوب: "وصنف مسنداً معللا إلا أنه لم يتممه

حدثني الأزهري قال: "بلغني أن يعقوب كان في منزله أربعون لحافاً أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين لتبييض المسند ونقله، ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار"، قال:"وقيل لي: أن نسخة بمسند أبى هريرة شوهدت بمصر فكانت مائتي جزء"، قال الأزهري:"ولم يصنف يعقوب المسند كله، وسمعت الشيوخ يقولون: لم يتم مسند معلل قط" قال الخطيب: "قلت: والذي ظهر ليعقوب مسند العشرة وابن مسعود، وعمار، وعتبة بن غزوان، والعباس، وبعض الموالي هذا الذي رأينا من مسنده حسب" اهـ.

قال الذهبي: "قلت بلغني أن مسند علي له خمس مجلدات

ووقع لي من مسنده جزء واحد" اهـ. قال السخاوي في فتح المغيث 2/342: "واتصل الأول من عمار خاصة للذهبي وشيخنا "يعني ابن حجر" ومؤلفه "يعني نفسه" ورأيت بعض أجزاء من مسند ابن عمر" اهـ. قال الخطيب البغدادي: " حدثني الأزهري قال: "سمعت جماعة من شيوخنا وسمى منهم أبا عمر بن حيويه، وأبا الحسن الدارقطني يقولون: لو أنَّ كتاب يعقوب بن شيبة كان مسطوراً على حَمّام لوجب أن يكتب" اهـ. قال السخاوي: "يعني لا يحتاج إلى سماع" اهـ.

هذا وقد عثر على قطعة صغيرة منه هي من "مسند عمر بن الخطاب" نحو الثلاثين حديثاً طبعت في بيروت في المطبعة الأمريكية سنة 1940م طبعها الدكتور سامي حداد بتحقيقه وبها ينتهي الجزء العاشر من المسند.

ص: 54

السدوسي البصري (182-262هـ) .

كتاب "العلل الكبير"1 للإمام الترمذي (209-279هـ) .

كتاب "العلل الصغير"2 للإمام الترمذي.

كتاب "العلل"3 للحافظ أبي زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو النصري الضبي (

-280هـ) .

كتاب "العلل"4 لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي

1 سيأتي الكلام عنه عن شاء الله تعالى.

2 سيأتي الكلام عنه عن شاء الله تعالى.

3 ذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/1440 وانظر: "الإعلام" للزركلي 4/94 و"معجم المؤلفين" 5/163.

4 ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 2/20.

ص: 55

(195- 285هـ) .

كتاب "المسند الكبير المعلل"1 للإمام أبي بكر أحمد بن عمرو ابن عبد الخالق البزار البصري (

-292هـ) .

1 مخطوط يوجد الجزء الأول منه وبأوله نقص في مكتبة مراد ملا بتركيا تحت رقم (572) يقع في 210 ورقة يبتدئ ببقية مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه وينتهي بآخر مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

كما يوجد الجزء الأول وبأوله نقص في مكتبة جامع القرويين بفاس تحت رقم (61) يقع في 243 ورقة.

ويوجد الجزءان الثاني والثالث في مجلد بالمكتبة الأزهرية بمصر تحت رقم حديث (924) في 296 ورقة بأول الثاني نقص ويشتملان على بقية مسند عبد الله بن عمر ومسندي أنس بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهما.

كما يوجد الجزء الثاني في مكتبة الكتاني بالرباط تحت رقم (393) اطلعت على صورة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (804) يقع في (321) صفحة يبتدئ بمسند أبي اليسر وينتهي ببعض مسند ابن عباس.

ويوجد الجزء السادس في مكتبة كوبريلي بتركيا تحت رقم (426) يقع في 175 ورقة يبتدئ بحديث النضر بن أنس وينتهي بحديث أبي معين عن أبي صالح. انظر: "فهرس المخطوطات المصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية" 1/99-100 رقم 427، 428 وفهرس المكتبة الأزهرية 1/604 و"تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/257.

ص: 56

كتاب "العلل في الحديث"1 للحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن أبي طالب محمد بن نوح بن عبد الله النيسابوري شيخ خراسان (

-295?) .

كتاب "علل الحديث"2 للحافظ أبي يعلى زكريا بن يحيى الساجي (220-307?) .

كتاب "العلل"3 للإمام أبي بكر بن محمد بن هارون الخلال البغدادي الحنبلي (

-311?) .

1 انظر: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون 2/314 ومعجم المؤلفين، 1/109.

2 ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/709-710 فقال: "وللساجي كتاب جليل في علل الحديث يدل على تبحره في هذا الفن" وانظر: "الرسالة المستطرفة"/148.

3 ذكر ابن رجب في "شرح علل الترمذي"/61 والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/385"أنه في عدة مجلدات". وانظر: "اختصار علوم الحديث" لابن كثير/64 مع "الباعث الحثيث" و"محاسن الاصطلاح في فن الاصطلاح"/203 و"الرسالة المستطرفة"/148

هذا وأفاد الأستاذ صبحي جاسم السامرائي في تعليقه على "شرح علل الترمذي" لابن رجب/61 أنه يوجد الجزء الثاني عشر من منتخبه مخطوطا في المكتبة المركزية في بغداد انتخاب موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي صاحب المغني (541-620?)

ص: 57

كتاب "علل الحديث"1 للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (240-327?) .

كتاب "العلل"2 للإمام أبي علي النيسابوري الحسين بن علي (277-349?) .

1 طبع في المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1343? في مجلدين وهو إجابات أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين على سؤلات ابن أبي حاتم مرتب على أبواب الفقه. وقد محصت فيه علل نحو ثلاثة آلاف حديث ذكرت في كل واحد منها علته واسم الراوي الذي جاءت العلة من ناحيته. هذا وقد ذكر المالكي: محمد بن أحمد بن محمد الأندلسي ضمن ما ورد به الخطيب البغدادي دمشق كتاب "العلل" منسوباً لأبي زرعة الرازي وأنا أظنه يعني به كتاب ابن أبي حاتم هذا؛ لأن مصادر ترجمة أبي زرعة التي رجعت إليها وغيرها من الكتب التي تعنى بإيراد المصنفات لا تذكر له كتاباً في العلل استقل به. علما أن المالكي لم يذكر ضمن ما ورد به الخطيب البغدادي دمشق كتاب ابن أبي حاتم "علل الحديث" مما يقوى ما أشرت إليه. انظر: كتاب "الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها" للدكتور يوسف العش/96 فقد نشر فيه كتاب المالكي "تسمية ما ورد به الخطيب دمشق" مع إعادة ترتيبه. وانظر: موارد الخطيب البغدادي/322 للدكتور أكرم ضياء العمري فقد عزا كتاب "العلل" المذكور لأبي زرعة اعتماداً على ذكر المالكي له.

2 ذكره العراقي في كتابه "التبصرة والتذكرة" 2/240 وانظر: "الرسالة المستطرفة"/148

ص: 58

كتاب "المسند الكبير المعلل"1 للإمام أبي علي الحسين بن محمد الماسرجسي (297-365?) .

كتاب "العلل"2 للإمام أبي أحمد الحاكم الكبير (285-378?)

كتاب "العلل الواردة في الأحاديث النبوية"3 للإمام أبي

1 هو مسند مهذب معلل في ألف وثلاثمائة جزء قال الحاكم: وعلى التخمين يكون بخطوط الوراقين في أكثر من ثلاثة آلاف جزء، وعندي أنه لم يصنف في الإسلام مسند أكبر منه، وكان مسند أبي بكر الصديق بخطه في بضعة عشر جزءاً بعلله وشواهده، فكتبه النساخ في نيف وستين جزءاً. انظر: تذكرة الحفاظ 3/956 والبداية والنهاية 11/283 وفتح المغيث 2/342 والإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ 165 والرسالة المستطرفة/73.

2 ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/977 وانظر: "الأعلام" للزركلي 7/244 و"معجم المؤلفين" 11/180.

3 منه نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في (7) مجلدات من رقم (217إلى223) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب المصرية بالقاهرة رقم (394) تقع في 934 ورقة ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة 708?.

كما توجد صورة أخرى منه مثل التي في الجامعة عند المشرف على هذه الرسالة فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري. انظر: فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية 2/137 وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/340.

ولا يخفى أن كتاب العلل هذا للدارقطني هو أحد المصادر التي اعتمدت عليها هذه الرسالة. وهو أجمع كتاب في العلل مرتب على المسانيد.. وليس من جمعه بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني. الرسالة المستطرفة/148 وانظر: فتح المغيث للسخاوي 2/334 وقد حكى البرقاني قصة جمعه لكتاب العلل الذي أملاه عليه الدارقطني من حفظه، فقد قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 12/37: سألت البرقاني قلت له:

هل كان أبو الحسن الدارقطني يملي عليك العلل من حفظه؟ فقال: نعم. ثم شرح لي قصة جمع العلل فقال: كان أبو منصور بن الكرخي (انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 6/59) يريد أن يصنف مسنداً معللا (في الأصل: معلماً، وهو خطأ) فكان يدفع أصوله إلى الدارقطني فيعلم له على الأحاديث المعللة، ثم يدفعها أبو منصور إلى الوارقين فينقلون كل حديث منها في رقعة. فإذا أردت تعليق الدارقطني على الأحاديث نظر فيها أبو الحسن، ثم أملى على الكلام من حفظه فيقول: حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود، الحديث الفلاني اتفق فلان وفلان على روايته، وخالفهما فلان، ويذكر جميع ما في ذلك الحديث فأكتب كلامه في رقعة مفردة، وكنت أقول له: لم تنظر قبل إملائك الكلام في الأحاديث، فقال: أتذكر ما في حفظي.

ثم مات أبو منصور والعلل في الرقاع، فقلت لأبي الحسن بعد سنتين من موته:"إني قد عزمت أن أنقل الرقاع إلى الأجزاء وأرتبها على المسند، فأذن لي في ذلك، وقرأتها عليه من كتابي ونقلها الناس من نسختي".

وقد أثنى كل من الذهبي وابن كثير على كتاب "العلل" للدارقطني فقال الذهبي في ترجمته من "تذكرة الحفاظ" 3/993: "وإذا شئت أن تتبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع "العلل" له فإنك تندهش ويطول تعجبك".

وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث/64-65 مع الباعث الحثيث" بعد أن ذكر بعض الكتب المؤلفة في علل الحديث: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك وهو أجل كتاب بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده فرحمه الله وأكرم مثواه، ولكن يعوزه شيء لا بدّ منه، وهو: أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم ليسهل الأخذ منه فإنه مبدد جداً لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوب منه بسهولة والله الموفق". ومن هنا قال من قال: "إن كتاب ابن أبي حاتم أحسن ترتيباً وأقرب؛ لاستفادة أكثر الناس منه".

قال السخاوي في "فتح المغيث" 2/235: "وقد أفرد شيخنا –يعني الحافظ ابن حجر- من هذا الكتاب –يعني علل الدارقطني- ماله لقب خاص كالمقلوب والمدرج، والموقوف، فجعل كلا منها في تصنيف مفرد، وجعل العلل المجردة في تصنيف مستقل، (يشير بهذا إلى كتاب شيخه الزهر المطلول

الذي سيأتي. وأما أنا فشرعت في تلخيص الكتاب مع زيادات وعزو فانتهى منه الربع يسّر الله إكماله". وقد سمى السخاوي تلخيصه هذا "بلوغ الأمل بتلخيص كتاب الدارقطني في العلل". انظر: "إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون" 1/195 و"هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين" 2/220.

هذا وللإمام الدارقطني كتاب "التتبع" الذي انتقد فيه أكثر من مائتي حديث من أحاديث صحيحي البخاري ومسلم وبيّن عللها. حقق الكتاب مع كتاب "الإلزامات" للدارقطني أيضاً ودرس أحاديثهما الأخ مقبل بن هادي الوادعي اليمني في رسالة تقدم بها للجامعة الإسلامية بالمدينة ونال بها درجة الماجستير عام 1399?، وقد طبعت فيما بعد في كتاب نشره عبد المحسن اليماني صاحب المكتبة السلفية بالمدينة. هذا وكان الأخ ربيع بن هادي المدخلي قد تقدم برسالته المسماة "بين الإمامين مسلم والدارقطني" لجامعة الملك عبد العزيز كلية الشريعة بمكة قسم الدراسات العليا ونال بها درجة الماجستير عام 1397? وهي تبحث في الأحاديث التي انتقدها الإمام الدارقطني على الإمام مسلم في صحيحه وإمكان التوسط بينهما في إقرار النقد أو دفعه.

ولا يخفى أن الإمام النووي قد أجاب عن أكثر أحاديث مسلم التي قدح فيها الدارقطني وغيره أثناء تعرضه لها في شرحه لصحيح مسلم، كما أن الحافظ ابن حجر عقد فصلا مستقلا في "هدي الساري" مقدمة "فتح الباري" أجاب فيه عن الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري إجمالا وتفصيلا.

ص: 59

...........................................................................................................

ولا يخفى أن كتاب العلل هذا للدارقطني هو أحد المصادر التي اعتمدت عليها هذه الرسالة. وهو أجمع كتاب في العلل مرتب على المسانيد.. وليس من جمعه بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني. الرسالة المستطرفة/148 وانظر: فتح المغيث للسخاوي 2/334 وقد حكى البرقاني قصة جمعه لكتاب العلل الذي أملاه عليه الدارقطني من حفظه، فقد قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 12/37: سألت البرقاني قلت له:

هل كان أبو الحسن الدارقطني يملي عليك العلل من حفظه؟ فقال: نعم. ثم شرح لي قصة جمع العلل فقال: كان أبو منصور بن الكرخي (انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 6/59) يريد أن يصنف مسنداً معللا (في الأصل: معلماً، وهو خطأ) فكان يدفع أصوله إلى الدارقطني فيعلم له على الأحاديث المعللة، ثم يدفعها أبو منصور إلى الوارقين فينقلون كل حديث منها في رقعة. فإذا أردت تعليق الدارقطني على الأحاديث نظر فيها أبو الحسن، ثم أملى على الكلام من حفظه فيقول: حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود، الحديث الفلاني اتفق فلان وفلان على روايته، وخالفهما فلان، ويذكر جميع ما في ذلك الحديث فأكتب كلامه في رقعة مفردة، وكنت أقول له: لم تنظر قبل إملائك الكلام في الأحاديث، فقال: أتذكر ما في حفظي.

ثم مات أبو منصور والعلل في الرقاع، فقلت لأبي الحسن بعد سنتين من موته:"إني قد عزمت أن أنقل الرقاع إلى الأجزاء وأرتبها على المسند، فأذن لي في ذلك، وقرأتها عليه من كتابي ونقلها الناس من نسختي".

وقد أثنى كل من الذهبي وابن كثير على كتاب "العلل" للدارقطني فقال الذهبي في ترجمته من "تذكرة الحفاظ" 3/993: "وإذا شئت أن تتبين

ص: 60

...........................................................................................................

براعة هذا الإمام الفرد فطالع "العلل" له فإنك تندهش ويطول تعجبك".

وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث/64-65 مع الباعث الحثيث" بعد أن ذكر بعض الكتب المؤلفة في علل الحديث: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك وهو أجل كتاب بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده فرحمه الله وأكرم مثواه، ولكن يعوزه شيء لا بدّ منه، وهو: أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم ليسهل الأخذ منه فإنه مبدد جداً لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوب منه بسهولة والله الموفق". ومن هنا قال من قال: "إن كتاب ابن أبي حاتم أحسن ترتيباً وأقرب؛ لاستفادة أكثر الناس منه".

قال السخاوي في "فتح المغيث" 2/235: "وقد أفرد شيخنا –يعني الحافظ ابن حجر- من هذا الكتاب –يعني علل الدارقطني- ماله لقب خاص كالمقلوب والمدرج، والموقوف، فجعل كلا منها في تصنيف مفرد، وجعل العلل المجردة في تصنيف مستقل، (يشير بهذا إلى كتاب شيخه الزهر المطلول

الذي سيأتي. وأما أنا فشرعت في تلخيص الكتاب مع زيادات وعزو فانتهى منه الربع يسّر الله إكماله". وقد سمى السخاوي تلخيصه هذا "بلوغ الأمل بتلخيص كتاب الدارقطني في العلل". انظر: "إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون" 1/195 و"هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين" 2/220.

هذا وللإمام الدارقطني كتاب "التتبع" الذي انتقد فيه أكثر من مائتي حديث من أحاديث صحيحي البخاري ومسلم وبيّن عللها. حقق الكتاب مع كتاب "الإلزامات" للدارقطني أيضاً ودرس أحاديثهما الأخ مقبل بن هادي الوادعي اليمني في رسالة تقدم بها للجامعة الإسلامية بالمدينة ونال بها درجة الماجستير عام 1399?، وقد طبعت فيما بعد في كتاب نشره عبد المحسن اليماني صاحب المكتبة السلفية بالمدينة. هذا وكان الأخ ربيع بن هادي المدخلي قد تقدم برسالته المسماة "بين الإمامين مسلم والدارقطني" لجامعة الملك عبد العزيز كلية الشريعة بمكة قسم الدراسات العليا ونال بها درجة الماجستير عام 1397? وهي تبحث في الأحاديث التي انتقدها الإمام الدارقطني على الإمام مسلم في صحيحه وإمكان التوسط بينهما في إقرار النقد أو دفعه.

ولا يخفى أن الإمام النووي قد أجاب عن أكثر أحاديث مسلم التي قدح فيها الدارقطني وغيره أثناء تعرضه لها في شرحه لصحيح مسلم، كما أن الحافظ ابن حجر عقد فصلا مستقلا في "هدي الساري" مقدمة "فتح الباري" أجاب فيه عن الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري إجمالا وتفصيلا.

ص: 61

الحسن على بن عمر الدارقطني (306-385?) .

كتاب "العلل"1 لأبي علي حسن بن محمد الزجاجي (

- في حدود 400?) .

كتاب "العلل"2 لأبي عبد الله الحاكم (321-405?) .

1 انظر: "كشف الظنون" 2/1160 والرسالة المستطرفة/148.

2 ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/1043 وانظر: "كشف الظنون" 2/1160.

ص: 62

كتاب "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية"1 للحافظ أبي

1 منه نسختان في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية:

إحداهما: جزءان في مجلد تحت رقم (802) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الآصفية (المكتبة الشرقية للمخطوطات) في حيدر آباد الدكن بالهند تحت رقم (116) حديث تقع في 335 ورقة يرجع تاريخ نسختها إلى عام 1293?.

والثانية: جزءان في مجلدين تحت رقم (273، 274) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة رامبور بالهند تقع في 348 ورقة.

وكتاب ابن الجوزي هذا "العلل المتناهية" عليه في كثير منها انتقاد (انظر: الرسالة المستطرفة/148) هذا وقد لخصه الحافظ الذهبي (673-748?) في كتابه "مختصر العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" الذي توجد منه نسختان في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.

إحداهما: في مجلد تحت رقم (660) مصورة عن الأصل المحفوظ في المكتبة الأزهرية بالقاهرة تقع في 84 ورقة. وكذا توجد صورة مماثلة عن هذه النسخة في مكتبة الشيخ حماد المشرف على هذه الرسالة.

والثانية: في مجلد تحت رقم (664) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة الجامعة العثمانية في حيدر أباد الدكن بالهند تحت رقم (204) تقع في 85 ورقة يرجع تاريخ نسخها إلى سنة 1119?.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن كتاب "العلل المتناهية" ومختصره هما من المصادر التي اعتمدت عليها هذه الرسالة، كما تجدر الإشارة إلى أن "العلل المتناهية" يجري طبعه الآن وللمرة الأولى في مطبعة المكتبة العلمية بلاهور بالباكستان، وهو يقع في مجلدين ظهر الأول منه في شعبان سنة 1399? نشرته إدارة العلوم الأثرية بفيصل آباد بالباكستان؛ ونظراً لوصوله إلى يدي متأخراً لم أتمكن من استعماله في أثناء الرسالة لذا فإني اقتصرت في الكتاب كله على المخطوطة هذا ومن ناحية أخرى يقوم حالياً الأخ محفوظ الرحمن الطالب بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة بتحقيق كتاب "مختصر العلل المتناهية" للذهبي في رسالة يعدها سوف يتقدم بها إن شاء الله تعالى لنيل درجة الماجستير وفقه الله وسدد خطاه.

وبالمناسبة فإن لابن الجوزي كتاباً آخر بعنوان "التحقيق في أحاديث الخلاف" مخطوط في مجلدين في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة وهو يحتوي على تعليل أحاديث كثيرة وقد طبع منه مجلد واحد معه "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي، ولا يخفى أن كتاب ابن الجوزي هذا هو أحد مصادر هذه الرسالة.

ص: 63

الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (508-597?) .

كتاب "الزهر المطلول في الخبر المعلول"1 للحافظ

1 انظر: "كشف الظنون" 2/961 و"تدريب الراوي"/167 و"الرسالة المستطرفة"/148. قال الشيخ أحمد شاكر في "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" لابن كثير/65:

"وقد حكى السيوطي في "التدريب" أن الحافظ ابن حجر ألّف فيه كتاباً سماه "الزهر المطلول في الخبر المعلول" ولم أره ولو وجد لكان في رأيي جديراً بالنشر لأن الحافظ ابن حجر دقيق الملاحظة واسع الإطلاع ويظن أنه يجمع كل ما تكلم فيه المتقدمون من الأئمة من الأحاديث المعلولة".

ص: 64

ابن حجر (773-852?) .

وإلى جانب تلك المؤلفات المستقلة والخاصة في هذا الفن يوجد الكلام على علل الحديث مفرقاً في كتب كثيرة:

منها كتب الحديث مثل: "جامع الترمذي" فإن فيه تعليل أحاديث كثيرة منها أحاديث هذه الرسالة.

ومنها كتب التخريج مثل: "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للزيلعي، و"الدراية في تخريج أحاديث الهداية" لابن حجر، و"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" لابن حجر، و"الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف" له أيضاً، و"المغنى عن حمل الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار" للعراقي.

ومنها كتب شروح الحديث مثل: "فتح الباري بشرح صحيح البخاري مع مقدمته هدى الساري" لابن حجر، و"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" لابن عبد البر، و"تهذيب سنن أبي داود" لابن قيم الجوزية، و"نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" للشوكاني.

ومنها كتب الفقه مثل: "المحلى" لابن حزم، والمجموع "شرح المهذب" للنووي، و"المغني" لابن قدامة.

ومنها كتب الرجال مثل "كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين" لابن حبان، و"الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي، و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للذهبي. فإن هؤلاء

ص: 65

يذكرون أثناء ترجمة الراوي الضعيف حديثاً أو حديثين من مروياته الضعيفة والمنكرة والمعلولة بسببه.

ومن الدراسات النقدية القيمة التي ظهرت في هذا العصر "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" لفضيلة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وقد صدر منها حتى الآن ألف حديث في مجلدين بيّن في كل حديث وجوه الضعف التي فيه وبيّن علله كما نبه على وضعه إن كان موضوعاً أو باطلاً.

ص: 66

الكتب المؤلفة على السؤالات

تمهيد:

لست بحاجة إلى التنبيه على قيمة السؤال والتذكير بأنه مفتاح العلوم، فكثيراً ما جاء التأكيد عليه والترغيب فيه، وأن إتقانه نصف العلم، ولقد كان طلاب العلم النابهون يذاكرون شيوخهم ويسائلونهم عما خفي عليهم أو يستشكلونه، ويقيدون ما يحصلون عليه من معلومات من أفواه شيوخهم حفاظاً عليها وذخيرة لهم ولغيرهم، ولم يكن هذا وقفاً على علم دون علم بل شمل أكثر العلوم من فقه، وحديث، وتفسير، وعقيدة، ولغة إلى آخر هذه الفنون، وقد وصل إلينا عدد من تلك المدونات التي برزت في مؤلفات عظيمة مستقلة على هيئة سؤالات وأجوبة، حبذا لو اتجهت نحوها النوايا، وأفرغت لها الطاقات؛ لحصرها والعمل على تحقيقها ودراستها في سبيل تقريبها لأيدي الناس وتيسير سبل الاستفادة منها، فإنه حان الوقت ليتميز هذا الضرب من التأليف على هذا الأسلوب وهو نقل المعلومات من الشيوخ وتتحد معالمه؛ لما فيه من المتعة والفائدة الجمة والثمرة المرجوة، كما أنه آن الأوان لتبرز مجهودات أولئك التلاميذ ومعلميهم علّها تكون حافزاً لنا للالتصاق بالعلم وأهله أكثر فأكثر.

وإذا كانت هذه الرسالة "سؤالات الترمذي للبخاري" مناسبة لدراسة فصل فيها تحت عنوان: مقارنة بين عمل الترمذي

ص: 69

مع البخاري وبين أعمال أخرى مماثلة في علم الحديث –حيث موضوع الرسالة في علل الحديث ومعرفة الرواة- لجأ فيها المتأخر إلى المتقدم يستوضحه ويستفسره عما جهل وانبهم، فإنه لا يحول بيني وبين ذلك إلا ضخامة هذا الفصل وما يتطلبه من وقت لدراسة تلك الأعمال دراسة واعية ومتأنية ترقب الموافقات، وتميز بين المفارقات، وتستخلص النتائج وتعطي الفوائد ولا شك أن هذا يحتاج إلى جهد وتفرغ محله موضوع رسالة علمية عظيمة ينفع الله بها المسلمين، وكما قيل ما لا يدرك كله لا يترك جله فقد حرصت على رصد كل ما تناها إلى علمي من تلك المؤلفات، فكان أن جاز عدد ما أوردته منها العشرين، وهي لأئمة محققين ونقاد كبار ومنطوية على مادة في النقد واسعة ودقيقة سواء في نقد الرجال، أو الأحاديث، أو فيهما معاً. وقد بينت عند ذكر مؤلف منها مادة النقد التي هي فيه وحاولت أن أعطي معلومات وافية عنه تعين على تصوره تشمل وصفاً لنسخته الوحيدة –إن كان مخطوطاً أو صورة عنه- أو لنسخه المتعددة من ناحية ذكر مكان، أو أماكن وجوده، وذكر الرقم الخاص به في المكتبة المحفوظ بها، وعدد أوراقه، وهل هو كامل أو ناقص؟ ومحل النقص، وبيان ما طبع أو حقق في رسالة علمية عالية وبيان ما وقفت عليه من ذلك.

وقد اعتمدت في كل ذلك على فهارس المخطوطات، وفهارس المخطوطات المصورة، وفهارس المكتبات، والفهارس المعنية بالتراث

ص: 70

في شتى مكتبات العالم. أما إذا كان الكتاب الذي أتحدث عنه مفقوداً فإني أبين ذلك واذكر المصدر الذي ذكره.

ونظراً لكون المؤلفات لأئمة محققين ونقاد كبار كما سبق واعتمدت عليهم رسالتي هذه في الكثير الغالب؛ فإنني ترجمت لهم بتراجم موجزة ومستخرجة من عدة مصادر، ذكرت عقب كل ترجمة مصادرها التي استقيت الترجمة منها، وقد رتبت تلك المؤلفات على وفاة المشائخ فيها.

"سؤالات ابن المديني ليحيى"1

جزءان.

مخطوط نسخة منه في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموع رقم (624) استانبول2.

1 ذكره الحاكم في "معرفة علوم الحديث"/17 وابن رجب في "شرح علل الترمذي"/187.

2 انظر: ثبت المراجع لتحقيق كتاب "العلل" لعلي بن المديني. هذا وقد وقفت على نصين في "تهذيب التهذيب" أحدهما في 8/326 والثاني في 9/376 يسأل فيهما ابن المديني يحيى بن سعيد القطان. وهو:

يحيى بن سعيد بن فروخ (بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة) القطان أبو سعيد التميمي مولاهم البصري الأحول. اتفقوا على إمامته وجلالته ووفور حفظه وعلمه وصلاحه قال ابن معين: قال لي عبد الرحمن ابن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى بن سعيد القطان أبداً. وقال أحمد: ما رأينا مثل يحيى بن سعيد في هذا الشأن –يعني معرفة الحديث- هو كان صاحب هذا الشأن وجعل يرفع أمره جداً. وقال أبو بكر بن خلاد: دخلت على يحيى بن سعيد في مرضه فقال لي: يا أبا بكر ما تركت أهل البصرة يتكلمون؟ قلت: يذكرون خيراً، إلا أنهم يخافون عليك من كلامك في الناس فقال: احفظ عني لأن يكون خصمي في الآخرة رجل من عرض الناس أحبّ إليّ من أن يكون خصمي في الآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بلغك عني حديث وقع في وهمك أنه عني غير صحيح فلم تنكر. وقال النسائي: أمناء الله على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك وشعبة ويحيى القطان. وقال الخليلي: هو إمام بلا مدافعة وهو أجل أصحاب مالك بالبصرة وكان الثوري يتعجب من حفظه واحتج به الأئمة كلهم. وقالوا من تركه يحيى تركناه. وقال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً وهو الذي مهّد لأهل العراق، ورسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ومنه تعلم أحمد ويحيى وعلي وسائر أئمتنا.

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: "ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين أي ومئة وله ثمان وسبعون، روى له الجماعة" ا?. تذكرة الحفاظ 1/298 تهذيب التهذيب 11/216 تقريب التهذيب 2/348 تاريخ بغداد 14/135 تقدمة الجرح والتعديل/232 شرح علل الترمذي لابن رجب/171 تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/154.

وابن المديني هو حافظ العصر وقدوة أرباب هذا الشأن أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري المعروف بابن المديني كان أصلا من المدينة. ولد بالبصرة سنة إحدى وستين ومئة (161?) أجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره قال أبو حاتم: كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل وما سمعت أحمد بن حنبل سماه قط إنما كان يكنيه تبجيلاً له. وكان ابن عيينة أحد شيوخه يروي عنه ويقول: يلومونني على حب عليّ والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني وكذا روى عن يحيى القطان أنه قال: أنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني. وعليّ بن المديني هو شيخ البخاري وعنه تلقى هذا العلم وكان البخاري يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. وقال النسائي: كأن علي ابن المديني خلق لهذا الشأن. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: قلت مناقب هذا الإمام جمة لولا ما كدرها بتعلقه بشيء من مسألة القرآن وتردده إلى أحمد بن أبي دؤاد إلا أنه تنصل وندم وكفّر من يقول بخلق القرآن فالله يرحمه ويغفر له. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب فيه: ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله

عابوا عليه إجابته في المحنة لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه. من العاشرة. مات سنة أربع وثلاثين أي ومئتين على الصحيح/ روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير. وقد ذكرت المصادر أنه توفي بسر من رأى ليومين بقيا من ذي القعدة ودفن بالعسكر.

ولابن المديني تصانيف كثيرة في علوم الحديث منها الأساء والكنى ثمانية أجزاء واختلاف الحديث خمسة أجزاء، والطبقات عشرة أجزاء. قال النووي: كان عليّ أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث صنف فيه مئتي مصنف لم يسبق إلى معظمها ولم يلحق في كثير منها.

تذكرة الحفاظ 2/428 تهذيب التهذيب 7/349 تقريب التهذيب 2/39 تاريخ بغداد 11/458 التاريخ الكبير 3/2/284 تقدمة الجرح والتعديل/319 الجرح والتعديل 3/1/194 شرح علل الترمذي لابن رجب/185 معرفة علوم الحديث للحاكم/71 ميزان الاعتدال 3/138 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/145 اللباب في تهذيب الأنساب 3/184 تهذيب الأسماء واللغات 1/350.

ص: 71

...........................................................................................................

الحديث- هو كان صاحب هذا الشأن وجعل يرفع أمره جداً. وقال أبو بكر بن خلاد: دخلت على يحيى بن سعيد في مرضه فقال لي: يا أبا بكر ما تركت أهل البصرة يتكلمون؟ قلت: يذكرون خيراً، إلا أنهم يخافون عليك من كلامك في الناس فقال: احفظ عني لأن يكون خصمي في الآخرة رجل من عرض الناس أحبّ إليّ من أن يكون خصمي في الآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بلغك عني حديث وقع في وهمك أنه عني غير صحيح فلم تنكر. وقال النسائي: أمناء الله على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك وشعبة ويحيى القطان. وقال الخليلي: هو إمام بلا مدافعة وهو أجل أصحاب مالك بالبصرة وكان الثوري يتعجب من حفظه واحتج به الأئمة كلهم. وقالوا من تركه يحيى تركناه. وقال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً وهو الذي مهّد لأهل العراق، ورسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ومنه تعلم أحمد ويحيى وعلي وسائر أئمتنا.

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: "ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين أي ومئة وله ثمان وسبعون، روى له الجماعة" ا?. تذكرة الحفاظ 1/298 تهذيب التهذيب 11/216 تقريب التهذيب 2/348 تاريخ بغداد 14/135 تقدمة الجرح والتعديل/232 شرح علل الترمذي لابن رجب/171 تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/154.

وابن المديني هو حافظ العصر وقدوة أرباب هذا الشأن أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري المعروف بابن المديني كان أصلا من المدينة. ولد بالبصرة سنة إحدى وستين ومئة

ص: 72

...........................................................................................................

(161?) أجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره قال أبو حاتم: كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل وما سمعت أحمد بن حنبل سماه قط إنما كان يكنيه تبجيلاً له. وكان ابن عيينة أحد شيوخه يروي عنه ويقول: يلومونني على حب عليّ والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني وكذا روى عن يحيى القطان أنه قال: أنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني. وعليّ بن المديني هو شيخ البخاري وعنه تلقى هذا العلم وكان البخاري يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. وقال النسائي: كأن علي ابن المديني خلق لهذا الشأن. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: قلت مناقب هذا الإمام جمة لولا ما كدرها بتعلقه بشيء من مسألة القرآن وتردده إلى أحمد بن أبي دؤاد إلا أنه تنصل وندم وكفّر من يقول بخلق القرآن فالله يرحمه ويغفر له. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب فيه: ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله

عابوا عليه إجابته في المحنة لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه. من العاشرة. مات سنة أربع وثلاثين أي ومئتين على الصحيح/ روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير. وقد ذكرت المصادر أنه توفي بسر من رأى ليومين بقيا من ذي القعدة ودفن بالعسكر.

ولابن المديني تصانيف كثيرة في علوم الحديث منها الأساء والكنى ثمانية أجزاء واختلاف الحديث خمسة أجزاء، والطبقات عشرة أجزاء. قال النووي: كان عليّ أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث صنف فيه مئتي مصنف لم يسبق إلى معظمها ولم يلحق في كثير منها.

تذكرة الحفاظ 2/428 تهذيب التهذيب 7/349 تقريب التهذيب 2/39 تاريخ بغداد 11/458 التاريخ الكبير 3/2/284 تقدمة الجرح والتعديل/319 الجرح والتعديل 3/1/194 شرح علل الترمذي لابن رجب/185 معرفة علوم الحديث للحاكم/71 ميزان الاعتدال 3/138 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/145 اللباب في تهذيب الأنساب 3/184 تهذيب الأسماء واللغات 1/350.

ص: 73

"سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين" مخطوط توجد ثلاث نسخ1 منه باسم: "معرفة الرجال سؤالات إبراهيم بن عبد الله

1 انظر: تاريخ التراث العربي لـ "سزكين" 1/159.

وابن معين هو يحيى بن معين بن عون المري الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي الحافظ المشهور والناقد الجهبذ.

سمع: ابن المبارك وابن عيينة ويحيى القطان وخلائق. وعنه: أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وأمم لا يحصون. ولد سنة ثمان وخمسين ومئة.

أجمعوا على إمامته وتوثيقه وحفظه وجلالته وتقدمه في هذا الشأن واضطلاعه منه.

قال أحمد بن حنبل: ها هنا رجل خلقه الله تعالى لهذا الشأن يظهر كذب الكذابين يعني ابن معين.

وقال محمد بن هارون الفلاس المخرمي: إذا رأيت الرجل يقع في ابن معين فاعلم أنه كذاب يضع الحديث وإنما يبغض لما يبين من أمر الكذابين. وقال هارون ابن بشر الرازي: "رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة رافعاً يديه يقول: اللهم إن كنت تكلمت في رجل ليس هو عندي كذاباً فلا تغفر لي"

وقال الدوري عن ابن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه. وقال ابن المديني: لا نعلم أحداً من لدن آدم عليه السلام كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. وقال أيضاً: انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين.

وقال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين كان أبوه على خراج الري فخلف له ثروة كبيرة أنفقها كلها على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسها.

قال ابن حبان في "الثقات": أصله من سرخس، وكان من أهل الدين والفضل ورفض الدنيا في جميع السنن، وكثرت عنايته بها، وجمعه، وحفظه إياها، حتى صار علماً يقتدى به في الأخبار، وإماماً يرجع إليه في الآثار.

ونعّته الذهبي بالإمام الفرد سيّد الحفاظ، وقال: قلت: يحيى أشهر من أن نطول الشرح بما فيه. وقال ابن رجب فيه: الإمام المطلق في الجرح والتعديل وإلى قوله في ذلك يرجع الناس وعلى كلامه فيه يعولون.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب" إمام الجرح والتعديل، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين (أي ومئتين) بالمدينة النبوية، وله بضع وسبعون سنة/ روى له الجماعة.

تذكرة الحفاظ 2/429 تهذيب التهذيب 11/280 تقريب التهذيب 2/358 تاريخ بغداد 14/177 تهذيب الأسماء واللغات 1/1/156 شرح علل الترمذي لابن رجب/187.

وابن الجنيد هو إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أبو إسحاق المعروف بالختّلي (بضم الخاء والتاء المثناة من فوقها المشددة نسبة إلى ولاية بخراسان) .

وثّقَه الخطيب وقال: صاحب كتب الزهد والرقائق، بغدادي سكن "سر من رأى" وحدث بها عن أبي سلمة التبوذكي، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، وعنده عن يحيى بن معين سؤالات كثيرة الفائدة تدل على فهمه. روى عنه: أبو العباس بن مسروق الطوسي، ومحمد بن القاسم الكوكبي، ومحمد بن أحمد بن هارون العسكري.

وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ العالم ونزيل سامراء سأل يحيى بن معين عن الرجال، وصنف وجمع، ولم أظفر له بوفاة وكأنها في حدود الستين ومئتين (260?) .

تاريخ بغداد 6/120 تذكرة الحفاظ 2/586 معجم المؤلفين 1/51 اللباب في تهذيب الأنساب 1/421.

ص: 74

...........................................................................................................

وقال الدوري عن ابن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه. وقال ابن المديني: لا نعلم أحداً من لدن آدم عليه السلام كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. وقال أيضاً: انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين.

وقال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين كان أبوه على خراج الري فخلف له ثروة كبيرة أنفقها كلها على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسها.

قال ابن حبان في "الثقات": أصله من سرخس، وكان من أهل الدين والفضل ورفض الدنيا في جميع السنن، وكثرت عنايته بها، وجمعه، وحفظه إياها، حتى صار علماً يقتدى به في الأخبار، وإماماً يرجع إليه في الآثار.

ونعّته الذهبي بالإمام الفرد سيّد الحفاظ، وقال: قلت: يحيى أشهر من أن نطول الشرح بما فيه. وقال ابن رجب فيه: الإمام المطلق في الجرح والتعديل وإلى قوله في ذلك يرجع الناس وعلى كلامه فيه يعولون.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب" إمام الجرح والتعديل، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين (أي ومئتين) بالمدينة النبوية، وله بضع وسبعون سنة/ روى له الجماعة.

تذكرة الحفاظ 2/429 تهذيب التهذيب 11/280 تقريب التهذيب 2/358 تاريخ بغداد 14/177 تهذيب الأسماء واللغات 1/1/156 شرح علل الترمذي لابن رجب/187.

وابن الجنيد هو إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أبو إسحاق المعروف بالختّلي (بضم الخاء والتاء المثناة من فوقها المشددة نسبة إلى ولاية بخراسان) .

ص: 75

بن الجنيد الختّلي".

الأولى: في مكتبة أحمد الثالث 624/4 وتقع في (28) ورقة.

والثانية: كذلك في مكتبة أحمد الثالث 624/5 وتقع في (23) ورقة.

والثالثة: في أنقرة، صائب 1447 وتقع في (13) ورقة.

"سؤالات الدوري ليحيى بن معين" في العلل ومعرفة الرجال. سبق التعرض له عند ذكر أهم الكتب المؤلفة في علل الحديث؛ لما يحتويه من علل، ولمّا كان قائماً على أسئلة موجهة من الدوري لابن معين وأجوبة ابن معين عنها فإنني أذكره هنا.

كما سبق البحث في اسمه هل هو بعنوان "التاريخ"

وثّقَه الخطيب وقال: صاحب كتب الزهد والرقائق، بغدادي سكن "سر من رأى" وحدث بها عن أبي سلمة التبوذكي، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، وعنده عن يحيى بن معين سؤالات كثيرة الفائدة تدل على فهمه. روى عنه: أبو العباس بن مسروق الطوسي، ومحمد بن القاسم الكوكبي، ومحمد بن أحمد بن هارون العسكري.

وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ العالم ونزيل سامراء سأل يحيى بن معين عن الرجال، وصنف وجمع، ولم أظفر له بوفاة وكأنها في حدود الستين ومئتين (260?) .

تاريخ بغداد 6/120 تذكرة الحفاظ 2/586 معجم المؤلفين 1/51 اللباب في تهذيب الأنساب 1/421.

ص: 76

أو"التاريخ والعلل" ومما لم أذكره هناك هو أن السمعاني في كتابه "التحبير في المعجم الكبير"1 أطلق عليه اسم: "علل

1 2/95 ترجمة رقم 702 وانظر: "موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد"/574.

والدوري هو عباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الهاشمي مولاهم البغدادي خوارزمي الأصل صاحب يحيى بن معين. ولد سنة (185?) .

روى عن أبي داود الطيالسي وأبي نعيم الفضل بن دكين وخلق كثير.

وروى عنه أهل السنن الأربعة وخلق.

قال ابن أبي حاتم: صدوق سمعت منه مع أبي وسئل عنه أبي فقال صدوق.

وقال النسائي ثقة. وقال الأصم: لم أر في مشايخي أحسن حديثاً منه وذكره يحيى بن معين فقال: صديقنا وصاحبنا.

وقال مسلمة: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الخليلي في الإرشاد: متفق عليه.

قال ابن حجر: يعني على عدالته وإلا فالشيخان لم يخرج له واحد منهما قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: وكتابه في الرجال عن أبي معين مجلد كبير نافع ينبئ عن بصره بهذا الشأن.

وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة إحدى وسبعين ومئتين وقد بلغ ثمانياً وثمانين سنة/ روى له أهل السنن الأربعة.

تذكرة الحفاظ 2/539 تهذيب التهذيب 5/129 تقريب التهذيب 1/399 الجرح والتعديل 3/1/216 معجم المؤلفين 5/63 وقال "له كتاب في الرجال عن ابن معين في مجلد كبير".

ص: 77

الحديث ومعرفة الرجال".

"سؤالات مضر بن محمد ليحيى بن معين".1

"سؤالات الدارمي2 ليحيى بن معين".

1 ذكره ابن حجر في "التلخيص الحبير" 1/123.

ومضر بن محمد هو ابن خالد بن الوليد بن مضر أبو محمد الأسدي القاضي، بغدادي، ولي قضاء واسط وكان راوية لحروف. سمع ابن معين، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم بن المنذر الحزامي. وعنه يحيى بن صاعد، وأبو بكر بن مجاهد المقرئ، ومحمد بن مخلد. نقل الخطيب توثيقه عن الدارقطني. توفي سنة (277?)"تاريخ بغداد 13/268".

2 هو أبو سعيد الحافظ الإمام الحجة عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني، محدّث هراة وتلك البلاد. أخذ هذا الشأن عن: ابن المديني، ويحيى، وأحمد، وإسحاق. وأكثر الترحال. حدّث عنه أبو عمرو أحمد بن محمد الحيرى، ومحمد بن يوسف الهروي، وحامد الرفاء وخلق كثير. قال أبو الفضل يعقوب القراب:"ما رأينا مثل عثمان بن سعيد ولا رأى هو مثل نفسه" قال الذهبي: قلت ولعثمان سؤالات عن الرجال ليحي بن معين، وله مسند كبير وتصانيف في الرد على الجهميّة، وهو الذي قام على ابن كَرّام، وطرده من هراة فيما قبل، ولد سنة مئتين (200?) وتوفي في ذي الحجة سنة ثمانين ومئتين (280?) .

تذكرة الحفاظ 2/621، الإعلام للزركلي 4/366، معجم المؤلفين 6/254.

ص: 78

يوجد نسخة منه في "معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم (106) سعودية مصورة بـ "الميكروفيلم" عن الأصل المحفوظ في مكتبة الشيخ سليمان بن صالح بن حمد بن بسام الخاصة بـ "عنيزة" وقد جاء اسم هذه النسخة هكذا:

"تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين في تجريح الرواة وتعدليهم".

وتتألف هذه النسخة من (27) ورقة، في (22) سطراً، ومقاسها 5ر13×19 سم1

"سؤالات يزيد بن الهيثم2 ليحيى بن معين".

1 انظر: موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد/399-340 ومقدمة تحقيق كتاب التاريخ ليحي بن معين رواية عباس الدوري، نسخة محققة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر/148 وتعليق السيّد صبحي جاسم الحميد على شرح علل الترمذي لابن رجب تعليقة رقم (67) /60 وقائمة المصادر فيه/578.

2 هو أبو خالد الدقاق يزيد بن الهيثم بن طهمان يعرف بـ "البادا" سمع ابن معين، وعاصم بن علي، وعبد الله بن مطيع البكري. وروى عنه: ابن صاعد، ومكرم بن أحمد القاضي، وأبو عمرو بن السماك، وغيرهم. وثقه الخطيب، ونقل عن الدارقطني توثيقه. مات سنة أربع وثمانين ومئتين (284?) . تاريخ بغداد 14/349.

ص: 79

مخطوط في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموع رقم (624) استانبول1

سؤالات ابن محرز لابن معين "في الرجال وتعديلهم وتجريحهم".

مخطوط بعنوان "معرفة الرجال" توجد ثلاث نسخ منه في دار الكتب الظاهرية بدمشق:

الأولى: مجموع (1) تقع في (42) ورقة، ويرجع تاريخ نسخها إلى القرن السادس الهجري، وهي تمثّل الجزء الأول والثاني، وقد وصف الألباني2 هذه النسخة بأنها كاملة. اطلعت عليها في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ضمن مجموع رقم (85) .

الثانية: مجموع (1/39) تقع في (39) ورقة ويرجع تاريخ نسخها إلى القرن الرابع الهجري وهي تمثّل القسم الأول منه3.

1 انظر تعليق السيد صبحي جاسم الحميد على "شرح علل الترمذي" لابن رجب تعليقة رقم (67) /60 وقائمة المصادر فيه/578.

2 انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من مخطوطات الحديث- وضع محمد ناصر الدين الألباني/113.

3 انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية -التاريخ وملحقاته- وضع الدكتور يوسف العش/231 وقد قال عنه: "لم يتبع فيه أي ترتيب ومعظمه في معاصري يحيى، وإلا فرواية عن شيوخه في معاصريهم، وقد يورد آراء فقهية ليحي خارجة عن موضوع الكتاب، ومعظمه أسئلة وجهت إلى يحيى في الرجال" وانظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/162.

ص: 80

الثالثة: حديث (287) تقع في (6) ورقات، ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة 617?1

كما توجد نسخة رابعة في مكتبة أحمد الثالث تحت رقم (624ف 1219) ، تقع في (23) ورقة بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل الأنصاري البهنسي سنة 728?، معها سؤالات ابن الجنيد لابن معين، ومعها قطعة أخرى من كلام ابن معين في الرجال في (8) ورقات2.

1 انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من مخطوطات الحديث- وضع محمد ناصر الدين الألباني/113 وانظر في ذلك كله تاريخ التراث العربي لسزكين 1/159.

2 انظر فهرست معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية –فهرس المخطوطات المصورة 2/151.

وابن محرز هو: أحمد بن محمد بن قاسم بن محرز أبو العباس. لم أقف له على ترجمة في المصادر التي رجعت إليها إلا ما ذكره الخطيب البغدادي عنه في تاريخه 5/83، وهو غير وافٍ ومكتمل في تبيين شخصيّته حيث قال:"يروى عن يحيى بن معين. حدّث عنه جعفر بن درستويه بن المرزبان الفارسي".

ص: 81

"سؤالات المفضل الغلابي ليحيى بن معين"1.

"سؤالات أبي سعيد هاشم بن مرثد الطبراني2 ليحيى بن معين".

مخطوط نسخة منه في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموع رقم (624/10) تقع في ورقتين من (86أ-87أ) ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة 628?3.

1 ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" في موضعين: الأول: 4/449، الثاني: 9/113.

والمفضل الغلابي هو: أبو عبد الرحمن المفضل بن غسان المفضل الغلابي وثقه أبو بكر الخطيب وقال: "بصري الأصل سكن بغداد وحدث بها عن أبيه، وابن مهدي، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهم".

روى عنه ابنه الأحوص، ويعقوب بن شيبة، وأبو بكر بن أبي الدنيا "تاريخ بغداد" 13/124.

2 هاشم بن مرثد الطبراني أبو سعيد قال ابن حبان: "ليس بشيء في الحديث وابنه صدوق" ديوان الضعفاء والمتروكين/322.

3 انظر: "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/159 وقد جاء اسمه فيه هكذا: "جزء من تاريخ أبي سعيد هاشم بن مرثد الطبراني عن يحيى بن معين في التعديل".

وانظر: تعليق الأستاذ صبحي جاسم السامرائي على شرح علل الترمذي لابن رجب/60.

وانظر: مقدمة كتاب "التاريخ" لابن معين، رسالة محققة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر لأحمد محمد نور سيف الذي أفاد/139 أن رواية أبي سعيد هذه جاءت في ذيل مخطوطة ابن الجنيد ونظراً لصغرها لم يفردها بالدراسة.

ص: 82

"سؤالات أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة شيوخه" ابن المديني وأبا نعيم وغيرهما عن حال بعض رواة الحديث جرحاً وتعديلاً.

اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبويّة ضمن مجموع رقم (123) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية. تقع في ست أوراق من (206-211) بما فيها الورقة التي أثبت عليها عنوان النسخة والذي جاء هكذا:

"جزء فيه مسائل أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة شيوخه" قال العش في "فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –التاريخ وملحقاته1":

1 /235 وانظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية المنتخب من مخطوطات الحديث وضع محمد ناصر الدين الألباني/18 وقد ذكر أنه استنسخه وقدّم له وحققه ووضع له فهرساً وفي الأخير رجا أن يطبع مستقبلاً.

وانظر: تاريخ الأدب العربي لـ "بروكلمان" 3/223 وتاريخ التراث العربي لـ "سزكين" 1/260.

وابن أبي شيبة هو: محمد بن عثمان بن أبي شيبة أبو جعفر العبسي الكوفي. أخذ عن والده، وابن المديني، وابن معين، وغيرهم. وعنه: سليمان الطبراني، وأبو بكر النجاد، وسعد الناقد، وآخرون. وثقة صالح جزرة، وقال عبد الله بن الإمام أحمد: كذاب، ورماه ابن خراش بالوضع. قال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً، وهو على ما وصف لي عبدان لا بأس به، وقال البرقاني: لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه.

قال الخطيب: كان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم وله تاريخ كبير. وقال الذهبي: "في تذكرة الحفاظ" وقد أورده فيها: الحافظ البارع محدِّث الكوفة صنف وجمع

كما قال في "ميزان الاعتدال": كان بصيراً بالحديث والرجال له تواليف مفيدة. مات ببغداد سنة سبع وتسعين ومئتين (297) عن نيف وثمانين سنة.

تذكرة الحفاظ 2/661 ميزان الاعتدال 3/642 لسان الميزان 5/280 تاريخ بغداد 3/42 معجم المؤلفين 10/285

ص: 83

هو مسائل معظمها عن رجال الحديث ورأي الشيوخ فيهم طعناً أو تعديلاً مع ذكر شيء من رأيهم، وكثير من المسائل وردت عن والد المؤلف، وفيه بعض الأحاديث.

في مجموع رقم (40) من ورقة (216 إلى 211) ، 14×13سم حبكت الأوراق بشكل أصبح فيه قياس النسخة (5ر16×13) سم، نحو (19) سطراً، وسم واحد حاشية، خط مهمل بطريقة قديمة من خط على بن الحسن بن عساكر

ص: 84

صاحب النسخة وسامعها وكاتب سماعها سنة 520?.

"سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني" عن علماء البصرة الذين وصفهم يحيى بن معين بالقدريّة وآراء ابن المديني فيهم:

منه نسخة مخطوطة في سراي أحمد الثالث 624/12 تقع في (17) ورقة من (210أإلى 226أ) ويرجع تاريخ نسخها إلى 628?1 ويبدو أنه لدى معهد إحياء المخطوطات العربية بالقاهرة صورة منها2.

كما توجد منه نسخة أخرى مخطوطة في دار الكتب الظاهرية بدمشق بعنوان "مسائل" مجموع (40/9) تقع في ست ورقات من (206أإلى 211أ) يرجع تاريخ نسخها إلى سنة 520?3.

هذا وقد اطلعت على الكتاب منسوخاً بالآلة الكاتبة في مكتبة المشرف على هذه الرسالة الذي أعطى نسخة مماثلة لما عنده للمكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة والذي أفاد أنه

1 انظر: "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/161.

2 انظر: "فهرست المخطوطات المصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة 1/130".

3 انظر: "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/161

ص: 85

أخذه عن طريق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الأستاذ المشارك بكليّة التربية (قسم الدراسات الإسلاميّة) جامعة الرياض حيث توجد لديه نسخة مصورة عن الأصل المحفوظ وذلك إبان وجوده في جامعة الملك عبد العزيز بقسم الدراسات العليا فرع مكة المكرّمة قبل انتقاله إلى الرياض فقد ذكر المشرف أنه كلف أحد تلامذته هناك بمكة بنسخ تلك المصورة التي عند الدكتور الأعظمي وقد تمّ ذلك ومن ثَمَّ تمّ نسخها بالآلة الكاتبة في (15) ورقة وتتضمن (233) سؤالا، وهي غفل من البيانات عن تلك المصورة خالية من أية معلومات عنها، فمن هنا لم أعرف مصدر تلك المصورة ومأخذها التي أحسب والله أعلم أنها من معهد إحياء المخطوطات العربيّة، وحتى تلك الأوراق التي أرسلها الدكتور الأعظمي من تلك المصورة للشيخ عبد الكريم مراد المدرس بكلية الشريعة بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة بناء على طلبه لم تكن من أولها، فيمكن التعرف على مصدرها، وقد ذكر لي المشرف الذي أفادني بهذا أن الشيخ مراد بصدد الاتصال بالدكتور الأعظمي من أجل استكمال الباقي والتعرف على مكان النسخة حيث يرغب في تحقيقها في أطروحة لنيل درجة الماجستير وفقه الله وأعانه.

ص: 86

"سؤالات مسلم لأحمد بن حنبل"1.

1 ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" في ترجمة مسلم نقلاً عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري لعله في تاريخ نيسابور له.

والإمام أحمد بن حنبل هو أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل بن هلال بن أسد الذهلي الشيباني المرزوي ثم البغدادي، ولد سنة أربع وستين ومئة.

سمع هشيماً، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وطبقتهم. وعنه البخاري ومسلم، وأبو داود، وابنه عبد الله، وخلق عظيم.

قال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين. وقال علي بن المديني: إن الله أيّد هذا الدّين بأبي بكر الصدّيق يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.

وقال ابن معين: أرادوا أن أكون مثل أحمد والله لا أكون مثله أبداً. وقال الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أزهد ولا أورع ولا أفقه من أحمد بن حنبل. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: شيخ الإسلام وسيد المسلمين في عصره الحافظ الحجّة إلى أن قال: قلت: سيرة أبي عبد الله قد أفردها البيهقي في مجلد، وأفردها ابن الجوزي في مجلد، وأفردها شيخ الإسلام الأنصاري في مجلد لطيف. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: أحد الأئمة ثقة حافظ فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة. مات سنة إحدى وأربعين أي ومئتين وله سبع وسبعون سنة. روى له الجماعة. تذكرة الحفاظ 2/431، تهذيب التهذيب 1/24، تاريخ بغداد 4/412 شرح علل الترمذي/81 لابن رجب، البداية والنهاية 10/325، تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/110.

وأما مسلم فهو مسلم بن الحجاج بن مسلم أبو الحسين القشيري النيسابوري. يقال ولد سنة أربع ومئتين.

روى عن أحمد بن حنبل، والهيثم بن خارجة، وشيبان بن فروخ، وخلق كثير. وروى عنه الترمذي حديثاً واحداً، وابن خزيمة، والسراج، وآخرون.

قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة، وأبا حاتم يقدمان مسلم ابن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما. وقال بندار: الحفاظ أربعة: أبو زرعة، ومحمد بن إسماعيل، والدارمي، ومسلم. وقال فيه شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء: كان مسلم من علماء الناس، وأوعية العلم ما علمته إلا خيراً وقال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: الإمام الحافظ حجة الإسلام

صاحب التصانيف. قال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة حافظ، إمام مصنف، عالم الفقه. مات سنة إحدى وستين أي ومئتين وله سبع وخمسون سنة، روى له الترمذي. تذكرة الحفاظ 2/588، تهذيب التهذيب 10/126، تقريب التهذيب 2/245، تاريخ بغداد 13/100، تهذيب الأسماء واللغات الجزء الثاني من القسم الأول/89، البداية والنهاية 11/33.

ص: 87

"سؤالات الأثرم1 لأحمد بن حنبل".

1 هو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي أو الكلبي الاسكافي أبو بكر الأثرم صاحب الإمام أحمد بن حنبل. سمع: سليمان بن حرب، وأبا الوليد الطيالسي وأبا بكر بن أبي شيبة وطبقتهم. حدّث عنه: النسائي في "السنن"، وموسى بن هارون، وابن صاعد، وآخرون.

قال الخطيب: له كتاب في علل الحديث، ومسائل أحمد بن حنبل تدل على علمه ومعرفته. وكان ممن يعدّ من الحفاظ والأذكياء حتى قال فيه يحيى بن معين: كان أحد أبوي الأثرم جنياً.

وقال أبو بكر الخلاّل: كان جليل القدر حافظاً، وكان له تيقظ عجيب جداً. وقال: أخبرني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن.

ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" فقال: وله كتاب نفيس في السنن يدل على إمامته وسعة حفظه أظنه مات بعد الستين ومئتين.

قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": روى عن أحمد بن حنبل وتفقه عليه وسأله عن المسائل والعلل. وقال في "تقريب التهذيب": ثقة حافظ له تصانيف من الحادية عشرة مات سنة ثلاث وسبعين أي ومئتين قاله ابن قانع. روى له النسائي.

تاريخ بغداد 5/110، تذكرة الحفاظ 2/570، البداية والنهاية 11/108، تهذيب التهذيب 1/78، تقريب التهذيب 1/25.

ص: 88

مخطوط توجد نسخة منه في "دار الكتب الظاهرية" بدمشق ضمن مجلد رقم (حديث 349) تقع في سبع ورقات، يبدو أنها بعض سؤالاته إذ عنوان النسخة:"من سؤالات أبي بكر الأثرم أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل". رواية أبي العباس الظاهري عن أبي القاسم بن رواحة عن الحافظ السلفي

بسنده عن الأثرم.

وقد حوى المجلد بالإضافة إلى ذلك: "جزءاً فيه سؤالات الحافظ أبي طاهر السلفي أبا الكرم الحوزي عن جماعة من أهل واسط ومن الغرباء القادمين إليها".

رواية أبي الفضل الهمداني عن الحافظ السلفي. وهو جزء يقع في (25) ورقة في أول المجلد المذكور يليه: "النصف الثاني من كتاب الشجرة في أحوال الرجال لأبي إسحاق إبراهيم الجوزجاني" أفرده منه السلفي يقع في (26) ورقة.

وأخيراً: من سؤالات أبي بكر الأثرم

أفاد ذلك مطاع الطرابيشي في مقدمة تحقيقه لكتاب "سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل

ص: 89

واسط/27 فما بعدها".

وقد رجعت إلى فهرس مخطوطات الظاهرية، المنتخب من مخطوطات الحديث وضع محمد ناصر الدّين الألباني فألفيته ذكر الكتاب الأوّل/301 وذكر الكتاب الثاني/250 بعنوان "الشجرة في أحوال الرجال" وكانت عدد أوراقه عنده (24) ورقة، ولم يشر في هذا والذي قبله أنهما ضمن المجلد المذكور، كما لم يورد في مادة الأثرم الكتاب الثالث الذي هو من سؤالات الأثرم أبا عبد الله

علماً أنني فتشت عن المجلد المذكور في المخطوطات المصورة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة فلم أعثر عليه.

"سؤالات أبي داود أحمد بن حنبل، عن الرواة الثقات

ص: 90

والضعفاء". رُتِّبت أسماؤهم على أسماء بلادهم.

اطلعت منه على نسخة ناقصة من أوّلها في مكتبة الشيخ حماد ابن محمد الأنصاري المشرف على هذه الرسالة مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية مجموع (46) تقع في (15) ورقة1.

1 انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية وضع محمد ناصر الدين الألباني/161.

وذكر بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي 3/188" وجود نسختين في كوبريلي (292) ودمشق عموميّة (23، 334) .

وأبو داود هو: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني. ولد سنة (202?) ورحل إلى البلاد.

سمع: القعنبي، وأبا الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، وخلقاً كثيراً. حدّث عنه: الترمذي، والنسائي، وابنه أبو بكر، وكتب عنه شيخه أحمد بن حنبل حديث العتيرة وأراه كتابه فاستحسنه.

قال الهرويّ: كان أحد حفاظ الإسلام للحديث، وعلمه، وعلله، وسنده في أعلى درجة مع النسك، والعفاف، والصلاح، والورع، من فرسان الحديث.

وقال محمد بن إسحاق الصاغاني وإبراهيم الحربي: أُلين لأبي داود الحديث كما أُلين لداود عليه السلام الحديد.

وقال ابن حبّان: كان أحد أئمة الدنيا فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونسكاً، وورعاً، واتقاناً جمع وصنّف وذبّ عن السنن.

وقال الحاكم أبو عبد الله: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة.

وقال فيه الذهبي: الإمام الثبت سيّد الحفاظ

صاحب السنن. قال ابن حجر في "تقريب التهذيب":

ثقة حافظ مصنف السنن وغيرها من كبار العلماء من الحادية عشرة. مات سنة خمس وسبعين (أي ومئتين) روى له الترمذي والنسائي.

تذكرة الحفاظ 2/591، تهذيب التهذيب 4/169، تقريب التهذيب 1/321، تاريخ بغداد 9/55، وفيات الأعيان 2/404، الأعلام للزركلي 3/182، معجم المؤلفين 4/255.

ص: 91

"سؤالات أبي بكر المروذي1 وغيره لأحمد بن حنبل" عن الحديث ورجاله.

اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة

1 ترجم له الذهبي في كتابه "العبر" في وفيات سنة خمس وسبعين ومئتين (275?) وتبعه ابن العماد في كتابه "شذرات الذهب" فقال:

"وفيها توفي: أبو بكر المروذي الفقيه أحمد بن محمد بن الحجاج في جمادى الأولى ببغداد وكان أجل أصحاب الإمام أحمد بن حنبل إماماً في الفقه والحديث كثير التصانيف خرج مرة إلى الرباط فتبعه نحو خمسين ألفاً من بغداد إلى سامرا قال أبو يعلى الفراء روى عنه –يعني عن أحمد- مسائل كثيرة".

الفهرست لابن نديم/335، طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/56، مختصر طبقات الحنابلة للنابلسي/32، الأنساب ورقة522ب، اللباب في تهذيب الأنساب 3/198، العبر في خبر من عبر 2/54، شذرات الذهب 2/166.

ص: 92

الإسلامية بالمدينة النبويّة تحت رقم (99) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق ضمن مجموع رقم (40) تقع في (22) ورقة أثبت على الورقة الأولى منها عنوان الكتاب الذي ورد هكذا:

"جزء فيه من كلام أبي عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل رضي الله عنه في علل الحديث ومعرفة الرجال، مما رواه عنه أبو بكر أحمد بن محمّد بن الحجّاج المروذي، وأبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، وأبو الفضل صالح بن أحمد ابنه رحمهم الله، وأحاديث وحكايات وغير ذلك".

رواية أبي أحمد الحسن بن محمد بن يحيى التميمي النيسابوري عن أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني عنهم1.

"سؤالات في العلل والرجال من الحسين بن إدريس الهروي لمحمّد بن عبد الله بن عمار"2

1 سبق التعرض لهذا الكتاب عند ذكر أهم الكتب المؤلفة في علل الحديث وانظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من كتب الحديث- وضع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني/113، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –التاريخ وملحقاته- وضع الدكتور يوسف العش/232، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/162، وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/158.

2 ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 9/265 في ترجمة ابن عمار وفي "لسان الميزان" 2/272 في ترجمة الحسين بن إدريس الهروي.

وابن عمار هو محمد بن عبد الله بن عمار الأزدي الغامدي أبو جعفر الموصلي المخرمي أحد الحفاظ المكثرين.

روى عن ابن عيينة ويحيى القطان وابن مهدي وغيرهم. وعنه: النسائي ويعقوب بن سفيان والحسين بن إدريس.

وقال علي بن أحمد بن النضر الأزدي: رأيت علي بن المديني يقدمه. وقال يزيد بن محمد الأزدي في "تاريخ الموصل": كان ابن عمار فهماً بالحديث وعلله رحالا فيه جماعاً له. قال: ورأيت عبيد العجل يعظم أمره ويرفع قدره. وقد وثقه عبد الله بن أحمد، ويعقوب بن سفيان، والنسائي، والدراقطني، وغيرهم، وأما ابن عدي فقال: رأيت أبا يعلى يسيء القول فيه. ويقول: شهد على خالي بالزور، قال ابن عدي: وابن عمار ثقة حسن الحديث عن أهل الموصل وعنده عنهم أفراد وغرائب وقد شهد أحمد بن حنبل أنه رآه عند يحيى القطّان، ولم أر أحداً من مشائخنا يذكره بغير الجميل، وهو عندهم ثقة. وأثنى عليه الخطيب فقال: كان أحد أهل الفضل المحققين بالعلم حسن الحفظ كثير الحديث، وكان تاجراً قدم بغداد غير مرة، وجالس بها الحفاظ، وذاكرهم، وحدّثهم، إلى أن قال: وروى عنه الحسين بن إدريس الهروي كتاباً في علل الحديث ومعرفة الشيوخ.

وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الإمام الحجة

شيخ الموصل

له كتاب كبير في الرجال والعلل. وقال في "ميزان الاعتدال": حافظ صدوق، له تاريخ مفيد، حدّث عنه الحسين بن إدريس الهروي بكتابه في العلل والرجال. اهـ. فلعل هذا الكتاب الذي ذكره الخطيب والذهبي هو كتاب السؤالات المذكور.

قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" ثقة حافظ من العاشرة مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين وله ثمانون سنة/ روى له النسائي.

تذكرة الحفاظ 2/494، تاريخ بغداد 5/416 تهذيب التهذيب 9/265، ميزان الاعتدال 3/596، تقريب التهذيب 2/178 معجم المؤلفين 1/227.

وأما ابن إدريس فهو الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم أبو علي الأنصاري الهروي المعروف بابن خُرّم 0بضم الخاء وتشديد الراء المفتوحة) قال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الثقة كان أحد من عني بهذا الشأن، وحصّل وعمل تاريخاً على هيئة تاريخ البخاري، وثقه الدارقطني. وقال أبو الوليد الباجي: لا بأس به. وقال ابن ماكولا: كان من الحفاظ المكثرين/ روى عن ابن عمار، وداود بن رشيد، وروى تاريخ عثمان بن أبي شيبة عنه. وحدّث عنه: ابن حبان في صحيحه، وبشر بن محمد المزني، وأبو الفضل بن حمرويه، وآخرون، توفي سنة (301?)

تذكرة الحفاظ 2/695، ميزان الاعتدال 1/530، لسان الميزان 2/272، الجرح والتعديل 1/2/47.

ص: 93

...........................................................................................................

"لسان الميزان" 2/272 في ترجمة الحسين بن إدريس الهروي.

وابن عمار هو محمد بن عبد الله بن عمار الأزدي الغامدي أبو جعفر الموصلي المخرمي أحد الحفاظ المكثرين.

روى عن ابن عيينة ويحيى القطان وابن مهدي وغيرهم. وعنه: النسائي ويعقوب بن سفيان والحسين بن إدريس.

وقال علي بن أحمد بن النضر الأزدي: رأيت علي بن المديني يقدمه. وقال يزيد بن محمد الأزدي في "تاريخ الموصل": كان ابن عمار فهماً بالحديث وعلله رحالا فيه جماعاً له. قال: ورأيت عبيد العجل يعظم أمره ويرفع قدره. وقد وثقه عبد الله بن أحمد، ويعقوب بن سفيان، والنسائي، والدراقطني، وغيرهم، وأما ابن عدي فقال: رأيت أبا يعلى يسيء القول فيه. ويقول: شهد على خالي بالزور، قال ابن عدي: وابن عمار ثقة حسن الحديث عن أهل الموصل وعنده عنهم أفراد وغرائب وقد شهد أحمد بن حنبل أنه رآه عند يحيى القطّان، ولم أر أحداً من مشائخنا يذكره بغير الجميل، وهو عندهم ثقة. وأثنى عليه الخطيب فقال: كان أحد أهل الفضل المحققين بالعلم حسن الحفظ كثير الحديث، وكان تاجراً قدم بغداد غير مرة، وجالس بها الحفاظ، وذاكرهم، وحدّثهم، إلى أن قال: وروى عنه الحسين بن إدريس الهروي كتاباً في علل الحديث ومعرفة الشيوخ.

وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الإمام الحجة

شيخ الموصل

له كتاب كبير في الرجال والعلل. وقال في "ميزان الاعتدال": حافظ صدوق، له تاريخ مفيد، حدّث عنه الحسين بن إدريس الهروي بكتابه في العلل والرجال. اهـ. فلعل هذا الكتاب الذي ذكره الخطيب والذهبي هو كتاب السؤالات المذكور.

ص: 94

"سؤالات البرذعي لأبي زرعة وأبي حاتم" حول الضعفاء والكذابين والمتروكين في الحديث.

اطلعت على نسخة منه في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري المشرف على هذه الرسالة مصورة من معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة من الأصل المحفوظ في مكتبة كوبريلي 40/3 تقع في (76) صفحة

قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" ثقة حافظ من العاشرة مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين وله ثمانون سنة/ روى له النسائي.

تذكرة الحفاظ 2/494، تاريخ بغداد 5/416 تهذيب التهذيب 9/265، ميزان الاعتدال 3/596، تقريب التهذيب 2/178 معجم المؤلفين 1/227.

وأما ابن إدريس فهو الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم أبو علي الأنصاري الهروي المعروف بابن خُرّم 0بضم الخاء وتشديد الراء المفتوحة) قال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الثقة كان أحد من عني بهذا الشأن، وحصّل وعمل تاريخاً على هيئة تاريخ البخاري، وثقه الدارقطني. وقال أبو الوليد الباجي: لا بأس به. وقال ابن ماكولا: كان من الحفاظ المكثرين/ روى عن ابن عمار، وداود بن رشيد، وروى تاريخ عثمان بن أبي شيبة عنه. وحدّث عنه: ابن حبان في صحيحه، وبشر بن محمد المزني، وأبو الفضل بن حمرويه، وآخرون، توفي سنة (301?)

تذكرة الحفاظ 2/695، ميزان الاعتدال 1/530، لسان الميزان 2/272، الجرح والتعديل 1/2/47.

ص: 95

باستثناء صفحتين قبل الجزئين اللذين تشتمل عليهما النسخة، أثبت على كل واحدة منهما تعيين الجزء، وعنوان الكتاب، وسند النسخة التي رويت به، فقد كتب على الصفحة الأولى ما يلي:"الجزء الأول وهو النصف من كتاب الضعفاء والكذابين والمتروكين من أصحاب الحديث عن أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، وأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي مما سألهما عنه، وجمعه، وألفه أبو عثمان سعيد ابن عمرو بن عمار البرذعي الحافظ رحمه الله" ثم ذكر سند النسخة وكتب على الصفحة الأربعين: "االجزء الثاني وهو النصف من كتاب

الخ".

وهي نسخة بقلم معتاد كتبها لنفسه إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن الأنصاري سنة 618? وقد أشار البرذعي في آخرها إلى ختامها بقوله: "انتهى كتاب أبي عثمان البرذعي في الضعفاء والمتروكين والكذابين ولله الحمد".

هذا وتضم النسخة المذكورة في أثنائها "كتاب الضعفاء والكذابين والمتروكين من أصحاب الحديث لأبي زرعة" الذي نسخه البرذعي بيده، وهو يقع في (7) صفحات من صفحة (47 إلى صفحة 53) فقد قال البرذعي: "وكان أبو زرعة قد أخرج أسامي الضعفاء ومن تكلم فيهم من المحدثين. وقال في ذلك فسألته أن يخرج إليَّ كتابه فأخرج إليَّ كتابه بخطه فدفعه إليَّ من يده فنسخت هذه الأساميَّ من كتابه الذي ناولني من

ص: 96

يده بخطه ولم أسمعه منه".

ثم ساق الأسامي وهي مرتبة فيه على وفق حروف المعجم، وفي بعضها يذكر ضعفاً وتجريحاً1.

1 انظر: فهرس المخطوطات المصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة –التاريخ 2/95-56 رقم 719 وضع الدكتور لطفي عبد البديع. "وتاريخ التراث العربي" لسزكين 1/258.

وأبو زرعة: هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ القرشي مولاهم أبو زرعة الرازي أحد الأئمة الحفاظ. ولد سنة (200?) سمع: أبا نعيم، وأبا الوليد الطيالسي، والقعنبي. وحدّث عنه: من شيوخه حرملة بن يحيى، وأبو حفص الفلاس، وجماعة، وابن خالته الحافظ أبو حاتم الرازي.

قال فضلك عن الربيع: "إن أبا زرعة آية" وقال عبد الواحد بن غياث: "ما رأى أبو زرعة مثل نفسه".

وقال أبو حاتم: "حدثني أبو زرعة: وما خلف بعده مثله علماً، وفقهاً، وفهماً وصيانة، وصدقاً، وحذقاً، وهذا ما لا يرتاب فيه، ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، ولقد كان من هذا الأمر بسبيل، وقَلّ من رأيت في زهده. قال: وإذا رأيت الرازي وغيره ينتقص أبا رزعة فاعلم أنه مبتدع".

وروى البيهقي عن ابن وارة قال: كنا عند إسحاق بنيسابور فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد يقول: "صحّ من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر وهذا الفتى –يعني أبا زرعة- قد حفظ ستمائة ألف حديث" قال البيهقي: "وإنما أراد ما صحّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة وفتاوى من أخذ عنهم من التابعين".

وقال صالح بن محمد جزرة عن أبي زرعة: أنا أحفظ عشرة آلاف حديث في القراءات.

قال ابن وارة سمعت إسحاق بن راهوية يقول: "كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل".

وقال البرذعي سمعت محمد بن يحيى يقول: "لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة".

وقال أبو يعلى الموصلي: "ما سمعنا يذكر أحد في الحفظ إلا كان اسمه أكبر من رؤيته إلا أبو زرعة الرازي، فإن مشاهدته كانت أكبر من اسمه، وكان قد جمع وحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير وغير ذلك".

قال الخطيب البغدادي: "وكان إماماً ربانياً متقناً حافظاً مكثراً صادقاً، قدم بغداد غير مرة وجالس أحمد بن حنبل وذاكره".

قال عبد الله بن أحمد: "لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، وكان كثير المذاكرة له فسمعت أبي يقول يوماً ما صليت غير الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي".

قال ابن حبّان في "الثقات": "كان أحد أئمة الدنيا في الحديث مع الدّين والورع، والمواظبة على الحفظ، والمذاكرة، وترك الدنيا وما فيه الناس".

وقال فيه الذهبي "في تذكرة الحفاظ": "الإمام حافظ العصر

كان من أفراد الدهر حفظاً، وذكاء وديناً، وإخلاصاً، وعلماً، وعملاً".

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": "

إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة، مات سنة أربع وستين أي ومئتين وله أربع وستون، ورى له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه".

تقدمة الجرح والتعديل/328، تذكرة الحفاظ 2/557، تهذيب التهذيب 7/30، تقريب التهذيب 1/536، تاريخ بغداد 10/326.

وأبو حاتم: هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم الرازي. ولد سنة خمس وتسعين ومئة (195?) .

روى عن: محمد بن عبد الله الأنصاري، وعبيد الله بن موسى، وأبي مسهر الدمشقي، وأمم سواهم.

وروى عنه: يونس بن عبد الأعلى وهو من شيوخه، وابنه عبد الرحمن، وأبو زرعة الرازي، وأبو داود، والنسائي، وخلق كثير.

رحل وهو أمرد وبقي في الرحلة زماناً. قال ابنه: سمعت أبي يقول: "أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً، ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى دمشق، ثم إلى إنطاكية، ثم إلى طرسوس، ثم رجعت إلى حمص ثم منها إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا وأنا ابن عشرين سنة".

وروى عنه أيضاً أنه قال: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: "من أغرب عليَّ حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به فله علي درهم يتصدّق به، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق، من الخلق أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى عليَّ ما لم أسمع به، فيقولون هو عند فلان فأذهب فأسمع، وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب عليَّ حديث".

وقال سمعت أبي يقول: "جرى بيني وبين أبي زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها، وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ وعللها، وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم قَلّ من يفهم هذا ما أعز هذا! إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقَلّ من تجد من يحسن هذا! وربما أشك في شيء، أو يتخالجني شيء في حديث فإلى أن ألتقي معك لا أجد من يشفيني منه. قال أبي وكذلك كان أمري".

قال أبو بكر الخلال: "أبو حاتم إمام في الحديث روى عن أحمد مسائل كثيرة وقعت إلينا متفرقة كلها غريب".

وقال ابن أبي حاتم: "سمعت موسى بن إسحاق القاضي يقول: ما رأيت أحفظ من والدك

". قال: وسمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان ودعالهما وقال: "بقاؤهما صلاح للمسلمين".

قال الخطيب البغدادي: "كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات مشهوراً بالعلم، مذكوراً بالفضل، وكان أول كتْبه الحديث في سنة تسع ومئتين".

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ الكبير

أحد الأعلام".

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: "وقد ذكر ابن أبي حاتم في مقدمة (الجرح والتعديل) لوالده ترجمة مليحة فيها أشياء تدل على عظم قدره وجلالته وسعة حفظه رحمه الله، منها ما قال أبو حاتم: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الريَّ فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثاً من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة. وهذا يدل على حفظ عظيم؛ فإن الذهلي شهد له مشايخه، وأهل عصره بالتبحر في معرفة حديث الزهري، ومع ذلك فأغرب عليه أبو حاتم".

وقال الذهبي في تقريب التهذيب: "

أحد الحفاظ من الحادية عشرة مات سنة سبع وسبعين أي ومئتين/ روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه".

تقدمة الجرح والتعديل/349، تاريخ بغداد 2/73، تذكرة الحفاظ 2/567 تهذيب التهذيب 9/31، تقريب التهذيب 2/143.

والبرذعي: هو الحافظ الناقد أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الذال وفي آخرها العين المهملة. (قال ياقوت: وقد رواه أبو سعد –يعني السمعاني- بالدال المهملة والعين مهملة عند الجميع بلد في أقصى أذربيجان) .

رحل وسمع محمد بن يحيى الذهلي، ومسلم بن الحجاج، وأبا سعيد الأشج وخلائق وصحب أبا زرعة وتخرج به.

حدّث عنه: حفص بن عمر الاردبيلي، وأحمد بن طاهر الميانجي، وحسن ابن علي بن عباس، وغيرهم.

قال ابن عقدة: مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين رحمه الله تعالى (292?) .

تذكرة الحفاظ 2/743، معجم البلدان 1/379-381، معجم المؤلفين 4/228.

ص: 97

...........................................................................................................

وقال صالح بن محمد جزرة عن أبي زرعة: أنا أحفظ عشرة آلاف حديث في القراءات.

قال ابن وارة سمعت إسحاق بن راهوية يقول: "كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل".

وقال البرذعي سمعت محمد بن يحيى يقول: "لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة".

وقال أبو يعلى الموصلي: "ما سمعنا يذكر أحد في الحفظ إلا كان اسمه أكبر من رؤيته إلا أبو زرعة الرازي، فإن مشاهدته كانت أكبر من اسمه، وكان قد جمع وحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير وغير ذلك".

قال الخطيب البغدادي: "وكان إماماً ربانياً متقناً حافظاً مكثراً صادقاً، قدم بغداد غير مرة وجالس أحمد بن حنبل وذاكره".

قال عبد الله بن أحمد: "لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، وكان كثير المذاكرة له فسمعت أبي يقول يوماً ما صليت غير الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي".

قال ابن حبّان في "الثقات": "كان أحد أئمة الدنيا في الحديث مع الدّين والورع، والمواظبة على الحفظ، والمذاكرة، وترك الدنيا وما فيه الناس".

وقال فيه الذهبي "في تذكرة الحفاظ": "الإمام حافظ العصر

كان من أفراد الدهر حفظاً، وذكاء وديناً، وإخلاصاً، وعلماً، وعملاً".

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": "

إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة، مات سنة أربع وستين أي ومئتين وله أربع وستون، ورى له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه".

ص: 98

...........................................................................................................

تقدمة الجرح والتعديل/328، تذكرة الحفاظ 2/557، تهذيب التهذيب 7/30، تقريب التهذيب 1/536، تاريخ بغداد 10/326.

وأبو حاتم: هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم الرازي. ولد سنة خمس وتسعين ومئة (195?) .

روى عن: محمد بن عبد الله الأنصاري، وعبيد الله بن موسى، وأبي مسهر الدمشقي، وأمم سواهم.

وروى عنه: يونس بن عبد الأعلى وهو من شيوخه، وابنه عبد الرحمن، وأبو زرعة الرازي، وأبو داود، والنسائي، وخلق كثير.

رحل وهو أمرد وبقي في الرحلة زماناً. قال ابنه: سمعت أبي يقول: "أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً، ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى دمشق، ثم إلى إنطاكية، ثم إلى طرسوس، ثم رجعت إلى حمص ثم منها إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا وأنا ابن عشرين سنة".

وروى عنه أيضاً أنه قال: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: "من أغرب عليَّ حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به فله علي درهم يتصدّق به، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق، من الخلق أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى عليَّ ما لم أسمع به، فيقولون هو عند فلان فأذهب فأسمع، وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب عليَّ حديث".

وقال سمعت أبي يقول: "جرى بيني وبين أبي زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها، وكذلك كنت أذكر

ص: 99

...........................................................................................................

أحاديث خطأ وعللها، وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم قَلّ من يفهم هذا ما أعز هذا! إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقَلّ من تجد من يحسن هذا! وربما أشك في شيء، أو يتخالجني شيء في حديث فإلى أن ألتقي معك لا أجد من يشفيني منه. قال أبي وكذلك كان أمري".

قال أبو بكر الخلال: "أبو حاتم إمام في الحديث روى عن أحمد مسائل كثيرة وقعت إلينا متفرقة كلها غريب".

وقال ابن أبي حاتم: "سمعت موسى بن إسحاق القاضي يقول: ما رأيت أحفظ من والدك

". قال: وسمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان ودعالهما وقال: "بقاؤهما صلاح للمسلمين".

قال الخطيب البغدادي: "كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات مشهوراً بالعلم، مذكوراً بالفضل، وكان أول كتْبه الحديث في سنة تسع ومئتين".

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ الكبير

أحد الأعلام".

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: "وقد ذكر ابن أبي حاتم في مقدمة (الجرح والتعديل) لوالده ترجمة مليحة فيها أشياء تدل على عظم قدره وجلالته وسعة حفظه رحمه الله، منها ما قال أبو حاتم: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الريَّ فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثاً من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة. وهذا يدل على حفظ عظيم؛ فإن الذهلي شهد له مشايخه، وأهل عصره بالتبحر في معرفة حديث الزهري، ومع ذلك فأغرب عليه أبو حاتم".

وقال الذهبي في تقريب التهذيب: "

أحد الحفاظ من الحادية عشرة مات سنة سبع وسبعين أي ومئتين/ روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه".

تقدمة الجرح والتعديل/349، تاريخ بغداد 2/73، تذكرة الحفاظ 2/567 تهذيب التهذيب 9/31، تقريب التهذيب 2/143.

والبرذعي: هو الحافظ الناقد أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الذال وفي آخرها العين المهملة. (قال ياقوت: وقد رواه أبو سعد –يعني السمعاني- بالدال المهملة والعين مهملة عند الجميع بلد في أقصى أذربيجان) .

رحل وسمع محمد بن يحيى الذهلي، ومسلم بن الحجاج، وأبا سعيد الأشج وخلائق وصحب أبا زرعة وتخرج به.

حدّث عنه: حفص بن عمر الاردبيلي، وأحمد بن طاهر الميانجي، وحسن ابن علي بن عباس، وغيرهم.

قال ابن عقدة: مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين رحمه الله تعالى (292?) .

تذكرة الحفاظ 2/743، معجم البلدان 1/379-381، معجم المؤلفين 4/228.

ص: 100

هذا والجدير بالذكر أن هذه النسخة المشار إليها نال بها الدكتور سعدي الهاشمي المدرس حالياً بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر.

"سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود السجستاني" في معرفة الرجال، وجرحهم، وتعديلهم، وفي درجة بعض الأحاديث مرتب على البلدان.

وابن ماجه".

تقدمة الجرح والتعديل/349، تاريخ بغداد 2/73، تذكرة الحفاظ 2/567 تهذيب التهذيب 9/31، تقريب التهذيب 2/143.

والبرذعي: هو الحافظ الناقد أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الذال وفي آخرها العين المهملة. (قال ياقوت: وقد رواه أبو سعد –يعني السمعاني- بالدال المهملة والعين مهملة عند الجميع بلد في أقصى أذربيجان) .

رحل وسمع محمد بن يحيى الذهلي، ومسلم بن الحجاج، وأبا سعيد الأشج وخلائق وصحب أبا زرعة وتخرج به.

حدّث عنه: حفص بن عمر الاردبيلي، وأحمد بن طاهر الميانجي، وحسن ابن علي بن عباس، وغيرهم.

قال ابن عقدة: مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين رحمه الله تعالى (292?) .

تذكرة الحفاظ 2/743، معجم البلدان 1/379-381، معجم المؤلفين 4/228.

ص: 101

اطلعت منه على ثلاثة أجزاء هي: الثالث، والرابع، والخامس، وذلك في مكتبة المشرف على هذه الرسالة مصورة:

الثالث: في مجلد عن الأصل المحفوظ في مكتبة كوبريلي بتركيا تحت رقم (292) ويقع في (30) ورقة1.

والرابع والخامس: يقع في مجلد عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الأهلية بباريس تحت رقم (2085) ويقع في 68 ورقة كتب على وجهها وظهرها يخص الرابع منها 17 ورقة والمتبقى (51) ورقة تخص الخامس.

ويبدو من مطالعة الأجزاء الثلاثة أن ناسخها واحد مما يدل أنه فرق بينها وقد كتبت بخط جيد وجميل2.

1 وتوجد صورة منه أيضا في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (249) في مجلد عن الأصل المحفوظ في المكتبة المذكورة، وقد قام الأخ محمد علي قاسم الأردني بتحقيقه في رسالة جامعية؛ لنيل درجة الماجستير تقدم بها للجامعة الإسلامية بالمدينة في أواخر عام 1399?.

2 انظر: "تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان 3/188 و"تاريخ التراث" لسزكين 1/262. وانظر: اختصار علوم الحديث لابن كثير/41 مع الباعث الحثيث فقد قال: "ولابن عبيد الآجري عنه (يعني عن أبي داود) أسئلة في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل كتاب مفيد، ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه".

تنبيهان:

أخطأ بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 3/209 فنسب كتاب

ص: 102

...........................................................................................................

السؤالات هذا إلى أبي بكر الآجري محمد بن الحسين بن عبد الله (ت 360?) بعد أن نسبه لأبي عبيد الآجري عند ذكر شيخه أبي داود، مما دعا سزكين في تاريخ التراث العربي 1/316 إلى أن يقول:"يحذف كتاب السؤالات الذي ذكره بروكلمان رقم 11".

جرى بعض الناس في التعبير عن الجزء الثالث بنسخة والجزء الرابع، والخامس بنسخة، وهذا تعبير فيه ما فيه كما لا يخفى.

وأبو عبيد الآجرّي هو: محمد بن علي بن عثمان الآجرّي (بفتح الألف الممدودة وضم الجيم وتشديد الراء المهملة) وهذه النسبة إلى عمل الآجر وبيعه أونسبة إلى درب الآجر أيضاً موضع ببغداد. ونسبه النووي في أثناء ترجمة شيخه أبي داود من "تهذيب الأسماء واللغات" إلى البصرة.

لم أقف له على ترجمة في المصادر التي رجعت إليها ولما كان تلميذاً لأبي داود وملازماً له فقد ذكر في ترجمة شيخه أبي داود ضمن تلاميذه، والرواة عنه مع التنصيص بأنه راوي المسائل عنه، ووصفه بالحافظ فقد قال المزي، وتبعه ابن حجر:"وأبو عبيد محمد ابن علي بن عثمان الآجرّي الحافظ له عنه مسائل مفيدة".

وسواء قلنا أن أبا عبيد الآجرّي اتصل بأبي داود في البصرة أو في بغداد؛ لأن أبا داود دخل كلتيهما أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يمكث فترة من الزمن إلى أن وافته المنيّة بالبصرة، فإننا لا نجد له ترجمة في "تاريخ بغداد" ولا يدرى لماذا! ويرى فضيلة المشرف الشيخ حماد الأنصاري أنه لا يبعد أن تكون له ترجمة في "تاريخ بغداد" إلا أنها لم تصل إلينا في ضمن تراجم أخرى ساقطة منه. انظر موارد الخطيب البغدادي/87. ويستدل على ذلك النقص بأن ابن حجر أورد ابن أبي حاتم في "لسان الميزان" 3/432

ص: 103

"سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني، وأجوبته في أسامي مشائخه من أهل العراق".

مخطوط يوجد نسختان منه في مكتبة أحمد الثالث1:

1 انظر: تاريخ التراث العربي لـ "سزكين 1/342، 370".

الدارقطني: هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي. ولد سنة ست وثلاثمئة. في دار قطن حي ببغداد. سمع: البغوي وابن أبي داود وابن صاعد وخلائق. حدّث عنه: الحاكم وأبو بكر البرقاني، وأبو القاسم حمزة السهمي.

قال الحاكم: "صار الداقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القراء والنحويين، وأقمت في سنة سبع وستين ببغداد أربعة أشهر وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ.

ص: 104

...........................................................................................................

وله مصنفات يطول ذكرها فأشهد أنه لم يخلِّف على أديم الأرض مثله".

وقال الخطيب: "كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة، والفقه والعدالة، وقبول الشهادة وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب والاضطلاع بعلوم سوى الحديث، منها القراءات، ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء

، ومنها المعرفة بالأدب والشعر

" وقال فيه الذهبي: الإمام شيخ الإسلام حافظ الزمان

صاحب السنن. توفي في ثامن ذي القعدة سنة 385?. تذكرة الحفاظ 3/991. تاريخ بغداد 12/34. طبقات الشافعية للسبكي 2/310. وفيات الأعيان 3/297. البداية والنهاية 11/317. معجم المؤلفين 7/157. اللباب في تهذيب الأنساب 1/483.

والحاكم هو: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع. ولد سنة 321?. روى عن: أبيه، والدارقطني، والصفار. حدّث عنه: أبو ذر الهروي، وأبو يعلى الخليلي، وأبو بكر البيهقي. وثقه الخطيب وذكر أنه كان يميل إلى التشيع.

وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": "الحافظ الكبير إمام المحدّثين

صاحب التصانيف".

توفي في صفر سنة خمس وأربعمائة 405?. تذكرة الحفاظ 3/1039. تاريخ بغداد 5/473. ميزان الاعتدال 3/608. لسان الميزان 5/232. البداية والنهاية 11/355. طبقات الشافعية للسبكي 3/64 معجم المؤلفين 10/238.

تنبيه: للحاكم أجوبة حين منصرفه من بغداد عن أسئلة أهل الحديث عن جماعة من الخراسانيين لم يقفوا على محلهم من الجرح والتعديل مخطوط في مكتبة أحمد الثالث (624/18) يقع في (10) ورقات تاريخ التراث العربي 1/370.

ص: 105

الأولى: (634/23) تقع في (12) ورقة هي بعض سؤالاته.

الثانية: (624/18) تقع في (10) روقات.

"سؤالات السلمي للدارقطني" في نقد الرجال.

اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة تحت رقم (1102) 1 مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث 624/16 تقع في (16) ورقة مقياس الورقة 19/26 بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل الأنصاري البهنسي الشافعي وتاريخ نسخها سنة 628?2.

1 في مجلد يحتوي عليها وعلى سؤالات البرقاني الآتية.

2 انظر: تاريخ التراث العربي لسزكين 1/342.

والسلمي هو: محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي النيسابوري الصوفي أبو عبد الرحمن. قدم بغداد مرات وحدّث بها عن شيوخ خراسان منهم: أبو العباس الأصم وأحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، وإسماعيل ابن نجيد السلمي، وغيرهم. وحمل عنه القشيري والبيهقي، وأبو صالح المؤذن، وخلق سواهم.

ص: 106

...........................................................................................................

قال الذهبي في "ميزان الاعتدال": شيخ الصوفية، وصاحب تاريخهم، وطبقاتهم، وتفسيرهم، تكلموا فيه وليس بعمدة.

روى عن: الأصم وطبقته، وعني بالحديث ورجاله، وسأل الدارقطني، وفي القلب مما يتفرد به.

وأورده في "تذكرة الحفاظ" فقال: الحافظ العالم شيخ المشايخ، كتب العالي والنازل، وصنف وجمع، وسارت بتصانيفه الركبان إلا أنه ضعيف.

قال الخطيب البغدادي: قال لي محمد بن يوسف القطان: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، ولم يكن سمع من الصم إلا شيئاً يسيراً، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع حدّث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواه، قال: وكان يضع للصوفية الحديث.

قال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، ومحله في طائفته كبير، وكان مع ذلك صاحب حديث مجوداً، جمع شيوخاً، وتراجم، وأبواباً، وبنيسابور له دويرة معروفة به يسكنها الصوفية. وكان ذا عناية بأخبار الصوفية وصنف لهم سننا وتفسيراً وتاريخاً. قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": ألف حقائق التفسير فأتى فيه بمصائب، وتأويلات الباطنية. نسأل الله العافية.

ونقل عن: الحافظ عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور أنه قال: جمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه، حتى بلغ فهرست تصانيفه مئة أو أكثر، وكتب الحديث بمرو، ونيسابور، والعراق، والحجاز. قال الذهبي: قلت قد سأل أبا الحسن الدارقطني عن خلق من الرجال سؤال عارف بهذا الشأن.

ولد سنة ثلاثين وثلاثمئة (330?) . ومات في شعبان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة (412?) . تاريخ بغداد 2/248. تذكرة الحفاظ 3/1046. ميزان الاعتدال 3/523. لسان الميزان 5/140. الإعلام للزركلي 6/330.

ص: 107

"سؤالات البرقاني للدارقطني" في جرح الرواة وتعديلهم.

اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبويّة تحت رقم (1102) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموعة رقم (624/112) تقع في (13 ورقة) 1 مقياس الورقة (19×26) سم. بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل الأنصاري البهنسي الشافعي رواية أبي غالب محمد بن الحسن بن أحمد الكرجي عن البرقاني، وقد رتبت فيها أسماء الرواة على وفق حروف المعجم.

ويليها "تعليق الخطيب على سؤالات البرقاني للدارقطني" في آخر صفحة من السؤالات وفي صفحة أخرى (16-17) . وقد ذكر فؤاد سيّد في "فهرس المخطوطات المصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربيّة بالقاهرة" تعليق الخطيب المذكور بأكمل من هذا، فقال2:"تعليق على سؤالات البرقاني للدارقطني" تأليف أبي بكر أحمد بن علي بن

1 انظر: "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/342.

2 1/68

ص: 108

ثابت الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463?. نسخة كتبت سنة 728? بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل الأنصاري البهنسي الشافعي. مكتبة أحمد الثالث (624/10) ، (4 أوراق)(116-119) 19×26 سم

كما توجد نسخة أخرى من السؤالات في دار الكتب بالقاهرة رقم (1558) حديث في (8) صفحات رواية أبي غالب المذكور عن البرقاني، يرجع تاريخ نسخها إلى القرن الثامن الهجري1.

1 انظر: "فهرست المخطوطات بدار الكتب بالقاهرة" 1/212.

والبرقاني هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي المعروف بالبرقاني -بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف نسبة إلى قرية بنواحي خوارزم خربت وصارت مزرعة- الشافعي شيخ بغداد. سمع من الدارقطني، وأبي بكر بن مالك القطيعي، وعبد الغني الأزدي، وخلق كثير. وحدّث عنه: الخطيب، وأبو إسحاق الشيرازي الفقيه، وأبو الفضل بن خيرون، وآخرون.

قال الخطيب: كان ثقة، ورعاً، متقناً، متثبتاً، فهماً، لم ير في شيوخنا أثبت منه، حافظاً للقرآن، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربيّة، كثير الحديث حسن الفهم له والبصيرة فيه، وصنّف "مسنداً" ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري، وشعبة، وأيوب، وعبيد الله بن عمرو، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق وغيرهم من الشيوخ. ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته. ومات

ص: 109

"سؤالات حمزة السهمي للدارقطني" عن حال بعض رجال الحديث جرحا وتعديلا، وهو مرتب على الحروف.

اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ضمن مجموع رقم (56) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية ضمن مجموع رقم

وهو يجمع حديث مسعر، وكان حريصاً على العلم منصرف الهمة إليه وسمعته يوماً يقول لرجل من الفقهاء –معروف بالصلاح وقد حضر عنده-: ادع الله أن ينزع شهوة الحديث من قلبي؛ فإن حبه قد غلب علي، فليس لي اهتمام بالليل والنهار إلا به، أو نحو هذا من القول. وقال:"سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: البرقاني إمام إذا مات ذهب هذا الشأن -يعني الحديث-".

وقال ابن الأثير في "اللباب": الفقيه المحدث الأديب الصالح له التصانيف المشهورة.

وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين

صنف التصانيف، وخرّج على الصحيحين.

انتقل من بيته فكان معه (63) سفطاً، وصندوقان كل ذلك مملوء كتباً. ولد في آخر سنة 336، وسكن بغداد وبها مات رحمه الله في يوم الأربعاء أوّل يوم من رجب سنة 425?. تذكرة الحفاظ 3/1074، تاريخ بغداد 4/373، اللباب في تهذيب الأنساب 1/140، البداية والنهاية 12/36، طبقات الشافعيّة الكبرى للسبكي 3/19، الإعلام للزركلي 1/205، معجم المؤلفين 2/74.

ص: 110

(111)

تقع في ست أوراق من ورقة 206-215 يتخللها من أولها (4) أوراق خارجة عنها ليست من السؤالات. ومقياس الورقة حسبما ذكر العش (14×10) سم نحو (19) سم واحد حاشية خط ضياء الدين المقدسي المتوفى سنة 643?1.

وذكر سزكين في "تاريخ التراث العربي"2 وجود نسخة

1 انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية التاريخ وملحقاته، وضع يوسف العش/ (242) ، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية المنتخب من مخطوطات الحديث وضع محمد ناصر الدين الألباني/ (306) ، وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/342-343.

2 1/242. وحمزة السهمي هو: أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم القرشي السهمي الجرجاني من ذرية هشام بن العاص بن وائل رضي الله عنه دخل أصبهان، والري، والأهواز، وبغداد، والبصرة، والكوفة، وواسط، والشام، ومصر، والحجاز، وغير ذلك. حدّث عن: ابن عدي، والإسماعيلي، والدراقطني، وخلائق. وروى عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو صالح المؤذن، وأبو القاسم القشيري.

قال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الإمام الثبت

، صنّف التصانيف، وجرّح، وعدّل، وصحّح وعلّل. توفي سنة سبع وعشرين وأربعمئة وبعضهم أرخه سنة ثمان. تذكرة الحفاظ 3/1089، الأعلام للزركلي 2/314.

قال الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد/ في مادة السهمي هذا/ 380: "وقد ذكر الذهبي أن حمزة السهمي سأل الشيرازي عن أحوال الرجال، كما سأل ابن غلام الزهري عن الرجال، والجرح، والتعديل. وأشار الخطيب إلى سؤال حمزة لأبي زرعة (الرازي الصغير أحمد ابن الحسين بن علي المتوفى سنة 375?) عن أحوال الرواة" ا?. تذكرة الحفاظ 3/990، 1021، 1000.

ص: 111

أخرى مخطوطة في مكتبة أحمد الثالث (624/12) تقع في (18) ورقة من ورقة (172ب-189ب) وتاريخ نسخها 628?.

"سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل واسط والغرباء القادمين إليها"

حققه ونشره مطابع الطرابيشي سنة 1396? بمطبعة الحجاز بدمشق عن النسخة الخطيّة المحفوظة في "المكتبة الظاهرية"1 ضمن مجلد (حديث 349) ويعدّ مصدراً في

1 انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية وضع محمد ناصر الدين الألباني/ 301

خميس الحوزي هو: أبو الكرم خميس بن علي بن أحمد الحوزي (بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفي آخرها زاي) نسبة إلى الحوز قرية شرقي واسط قريبة منها) الواسطي. ولد في شعبان سنة 442? ومات في شعبان أيضاً سنة 510? بواسط. سمع علي بن محمد النديم، وأبا القاسم بن البسرى، وأبا نصر الزيني، وطبقتهم بواسط، وبغداد. وروى عنه: أبو الجوائز سعد بن عبد الكريم، وأحمد بن سالم المقرئ، وأبو طاهر السلفي،

ص: 112

...........................................................................................................

وآخرون.

قال السلفي: "سألت خميساً الحوزي عن أهل واسط المتأخرين فأجابني".

وفي "الأعلام" للزركلي: قال السلفي: سألته عن رجال من الرواة فأجابني مما أثبته في جزء ضخم وهو عندي.

قال عمر رضا كحالة في "معجم المؤلفين" في ترجمة الحوزي: وسأله أبو طاهر السلفي عن شيوخ واسط ومن قدمها، فكتب جوابه في جزء سمعه منه ابن نقطة بالإسكندريّة. قال الذهبي:"وكان السلفي يثني عليه، ويقول: كان عالماً ثقة يملي من حفظه علي حال من أسأله، وكان لا يؤبه له". وقال ابن نقطة: "كان له معرفة بالحديث والأدب".

وقال ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب": من فضلاء واسط ومحدثيها.

وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الإمام محدث واسط

، كتب وجمع وجرّح وعدّل.

تذكرة الحفاظ 4/1262. اللباب في تهذيب الأنساب 1/400. الأعلام للزركلي 2/371. معجم المؤلفين 4/130.

والسلفيّ هو: صدر الدين أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السِّلَفي (بكسر السين وفتح اللام) الأصبهاني. ولد سنة 475? أو قبلها بسنة وقيل ولد سنة 472? وقيل سنة 478?.

قال ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب" كان فاضلاً مكثراً، رحل في طلب الحديث، وصار من الحفاظ، سمع أبا الخطاب نصر ابن أحمد بن البطر والحسين بن طلحة النعالي وخلقاً كثيراً، وانتقل إلى الإسكندرية

ص: 113

تراجم الواسطيين وهم على طبقات: فمنهم القراء، ومنهم المحدّثون، ومنهم القضاة، ومنهم الفقهاء، ومنهم الأدباء، والشعراء، ومنهم النحاة، ومنهم الخطباء بمساجد واسط، ومنهم الزهاد والصوفيّة.

ذلك هو ما شاء الله عز وجل أن أسجله من كتب السؤالات،

وأقام بها، روى عنه الناس وصار يُرْحل إليه من البلاد البعيدة.

وقال فيه الذهبي "تذكرة الحفاظ": "الحافظ العلامة شيخ الإسلام" وبعد أن ذكر الأماكن التي ارتحل إليها قال: وبقي في الرحلة بضع عشرة سنة، وسمع ما لا يوصف كثرة، ونسخ بخطه الصحيح السريع، وهو في غضون ذلك يقرأ القرآن، والفقه، والعربية، وغير ذلك وكان متقناً متثبتاً، ديناً خيراً، حافظاً، ناقداً، مجموع الفضائل. انتهى إليه علو الإسناد، وروى الحفاظ عنه في حياته، ونقل عن: الحافظ عبد العظيم أنه قال: كان السِّلَفي مغرى بجمع الكتب، وما حصل له من المال يخرجه في ثمنها، كان عنده خزائن الكتب لا يتفرغ للنظر فيها، فعضت، وتلصقت لنداوة البلد فكانوا يخلصونها بالفأس فتلف أكثرها. وقال فيه ابن كثير: الحافظ الكبير المعمر.

وللسِّلَفي تصانيف كثيرة منها: معجم شيوخه الأصبهانيين، ومعجم شيوخ بغداد، ومعجم السفر. توفي صبيحة الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمئة (576?) وقد جاوز المئة. اللباب في تهذيب الأنساب 2/126. تذكرة الحفاظ 4/1298. وفيات الأعيان 1/105. البداية والنهاية 12/307. ميزان الاعتدال 1/155. لسان الميزان 1/299. الأعلام للزركلي 1/209. معجم المؤلفين 2/75.

ص: 114

ويوجد هناك كتب نحت منحى السؤالات والأجوبة إلا أنها اتخذت مسميات خاصة، قد ذكرت بعضها مثل:"التاريخ" لابن معين رواية عباس بن محمد الدوري، و"الضعفاء والكذابين والمتروكين" للبرذعي و"معرفة الرجال" لابن محرز.

وما لم أذكره منها مثل: "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد رواية ابنه عبد الله و"الجرح والتعديل"، و"علل الحديث" لابن أبي حاتم، و"العلل الواردة في الأحاديث النبويّة" للدارقطني.

قال الدكتور محمد عجاج الخطيب1: "والغالب على منهج كتب العلل أن يسأل الشيخ عن حديث من طريق معينة فيذكر الخطأ في سنده، أو في متنه، أو فيهما، وقد يذكر بعض الطرق الصحيحة ويعتمد عليها في بيان علة الحديث المسؤول عنه، ويعرِّف أحياناً ببعض الرواة، ويبيّن أحوالهم قوة وضعفاً، وحفظاً وضبطاً؛ ولهذا أطلق بعض المصنفين على كتبهم اسم (التاريخ والعلل) ، أو (الرجال والعلل") .

وإن التزام الأئمة لهذا المنهج يعود إلى طبيعة هذا العلم وموضوعه، الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على الحفظ والفهم ومعرفة الطرق الكثيرة، والمشتبه من أسماء الرواة، وألقابهم، وأنسابهم، وأوطانهم، وشيوخهم، وأحاديثهم. فحين يعرض السائل ما عنده من

1 أصول الحديث علومه ومصطلحاته/ 295-296.

ص: 115

حديث على الجهبذ، أو يسأله عن أحاديث معلة، يجد الجواب حاضراً؛ لمعرفته بالصواب. وأقرب مثل لهذا قراءة القرآن بين يدي أئمة القراء الذين يصححون الغلط؛ لمعرفتهم بالقراءات الشاذة والصحيحة؛ لذلك قال بعضهم: لا تقل لي: ما الحجّة في قولكم كذا وكذا؟ بل أذكر لي الحديث أبيّن لك علته.

ص: 116

ترجمة وافية للإمام الترمذي

اسمه ونسبه وكنيته وشهرته*:

ص: 119

هو الإمام الحافظ محمّد بن عيسى. إلى هنا باتفاق. ثم يبدأ الاختلاف بين الأقوال الثلاثة التي وردت في ذكر نسبه: فالمشهور الذي جاء في أكثر الروايات: "محمد بن عيسى بن سورة1 ابن موسى بن الضحاك".

وقال السمعاني: "ابن شداد" بدل "ابن موسى" واقتصر عليه ولم يتجاوزه وكذا فعل أبو يعلى الخليلي. ومن تبعهما.

وقيل: "محمّد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن".

أبو عيسى2 السلمي البوغي الترمذي الضرير.

1 سَوْرة: بفتح السين المهملة وسكون الواو وفتح الرّاء المهملة وفي آخرها تاء مربوطة على وزن طَلْحة، وقد أخطأ بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي" فقال:"ابن سهل".

2 هذه كنية الترمذي التي اشتهر بها والتي يعبر بها عن نفسه كثيراً في "الجامع" وقد كره بعض العلماء التكني بأبي عيسى: لما أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" قال: حدثنا الفضل ابن دكين عن موسى بن عُلى عن أبيه: "أن رجلا اكتنى بأبي عيسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن عيسى لا أب له" قالوا: فكره ذلك لإيهامه أن لعيسى عليه السلام أباً."، ولأن

ص: 121

...........................................................................................................

عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب ابناً له اكتنى بأبي عيسى، وقال:"إن عيسى ليس له أب"، وأنكر على المغيرة بن شعبة تكنيته بهذه الكنية كما سيأتي.

وقد أجيب عن الحديث بأنه مرسل لا حجة فيه على القول الراجح، فعليُّ بن رباح والد موسى من صغار التابعين، كما في "تقريب التهذيب" 2/37، وقد أرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والواقع بأن عيسى لا أب له وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مزاحاً.

ويدل لجواز الاكتناء بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بن شعبة بأبي عيسى بإخبار المغيرة عن نفسه، وبشهادة بعض الصحابة له بأنه كان يكنيه، بها فقد أخرج أبو داود في "سننه" 13/303 مع عون المعبود (في كتاب الأدب/ باب فيمن يتكنى بأبي عيسى) بسند حسن إن لم يكن صحيحاً من طريق زيد بن أسلم عن أبيه.

أن عمر بن الخطاب ضرب ابناً له تكنى أبا عيسى، وأن المغيرة ابن شعبة تكنى بأبي عيسى فقال: أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأنا في جلجتنا فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك"(الجلجة) محركة: واحدة الجلج، قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/283:"قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عنه، فلم يعرفه. وقال ابن الأعرابي وسلمة: الجلج: رؤوس الناس واحدتها جلجة. وقال ابن قتيبة: معناه بقينا نحن في عدد من أمثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا. وقيل الجلج في لغة أهل اليمامة: جباب الماء كأنه يريد: تركنا في أمر ضيق كضيق الجباب" وانظر: تاج العروس 5/455.

وفي الإصابة لابن حجر قال: "وذكر البغوي من طريق زيد ابن اسلم أن المغيرة استأذن على عمر فقال: "أبو عيسى" قال: من أبو عيسى؟ قال المغيرة بن شعبة. قال: "فهل لعيسى من أب؟ " فشهد له بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكنيه بها فقال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم غفر له، وأنا لا ندري ما يفعل بنا، وكناه أبا عبد الله" ا?. "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 3/453.

فعمر بن الخطاب رضي الله عنه –على حدّ قول المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي/345- تأول تكني رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بأبي عيسى بأنه ما كناه به بل إنما دعاه به بعض الأحيان وهذا لا يستدل به على الجواز لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربما فعل شيئاً، وإن كان خلافه أولى، ويكون هذا في حقه مسلوب الكراهة. وهذا معنى قوله:"غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".

قال المباركفوري: "قلت: ليس في النهي عن التكني بأبي عيسى حديث مرفوع متصل صحيح صريح فالظاهر هو الجواز"

ص: 122

والسُّلَمي: بضم السين المهملة1 وفتح اللام ثم ميم، نسبة إلى بني سُلَيم "بالتصغير" قبيلة معروفة من قيس عيلان.

والبُوْغي: بضم الباء الموحدة وسكون الواو آخرها غين معجمة، نسبة إلى "بوغ". قال السمعاني في "الأنساب":"وهي قرية من قرى "ترمذ" على ستة فراسخ"2.

وفي تعليل هذه النسبة قال: "إما أنه كان من هذه القرية، أو سكن هذه القرية إلى أن مات". هكذا على الاحتمال لكن جاء بعد ذلك بقليل، وجزم بأحد الاحتمالين فذكر أنه مات بقرية "بوغ"، وهذا ما جزم به في "مادة الترمذي". وإذا كان ذلك كذلك يكون الترمذي نسب إليها لوفاته فيها، ويفسر صنيع السمعاني هذا بأنه ترجيح منه بعد تفصيل لما قيل في هذه المسألة. والذي مال إليه أحمد شاكر ورجحه أنه من أهل هذه القرية

1 قال الكتاني في "الرسالة المستطررفة"/11: خلافاً لمن قال بفتحها.

2 الفرسخ: ثلاثة أميال والميل: كيلومتر ونصف تقريباً.

ص: 123

وأنه ولد ومات بها فينسب إليها أو إلى مدينتها "ترمذ" التي تعرف بها قريته، غير أنه لم يذكر أي مرجح، واكتفى بتوجيه قول من قال أنه ولد ومات ببلدة "ترمذ"، فحمله على أنه تجوّز من قائله، وأن مراده "بوغ" القرية القريبة منها التابعة لها إلى أن قال:"ومثل هذا كثير" أي على الألسنة وهو إضافة ما للقرية إلى المركز التابعة له.

وقد قال قبل ذلك في وجه تعليل أنه من أهل هذه القرية: "إذ يبعد أن يكون من أهل البلدة فينسب إلى قرية من قراها من غير أن يكون له بها صلة". ويبدو من كلام أحمد شاكر أنه ليس ثمة واسطة.

ويمكن أن نتفق مع أحمد شاكر في هذا التعليل وهو تعليل جيد، ولكن لا يلزم منه أن يكون ولد ومات في قرية "بوغ".

والحال أنني لم أر من نصّ على مولده، ووفاته في هذه القرية غيره. وقد نقل ابن الأثير في "جامع الأصول" وغيره عن الترمذي أنه قال: كان جدي مروزياً في أيام ليث بن سيار، ثم انتقل من مرو إلى ترمذ.

والترمذي: نسبة إلى "ترمذ" -بمثناة فوقية وراء مهملة وميم وذال معجمة- مدينته التي نشأ فيها بلا خلاف، واشتهر بالنسبة إليها. قال السمعاني: "والناس مختلفون في كيفية هذه النسبة: بعضهم يقول: بفتح التاء المنقوطة بنقطتين من فوق. وبعضهم يقول: بضمها. وبعضهم يقول: بكسرها.

والمتداول على لسان أهل تلك البلدة –وكنت أقمت بها اثنى عشر يوماً (بفتح التاء وكسر الميم) .

والذي كنا نعرفه "قديماً" فيه -كسر التاء والميم جميعاً- والذي يقوله

ص: 124

المتنوقون1 وأهل المعرفة: بضم التاء والميم. وكل واحد يقول معنى لما يدعيه".

فهذه ثلاث لغات في "ترمذ": فتح التاء وكسر الميم، وكسرهما جميعاً، وضمهما جميعاً، وفيها لغتان أخريان حكاهما صاحب "تاج العروس": فتح التاء وضم الميم، وفتحهما جميعاً.

وعلى هذا تكون "ترمذ" مثلثة التاء والميم وبفتح التاء مع كسر الميم أو ضمها. أما الراء فساكنة على كل حال في الوجوه كلها. قال أحمد شاكر: "والمعروف المشهور على الألسنة: كسر التاء والميم وبينهما راء ساكنة بوزن "إثمد" كما ضبطها صاحب القاموس".

وهذا هو الذي نصّ عليه ابن دقيق العيد فيما نقله عنه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" حيث قال: "قال شيخنا ابن دقيق العيد: "وترمذ بالكسر هو المستفيض على الألسنة حتى يكون كالمتواتر".

وقول أحمد شاكر: "بوزن إثمد كما ضبطها صاحب القاموس" قال الزبيدي في "تاج العروس": "قال شيخنا: "الأولى التمثيل بزبرج لأن التاء أصلية ولذلك ذكرت في بابها".

وفي تعبير صاحب القاموس عن "ترمذ" بأنها قرية ببخارى، قال

1 قال الفيروز أبادي في "القاموس المحيط" 3/287: "تنيق في مطعمه وملبسه تجود وبالغ كتنوق" ا?. وقد كتبت الكلمة في نسخة "الأنساب" المطبوعة "المتوقون" وفي المخطوطة "المفتون" وجاءت في معجم البلدان "المتأنقون" قال الشيخ أحمد شاكر: "والصواب ما هنا نقلا عن ابن خلكان" ا?. يعني في "وفيات الأعيان" وهكذا وردت "المتنوقون" عند ابن الأثير في "اللباب".

ص: 125

الزبيدي: "وإنما يعبر بالقرية عن صغار البلاد، وترمذ مدينة عظيمة واسعة بخراسان (1") .

وقال السمعاني في وصفها: "مدينة قديمة على طرف نهر (بلخ) الذي يقال له "جيحون".

وقال ابن خلكان2:"سألت من رآها: هل هي في ناحية خوارزم أم في ناحية ما وراء النهر؟ فقال بل هي في حساب ما وراء النهر3 من ذلك الجانب".

وقال ياقوت: "وترمذ مدينة مشهورة من أمهات المدن راكبة على نهر جيحون من جانبه الشرقي متصلة العمل بالصغانيان4 ولها قهندز5

1 قال: "ولم يذكر (يعني صاحب القاموس) من نسب إليها كما هو عادته مع أنه آكد". قلت: ذكر أبا عيسى الترمذي بعد ذلك في مادة "سَوْرة" على أن سورة جَدُّه.

2 في ترجمة: أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي الفقيه الشافعي المتوفى سنة 295? "وفيات الأعيان" 4/196

3 المراد بلفظ ما وراء النهر هو نهر بلخ "انظر مقدمة تحفة الأحوذي/341".

4 صغانيان: بالفتح وبعد الألف نون ثم ياء مثناة من تحت وآخره نون، والعجم يبدلون الصاد جيماً فيقولون: جغانيان: ولاية عظيمة بما وراء النهر متصلة الأعمال بترمذ

وقد نسبوا إليها على لفظين: صفانيّ، وصاغانيّ "مجعم البلدان" 3/408-409.

5 قهندز: بفتح أوله وثانيه وسكون النون وفتح الدال وزاي وهو في الأصل: اسم الحصن أو القلعة في وسط المدينة وهي لغة كأنها لأهل خراسان وما وراء النهر خاصة وأكثر الرواة يسمونه قُهُندُز -بضم القاف والهاء والدال- وهو تعريب كهندز معناه: القلعة العتيقة، وفيه تقديم وتأخير لأن كهن: هو العتيق و: دز: قلعة، ثم كثر حتى اختص بقلاع المدن، ولا يقال في القلعة إذا كانت مفردة من غير مدينة مشهورة. معجم البلدان 4/419.

ص: 126

وربض يحيط بها سور، وأسواقها مفروشة بالآجرّ، ولهم شرب يجري من الصغانيان لأن جيحون يستقل عن شرب قراهم".

مولده:

كثير ممن كتب عن حياة الترمذي وتناول ترجمته من السابقين لم يتعرض لذكر تاريخ ولادته وأقدم من رأيته اعتنى بذلك هو ابن الأثير (544-606?) في "جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فصرّح أنه ولد سنة تسع ومئتين (209?) وقد قال أحمد شاكر:

"ولد سنة 209 ولم أجد من نصّ على ذلك صريحاً إلا ما كتبه العلامة الشيخ محمد عابد السندي بخطه على نسخته من كتاب الترمذي

ولعله نقل ذلك استنباطاً من كلام غيره من المتقدمين أو من كتاب آخر لم يصل إلي، وقد صرّح بذلك أيضاً جسوس1 في "شرحه على الشمائل" وشأنه شأن سابقه". ا?.

ثم ذكر من كلام الذهبي في "ميزان الاعتدال" ومن كلام غيره من

1 هو محمد بن قاسم أبو عبد الله جسوس المتوفى سنة 1182? انظر ترجمته في "الأعلام" للزركلي 7/230 وشرحه يسمى "الفوائد الجلية البهية".

ص: 127

المتأخرين ما يستنبط منه أنه ولد سنة تسع ومئتين، وبعد أن أورد كلام صلاح الدين الصفدي الآتي ختم بهذه الخاتمة وهي قوله:"فالله أعلم بصحة ذلك".

وقد قمت باستعراض ما ساقه في صدر ترجمة الترمذي من مصادر ترجمته فلم أر فيها: "جامع الأصول" فلعله فاته الاطلاع فيه.

واستناداً إلى قول الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "ولد في حدود سنة عشر ومئتين" وقول صلاح الدين الصفدي في "نكت الهميان في نكت العميان": "ولد سنة بضع ومئتين" قال الدكتور نور الدين عتر:

"لم يبين لنا المؤرخون سنة ولادته وإنما أرخوها بالعقد الأول من القرن الثالث".

ويبدو أنه فاته أيضاً ما نصّ عليه ابن الأثير من سنة ولادته، وإلا لأشار إليه واعتمده بجانب ما استنبطه من كلام الذهبي في "ميزان الاعتدال" على أنه ولد سنة تسع ومئتين حيث قال:

"والذي يظهر لنا أنه ولد سنة تسع ومئتين كما ذكره بعض المتأخرين؛ لأن الأكثرين اتفقوا على أنه توفي سنة تسع وسبعين ومئتين، وقد قال الحافظ الذهبي "أنه كان من أبناء السبعين"، ولعلهم استنبطوا ذلك من كلام الذهبي على نحو استدلالنا" ا?.

والعجيب أن بعض المعاصرين1 اعتمد ما ذكره ابن الديبع الشيباني في

1 انظر: "علوم الحديث ومصطلحه"/399 للدكتور صبحي الصالح و"لمحات في أصول الحديث"/ 152 للدكتور محمد أديب صالح و"الحديث النبوي"/394 للشيخ محمد الصباغ.

ص: 128

مقدمة تيسير الوصول إلى جامع الأصول "أن ولادته كانت سنة مئتين 200?".

وابن الديبع الذي خالف سلفه ابن الأثير في ذلك وخالف ما دل عليه كلام الذهبي وغيره مما تقدّم لم يذكر لنا مستنده في ذلك ولم أعرف مأخذه فيه.

على أن هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي أن هذا التصريح من ابن الأثير جاء في طبعتي جامع الأصول القديمة والجديدة بين قوسين مربعين، وقد أورث هذا الشك عندي هل ذلك التصريح هو من ابن الأثير أو من غيره؟ لاسيما إذا أخذنا بالاعتبار قول ابن الديبع الشيباني من أنه ولد سنة 200?، وهو من اختصر جامع الأصول في تيسير الوصول، فيبعد –في نظري- أن يتصرف في كلام ابن الأثير بالتغيير والتبديل والتحريف.

هذا والذي يترجح لي بعد ذلك في ولادته ما ذكر استنباطاً من قول الذهبي والله أعلم.

صفاته الخَلْقيّة:

نعت الترمذي بالضرير وذلك لأنه اعتل في آخر عمره بذهاب بصره، وقد قيل أنه ولد أكمه وممن نقل هذا الذهبي، وابن كثير، وابن حجر، وهو خلاف ما اعتمدوه من أنه ولد مبصراً ثم عمي في آخر عمره.

ص: 129

قال الذهبي في كتابه "العبر في خبر رمن غبر": "وكان ضريراً فقيل: أنه ولد أكمه".

وقال ابن كثير: "قلت: الذي يظهر من حال الترمذي أنه إنما طرأ عليه العمى بعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر وصنف

".

وأما ابن حجر فإنه استدل على أنه ولد مبصراً بالأتي وهو ما اعتبره يرد على من زعم أنه ولد أكمه:

بما نقله في "تهذيب التهذيب" عن يوسف بن أحمد البغدادي الحافظ قال: "أضرّ أبو عيسى في آخر عمره".

بما حكى الترمذي عن نفسه مع الشيخ الذي اختبر حفظه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قال المباركفوري: قلت: ويرده أيضاً (يعني القول بأنه ولد أكمه) ما قال الحاكم1 عن عمر بن علك2: "بكى حتى عمي، وبقي ضريراً سنين".

1 هو الحاكم الكبير أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي محدّث خراسان الإمام الحافظ الجهبذ، صاحب التصانيف، ومؤلف كتاب الكنى توفي سنة 378? وله 93سنة "تذكرة الحفاظ" 3/976 و"الرسالة المستطرفة"/ 121 وهذا هو شيخ الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك على الصحيحين محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، المعروف بابن البيع، وبالحاكم المولود في ربيع الأول سنة 321? والمتوفى في صفر سنة 405 وقد تقدمت ترجمته.

2 هو الحافظ الثقة الفقيه أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن علك المروزي الجوهري من كبار علماء مرو، قال الخليلي: أبو حفص ثقة عالم متفق عليه روى عنه الكبار

ص: 130

وقال أحمد شاكر: "وقد قيل: أنه ولد أكمه، وهذا خطأ يرده ما عرف من ترجمته".

نشأته وطلبه للعلم ورحلته:

ما اطلعت عليه من مصادر ترجمة الإمام الترمذي لا تتحدث عن نشأته وعن بدء تلقيه للعلم وتاريخ رحلته فيه، كما أنها لا تذكر شيئاً عن حال أسرته، إلا أنه لا يخالجنا شك أنه نشأ في بيئة ومحيط يعنى بالحديث النبوي عناية فائقة.

وقد صرّح الدكتور نور الدين عتر بأن الذي يدل عليه الاستقراء أن الترمذي بدأ طلبه للعلم ورحلته في وقت متأخر أي حوالي سنة خمس وثلاثين ومئتين وقد جاوز العشرين من عمره.

هذا وقد بقي في الرحلة متغرباً عن بلاده سنين، حيث رجع إليها بعد ذلك قال الدكتور العتر:"ويظهر لنا أنه عاد إلى بلاده خراسان قبل الخمسين ومئتين".

والذي دعا الدكتور العتر إلى هذا القول –كما يبدو- هو ما ذكرته

حافظ دين مات في سنة خمس وعشرين وثلاثمئة (325?)"تذكرة الحفاظ" 3/847 فهو ممن أدرك الترمذي وعرف حاله.

وفي "تهذيب التهذيب" صحف اسمه إلى "عمران بن علان" مما حدا بالشيخ أحمد شاكر في "مقدمة سنن الترمذي" أن يبهمه ولا يذكره باسمه حيث قال: "ونقل الحاكم أبو أحمد عن أحد شيوخه ثم ذكر قوله"

ص: 131

بعض المصادر من أن الترمذي التقى بشيخه البخاري سنة خمسين ومئتين في نيسابور.

وقد رحل أبو عيسى الترمذي إلى العراق والحجاز للحديث، وعبّ من معينه بعد أن تنقل في بلاده خراسان يتلقى عن علمائها. قال الشيخ أحمد شاكر:"ولكني لا أظنه دخل بغداد إذ لو دخلها لسمع من سيد المحدثين الإمام أحمد بن محمد بن حنبل1، ولترجم له الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد" ا?.

وثمة حواضر علم أخرى عظيمة ومزدهرة في ذلك العصر كمصر والشام لم يدخلها أبو عيسى أيضاً، ولا نعلم سبباً لذلك.

هذا ويوجد مؤشر يفهم منه أن الإمام الترمذي قام بجولة أخرى في الأقطار وقد طعن في السن وذلك بعد أن ألّف كتابه العظيم "الجامع" حيث تمكن من عرضه على علماء تلك الأقطار فاستحسنوه ورضوا به. نقل عنه أنه قال: "صنفت هذا الكتاب –يعني الجامع- فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلّم" وفي رواية "ينطق".

1 فإنه لم يثبت أنه سمع منه ومن هنا ندرك خطأ ما جاء في "الموسوعة العربية الموسعة"/ 506 بإشراف محمد شفيق غربال في عد الإمام أحمد في شيوخ الترمذي.

ص: 132

فإذا علمنا أن الإمام الترمذي ولد سنة تسع ومئتين وتوفي سنة تسع وسبعين ومئتين، ونقل ابن حجر عنه أنه أتم كتابه هذا "في يوم الأضحى من سنة سبعين ومئتين"، تبيّن لنا وقت قيامه بعرض كتابه على أولئك العلماء وأنه في آخر حياته.

شيوخه:

إن من مظاهر حرص الترمذي وجِدِّه ودأبه في طلب الحديث توسعه في تلقيه على عدد كبير من المحدثين، حتى قال ابن الأثير في "جامع الأصول":"وأخذ عن خلق كثير لا يحصون كثرة".

وكما علمنا سابقاً فهو لم يقف في طلبه للحديث وتحصيله له عند حدود وطنه، بل تجول في الآفاق يطلب الحديث من منابعه الصافية فسار إلى بلدان أخرى نائية، والتقى بعلمائها وأشياخ الحديث فيها فنهل من مواردهم وتزود على أيديهم.

قال المزي في "تهذيب الكمال": "طاف البلاد، وسمع خلقاً من الخراسانيين، والعراقيين، والحجازيين، وغيرهم. وقد سميناهم في مواضعهم من كتابنا هذا".

وأسهل وأقرب من كتاب المزي هذا في الوقوف على مشايخ الترمذي والتعرف عليهم هو "جامع الترمذي" الذي لا يخفى تداوله بين الناس، فهو سجل حافل بشيوخ الترمذي الذين روى عنهم، وكذا كتاب "الشمائل المحمّديّة" له، وهو متداول أيضاً،

ص: 133

ومشتمل على عدد من مشايخه.

وقد ساق المترجمون له كالسمعاني في "الأنساب"، والذهبي في "تذكرة الحفاظ"، وصلاح الدين الصفدي في كتاب "الوافي بالوفيات" طائفة من أسماء شيوخه الأجلاء.

اجتزئ هنا بسرد جماعة منهم يعدون من أقدم شيوخه الذين أدركهم، وسمع منهم، وروى عنهم في كتابه "الجامع" وهم:

محمّد بن عمرو السواق البلخي1.

إسحاق بن راهويه2.

محمود بن غيلان3.

قتيبة بن سعيد الثقفي أبو رجاء4.

1 محمد بن عمرو السواق البلخي، صدوق، من العاشرة مات سنة ست وثلاثين أي ومئتين، روى له البخاري والترمذي "تقريب التهذيب" 2/196.

2 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو محمد بن راهوية المروزي، ثقة حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بيسير، مات سنة ثمان وثلاثين أي ومئتين، وله اثنان وسبعون، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. (المصدر السابق 1/54)

3 محمود بن غيلان العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي نزيل بغداد، ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين أي ومئتين، وقيل بعد ذلك، روى له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. (المصدر السابق 2/233) .

4 سيأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث الرابع.

ص: 134

سويد بن نصر بن سويد المروزي1.

محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة المروزي2.

أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري المدني3.

عبد الله بن معاوية الجمحي4.

علي بن حجر المروزي5.

1 سويد بن نصر بن سويد المروزي أبو الفضل لقبه شاه راوية ابن المبارك، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربعين أي ومئتين، وله تسعون سنة، روى له الترمذي والنسائي. (تقريب التهذيب 1/341)

2 محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة -بكسر الراء وسكون الزاي- غزوان -بفتح المعجمة وسكون الزاي- أبو عمرو المروزي، ثقة، من العاشرة، مات ستة إحدى وأربعين أي ومئتين، روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة. (المصدر السابق 2/186) .

3 أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زراره بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب الزهري المدني الفقيه، صدوق عابه أبو خيثمة للفتوى بالرأي، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين أي ومئتين، وله نيّف على التسعين، روى له الجماعة. (المصدر السابق 1/12) .

4 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث العاشر.

5 علي بن حُجْر -بضم المهملة وسكون الجيم- ابن إياس السعدي المروزي نزيل بغداد ثم مرو، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة أربع وأربعين وقد قارب المئة أو جاوزها، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. (تقريب التهذيب 2/133) وقد سقط الرمز للترمذي فالحقته.

ص: 135

إسماعيل بن موسى الفزاري السدي1.

وابن كثير في ترجمة الترمذي من "البداية والنهاية" لم يذكر أحداً من شيوخه واكتفى بالإحالة على كتابه "التكميل" بقوله: "وقد ذكرنا مشايخ الترمذي في التكميل".

والترمذي مع أنه تلميذ البخاري أخذ عنه واستفاد منه فإنه شارك البخاري في الأخذ عن كثير من شيوخه منهم طائفة اشترك الأئمة الستة كلهم في الرواية عنهم يبلغون تسعة وهم:

عباس بن عبد العظيم العنبري2.

أبو حفص عمرو بن علي الفلاس3.

1 إسماعيل بن موسى الفزاري أبو محمد أو أبو إسحاق الكوفي نسيب السدي أو ابن بنته أوابن أخته، صدوق يخطئ، ورمي بالفرض من العاشرة مات سنة خمس واربعين أي ومئتين/ روى له البخاري في "أفعال العباد" وأبو داود والترمذي وابن ماجة. (تقريب التهذيب 1/75) .

2 عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل العنبري أبو الفضل البصري ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة مات سنة أربعين أي ومئتين روى له البخاري تعليقاً ومسلم وأهل السنن الأربعة. (تقريب التهذيب 1/397) .

3 عمرو بن علي بحر بن كُنَيز بنون وزاي (مصغراً) أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة تسع وأربعين أي ومئتين، روى له الجماعة. (المصدر السابق 2/75) .

ص: 136

نصر بن علي الجهضمي1.

محمد بن بشار بندار2.

محمد بن المثنى أبو موسى3.

يعقوب بن إبراهيم الدورقي4.

زياد بن يحيى الحسّاني5.

محمد بن معمر القيسي البحراني6.

أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد الكندي7.

1 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث العشرين.

2 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث الثاني.

3 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث الثاني.

4 يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن أفلح العبدي مولاهم أبو يوسف الدورقي، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين أي ومئتين، وله ست وتسعون سنة، وكان من الحفاظ، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/374) .

5 زياد بن يحيى بن حسان أبو الخطاب الحساني النُّكري -بضم النون- البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وخمسين أي ومئتين، روى له الجماعة. (المصدر السابق 1/270) .

6 محمد بن معمر بن ربعي القيسي البصري البحراني -بالموحدة والمهملة- صدوق من كبار الحادية عشرة مات سنة خمسين أي ومئتين روى له الجماعة. (المصدر السابق 2/219) .

7 عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي ثقة من صغار العاشرة مات سنة سبع وخمسين أي ومئتين/ روى له الجماعة. (المصدر السابق 1/419) .

ص: 137

وسمع الترمذي من الإمام مسلم وقد حدّث عنه في "جامعه" بحديث واحد فقط هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أحصوا هلال شعبان لرمضان".

أخرجه في كتاب الصيام باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان فقال1: حدّثنا مسلم بن حجاج حدّثنا يحيى حدّثنا أبو معاوية عن محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الحديث.

قال العراقي في "شرح سنن الترمذي2":"لم يرو المصنف في كتابه شيئاً عن مسلم صاحب الصحيح إلا هذا الحديث، وهو من رواية الأقران؛ فإنهما اشتركا في كثير من شيوخهما".

وقال المزي في "تذيب الكمال"3 بعد أن أورده في ترجمة مسلم: "ما له في جامع الترمذي غيره".

وقال ابن كثير في ترجمة مسلم من البداية والنهاية4:"وروى عنه جماعة كثيرون منهم الترمذي في جامعه حديثاً واحداً

ثم ذكره".

1 سنن الترمذي 3/368 مع تحفة الأحوذي.

2 انظر: "مقدّمة تحفة الأحوذي"/338.

3 7 ورقة 662 وانظر: "تهذيب التهذيب" 10/126.

4 11/33.

ص: 138

وقد أشار إليه الذهبي في "تذكرة الحفاظ"1 فقال في ترجمة مسلم: "روى عنه الترمذي حديثاً واحداً".

هذا ولقي الترمذي الإمام أبا داود صاحب "السنن" وسمع منه وروى عنه في "جامعه"2.

صلة الترمذي بالبخاري:

الترمذي –وقد لقي الصدر الأول من المشايخ وأخذ عن الحفاظ الكبار- اشتهر بأنه تلميذ أبي عبد الله البخاري وخريجه. وهذا واضح لمن تصفح سيرة كل منهما.

قال ابن خلكان: "وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشاركه في بعض شيوخه".

قال ابن العماد: "الإمام الترمذي تلميذ أبي عبد الله البخاري ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه".

ولا غرو أن يكون البخاري أبرز شيوخ الترمذي، وأعظم مربيه، وأقواهم تأثيراً فيه، فهو علم الأعلام وأمير المؤمنين في الحديث، ومن أجمعت الأمة على إمامته وجلا لته.

فحسب الترمذي فخراً وشرفاً أن يكون تلميذ البخاري وخريجه،

1 2/588.

2 انظر: "تذكرة الحفاظ" 2/591 و"طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/48 و"تهذيب التهذيب" 4/170، و"تقريب التهذيب" 1/321.

ص: 139

لقد وجد الترمذي بغيته في البخاري، فالترمذي قد طوّف البلدان في سبيل العلم ومن أجل الحديث فلم يجد أقوى علماً وأرسخ فهماً من شيخه البخاري في علم الحديث وعلله.

وها هو الترمذي يشهد له بالفضل ويعترف له بالقدر فيصرح بتفوقه في العلم وتقدمه على سائر أئمة عصره فيقول: "لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كثيراً أحدّ علم من محمد بن إسماعيل".

وهذا يفسر لنا سر اعتماد الترمذي على البخاري في "جامعه" فيما أورده فيه من هذه العلوم الحديثيّة المهمة والدقيقة، ولقد نبه الترمذي على ذلك، فذكر في كتاب العلل الصغير الذي في آخر كتاب الجامع في معرض بيانه عن مرجعه في علوم الصنعة بأن أكثر ما دوّنه في "الجامع" من علل الحديث، والكلام في الرجال، والتاريخ هو مما ناظر به البخاري، وبعضه استخرجه من كتاب تاريخ البخاري، وبعضه ناظر به الدارمي وأبا زرعة، ثم توّج كلامه بتلك العبارة التقديرية العظيمة كالبينة لهذا الاعتماد.

قال الترمذي: "وما كان فيه من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ فهو ما استخرجته من كتاب التاريخ، وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد ابن إسماعيل.

ص: 140

ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن1، وأبا زرعة2، وأكثر ذلك عن محمد، وأقل شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة.

ولم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كثيراً أحدّ علم من محمد بن إسماعيل رحمه الله".

قال ابن رجب شارح العلل3: "وقد ذكر الترمذي رحمه الله أنه لم ير بخراسان ولا بالعراق في معنى هذه العلوم كثيراً أحدّ علم بها من البخاري مع أنه رأى أبا زرعة وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وذاكرهما، ولكن أكثر علمه مستفاد من البخاري، وكلامه كالصريح في تفضيل البخاري في هذا العلم على أبي زرعة والدارمي وغيرهما".

وتتضح قيمة هذا التفضيل في كونه جاء نتيجة فكر وروية ومراس وتجربة، ولم يأت جزافاً وعن عاطفة؛ فالترمذي قد دار على الشيوخ وخبرهم وعرفهم وأدرك الفرق بينهم، كما أنه في حكمه ذلك لم يصدر عن جهل وقلة دربة ومعرفة في معنى هذه العلوم التي فضل بها شيخه على غيره من أساطين العلم، بدليل أنه شارك وتصدّى بالتأليف فيها فألف كتابين في علل الحديث: أحدهما: "العلل الصغير" والآخر "العلل الكبير"

1 الدارمي ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث الثاني.

2 تقدمت ترجمته.

3 159.

ص: 141

كما أن له كتاب التاريخ، وأظنه في تاريخ الرجال وجرحهم وتعديلهم، وهو وإن كنا لا نعلم عنه شيئاً الآن قد ذكرته المصادر المعنية بالتصانيف، والترمذي في هذا يسير على منوال شيخه حيث ألف في العلل والتاريخ كما هو معروف.

ويتأكد هذا التفضيل للبخاري بأنه كان أبصر وأعلم وأفقه في علم علل الحديث، ومرجعاً فيه لكبار علماء عصره أبي زرعة والدارمي وغيرهما.

قال إبراهيم الخوّاص1: "رأيت أبا زرعة كالصبي جالساً بين يدي محمد بن إسماعيل يسأله عن علل الحديث".

وقال الدارمي2: "هو أعلمنا وأفقهنا وأكثرنا طلباً".

وقال حاشد بن عبد الله3: "رأيت محمد بن رافع وعمرو بن زرارة عند محمد بن إسماعيل وهما يسألانه عن علل الحديث؟ فلما قاما قالا لمن حضر: لا تخدعوا إن أبا عبد الله أفقه منا وأبصر".

ويقول أبو حامد الأعمش4: "رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة ومحمد بن يحيى الذهلي –إمام نيسابور وشيخ البخاري- يسأله عن الأسماء والكنى وعلل الحديث والبخاري يمر فيها مثل السهم كأنه يقرأ: قل هو

1 "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي 2/8.

2 هدي الساري/484.

3 تهذيب التهذيب 9/53 وهدي الساري/484.

4 تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/69 وهدي الساري/488.

ص: 142

الله أحد".

هذا والترمذي ليس وحده من تلامذة البخاري في تلك الشهادة، فقد شهد للبخاري في علل الحديث واعترف له بذلك تلميذ آخر طبق صيته الآفاق هو الإمام مسلم صاحب الصحيح.

قال أحمد بن حمدون1: "جاء مسلم بن الحجاج إلى البخاري فقبّل بين عينيه وقال: دعني أقبّل رجليك يا أستاذ الأساتذين، ويا سيّد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله".

فلما كان البخاري بهذه المثابة من الثقة، والقوة، والإمامة، فإن كلامه في العلل والخلاف يكون موضع تعويل واعتناء.

هذا ولئن صرح الترمذي باعتماده على البخاري وكتبه فيما يتعلق بالجامع، فإن كتابه "العلل الكبير" معتمد إلى حدّ بعيد على البخاري.

وكذا "العلل الصغير" فإنه لا يخلو من نقل عن البخاري، واعتماده عليه، واستشهاد به وبكلامه.

وثمة ناحية مهمة تتصل بشخصية الترمذي لها تعلق فيما نحن فيه ألمحت إليها السطور القلية الماضية، وهي ما كان عليه أبو عيسى من مجالسة كبار العلماء وجهابذة الفن والأئمة النقاد في هذا الشأن لاسيما شيخه البخاري، ومناقشتهم في شؤون العلم مما يبرهن على جده

1 هو أبو حامد الأعمش، تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/70 والبداية والنهاية 11/26 وهدي الساري/488.

ص: 143

وإخلاصه وعلمه وتمكنه ومثابرته.

فالترمذي أحد أفرادٍ قلائلَ أدركوا أهمية المناظرة ومزاياها ونتائجها الحسنة في تلقيح العقول، وتثبيت المعلومات وتنشيط الأذهان، وشحذ الأفكار، وحصول الملكات ورسوخها، وتحرك الهمم نحو الغايات الحميدة، وغير ذلك. فأقبل على مذاكرة الشيوخ وأكب على مباحثتهم ومساءلتهم عما عنّ له من المشكلات العلميّة الدقيقة والخفيّة، حتى غدا ذلك سمة بارزة فيه.

قال ابن حبان: "كان أبو عيسى ممن جمع وصنف وذاكر وحفظ".

ومن هنا فلا ينبغي أن يمضي القارئ الكريم قبل أن يستحضر في مخيلته الإمام الترمذي ذلك المحدّث الدؤوب، وهو كتلة من الحيوية والنشاط ينقب ويبحث، ويتنقل بين المشايخ يستفيد منهم، ويناظرهم بوعي وفكر وحضور قلب وفهم وجودة وتصور.

وقد أحرز الترمذي بتلك السمة مكانة عالية ومنزلة سامية في نفوس شيوخه ومعلميه، فهذا شيخه البخاري –وقد امتدت إليه ظلال تلك المذاكرة بعظيم نفعها ووافر كسبها- لا يكتم تلميذه الترمذي مشاعره، وانطباعاته وتقديره، وامتنانه نحوه، فيبوح له بأن ما عاد عليه بتلك المناظرات يفوق ما أفاده هو به.

نقل الترمذي عن شيخه البخاري أنه قال له: "ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي".

هكذا استطاع الترمذي بقيمة ما ذاكر به أن ينتزع هذه الشهادة

ص: 144

العظيمة الغالية من شيخه البخاري، التي لا شك أنها كانت له نبراساً وزاداً على الطريق، وموجها ودافعاً قوياً إلى الأمام.

ولا أدلّ على ذلك من محافظته عليها وتمسكه واعتزازه بها؛ إذ كان يتحدث عنها فيقول: قال لي محمد بن إسماعيل ثم يذكرها.

وكيف لا يحرص عليها كل هذا الحرص وهي صادرة عن شيخه الذي عرف مكانته، وعلو كعبه، ورجاحة عقله.

وفي تقديري أن هذه الشهادة التي تتجلى بها مكانة الترمذي تأتي على رأس ما حظي به من ثناء على مرّ العصور، فلقد زاد من قيمة هذه الشهادة كونها من البخاري إمام العلماء وعلم الأئمة.

ولا تتصوّر أن الترمذي الذي ناظر شيخه وذاكره كان مقلداً له لم يكن له رأي مستقل به، بل أنه وافقه، وخالفه، واجتهد في المسائل على ضوء ما يظهر له منها، ولا أدل على هذا القول من الحديث الثاني إذ يرى الترمذي اختلاف الرواة فيه موجباً لاضطرابه فيسأل عنه الحافظ الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن: أي الروايات فيه أصحّ؟ إلا أن الدارمي على جلالة قدره يتوقف، ولم يبد رأيه بترجيح أو غيره.

ويسأل عنه شيخه البخاري؟ فكان موقفه أولا يشبه تماماً موقف الدارمي، ثم أدّاه اجتهاده، فاختار إحدى الروايات ووضعها في كتابه "الجامع الصحيح".

أما الترمذي فإنه –بما توفر له من أدلة- خالف اجتهاد شيخه فرجح

ص: 145

رواية غير تلك التي رجحها شيخه.

وإذا كان الواجب يقتضينا أن نهتبل هذه الفرصة وننتهزها فلا ندعها تمر من غير أن نستخلص منها عبرة أو فائدة؛ فإن مما يؤكد عليه ما كان عليه بعض التلاميذ آنذاك من الحرص على الفائدة والعون لأساتذتهم في مهمتهم على الطريق؛ والسبب في فتح آفاق جديدة عليهم في عالم العلم والمعرفة وما كان يتحلى به أولئك الأساتذة العظام وهم أئمة عصرهم من تواضع جمّ، وإنصاف عجيب، وتشجيع لا يقف عند حدّ، ساعد على دفع عجلة العلم نحو التقدم والازدهار.

وإن هذا الموقف المشرق ليذكرنا بموقف مشرق مثيله وما أكثرها تلك المواقف الجميلة التي بين المشايخ وطلابهم مما يدّل على مدى الترابط والتلاحم، والحب، والألفة، والنية الصادقة المخلصة، مما يصلح أن يكون لنا مثلا يحتذى، وعدة في مسيرتنا ونهضتنا العلمية، وسط ما يحيط بها من عواصف ويكتنفها من غياهب.

هذا الموقف المشابه كان بين ابن عيينة وتلميذه ابن المديني فقد روى أن ابن عيينة قال في حق تلميذه ابن المديني: "يلومونني على حبّ علي والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني".

وكذا روى عن يحيى بن سعيد القطان وهو من شيوخ علي بن المديني أيضاً أنه قال فيه: "أنا أتعلّم من علي أكثر مما يتعلّم مني".

ولا ننسى أن علي بن المديني الذي حصل على هذا الثناء الرفيع والتقدير العظيم هو أحد شيوخ البخاري الذين أثّروا فيه، والذين سار

ص: 146

على نهجهم وارتسم خطاهم، وهو الذي قال لمن أخبره بقول البخاري:"ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني""دع قوله هو ما رأى مثل نفسه".

ومما يتصل بما تقدّم من شهادة البخاري لتلميذه الترمذي ما سجله الترمذي معتزاً به من تكريم شيخه له في سماعه حديثين1 منه.

فقد صرّح الترمذي في "مناقب علي" بعد إخراجه لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "يا علي لا يحلّ لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك". بقوله: "سمع مني محمد بن إسماعيل –يعني البخاري- هذا الحديث". وكذلك صرّح عند حديث ابن عباس في تفسير قول الله عز وجل:

{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا}

من سورة الحشر2 فكفى بهذا منقبة عظيمة للترمذي وتوثيقاً له ونبلا وثناء عليه أن يأخذ شيخه البخاري عنه، ويكون أحد الرواة عنه.

قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": "وقد سمع من أبي عيسى: أبو عبد الله البخاري وغيره".

وقال ابن العماد في "شذرات الذهب": "سمع منه شيخه البخاري وغيره".

وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "وروى عنه غير واحد من

1 وهذا خلاف ما جاء في "البداية والنهاية" 11/67 و"مقدمة سنن الترمذي"/83 من أن البخاري سمع من الترمذي حديثاً واحداً.

2 آية: 5

ص: 147

العلماء منهم محمد بن إسماعيل البخاري في الصحيح".

هكذا والصواب "في خارج الصحيح" لأن البخاري لم يرو عن الترمذي في الصحيح1 فلعله سهو، أو سبق قلم من ابن كثير، أو أن كلمة "خارج" سقطت في الكلام.

وقد نقل كلام ابن كثير هذا بعض الأفاضل من المعاصرين ولم يتنبه له2.

هذا وقد صحب الترمذي شيخه البخاري، ولازمه فترة من الزمن، أفاد منه بجانب تلك العلوم والمعارف الحديث وفقهه.

قال صلاح الدين الصفدي: "وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله البخاري".

وقال الذهبي: "وتفقه في الحديث بالبخاري".

وعن بدء صلة الترمذي بالبخاري ولقيه له فالذي استظهره الدكتور نور الدين عتر أن لقيا الترمذي للبخاري كانت في المدة التي استقر فيها البخاري بنيسابور، حيث عاد من رحلاته، وهي مدة تقدر بخمس سنوات إذ أقام في نيسابور من سنة خمسين ومئتين إلى سنة خمس وخمسين ومئتين. وقد أشار الدكتور العتر في أعقاب ذلك إلى أن هذه الفائدة التاريخية

1 انظر: "تقريب التهذيب" لابن حجر فقد علم على ترجمة الترمذي بـ "تمييز" وهي كلمة يذكرها ابن حجر –كما بين في مقدمة كتابه المذكور/7- لمن ليست له عند الأئمة الستة رواية إشارة إلى أنه ذكر ليتميز عن غيره.

2 انظر: "الحديث والمحدثون"/360 للشيخ محمد أبي زهو.

ص: 148

القيمة ذكرها الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" وأنه تفرد بها. فمن ذلك التاريخ ارتبط اسم الترمذي باسم البخاري وعرف به، وكانت صلته به –رغم أنها جاءت متأخرة حيث لم تبدأ في بواكير حياة الترمذي- وثيقة، ومكانته في نفسه كبيرة، واستفادته منه جمّة وتأثّره به عظيم.

فإذا علمنا من سيرة الإمام البخاري العلم، والحفظ، والفضل، والزهد والورع، والخشية، والخشوع لله عز وجل، والمهابة، والخوف منه، فإننا نرى الإمام الترمذي قد التزم نهج شيخه هذا وسار على منواله فكان –بحق- خير من خلفه في جميل هذه الصفات واحتل مكانه بعد وفاته في كريم تلك الخصال قال الحافظ عمر بن علك:"مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمي وبقي ضريراً سنين".

تلاميذه:

روى عن أبي عيسى خلق كثير فيهم علماء أجلاء اقتصرت المصادر على ذكر بعضهم، وهم أشهرهم. ومن هؤلاء:

أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي، والهيثم ابن كليب الشاشي صاحب المسند، ومكحول بن الفضل، ومحمد بن محمود ابن عنبر، وحماد بن شاكر الوراق، وعبد بن محمد بن محمود النسفيون، وأبو حامد أحمد بن عبد الله بن داود المروزي التاجر، ومحمد بن المنذر بن سعيد الهروي، وأبو الحارث أسد بن حمدويه، ومحمد بن سهل الغزال، وداود بن نصر بن سهيل البزدوي، وأحمد بن علي بن حسنويه، وبكر بن

ص: 149

محمد الدهقان، وأبو النصر الرشاوي، وأبو علي بن الحرب الحافظ.

هذا وسأكتفي بالترجمة لاثنين من هؤلاء الرواة هما: أبو العباس المحبوبي راوي "كتاب الجامع" عنه، والهيثم بن كليب الشاشي راوي "كتاب الشمائل" عنه.

أبو العباس المحبوبي:

قال السمعاني في "الأنساب"1: "المحبوبي -بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وضم الباء الموحدة في آخرها باء أخرى بعد الواو- هذه النسبة إلى محبوب وهو اسم لجد المنتسب إليه، واشتهر بهذه النسبة أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي التاجر من أهل مرو، كان شيخ أهل الثروة من التجار بخراسان".

وترجم له الذهبي في كتابه "العبر في خبر من غبر"2 في وفيات سنة ست وأربعين وثلاثمئة (346?) ، وتبعه العماد في "شذرات الذهب"3، فقال: "وفيها (توفي) أبو العباس المحبوبي محمد بن أحمد بن محبوب المروزي محدّث مرو، وشيخها، ورئيسها في رمضان وله سبع وتسعون سنة.

روى جامع الترمذي عن مؤلفه، وروى عن سعيد بن منصور صاحب النضر بن شميل وأمثاله".

1 ورقة/511 وانظر: اللباب في تهذيب الأنساب 3/173.

2 2/272.

3 2/373.

ص: 150

الهيثم بن كليب الشاشي:

قال السمعاني في "الأنساب"1: الشاشي -بالألف الساكن بين الشينين المعجمتين- هذه النسبة إلى مدينة وراء نهر سيحون يقال لها الشاش، وهي من ثغور الترك خرج منها جماعة كبيرة من أئمة المسلمين ذكر منهم الهيثم بن كليب الشاشي فقال:"أبو سعيد الهيثم ابن كليب بن شريح معقل الشاشي الأديب كان أصله من مرو قدم بخارى وحدّث بها في سنة أربع وثلاثين وثلاثمئة، (روى) عن: عيسى ابن أحمد العسقلاني، وإسحاق بن إبراهيم ابن جبلة الترمذي، وأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، والعباس بن محمد الدوري، وجماعة من أهل العراق. روى عنه: جماعة كثيرة منهم أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي، وأبو الفضل منصور بن نصر ابن بنت الكاغدي السمرقندي".

وانصرف إلى الشاش ومات بها في سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة (335?)، وأورده الذهبي في "تذكرة الحفاظ"2 فقال: "الحافظ المحدّث الثقة

محدّث ما وراء النهر ومؤلف المسند الكبير".

1 8/13 وانظر: اللباب في تهذيب الأنساب 2/174.

2 3/848 وانظر: العبر في خبر من غبر 2/242. وشذرات الذهب 2/342. والأعلام للزركلي 9/115. ومعجم المؤلفين 13/156.

ص: 151

مكانة الترمذي العلميّة:

بلغ الترمذي بسبب عوامل عدة شأوا بعيداً ومدى واسعاً بوأه مكاناً عالياً، ولقبا رفيعاً، وأسلمه زمام الإمامة في الحديث حتى أصبح –كما قال السمعاني-:"إمام عصره بلا مدافعة".

فإن إلقاء نظرة على بعض شيوخ الترمذي الذين اعتنى بلقبهم والأخذ عنهم والاقتباس منهم نجدهم من كبار الأئمة الذين انتهت إليهم الرئاسة في العلم والتعليل، وأشير إليهم بالأصابع في الحفظ وعلو المرتبة.

وإن إدراكاً لزمن الترمذي "القرن الثالث الهجري" نجده من أزهى عصور العلم وأبهجها.

وإن تأملا في بلدته "ترمذ" التي نشأ فيها وتلك البلدان الأخرى التي حولها نجدها من حواضر العلم والمعرفة الغاصة بفحول العلماء والمحدثين، حتى إنه كان يطلق على بلدته تلك "مدينة الرجال"؛ لما أنجبته من العلماء العظام في شتى العلوم والفنون.

فهذا الذي ذكر مع ما رزقه الله من استعداد فطري ونفسي، وصلاح وتقوى، وتفتح ووعي، وهمة عالية في طلب العلم لا تعرف الكلل ولا الملل، ولا تفرق بين الحضر والسفر كما سيأتي، وحركة دائبة متمثلة في رحلاته الواسعة وتنقله بين أعيان المشايخ جرياً وراء الفائدة، مكّنه من النبوغ في العلم والرسوخ في الحديث حتى بذَّ الأقران وتقدمهم وصار القدوة في الحديث وعلله.

قال الحافظ العالم أبو سعيد الإدريسي: "محمد بن عيسى بن سورة

ص: 152

الترمذي الحافظ الضرير أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث

".

وقال ابن العماد: "

كان مبرزاً على الأقران".

حفظه وذكاؤه:

لعله يأتي في مقدمة تلك العوامل التي أوصلت الترمذي إلى تلك الغاية ما آتاه الله من قوة الذاكرة وما منحه من شدة الحفظ والضبط، حتى كان مضرب المثل في ذلك فلقب بالحافظ ونظم في سلك الحفاظ، وهي مرتبة صعبة المرتقى عسيرة المنال لا يتطاولها كل أحد ولا يصل إليها كل إنسان إلا من وهبه الله مثل ما وهب أبا عيسى الترمذي، من صفاء ذهني وحافظة واعية.

قال ابن الأثير في "جامع الأصول

": "هو أحد العلماء الحفاظ الأعلام".

وقال ابن العماد: "كان مبرزاً على الأقران، آية في الحفظ والإتقان".

أصغ إليه وهو يتحدث عن تلك الخصلة فيه –فيما نقله المقدسي عنه- في قصته مع الشيخ الذي لقيه بطريق مكة واختبر حفظه وهي قصة عجيبة تدل على عظم ما كان يتمتع به أبو عيسى من براعة الحفظ وسعته حتى عدّ من أفراد الحفاظ المشهورين.

كما تدل على أنه كان على صلة وثيقة بالعلم لا يكاد ينفك عنه في حله وترحاله.

ص: 153

قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: "أخبرنا الحسن بن أحمد أبو محمد السمرقندي مناولة أنبأنا أبو بشر عبد الله بن محمد بن محمد ابن عمرو حدثنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الحافظ قال:

محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ الضرير، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث صنف كتاب الجامع، والتواريخ، والعلل، تصنيف رجل عالم متقن كان يضرب به المثل في الحفظ".

قال الإدريسي: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحارث المروزي الفقيه يقول: سمعت أحمد بن عبد الله بن داود المروزي يقول: سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول: "كنت في طريق مكة وكنت قد كتبت جزئين من أحاديث شيخ فمرّ بنا ذلك الشيخ فسألت عنه؟ فقالوا: فلان، فذهبت إليه وأنا أظن أن الجزئين معي، وحملت معي في محملي جزئين كنت طننت أنهما الجزءان اللذان له فلما ظفرت به، وسألته أجابني إلى ذلك (أخذت الجزئين فإذا هما بياض فتحيرت فجعل الشيخ يقرأ علي من حفظه ثم ينظر إلي1" فرأى البياض في يدي فقال أما تستحي مني؟ قلت: لا. وقصصت عليه القصة، وقلت: أحفظه كله. فقال: اقرأ فقرأت جميع ما قرأ علي على الولاء، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن يجيئني، فقلت: حدثني بغيره فقرأ علي أربعين حديثاً من

1 هذه الزيادة من مخطوطة "شروط الأئمة الستة" نقلا من مقدمة "سنن الترمذي" لأحمد شاكر.

ص: 154

غرائب حديثه، ثم قال: هات اقرأ فقرأت من أوله إلى آخره كما قرأ ما أخطأت في حرف. فقال لي: "ما رأيت مثلك".

ثناء العلماء عليه:

الإمام الترمذي إمام واسع العلم، واسع الحفظ، واسع الشهرة، تردد اسمه في ميدان الحديث فكان له المعرفة التامة به رواية وفقهاً وعللا ورجالا، حتى عده الإمام الذهبي من علماء الجرح والتعديل المتسمحين، انعقد الإجماع على توثيقه وتقديره وأمانته، والتقت الكلمة على الشهادة له بالعلم، والفقه، والحفظ، والإتقان، وناهيك الإمامة في هذا الشأن والأسوة فيه.

قال الحافظ أبو سعيد الإدريسي: "محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ الضرير أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث صنف كتاب الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن يضرب به المثل في الحفظ".

وقال أبو يعلى الخليلي في كتابه "علوم الحديث": "محمد بن عيسى ابن سورة بن شداد الحافظ متفق عليه

وهو مشهور بالأمانة، والإمامة، والعلم".

وإذا تجاوزنا عصر الأئمة الكبار من سلف أهل الحديث إلى من بعدهم من الحفاظ فإننا نجد الحافظ الذهبي يقرر ما قاله أبو يعلى الخليلي فيه فيقول في "ميزان الاعتدال": "محمد بن عيسى بن سورة الحافظ العلم أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع ثقة مجمع عليه".

ص: 155

وقال المزي في "تهذيب الكمال": "أحد الأئمة الحفاظ المبرزين ومن نفع الله به المسلمين".

وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": "وهو أحد العلماء الحفاظ الأعلام وله في الفقه يد صالحة".

وأما ابن حزم1 فإنه لا شك جازف حين خالف ذلك الإجماع

1 هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أبو محمد الظاهري الفقيه الحافظ صاحب التصانيف. ولد بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمئة (384?) ومات سنة ست وخمسين وأربعمئة (456?) قال ابن حجر في "لسان الميزان" 4/198 في ترجمته وهي مما زاده على الذهبي في "ميزان الاعتدال":

كان واسع الحفظ جداً إلا أنه لثقته بحافظته (في اللسان: لثقة حافظته) كان يهجم على القول (في اللسان: كالقول) في التعديل والتجريح (في اللسان: التخريح) وتبين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة، وقد تتبع كثيراً منها الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري من "المحلى" خاصة وسأذكر منها أشياء (ذكرها في ختام ترجمته) ونقل عن الحميدي أنه قال: كان حافظاً للحديث مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة متفنناً في علوم جمة عاملا بعلمه ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ والتدين وكرم النفس وكان له في الأثر باع واسع، وما رأيت من يقول الشعر أسرع منه، وقد جمعت شعره على حروف المعجم. وقد تتبع أغلاطه في الاستدلال والنظر عبد الحق بن عبد الله الأنصاري في كتاب سماه "الرد على المحلى". وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان: "كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه ونسب وأدب مع مشاركة في أنواع التعاليم القديمة وكان لا يخلو في فنونه من غلط لجرأته في الصيال (في اللسان: السوال) على كل فن

ولم يكن مع ذلك سالماً من اضطراب رأيه". وانظر في مصادر ترجمته: جذوة المقتبس 1/290، بغية الملتمس في تاريخ الأندلس/415، تذكرة الحفاظ 3/1146، الصلة 1/395.

ص: 156

على توثيق أبي عيسى فحكم عليه بالجهالة فقال في كتاب الفرائض من كتاب "الإيصال": "محمد بن عيسى بن سورة مجهول". وقال في "محلاه": "ومن محمد بن عيسى بن سورة؟ ".

وقد أنكر عليه العلماء ولم يقبلوا حكمه هذا ولم يعتبروه، بل كان سبباً في الحط من مكانته عند الحفاظ.

فقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" في ترجمة الترمذي –ويبدو أنه أورده فيه من أجل قول ابن حزم هذا إلا أنه لم يقره عليه، ونبه على عدم الالتفات إليه كما سوف تعرف-:"الحافظ العلم أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع ثقة مجمع عليه، ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم فيه في الفرائض من كتاب "الإيصال" أنه مجهول

".

وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "وجهالة ابن حزم لأبي عيسى لا تضره، حيث قال في "محلاه": "ومن محمد بن عيسى بن سورة؟ " فإن جهالته لا تضع من قدره عند أهل العلم، بل وضعت منزلة ابن حزم عند الحفاظ.

وكيف يصحّ في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل".

وقال ابن حجر "في تهذيب التهذيب": "وأما أبو محمد بن حزم فإنه نادى على نفسه بعدم الاطلاع فقال في كتاب الفرائض من

ص: 157

"الإيصال"1: "محمد بن عيسى بن سورة مجهول".

قال ابن حجر معترضاً على من اعتذر له كالذهبي بأنه ما عرفه ولا درى بوجود الجامع والعلل التي له: "ولا يقولن قائل: لعله ما عرف الترمذي ولا اطلع على حفظه ولا على تصانيفه. فإن هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين من الثقات الحفاظ كأبي القاسم البغوي2، وإسماعيل بن محمد الصفار3، وأبي العباس

1 في "تهذيب التهذيب""الاتصال" وهو تصحيف وكتابه "الإيصال" هذا ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة ابن حزم فقال: "وقد صنف كتاباً كبيراً في فقه الحديث سماه "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع" أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم والحجة لكل قول وهو كبير جداً".

2 هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان أبو القاسم البغوي الأصل البغدادي ابن بنت أحمد بن منيع، ولد في رمضان سنة أربع عشرة ومئتين (214?) قال أبو بكر الخطيب:"كان ثقة ثبتاً مكثراً فهماً عارفاً". وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ الثقة الكبير مسند العالم" توفي ليلة عيد الفطر سنة سبع عشرة وثلاثمئة (317?) . تاريخ بغداد 10/111. تذكرة الحفاظ 2/737. وأنظر في مصادر ترجمته: ميزان الاعتدال 2/492. لسان الميزان 3/338. اللباب في تهذيب الأنساب 1/164.

3 قال ابن حجر في ترجمته في "لسان الميزان" 1/432: "إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن صالح بن عبد الرحمن الصفار الثقة الإمام النحوي المشهور. حدّث عن الحسن ابن عرفة وأحمد بن منصور الزيادي والكبار وانتهى إليه علو الإسناد. روى عنه الدارقطني وابن مندة والحاكم ووثقوه وآخر من حدّث عنه بجزء ابن عرفة أبو الحسن بن مخلد عبد الرحمن سمعنا من حديثه جملة بعلو، ولم يعرفه ابن حزم فقال في "المحلى": إنه مجهول. وهذا هو رمز ابن حزم يلزم منه ألا يقبل قوله في تجهيل من لم يطلع هو على حقيقة أمره، ومن عادة الأئمة أن يعبروا في مثل هذا بقولهم: لا نعرفه أو لا نعرف حاله وأما الحكم عليه بالجهالة بغير زائد لا يقع إلا من مطلع عليه أو مجازف. مات الصفار سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة (341?) في المحرم وقد جاوز التسعين بأربع سنين. قال الدارقطني: "صام إسماعيل الصفار أربعة وثمانين رمضاناً وكان قد صحب المبرد واشتهر بالأخذ عنه وكان له نظم مقبول رحمه الله تعالى". وانظر في مصادر ترجمته: معجم الأدباء 7/33. بغية الوعاة 1/554.

ص: 158

الأصم1 وغيرهم2 والعجب ابن الحافظ ابن الفرضي3 ذكره في كتابه

1 هو محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم النيسابوري أبو العباس الأصم، ولد سنة سبع وأربعين ومئتين (247?) قال ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/70 "كان ثقة أميناً" وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/860 "الإمام المفيد الثقة محدّث المشرق" توفي في ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثمئة (346?) .

2 وبناء على اطلاق ابن حزم هذه العبارة على أولئك المشهورين فقد ألحق السخاوي ابن حزم بأئمة الجرح والتعديل المتسمحين. انظر: فتح المغيث للسخاوي 3/325.

3 هو عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي الأندلسي القرطبي أبو الوليد المعروف بابن الفرضي قال ابن خلكان: "كان فقيها عالماً في فنون من العلم: الحديث وعلم الرجال والأدب البارع وغير ذلك وله من التصانيف: "تاريخ علماء الأندلس" وهو الذي ذيّل عليه ابن بشكوال بكتابه الذي سماه "الصلة" وله كتاب حسن في "المؤتلف والمختلف" وفي "مشتبه النسبة" وكتاب في أخبار شعراء الأندلس وغير ذلك. ورحل من الأندلس إلى المشرق في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمئة فحج وأخذ عن العلماء وسمع منهم وكتب من أماليهم. وكان مولده في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثلاثمئة (351?) وتولى القضاء بمدينة بلنسية وقتله البربر يوم فتح قرطبة وهو يوم الاثنين لست خلون من شوال سنة ثلاث واربعمئة (403?) رحمه الله تعالى". وقال فيه الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ الإمام الحجة

صاحب تاريخ الأندلس". وفيات الأعيان 3/105-106. تذكرة الحفاظ 3/1076.

ص: 159

"المؤتلف والمختلف" ونبه على قدره فكيف فات ابن حزم الوقوف عليه فيه! ".

مؤلفاته:

كان أبو عيسى الترمذي –كما قال ابن حبان- ممن جمع وصنّف. فألّف مؤلفات كثيرة قيّمة أسهم بها في تدوين السنّة وعلومها؛ ذاع صيتها؛ وأضحى بها محل إعجاب وثناء العلماء؛ لما حوته من علم نافع؛ واتصفت به من دقّة وإتقان تشهد له بالتفوّق العلمي وتنبئ عن قدره وتنطق بإمامته.

ولا ريب أن الترمذي لو لم يؤلف غير كتابه "الجامع" الذي عرف به لكفى بالإشادة به والدلالة على إمامته فهو –كما ذكر ابن كثير- أحد الكتب الستة التي يرجع إليها العلماء في سائر الآفاق. فالترمذي يعتبر بحق أحد بناة النهضة الحديثيّة المباركة في عصره وممن ساهم فيها بسهم وافر وحظ كبير نعيش نحن اليوم خيرها وعطاءها الممتد إلى يومنا هذا، والمتمثل

ص: 160

في تلك الآثار العظيمة التي خلفها أساطين العلم كالبخاري والترمذي وغيرهما، نقطف منها ثماراً يانعة ونجني منها علوماً ومعارف نافعة، وسيظل هذا الخير يتدفق وهذا العطاء يمتد بإذن الله إلى ما قدره الله عز وجل له.

هذا وفيما يلي قائمة بمؤلفات الترمذي التي تركها والتي وصل إلينا خبرها ثم تعريف بالموجود منها مما وقفت عليه تعريفاً موجزاً سواء كان مطبوعاً أو مخطوطاً.

الجامع: طبع عدة مرات بمصر والهند وعليه شروح كثيرة مطبوعة ومخطوطة فمن الأولى: "عارضة الأحوذي" للقاضي أبي بكر العربي، و"تحفة الأحوذي" للمباركفوري. ومن الثانية: شرح ابن سيّد الناس وتكملته للعراقي و"قوت المغتذي" للسيوطي1

الشمائل النبوية والخصال المصطفوية، المعروف بـ"شمائل الترمذي" طبع مرات في عدة أمكنة منها مصر، والهند، وفاس والآستانة. وعليه شروح كثيرة سنعرّج على بعضها فيما بعد.

كتاب "العلل الكبير" أو "االعلل المفرد".

كتاب "العلل الصغير".

كتاب "الزهد".

1 انظر في شروح "جامع الترمذي""تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان 3/190 وما بعدها. و"تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/243 وما بعدها و"كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" 1/559 و"مقدمة تحفة الأحوذي".

ص: 161

كتاب "الأسماء والكنى"1.

كتاب "التاريخ"2.

كتاب "الصحابة"3.

"كتاب في الجرح والتعديل"4

"الثلاثيات"5

1 كتاب "االزهد"، وكتاب "الأسماء والكنى" ذكرهما ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 9/389 فقال:"ولأبي عيسى كتاب الزهد مفرد لم يقع لنا وكتاب الأسماء والكنى". وانظر: "تدريب الراوي"/516.

2 ذكره ابن نديم في "الفهرست"/233 وانظر: "تدريب الراوي"/516 و"الأعلام" للزركلي 7/213

3 ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" 11/66 وقد وصل إلينا باسم "تسمية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخطوط في مكتبة لاله لى بتركيا تحت رقم (2089) ويقع في إحدى عشرة ورقة وتاريخ نسخه القرن السابع الهجري. "تاريخ التراث العربي" لسزكين (1/251) .

كما ذكر سزكين أيضاً وجود نسخة أخرى منه مخطوطة في مكتبة شهيد علي بتركيا تحت رقم (2840/1) تقع في 16 ورقة وتاريخ نسخها سنة 736?. "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/251

4 ذكره ابن كثير في "البداية النهاية" 11/66 نقلا عن أبي يعلى الخليلي، وأقول: لعله يريد به كتاب "العلل الصغير" الذي ملحق بجامع الترمذي فإنه مشتمل على حرج وتعديل كثير.

5 مخطوط في مكتبة "أياصوفيا" بتركيا تحت رقم (7882) ويقع في ورقتين. "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/245.

ص: 162

"الرباعيات في الحديث"1

"العشاريات"2

كتاب "الموقوف"3

1 ذكره البغدادي في "هدية العارفين" 2/19 والكتاني في "الرسالة المستطرفة"/98 وهو مخطوط في مكتبة جار الله بتركيا تحت رقم (282) يقع في 23 ورقة تاريخ نسخه سنة 758? "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/245.

2 ذكره الكتاني في "الرسالة المستطرفة"/98.

3 أشار إليه المؤلف في "العلل الصغير" الذي في آخر كتابه الجامع فإنه بعد أن ذكر أسانيده في نقل مذاهب الفقهاء مجملة قال: "وقد بينا هذا على وجهه في الكتاب الذي فيه الموقوف".

قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"/58: "اعلم: أن أبا عيسى رحمه الله ذكرفي هذا الكتاب (يعني الجامع) مذاهب كثيرة من فقهاء أهل الحديث المشهورين كسفيان، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق

ولم يذكر أسانيد أكثر ذلك فذكر هنا أسانيده مجملة، وإن كان لم يحصل بها الوقوف على حقيقة أسانيد ذلك، حيث ذكر أن بعضه عن فلان وبعضه عن فلان ولم يبيّن ذلك البعض ولم يميّزه وقد ذكر أنه بيّن ذلك على وجهه في كتابه الذي فيه الموقوف، وكأنه رحمه الله له كتاب مصنف أكبر من هذا، فيه الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة مذكورة كلها بالأسانيد، وهذا الكتاب وضعه للأحاديث المرفوعة وإنما يذكر فيه قليلا من الموقوفات".

وقال المباركفوري في شرحه للعلل الصغير المسمى "شفاء الغلل في شرح كتاب العلل" في آخر "تحفة الأحوذي" 10/466 "هو كتاب للترمذي رحمه الله جمع فيه الأحاديث الموقوفة".

ص: 163

"رسالة في الخلاف والجدل والتاريخ"1.

وفاته:

اختلف في تاريخ ومكان وفاة الترمذي.

فالمشهور الذي اعتمده الأكثرون في ذلك هو ما قاله الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سليمان غنجار (337-412?) ، في "تاريخ بخارى"2. والحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز المستغفري3 (بعد الخمسين وثلاثمئة- 432?) ، والحافظ هبة الله بن علي ابن هبة الله بن ماكولا4 (421?-486?) والحافظ الرشاطي5 (466-542?) وغيرهم.

1 هكذا ذكرها عمر رضا كحالة في "معجم المؤلفين" 11/105 وذكرها حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" 1/863 باسم "رسالة في الخلاف والجدل" من غير كلمة "التاريخ" وقال: أولها: "الحمد لله مسبب الأسباب، هذا مختصر في فقه جدل الإعراب لإظهار الصواب فصلته اثني عشر فصلاً".

2 انظر: البداية والنهاية 11/67 والتبصرة والتذكرة 3/255 وفتح المغيث للسخاوي 3/309.

3 انظر: تهذيب الكمال 7/ورقة 628 وتهذيب التهذيب 9/387 والتبصرة والتذكرة 3/255 وفتح المغيث للسخاوي 3/309.

4 انظر: التبصرة والتذكرة 3/255 وفتح المغيث للسخاوي 3/309.

5 انظر: فتح المغيث للسخاوي 3/309.

ص: 164

إنه توفي بـ"ترمذ" ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من رجب سنة تسع وسبعين ومئتين (279?)

وقال السمعاني في الأنساب في مادة "الترمذي"، وتبعه ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب":"توفي بقريته" بوغ "سنة نيف وسبعين ومئتين إحدى قرى ترمذ". وقال في مادة "البوغي" وتبعه ابن الأثير أيضاً "مات بقرية بوغ سنة 275?".

قال أحمد شاكر: "وياقوت قلد السمعاني في الأولى، وابن خلكان قلده في الثانية".

هكذا قال والواقع أن ابن خلكان لم يقلد السمعاني، بل أنه حكى قول السمعاني هذا بعد ما ذكر وفاته على قول الجمهور.

وأما ما قاله أبو يعلي الخليلي القزويني أنه مات بعد الثمانين ومئتين فقد رده العلماء. فقال ابن كثير بعد أن نقله: "كذا قال في تاريخ وفاته".

وختم ابن كثير ترجمة الترمذي من "البداية والنهاية" بقوله: "ثم اتفق موته في بلده منها (يعني من سنة 279? التي أرخه فيها) على الصحيح المشهور".

وقال العراقي: في التبصرة والتذكرة1:"وأما قول الخليلي في "الإرشاد" أنه مات بعد الثمانين ومئتين فقاله على الظن وليس

1 3/255-256.

ص: 165

بصحيح".

وقال السخاوي: في فتح المغيث1:"وقول الخليلي في "الإرشاد" أنه مات بعد الثمانين ظن منه لأن النقل بخلافه".

وقال السيوطي: في تدريب الراوي2: "قال الخليلي: بعد الثمانين وهو وهم".

1 3/319.

2 /516.

ص: 166

التعريف بكتاب "الجامع" للإمام الترمذي

ويشمل:

اسمه.

شرط الإمام الترمذي فيه.

رتبته بين كتب السنة المشرفة.

مكانته عند العلماء.

ص: 167

1-

"جامع الإمام الترمذي"

اشتهر هذا الكتاب بنسبته إلى مؤلفه فيقال: "جامع الترمذي"، ويقال له أيضاً:"سنن الترمذي"1. والأوّل أشهر وأكثر استعمالا.

وأطلق عليه بعضهم لفظ "الصحيح"2 فسماه الحاكم: "الجامع الصحيح"3. وسماه الخطيب "صحيح الترمذي".

وهذا تساهل منهما؛ لأن فيه الصحيح والحسن والضعيف والمنكر4، ولا أدلّ على بطلان هذا الإطلاق من كون الترمذي نفسه قد صرّح في "سننه" بتضعيف كثير من الأحاديث، وكشف عن عللها. فكيف يصحّ أن يوصف كتابه بالجامع الصحيح أو يحكم على كل حديث فيه بأنه حسن؟ 5.

كما أطلق عليه ابن الأثير6 المؤرخ وغيره7 اسم "الجامع الكبير".

1 في الرسالة المستطرفة/11 ويسمّى بالسنن أيضاً خلافاً لمن ظن أنهما كتابان.

2 انظر: تدريب الراوي/95.

3 وكذا سماه حاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/559 والبغدادي في "هدية العارفين" 2/19.

4 انظر: اختصار علوم الحديث لابن كثير مع شرحه الباعث الحثيث/31.

5 انظر: دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني/5.

6 الكامل في التاريخ 6/75.

7 انظر: الرسالة المستطرفة/11 والأعلام للزركلي 7/213.

ص: 169

وقد ألّف الترمذي كتابه هذا على أبواب الفقه، وخرّج فيه الأحاديث الكثيرة، وبيّن درجتها من الصحّة، أو الحسن، أو الضعف مع بيان وجه الضعف، وتكلم في الرجال والأسانيد وكشف عن عللها، وذكر عقب كل مسألة مذاهب العلماء من الصحابة، والتابعين، وآراء فقهاء الأمصار، وشارك برأيه بالترجيح فيما يحتاج إلى ترجيح، وإذا كان في الباب أحاديث أخرى يصحّ إيرادها فيه فإنه ينبه عليها، ويشير إليها بذكر من رواها من الصحابة رضوان الله عليهم، فيقول:"في الباب عن فلان وفلان فيعدد جماعة من الصحابة".

قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"1 "اعلم أن الترمذي رحمه الله خرّج في كتابه الحديث الصحيح والحديث الحسن –وهو ما نزل عن درجة الصحيح وكان فيه بعض ضعف-، والحديث الغريب والغرائب التي خرّجها فيها بعض المناكير، ولاسيما في "كتاب الفضائل"، ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه، ولا أعلمه خرّج عن متهم بالكذب متفق على اتهامه: حديثاً بإسناد منفرد، إلا أنه قد يخرّج حديثاً مختلفاً في إسناده وفي بعض طرقه متهم".

وعلى هذا الوجه: خرّج حديث محمد بن سعيد المصلوب2، ومحمد

1 /292.

2 محمد بن سعيد بن حسان بن قيس، الأسدي، الشامي، المصلوب، ويقال له ابن سعيد بن عبد العزيز، أو ابن أبي عتبة، أو ابن أبي قيس، أو ابن أبي حسان، ويقال له ابن الطبري أبو عبد الرحمن، وأبو عبد الله، وأبو قيس، وقد ينسب لجده، وقيل إنهم قلبوا اسمه على مئة وجه ليخفى، كذبوه وقال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث وقال أحمد قتله المنصور على الزندقة وصلبه، من السادسة/ روى له الترمذي وابن ماجه. تقريب التهذيب 2/164.

ص: 170

ابن السائب الكلبي1، نعم. قد يخرّج عن سيء الحفظ وعمن غلب على حديثه الوهم، ويبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه، وقد شاركه أبو داود في التخريج عن كثير من هذه الطبقة مع السكوت على حديثهم كإسحاق2 ابن أبي فروة وغيره.

شروط الترمذي في كتابه:

وشرط الترمذي في كتابه "الجامع" واسع جداً، فإنه أخرج فيه من الأحاديث ما عمل به فقيه، أو تمسك به عالم، فقد قال في "العلل الصغير"3 الذي في آخر كتاب الجامع: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين

" الخ.

1 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.

2 إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي، مولاهم المدني متروك من الرابعة، مات سنة أربع وأربعين أي ومئة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. المصدر السابق 1/59.

3 / 43 بشرح ابن رجب الحنبلي.

ص: 171

وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه "شروط الأئمة الستة"1: "وأما أبو عيسى الترمذي رحمه الله فكتابه وحده على أربعة أقسام:

قسم صحيح مقطوع به وهو ما وافق فيه البخاري ومسلماً.

قسم على شرط الثلاثة2 دونهما.

قسم أخرجه للضدية وأبان علته ولم يغفله.

وقسم رابع أبان هو عنه فقال: "ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثاً قد عمل به بعض الفقهاء".

قال أبو الفضل ابن طاهر المقدسي: "وهذا شرط واسع فإن على هذا الأصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل، أخرجه سواء صحّ طريقه أو لم يصحّ، وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شفى في تصنيفه وتكلم على كل حديث بما يقتضيه" ا?.

وقد ذكر الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة"3: أن شرط الترمذي هو إخراج أحاديث الطبقة الرابعة من الرواة، وهم قوم لم تكثر ممارستهم لحديث شيوخهم، ولم يسلموا من غوائل الجرح، فهم بين الردّ والقبول، فأهل هذه الطبقة شاركوا أهل الطبقة الثالثة الذين هم شرط أبي

1 / 13.

2 يريد بهم: أبا داود والنسائي وابن ماجه.

3 / 44.

ص: 172

داود والنسائي كما بيّن الحازمي في الجرح والتعديل، وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث شيوخهم لقلة ملازمتهم لهم.

قال الحازمي1: "وفي الحقيقة شرط الترمذي أبلغ من شرط أبي داود؛ لأن الحديث إذا كان ضعيفاً أو مطلعه من حديث أهل الطبقة الرابعة، فإنه يبيّن ضعفه وينبه عليه، فيصير الحديث عنده من باب الشواهد والمتابعات، ويكون اعتماده على ما صحّ عند الجماعة.

وعلى الجملة فكتابه مشتمل على هذا الفن، فلهذا جعلنا شرطه دون شرط أبي داود" ا?.

رتبة جامع الترمذي:

وتختلف الآراء والأنظار في رتبة جامع الترمذي، هل يلي الصحيحين فيكون ثالث الكتب الستة أو أنه بين سنن أبي داود والنسائي فيكون رابعها أو أنه بعدها فيكون خامسها؟

ذهب إلى الأول حاجي خليفة في "كشف الظنون"2 فقال في الكلام عن جامع الترمذي: "هو ثالث الكتب الستة في الحديث".

وذهب إلى الثاني الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة"3، فإنه كما

1 شروط الأئمة الخمسة/ 44.

2 2/559.

3 / 44.

ص: 173

سبق أن بيّن سبب تأخر جامع الترمذي عن سنن أبي داود وهو اشتماله على حديث الطبقة الرابعة، فقال:"وعلى الجملة فكتابه مشتمل على هذا الفن فلهذا جعلنا شرطه دون شرط أبي داود".

وذهب إلى الثالث الذهبي فقال فيما نقله السيوطي1 عنه: "انتحلت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي؛ لإخراجه حديث المصلوب والكلبي وأمثالهما".

وانتصر المباركفوري2 ومن بعده الدكتور نور الدين عتر3 للقول بأن جامع الترمذي ثالث الكتب الستة وردّا على المخالف لذلك.

مكانة جامع الترمذي:

حظي "جامع الترمذي" على مرّ الدهور باستحسان العلماء وتقديرهم، فأشادوا به، وبينوا مزاياه وخصائصه التي ينفرد بها، وما اشتمل عليه من فوائد، وقد عرف مؤلفه قيمة كتابه فأثنى عليه.

نقل عن الترمذي أنه قال4 مبيناً قدر كتابه: "صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا

1 تدريب الراوي/99.

2 مقدمة تحفة الأحوذي/ 364.

3 الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين/ 62-63.

4 انظر جامع الأصول لابن الأثير 1/114 وتذكرة الحفاظ 2/634 وتهذيب التهذيب 9/389 وكشف الظنون 2/559.

ص: 174

به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم".

ومن مزايا جامع الترمذي ما أشار إليه عبد الله بن محمد الأنصاري فقد قال الحافظ أبو الفضل المقدسي1:"سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري2 بهراة، وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه فقال: "كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم؛ لأن كتابي البخاري ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كل أحد من الناس"3.

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد4: "الذي عندي أن الأقرب إلى التحقيق والأحرى على واضح الطريق أن يقال أن كتاب الترمذي تضمن الحديث مصنفاً على الأبواب وهو علم برأسه، والفقه

1 شروط الأئمة الستة/16.

2 ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ 3/1183 فقال: "شيخ الإسلام الحافظ الإمام الزاهد

الأنصاري الهروي من ذرية أيوب الأنصاري، ولد سنة ست وتسعين وثلاثمئة (396?) وسمع جامع أبي عيسى من عبد الجبار بن محمد الجراحي، وصنف كتاب منازل السائرين وأشياء وكان سيفاً مسلولا على المخالفين، وجذعاً في أعين المتكلمين وطوداً في السنة لا يتزلزل، وقد امتحن مرات. توفي في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمئة وقد جاوز أربع وثمانين سنة". وانظر الأعلام للزركلي 4/267.

3 وانظر: تذكرة الحفاظ 3/1189 والبداية والنهاية 11/67.

4 مقدمة تحفة الأحوذي/356 ورشيد بالتصغير

ص: 175

وهو علم ثان، وعلل الحديث. ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم وما بينهما من المراتب وهو علم ثالث، والأسماء والكنى وهو علم رابع، والتعديل والتجريح وهو علم خامس، ومن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه وهو علم سادس، وتعديد من روى ذلك الحديث وهو علم سابع.

هذه علومه المجملة، وأما التفصيلية فمتعددة، وبالجملة فمنفعته كثيرة وفوائده غزيرة".

قال ابن سيّد الناس1:"ومما لم يذكره ما تضمنه من الشذوذ وهو نوع ثامن، ومن الموقوف وهو تاسع من المدرج، وهو عاشر، وهذه الأنواع مما يكثر فوائده، وأما ما يقل فيه وجوده من الوفيات والتنبيه على معرفة الطبقات، أو ما يجري مجرى ذلك، فداخل فيما أشار إليه من فوائده التفصيلية".

وقال القاضي أبو بكر العربي في فصل نفيس عقده في أول شرحه لجامع الترمذي المسمى: "عارضة الأحوذي"2: "اعلموا –أنار الله أفئدتكم- أن كتاب الجعفي3 هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطأ هو

1 مقدمة تحفة الأحوذي/356.

2 عارضة الأحوذي 1/5-6 والتصحيح للكلام من أحمد شاكر في مقدمة جامع الترمذي.

3 يريد به صحيح البخاري

ص: 176

الأول والباب، وعليهما بنى الجميع كالقشيري1، والترمذي فمن دونهما وليس فيها –يعني كتب الحديث- مثل كتاب أبي عيسى حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع، وفيه أربعة عشر علماً، وذلك أقرب إلى العمل وأسلم.

أسند، وصحّح، وضعّف، وعدّد الطرق، وجرّح، وعدّل، وأسمى وأكنى، ووصل وقطع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبيّن اختلاف العلماء في الردّ والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله، وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه، وفرد في نصابه؛ فالقارئ له لا يزال في رياض مونقة وعلوم متفقة متسقة، وهذا شيء لا يعمه إلا العلم الغزير، والتوفيق الكثير، والفراغ والتدبير".

وقال ابن الأثير في "جمع الأصول"2 وتبعه طاش كبري زاده في "مفتاح السعادة"3: "كتابه الصحيح أحسن الكتب، وأكثرها فائدة وأحسنها ترتيباً، وأقلها تكراراً، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح، والحسن، والغريب، وفيه جرح وتعديل، وفي آخره كتاب العلل قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرها على من وقف عليها".

1 يريد به مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح.

2 1/114.

3 2/137.

ص: 177

وقال ملا علي قارئ1:"وجامعه دال على اتساع حفظه ووفور علمه، فإنه كاف للمجتهد وشاف للمقلد".

وقال الشيخ إبراهيم الباجوري في شرحه على الشمائل المحمّديّة المسمى "المواهب اللدنيّة"2: "وله تصانيف كثيرة بديعة، وناهيك بجامعه الصحيح الجامع للفوائد الحديثيّة والفقهيّة، والمذاهب السلفيّة والخلفيّة، فهو كاف للمجتهد مغن للمقلد".

وقال الشاه عبد العزيز في "بستان المحدثين"3: "تصانيف الترمذي في هذا الفن كثيرة، وأحسنها هذا الجامع بل هو أحسن من جميع كتب الحديث من وجوه:

الأول: من جهة حسن الترتيب وعدم التكرار.

والثاني: من جهة ذكر مذاهب الفقهاء ووجوه الاستدلال لكل أحد من أهل المذاهب.

والثالث: من جهة بيان أنواع الحديث من الصحيح، والحسن، والضعيف، والغريب، والمعل.

والرابع: من جهة بيان أسماء الرواة، وألقابهم، وكناهم، والفوائد الأخرى المتعلقة بعلم الرجال." ا?.

1 جمع الوسائل في شرح الشمائل 1/7.

2 /5.

3 انظر مقدمة تحفة الأحوذي 1/358.

ص: 178

وقال الدكتور محمد عجاج الخطيب1:"ورأينا أن جامع الترمذي مثال جيد للتطبيق العملي الذي كان يقوم به المحدّثون، من أجل معرفة الصحيح، والحسن، والضعيف، والكشف عن علل الأحاديث، واستنباط الأحكام حيناً، ومعرفة الثقات من المتروكين أحياناً، وغير ذلك. وبهذا جمع هذا الكتاب فوائد كثيرة لا تجد معظمها في الكتب الأخرى التي استغنت عن أكثر ذلك، بالتزامها تخريج الصحيح فقط. والترمذي لم يلتزم هذا فكان كتابه مثالا مستقلا في التصنيف لم يسبق إليه، وإلى جانب ما ذكرت فقد حفظ لنا هذا الكتاب كثيرا من اصطلاحات المحدّثين في أحكامهم على الرواة والمرويات؛ مما يزيدنا ثقة بقدم هذه المصطلحات ورسوخ قواعد علوم الحديث قبل عصره، كما أن الترمذي جمع بين بعض المصطلحات جمعاً لم يسبق إليه في قوله: "صحيح حسن"، و"صحيح غريب"، وغير هذا" ا?.

وقال بروكلمان: في "تاريخ الأدب العربي"2: "وقد ضمّن الترمذي جامعه كل حديث احتج به بعض الفقهاء في بعض الأحكام وسمّى مع كل حديث من احتج به من أهل المذاهب مع ذكر ما عارضه به الآخرون، ومن ثَمّ كان كتابه من أهم المصادر لدراسة الخلاف بين مدارس الفقه المختلفة".

1 أصول الحديث/323.

2 3/189.

ص: 179

وقال سزكين في تاريخ التراث العربي1:"وأهم مؤلفاته "الجامع" الذي اعتبر فيما بعد من الكتب الصحيحة المعتمدة، وقد امتاز في المقام الأول بملاحظاته النقديّة حول الأسانيد، وبإضافة الآراء المتباينة للمدارس الفقهيّة المختلفة".

1 1/241.

ص: 180

التعريف بكتاب "الشمائل المحمّديّة" للإمام الترمذي

2-

كتاب "الشمائل النبويّة".

موضوع هذا الكتاب يمثل جانباً من جوانب الحديث النبويّ؛ إذ هو في حلية النبي صلى الله عليه وسلم الخلقيّة، وصفاته الخلقيّة، وبيان أحواله وعاداته، فقد عرّف علماء مصطلح الحديث بأنه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة.

وأبو عيسى في هذا الكتاب أخرج أحاديثه موزعة على الأبواب التي برع في ترتيبها، والتي تكون ستة وخمسين باباً قد ترجم كل باب منها بترجمة تدل على ما تحتها من أحاديث.

وما اتبعه في تلك الأحاديث هو أنه اقتصر فيها على إخراجها من غير أن يسلك فيها ما سلكه في أحاديث الجامع من الكلام عليها جرحاً وتعديلاً، وتصحيحاً وتضعيفاً، وغير ذلك.

وعن رتبة أحاديث الكتاب يقول الدكتور نور الدين عتر1: "ونستطيع أن نقسم أحاديث الكتاب ثلاثة أقسام:

الحديث الصحيح، وهو كثير جداً في كتابه هذا، وفيه جملة أحاديث في أعلى درجات الصحة؛ لكونها من رواية الطبقة الأولى في التوثيق، ثم مثل على ذلك بمثال.

الحديث الحسن، ومنه جملة من الحسن لغيره الذي يحسنه

1 الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين/440.

ص: 183

الترمذي؛ لوروده من غير وجه، فإذا كان في السند ضعف فإنه قد يخرّج له متابعة أو شاهداً يقوّيه، ثم مثل على ذلك بمثال.

الضعيف الذي لا يرتقي للحسن، وقلما يروي أبو عيسى في الشمائل حديثاً ضعيفاً لا جابر له يقوّيه".

ثناء العلماء على كتاب الشمائل:

حظيت شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم منذ القدم بالعناية الفائقة والاحترام الكبير، فسطرت فيها المؤلفات المستقلة وغير المستقلة، وكان من أوائل وأشهر ما أفرد فيها كتاب أبي عيسى هذا الذي أشاد به العلماء وأثنوا على مؤلفه: فقال الحافظ ابن كثير –وقد اعتمده في كتابه شمائل الرسول ودلائل نبوتة وخصائصه وفضائله-1: "قد صنّف الناس في هذا قديماً2 وحديثاً كتباً كثيرة مفردة وغير مفردة، ومن أحسن من جمع في ذلك فأجاد وأفاد الإمام أبو عيسى محمّد ابن عيسى بن سورة الترمذي رحمه الله أفرد في هذا المعنى كتابه المشهور بالشمائل ولنا به سماع متصل إليه.

ونحن نورد عيون ما أورده فيه، ونزيد عليه أشياء مهمّة لا يستغني عنها المحدّث والفقيه".

1 / 5

2 من ذلك كتاب "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه" للحافظ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصفهاني المعروف بأبي الشيخ (ت369?) .

ص: 184

وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في شرحه لشمائل الترمذي1: "فإن كتاب الشمائل لعلم الرواية وعالم الدّراية الإمام الترمذي جعل الله قبره روضة عرفها أطيب من المسك الشذى كتاب وحيد في بابه فريد في ترتيبه واستيعابه، لم يأت أحد بمماثل ولا بمشابه، سلك فيه منهاجاً بديعاً ورصعه بعيون الأخبار وفنون الآثار ترصيعاً، حتى عدّ ذلك الكتاب من المواهب وطار في المشارق والمغارب".

وقال الشيخ ملا علي قارئ في كتابه "جمع الوسائل إلى شرح الشمائل"2: "ومن أحسن ما صنف في شمائله وأخلاقه صلى الله عليه وسلم كتاب الترمذي المختصر الجامع في سيرته على الوجه الأتم بحيث إن مطالع هذا الكتاب كأنه يطالع طلعه ذلك الجناب، ويرى محاسنه الشريفة في كل باب، وقد قال شيخ مشائخنا محمد بن محمد الجزري قدّس الله سره العلى:

أخلاي أن شط الحبيب وربعه وعز تلاقيه وناءت منازله

وفاتكم إن تبصروه بعينكم فما فاتكم بالعين فهذي شمائله

وعن شروح كتاب الشمائل تحدّث بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي" 3/192 وما بعدها وسزكين في "تاريخ التراث العربي" 1/246 وما بعدها.

1 1/2 بحاشية كتاب جمع الوسائل الآتي.

2 1/2-3.

ص: 185

وقد ذكرت بعضها هنا وفيما تقدم من الرسالة مثل "الفوائد الجليّة البهيّة" لمحمد بن قاسم جسوس. و"المواهب اللدنيّة" لإبراهيم بن محمد الباجوري.

ص: 186

3-

كتاب "العلل الكبير" أو "المفرد"

ظهر هذا الكتاب أخيراً وقد كان قبل فترة وجيزة في حكم المفقود لا نعلم عنه شيئاً، اللهم إلا نقول منه أو عنه مبثوثة في بعض الكتب كالسنن الكبرى للبيهقي، وتهذيب سنن أبي داود لابن القيم، وشرح سنن الترمذي لابن سيّد الناس، والعراقي، ونصب الرّاية للزيلعي، والتلخيص الحبير لابن حجر، وعمدة القارئ للعيني.

ولكنه لم يصل إلينا على هيئته التي ألّفه بها الترمذي، وإنما مرتباً بترتيب الفقيه القاضي أبي طالب1

1 لعل القارئ الكريم يتطلع إلى التعرف إلى مُرَتِّب الكتاب الفقيه القاضي أبي طالب كما تطلعت أنا إلى ذلك، ولا يفاجأ إذا قلت له أنني رغم ما بذلت من جهد وعناء لم أظفر له بترجمة؛ فانطلاقاً من سند رواية الكتاب الذي أثبته "رحمه الله تعالى" في صلب المقدمة التي عملها في أول الكتاب علمت أن الرجل أندلسي، وأنه عاش في القرن السادس لأنه يروي الكتاب عن ابن بشكوال الأندلسي خلف بن عبد الملك المتوفى سنة 578? فمن هنا أخذت أبحث عنه في كتب تراجم الأندلسيين مما تيسر لي، ولكن دون جدوى، حيث لم أعثر عليه، كما أنه لم يفتني –في سبيل التعرف عليه- تتبع ترجمة ابن بشكوال في بعض المصادر رجاء أن يأتي له ذكر، ولكن لم أحصل على شيء. ولم أكتف بذلك بل فتشت عنه في غير ذلك من الكتب مثل "تذكرة الحفاظ" و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي و"وفيات الأعيان" و"الأعلام" للزركلي و"معجم المؤلفين" إلا أنني لم أقف له على ترجمة. علماً أنه لا توجد عنه معلومات زائدة على ورقة عنوان الكتاب سوى لقبه، وكنيته، وكذا لم يذكر من أشار إلى وجود الكتاب شيئاً زائداً على ذلك سواء سزكين في "تاريخ التراث العربي" 1/251 أو فؤاد السيد في "فهرس معهد المخطوطات العربية" 1/87.

ص: 189

وقد اطلعت عليه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبويّة مصوراً بـ"الميكروفيلم" عن النسخة الخطيّة المحفوظة في مكتبة أحمد الثالث رقم (530) ، وهذه النسخة هي التي أشار إليها سزكين في تاريخ التراث العربي1، وهي نفيسة جداً، وربما تكون الوحيدة في العالم.

والكتاب مكتوب بخط مغربي جميل وواضح جداً عدد أوراقه (77) ورقة مسطرات الورقة (22) سطراً ومقاسها 5ر18×5ر23 يرجع تاريخ نسخه إلى القرن السادس الهجري، وتوجد بهوامشه حواشي كثيرة لم يتبيّن لي صاحبها.

وقد ذكر مرتبه في المقدّمة التي عملها في أوله أنه قصد ترتيبه على نسق كتاب الجامع للترمذي، حتى يسهل؛ إذ الأحاديث فيه متفرقة منثورة لا تضبطها أبواب ينظر فيها ويهتدي إلى ما تحتها؛ ويتلخص منهجه الذي أتبعه في ترتيب الكتاب، والذي أوضحه في المقدمة المذكورة بما يلي:

1 1/251 وانظر: فهرس معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة 1/87

ص: 190

أنه أولاً - أرجع الأحاديث إلى ما يليق بها من "كتب الجامع" فجعل مثلا أحاديث الطهارة والصلاة في كتاب الصلاة، وأحاديث الزكاة في كتاب الزكاة، وأحاديث الصوم في كتاب الصوم، وهكذا إلى آخر الجامع.

ثانياً – أدخل أحاديث هذه الكتب تحت أبوابها، ومعلوم أنه يندرج في كل كتاب من كتب الجامع أبواب كثيرة ومتعددة، وألحق الحديث ببابه بناء على أنه مذكور بعينه في ذلك الباب من كتاب الجامع، أو نبه عليه أبو عيسى في الجامع بقوله: وفي الباب عن فلان من الصحابة أو أنه مطابق للحديث الذي تضمنه الباب وفي معناه.

ثالثاً – أسقط من كتب الجامع وتراجم أبوابه ما لم يكن فيه أحاديث في "كتاب العلل".

رابعاً – ما جاء فيه من الأحاديث التي لم تذكر في الجامع، ولم يمكن إدخالها في الأبواب، وهي قليلة أفرد لها فصولا مستقلة في آخر كل كتاب هي منه ونبه على أنها ليست في الجامع. أما ما أدخله منها في الأبواب وهو الأقل لم ينبه عليه؛ وعلل ذلك بأنه لا يخفى الزائد على مطالع الكتابين معاً.

خامساً- عقد في آخر الكتاب باباً جمع فيه ما كان منثوراً من الكلام على الرجال الذين لم يقع لهم ذكر في حديث ما. أما ما كان فيه من الكلام على راو جرى ذكره في سند حديث فإنه يسوقه حيث

ص: 191

يسوق الحديث الذي يحوي اسم ذلك الراوي المتكلم عليه.

بعد ذلك نبه المؤلف على أمرين:

الأمر الأول: أنه كان ينوي تجريد كتاب العلل من كل ما هو مذكور في الجامع، حتى لا يكون فيه إلا ما ليس في الجامع غير أنه كره إسقاط شيء منه فتركه على ما هو عليه قال:"فربما يجيء الباب ويكون فيه الحديث الذي في ذلك الباب من الجامع بنحو الكلام الذي تكلم عليه في الجامع بلا مزيد عليه".

الأمر الثاني: ما تضمنه قوله: ولعل الناظر في هذا الكتاب يرى فيه في بعض المواضيع ترجمة يكون تحتها حديث لا يناسبها فيستبعد ذلك، فليعلم أن ذلك الحديث إنما وقع في الجامع في ذلك الباب، ولم نر أن نبوّب عليه باباً آخر بل ذكرناه حيث ساقه أبو عيسى في أي باب كان.

وفي ختام المقدمة ساق سنده الذي وقع له به كتاب العلل هذا.

وقد سبق القول باعتماد الترمذي على البخاري في هذا الكتاب، كما سبق ثناء العلماء على هذا الكتاب وإشادتهم به؛ ونظراً لأن بعض أحاديث هذه الرسالة مما في كتاب "العلل الكبير" هذا كما هو مبيّن في محله، فإنني أكتفي بها كنماذج من الكتاب، وهي تدلّ على إن هذا الكتاب اشتمل على التعليل بالعلة الظاهرة والخفيّة، على أن الدكتور نور الدين عتر بما توفر إليه من نقول عن هذا الكتاب، حيث لم يعلم بوجوده استطاع أن يقسم العلل في كتاب الترمذي هذا إلى ثلاثة أقسام:

ص: 192

القسم الأول: العلل القادحة الخفيّة وهو المعنى الاصطلاحي الخاص للعلّة.

القسم الثاني: كل قادح يطعن في صحة الحديث مما ليس خفياً بل ظاهراً كالضعف والانقطاع.

القسم الثالث: ما لا يقدح في صحة الحديث. ثم وضّح ذلك بالأمثلة.

ص: 193

4-

كتاب "العلل الصغير"

يرى الدكتور نور الدين عتر أن كتاب "العلل الصغير" جزء من كتاب "الجامع" وليس هو كتاباً مفرداً فهو بمثابة المقدمة للجامع إلا أن الترمذي أتى به آخراً.

واستدل على ذلك بما اشتمل عليه كتاب "العلل الصغير" من مسائل مهمة في علوم الحديث تتصل بالجامع اتصالا وثيقاً، وبما فيه من عبارات تربطه بالجمع برباط الوحدة كقول الترمذي: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث

"، ونحوها من العبارات التي تكررت فيها الإشارة إلى الجامع بقوله: "هذا الكتاب"

ومن هنا خطأ الدكتور العتر من ظن أنه كتاب مستقل ألحق بالجامع، وأجاب عن صنيع بعض رواة الجامع من إفراد "كتاب العلل" بالرواية مستقلا عن الجامع: بأن ذلك لا يدل على أنه كتاب مفرد بنفسه، بل إنهم أفردوه بالرواية؛ لاختصاصه بالفوائد التي تضمنها تسهيلا للانتفاع به قال:"وقد سلك الترمذي بوضعه "كتاب العلل" سبيل مسلم في كتابه مقدمة لصحيحه، أوضح فيها مسلم عمله في الكتاب وشرح بعض مسائل رآها تتناسب مع الكتاب، وليست هذه المقدمات في شيء من كتب الحديث التي وضعت حتى ذلك الوقت إلا في هذين الكتابين، ولكن الترمذي قد توسع فتعرّض لبعض مسائل سبقه مسلم إليها، وتفرد بمسائل كثيرة اقتضتها مناسبة الجامع، لها أهميتها في علم الحديث، أثنى عليها الأئمة وذكروها في

ص: 197

محاسن الكتاب، كما في قول ابن الأثير:"وفي آخره كتاب العلل قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرها على من وقف عليها" ا?.

ويتلخص ما تعرض له الترمذي في "كتاب العلل الصغير" من أمور في الآتي:

بدأ ببيان حال أحاديث الجامع عموماً؛ فذكر أن جميع ما فيه من الأحاديث معمول به، أو أخذ به بعض العلماء ما عدا حديثين ذكرهما، ثم قال:"وقد بيّنا علة الحديثين جميعا في هذا الكتاب"(يعني الجامع) .

بعد ذلك أورد أسانيده إلى الفقهاء الذين ذكر مذاهبهم في الجامع من غير أن يسوق أسانيد إليهم.

كما صرّح أن ما في الجامع من الكلام في علل الأحاديث والرجال والتاريخ وما أشبه ذلك من هذه العلوم استخرجه من كتاب التاريخ للبخاري، وأكثره مما ناظر به شيخه البخاري، وبعضه ناظر به أبا زرعة، وبعضه ناظر به الدارمي.

ثم بيّن السبب الحامل له على بيان مذاهب الفقهاء وعلل الأحاديث والكلام فيها تصحيحاً وتضعيفاً ونحو ذلك، وهو أنه سئل عن ذلك فلم يفعله زماناً، ثم فعله لما رجا من منفعة الناس، فإذا أقدم على ذلك –وهو كما قال لم يسبق إليه- فإنه وجد كثيراً من الأئمة –وقد سمى بعضهم- صنفوا ما لم يسبقوا إليه.

انتقل بعد ذلك فبيّن حكم الكلام في الرجال جرحاً وتعديلا، وأنه جائز لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من الأخبار مما لا يجوز قبوله، وأنه

ص: 198

نصيحة للمسلمين ليس من باب الغيبة المحرّمة، كما ظنّ بعض من لا يفهم فعاب على المحدّثين كلامهم في الرواة وبيان أحوالهم.

ثم ذكر نقولا عن بعض السلف والأئمة تبيّن أهمية الإسناد، وأنه من الدين وتبيّن متى بدأ بالسؤال عن الإسناد ولماذا؟

بعد ذلك تعرّض لأقسام الرواة وأحكامهم؛ فذكر أربعة أقسام وبيّن حكمها:

أحدها: من يتهم بالكذب.

الثاني: من ضعف لغفلته وكثرة خطئه.

وما قاله في هذين القسمين: هو أن من كان كذلك فإنه لا يشتغل بالرواية عنه عند أكثر المحدّثين، وأنه إذا انفرد بحديث لا يحتج به.

الثالث: من تكلم فيه من قبل حفظه مع علمه، وصدقه، وجلالته، فحكم عليه بأنه إذا انفرد بحديث ولم يتابع عليه لم يحتج به.

الرابع: الحفاظ المتقنون الذين يندر أو يقل خطؤهم وغلطهم في الحديث وهؤلاء محتجّ بهم بالاتفاق.

تطرق بعد ذلك إلى حكم الرواية بالمعنى فذكر جوازها عن أهل العلم لمن أقام الإسناد وحفظه، وأتى بالمعنى دون تغيير فيه.

ثم بيّن من مسائل نقل الحديث، وتحمله مسألة العرض؛ وهو القراءة على الشيخ فذكر جوازه عند أهل الحديث مثل السماع من لفظ الشيخ وفيما يقوله من تحمّل بالعرض عند الرواية ذكر قولين عن أهل العلم في ذلك:

ص: 199

الأول: أن يقول أخبرنا وفي السماع حدثنا.

الثاني: جواز أن يقول في العرض حدثنا.

هذا وقد اشترط الترمذي لصحة العرض على العالم أن يكون العالم حافظاً لما يعرض عليه، أو يمسك أصله بيده عند العرض عليه إذا لم يكن حافظاً.

كما نقل عن بعضهم أنه كان لا يقول حدثنا إلا فيما كان من لفظ العالم مع الناس، فإذا قرئ على العالم وهو شاهد قال: أخبرنا، وإن سمع وحده قال: حدثني وإن قرأ وحده قال: أخبرني.

بعد ذلك تناول حكم الرواية بالإجازة وهي من مسائل نقل الحديث وتحمله، فذكر عن بعض أهل العلم إجازتها، وذكر عن جماعة من العلماء إنكارها. ثم بيّن حكم الحديث المرسل وأن لأهل العلم فيه قولين:

أحدهما: أنه لا يحتج به وهذا عند أكثرهم.

الثاني: أنه يحتج به وهذا عند بعضهم.

وأخيراً فسّر مراده واصطلاحه بالحديث الحسن وبالحديث الغريب.

هذا وقد شَرَح كتاب العلل الصغير هذا في كتاب مستقل الحافظ زين الدّين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، وأعقبه بتتمة مفيدة جداً فيما يتعلق بموضوع الكتاب. وقد حقق الكتاب ونشره الأستاذ صبحي جاسم الحميد عن مطبعة العاني ببغداد –1396? وقد بلغني أن الدكتور نور الدين عتر أخرج الكتاب أيضاً محققاً هذه الأيام.

كما شرحه الباركفوري في كتابه "شفاء الغلل في شرح العلل" وجعله في آخر تحفة الأحوذي.

ص: 200

ترجمة موجزة للإمام البخاري*

نسبه:

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدَزْبَة1 الجعفي، مولاهم البخاري.

1 بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها هاء قال ابن حجر: هذا هو المشهور في ضبطه وبه جزم ابن ماكولا وقد جاء في ضبطه غير ذلك. وبردزبة بالفارسيّة: الزراع، كذا يقول أهل بخارى، وكان بردزبة فارسياً على دين قومه ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي، وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء عملاً بمذهب من يرى أن من أسلم على يده شخص كان ولاؤه له، وإنما قيل له الجعفي لذلك. ا?

ص: 203

مولده:

ولد في مدينة "بخارى" يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومئة (194?) .

نشأته:

توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً في حجر أمه، وقد اتجه منذ حداثة سنه ونعومة أظفاره إلى العلم فبدأ بحفظ الحديث، وهو دون العشر سنين، ولما بلغ السادسة عشرة من عمره قرأ تصانيف بعض الأئمة، فحفظ كتب ابن المبارك، ووكيع، وعرف كلام أصحاب الرأي.

رحلته وطلبه الحديث:

بعد أن سمع الحديث من شيوخ بلده رحل في طلبه إلى أكثر محدّثي الأمصار، فبدأ أول رحلاته إلى الحجاز سنة عشر ومئتين، فأقام فيه ست سنوات يسمع الحديث من علماء الحرمين، ثم تنقّل في البلدان، وسمع من مشايخها، ودخل الشام، ومصر، والجزيرة، والعراق، ودخل بغداد عدة مرات.

شيوخه:

شيوخ البخاري الذين سمع منهم لا يحصون كثرة منهم كبار الأئمة في عصره، وقد كتب عن أكثر من ألف شيخ انتقاهم انتقاء كما نقل عنه

ص: 204

وراقه محمد بن أبي حاتم أنه قال: "كتبت عن ألف وثمانين نفساً ليس فيهم إلا صاحب حديث".

وقال أيضاً: "لم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل".

وذكر ابن حجر في "هدي الساري" مراتب مشايخ البخاري الذين كتب وحدّث عنهم، فحصرهم في خمس طبقات اشير إليها هنا:

الطبقة الأولى: من حدّثه عن التابعين: مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدّثه عن حميد الطويل.

الطبقة الثانية: من كان من عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين كآدم بن أبي إياس.

الطبقة الثالثة: هي الطبقة الوسطى من مشايخه، وهم من لم يلق التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد، ونعيم بن حماد، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر، وعثمان ابني أبي شيبة، وأمثال هؤلاء وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم.

الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلاً كمحمد بن يحيى الذهلي، وأبي حاتم الرازي.

قال ابن حجر: "وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه أو ما لم يجده عند غيرهم".

الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة كعبد الله بن حماد الآملي.

ص: 205

قال ابن حجر: "وقد روى عنهم أشياء يسيرة، وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال: "لا يكون الرجل عالماً حتى يحدّث عمن فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه".

وعن البخاري أنه قال: "لا يكون المحدّث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه".

ومن هذا القبيل ما سبق أن ذكرناه في ترجمة الترمذي من سماع البخاري حديثين منه.

الرواة عنه:

لقد كثر الآخذون عن البخاري، والرواة عنه كثرة لا يمكن حصرهم معها، وقد ذكر أنه كان يحضر مجلسه أكثر من عشرين ألفاً يأخذون عنه. فممن روى عنه من مشايخه: عبد الله بن محمد المسندي، وعبد الله بن منير، ومحمد بن خلف بن قتيبة، وغيرهم. ومن أقرانه: أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وإبراهيم الحربي، وآخرون. وممن روى عنه من كبار الأئمة الحفاظ الأعلام: صالح بن محمد جزرة، وأبو بكر بن خريمة، وأبو الفضل أحمد بن سلمة، وغيرهم من أبرزهم مسلم بن الحجاج، وأبو عيسى الترمذي، اللذان تتلمذا عيله ومرنا بين يديه، وتخرجا به وأكثرا من الاعتماد عليه.

حفظه وذكاؤه:

كان البخاري -رحمه الله تعالى- آية في الحفظ، والذكاء، وقوة

ص: 206

الذاكرة نقل عنه أنه قال: "أحفظ مئة ألف حديث صحيح، ومئتي ألف حديث غير صحيح".

وقصته حين دخل بغداد مع علمائها مشهورة تدل على مبلغ حفظه وعظيم ضبطه، فقد أراد أصحاب الحديث في بغداد امتحان حفظه فعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة أشخاص لكل واحد عشرة أحاديث؛ ليلقوها عليه في المجلس، وأخذوا عليه الموعد لذلك فلما اطمأن المجلس بأهله، وكان قد حضره جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم، ومن البغداديين انتدب إليه أحدهم فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه فما زال يلقى عليه حديثاً بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري: يقول لا أعرف.

فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل، ومن كان غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز، والتقصير، وقلة الفهم.

ثم انتدب الثاني والثالث إلى آخر العشرة فكان حاله معهم كذلك فلما فرغوا التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى تمام العشرة، فردّ كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، فأقرّ له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل.

وقد علّق الحافظ ابن حجر على هذه القصّة بقوله: هنا يخضع للبخاري، فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظاً بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه إليه من مرة واحدة.

ص: 207

إلى غير ذلك من الأخبار الشاهدة على سعة حفظه، وشدة إتقانه التي لا يتسع المقام لإيراد بعضها فضلا عن كلها، فإنها كثيرة جداً فقد ظهرت عليه من صغره مخائل الذكاء، وعلائم النجابة والفطنة.

ثناء الناس عليه:

لقد حظي البخاري في سائر الأزمان بثناء الناس عليه، وإجماعهم على تقديره، وإكباره، وإمامته، وتقدمه في هذا الشأن.

فقال فيه شيخه الإمام أحمد بن حنبل: "ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل".

وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: "ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري".

وقال أبو سهل محمود بن النضر الفقيه: "دخلت البصرة، والشام والحجاز، والكوفة، ورأيت علماءها، فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم".

وقال موسى بن هارون الحمال: "عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل لما قدروا عليه".

وقال أبو أحمد بن عدي: "كان يحيى بن محمد بن صاعد إذا ذكر البخاري قال: "ذاك الكبش النطاح".

وقال له مسلم بن الحجاج: "لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك".

ص: 208

وقال أبو عيسى الترمذي: "كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير فقال له لما قام "يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمة" فاستجاب الله له فيه.

وقال الحاكم أبو عبد الله: "هو إمام أهل الحديث بلا خلاف بين أهل النقل".

وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": "كان رأساً في الذكاء، رأساً في العلم رأساً في الورع والعبادة".

وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "هو إمام أهل الحديث في زمانه، والمقتدى به في أوانه، والمقدّم على سائر أضرابه وأقرانه".

وقال ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى": "هو إمام المسلمين، وقدوة الموحدين، وشيخ المؤمنين، والمعوّل عليه في أحاديث سيّد المرسلين، وحافظ نظام الدين".

وفاته:

توفي رحمه الله تعالى في قرية من قرى سمرقند تسمى "خَرْتَنْك1". على فرسخين منها.

1 بفتح أوّله وتسكين ثانيه وفتح التاء المثناة من فوق ونون ساكنة وكاف. قال ياقوت: قرية بينها وبين سمرقند ثلاثة فراسخ بها قبر إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري. معجم البلدان 2/356.

ص: 209

كان نزلها في آخر حياته، وأقام فيها أياماً عند أقربائه، ثم مرض، وقد وافاه الأجل المحتوم وهو ينوي التوجه إلى سمرقند قبل الخروج إليها وكانت وفاته ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة عيد الفطر ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة ست وخمسين ومئتين (256?) ومدة عمره اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوماً.

ص: 210

منهج البحث في الرسالة

إن ما اتبعته من منهج في هذه الرسالة يتلخص في الآتي:

لا يخفى أن الترمذي عبّر عما تحمّله من شيخه البخاري في "جامعه" بشتى عبارات التحمل منها: قال، وسمعت، وسألت، وذاكرت، وأنني التزمت في هذه الرسالة بما يقول فيه، سألت وذاكرت، وهذا ما ينطبق عليه عنوان الرسالة ويدل عليه، ولو ذهبت استقصي كل ما أورده في "جامعه" عن البخاري واشتغل به لاحتاج إلى عدة رسائل.

في تتبع السؤالات والأجوبة عليها، والتقاطها من "جامع الترمذي" اعتمدت على النسخة المحققة من قبل؛ أحمد محمد شاكر إذ حقق الجزء الأول والثاني منها، ومحمد فؤاد عبد الباقي إذ حقق الجزء الثالث، وإبراهيم عطوه عوض إذ حقق المتبقى وهو الجزء الرابع والخامس.

هذا مع الاستعانة بما وصلت إليه يدي من نسخ الترمذي المخطوطة والمطبوعة بشرح أو بدون.

وبالمقارنة بينها اتّضح لي التقاؤها جميعاً –ولله الحمد- على مواطن الأسئلة والأجوبة التي أثبتها.

أبقيت الأحاديث التي هي مدار السؤالات حسب ترتيبها ووفق مجيئها من "جامع الترمذي"، فلم أحدث فيها أي ترتيب آخر، ومعلوم أن الأحاديث في "جامع الترمذي" مرتبة على الأبواب الفقهية.

اعتنيت بنقل كلام الترمذي على كل حديث من هذه الأحاديث معنوناً له بما يفيد ذلك.

تحققت من كلام الترمذي على كل حديث بالرجوع إلى بعض نسخ

ص: 213

"الجامع" المخطوطة والمطبوعة، أو إلى المصادر التي ذكرته، وذلك عملا بوصية المحققين كابن الصلاح وغيره؛ نظراً لاختلاف نسخ "الجامع" وقد أفادني ذلك في تحرير حكم الترمذي على الأحاديث كما بينته في محله.

رقمت الأحاديث المذكورة وقد بلغت ثلاثة وثلاثين حديثاً، وأشرت إلى موضع كل حديث من "جامع الترمذي" بذكر الجزء، والصفحة والباب الذي هو فيه ورقمه، والكتاب الذي يحوى ذلك الباب.

ذكرت من خرّج هذه الأحاديث من الأئمة سوى الترمذي أصحاب الكتب المعتمدة مع العزو إلى هذه الكتب التي خرجوها فيها، ولم أبن التخريج على الاختصار والاقتصار بل إني حاولت الاستقصاء قدر الإمكان في الدلالة على مكان تخريج الحديث، وقد كلفني ذلك الكثير من الجهد والوقت، إذ تتبعت كل حديث في مظانه من عشرات الكتب، والأجزاء المطبوعة، والمخطوطة على اختلاف أنواعها من حديث، وتفسير، وأحكام، وغير ذلك؛ أملاً في العثور على طريق أخرى للحديث، وتيسيراً على القارئ في الوقوف على مواطن وجود الحديث من مؤلفات الأئمة العلماء.

هذا وبالنسبة للمخرجين وترتيبهم فبعد أن أرتب أصحاب الأمهات الست، أو بعضهم إن وجدوا، والإمام أحمد، لم التزم أي ترتيب آخر بل تركت ذلك حسب ما يقتضيه المقام.

أنبه أحياناً على من أورد الحديث في كتابه من متأخري الحفاظ

ص: 214

كالمنذري والنووي والسيوطي وغيرهم.

هناك نزر من الأحاديث لم أقف عليها لغير الترمذي، فليعلم أني بحثت عنها قدر استطاعتي فلم أجد من خرجها، فلا يبعد أن تكون مما أنفرد به الترمذي.

قمت بتجلية ما في الأحاديث من علل مما نصّ عليه الترمذي، أو البخاري، أو غيرهما من الأئمة الحفاظ، أو مما توصلت إليه من خلال دراستي للأحاديث، أو لطرقها بعد جمعها ومقارنتها ببعض، وأبرزت ما يدل على موضع كل علّة في تلك الأحاديث من الطرق الأخرى الراجحة إن وجدت.

تعقبت بعض العلماء في إثبات بعض العلل أو في محلها، ودعمت موقفي بالحجة والبرهان.

اعتنيت بإيراد ما أجيب به عن العلل أو بعضها، ثم أبديت رأيي فيه تأييداً أورداً على ضوء الأدلة والنصوص.

تتبعت طرق بعض الأحاديث وألفاظها من مختلف كتب السنة، وذكرت من تفرد بها وما وقع فيه رواة بعضها من أوهام.

عرضت المواقف المتباينة والآراء المتضاربة حول بعض الأحاديث، وحجة كل موقف، وما يتعرض به على مقابلة، ثم نقدت ما يحتاج إلى نقد وبينت الحق في الجانب الذي هو فيه.

اختياري لموضوع يتعلق بـ"جامع الترمذي" دعاني للعكوف على دراسة مصطلحات الترمذي فيه من مثل قوله: "حسن غريب"، أو

ص: 215

"حسن صحيح"؛ لأكون على بصيرة بما يعترضني منها، وقد بينت بعض هذه المصطلحات في مواضع اقتضتها من البحث.

نظرت في حكم الترمذي على الأحاديث فإن كان صواباً أقررته عليه، وإلا فإنني أبيّن رتبة الحديث من الصحّة، أو الحسن، أو الضعف متبعاً في ذلك قواعد المحدثين التي قعّدوها ومشوا عليها في نقد الحديث، وإذا كان هناك رأي لإمام معتبر، أو كلمات لأئمة هذا الفن، أو لمعاصرين محققين تؤيد ما ذهبت إليه فإنني أوردها وأتبناها.

هناك أحاديث سكت عنها الترمذي فلم يحكم عليها بشيء حكمت أنا عليها حسب ما ظهر لي من أسانيدها.

حرصت أن أذكر في أعقاب غالب الأحاديث نتيجة فيها خلاصة دراستي للحديث والحكم عليه، وتكون أحياناً مشتملة على اعتراض ورد مناقشة.

أوردت من الأحاديث الصحيحة أو الحسنة ما يقوم مقام حديث الباب الضعيف.

بينت وجه التعارض بين بعض الأحاديث وبين ما أوردته من الأحاديث المعارضة لها، وأجبت عنه ثم حكمت على تلك الأحاديث بما تقتضيه تلك الإجابة صحة أو ضعفاً.

قد اختار رواية من روايات الحديث التي روى بها فأذكر ما بنيت عليه هذا الاختيار من أمور.

عرفت بأحوال الرواة الذين عليهم مدار الحديث جرحاً وتعديلاً،

ص: 216

فنقلت فيهم –بعد تتبع أحوالهم من شتى كتب الرجال- أقوال النقاد المعتبرين وبعد دراستها وفحصها وفقت أو رجحت بين الأقوال المتعارضة في نقدهم، حسب ما ظهر لي قوته وفي نطاق قواعد علماء الجرح والتعديل، وإذا كان هناك رأي لمحقق فإنني أورده واعتمده.

تحققت من سماع بعض الرواة من بعض أو إمكانه ومن ثَمّ حكمت على الإسناد بالاتصال أو الانقطاع.

اقتصرت في التعريف ببعض التراجم مما يتوقف عليها أمر من الأمور على "تقريب التهذيب" غالباً وأحلت على باقي مصادر ترجمة الراوي بقدر المستطاع.

اكتفيت بترجمة الراوي في أول موضع يرد، وأحلت عليه في باقي المواضع، واقتضى الأمر أحياناً تكرار بعض التراجم، فلم أكتف بترجمة الراوي في موضع واحد، وأحياناً أحيل على التراجم بعد أن أذكر شيئاً منها يقتضيه الحال والمقام.

كملت سنة وفاة الراوي في ترجمته التي أخذتها من "تقريب التهذيب" لابن حجر، وذكرت من خرّج له صراحة، فلم أكتف بالرمز إليه كما هو صنيع ابن حجر.

عرّفت بصحابي كل حديث مراعياً جانب الإيجاز، فاقتصرت في التعريف على "تقريب التهذيب" مع الإحالة إلى مكان ترجمته من "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" للحافظ ابن حجر.

وليعلم أنني أترجم للصحابي المذكور رضي الله عنه في أول

ص: 217

موضع يرد فيه، فإذا تكرر فإنني أكتفي بالإشارة إلى موضع ترجمته الذي تقدم، وقد لا أشير.

في المقارنة بين الرواة بيّنت وجه الاختلاف في ذلك بين العلماء، كما وضحت الخلاف حول أسماء بعض الرواة المبهمين، أو المذكورين بكناهم، ورجحت في ذلك كله ما أمكنني ترجيحه.

شرحت بعض ألفاظ الجرح والتعديل لاسيما تلك التي يأتي بها البخاري، حيث له اصطلاح خاص بها، كما عرفت ببعض المصطلحات الحديثّية.

أوضحت معاني الألفاظ الغريبة وضبطت ما يحتاج إلى ضبط.

بينت مواضع البلدان التي وردت في بعض الأحاديث.

أوردت الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله: "وفي الباب" وخرجتها، وتكلمت عليها بقدر الحاجة، ولم يفتني منها إلا القليل جداً، حيث بحثت عنه فلم أعثر عليه، وهذه الأحاديث التي يشير إليها الترمذي بقوله "وفي الباب" ليست من السهولة، بحيث يمكن تخريجها بدون عناء واستعانة بمصادر خاصة، بل إن الاكتفاء بالرمز إلى الصحابي فقط جعل تخريجها صعباً وعسيراً أحياناً، وتشتد الصعوبة إذا اختلف في تعيين الحديث المشار إليه هل هو هذا أو ذاك، على أن المباركفوري في شرحه لجامع الترمذي وهو الشرح المتوفر لي أكثر من غيره كثيراً ما يقول عن الحديث المشار إليه: بحثت عنه فلم أجد، فلينظر من أخرجه.

زدت أحاديث في الباب لم يشر إليها الترمذي، وهي تصلح شواهد

ص: 218

ومتابعات، وتكلمت عليها بقدر الحاجة والضرورة.

نبهت على أوهام وأخطاء وقع فيها بعض العلماء وتبعهم فيها غيرهم.

ناقشت بعض العلماء في أشياء ذكروها قابلة للنقد.

نبهت على كل سقط أو خطأ أو تحريف وقع في المراجع أو الأصول التي نقلت منها، على أنني أذكر في الصلب من الرسالة الصواب، وأبيّن في الهامش الخطأ.

ما يتعلق بالآيات القرآنية -وهي قليلة جداً- عزوتها إلى مواضعها من سورها.

بالنسبة للنقل من المراجع والمصادر، استعملت طبعة واحدة فإذا استعملت طبعة أخرى نبهت على ذلك في حينه، وقد أرجيء التنبيه إلى قائمة المراجع والمصادر هذا، ويحصل أني استعين بمصدر مخطوط قد طبع بعضه فأميز عند الاستفادة منه بين الاستعمالين.

هذا البحث احتوى على عدة مشكلات حديثيّة أصليّة وطارئة، كادت تعترض طريقي لولا لطف الله عز وجل، فإنها من الصعوبة بمكان وبحيث عسر علي أولا حلها، ولا يخفى أنني أمضيت فيها الأيام والليالي أفكر فيها وأقلبها على كل وجه، وأسائل فيها ذوي الاختصاص واستنطق بها الكتب، ولقد صور فضيلة الدكتور محمد أمين المصري المشرف السابق رحمه الله تعالى الأحاديث التي تضمنت تلك المشكلات أو استدعتها أصدق تصوير، فقال –وقد عرضت عليه بعضها-:"هذه الأحاديث نماذج من الأحاديث الشائكة والمعقدة".

ولا أطيل على القارئ الكريم بسرد هذه المشكلات وملابستها

ص: 219

وما انتهيت إليه فيها، فأكتفي بإحالته إلى مواطنها من الكلام على الأحاديث.

انظر مثلا في الحديث الأول الاختلاف في الضمير "عنهما" في قول البخاري والمراد به.

وانظر الحديث الثاني بأكمله، وعلى جهة الخصوص مخالفة الترمذي للبخاري في اختياره من بين روايات الحديث المختلفة رواية مغايرة للرواية التي اختارها شيخه وأودعها صحيحه.

وانظر إلى إنكار الذهبي لاختلاط أبي إسحاق السبيعي.

وبالنسبة للحديث الثالث انظر مثلا مشكلة تعيين محل الانقطاع في سند الحديث في كلام العلماء والجواب عنها.

ننتقل بعد ذلك إلى الحديث الخامس عشر، حيث يواجهنا البخاري بإثبات سماع ابن المنكدر من عائشة رضي الله عنها في الوقت الذي تنفيه جميع المصادر التي وقفت عليها.

وأخيراً انظر: (الحديث الحادي والعشرين) وتضارب النقل عن البخاري في حكمه عليه بين تلميذه الترمذي، والخطابي، والمشكلة التي أدخلنا فيها أحمد شاكر.

عملت مقدمة اشتملت على ذكر إلمامة سريعة عن موضوع هذه الرسالة، ودواعي اختياره، وكلمة في أهمية علم علل الحديث، واشهر الكتب المؤلفة فيه مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم، وحصر الكتب المؤلفة على السؤالات مع تراجم لمؤلفيها، وترجمة ضافية للترمذي، وأخرى

ص: 220

للبخاري موجزة ثم منهج البحث هذا.

ذيلت الرسالة بوضع فهارس متعددة، فوضعت فهرساً للآيات، وآخر للموضوعات، ولقد كانت النيّة متجهة لعمل فهرس تفصيلي لها، ولكن حال دون ذلك حائل.

كما أعددت فهرساً للرجال المترجمين على وفق ترتيب حروف المعجم مراعياً ذلك في أسمائهم وأسماء آبائهم.

وأخيراً زودت البحث بقائمة للمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها التي أمدت البحث، تاركاً غيرها مما أفدت منه، ولم يأت له ذكر في الرسالة.

عملت خاتمة في آخر الرسالة فيها خلاصة البحث.

هذا وإنني كلي آمل أن أكون برسالتي هذه قد شاركت بإضافة لبنة إلى ذلك الصرح الشامخ، حتى تأخذ محلها اللائق بها بين تلك المؤلفات.

والخيرَ أردتُ فإن وفقت لذلك فهو من فضل ربّي، وإن كانت الأخرى فحسبي أنني حاولت بقدر جهدي، وعلى غيري أن يعليَ البنيان.

ولا يسعني في الختام إلا التوجه إلى الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد الغالي الدكتور محمد أمين المصري رئيس قسم الدراسات العليا والمشرف على الرسالة سابقاً بواسع رحمته وعظيم مغفرته كفاء ما قدّم، فقد ساعدني كثيراً بملاحظاته الدقيقة وتوجيهاته السديدة.

وأنا إذ أسأل الله له ذلك وأسأله أن يعلي درجاته في الجنة، أشكره على ما بذل من جهد، وأبدى من حرص، وأسدى من نصح.

ص: 221

كما أشكر فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري الذي انتقل إليه الإشراف على الرسالة فتابع معي المسيرة، وواصل توجيهي، وتسديدي مما ساعد في دفع هذه الرسالة إلى الأمام، وبروزها بهذا النحو، فجزاه الله عني خيراً الجزاء ومتع بحياته.

وقبل أن أضع القلم أتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء وهو أن يحسن إلى كل من أحسن إلي بالقول، أو بالفعل، أو بالنية، وهذا في نظري أشمل لكل الإخوة الذين قدّموا مساعداتهم لي، وأَبْلَغُ في شكرهم، والله يتولى الجميع.

ص: 222