المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث التاسع: باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي - جـ ١

[يوسف بن محمد الدخيل]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الحديث الأوّل: باب ما يقول إذا دخل الخلاء، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّاني: باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّالث: باب ما جاء في المسح على الخفين: أعلاه وأسفله. من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع: باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الخامس: باب ما جاء في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، من أبواب الطهارة عن رسول الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّادس: باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السّابع: باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّامن: باب ما جاء في التطوع في السفر من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث التّاسع: باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصّبح حتى تطلع الشمس من أبواب الصّلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حديث العلشر: باب ما ذكر في فضل الصلاة من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الحادي عشر: باب ما جاء في زكاة الذهب والورق من أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثّاني عشر: باب ما جاء في الخرص من أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌الحديث التاسع: باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌الحديث التّاسع: باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصّبح حتى تطلع الشمس من أبواب الصّلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

.

2/481 سنن الترمذي

بتعليق وتحقيق أحمد محمد شاكر

ص: 449

حدّثنا عبد الله بن معاوية الجمحي البصري، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا أبو ظلال عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين: كانت له كأجر حجة وعمرة". قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم1: "تامة تامة تامة "2.

كلام الترمذي على هذا الحديث

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.

قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن أبي ظلال؟ فقال: هو مقارب الحديث واسمه "هلال".

تخريج الحديث

الظاهر أن هذا الحديث من أفراد الترمذي فإنه لم يخرجه غيره،

1 قال ابن حجر: "أعاده (يعني القول) لئلا يتوهم أن الوصف بالتمام وتكريره من قول أنس". انظر: الفتوحات الربانية 3/65) .

2 قال الشوكاني في "تحفة الذاكرين"/19: "وفي تكرير قوله: "تامة تامة تامة" تأكيد لرفع توهم أنه لم يرد الحجة والعمرة على التمام، وهو تأكيد راجع إلى الحجة والعمرة، فكأنه قال كأجر حجة تامة تامة تامة، وعمرة تامة تامة تامة، وهذا الأجر المذكور يحصل بمجموع ما اشتمل عليه الحديث من صلاة الفجر في جماعة ثم القعود للذكر حتى تطلع الشمس، ثم صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس. ا?.

ص: 451

وحتى البغوي1 الذي أخرجه فإنما أخرجه من طريق الترمذي.

التعريف برجال الإسناد

رجال سند هذا الحديث ثقات ما عدا أبا ظلال الذي دار عليه سؤال الترمذي وجواب شيخه، فإنه متكلم فيه، وفيما يلي تفصيل ذلك:

1-

عبد الله بن معاوية بن موسى الجمحي، أبو جعفر البصري، ثقة معمر، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين أي ومئتين، وقد زاد على المئة، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجة2.

2-

عبد العزيز بن مسلم القسملي، -بفتح القاف وسكون المهملة وفتح الميم مخففاً- أبو زيد المروزي ثم البصري، ثقة عابد، ربما وهم من السابعة، مات سنة سبع وستين أي ومئة، روى له البخاري، ومسلم والنسائي، وأبو داود، والترمذي3.

3-

"أبو ظلال"(بكسر الظاء المعجمة وتخفيف اللام) .

وقبل ذكر ما قيل عنه أحب أن أشير إلى أن هذا الراوي مشهور بكنيته، كما بينه ابن حجر في "تقريب التهذيب"4، ولا يخفى أنهم لم يذكروا في كنيته اختلافاً.

1 شرح السنة 3/221.

2 تقريب التهذيب 1/452.

3 المصدر السابق 1/512.

4 2/324 وانظر: "تهذيب التهذيب" 11/84.

ص: 452

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما اسم هذا الراوي؟ هل له اسم يسمى به؟ أو أن كنيته اسمه كما هو حال بعض الرواة.

والجواب: أن اسمه "هلال" ذكره بهذا الاسم ابن معين1، والبخاري كما هنا، وفي "الكنى"2 من "تاريخه الكبير"، وقد تابعها على ذلك غيرهما، ولم أر اختلافاً في اسمه.

أما اسم أبيه فقد وقع فيه الاختلاف الذي أورده ابن حجر في "تقريب التهذيب"3، فقيل:"هلال بن أبي هلال، أو ابن أبي مالك، وهو ميمون، وقيل غير ذلك في اسم أبيه".

نخلص بعد ذلك إلى ما قاله أئمة النقد وأهل الشأن في هذا الراوي، ومن ثم إعطاء حكم يتفق وحاله الذي وصف به من قبلهم، والله الموفق للسداد.

نبدأ بما قاله البخاري فإنه قال عنه –فيما حكاه الترمذي-: "هو مقارب الحديث". ونتعرّض بالنسبة لهذا القول لشيئين:-

الأول: لضبطه.

الثاني: لمعناه، وهل هو من ألفاظ الجرح أوالتعديل؟.

وجملة القول: "أنه ضبط -بكسر الراء وبفحتها- وجهان معناهما واحد وهما من ألفاظ التعديل".

1 التاريخ لابن معين 2/517.

2 /92.

3 2/324.

ص: 453

وقيل بالوجهين ومعناها مختلف: بكسر الراء من ألفاظ التعديل، وبفتحها من ألفاظ التجريح.

وفي الكلمات التالية تفصيل ما أجمل:

قال السخاوي في "فتح المغيث"1: "هو من القرب ضد البعد وهو بكسر الراء كما ضبط في الأصول الصحيحة من كتاب ابن الصلاح المسموعة عليه، وكذا ضبطها النووي في مختصريه2، وابن الجوزي3. ومعناه: أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات.

وبفتح الراء: أي حديثه يقاربه حديث غيره، فهو –على المعتمد بالكسر والفتح-: وسط لا ينتهي إلى درجة السقوط، ولا الجلالة، وهو نوع مدح.

وممن ضبطها بالوجهين: ابن العربي، وابن دحية، والبطليوسي، وابن رشيد في "رحلته".

قال ابن رشيد: "ومعناها: يقارب الناس في حديثه، ويقاربونه أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر"، قال: "وما يدلك على أن مرادهم بهذا

1 1/339.

2 للنووي مختصران: الأول "الإرشاد" الذي اختصر فيه مقدمة ابن الصلاح، والثاني "التقريب" الذي اختصر فيه "الإرشاد" وهو الذي شرحه السيوطي في "تدريب الراوي".

3 تقويم اللسان/182.

ص: 454

اللفظ هذا المعنى ما قاله الترمذي في آخر باب من فضائل الجهاد من "جامعه"1، وقد جرى له ذكر إسماعيل بن رافع" فقال: ضعّفه بعض أهل الحديث، وسمعت محمداً –يعني البخاري- يقول: هو ثقة مقارب الحديث.

وقال في "باب ما جاء من أذّن فهو يقيم"2، والأفريقي يعني عبد الرحمن ضعيف عند أهل الحديث، ضعّفه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب عنه.

قال الترمذي: رأيت البخاري يقوي أمره، ويقول: هو مقارب الحديث.

فانظر إلى قول الترمذي أن قوله مقارب الحديث تقوية لأمره وتفهمه، فإنه من المهم الخافي الذي أوضحناه" ا?.

قال أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي"3: "يروى بفتح الراء وكسرها، وبفتحها قرأته.

فمن فتح أراد أن غيره يقاربه في الحفظ، ومن كسر أراد أنه يقارب غيره. فهو في الأول مفعول، وفي الثاني فاعل، والمعنى واحد" ا?.

ورد العراقي في "التقييد والإيضاح"4 على من قال أنه بفتح الراء من

1 5/308 مع تحفة الأحوذي.

2 جامع الترمذي 1/597 مع تحفة الأحوذي.

3 1/16.

4 /162.

ص: 455

ألفاظ التجريح، فقال: "وقد اعترض بعض المتأخرين بأن ابن السيد1 حكى فيه الوجهين: الكسر والفتح، وأن اللفظين حينئذ لا يستويان؛ لأن كسر الراء من ألفاظ التعديل، وفتحها من ألفاظ التجريح.

وهذا الاعتراض والدعوى ليسا صحيحين، بل الوجهان: فتح الراء وكسرها معروفان.

وقد حكاهما ابن العربي في "عارضة الأحوذي" وهما على كل حال من ألفاظ التوثيق.

وقد ضبط أيضاً في النسخ الصحيحة عن البخاري بالوجهين.

وممن ذكره من ألفاظ التوثيق الحافظ أبو عبد الله الذهبي في "مقدمة الميزان"2

وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء، وهذا فهم عجيب؛ فإن هذا ليس معروفاً في اللغة، وإنما هو في ألفاظ العوام، وإنما هو على الوجهين من قوله "سددوا وقاربوا".

فمن كسر قال: إن معناه: أن حديثه مقارب لحديث غيره

ومن فتح قال: إن معناه: أن حديثه يقاربه حديث غيره، ومادة فاعل تقتضي المشاركة إلا في مواضع قليلة والله أعلم.

واعلم أن ابن سيده حكى في الرجل المقارب الكسر فقط، فقال:

1 الاقتضاب في شرح أدب الكتاب/208.

2 رجعت إلى مقدمة الميزان فلم أجد فيها ذلك فلعله في نسخة أخرى.

ص: 456

"ورجل مقارِب بالكسر، ومتاع مقارَب بالفتح ليس بنفيس. وقال بعضهم: دين مقارِب بالكسر، ومتاع مقارَب بالفتح" هذه عبارته في "المحكم"، فلم يحك الفتح إلا في المتاع فقط.

وأما الجوهري1 فجعل الكل بالكسر وقال: ولا تقل مقارب بالفتح" ا?.

قال السيوطي في "تدريب الراوي"2: "وممن جزم بأن الفتح تجريح البلقيني في "محاسن الاصطلاح"، وقال: "حكى ثعلب: تبر3 مقارَب أي رديء" ا?.

وقد رجعت إلى "محاسن الاصطلاح"4 للبلقيني فرأيته قال: "مقارِب الحديث بكسر الراء من ألفاظ التعديل، وسوى البطليوسي بيّن الفتح والكسر وفيه نظر، فالفتح تجريح تقول: "هذا تبر مقارَب أي: "رديء" ذكره ثعلب" ا?.

1 الصحاح/199 وانظر: "تثقيف اللسان وتلقيح الجنان"/170 و"تقويم اللسان"/182 و"المصباح المنير" 2/598.

2 /235-236.

3 قال الفيروز أبادي في "القاموس المحيط" 1/379 "التبر بالكسر الذهب والفضة أو فتاتهما قبل أن يصاغا، فإذا صيغا فهما ذهب وفضة، أو ما استخرج من المعدن قبل أن يصاغ، ومكسر الزجاج وكل جوهر يستعمل من النحاس والصفر" ا?. وانظر: تاج العروس 10/276.

4 /240.

ص: 457

فالبلقيني لم يرتض التسوية بين الفتح والكسر من البطليوسي، واستند في جزمه بأن الفتح تجريح وليس تعديلا إلى ما نقله عن ثعلب.

والحاصل أن من فرّق بين مقارِب الحديث بكسر الراء ومقارَب الحديث بفتحها ليس عنده إلا ما ذكره ثعلب، ويمكن لندرته نفاه العراقي في جوابه الذي مضى على المعترض قال:"وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء، وهذا ليس معروفاً في اللغة، وإنما هو في ألفاظ العوام" ا?.

ولا يستبعد أن العراقي يقصد بهذا المعترض البلقيني من غير أن يفصح عنه، فإن البلقيني اعترض على البطليوسي الذي هو ابن السيد الذي ذكر عنه أنه يرى الوجهين من ألفاظ التعديل، وحينئذ فرّق بينهما البلقيني فرأى أن الكسر تعديل والفتح تجريح.

وإذا كان هذا المعترض في كلام العراقي هو البلقيني، فإنه لم يفهم الشيء المقارب بالفتح هو الرديء من تلقاء نفسه، كما عبّر عنه كلام العراقي بل فهمه بواسطة ما حكاه ثعلب من أهل اللغة فكيف يقول العراقي:"وهذا فهم عجيب فإن هذا ليس معروفاً في اللغة، وإنما هو في ألفاظ العوام".

ينبغي الرجوع إلى "فصيح ثعلب" إن كان ذكره فيه لنرى على أي وجه ذكر ثعلب ذلك الكلام1.

1 رجعت إلى "فصيح ثعلب" وهو مخطوط في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة إلا أنني لم اهتد لشيء من ذلك.

ص: 458

فإن كان ذكره على أنه لغة فإنه لا ينبغي الاعتراض، والقول بأنه ليس معروفاً في اللغة حينئذ.

ومن المحتمل أن يكون جواب العراقي صحيحاً، وأن الشيء المقارب بالفتح بمعنى الرديء لا تعرفه اللغة بل هو لحن، فإن ثعلب له كتاب بعنوان:"ما تلحن فيه العامة"1.

فمن الجائز أن يكون ثعلب حكى ذلك القول هنا في هذا الكتاب على أنه مما تلحن فيه العوام، ثم أخذه من أخذه واستعمله في جرح الراوي، يمكن أن يؤيد ذلك أي أنه لحن أن من قصر فتح الراء على المتاع؛ لأن بعضهم كالجوهري لا يجيز إلا كسر الراء مطلقاً، ويمنع فتحها، فيقول ولا تقل مقارب بالفتح، قال: إن معناه: "ليس بنفيس".

ولكن لا أظن هذا المعنى يصل إلى حالة الرداءة، ويكون معنى ليس بنفيس أي: رديء، لو كان هذا المقصود لما عبّر عنه وهو كلمة واحدة بكلمتين؛ فإن (رديء) كلمة واحدة (وليس بنفيس) كلمتان ولقيل: متاع مقارب بالفتح أي رديء، والحاصل أن معنى قولهم ليس بنفيس أي في حالة بين الجيد والرديء، فرجع معنى الفتح إلى الكسر.

1 انظر: الأعلام للزركلي 1/252.

ص: 459

والذي يعنينا بعد ذلك كله في كلمة "مقارب" هو اصطلاح المحدّثين؛ لأننا في مجال التجريح والتعديل الذي يقوم عليه تصحيح الأحاديث وتضعيفها، فما هو استعمالهم لها هل بالفتح أو الكسر؟

يجيبنا على هذا الزبيدي1 فإنه بعد أن تكلم عن كلمة مقارب في اللغة قال: "قال شيخنا: ومنه أخذ المحدّثون في أبواب التعديل والتجريح فلان مقارب الحديث ومقارب الحديث، فإنهم ضبطوه بكسر الراء وبفتحها كما نقله القاضي أبو بكر بن العربي في "شرح الترمذي"، وذكره شرّاح ألفية العراقي وغيرهم" ا?.

قال السخاوي في "فتح المغيث"2: "ومما ينبه عليه أنه ينبغي أن تتأمل أقوال المزكين ومخارجها، قال: "ومن ذلك "مقارب الحديث"، حيث قيل إنه بفتح الراء رديء، ولكن المعتمد كما تقدم أنه لا يختلف أمرها في فتح ولا كسر" ا?.

والخلاصة أن قول البخاري في أبي ظلال: "هو مقارب الحديث". تقوية لأمره، ومعناه كما قال ابن رشيد في "رحلته":"يقارب الناس في حديثه، ويقاربونه، أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر" ا?.

1 تاج العروس 4/13.

2 1/348-349.

ص: 460

فهو –كما قال السخاوي- "وسط لا ينتهي إلى درجة السقوط، ولا الجلالة، وهو نوع مدح" ا?.

والسخاوي قائل ذلك قد جعل مقارب الحديث في ألفاظ التعديل ولكن في المرتبة السادسة منها، وصاحب هذه المرتبة عنده يكتب حديثه للاعتبار، فنحن إذا مشينا على هذا لا يكون حديثه حسناً لذاته، كما فعل الترمذي؛ فإن قول الترمذي:"هذا حديث حسن غريب". يريد به غالباً أنه حسن لذاته، كما عرف هذا من اصطلاحه، وهو هنا قال عن هذا الحديث "حسن غريب" مع أن فيه أبا ظلال.

وقد قال فيه شيخه "مقارب الحديث" وقد عرفنا من صنيع السخاوي أن من قيل فيه ذلك أن حديثه يصلح للمتابعات، ومعنى هذا أنه كان له متابع أو شاهد ارتقى إلى درجة حسن لغيره، وإلا حكم على حديثه بالضعف؛ لخفة ضبط صاحب هذه المرتبة، فاتضح أنه لا يحكم لهذا الحديث بأنه حسن لذاته، ولا يحكم له بهذا الحكم بناء على قول البخاري، فكيف مع قول غيره الذي هو أسوأ.

والحق يقال إن البخاري انفرد من بينهم بأن كان حسن الرأي في أبي ظلال وإلا هذا ابن حبّان ذكره في "المجروحين"1، فقال فيه:"شيخ مغفل لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي عن أنس ما ليس من حديثه" ا?.

1 3/85-86.

ص: 461

وإذا قيل بأن ابن حبّان متشدد في التجريح حتى وصفه بعضهم بأنه متعنت في الجرح، فهذا ابن عدي يقول عنه في "الكامل"1:"عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات".

وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال"2 وقد ذكره في قسم "الكنى": "واه بمرة" ا?.

وقال في "المغني في الضعفاء"3 في قسم الكنى أيضاً: "ضعّفوه".

وهذه العبارة والتي قبلها في مرتبة واحدة عند الذهبي حسب اصطلاحه الذي بيّنه في مقدمة "ميزان الاعتدال"4، وهما عنده أسوأ من ضعيف. فأين هذا الذي قاله من ابن حبّان، وابن عدي، والذهبي مما قاله البخاري؟

كان على الترمذي على الأقل أن يعامل أبا ظلال معاملة شيخه البخاري له، فإن البخاري قد أخرج لأبي ظلال في صحيحه، ولكن في المتابعات.

قال ابن حجر في "مقدمة فتح الباري"5 وقد أورد فيها أبا ظلال؛

1 الجزء الرابع صفحة 407.

2 4/542.

3 2/792.

4 1/4.

5 /458.

ص: 462

لأنه أحد الرواة الذين انتقد البخاري بروايته لهم، قال:"هلال أبو ظلال عن أنس ضعّفه ابن معين، والنسائي، وقال البخاري: "مقارب الحديث" له موضع متابعة1 عن أنس في فضل العمى" ا?.

وفي نهاية الكلام عن الترمذي وقبل أن أصل إلى القول الذي أرجحه، وأميل إليه في أبي ظلال أقول:

هذا الذي ذكر من أن الترمذي قال في حكمه على هذا الحديث "حسن غريب" موجود في نسخة أحمد شاكر، وهي نسخة محققة على عدة نسخ من سنن الترمذي منها نسخة مطبوعة معها تحفة الأحوذي للمباركفوري، كما بيّن ذلك أحمد شاكر في مقدمته لسنن الترمذي.

1 يظهر من رمز ابن حجر له في "تقريب التهذيب" 2/325 أن هذه المتابعة تعليقاً فإنه رمز له بـ (خت) وقد صرّح ابن حجر بهذا في (القول المسدد 36-37) حيث قال: "قلت قد أخرج له الترمذي وحسّن له بعض حديثه، وعلق له البخاري حديثاً" ا?.

قال هذا ابن حجر في المصدر المشار إليه بمناسبة أن ابن الجوزي ذكر في كتابه (الموضوعات 3/267) حديثاً رواه أحمد في "مسنده" من طريق أبي ظلال، وقد دافع الحافظ ابن حجر عنه في "القول المسدد" انظر: أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي 2/482 وانظر: مسند الإمام أحمد بتحقيق وتعليق أحمد شاكر 3/230 رقم الحديث (13444) .

والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان في "المجروحين" 3/86 في ترجمة أبي ظلال.

ص: 463

وهو كذلك أي الوصف بحسن غريب في النسخة المطبوعة بين أيدينا من "تحفة الأحوذي"1.

وقد أورد الحديث المنذري في "الترغيب والترهيب"2، ثم عزاه للترمذي ونقل عنه الحكم على الحديث بالوصفين، فقال:"رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب".

ونقل المزي أيضاً في "تحفة الأشراف"3 الحكم بالوصفين عنه بعد أن عزاه إليه.

وكذا ذكر الشوكاني في "تحفة الذاكرين"4 أن الترمذي قال: "حسن غريب".

ولما أخرج الحديثَ البغويُّ في "شرح السنة"5 بإساده إلى الترمذي نقل بعد ذلك كلام الترمذي عليه، وفيه الحكم بالوصفين "حسن غريب" ا?.

تعرّضت لقضية النسخ هذه ليعلم صواب ما قاله الترمذي، وخطأ ما

1 3/194.

2 1/385.

3 1/422.

4 /19.

5 3/221.

ص: 464

نقله عنه النووي في "الأذكار النووية"1، فإنه قال عقب إيراده للحديث:"قال الترمذي حديث حسن" ا?.

هكذا بالاقتصار على الحسن فقط، مع أن كل الذي تقدم يدل على أنه قال فيه:"حسن غريب".

ولا ضير فإن هذا الاختلاف يقع دوماً؛ لاختلاف نسخ الترمذي التي مافتئ العلماء والمحققون ينبهون عليها، ويطلبون ممن يشتغل بسنن الترمذي مراجعتها على الأصول للتأكد من مثل ما وقع.

وبعد:

فإن الحكم الذي اختاره في أبي ظلال هو أنه ضعيف، وهذا هو الذي اختاره ابن حجر في "تقريب التهذيب"2، حيث قال: "هلال بن أبي هلال

البصري ضعيف. من الخامسة"، وابن حجر في اختياره هنا يبدو أنه صدر عن قول ابن معين3، وأبي حاتم4، والنسائي5، وابن الفتح الأزدي6، وغيرهم.

1 /61 وانظر: الفتوحات الربانيّة 3/63.

2 2/324.

3 التاريخ لابن معين 2/517.

4 الجرح والتعديل 4/2/74.

5 الضعفاء والمتروكين/104، 114.

6 تهذيب التهذيب 11/85.

ص: 465

فإن كل واحد منهم قال فيه ضعيف1. وقد قال ابن حجر في "فتح الباري"2: "وهو ضعيف عند الجميع، إلا أن البخاري قال: إنه مقارب الحديث".

فابن حجر لم يلتفت إلى تحسين الترمذي لحديثه، كما أنه لم يأخذ بقول البخاري فيه؛ لأن الرجل قيل فيه ما هو أشد من ذلك مما لو أخذ به لما جاز الاحتجاج بحديثه مطلقاً، ولرد ولم يقبل.

فليتوسط حينئذ في أمره، ولا يكون هذا التوسط إلا بقبول قول من قال فيه ضعيف.

فهذا القول قريب من قول من قال: إنه ضعيف جداً، ويشترك مع قول البخاري في أنه يعتبر بحديثه، ويصلح في المتابعات، ثم القول بأنه ضعيف هو قول الأكثر والله أعلم.

بعض الشواهد للحديث

للحديث شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة حسن لغيره، نقتصر هنا على بعضها. ومنها:

1 انظر: في مصادر ترجمة أبي ظلال: تهذيب الكمال (8) ورقة (726) ، (9) ورقة (809) والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان 2/661 والكنى والأسماء لمسلم ورقة (59) والأسامي والكنى لابن أحمد الحاكم ورقة (21) من الجزء الخامس عشر والكاشف 3/228 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/412.

2 10/117.

ص: 466

حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين، انقلب بأجر حجة وعمرة".

قال المنذري في "الترغيب والترهيب"1: "رواه الطبراني وإسناده جيد" ا?.

حديث أبي أمامة وعتبة بن عبد مرفوعاً: "من صلى صلاة الصبح في جماعة، ثم ثبت حتى يسبِّح الله سبحة الضحى2، كان له كأجر حاج ومعتمر تاماً حجة وعمرة".

قال المنذري في "الترغيب والترهيب"3: "رواه الطبراني وبعض رواته مختلف فيه" ا?.

حديث ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة، وقال:"من صلى الصبح، ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة، كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين".

1 1/387.

2 يعني حتى يصلي لله صلاة الضحى.

3 1/388.

ص: 467

قال المنذري في "الترغيب والترهيب"1: "رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق2 ففيه كلام".

1 1/387.

2 الفضل بن الموفق بن أبي المتّئد -بضم الميم وتشديد المثناة بعدها تحتانية مهموزة- الثقفي أبو الجهم الكوفي، فيه ضعف، من صغار التاسعة، روى له ابن ماجة (تقريب التهذيب 2/112) وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 8/287 وميزان الاعتدال 3/360 والمغني في الضعفاء 2/514 والجرح والتعديل 3/2/68.

ص: 468