المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهذه مذاهب فكرية - الإسلام ومواجهة المذاهب الهدامة

[محمد البهي]

الفصل: ‌أهذه مذاهب فكرية

‌أَهَذِهِ مَذَاهِبٌ فِكْرِيَّةٌ

؟

هذه جملة من المذاهب الهدامة توجه كمعاول هدم ضد الإسلام في غفلة من أكثر المسلمين، وربما عن وعي لقلة منهم .. وربما أيضًا بمعاونة بعض هذه القلة التي تعي ما يصنع الإسلام.

هنا: العلمانية .. وهنا الماسونية .. وهنا الصليبية العالمية .. وهنا الاستشراق .. وهنا الإلحاد العلمي .. وهنا العلم والدين.

نحن نطلق عليها «مذاهب» ولكنها في واقع أمرها: حيل وألاعيب، تخفي أهواء ورغبات:

[أ] من يقول: إن التربية الدينية تضاد الطبيعة البشرية؟.

- تقول ذلك فلسفة «جون ديوي» التربوية، التي من الأسف تؤسس عليها كليات التربية في مجتمعاتنا الإسلامية وهي فلسفة تتجه إلى «العلمانية» وإبعاد الدين عن مجال التربية، والتشريع مَعًا.

[ب] من يقول: إن «الماسونية» .. وهي دعوة إلى «العالمية» عن طريق إبعاد الدين .. والوطن .. والعرق، عن رؤيا الإنسان في الحكم والعلاقات بين الإنسان والإنسان: مذهب فكري واتجاه إنساني؟ نعم الدين يقول بأبعاد الوطن، والعرق، والقبيلة، عن مجال الرؤيا للإنسان، ولكنه يحدد هذا المجال بأبعاد الرسالة الإلهية، وهي المحيطة بخواص الطبيعة الإنسانية وحدود السبيل السوي لمواقفها وسلوكها.

إن الفكر في سلامته، وفي صحة منطقه: يجب أن لا يخضع للهوى والرغبات، فإذا حرصت الماسونية على مصالح اليهود وحدهم مفرقين في العالم، أو مجتمعين في إسرائيل، على حساب أهل الأديان الأخرى كانت لحزب دون آخر، وما هكذا يكون شأن الفكر، وإنما هو شأن الهوى.

ص: 9

[ج] من يقول: إن «الصليبية الدولة» في دفعها الدعوة إلى العمق في نفوس: المثقفين وأصحاب النفوذ والقيادة في كل مجال من المسلمين عن طريق: «نوادي الروتاري» .. وغيرها، كي يتجنبوا الإسلام في التعامل، والمعاملة، والنظرة إلى الحياة، مع أنفسهم ومع الآخرين عداهم: تكون مذهبًا مغايرًا «للماسونية» في نتائجها وإن اختلفت سبلها، واختلف أصحاب المصلحة والمنفعة فيها؟.

إنها ليست غير أهواء ورغبات، واتجاهها في النهاية اتجاه غير إنساني لأنه يتحايل على أن يأخذ ما بأيدي المسلمين برضاء المسلمين أنفسهم. فهو خدعة في التحايل والتلاعب.

[د] من يقول: إن بحوث المستشرقين تدخل تحت مفهوم «العلم» .. واتجاهاتهم فبها يحكي مذهبًا فكريًا، وهي بحوث تسعى لتشويه الإسلام في مبادئه والوصول في تصويرها في نظر المؤمنين بها: على أنها ضد رسالة الله، وعلى أن محمدًا صاحب القرآن: جانبه الصواب، وحاد عن الحق، عندما أَلَّفَهُ وخالفه فيه الإنجيل؟.

ومتى كان اختلاف القرآن مع الإنجيل سببًا في عدم صحة القرآن بالذات، ولو كان الاختلاف في أن القرآن يدعو لوحدة الألوهية، وإنسانية الرسول عيسى ابن مريم، بينما الإنجيل في يد النصارى الآن يدعو إلى «التثليث» في الألوهية و «تأليه» عيسى الرسول؟.

أليس قياس القرآن في الحكم بصحته أو بعدم صحته على الإنجيل القائم: تحزبًا للإنجيل وتحزبًا لما حرف في رسالة الله التي جاءت قبل القرآن؟ وأليس التعبير عن التحيز تعبيرًا عن رغبته؟.

ص: 10

[هـ] وما يسمى «بالإلحاد العلمي» وتعبيره عن إنكار الألوهية عن طريق ادعاء: أن المنهج العلمي يثبت: أن الله خرافة .. وأن الدين مخدر تخدر به الشعوب الكادحة (!!) عن طريق رجال الدين لحساب الأثرياء من أصحاب رؤوس الأموال، وإقطاع الأراضي الزراعية. أي منهج علمي يثبت ذلك؟ أهو منهج المادية الذي يجعل العقل تابعًا للبدن وظاهرة من ظواهره؟ فهل الله ظاهرة من ظواهر المادية وليس له وجود مستقل؟ وأية مادة هي التي تعتبر الله ظاهرة لها؟.

أهو منهج علم الاجتماع الذي يجعل الروابط بين الأفراد والمجتمع قوانين حتمية تلزم بها الأفراد؟. كما يجعل المجتمع مصدر الحركة والفاعلية في مصير الأفراد أنفسهم؟.

أي المجتمع في وجوده السابق المدعى والمستقبل عن الأفراد؟ أليس المجتمع ظاهرة تتبع الأفراد في تجمعهم وفي اتجاههم، دون أن يكون صاحب وجود مستقل؟.

وما يسمى بالمنهج العلمي في هذا المجال هو منهج الرغبة والهوى ممن هم أصحاب مصلحة في مطاردة الدين ورجاله، كي تفقد الجماهير سندها في الحياة وعندئذٍ تكون قيادتها هينة. إنه على أية حال ليس منهج الواقع والتجربة هو منهج الماركسية والغوغائية.

[و] وفي علاقة العلم والدين: يثار الادعاء بأن قضايا الدين غيبية وليست تجريبية أي لا تقع تحت إدراك الإنسان الحسي حتى يستطيع أن يخضعها للتجربة. والعلم نتيجة التجربة وحدها واليقين صفة من صفات العلم.

من قال: إن التجربة وحدها مصدر العالم؟.

ص: 11

أليست «الرياضة» عِلْمًا، ومع ذلك ليست نتيجة التجربة؟ وأليس «الاجتماع» مجموعة من التجارب، ومع ذلك ليس علمًا؟ إذ هو احتمال وسيظل احتمالاً، طالما الإنسان هو الإنسان: في تفاعله مع مجتمعه، وفي تطوره مع غده.

ولكن أليس إبعاد الدين عن مجال العلم ومجال المعرفة اليقينية سبيل من سبل مطاردته في المجتمع. وسبيل آخر لإفساح مجال الحياة الإنسانية للدولة، وتطبيقه على الكنيسة في سلطتها، وعلى رجال الدين في مناقشتهم وجدلهم؟.

أليس من مصلحة السياسيين في الدولة: أن يطارد الدين في المجتمع حتى لا يكون هناك مسؤولية للخطأ والصواب، وِفْقًا لرسالة الله قائمة على وجوههم؟.

إن هناك مصلحة. وهناك هوى. وهناك رغبة في اتهام الدين بأنه يناقض العلم. وهي مصلحة رجال السياسة على الأقل، قبل غيرهم.

* * *

إن ما نسميه بالمذاهب الهدامة ليست مذاهب فكر، ومنطق، تستهدف حماية الإنسان من التلبيس والخداع. إنها بالأحرى دعوة إلى التلبيس والخداع، والغفلة:

إن أربعة من هذه الاتجاهات تدعو المسلمين إلى «العالمية» وهي: العلمانية تدعو إلى العالمية ..

والماسونية تدعو إلى العالمية ..

* * *

ص: 12

والصليبية الدولية تدعو المسلمين إلى العالمية ..

والإلحاد العلمي الماركسي يدعو إلى العالمية ..

والدعوة إلى «العالمية» بين المسلمين هي دعوة لتركهم التمسك بالإسلام كإطار يجمع بين المسلمين .. هي دعوة لذوبانهم في الآخرين، وقبول قيادة الأقوياء أصحاب المصلحة في الدعوة إلى «العالمية» .

واثنان من هذه الاتجاهات يشككان في الإسلام .. وينتقصان من القيم الإسلامية وهما:

«الاستشراق» يدعو إلى التشكيك، والانتقاص من القيم الإسلامية.

و «علاقة العلم بالدين» : وتدعو إلى التشكيك في المعارف الدينية .. وهي معارف الوحي الإلهي - وإلى الانتقاص من القيم الإسلامية.

والدعوة بين المسلمين إلى التشكيك في معارف الوحي الإلهي .. وإلى الانتقاص من القيم الإسلامية: هي دعوة غير مباشرة إلى ترك الإسلام، أو على الأقل إلى الغض من قيمته، والتهاون في أمره.

* * *

ص: 13