المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ في مفهوم الصليبية الدولية: - الإسلام ومواجهة المذاهب الهدامة

[محمد البهي]

الفصل: ‌ في مفهوم الصليبية الدولية:

الأقوياء لدى بعض رجال الحكم، عند منح قروض أو مساعدات اقتصادية لشأن من شؤون الدولة: في ترقية بعض «المناسبين» من الوطنيين في هذا المجال .. أو في ذاك.

* * *

•‌

‌ فِي مَفْهُومِ الصَّلِيبِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ:

والصليبية الدولية هي عودة العالم المسيحي المعاصر عن طريق الديبلوماسية والأسالي الهادئة غير المباشرة إلى ممارسة الحروب الصليبية ضد الإسلام، انتقامًا منه، ومحاولة لإبقاء المسلمين ضعفاء، والفصل بين الكنيسة والدولة ليس له واقع عملي ضد تحقيق رغبات الكنيسة. فإذا كانت الكنيسة في القرون الثلاثة التي دفعت فيها أوروبا إلى إعلان العداء والحرب ضد المسلمين في ديارهم باسم الحروب الصليبية، تولت زعامة هذه الحروب صريحًا وعلانية، فإنها بعد اتفاق الفصل بين السلطتين ظلت صاحبة التوجيه لتيار الكثلكة في العالم جميعه، وأصبحت ديبلوماسية الدول المسيحية المعاصرة في خدمة هذا التوجيه، ويرى شأن هذه الديبلوماسية وتآزرها عند ما يحدث من نقد أو إجراء عملي ضد التبشير .. أو عند ما يحدث من كشف لبعض أسرار العمل المسيحي في إفريقيا وآسيا، في مجتمع من المجتمعات الإسلامية المعاصرة، والتآزر ليس بين سفارات الدول الكاثوليكية فقط، وإنما تنضم إليها سفارات البروتستانت، وفي مقدمتها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية.

وهكذا: الفصل بين السلطتين لم يمنع الكنيسة من أن تمارس النشاط السياسي فيما بعد الفصل - وهو أخص نشاط تتميز به

ص: 22

الدولة - عن طريق الأحزاب الديمقراطية المسيحية المعاصرة: من أن الفصل أيضًا تباشر دينًا، عن طريق خدمة الكنيسة وتوجيهها في المجتمعات الإسلامية العديدة.

فإذا انتقلنا للموازنة فقط بين عمل الديبلوماسية للدول المسيحية في العصر الحاضر وعمل الديبلوماسية للدول العربية الإسلامية - وهي ما عدا تركيا وبنجلاديش، لم تعلن بعد: الفصل بين الإسلام والدولة - نجد أن هذه الدول الأخيرة العربية والإسلامية تهرع إلى الهرب من شيء اسمه الإسلام وتتغاضى تمامًا عما يسيء إليه في دوريات أو صحف أو في وسائل الإعلام الأجنبية.

والعرب والمسلمون يخدمون أنفسهم إذا اعتقدوا - أو ظنوا على الأقل - أن العلمانية في الدول الغربية حاجز ضد ممارسة الدين في سياسة هذه الدول - إذ لم يتغير أمر هذه الدول بعد الفصل بين السلطتين عما كان من قبل، إلا الأسلوب والوسيلة، وإنجلترا وتاجها هو «الحامي» للبروتستانت .. وفرنسا وهي الحامية للكثلكة، ومعهما الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحامية للكنيستين، تؤدي كل واحدة فيهما دور «الحماية» في كثير من اليقظة أو على وجه السرعة لدور الكنيسة، أية كنيسة، في العالم الخارجي.

في تطبيق الصليبية الدولية:

وعلى نحو تطبيق الماسونية في المجتمعات الإسلامية: تطبيق الصليبية الدولية فيها، والمجالان: الاجتماعي والثقافي هما المفضلان لدى الأقوياء

ص: 23

أصحاب المصلحة في الدعوة إلى الصليبية الدولية في إسناد الوظائف ذات النفوذ أو ذات الرياسات العليا، إلى أوليائهم من الوطنيين. ويلحق المجال القانوني بالمجالين السابقين: فرؤساء تحرير الصحف .. ورؤساء مجالس إداراتها .. ورؤساء الجامعات .. ورؤساء الأقسام العلمية .. والأساتذة فيها. قلما يكون واحد منهم غير مؤهل في قبول المهنة التي يباشرها أي ناد من نوادي «الروتاري» في مجتمع إسلامي. وتلقى حركات «تحرير المرأة» كل رعاية من صاحب المصلحة في الدعوة إلى الصليبية الدولية: سواء في تحديد النسل، أو في اختلاط المرأة .. أو ممارسة الحرية الفردية في الرحلات أو في الزواج، أو في العمل الخارجي .. الخ.

هذا من جانب، ومن جانب آخر يحاصر الأشخاص أصحاب الرأي المعارض أو الكاشف للصليبية الدولية في المجتمع الإسلامي، في دوائر عملهم بحيث لا يتجاوزونها .. وبحيث لا تسلط عليهم الأضواء - كما يقال - في الصحف وفي وسائل الإعلام .. وبحيث لا يشاركون في نشاط خارجي عن دائرة عملهم الرسمي، ولا يكلفون بمهام أخرى في مؤسسات دولية، ولا يقلدون أي وسام من حكوماتهم يشير إلى جدارتهم.

ومثل التوسط في رفع بعض الأشخاص القياديين من الوطنيين .. إلى وظائف أعلى أكثر نفوذًا: الحث بطريق غير مباشر على تعديل قانون الأسرة والأحوال الشخصية وبالأخص أمور: الطلاق .. وتعدد الزوجات .. والإرث .. وكذلك ما يسمى بتنظيم النسل والاستجابة السريعة في أي مجتمع إسلامي معاصر: أمارة على طواعية نظام الحكم للتوجيه الأجنبي الخاضع للصليبية الدولية.

ص: 24

وعلى نمط تعديل قوانين الأسرة المسلمة بما لا يرضي الله وإن كان يرضي بعض الزعيمات لحركة تحرير المرأة: إعلان «التقريب» بين المسيحية والإسلام عن طريق إنشاء بعض الجمعيات والبيئات المشتركة .. والدعوة إلى إنشاء أماكن للعبادة للأديان الثلاثة: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، يجاوز بعضها بعضًا، رمزًا لوحدة الأديان السماوية الثلاثة .. وهل الأديان الثلاثة الآن بعد عصر الرسالات يساوق بعضها بعضًا.

ولو كانت الأديان الثلاثة واحدة لما كان هناك سبب يدعو إلى الوحي بالمسيحية بعد التوراة .. ثم إلى الوحي بالإسلام بعد الإنجيل.

وإنما جاءت المسيحية لتعيد إلى رسالة الله في التوراة: الوضع السماوي الصحيح. وجاء القرآن ليوضح ما اختلف فيه أهل الكتاب من أصحاب الإنجيل والتوراة، من رسالة الله فيه، فالقرآن مهيمن، وفيصل وصاحب الكلمة فيما اختلف فيه أهل الكتاب السابقين. ولذا ليس ندًا ولا مساوقًا، هو حكم عليهما.

وكيف تكون المساوقة بين الأديان الثلاثة والقرآن يدعو إلى وحدة الألوهية وبشرية الرسول، بينما الإنجيل الآن يدعو إلى التثليث وألوهية عيسى؟. وكيف تكون المساوقة والقرآن يدعو إلى المساواة في الاعتبار البشري بينما التوراة الآن تدعو إلى «العنصرية» وإلى أن اليهود هم شعب الله المختار؟.

في سبتمبر 1953 انعقد في جامعة برنستون ومكتبة الكونجرس في واشنطن مؤتمر من رجال الفكر الإسلامي، بدعوة من الجامعة لدراسة الفكر الإسلامي المعاصر، ولكن في واقع الأمر أقيم هذا المؤتمر لإعطاء

ص: 25