المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ في مفهوم العلمانية .. وفي تطبيقها: - الإسلام ومواجهة المذاهب الهدامة

[محمد البهي]

الفصل: ‌ في مفهوم العلمانية .. وفي تطبيقها:

•‌

‌ فِي مَفْهُومِ العِلْمَانِيَّةِ .. وَفِي تَطْبِيقِهَا:

يؤول مفهومها إلى «الفصل» بين سلطتين، إحداهما دينية، والأخرى دنيوية أو الفصل بين حكومتين: حكومة الكنيسة. وحكومة الدولة، وحكومة الكنيسة هي حكومة إلهية معصومة عن الخطأ. لأن «بَابَا» الكنيسة عندما ينصب عليها تحل فيه «روح المسيح» وهو ابن الله في اعتقاد طائفة من المسيحيين .. بينما حكومة الدولة هي حكومة بشرية تصيب وتخطأ .. وهي عندئذٍ ليست لها عصمة.

ومعنى الفصل بين السلطتين: أن كل سلطة لها الحرية في التصرف، ودون معارضة من السلطة الأخرى، فالكنيسة لها الرأي الأول في شؤون الأسرة: في التعميد .. وفي الزواج .. وفي الحكم بإلغاء الزواج .. وفي الوفاة ومراسيمه. والدولة الزمنية لها الحرية في التعليم .. وفي التشريع .. وفي الاقتصاد .. وفي الشؤون السياسية .. وفي فرض الضرائب وجبايتها .. وفي إعلان الحرب وقبول السلام

إلخ.

والكنيسة عندئذٍ إن مارست السياسة تمارسها من وراء ستار .. بأن تساعد حزبًا سياسيًا معينًا. كالحزب الديمقراطي المسيحي. وإن مارست التعليم ففي مدارس دينية معينة كمدارس الجزويت .. والغرير، وبدون مساعدة مادية من الدولة .. وهكذا.

وهذا الفصل بين السلطتين في الساحة الغربية جر إليه خلافهما وطول الخصومة بينهم. ومع هذا الفصل فإن السطلة الزمنية أو سلطة الدولة السياسية لا تتباطأ في تقديم الديبلوماسية للكنيسة كلما طلب منها. ولذا نفوذ الكنيسة على السلطة السياسية

ص: 15

في أوروبا طوال القرون الصلييبية الثلاثة لم يضعف بعد الفصل بين السلطتين إلا في ظاهر الأمر فقط. ولم تزل الكنيسة ذات تأثير قوي، عن طريق الأحزاب الديمقراطية المسيحية في العالم الكاثوليكي كله.

والشرق الإسلامي عندما جاءه الاستعمار الغربي (1)، على الأخص، منذ القرن التاسع عشر: فرض العلمانية في المجتمعات الإسلامية: فرضتها هولندا .. والبرتغال .. وإنجلترا .. وفرنسا، بمفهوم يغاير مفهوم الفصل بين سلطتين. وهو مفهوم «إبعاد الدين» عن الدولة. أي إبعاد الإسلام عن الحكم وشؤونه، إذ ليس في الإسلام مكان للسلطتين، ولا لحكومتين. فسلطة الحكم في الإسلام سلطة واحدة تعمل بكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام. وهي سلطة غير معصومة عن الخطأ. لأنها سلطة بشرية وتظل بشرية رغم أنها تستند في الحكم إلى القرآن، والسنة الصحيحة.

في تطبيق العلمانية:

وهنا يأتي دور التطبيق للعلمانية، وهي إبعاد الإسلام عن الدولة وشؤونها .. ويسعي القوي - وهو الأجنبي، عن طريق أصحاب النفوذ في نظام الحكم القائم في المجتمع الإسلامي - إلى ازدواج التعليم ما بين ديني، ومدني .. وازدواج القضاء ما بين شرعي وأهلي أو مدني، في أولى مراحل تطبيق العلمانية.

تكون هناك مدارس أو معاهد ابتدائية وثانوية للتعليم الوطني أو الديني الإسلامي، كما تكون هناك مدارس ابتدائية وثانوية للتعليم المدني وتقوم هناك بعض الجامعات على أساس علماني: أي في السعودية،

(1) تقريبًا انتشر في جميع مجتمعاته.

ص: 16

أو القرويين في الرباط، أو الزيتونة في تونس والبيضاء في ليبيا، على أساس وطني أو إسلامي تراعى فيها المواد الإسلامية والعربية وتقل فيها الدراسات الإنسانية، وتختفي منها الرياضة، والعلوم التجريبية والطبيعية.

وفي المرحلة الثانية لتطبيق العلمانية في دائرة التعليم تعمل القوى الأجنبية على إضافة المواد الإنسانية، والرياضية، والطبيعية إلى مناهج المدارس أو المعاه الدينية دون أن تضيف المواد العربية أو الإسلامية إلى مناهج المدارس المدنية. كما تحاول إلغاء الجامعات الدينية وتحويل مواد الدراسة فيها إلى كلية تنشئها باسم كلية الدراسات الإسلامية والعربية تضاف إلى كليات الجامعة المدنية أو العلمانية. كما تم في إلغاء جامعة البيضاء الإسلامية، وضم الدراسة فيها إلى جامعة بني غازي المدنية .. وفي إلغاء جامعة القرويين وضم الدراسة فيها إلى جامعة الرباط المدنية .. وفي إلغاء جامعة الزيتونة وضم الدراسة فيها إلى جامعة تونس المدنية والعلمانية. وقد كانت هذه المحاولة في مصر بالنسبة للأزهر، ولكنها لم تقم حتى الآن.

وكذلك - في المرحلة الأولى للعلمانية - ينوع القضاء، فتقام بعض المحام المدنية بجانب المحاكم الشرعية، على أن تحل المحاكم المدنية تدريجيًا محل المحاكم الشرعية، إلى أن يلغى هذا النوع الأخير، كما ألغي في مصر على يد وزير العدل أحمد حسني على عهد ما يسمى بالثورة المصرية. وكما ألغي في تونس، وفي مجتمعات إسلامية أخرى.

وعلى أن يحل القانون الوضعي محل الشريعة الإسلامية، رغم أنه قد ينص في بعض دساتير المجتمعات الإسلامية على أن الشريعة الإسلامية

ص: 17

مرجع رئيسي أو المرجع الرئيسي للتشريع، بينما قد ينض في البعض الآخر بدلاً عن ذلك: بأن اسم الدولة: مسلم.

وتدريجيًا يخف الرجوع إلى التراث الإسلامي والمصادر الإسلامية ويتجه الاعتماد على ما للغرب من: ثقافة .. وتشريع .. وتخطيط في البحث والتعليم. وبذلك يضعف استقلال المجتمعات الإسلامية، بينما تشتد تبعيتها لصاحب القوة في التوجيه، وصاحب المصلحة في إضعاف استقلال المجتعات الإسلامية.

وقوة معاول الهدم، تحت تأثير العلمانية، يوجهها القوي صاحب المصلحة في إضعاف المسلمين اليوم: إلى «الأحوال الشخصية» .. تحت ستار: «تحرير المرأة» .. وقد نالت هذه المعاول فعلاً من هدم هذا الركن الباقي علميًا في المجتمعات الإسلامية، فألغى تعدد الزوجات أو قيده بما يخرجه عن كونه «رخصة» ويجعله مصدر ضرر .. وقيدت ولاية الرجل على المرأة بما يسلب هذه الولاية منه عند خروج الزوجة إلى العمل خارج المنزل، فلها وحدها حق اختيار العمل وحق الخروج إليه دون حاجة إلى إذن الزوج، رغم عدم الحاجة إلى إذنه فإنه هو ملزم بالإنفاق عليها، ولو كان عملها لا يتم إلا بالاختلاط مع غير المحارم .. ولو كان علمها بالليل أو على حساب رعاية الأولاد.

ودفع حركة تحرير المرأة إلى الخروج عن المسار الإسلامي الصحيح ليس عن طريق العلمانية وحدها، وإنما عن طريق الصليبية الدولية، والإلحاد العلمي كذلك. فلا بأس من أن تعين المرأة سفيرة .. ورئيسة مجلس إدارة لهيئة من هيئات النشر الحكومية .. ورئيس لبعض أجهزة الإعلام الرئيسية .. وَهَلُمَّ جَرًّا .. ولا بأن تتبنى

ص: 18