الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا: بأن أقل الجمع ثلاثة ولا يشك في أن ذلك المقدار مراد باللفظ وما زاد على ذلك مشكوك فيه. فلا يحمل اللفظ عليه إلا بدليل.
ثانيا: لفظ الجميع لو اقتضى العموم لوجب إذا قال: لفلان عندي دراهم ألا يقبل منه ثلاثة دراهم. ولما أجمعنا على أنه يقبل منه ثلاثة دراهم. علمنا أن اللفظ محمول على أقل ما يتناوله.
باب: الحقيقة والمجاز
(1)
مسألة: المجاز في القرآن:
اختلف العلماء في وقوع المجاز في القرآن الكريم.
فقال أبو بكر بن داود: "بأن المجاز في اللغة، وليس في القرآن مجاز". فرد عليه أبو العباس ابن سريج بوقوع المجاز في القرآن1 وقد استدل على رده بقوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَات} 2.
وجه الاستدلال: أن الصلوات لا تهدم وإنما أراد به مواضع الصلوات. وعبر بالصلوات عنها على سبيل المجاز. وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. فلم يكن لأبي بكر من جواب على ما استدل به ابن سريج.
1 انظر: شرح اللمع 170، والإبهاج شرح المنهاج 1/297.
2 سورة الحج آية: 40.
(2)
مسألة: هل يحمل اللفظ على الحقيقة قبل البحث عن المجاز أم لا
؟.
معنى ذلك هل يحمل اللفظ على معناه الحقيقي ابتداء أم لابد من البحث عن معناه المجازي قبل حمله على الحقيقي؟. اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
فقال أبو العباس بن سريج: "يجب طلب المجاز قبل استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي"3.
3 انظر: الإبهاج شرح المنهاج2 /142.
باب: المفهوم
(1)
مسألة: مفهوم الصفة:
هذه المسألة تسمى عند علماء الأصول بمسميات كثيرة منها: "مفهوم المخالفة" ومنها:
"دليل الخطاب". ومنها: "العمل بالوجوه الفاسدة". ومثلها قوله الرسول صلى الله عليه وسلم: "في سائمة الغنم زكاة"1.
وهل معنى هذا نفي الزكاة عن المعلوفة من الغنم أم لا؟. اختلف علماء الأصول في ذلك:
فقال أبو العباس ابن سريج: "تعليق الحكم على صفة لا يدل على انتفاء الحكم فيما لم توجد فيه تلك الصفة2 إلا إذا جاء بلفظ الشرط". وقد استدل على قوله هذا بالأدلة الآتية3:
أولا: استدل بقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} 4.
وجلا الاستدلال: أنه لو كان كما قلتم لكان في الآية دليل على جواز القتل عند انتفاء خشية إملاق وهو الفقر، وليس كذلك، بل هو حرام.
ثانيا: لو دل تخصيص الحكم بالصفة على نفيه عما عداه لدل تخصيصه بالاسم على نفيه عما عداه. لكن التخصيص بالأسماء لا يدل على نفيه عما عداه. فالتخصيص بالصفة وجب أن لا يدل على نفيه عما عداه.
ثالثا: ثبوت الحكم في إحدى الصورتين لا يلزمه ثبوت الحكم في الصورة الأخرى والإِخبار عن ثبوت ذلك الحكم في إحدى الصورتين لا يلزمه الإِخبار عنه في الصورة الأخرى، فإذن الإخبار عن ثبوت الحكم في إحدى الصورتين لا يدل على حال الصورة الأخرى ثبوتا وعدما.
رابعا: ليس في كلام العرب كلمة تدل على شيئين متضادين وهذا اللفظ يدل على إثبات الحكم ونفيه، وهذا خلاف اللغة.
خامسا: لو كان تعليق الحكم على الصفة للشيء يدل على نفيه عما عداه لوجب أن لا يحسن فيه الاستفهام، كما لا يحسن في نفس النطق.
1 انظر: فتح الباري _ باب الزكاة الغنم _ 3/317 وتلخيص الحبير 2/156 ومختصر سنن أبي داود _ باب في زكاة السائمة _ 2/182، والمعتبر/170.
2 انظر: الوصول إلى علم الأصول 1/342، وتنقيح المحصول 1/151، والإبهاج شرح المنهاج 1/371، ونهاية السول 1/320، والملخص في الجدل في أصول الفقه 1/69، وأحكام الفصول 522، وقواطع الأدلة /لوحة رقم71، وشرح مختصر روضة الناظر2/ 551، وشرح اللمع 1/428، وكشف الأسرار 1/107، والتبصرة 218.
3 انظر: المراجع السابقة.
4 سورة الإسراء آية: 31.
سادسا: بأن نفي الحكم عن غير المنصوص لا يفهم من مجرد الإثبات إلا بنقل متواتر من أهل اللغة، أو جار مجرى التواتر كعلمنا بأن قولهم ضروب وقتول وَأمثالهما للتكثير، وإن قولهم عليم وقدير وأقدر للمبالغة. ونقل الآحاد لا يكفي إذ الحكم على اللغة ينزل عليها كلام الله تعالى بقول الآحاد مع جواز الغلط، لا سبيل إليه، ولم يوجد.
سابعا: أهل اللغة فرقوا بين العطف وبين النقض. وقد قالوا أضرب الرجال الطوال والقصار عطف، وليس بنقض. ولو كان قوله أضرب الرجال الطوال يدل على نفي ضرب القصار لكان قوله والقصار نقضا لا عطفا.
ثامنا: الخبر عن ذي الصفة لا يبقي غير الموصوف، فإن الرجل إذا قال: قام أسود، أو خرج، لم يدل على نفيه عن الأبيض. بل هو مسكوت عن الأبيض فكذلك الأمر.
تاسعا: بمفهوم الاسم واللقب. فإن الأسماء موضوعة لتمييز الأجناس والأشخاص كإنسان وزيد. والصفات موضوعة لتمييز النعوت والأحوال كطويل وقصير، وقائم وقاعد. فإذا كان تقييد الخطاب بالاسم لا يدل على نفيه عما عداه، فإنه إذا قيل في الإبل الزكاة لا يدل ذلك على نفيها عن البقر. وجب أن يكون التقييد بالصفات بمثابته.
عاشرا: كان دليل الخطاب يقتضي الحكم لكان ذلك مستنبطا من اللفظ، وما استنبط من اللفظ لا يجوز تخصيصه كالعلة.
حادي عشر: ما روي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: "قلت لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وأنا يومئذ حديث السن. أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 1 فما أرى على أحد شيئا ألا يطوف بهما". قالت عائشة رضي الله عنها: "كلا يا ابن أخي لو كان كما قلت لكانت "فلا جناح عليه ألا يطوف بهما". فهذه عائشة وهي من أهل اللسان لم تحكم للمسكوت عنه ضد حكم المنطوق به، واعتذر عروة رضي الله عنه ما اعتقد ذلك بحداثة سنه، وأنه لم يكن فقه بعد. وإذا كان هذا طريقه اللغة. وجب أن يرجع إلى قول عائشة رضي الله عنها. والله أعلم وأحكم.
ثاني عشر: لو دل الخطاب المقيد بالصفة على نفي ما عداه لدل عليه إما بصريحه ولفظه، وإما بفائدته ومعناه. وليس يدل علية من كلا الوجهين. فإذا ليس يدل عليه. أما صريحه فلأنه ليس فيه ذكير لما عدا الصفة. ألا ترى أن قول القائل "أدوا عن الغنم السائمة الزكاة" ليس فيه ذكر للمعلومة أصلا.
1 سورة البقرة آية: 158.