الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: السنة
(1)
مسألة أنواع السنن:
قال أبو العباس ابن سريج مشيرا إلى حكم هذه المسألة بقوله1: "إذا قيل لك: السنن على كم ضرب؟ فقل على ضروب ثلاثة: فمنها ما يؤخذ من الأمر. والأمر أمران. أمر فرض وأمر ندب فالأوامر: إذا وردت فهي على الإيجاب حتى تقوم دلالة الندب.
وضرب ثان: وهو ما أخذ عن الفعل والأفعال على ضربين: فعل عام وفعل خاص. فأفعاله صلى الله عليه وسلم على العموم حتى تقوم دلالة الخصوص، وعمومها داخل في ضربي الأمر من الفرض والندب.
والضرب الثالث: ما أخذ عن العمل بحضرته صلى الله عليه وسلم يوجد منه نهي عنه. وهذا ضرب واحد وهو على الندب دون الفرض فهذه طرق السنن.
والسنن فيها مجمل ومفسر، والمذهب في ذلك القضاء بمفسرها على مجملها. وفيها ناسخ ومنسوخ. فيحكم بناسخها على منسوخها.
ومنها: مقدم ومؤخر فيستعمل حكم ذلك على ما يوجبه فيها.
وفيها خاص وعام. والعموم أولى بنا من الخصوص حتى تقوم الدلالة على الخصوص فيما مخرجه العموم.
وكذلك إذا كانت خاصة فهي على خصوصها حتى تقوم دلالة العموم".
1 انظر: الودائع بمنصوص الشرائع 670.
(2)
مسألة: فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد عن القرائن وظهر فيه قصد القربى:
المراد من فعل النبي هنا هو فعله الذي يصدر منه ابتداء بحيث لم يكن امتثالا لأمر ولا بيانا لمجمل، ولم يقرن به ما يفيد بيان صفته إلا أنه اقترن به ما يفيد قصد القربى فقد اختلف العلماء في تحديد صفته على أقوال:
فقال أبو العباس ابن سريج: "يدل على الوجوب"2.
وقال الشيرازي في شرح اللمع3 مشيرا إلى قول ابن سريج بأنه قال: "يدل على الوجوب ولا يحمل على غيره إلا بدليل".
2 انظر: نهاية السول 2/198، والمحصول جـ2/ق1/507، والبرهان في أصول الفقه 1/489.
3 انظر: شرح اللمع 1/546، والتبصرة/ 242، وانظر أيضا بيان معاني البديع 2/939، وتنقيح المحصول 2/314، وبيان المختصر 1/285.
بينما قال عبد العزيز البخاري في كشف الأسرار1. إن ابن سريح قد قال: "بأنه يصح إطلاق الأمر عليه بطريق الحقيقة، ويجب علينا اتباعه".
وجاء عنه أنه قال: "إن لم تعلم صفته في حقه، وظهر فيه قصد القربى فإنه للوجوب"2.
وخلاصة ما ورد عنه أنه يقول بأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد عن القرائن يحمل على الوجوب إن ظهر فيه قصد القربى والعبادة.
وقد استدل على قوله هذا بالأدلة الآتية3:
أولا: قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 4.
وجه الاستدلال: أن هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، لذا يجب اتباعه في أقواله وأفعاله.
ثانيا: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} 5.
وجه الاستدلال: أن الأمر هذا يستعمل في القول والفعل والدليل عليه قوله عز وجل {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْض} 6 وقوله عز وجل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 7.
وقول الشاعر:
فقلت لها: أمري إلى الله كله
…
وإني إليه في الآياب لراغب
والمراد من الأمر بذلك كله هو الفعل. والتحذير عن مخالفته يقتضي وجوب موافقة فعله.
ثالثا: قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} 8.
1 انظر: كشف الأسرار 1/102.
2 انظر: إرشاد الفحول 32، وأحكام الفصول 309.
3 انظر: شرح اللمع1/456، والمحصول جـ2/ق1/507، والبرهان في أصول الفقه1/489، وأحكام الفصول 309، والتبصرة 242.
4 سورة الأعراف آية: 158.
5 سورة النور آية: 63.
6 سورة السجدة آية: 5.
7 سورة الشورى آية: 38.
8 سورة الأحزاب آية: 21.
وجه الاستدلال: أن هذه الآية وردت في حق من تخلف عن غزوة أحد، ولم يتأس بالرسول صلى الله عليه وسلم في حضورها فتوعد على ذلك بقوله:{لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} وهذا إنما يستعمل عند الوعيد كما نقول "لا يترك الصلاة من يؤمن بالله واليوم الآخر. يريد بذلك أن تركها من أفعال الكفر وأفعال من لا يؤمن بالله. وبهذا لا معنى للتأسي به إلا أن يفعل الإنسان مثل فعله.
رابعاً: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} 1.
وجه الاستدلال: دلت الآية الكريمة على أن محبة الله عز وجل مستلزمة للمتابعة. لكن المحبة واجبة بالإجماع، ولازم الواجب واجب فمتابعته واجبة.
خامساً: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} 2.
وجه الاستدلال: أنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل فعلا فقد أتانا بالفعل، فوجب عَلينا أن نأخذه. والشاهد لذلك قوله عز وجل في تتمة الآية {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} والنهي إنما يقارنه على مضادة الأمر.
سادساً: قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} 3:
وجه الاستدلال: لم يفرق بين طلب طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. وطاعة الله سبحانه وتعالى واجبة فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة.
سابعاً: قوله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} 4.
وجد الاستدلال: دلت الآية على أنه تعالى إنما زوجه بها ليكون حكم أمته مساويا لحكمه في ذلك وهذا هو المطلوب.
ثامناً: الإجماع من الصحابة الكرام رضي الله عنهم في رجوعهم إلى قول السيدة عائشة رضي الله عنها لما اختلفوا في وجوب الغسل من التقاء الختانين. فقالت عائشة رضي الله عنها: "فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا"5 فأجمعوا على الأخذ به ووجوب فعله. وهذا إجماع منهم على أن مقتضاه الوجوب.
1 سورة آل عمران آية: 31.
2 سورة الحشر آية: 7.
3 سورة المائدة آية: 92.
4 سورة الأحزاب آية: 37.
5 انظر: سنن الترمذي –باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل-1/181، ونيل الأوطار –باب موجبات الغسل-1/ 222، وتلخيص الحبير 1/ 134.