الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واشتهر النقل عن ابن سريج أنه قال: "ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه، ولا يصل إلى معرفة الكلام".
ثانيا: تقديم العلماء له عليهم تقديرا لمكانته العلمية:
ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه1 أن العلماء باتفاق يحترمون مكانة ابن سريج العلمية ويقدمونه عليهم نظرا لهذه المكانة لذا ذكر هذه الرواية مشيرا لهذا المعنى إذ قال: أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد الهروي في كتابه، حدثنا الحسن بن إبراهيم بن الحسين الليثي بمصر، حدثني الحسين بن الفتح. قال:"كان ببغداد جمع للقضاة والمعدلين والفقهاء وقاموا ليمضوا إلى موضع فاتفقوا على أن يتقدمهم أبو العباس بن سريج، ومنهم من هو في سن أبيه".
1 انظر: تاريخ بغداد 4/289.
ثالثاً: مناظرته العلمية للعلماء وانتصاره فيها عليهم
…
ثالثا: مناظراته العلمية للعلماء وانتصاره فيها عليهم:
ويمكن التمثيل لهذه المناظرات بالصور الآتية2:
(1)
اجتمع أبو العباس بن سريج وأبو بكر محمد بن داود الظاهري فاحتج أبو بكر على أن أم الولد تباع إذ قال: "أجمعنا إنها كانت أمة تباع، فمن ادعى أن هذا الحكم يزول بولادتها فعليه الدليل". فقال له أبو العباس بن سريج: "وأجمعنا على أنها لما كانت حاملا لا تباع فمن ادعى أنها تباع إذا انفصل الحمل فعليه الدليل". فبهت أبو بكر الظاهري.
(2)
كان العباس بن سريج وأبو بكر محمد بن داود الظاهري إذا حضرا مجلس القاضي أبي عمر محمد بن يوسف لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن مما يجرى بينهما. وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر في الحضور في المجلس. فتقدمه أبو بكر فسأله: "حدث من الشافعيين عن العَود الموجب في الظهار ما هو؟ ".
فقال: "إنه إعادة القول ثانيا": وهو مذهبه، ومذهب داود فطالبه بالدليل: فشرع فيه، ودخل ابن سريج، فاستشرحهم ما جرى فشرحوه فقال ابن سريج لابن داود:"يا أبا بكر أعزك الله هذا قول مَن مِن المسلمين تقدمكم فيه". فاستشاط أبو بكر من ذلك. وقال: "أتقدر أن من اعتقدت أن قولهم إجماع في هذه المسألة. إجماع عندي. أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك". فغضب ابن سريج وقال: "إئت يا أبا بكر بكتاب "الزهرة " أمهر منك في هذه الطريقة". فقال أبو بكر: "وبكتاب "الزهرة تعيرني؟ والله ما
2 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/26.
تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وإنه لمن أحد المناقب إلا كنت أقول فيه:
أكرر في روض المحاسن مقلتي
…
وأمنع نفسي أن تنال محرما
وينطق سرى عن مترجم خاطري
…
فلولا اختلاس رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم
…
فما أن أرى حبا صحيحا مسلما"
فقال له ابن سريج: "أو علي تفخر بهذا أم القول وأنا الذي أقول:
وماهر بالفتح من لحظاته
…
قد بت أمنعه لذيذ سنائه
ضنا بحسن حديثه وعتابه
…
وأكرر اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده
…
ولى بخاتم ربه وبداته"
فقال أبو بكر لأبي عمر: "أن الله القاضي قد أقر بالميت على الحال التي ذكرها وأدعى البراءة بما يوجبه، فعليه إقامة البينة".
فقال ابن سريج: "من مذهبي أن المقر إذا أقر قرارا وناطه بصفة كان إقراره موكولا إلى صفته".
فقال ابن داود: "للشافعي في هذه المسئلة قولان". فقال ابن سريج: "فهذا القول الذي قلته اختياري الساعة".
(3)
كان علي بن عيسى الوزير منحرفا عن أبي العباس بن سريج لفضل ترفعه، وتقاعده عن زيارته منصبا بالميل إلى أبي عمر المالكي القاضي لمواظبته على خدمته، ولذلك كان ما قلده من القضاء. وكانت في أبي عمر نخوة على أكفائه من فقهاء بغداد لعلو مرتبته، فحمل ذلك جماعة من الفقهاء على تتبع فتاويه حتى ظفروا له بفتوى خالف فيها الجماعة وخرق الإجماع. وأنهى ذلك إلى الخليفة والوزير فعقدوا مجلسا لذلك. وكان فيمن حضر أبو العباس بن سريج. فلم يرد على السكوت. فقال له الوزير:"ما تقول في ذلك". فقال: "ما أكاد أقول فيهم، وقد ادعوا عليه خرق الإجماع، وأعياه الانفصال عما اعترضوا به عليه، تم أن ما أفتى به قول عدة من العلماء وأعجب ما في الباب أنه قول صاحبه مالك رضي الله عنه، وهو مسطور في كتابه الفلاني" فأمر الوزير بإحضار ذلك الكتاب. فكان الأمر على ما قاله. فأعجب به غاية الإعجاب، وتعجب من حفظه لخلاف مذهبه، وغفلة أبي عمر عن مذهب صاحبه، وصار هذا من أوكد أسباب الصداقة بينه وبين الوزير. ومازالت عَناية الوزير به حتى رشحه للقضاء فامتنع أشد الامتناع. فقال:"إن امتثلت ما مثلته لك وإلا أجبرتك عليه". قال: "افعل ما بدا لك". فأمر الوزير حتى سمر عليه بابه، وعاتبه الناس على