الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء
واللعان والخلع والرضاع
قال ابن بشير: النكاح عقد على البضع بعوض واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير مانع لدخول بعض صور الزنا وإن أراد صحيحه فيعترض أيضا بدخول نكاح المعتمد وما عقد بغير ولي وكثير من صور فاسدة، وقال ابن عبد السلام: ترك ابن الحاجب تعريفه اكتفاء بذكر أركانه: الصيغة والولي والزوج والزوجة والصداق إذ لا معنى للحد إلا ذكر مجموع الأجزاء.
واعترضه شيخنا بأن ما ذكره أركانه الحسية لامتناع حملها عليه لا المعنوية وحده الجامع المانع عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير والكافي بعد أن يسلم له عدم اعتبار الهيئة الاجتماعية في التعقل الثانية لا الأولى، وقال: عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر وهو مندوب إليه من حيث الجملة.
قال اللخمي: وهذا لمن لا أرب له إن رجى نسله وإلا فمباح كالعقيم والشيخ الفاني والخصي والمجبوب وذو أرب كالأول إن قدر على العفة وإلا وجب وإن لم يعفه صوم أو تسر وإلا فهو أولى منها والمرأة مثله، إلا في التسري لا متناعه عليها وصيغته كل لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وبعت.
واختلف هل ينعقد بلفظ الهبة أم لا؟ فقيل: ينعقد قاله القاضيان ابن القصار، وعبد الوهاب وقيل: عكسه وقيل: وإن ذكر الصداق فالأول وإلا فالثاني قاله ابن القاسم، وهذا والذي قبله كلاهما لمالك ونص على ذلك ابن عبد البر قال ابن القصار ولفظ الصدقة كالهبة، وقيل: إنها لغو قاله ابن رشد والإحلال والإباحة لا ينعقد بهما عند ابن القصار خلافا لبعض أصحابه قيل وزعم ابن عبد البر والإجماع على الأول.
(ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدين عدلين):
مذهبنا أن الولي شرط في العقد وقال أبو حنيفة للمرأة أن تعقد النكاح على نفسها قياسا على بيعها وشرائها ووافق على أن وجود الولي أكمل واحتج أهل المذهب بما خرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة وصححه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزوج
المرأة المرأة ولا المرأة نفسها" فإن الزانية هي التي تزوج نفسها، وما ذكره أصحابنا لا يرد به على أبي حنيفة لما تقدم من مذهبه أنه يقدم القياس على خبر الآحاد ونقل بعض أئمة الشافعية عن مالك مثل قول أبي حنيفة في الدنية.
قال ابن عبد السلام: وهو غلط لا شك فيه وأما الصداق فهو أحد أركان النكاح كما سبق لابن الحاجب ورده بعض شيوخنا بدليل صحة نكاح التفويض قال: والأظهر أنه غير ركن في صحيح النكاح وإسقاطه غير مناف له، وأما الشهادة فهي شرط في جواز الدخول لا في صحة العقد.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: هي شرط في العقد قال عياض وهو ظاهر رواية أشهب: فإذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكره الشيخ من قوله ولا نكاح إلى آخره هو لفظ الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حملنا لفظ نكاح من قوله: " ولا نكاح إلا بولي" على العقد لزم التخصيص لخروج نكاح التفويض ولو حملناه على الوطء لم يلزم ذلك ونبه على هذا ابن عبد السلام وهو بين.
(فإن لم يشهدا في العقد فلا يبن بها حتى يشهدا):
فإن وقع الدخول ولم يقع الإشهاد فإنه يفسخ بطلقة لأن العقد وقع صحيحا بدليل لو وقع الإشهاد قبل الدخول لصح النكاح خلاف ظاهر رواية أشهب كما سبق وتكون هذه الطلقة بائنة؛ لأنها من طلاق القاضي والأصل فيما يوقعه القاضي من الطلاق أن يكون بائنا ثم إن وقع وجهالة فلا حد اتفاقا وعكسه عكسه.
واختلف إذا وجد أحد الوصفين والشاهد الواحد فشو قاله ابن الماجشون وغيره.
وقال ابن الحاجب: والإشهاد شرط في جواز الدخول لا في صحة العقد فإن دخل قبله فسخ بطلقة بائنة، وقيل: ويحدان إن ثبت الوطء ما لم يكن فاشيا وعن ابن القاسم ما لم يجهلا فظاهر كلامه أن المذهب سقوط الحد في جميع الصور وأن من أهل المذهب من اعتبر الفشو في سقوط الحد وأن ابن القاسم اعتبر الجهالة. قال ابن عبد السلام: وهذا شيء لا يقوله أحد من أهل المذهب؛ لأن الحد ساقط مع انتفاء الفشو والجهالة.
(وأقل الصداق ربع دينار):
اعلم أن أقل الصداق ربع دينار أو ثلاثة دراهم ما قيمته أحدهما في مشهور المذهب وقيل: تعتبر القيمة للدراهم فقط نقله المتيطي عن ابن شعبان ونقله اللخمي بلفظ (قيل) قائلاً: هو كقول ابن القاسم في نصاب السرقة.
وقال ابن وهب في الواضحة: يجوز بأدنى من درهمين وما تراضى عليه الأهلون هكذا نقله المتيطي، ونقل اللخمي عنه: يجوز بالدرهم والنعل والسوط واعتمد إنما قطعت في ربع دينار نكالاً لخيانتها والنكاح مباح جائز فلا يقاس أحدهما على الآخر ونحو هذا الاعتراض لابن الفخار على ابن العطار فتأمله قال المتيطي وغيره: ويشترط الخلوص في الذهب والفضة، وأشار ابن عبد السلام إلى أنه يمكن تخريج الخلاف في اشتراط الخلوص من الزكاة وقبله خليل، وأما أكثره فلا حد فيه.
قال ابن عبد البرد بلا خلاف لقوله تعالى: (وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئاً)[النساء:20]
قال ابن الجلاب: ولا أحب الإغراق في كثرته ونقله عياض في الإكمال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مستدلاً بفعله صلى الله عليه وسلم فإن قلت: قول عمر يناقض فعله؛ لأنه أصدق أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا ولا سيما إن أصدقتهم كانت على النقد.
قلت: لا مناقضة بينهما لأن الإغراق معتبر بالأشخاص فمن كان وافر المال جدا حتى لا تكون الأربعون ألفا في حقه كالعدم فليس بإغراق والله أعلم فمن نكح بأقل الصداق فإن كان قبل الدخول فالزواج بالخيار بين أن يتمه أو يفسخ النكاح، وقيل: لا بد من تحتم الفسخ قاله بعض الرواة وكلا القولين في المدونة، وفسر المتيطي بعض الرواة بابن الماجشون، وعلى الأول لو اختار الفسخ ففي لزوم نصف المسمى قولان، وأما إذا طلق ففي المدونة لها نصف الدرهمين، وحكي ابن بشير قولا بانه لا شيء لها ولم يحكه اللخمي إلا بالتخريج على قول الغير وتعقبه بعض شيوخنا بقول ابن كنانة: إذا طلق وهو مختار فيلزم بخلاف إذا فسخه الحاكم وأما إذا وقع الدخول فإنه يتمه جبراً وفي رواية الدباغ عن الغير أنه يفسخ ويكون لها صداق مثلها كمن تزوج بغير صداق.
(وللأب إنكاح ابنته البكر بغير إذنها وإن بلغت وإن شاء شاروها):
أما إن لم تبلغ البكر فالاتفاق على أنه يجبرها على النكاح وإذا بلغت فكذلك
على المشهور ومال الشيخ أبو الحسن اللخمي إلى عدم جبرها لحديث مسلم " البكر يستأذنها أبوها" ونحوه لابن الهندي، وأفتى به الشيخ أبو القاسم السيوري فيما ذكر بعض من جمع فتاوى جماعة من الإفريقيين. قال في المدونة: ولا يجبر أحد أحدا على النكاح إلا الأب في ابنته البكر وظاهرها ولو كانت البكر مرشدة، وهو كذلك في اختيار ابن عبد البر قال المتيطي وغيره: المشهور ولا يجبرها، وعليه فإذنها لابد أن يكون نطقا قاله ابن الهندي وابن القطان والباجي وهو المشهور، وقيل: صماتها كاف قاله ابن لبانة، وقيل مثله إن كان صداقها عينا وإن كان عرضا طولبت بالكلام قاله غير واحد، وظاهرها ولو كانت معنسة وهو أحد قولي مالك من رواية محمد بن المواز وروى ابن وهب عنه لا يجبرها.
ونقله أبو إبراهيم عن مالك قائلاً: ومثله رواية عبد الرحيم في كتاب الكفالة، واختلف في حد التعنيس فقيل: الأربعون سنة وقال ابن وهب ثلاثون سنة وقيل: خمس وثلاثون سنة وقيل: خمس وأربعون وقيل: من الخمسين إلى الستين وقيل: ثلاثة وثلاثون وقيل: خمسون فيتحصل فيها سبعة أقوال، وكل هذا في ذات الأب، وأما إن كانت مهملة فقيل لا يبلغ بها الثلاثين ولابن الماجشون يبلغ بها ذلك.
وقال أصبغ: أربعون وقيل: من الخمسين إلى الستين، ولما ذكر ابن عبد السلام هذه الأقوال قال: وأنت تعلم أن وجود دليل شرعي على مثل هذا التحديث متعذر وحيث يجبر الأب ابنته فهل يستحب له أن يستأذنها أم لا؟ اختلف في ذلك على قولين حكاهما اللخمي وتعقبه ابن بشير بأن ظاهر المذهب استحبابه اتفاقا، ورده بعض شيوخنا بنقل الباجي روى عيسى عن ابن القاسم إنكاره ومثله لخليل قائلاً: في كلام اللخمي نظر من وجه آخر وذلك أنه نسب القول بعدم الاستحباب للمدونة وهو لا يؤخذ منها لأن الذي فيها ليس المشهور لازمة وذلك لا ينافي الاستحباب، والاستحباب أولى وهو الذي اقتصر عليه ابن الجلاب للخروج من الخلاف ولتطييب قلبها ولأنها قد يكون بها عيب فتظهره حينئذ.
(وأما غير الأب في البكر وصي أو غيره فلا يزوجها حتى تبلغ وتأذن وإذنها صماتها):
يريد إلا أن ينص الأب للوصي على الإجبار فيتنزل منزلته وقيل: والولي والوصي سيان وقيل: لا ولاية لوصي وهو كالأجنبي حكاه ابن بشير ولو لم يسم قائله وعزاه ابن عات لحكاية ابن مغيث عن منذر بن سعيد محتجا بقوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام (فهب لى من لدنك وليا (5) يرثنى) [مريم: 5 - 6]
، والوصي ليس بوارث فدل على أنه غير ولي وفيه أقوال لولا الإطالة لذكرناها، وكذلك اختلف في مقدم القاضي فقيل: إن ولي النسب مقدم عليه؛ لأنه مقدم على القاضي والمقدم مقدم قاله ابن حبيب، وقيل: إن المقدم غير واحد قال: لأن القاضي أنزله منزلة الأب.
وأما غير الوصي كالأخ فهل له أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ أم لا؟ اختلف في ذلك على خمسة أقوال، فقيل: لا يزوجها كما قال المؤلف وهو المعروف في المذهب، وقيل: إنه يجبرها على النكاح وعزاه المازرى لقولة شاذة.
وقيل بالأول إن لم تطق المسيس وبالثاني أن أطاقته حكاه ابن حارث عن رواية وخيف عليها الحاجة. قال ابن بشير: اتفق المتأخرون عليه إن خيف فسادها. قال ابن عبد السلام: وعليه العمل ببلدنا اليوم مع زيادة بلوغ سنها عشر سنين مع مشورة القاضي، وقيل: تزوج ولها الخيار إذا بلغت نقله ابن الحاجب وتعقبه ابن عبد السلام ابن نافع قائلا: اتفقوا على منعه قبل إطاقتها المسيس وقيل: يجبرها إن كانت مميزة بأن غيره إنما حكاه بعد الوقوع. وإذا فرعنا على القول بالمنع فإنها تخير وقوي نقل غيره بأن نقل أهل المذهب يقتضيه لأن الخيار عندهم مناف لعقده النكاح وأجابه خليل رحمه الله بتصريح ابن شاس بأن ذلك ابتداء وبقربه من إحدى روايتي ابن الجلاب أن
النكاح جائز، ولها الخيار إذا بلغت في فسخه وإمضائه وما ذكر الشيخ أن إذنها صماتها صحيح قال في المدونة: إن قال وليها إني زوجتك من فلان فسكتت فذلك منها رضا قال غيره: إذا كانت تعلم أن السكوت رضا، فقيل وفاق قاله حمديس، وقيل خلاف قاله سحنون وابن حارث واختلف رأي أبي عمران فقال مرة بالأول ومرة بالثاني ومرة بالوقوف حكى هذه الأقوال الثلاثة عنه المتيطي.
قال شريح في المدونة: فإن معصت وجهها لم تنكح وفسر ذلك بلطم وجهها قاله أبو إبراهيم والأقرب تفسير غيره أي غطت وجهها، وأقيم منها أن بكاءها يدل على عدم رضاها وهذه الإقامة لأبي إبراهيم ومثله في ابن الجلاب، وقيل: إنه رضا كالضحك لنقل ابن مغيث نزلت، واختلف فيها وحكم بإمضاء النكاح، وقلت: ووجهه أن بكاءها لكونها تذكرت إياها على ما جرت به العادة.
(ولا يزوج الثيب أب ولا غيره إلا برضاها وتأذن بالقول):
ظاهر كلام الشيخ سواء كانت سفيهة أو رشيدة وهو كذلك في الرشيدة باتفاق وفي السفيهة على المشهور، وقيل الأب يجبرها حكاها المتيطي عن بعض القرويين لنقل ابن المواز عن أشهب: لا إذن لسفيهة في نفسها ولا مالها كالبكر وظاهر كلام الشيخ ولو كانت الثيوبة من زنا لا تجبر وهو كذلك عند ابن عبد الحكم ذكره ابن حارث وغيره وهو مذهب ابن الجلاب.
وقيل: إنها تجبر على النكاح قاله في المدونة وقيل: إن تكرار الزنا منها حتى زال جلباب الحياء عن وجهها لم تجبر وإلا تجبر وإلا جبرت قاله القاضي عبد الوهاب لمناظرة وقعت بينه وبين مخالفه في عله الإجبار هل هي البكارة أو الحياء واختار اللخمي الأول أنها لا تجبر ويكون إذنها كبكر فيجمع عليها حكم الثيب وحكم البكر.
وعزاه ابن رشد للشيخ أبي محمد وعزاه أبو إبراهيم لمحمد بن وضاح فيتحصل في المسألة أربعة أقوال وجعل بعض الشيوخ قول القاضي عبد الوهاب تفسيرا للمديونه وهو الأقرب؛ لأنه إنما قصد المناظرة عن المذهب.
قال ابن رشد: والوطء بالغصب كوطء الزنا ولم يرتضه بعض شيوخنا قائلا: المغتصبة أقرب إلى الجبر.
قلت: وهذا التضعيف إنما يتمشى أن لو قصد التخريج ولكنه ذكر الخلاف فيها بالنص.
فقال في مقدماته: اختلف فيها إذا زنت أو غصبت فقيل: حكمها حكم البكر عموما وقيل: حكم الثيب، وقيل: مثلها في أنها لا تزوج إلا برضاها وحكم البكر في أن إذنها صماتها.
وظاهر كلام الشيخ إن ثيبت قبل البلوغ أنها لا تجبر وهو أحد الأقوال الثلاثة وقيل: إنها تجبر وقيل: إن أراد أن يزوجها قبل البلوغ فله الجبر وإلا فلا.
(ولا تنكح امرأة بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها كالرجل من عشيرتها أو السلطان):
قال في التهذيب: وقول عمر لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان فذو الرأي من أهلها كالرجل من العشيرة أو العم والمولى.
وقال عنه ابن نافع: هو الرجل من العصبة ونقل أبو إبراهيم عن عبد الملك هو الرجل من البطن وقال اللخمي: اختلف في معنى ذي الرأي فقيل: هو الرجل الصالح والفاضل، وقيل: هو الوجيه الذي له رأي ومن يرجع إليه في الأمور فيتحصل فيه ابن نافع قائلا: اتفقوا على منعه قبل إطاقتها المسيس وقيل: يجبرها إن كانت مميزة والفاضل، وقيل: هو الوجيه الذي له رأي ومن يرجع إليه في الأمور فيتحصل فيه قولان وفي كيفية كونه من أهلها ثلاثة أقوال وقول عمر الى الترتيب عند اللخمي وعلى التخيير عند الباجي ولا يكون الحاكم وليا في النكاح حتى يثبت عنده أربعة عشرة فصلا، وهي كونها صحيحة بالغة غير مولي عليها ولا محرمة على الزوج وأنها حرة وأنها بكر أو ثيب وإن لا ولي لها أو عضله لها أو غيبته عنها وخلوها من الزوج والعدة ورضاها بالزوج والصداق وأنه كفؤ لها في الحال والمال وأن المهر مهر مثلها في غير المالكة أمر نفسها، وإن كانت غير بالغ فيثبت فقرها وأنها بنت عشرة أعوام فأكثر أنظر وثائق الغرناطي.
(وقد اختلف في الدنية تولي أجنبيا):
اختلف في ولاية الإسلام مع ولاية النسب على ثلاثة أقوال حكاها غير واحد فقيل: لها مدخل ويصح ذلك إن وقع مع وجود ولي النسب حكاه القاضي عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وقيل: إن الدنية وغيرها سواء لا يزوجها إلا ولي أو سلطان، رواه أشهب وقيل بالأول في الدنية وبالثاني في غيرها قاله مالك في المدونة ونصها: قيل لمالك في رجال من الموالي يأخذون صبيان الأعراب تصيبهم السنة فيكفلونهم ويربونهم حتى يكبروا فتكون فيهم الجارية فيريد أن يزوجها فقال: ذلك جائز، ومن أنظر لها منه وأما كل امرأة لها بال وغنى وقدر فتلك لا يزوجها إلا وليها أو السلطان.
قال ابن رشد: يريد بغير رضاها؛ لأنه جعله بحضانتها كوكيل على إنكاحها لا يفتقر إلى رضاها، وقال ابن حبيب في روايته عن مالك: إذا مات أبوها أو غاب أولياؤها فإنه يزوجها وإلا فلا وقول أبي إبراهيم، وعلى هذا حمل الشيوخ المسألة على أنها غير ذات أب خلاف ما تقدم لابن رشد، وظاهر المدونة، والحاصر لا يزوج إلا الدنية فقط قال المتيطي: وظاهر قول ابن العطار أنه ولي مطلقا وأقيم منها أن الحاضن يبيع ربع المحضون، وهذه الإقامة لأبي عبد الرحمن وغيره ونحوه لابن لماجشون في الواضحة وهو أحد الأقوال الأربعة، وقيل: إنه لا يبيع أخذه من كتاب القسم من المدونة فيمن كنف أخا له صغيرا قال: لا يجوز بيعه عليه ولا قسمه وهو قول أصبغ في الثمانية وقيل بالأول في اليسير، وبالثاني في الكثير قاله في العتبية، وقاله أصبغ أيضا، وبه مضي عمل الموثقين وقيل بالأول إن كانت البلدة لا سلطان فيها، وبالثاني إن كان فيها قاله ابن الهندي، وكلاهما ذكره المتيطي قائلا: وعلى الثالث، واختلف في مقدار اليسير على ثلاثة أقول فقال بعض الاندلسيين عشرة دنانير ونحوها.
وقال ابن العطار عشرون ونحوها وقال محمد ثلاثون.
قلت: ويقوم منها أن له أن يرشدها، وأباه شيخنا أبو مهدي عيسي الغبريني أيده الله تعالى قائلا: هو اشد وما قلناه أولى؛ لأن التسلط على ذاتها أشد فهو أحروي والله أعلم.
فإن قلت: ما بال البراذعي اختصرها سؤالا وجوابا كما هو في الأم؟ قلت: لأنها فيها الخلوة بالأجنبية، وفي إجازة المدونة: أكره للأعرابي أن يؤاجر غير ذي محرم منه حرة أو أمة وظاهر المدونة أنه لا حد لمقدار زمان الحضانة وإنمايرجع في ذلك إلى العرف وإلى هذا ذهب بعض الشيوخ وقال بعض الموثقين: إنها محدودة بعشر سنين.
وقال أبو محمد صالح: أقلها أربعة أعوام وظاهرها أيضا أن الولاية للحاضن ولو طلقت أو ماتت وهو كذلك عند ابن عتاب، وقيل: لا تعود قاله ابن العطار في وثائقه، وقيل: إن كان خيرا فاضلا عادت وإلا فلا قاله ابن الطلاع في وثائقه وقيل: إن عادت إلى كفالته عادت نقله ابن فتحون.
(والابن أولى من الأب والأب أولى من الأخ ومن قرب من العصبة أحق):
ما ذكر الشيخ من أن الابن مقدم على الأب هو المشهور، وقيل: إن الأب أولى منه حكاه من رواية المدنيين قائلاً: ذلك في بعض الكتب قال ابن عبد السلام:
واختار بعض أشياخ أن لا ولاية للابن في هذا الباب إلا أن يكون من عشيرة أمه وهو القياس ويريد الشيخ أن ابن الابن كالابن نص على ذلك في المدونة ومعنى قوله " ومن قرب من العصبة أحق" يعني به أن الأخ وابنه مقدمان على الجد وهو كذلك لأن الأخ يتقرب ببنوة الأب والجد يتقرب بأبوته.
وقال المغيرة: الجد أولى منهما واختلف هل الأخ الشقيق مقدم على الأخ للأب أو هما سواء؟ قولان والأول منهما رواه ابن القاسم في كتاب حبيب واختاره، والثاني رواه على عن مالك في المدونة وأجراهما اللخمي في ابنيهما والعمين وابنيهما.
وقال ابن الحاجب: وفي تقديم الشقيق من الأخ والعم وابنه على الآخر روايتان لابن القاسم والمدونة فظاهره أن الخلاف في الجميع بالنص وليس كذلك بل كما قدمناه ونبه عليه ابن عبد السلام.
(وإن زوجها البعيد مضى ذلك):
ظاهر كلام الشيخ أنه لا يجوز ابتداء وهو كذلك قال في المدونة: وإن زوجها الأبعد برضاها وهي ثيب وولدها حاضر فأنكر ولدها وسائر الأولياء ولم يرد النكاح، وروى البغداديون جوازه ابتداء وتأول على المدونة نقله عياض وفي المدونة روي على إن كانا أخوين جاز ولا ينبغي إن كانا أخا وعما وابنه، وفيها روى أكثر الرواة ينظر السلطان بعضهم للأقرب رده ما لم يطل وتلد الأولاد، وقال ابن حبيب في الواضحة: ما لم يبن بها.
وقال المغيرة يفسخ على كل حال؛ فيتحصل في المسألة سبعة أقوال وكل هذا في ذات المنصب والقدر وأما الدنية فيمضي فيها باتفاق قاله اللخمي.
قلت: وأشار إليه في المدونة بقوله: وهو في ذات المنصب والقدر ويريد بالمنصب عمل يدها وبالقدر مالها وجمالها قاله البلوطي، وهذا في غير المجبرة، وأما المجبرة كالأب في ابنته البكر وكالسيد في أمته فالمشهور تحتم الفسخ وروى عبد الوهاب عن مالك أنه يمضي بإجازة السيد، وخرجه اللخمي في الأب ولم يحفظ ابن عبد السلام التخريج المذكور قائلاً: الفرق على هذا القول بين الحرة والأمة أن الغالب في حال الأمة صلاحية كل أحد لها وأنه كفؤ لها فلم يبق إلا إلحاق عيب النكاح، وذلك بيد السيد ومن حقه فإذا رضيه لزمه ومضى النكاح فكلامه رحمه الله هذا يرد به تخريج اللخمي.
(وللوصي أن يزوج الطفل في ولايته):
ما ذكر الشيخ مثله في المدونة ونقل ابن زرقون عن سحنون أنه لا يزوجه وقيل بالأول إن كانت ذات شرف أو مال أو بنت عم قاله المغيرة وروى ابن المواز لا يعجبني أن يزوجه فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، وخرج اللخمي الخلاف في الأب وبعده بعض شيوخنا يريد لأن الأب محمول على النظر بخلاف الوصي فإنه محمول على غير النظر على أحد القولين ويجاب بأن المانع علل بكونه إذا بلغ طلق لكونه مكرها فلا فرق على هذا بين الأب وغيره.
قال ابن رشد: ولم أر في الحاكم خلافا، وينبغي أن يجوز له ذلك بلا خلاف لأن الحاكم لا يفعل ذلك إلا بعد أن يثبت عنده أن في ذلك مصلحة قلت: ويرد بما قلناه والله أعلم.
واختلف في جبر السفيه فقال ابن القاسم: يجبره وقال عبد الملك: لا يجبره وأخذه عبد الحق من كتاب إرخاء الستور من المدونة وذلك أنه قال في العبد يزوجه سيده بغير إذنه والسفيه لا يزوجه إلا بإذنه، وقال عياض: في إرخاء الستور لعبد الملك لابن القاسم وأخذ الأول من النكاح من قولها والولي في يتيمه.
قال ابن عبد السلام: والصحيح عدم جبره وللزومه الطلاق إذا طلق فإذا جبره على ما لا يجب فيلزمه الصداق أو نصفه من غير منفعة تعود عليه وهذا سوء نظر في حقه والله أعلم.
(ولا يزوج الصغيرة إلا أن يأمره الأب بإنكاحها وليس ذوو الأرحام من الأولياء والأولياء من العصبة):
إنما كان له تزويج الذكر دون الأنثى قالوا لأن الذكر قادر على أن يحل عن نفسه بعد البلوغ بالطلاق بخلاف الأنثى.
قلت: وهو ضعف لأن حاله التزويج ليس له فيها منفعة في الحال وما هذا شأنه لا ينبغي لناظر فعله ولا سيما إن كان الابن فقيرا فليس بمصلحة تعمير ذمته بالصداق بخلاف تعمير ذمته بالديوان في المعاملات المالية؛ لأن المنفعة بأعواض الديون حاصلة في الحال.
(ولا يخطب أحد على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه وذلك إذا ركنا وتقاربا):
ظاهر كلام الشيخ أن الركون كاف وإن لم يقدر وهو كذلك عند ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم وغيرهم، وقيل: لا يكفي الركون حتى يسمى الصداق لاحتمال عدم الموافقة عند تقديره قاله ابن نافع وهو ظاهر قول مالك في الموطأ على واحد كالبالجي، وحكاه أبو عمر بن عبد البر على معنى آخر فقال ابن القاسم معني النهي في ذلك في رجلين صالحين، وأما عن ركنت لرجل سوء فينبغي للولي أن يحضها كل واحد فذلك في المتقاربين فأما فاسق وصالح فلا قاله ابن القاسم حسبما نقله عنه على رجل صالح الذي يعلمها الخير ويعينها عليه، وهذا إنما فيه الحض على مخالطة أهل الخير ومجانبة أهل الشر فإن وقع العقد بعد الركون للأول فقيل يفسخ مطلقا وعكسه.
وقيل: يفسخ قبل الدخول لا بعده وهو المشهور، وكلها لمالك ومفهوم كلام الشيخ إذا لم يقع تراكن أنه جائز وهو كذلك باتفاق، وإذا أمر رجل رجلاً أن يخطب له فأراد أن يخطب لنفسه فله ذلك ويعلمها بالباعث له أولا وفعله عمر حسبما نقله ابن عبد البر عن ابن وهب ولولا الإطالة لذكرنا ذلك وفي سماع ابن أبي أويس أكره لك، وما سمعت فيه رخصة وتأوله بعض شيوخنا على ما إذا خص نفسه، وأما السوم على سوم الأخ فذكره الشيخ أيضا في البيوع فلنؤخر الكلام على ما يتعلق به إلى ذلك المكان.
(ولا يجوز نكاح الشغار وهو البضع بالبضع):
اعلم أن في كلام الشيخ تقديم التصديق قبل التصور وقد علمت ما فيه، ولا خلاف أن نكاح الشغار لا يجوز ابتداء واختلف إذا وقع صريحه على ثلاثة أقوال: فقيل: يفسخ أبدا وهو المشهور وقيل: يمضي بالدخول رواه على بن زياد، وقيل: إنه يمضي العقد حكاه ابن بشير في آخر الفصل عن مالك بعد أن قال في أوله: لا خلاف فقد تناقض كلامه رحمه الله ونبه عليه بعض شيوخنا وهذا القول الأخير أخذه الشيخ أبو القاسم السيوري وابن شبلون من المدونة من قولها فيه الإرث والطلاق ورده ابن سعدون بأن قوله بالإرث في إنما هو تفوت موضع الفسخ بالموت وألزمه بعض شيوخنا القول به منصوص أنه يفسخ قبل البناء ونقل وبعض المتأخرين فيه خلافا منصوصا، وهو باطل في كل نكاح فاسد وخرجه بعض شيوخنا من أحد قوليه فيما اختلف فيه أنه يمضي ولا يرد وأن نزوله كحكم حاكم به وعلى المشهور أنه يفسخ أبدا وإن
وقع الدخول فقال في المدونة لها صداق المثل، وأما في وجه الشغار فقال أيضا في المدونة يفرض لها صداق مثلها ولا يلتفت إلى ما سميا.
قال سحنون: إلا أن يكون ما سميا أكثر فلا ينقص من التسمية فحمل بعض الشيخ قول سحنون على التفسير واحتج بتنظير ابن القاسم بالتي بعدها وبأن ابن لبابة ذكر من قول ابن القاسم ولم يذكر فيه اسم سحنون يكون معنى قوله ولا يلتفت إلى ما سميا إن كان أقل من المثل فيكون لها الأكثر وحمله بعض الشيوخ على الخلاف، واحتج بأن هذه الزيادة لم تقع في الأسدية وبأن في مختصر ابن أبي زيد لها صداق المثل كان أقل من التسمية أو أكثر وأما وجه الشغار فإنه يفسخ قبل الدخول ويمضي بعده وأخرى فيه بعض الشيوخ قولا بالفسخ بعد البناء من الصداق الفاسد وقبله خليل.
وقال ابن أبي حازم: لا يفسخ قبل البناء وظاهر ما حكاه المتيطي عنه جواز الإقدام عليه لأنه قال: وقال ابن أبي حازم في المدونة: لا بأس وأما المركب منهما فيجري كل من الصريح والوجه على أصله السابق.
(ولا نكاح بغير صداق):
لا خلاف أنه لا يجوز ابتداء فإن وقع فقيل يفسخ أبدا، وقيل قبل الدخول فقط والقولان في المدونة نصها قال ابن القاسم ومن نكح بغير صداق فإن كان على إسقاطه فسخ قبل البناء وثبت بعده ولها صداق المثل، وهذا الذي استحسن وقد بلغني ذلك عن مالك، وقيل: يفسخ ذلك وإن دخلا. قال ابن القاسم: وإن لم يذكر الصداق ولا شرطا فذلك تفويض جائز وبالقول الثاني قول أشهب وابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ إلا أن أشهب قال: لها ثلاثة دراهم فقط إذا وقع الدخول وقال ابن وهب وأصبغ: لها صداق المثل.
(ولا نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل):
لا خلاف في المذهب أن نكاح المتعة لا يجوز ويفسخ أبدا وفي كونه بطلاق أو دونه قولان وهل لها بالدخول المسمى أو صداق المثل؟ قولان قال اللخمي: والأحسن المسمي لأن فساده في عقده وصوبه ابن رشد بأن شروط النكاح من الولي وغيره حصلت ولكن وقع التوافق على انحلاله بعد شهر مثلا وقيل: بل هو بغير ولي وبغير صداق وبغير شهود قاله أبو عمر بن عبد البر في التمهيد، وقال القاضي وهو ظاهر أحاديث مسلم: وأما نكاح النهارية فقال مالك: لا خير فيه قال ابن القاسم يفسخ قبل
البناء ويمضي بعده بصداق المثل.
وقال عيسى يفسخ مطلقا نقله ابن رشد وعليه يكون لها المسمى إذا وقع الدخول، ولو تزوج المسافر ليفارق إذا سافر وفهمت ذلك المرأة ففي جوازه ومنعه قولان ذكرهما اللخمي، وأما نكاح الخيار فإن كان في المجلس فإنه جائز لأنه كالمراودة على النكاح وهو أخف من الصرف فيه، وأما بعد الافتراق فما قرب منه فجائز أيضا قال اللخمي: وهو في هذا الموضع أوسع من الصرف، وقد قال ابن القاسم في كتاب محمد: إن شرطا مشورة فلأن الشيء القليل وهو حاضر في البلد فأتيا به من فوره جاز.
قلت: وحمل ابن رشد سماع أصبغ مثله على أنهما لم يفترقا من المجلس، وأما إذا كان الخيار ليوم أو يومين فمنعه في المدونة قائلا: لأنهما لو ماتا لم يتوارثا وخرج اللخمي جوازه من الصرف على القول به وضعف تعليلها قائلا: لأن المانع عنده خوف الموت ومراعاته في اليومين والثلاثة نادر والنادر لا حكم له، وأيضا فإن النكاح غير منعقد حتى يمضي فلا يضر عدم الميراث ويجوز على تعليلها إذا كان الزوج عبداً وكانت هي أمة لأنه لا ميراث فيه ولو كان منعقدا ونص في المدونة على أن الخيار للزوجين والولي لا يجوز كما إذا كان لأحدهم.
وقال ابن رشد: وهو جائز لانحلاله وحيث يمنع فلا خلاف أنه يفسخ قبل البناء وفي فسخه بعد البناء قولان لمالك والذي رجع إليه عدم الفسخ والقولان في المدونة ورجح بعض الشيوخ الفسخ لأن فسادة في عقده قال في المدونة: ولها المسمى دون صداق المثل، قال عياض في الأسدية: لها صداق المثل، قال الفاكهاني: فقول شيخنا جمال الدين الصنهاجي ظاهر المدونة فيها وفي التي بعدها تليها صداق المثل هو ظاهر.
وكذلك القولان فيها في إن لم يأت بالصداق وإلى أجل كذا بالنسبة إلى الفسخ بعد البناء وقال أشهب: هو نكاح جائز ابتداء.
(ولا النكاح في العدة ولا ما جر إلى غرر في عقد أو صداق ولا بما لا يجوز بيعه):
لا خلاف أن عقد النكاح في العدة لا يجوز بل التصريح بالخطبة حرام إجتماعا وعكسه التعريض فإنه جائز ويأتي الكلام على ذلك حيث تكلم عليه الشيخ إن شاء الله.
(وما فسد من النكاح لصداقة فسخ قبل البناء فإن دخل بها مضى وكان فيه صداق المثل):
اختلف المذهب فيها فسد لصداقه كمن نكح على عبد آبق على ثلاثة أقوال:
فقيل: يفسخ أبدا وعكسه وقيل: يفسخ قبل البناء لا بعده قاله في المدونة وهو المشهور وعليه الشيخ وكلها لمالك، ولم يقف ابن عبد السلام على القول بعدم الفسخ لمالك لقوله ذكره غير واحد ولم ينسبه وأجابه خليل بأن عبد الوهاب في الإشراف نقله، وكذلك نقله ابن الجلاب أيضا.
وظاهر كلام الشيخ أن فسخه قبل البناء على طريق الوجوب، وهو كذلك عند جميع المغاربة الذي هو منهم، وذهب العراقيون إلى أن ذلك على طريق الاستحباب، وكلاهما تأويل على المدونة ولو دعا الزوج إلى البناء والنفقة فأنفق ثم عثر على الفساد، وفسخ فقيل يرجع بها عليها كمن اشترى من رجل داره على أن ينفق على البائع حياته، وقال عبد الله بن الوليد: لا يرجع بها عليها لأن الفسخ قبل البناء غير واجب إذ أجازه جماعة من العلماء إذا عجل ربع دينار، ورده بعض شيوخنا بأن الفرض الحكم بفسخه، ومراعاة الخلاف مع الحكم بنقضه لا يصح، ويجاب بأنه إنما قصد مراعاة الخلاف.
وأجرى غير واحد ممن لقيته ذلك الخلاف في الحمل إذا نقش بعد النفقة عليه، وذكر في المدونة من الأشياء التي فسادها في الصداق الجنين في بطن أمه ثم قال وما هلك بيد الزوجة ضمنته قبل قبضه وتكون مصيبتها من الزوج وما قبضت ثم تغير في يدها في بدن أو سوق فقد فات وترد القيمة فيما له قيمة والمثل فيما له مثل وأقام عياض من مسألة الجنين أن يبيع التفرقة بقيمة حوالة الأسواق.
(وما فسد من النكاح لعقده وفسخ بعد البناء ففيه المسمى):
قال الشيخ أبو الحسن اللخمي كل نكاح أجمع على فساده فإنه يفسخ أبدا وكل نكاح اختلف فيه، فإن كان فساده لعقده فسخ قبل البناء وفي فسخه بعده خلاف كنكاح المريض والمحرم ومثله نقل ابن شاس.
وقال ابن الحاجب: وما اختلف فيه فإن كان بنص أو سنة أو لحق الورثة فكذلك يعني يفسخ أبداً اتفاقا فإن لم يكن كذلك، فإن كان لخلل في عقده ففي فسخه بعد الدخول قولان، واعترضه بعض شيوخنا من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن نكاح المريض مختلف فيه كما سبق.
الثاني: أن قوله وإن كان لنص أو سنة خلاف إطلاق الشيوخ وظاهر الروايات الحكم في المختلف فيه مطلقا.
الثالث: أن وجود فيه بالقرآن أو السنة ينفي القول بجوازه. (وتقع به الحرمة كما تقع بالنكاح الصحيح ولكن لا تحل به المطلقة ثلاثا ولا يحصن به الزوجان):
اعلم أن النكاح المختلف في صحته وفساده بين أهل العلم والمذهب قائل بفساده فإنه يعتبر عقدة في التحريم كما يعتبر العقد الصحيح المتفق عليه احتياطا فتحرم به على الآباء والأبناء وتحرم أمهات النساء، وكذلك يعتبر وطؤه من باب أحرى فتحرم الربيبة.
ثم اعلم أنه اختلف المذهب هل يراعي كل خلاف أولا يراعى إلا الخلاف المشهور، وعلى الثاني فقيل هو ما كثر قائله وقيل ما قوي دليله.
قال ابن عبد السلام: والذي ينبغي أن يعقد من ذلك، وهو الذي تدل عليه مسائل المذهب أن الإمام رحمه الله تعالى – يعني به مالكا- إنما يراعي من الخلاف ما قوي دليله فإذا تحقق فليس بمراعاة الخلاف البتة وإنما هو إعطاء كل واحد من الدليلين ما يقتضيه من الحكم مع وجود المعارض والله أعلم.
وقد أجاز رحمه الله تعالى الصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وأكثرهم على خلافه وأباح بيع ما ليس فيه حق توفيه من غير الطعام قبل قبضه وأجاز أكل الصيد إذا أكل منه الكلب إلى غير ذلك من المسائل ولم يراع في ذلك خلاف الجمهور وهذا مما يدل على أن المراعي عنده إنما هو الدليل لا كثرة القاتل والله أعلم.
وأما كل نكاح مجمع على فساده فإن كان مما يدرأ الحد فيه فإن وطأه معتبرا ولا يعتبر العقد على المشهور، وقيل: ويعتبر قاله ابن القاسم في المدونة.
وقال ابن عبد السلام وهو قول ابن الماجشون، واعترضه بعض شيوخنا بأنه خلاف ما نقل الباجي عنه في قوله ما حرم بالكتاب أو بالسنة كخامسة أو معتدة أو المرأة على أختها أو خالتها لغو وإن كان مما لا يدرأ حده فعكس ما قبله لا يعتبر عقده باتفاق وفي الوطء قولان وهما كالخلاف في الزنى هل يحرم الحلال أم لا؟
(وحرم الله سبحانه من النساء سبعا بالقرابة وسبعا بالرضاع والصهر فقال تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} [النساء: 23]
فهؤلاء من القرابة):
قال ابن الحاجب: والقرابة هي السبع في قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23]
، وهي أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا، قال الشيخ ابن عبد السلام: اعلم أن كل من له عليك ولادة بمباشرة أو بدرجة فأكثر فهو أصلك وكل ما لك عليه ولادة بمباشرة أو بدرجة فهو فصلك فيدخل في الأول الأم باعتبار ولدها وأمها وإن علت، وكذلك الأب باعتبار ابنه وأبيه وإن علا فهذا مراد المؤلف بأصوله وفصوله، وقد علمت من هذا أن أول أصوله هو من باشره بالولادة وذلك هو الأب والأم وفصولهما هو الأخ والأخت من أي جهة كانا وأولادهما.
وهذا معنى قول المؤلف وفصول أول أصوله وهم بنو أبيه وبنو أمه وإن سفلوا؛ لأنهم أولاد أبيه ثم قوله وأول فصل من كل أصل وإن علا يعني أول فصل خاصة من كل أصل ماعدا الأصل الأول لأن الأصل الذي يلي الأصل الأول هو الجد الاقرب والجدة القربى، وإن الأول عم أو خال أو عمة أو خالة وابنة الجدة الموصوفة وابنها كذلك وهم أول الفصول والتحريم مقصور عليهم، وأما أولادهم، فهم حلال لأنهم إما أولاد عم أو أولاد عمة أو أولاد خال أو أولاد خالة وأولاد أولادهم، ورأي بعض شيوخنا أن عبارة ابن الحاجب فيها طول فقال هي فرعه وأصله وأقرب فرعه وأبعد أقربه.
واختلف المذهب في تحريم المخلوقة من مائة على وجه الزنى والمشهور أنها تحرم عليه وبه قال أبو حنيفة.
وقال ابن الماجشون: لا تحرم عليه قال سحنون هو خطأ صراح وبقول ابن الماجشون قال الشافعي قال ابن عبد السلام وهو الأقرب لأنها لو كانت بنتا لحصلت لها أحكام البنت من الميراث وولاية الإجبار ووجوب النفقة وجواز الخلوة بها وحمل الجناية عنها إلى غير ذلك، واللازم باطل انظر تمامه ولولا الإطالة لذكرناه.
(واللاتي من الرضاع والصهر قوله تعالي: {وأمهتكم التي أرضعنكم وأخوتكم من الرضعة وأمهت نسائكم وربئبكم التي في حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [النساء: 23]
، وقال تعالى:{ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء} [النساء: 22]
وحرم النبي عليه السلام بالرضاع ما يحرم من النسب):
ظاهر كلام الشيخ أن أمهات النساء يحرمن سواء دخل بالبنت أم لا وسواء طلق البنت أو ماتت وهو كذلك باتفاق المذهب، وحكي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه، وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وجابر وإحدى الروايتين عن ابن عباس أنها لا تحرم إلا بدخول البنت وحكي عن زيد أنه إن طلق البنت لم تحرم وفي الموت تحرم، ومذهبنا أن الربيبة تحرم على من دخل بأمها وإن لم تكن في حجره، وحكي عن علي أنه طلق البنت لم تحرم وركن إليه ابن عبد السلام بقوله هو ظاهر الآية لأنها مقيدة بوصفين:
أحدهما: كون الأم مدخولا بها.
والثاني: كون البنت في حجره والحكم المعلل بعلة مركبة لا يثبت إلا بعد حصول جميع أجزائها ويقوي اعتبار هذا القيد ما وقع في الصحيح وقد عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح ربيبته بنت أم سلمة، فقال:"لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثوبية" فانظر كيف ذكر هذا الوصف كما هو مذكور في الآية، ولو كان ملغي لما تكرر ذكره في الكتاب والسنة والله أعلم.
والمشهور أن أمة الابن لا تحرم على الأب حتى يطأها الابن أو يتلذذ بها، وقال الشافعي تحرم عليه ومثله لابن حبيب حسبما نذكره إن شاء الله تعالى بعد، وسبب الخلاف هل يصدق عليها بالملك أنها حليلة أم لا يصدق عليها إلا بعد الاستمتاع.
(ونهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها فمن نكح امرأة حرمت بالعقد دون أن تمس على أبائه وأبنائه وحرمت عليه أمهاتها ولا تحرم عليه بناتها حتى يدخل بالأم):
ما ذكر الشيخ صحيح وقاس عليه أصحابنا وغيرهما وضابطه ما قاله بعض المتقدمين كل امرأتين يمنع نكاحهما لو كانت إحداهما ذكرا وانتقض عليه بصورتين وهما الجمع بين المرأة وأم زوجها والمرأة مع ابنة زوجها فإنه جائز فزيد في الحد المذكور من القرابة فيتخرج بذلك الصورتان فإنهما أجنبيتان وقيل ضابطه كل امرأتين بينهما من القرابة والرضاع ما يمنع نكاحهما أن لو كانت إحداهما ذكرا فإن جمع بينهما في عقد فسخ فيهما ولا مهر إن لم بين ولمن بنى منهما مهرها.
قال الشيخ أبو الطاهر: هذا مع عدم العلم بالتحريم وأما مع العلم به ففي كونه كمحض زنا في هذا الأصل قولان ويجري عليهما نفي الصداق وثبوته، وأما إذا كان
تزويجهما في عقدين فإن علمت الأولى منهما فسخ نكاح الثانية وثبتت الأولى في غير الأم وابنتها باتفاق وأما فيهما ففيه كلام يطول جلبه وإن جهلت الأولى فسخ فيهما وإن ادعى الزوج تعيينهما فقال محمد بن المواز: يصدق ويفارق الأخرى وعارضها اللخمي بقول: نكاح المدونة لا تصدق المرأة إذا تزوجها رجلان جهل أولهما.
وفرق ابن بشير بينهما بوجهين أحدهما: أن عدم تصديق الزوجة للتهمة، الثاني: أن الزوج قادر على فسخ النكاح وابتدائه ورده بعض شيوخنا بأنه أيضا يتهم لاحتمال خوف عدم إصابته من يريد نكاحها منهما بعد الفسخ وأنها قادرة على الفسخ لعدم تعيينها.
(أو يتلذذ منها بنكاح أو ملك يمين أو بشبهه من نكاح أو ملك):
ظاهر كلام الشيخ سواء كانت لذة بقبلة أو نظرة أو مباشرة وهو كذلك فأما النظرة فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: أحدها ما تقدم وهو المشهور وقال ابن القصار نظره إلى وجهها أو غيره من جسدها لا يحرمها.
وعزاه ابن رشد لابن شعبان قال: وروى ابن وهب إيجابه الكراهة وذكر ابن بشير قولين في غير النظر للوجه قال، وأما النظر له فهو لغو باتفاق وخصص ابن الحاجب الخلاف بباطن الجسد فقال والمشهور أن اللذة بالمباشرة والقبلة، والنظر لباطن الجسد كالوطء في تحريم البنت.
قال ابن عبد السلام: وهو خلاف ظاهر الروايات قال ابن حبيب ومن تلذذ بأمته بتقبيل أو تجريد أو ملاعبة أو مغامزة أو نظر إلى شيء من محاسنها نظر شهوة حرم على أبيه وأبنه التلذذ بشيء منها ورواه أيضا محمد عن مالك، وزاد وكذلك إن نظر إلى ساقها ومعصمها تلذذ وأما القبلة والمباشرة فقد تقدم كلام ابن الحاجب فيهما، وأنه حكي الخلاف فيهما كالنظر.
قال ابن عبد السلام: ولا أعرف القول الشاذ في المذهب نعم هو قول الشافعي والحسن.
قلت: ومثله لبعض شيوخنا وأجابهما شيخنا أو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى بأن ابن عبد البر ذكره في الكافي رواية عن مالك.
قال ابن حبيب: لا يحل مسيس جارية ملكها أبوه وابنه الذي بلغ مبلغ من يتلذذ بالجواري خيفة أن يكون قد مسها. قال ابن عبد السلام: وفيما قاله نظر وينبغي
أن يكون المنع على الاحتياط لا على اللزوم.
(ولا يحرم بالزنا حلال):
اختلف المذهب في وطء الزنا هل ينشر الحرمة أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل إنه لا ينشر الحرمة كما قال الشيخ قاله مالك في الموطأ وبه قال جميع أصحابه وهذا القول مذكور في المدونة، وزعم ابن عبد السلام أنه المشهور وقيل إنه ينشر الحرمة كالصحيح قاله في سماع أبي زيد ورواه ابن حبيب في واضحته قائلاً: رجع مالك عما في الموطأ إلى التحريم وأفتى به إلى أن مات وقيل: إنه ينشر الكراهة رواه ابن المواز وهذان القولان مؤولان معا على المدونة فتأولها اللخمي وابن رشد في البيان على الكراهة وتأولها غيرهما على التحريم.
قال عياض: والأكثرون على الكراهة قال في الأمهات في موضع لا أحب وفي آخر لا ينبغي وفي آخر أكرهه وفي آخر فليفارقها، وقال في التهذيب: ومن زنى بأم زوجته أو ابنتها حرمت عليه زوجته.
قالت: وتعقب غير واحد اختصاره لما ذكر وأما إذا كان الوطء مستندا إلى شبهة كمن وطئ أجنبية يظنها زوجته فإنه ينشر الحرمة في المشهور.
وعن سحنون لا أثر له قال ابن عبد السلام: وهذا الخلاف إنما هو على القول بأن الزنا لا يحرم وأما على أنه يحرم فلا شك أن وطء الاشتباه يحرم وعلى الأول لو حاول أن يلتذ بزوجته فوضع يده على ابنتها فالتذ فالجمهور على الفراق، وقيل: لا أثر له قاله ابن القاسم وبه قال سعيد ابن أخي هشام، وأبو القاسم بن شبلون وأبو محمد بن أبي زيد في أحد قوليه وهو مقتضى قول سحنون واختاره الشيخ أبو القاسم بن محرز وألف فيها تأليفا، واعتمد المازري عليه في تأليفه المسمي بكشف الغطا عن لمس الخطا، وعلى الأول فذلك محمول على وجوب الفراق والإجبار عليه عند الأكثر ورأى القابسي وأبو عمر أن ذلك على وجه الاستحباب لا على الإجبار وهو مذهب أبي الطيب عبد المنعم فإنه أمر بالفراق وتوقف في الإجبار وذهب بعض فقهاء صقلية إلى أن لمس الإبنة ينشر الحرمة وإن لم يلتذ إذا كان أصل لمسه لقصد اللذة.
قال المازري: وهو ضعيف لا يتخرج على الأصل ولا ينبني على التحقيق.
قلت: بل له أصل وهو نقض الطهارة به وإن كانت الطهارة أيسر.
(وحرم الله سبحانه وطء الكوافر ممن ليس من أهل الكتاب بملك أو نكاح)
ما ذكر هو المعروف من المذهب ونقل اللخمي عن ابن القصار عن بعض أصحابه على القول بأن لهم كتابا تجوز مناكحتهم واختلف في الصابئة والسامرية فعلى أن الصابئين من النصارى والسامرية من اليهود ويجوز وعلى نفيه نفيه.
(ويحل وطء الكتابيات بالملك ويحل وطء حرائرهن بالنكاح ولا يحل وطء امهاتهن بالنكاح لحر ولا لعبد):
ما ذكره متفق عليه في المذهب، وقال أبو عمر لا يجوز محتجا بقوله تعالى:
(ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)[البقرة: 221]
ولا أعظم شركا من قولها أن ربها عيسى وتمسك الجمهور بقوله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات)[المائدة: 5]
إلى قوله: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب)[المائدة:5].
وفي المدونة يجوز للمسلم نكاح الحرة الكتابية وإنما كرهه مالك ولم يحرمه لما تتغذى به من خمر وخنزير وتغذي به ولدها وهو يقبل ويضاجع.
قال ابن عبد السلام: فنسبة ابن القاسم الكراهة لمالك تدل على أن ذلك عنده ليس بمكروه.
قلت: ولم يرتضه بعض من لاقيناه وقيل في علة الكراهة: خشية أن تموت حاملا، والجنين في بطنها ابن مسلم فتدفن به في مقابر الكفار وهي حفرة من حفر النار.
وقيل: لأنه يوجب مودة لقوله تعالى: (وجعل بينكم مودة ورحمة)[الروم:21]
مع قوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله)[المجادلة:22]
إلى آخره وكلاهما حكاه المتيطي قال في المدونة: وليس له منعها من التغذي بالخمر والخنزير ولا من الذهاب إلى الكنيسة وقال إبراهيم في كتاب طلاق السنة عن محمد بن المواز: وله منعها من ذلك إلا من الذهاب للكنيسة لفريضتها ولا يمنعها صومها ولا يطؤها وهي صائمة لأن صومها من دينها وليس شرب الخمر وأكل الخنزير منه، وروي عن مالك غير هذا، وأظنه وهما وما أخبرتك به هو أحب إلى، وقاله ابن وهب قال: لأنها كما رضيت أن يملكها مسلم كان له منعها من ذلك.
(ولا تتزوج المرأة عبدها ولا عبد ولدها ولا الرجل أمته):
قال في المدونة: ولا مكاتبها وهو عبدها ما دام في حال الأداء ولا بأس أن يرى شعرها إن كان وغدا وكذلك عبدها وإن كان لغيرها فيه شركة فلا، ونقل اللخمي عن ابن عبد الحكم أنه لا يراها وإن كان وغدا ولا يخلو معها في بيت، وكذلك اختلف في عبد زوجها وعبد الأجنبي هل يدخل عليها ويرى شعرها أم لا؟ واختلف أيضا في العبد الخصي، قال ابن القاسم والوغد الذي لا منظر له ولا خطب.
(ولا أمة ولده وله أن يتزوج أمة والده أمه وله أن يتزوج بنت امرأة أبيه من رجل غيره وتتزوج المرأة ابن زوجة أبيها من رجل غيره):
ما ذكر أنه أمة ولده هو المشهور من المذهب وأجازه ابن عبد الحكم على كراهة في ذلك وإن وقع لم يفسخ.
قال ابن رشد: وهو ينحو إلى ما روي عن مالك في عبد سرق من مال ابن سيده أنه تقطع يده وأجاز في العتبية أنه يتزوج الرجل أمة زوجته، وعن ابن كنانة كراهته وهذا في جارية ملكتها ولم تكن من صداقها، وأما جارية الصداق فيجوز له ذلك فيها بعد الدخول ومنع منه في العتبية قبل الدخول.
وقال ابن رشد: إنه يجري على الخلاف في حده أن لو زنى بها حينئذ وضعفه ابن عبد السلام للشبهة فلا يلزم من نفي الحد تزويجها يريد لقوله صلى الله عليه وسلم " ادرءوا الحدود بالشبهات"
(ويجوز للحر والعبد نكاح أربع حرائر مسلمات أو كتابيات):
يريد أن الزيادة على أربع زوجات حرام بإجماع من أهل السنة، وحكي عن بعض المبتدعة جواز ذلك.
قال ابن عبد السلام: فمن الأئمة من نسب إليهم من غير حصر، ومنهم من بلغ به إلى التسع خاصة، ولا حجة لهم في قوله:(فانكحوا ما طاب لكم من النساء)[النساء:3]
الآية، لأن المعنى في لسان العرب فانكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا هذا هو موضوع هذه الألفاظ في اللسان فالآية حجة للجمهور لا عليهم ولا حجة لهم أيضا في أنه صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع لأن ذلك من خصائصه بالدلائل الدالة عليه وهو حديث غيلان الثقفي.
وأما تزويج الاثنين فما دون فمباح في حق العبد والحر، وأما الثالثة والرابعة فيباحان في حق الحر باتفاق وكذلك في حق العبد على المشهور وقيل: إنهما في حقه ممنوعان نقله أبو محمد عن رواية ابن وهب، قال ابن عبد البر: وهو القياس على تشطير حده وطلاقه وعزا واحد كابن الحاجب هذا القول لابن وهب لان لروايته.
وفي النوادر: روى أشهب في نكاحه، أربعا وقال إنا نقول ذلك وما أدري ما هو؟ قال بعض شيوخنا: وهذا يقتضي الوقف والتقليد فلعله يريد ما أدري ما سبق لي من دليل ترجيح دخوله في عموم قوله تعالى: (فانكحوا)[النساء:3]
على قياسه على تنصيف وحده.
(وللعبد نكاح أربع إماء مسلمات وللحر ذلك إن خشي العنت ولم يجد للحرائر
طولا):
ما ذكر من أن العبد له تزويج الأمة المسلمة هو كذلك باتفاق لأن الأمة من نسائه وشرط في الحر ثلاثة شروط شرط في المنكوحة وهي كونها مسلمة وشرطان في الناكح وهما أن يخشى العنت ولم يجد للحرائر طولا وهو كذلك في مشهور المذهب.
وقيل: بإلغاء الشرطين الأخيرين وهو أحد قولي مالك وابن القاسم، قال الباجي في شرح الموطأ: العنت الزنا.
وقال أصبغ: قال ربيعة وهو من أوعية العلم: هو الهوى واختلف في الطول على خمسة أقوال، فقيل: قدر ما يتزوج به الحرة قاله في المدونة وقيل: ويشتري به أمة نقله ابن الحاجب وسلمة ابن عبد السلام، وقال بعض شيوخنا لا أعرفه لكن هو مقتضى علة رقاق الولد واشترط ابن حبيب أن يكون قادرا على النفقة مع ذلك، وقيل: الطول وجود الحرة في عصمته لا الأمة، وقيل: الأمة وقيل: قدر ما يتوصل به إلى دفع العنت وعلى الأول فنقل ابن الحاجب أنه يشترط في الحرة أن تكون مسلمة قال ابن عبد السلام وهو خلاف المدونة بل خلاف الاتفاق على ما حكى بعضهم.
قلت: ما ذكر ابن الحاجب مثله لابن العربي في الأحكام فلا غرابة فيه وحيث يباح له تزويج الأمة ففي جواز الزيادة عليها لأربع قولان حكاهما ابن بشير.
(وليعد بين نسائه):
هامش
هامش
يريد فيما يرجع إلى ذاته وماله لا أنه ليس عليه المساواة في الجماع ما لم يقصد توفير نفسه لينشط للأخرى، قال ابن رشد في رسم الأقضية، الثاني من سماع أشهب وابن نافع يقضي على الرجل أن يسكن كل واحدة بيتا ويقضي عليه أن يدور عليهن في بيوتهن ومثله للخمي وقال ابن شعبان في زاهيه من حق كل واحدة انفرادها بمنزل منفرد بمرحاض وليس عليه إبعاد الدارين.
وسمع ابن القاسم لا بأس أن يكسو إحداهما الخز ويحليها دون الأخرى إن لم يكن مليا، قال ابن رشد وهذا في مذهب مالك وأصحابه أنه إن أقام لكل واحدة ما يجب لها بقدر حالها فلا حرج عليه أن يوسع على من يشاء منهن وبما شاء.
وقال ابن نافع: يجب عليه أن يعدل بينهن في ماله بعد إقامته لكل واحدة ما يجب لها والأول أظهر وما نقله عن ابن نافع عزاه المتيطي رواية، وظاهر كلام الشيخ أنه لو كانت من نسائه أمة فإنه يقسم لها في المبيت كالحرة وهو كذلك في المشهور.
وقال ابن الماجشون: ورجع مالك إلى أنها ليست كالحرة، وبه أقول وعليه قال ابن شاس لو أعتقت في أثناء زمنها أتم لها كالحرة ولا يدخل على ضرتها في زمنها غلا لحاجة، وقيل إلا لضرورة وسمع أشهب وابن نافع سمعت أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان فكان لا يشرب الماء في بيت إحداهما في يوم الأخرى.
قال ابن رشد: وروي أنهما توفيتا معا في وباء الشام ودفنتا في حفرة وأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر وذلك على وجه التحري في العدل دون وجوبه، واختلف في جميع الحرتين في فراش واحد من غير وطء فمنعه مالك وكرهه ابن الماجشون وفي الإماء ثلاثة أقوال: المنع والكراهة وكلاهما لمالك وقال ابن الماجشون يجوز ذلك
بخلاف الحرتين.
(وعليه النفقة والسكنى بقدر وجده):
اعلم أنه تجب عليه النفقة والسكنى بقدر حاله من حالها، واختلف هل يجب عليه ثياب تخرج فيها والملحفة فقال اللخمي ظاهر المذهب أنها لا تفرض عليه، وقال في المبسوط تفرض على الغني دون الفقير ولا تفرض لها فاكهة خضراء ولا يابسة ولا جبن ولا زيتون ولا عسل ولا سمن وهذا الفصل متسع جدا واختصاره أنه يرجع فيه إلى العوائد.
واختلف إذا عجز عن نفقة مثلها وقدر على ما دونها مما يكفي من هو دونها فقيل: تطلق عليه، قاله فضل وغيره وقيل لا تطلق عليه، قاله ابن وهب وغيره وعلى الثاني فاختلف إذا عجز عما سوى ما يقيم رمقها فالمشهور تطلق عليه، وقال محمد: لا تطلق عليه.
قال اللخمي: وقول محمد فيما لا تعيش إلا به حرج تصبح وتمسي جائعة وعليه ما يسد جوعها وإلا فرق بينهما وإن كان من خشن الطعام والإدام معه لم تطلق عليه إلا أن تكون من أهل الشرف وممن لا تألف مثل ذلك ولا اتساع لها وإن جاعت لم تلزم به، وكذلك الكسوة إن كان لباس مثل ذلك معرة عليها طلقت عليه وإلا فلا، ولا يلزمه أن يضحى عنها اتفاقا وكذلك عن ابن نافع لا يلزمه أن يخرج عنها زكاة الفطر، والأكثر على خلافه فيها، وعلى الزوج من الزينة ما يزيل الشعث عنها كالمشط والمكحلة والنضوخ وحناء رأسها.
قال ابن المواز: واختلف في أجرة القابلة فقيل عليها وقيل عليه وقيل إن كانت المنفعة لها فعليها وإن كانت للولد فعلى الأب والثلاثة حكاها المتيطي رحمه الله وأما الإخدام ففي أجوبة ابن رشد الإخدام واجب للزوجة كنفقتها تطلق بالعجز عنه قاله ابن الماجشون.
وقيل: يجب كالنفقة ولا تطلق بالعجز عنه وهو مذهب ابن القاسم، وقال ابن حبيب: لا تجب إلا أن يكون الزوج موسرا والزوجة من ذوات القدر والإنفاق على أنها تطلق عليه في عجز النفقة بعد التلوم على المشهور وقيل لا يفتقر إلى تلوم وعلى الأول فقيل يوم ونحوه وقيل يؤخر أياما وقيل ثلاثة أيام وقيل ونحوها وقيل شهر وقبل غير ذلك والحق أنه يرجع إلى اجتهاد القاضي.
(ولا قسم في المبيت لأمته ولا لأم ولده):
يعني وإنما له أن يطأ أمته وأم ولده ويقيم عندهما ما شاء ما لم يقصد الضرر فيمنع وقال ابن الحاجب: ويجب القسم للزوجات دون المستولدات إلا أن الأولى العدل وكف الأذى واعترضه ابن عبد السلام بأن لفظ المدونة يدل على أن كف الأذى واجب قال فيها: وليس لأم ولد مع الحرة قسم وجائر أن يقيم عند أم ولده ما يشاء ما لم يضار.
وقلت: روده بعض شيوخنا بوجهين:
أحدهما: أن المحكوم عليه بالأولوية مجموع العدل وكف الأذى لا مجرد كف الأذى فقط.
الثاني: أن الأذى غير الضرر وأخف منه فلا تنافي بين كون ترك الأذى، وكون كف الضرر واجبا ودليل كون غيره وأخف منه قوله تعالى (لن يضروكم إلا أذى) [آل عمران: 111]
قال اللخمي: المذهب أن لا مقال للحرة في إقامته عند الأمة وفيه نظر إلا أن يثبت فيه إجماع.
(ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها):
ظاهر كلامه وإن كانت يتيمة وهو كذلك وقال ابن عبد الحكم: تجب من حين عقد النكاح عليها مطلقا وقاله سحنون في اليتيمة وحكاه المتيطي رواية ولم يحفظ قول ابن عبد الحكم، وذكر الشيخ أنه يشترط في المرأة أن تكون ممن تطيق الوطء وسكت عن الزوج واختلف فيه فقيل كالمرأة وقيل يشترط البلوغ وهو المشهور، ويشترط أن لا يكون أحدهما مريضا فإن كان فلا يخلو من ثلاثة أوجه فإن كان بلغ بصاحبه به السياق فالدعوة حينئذ لغو وإن كان لا يمنع الوطء فمعتبر باتفاق فيهما وفيما بينهما قولان حكاهما اللخمي.
قال عياض: ظاهر مسائل المدونة أن لأبي البكر دعاء الزوج للبناء الموجب للنفقة وإن لم تطلبه وابنته، وهو المذهب عند بعض شيوخنا، وقاله أبو المطرف والشعبي كجبره على النكاح وبيعه ما لها وقال المارودي: ليس له ذلك إلا بالذي دعاها أو توكيلها إياه ومثله لابن عات.
قلت: واختار بعض شيوخنا إن كانت نفقتها على أبيها فالأول وإن كان في مالها فالثاني.
(ونكاح التفويض جائز وهو أن يعقداه ولا يذكران صداقا):
في كلامه تقديم التصديق على التصور ومثله في المدونة وابن الحاجب وقد قدمنا غير ما مرة أنه مجتنب وأكثر ما يجيب به عنه بعض شيوخنا بشعور التصديق بذكر الحكم كما هنا وما ذكر أنه جائز هو كذلك باتفاق قاله الباجي والأصل في ذلك قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء)[البقرة: 236]
وخرج أو داود عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: " أترضى أن أزوجك فلانة" قال: نعم، وقال للمرأة:" أترضين أن أزوجك فلانا" قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه فدخل الرجل بها ولم يفرض صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية وله سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانه ولم يفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا وإني أشهدكم أني أعطيتها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة الف دينار.
واعلم أن نكاح التفويض أصل وقيست عليه هبة الثواب قال في شفعة المدونة: وإنما جازت هبة الثواب على غير عوض مسمي لأنه على وجه التفويض في النكاح وسمعت بعض من لقيته من القرويين ينقل غير ما مرة أن بعض أهل المذهب جعل نكاح التفويض فرعا وقاسه على هبة الثواب قائلاً: غاب عني موضعه.
قلت: وهو ضعيف للاستدلال المذكور فلا يحتاج إلى قياس وإذا طلق الزوج في نكاح التفويض فلا شيء لها من الصداق اتفاقا وكذلك لا شيء لها في الموت على المشهور وترثه لأنها زوجته ومثله ذكر الشيخ بعد وحكى عبد الحميد الصائغ قولا بلزوم الصداق كالمدخول بها قال ابن بشير وهو قول شاذ.
(ثم لا يدخل بها حتى يفرض لها فإن فرض لها صداق المثل لزمها وإن كان أقل فهي مخيرة فإن كرهت فرق بينهما إلا أن يرضيها أو يفرض لها صداق مثلها فيلزمها):
ما ذكر من أنه لا يدخل حتى يفرض لها معناه إن منعته من الدخول وما ذكر من أن فرضه قبل البناء مستحب وعليه حمل قول المدونة ليس للزوج البناء حتى يفرض وفي المقدمات إنما يجب تسمية الصداق عند الدخول، قال خليل: فظاهره أن التقدير قبل البناء واجب وما ذكر من أنه إذا فرض لها صداق المثل يلزمها هو المذهب وخرج بعض من لقيته من القرويين قولا أنه لا يلزمها إلا أن ترضى من قول مطرف في الهبات إنما يهب الناس ليعاوضوا أكثر، وكنت أجيب بأن النكاح مبني على المكارمة فلا يتخرج والله اعلم.
وما ذكر من أن الخيار لها إذا فرض من صداق المثل معناه إذا كانت رشيدة وأما البكر ذات الأب فالنظر في ذلك للأب باتفاق قاله أبو حفص العطار، وأما التي لا أب لها ولا وصي فقال ابن القاسم: لا يعتبر رضاها، وقال غيره: يعتبر رضاها والقولان في المدونة وطرح سحنون قول الغير على أنه قد قال به في العتبية ورواه زياد عن مالك، وحمل الأشياخ المسألة على من لم يعلم حالها بسفه ولا رشد، قال ابن الحاجب: وفي رضى السفيهة غير المولى عليها بدونه قولان وتعقبه ابن عبد السلام بما سبق من حمل الأشياخ المسألة على ما ذكر وأما التي عليها وصي فالمشهور يعتبر رضاها معا إن كان نظرا.
وقيل: ذلك موقوف على رضى الوصي فقط قاله في الواضحة واختاره غير واحد إذ النظر له في المال خاصة ومهر المثل ما يرغب به مثله في مثلها ويعتبر الدين والجمال والحسب، والزمان والبلاد.
قال في المدونة: وينظر فقد يزوج فقير لقرابته وأجنبي لماله فليس صداقهما سواء وصداق المثل يعتبر يوم العقد وقيل يوم الحكم إن لم يبن أو يوم الدخول إن بني والقولان حكاهما عياض.
(وإذا ارد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاق وقد قيل بغير طلاق):
القول بالردة طلقة ويريد بائنة هو مذهب المدونة وهو المشهور والقول بأنه فسخ قاله مالك وابن الماجشون وبقي عليها قول ثالث بأنه يلزمه طلقة رجعية فيكون أحق بها إذا رجع إلى الإسلام في العدة، قاله ابن الماجشون أيضا وسحنون والمغيرة وهو مذهب المدونة في كتاب أمهات الأولاد في بعض الروايات والرابع وهو إن رجع إلى الإسلام فلا شيء عليه حكاه ابن يونس ونصه، قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وإن ارتد الزوج ثم عاود الإسلام في عدتها فهو أحق بها في الطلاق كله كما لو أسلمت ثم أسلم في عدتها، ولو لم يسلم حتى انقضت عدتها لزمه فيها طلقة.
وظاهر كلام الشيخ: ولو علم رغبة الزوجة في فراق زوجها وهو ظاهر المذهب وذكر ابن عادت أن ابن زرب وقف عن الجواب فيها فقال له بعض من حضره من أهل بجاية: نزلت ببجاية وأفتي فيها الفقيه الحوفي بأن ارتدادها لا يكون طلاقا وظاهر كلامه أيضا ولو ارتد إلى دين زوجته، وهو كذلك عند ابن القاسم في المدونة.
وقال أصبغ: لا يحال بينهما وأخذ ابن عبد السلام من قول أصبغ قول ابن المواز أن المرأة تدخل على زوجها في السجن إذا سجن في حق غيرها، واختار ابن رشد خلاف قول سحنون.
قلت: ووجه الإقامة أن المطلوب التضييق عليه ليراجع الإسلام كما أن المطلوب ذلك في المحبوس لأداء ما عليه فلما لم يعتبره أصبغ في المرتد لزم اطراده من باب أحرى. والله أعلم.
والفتوي عندنا بإفريقية بقول سحنون: ولو ادعى الزوج على زوجته ارتداد فأنكرته فرق الحاكم بينهما لإقراره بما يوجب الفرقة وهي الردة قاله سحنون في كتاب ابنه نقله ابن يونس.
(وإذا أسلم الكافران ثبتا على نكاحهما):
ظاهر كلامه وإن كان نكاحهما بالأولى ولا صداق، وهو كذلك ما لم يكن ثم مانع من الاستدامة من نسب أو رضاع وكذلك إن تزوجها في العدة ووقع إسلامهما قبل انقضائها، فإن النكاح يفسخ قاله ابن القاسم وأشهب ومثله إذا تزوجها بنكاح متعة وأسلما قبل انقضاء الأجل نص على ذلك أشهب وجعله غير واحد المذهب، وقال عبد الحق الإشبيلي: أجمعوا على أن الزوجين إذا أسلما في حالة واحدة أن لهما البقاء على النكاح الأول، إلا أن يكون بينهما نسب، أو رضاع يوجب التحريم.
قلت: ورأى بعض شيوخنا أن ما ذكره ينقض بما تقدم.
واختلف في أنكحتهم فقيل: إنها فاسدة والإسلام هو الذي يصحح بعضها وقيل: إنها صحيحة وإنما الفاسد منها بعضها والمشهور أنها على الفساد ولأجل هذا الاختلاف اختلف التونسيون هل تجوز شهادة الشهود المعينين للشهادة بين الناس لليهود في أنكحتهم بولي ومهر شرعي أو تمنع؟ على فريقين وألف كل واحد منهما على صاحبه ورجح ابن عبد السلام المنع، وسبب الخلاف الخلاف في أنكحتهم هل هي على الصحة، أو على الفساد؟ وهل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ في ذلك
قولان في المذهب ثالثها مخاطبون بالنواهي دون الأوامر ورابعها مخاطبون بغير الجهاد، وأما الجهاد فلا وكلاهما لأرباب الأصول.
قال ابن عبد السلام: وفي هذا الإجراء نظر من وجوه يطول ذكرها منها: أن ما عقدوه على الصفة التي توافق شرعنا لا معنى لدخول الخلاف فيه على هذا التقدير ولكن الخلاف فيه أيضا قال في المدونة: وطلاق المشرك ليس بطلاق ونقل غير واحد عن المغيرة إلزامهم ذلك، وذلك يجري على الأصل المذكور.
(وإن أسلم أحدهما فذلك فسخ بغير طلاق):
ما ذكر هو قول مالك وأصحابه، وقال ابن القاسم: وإن أسلمت قبل إسلامه ولم يسلم مكانه فلا رجعة وهي طلقة بائنة ورد بعض الشيوخ الأول بأن طلاق الكافر لغو.
(فإن أسلمت هي كان أحق بها إن أسلم في العدة):
يعني إذا أسلمت الزوجة بعد البناء وسواء كانت مجوسية أو كتابية فإن ينتظر في العدة وهو كذلك باتفاق قاله ابن حارث زاد في الموازنة للسنة وفي موضع آخر: ولو كان عبداً، وسمع أصبغ ابن القاسم يقول إسلامه رجعة دون إحداث رجعة، وأطلق الشيخ على الانتظار عدة، ومثله للبراذعي وابن يونس وغيرهما.
قال ابن عبد السلام: إطلاق ابن الحاجب لفظ العدة مجاز إنما هو استبراء على المشهور، واعترضه بعض شيوخنا بأن كلامه يوهم أنه مختص بهذا الإطلاق وليس كذلك بل أطلقه البراذعي ومن ذكر معه.
وظاهر كلام الشيخ لو لم بين بها لبانت وهو كذلك باتفاق عند بعضهم وقيل: إنما ذلك مع الطول وفي القرب قولان منصوصان وهذه طريقة اللخمي وأشار الباجي إلى أن الخلاف في القرب وإنما هو مخرج.
(وإن أسلم هو وكانت كتابية ثبت عليها):
ما ذكر هو كذلك باتفاق ولكن مع الكراهة في الاستدامة كما يكره للمسلم نكاح الكتابية ابتداء هكذا نبه عليه بعضهم وقبله ابن عبد السلام، ورده شيخنا أو مهدي عيسي الغبريني بأنهما ليسا سواء لسبقية النكاح في الكافر بخلاف المسلم والجملة إنما يمنع من يرى أن الدوام كالإنشاء.
(فإن كانت مجوسية فأسلمت بعده مكانها كانا زوجين وإن تأخر ذلك فقد بانت منه):
ما ذكر من أن المجوسية إن أسلمت مكانها ثبت عليها وإلا فلا هو قول ابن القاسم، وقيل: يعرض
…
عليها الإسلام ثلاثة أيام فإن لم تسلم فرق بينهما حكاه غير واحد، وقيل إن أسلمت في العدة بقيت زوجة قاله أشهب في أحد قوليه.
وفي المدونة: يعرض عليها الإسلام فإن أبت وقعت الفرقة بينهما وإن أسلمت بقيت زوجة ما لم يبعد ما بين إسلامهما.
قلت: كم الطول؟ قال: لا أدري الشهودر وأكثر منه قليل، وفي بعض الروايات ورأى الشهرين.
وفي النوادر عن الموازية إن لم توقف فحتى يمضي مثل الشهر عند ابن القاسم، فقال أبو إبراهيم هذا خلاف رواية الشهر والشهرين، وتأول الشيخ أبو بكر بن اللباد قول المدونة على أنه غفل عنهما.
وكلام ابن أبي زمنين يقتضي أنه باق على ظاهره، وإذا سبق إسلام الزوج سقطت نفقتها باتفاق وأما إذا سبق إسلامها فإن كانت حاملا فالنفقة باتفاق عليه، وإن لم تكن حاملا فسمع أصبغ: هي عليه لأنه أحق بها ما دامت في العدة كالمطلقة واحدة، قال أصبغ وبه أفتيت لما أرسل السلطان إلى فاستفتاني في ذلك، وسمع عيسى لا تلزمه لأن أمرها فسخ لا طلاق والسنة لا نفقة في الفسخ.
قال ابن رشد: وهو الصواب عند أهل النظر لما ذكر لأن النفقة إنما وجبت للمتعة فقد سقطت متعته مهما بإسلامها فإن وجبت للعصمة سقطت أيضا لارتفاعها بالفسخ وكونه أحق بها إن أسلم في عدتها أم لا يحمله القياس وأما السكنى فالاتفاق على ثبوتها ويوجد في بعض نسخ ابن بشير الخلاف فيها كالنفقة قال ابن عبد السلام: وليس بشيء.
(وإذا أسلم مشرك وعنده أكثر من أربع فليختر أربعا ويفارق باقيهن):
ظاهرة أوائل كن أو أواخر وهو كذلك في منصوص المذهب وقال أبو حنيفة يتعين الأول وخرجه اللخمي في المذهب، وقال: يلزم على قول أشهب من تزوج امرأة في شركه ولم يبن بها ثم أسلمت حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وأن من تزوج أما وابنتها في حال شركه أو أختين أو أكثر من أربع ثم أسلم أنه يلزمه العقد الأول، ويفسخ الثاني، واختلف هل له الخيار إذا كان محرما أو مريضا أو كانت المخير فيها أمة وهو واجد للطول أم لا فقيل بذلك لكونه كرجعة.
وقيل: يمنع كابتداء نكاح وهذا الخلاف أشار إليه عبد الحميد الصائغ إلى إجرائه هل الفرقة فسخ أو طلاق، ولو اختار أربعا فإذا هن أخوات فله تمام الأربع ما لم يتزوجن قاله ابن الماجشون، قال ابن عبد الحكم: له ذلك، وإن دخل بهن أزواجهن، وقال اللخمي: أما لو كانت الفرقة بطلاق وبانت فلا تمام له، وإذا اختار أربعا وفارق البواقي فلمن بني بها من البواقي مهرها.
واختلف فيمن لم يبن بها على ثلاثة أقوال: فظاهر المذهب لا شيء لهن لأنه فسخ قبل الدخول، وقال ابن المواز لكل واحدة خمس صداقها لأنه لو فارق الجميع لزمه صداقان وهو خمس اثنان من عشرة، وقال ابن حبيب لكل واحدة نصف صداقها لأنه في الاختيار كالمطلق.
(ومن لاعن زوجته لم تحل له أبداً):
اختلف الفرقة بين المتلاعبين هل هي بطلاق أم لا؟ فالأكثر على أنها بغير طلاق واستحب عيسى بن دينار أن يوقع الطلاق بأثر اللعان، وقال ابن شعبان عن ابن مسلمة أنه طلاق البتة تحل له بعد زوج إن أكذب نفسه وكان ينحو إليه أشهب.
وقال عبد الملك في الثمانية واعلم أن بنفس حلف الزوج تقع الحرمة بينهما وإن لم تلتعن الزوجة وهو مقتضى قول سحنون وأصبغ والموطأ، والمشهور أن الفرقة لا تكون إلا بتمام حلفهما معا، وهو ظاهر قول الشيخ لأن اللعان في علة لا تقع إلا من الزوجين معا فهو كقوله بعد وإن افترقا باللعان لم يتناكحا أبداً فلا تعارض في كلامه والله اعلم.
(وكذلك الذي يتزوج المرأة في عدتها ويطؤها في عدتها):
ما ذكره هو المشهور وقال ابن نافع لا تحرم عليه بحال واحتج للمشهور بأنه حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمحضر الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينكروا عليه فهو اجتماع سكوتي وقد علمت ما فيه، وظاهر كلام الشيخ لو عقد في العدة ودخل بعدها أنها لا تحرم عليه وهي إحدى الروايتين وكلاهما لمالك في المدونة قاله ابن عبد السلام.
قلت: وفيه نظر وذلك أنه لما ذكر في كتابه العدة وطلاق السنة أن مالكا قال: تحرم عليه للأبد وأن المغيرة وغيره قالوا: لا تحرم عليه قال بإثره قال ابن القاسم: وكان مالك يفسخ هذا النكاح وما هو بالحرام البين أراد به وما تأبيد التحريم بحرام بين
فالتأييد حاصل في قوليه معا فأين القول الأول له فيها أنها لا تحرم عليه للأبد نعم هو قول له في غير المدونة وظاهر كلامه ولو كانت العدة من طلاق رجعي لأنه يصدق عليه أنه نكاح في عدة وهو كذلك عند غير ابن القاسم في المدونة.
وقال ابن القاسم: لا تحرم عليه كالمتزوج في العدة ألا ترى أن أحكام الزوجية بينهما فاقية من الميراث وغيره، وقال ابن رشد: ويحتمل أن يتخرج قول ثالث وهو إن راجعها زوجها لم يكن هذا متزوجا في العدة من قول ابن بشير في النصرانية تسلم تحت النصراني، فتتزوج في العدة أنه إن لم يسلم زوجها حتى انقضت العدة كان نكاحها فيها تزويجها في العدة، وإن أسلم لم يكن نكاحها فيها.
قلت: وإنما قال يحتمل لأنه يفرق بينهما لأن إسلامه كشف دوام عصمته دون طلاق قاله بعض شيوخنا وظاهر كلامه أن القبلة والمباشرة لا تحرم بهما، وهو نحو ما في كتاب ابن المواز يؤمر بالتحريم ولا يقضى عليه واستحسنه أشهب لأنه لم يوجب لبسا في لحوق النسب. وفي المدونة هما كالوطء فتحرم، نص على ذلك في كتاب العدة في آخر فصل المفقود فاعلم ذلك.
واختلف إذا وطئها في الاستبراء على أربعة أقوال: فقيل تحرم وقيل لا ووقع لابن القاسم أنها تحرم إن كانت حاملا ولا تحرم في غيره قال ابن رشد ولو عكس لكان أصوب لأن فيه إذا وطئ غير الحامل اختلاط الأنساب.
(ولا نكاح لعبد ولا أمة إلا بإذن السيد):
ما ذكر هو كذلك باتفاق لأن تزويج العبد يعيبه ولذلك لو طلب العبد من سيده أن يزوجه وامتنع من ذلك فإنه لا يجبر قال ابن عبد السلام: وينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم يقصد الضرر، فإن قصده أمر بالتزويج أو البيع، وقد اختلف المذهب هل يجب على الولد أن يزوج أباه إذا طلبه أم لا؟ وسبب الخلاف هل يلحق النكاح بالأقوات أم لا؟ وللشافعية في المسألة تفصيل ونص بعض المتأخرين منهم على الوجوب حتى قال في الحيوان البهيمي يجب إرسال الذكور على الإناث زمان الضراب وللسيد أن يجبره على النكاح إذا أباه منه ما لم يقصد الضرر ولا يختلف فيه كما اختلف في الوصي هل يجير محجوره أم لا؟ لأن المحجور هناك إذا أكره على النكاح وطلق أتلف مال نفسه وإذا طلق العبد هنا أتلف مال سيده الذي أجبره لأن مال العبد لسيدة قاله ابن عبد السلام أيضا.
قلت: وفيه عندي نظر بدليل أن السيد لا يزكي مال العبد ولو كان مالكا له لزكاه كما إذا كان له مال وديعة وقد علمت أن مال العبد يتبعه في العتق ولو كان غير مالك له لما تبعه فبان بهذا أن السيد لا يملكه إلا بعد الانتزاع نعم إن مالك العبد غير كامل لقدره السيد على الانتزاع، ولذلك لا زكاة عليه فيه، ولو تزوج بغي إذن سيده فله فسخه بطلقة وقال الأبهري: القياس دون طلاق على الأول فلا يطلق إلا واحدة وقيل بالبتات طلقتين وبالأول قال أكثر الرواة وبالثاني قال مالك والقولان في المدونة.
(ولا تعقد امرأة ولا عبد ولا من على غير دين الإسلام نكاح امرأة):
ظاهرة كلامه يقتضي أن من ذكر يعقد على الذكور وهو كذلك قاله في الواضحة والعتبية وغيرهما لأن الولاية إنما تشترط في المرأة خاصة.
قال المتيطي: وهو المشهور المعمول له وقيل إن المرأة لا تعقد مطلقا وأخذ ذلك من المدونة من قولها ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس فظاهرها العموم قاله غير واحد كابن سعدون، وعبد الوهاب وعبد الحميد ومثله في الموازية وتأويلها ابن رشد على أن المراد من النساء لنص سماع عيسى لا بأس أن يوكل الرجل نصرانيا أو عبدا أو امرأة على عقد نكاحه.
ومثل هذا التأويل لأبي محمد بن أبي محمد عبد الحق.
قلت: والأقرب عندي هو الأول ويؤيده قول اللبيدي وقع في وصايا المدونة لا تعقد على أنثى ولا ذكر، وما ذكر الشيخ في العبد وهو كذلك، وقال ابن عبد السالم ولا أعلم الآن في ذلك خلاف على أن ظاهر كلام أصبغ يدل على وجود الخلاف فيه لقوله لاميراث في النكاح الذي تولي العبد عقدته وإن فسخ بطلقة لضعف الاختلاف.
قلت: فيما قاله نظر لأنه يحتمل الخلاف أن يكون خارج المذهب لأن باب الميراث لا يقتصر في مراعاة الخلاف فيه على المذهبين فقط والله أعلم.
ودل كلام الشيخ من باب أحرى أن الصبي والمعتوه لا يعقدان وهو كذلك، وقال ابن البشير قال اللخمي: يعقد الصبي المميز قلت ورده بعض شيوخنا بأن اللخمي إنما حكاه فيمن أنيت، وقد قيل إنه علامة على البلوغ، وظاهر كلام الشيخ في الكافر أنه لا يعقد سواء كان كفره كفر جزيه أم لا؟ وهو كذلك باتفاق في غير كفر الجزية وباختلاف في كفر الجزية والقول بأنه لا يمنع الولاية حكاه ابن بطال عن أصبغ وإلى هذا أشار ابن الحاجب بقوله: والمشهور أن كفر الجزية من الولي يسلب الولاية عن
المسلمة كغيره.
وتعقبه ابن عبد السلام قائلاً: لم أر أحداً من الحفاظ وغيرهم إلا وهو ينكر وجود هذا القول الشاذ ونسب المؤلف فيه إلى الوهم وقال ابن هارون: بقيت زمانا أبحث عليه فلم أقف عليه حتى أخبرني بعض فضلاء أصحابنا أنه في ابن بطال فنظرته فوجدته نقله عن أصبغ.
قلت: وكذلك نقل ابن رشد انه وقف عليه لابن بطال عن اصبغ بعد أن كان لا يحفظ إلا ما أخبره به شيخه الفقيه القاضي أبو عبد الله ابن الشيخ أبي عبد الله الزواوي أنهم وجدوا في بجاية كتابا لبعض الأندلسيين، وفيه أن الكافر من أهل الجزية تكون له الولاية أو قال البنت المسلمة لا تتزوج بغير أمره ورضاه.
وحاصل هذا الباب أنه يشترط في الولي العقل والبلوغ والحرية والذكورية والاسلام واختلف في المسلم الفاسق هل نصح ولايته أم لا؟ فأجاز ابن القصار نكاحه وكره عبد الوهاب مع وجود عدل فإن عقد جاز وكلاهما نقله اللخمي، وقال ابن شاس وابن الحاجب، والمشهور أن الفسق لا يسلب إلا الكمال فظاهر كلامهما أن الشاذ يسلب الأجزاء، قال بعض شيوخنا ولا أعرفه ومثله لخليل.
(ولا يجوز أن يتزوج الرجل امرأة ليحلها لمن طلقها ثلاثا ولا يحلها ذلك).
ظاهر كلام الشيخ: ولو لم يشترط عليه التحليل فإنه لا يحلها إذا نواه وهو كذلك في المشهور، وحكاه عبد الحميد الصائغ في تعليقه عن مالك قال: وذهب غير واحد من أصحابنا إلي أنه يحلها وهو مأجور ولو اشترط تحليلها ما حلت اتفاقا.
قال ابن حبيب: ويجب على المحلل أن يعلم الأول أن قصده التحليل بإنكاحها.
وقال ابن عبد البر في كافيه: علم الأول وجهله في ذلك سواء، وقيل: إن علم الأول قصد الثاني إجلاله فينبغي له تركها، وقيل إن علم أحد الثلاثة بالتحليل فسخ النكاح وهو شذوذ.
وكذا نقل المتيطي هذا القول ظاهره أنه في المذهب ولم يعزه ابن عبد البر في الاستذكار إلا للنخعي والحسن البصري، ولو زوجها من غيره ليس له طلاقها بعد وطئه حلت له قاله بعض الشيوخ مستدلا بما رواه ابن نافع: لا بأس أن يتزوج الرجل المرأة تعجبه ليصيبها وقد أضمر في قلبه فراقها بعد شهر.
ولو تزوجها من حلف ليتزوجن على امرأته فقيل: يحلها وإن لم يشبه أن تكون من نسائه أم لا ففيه خلاف وكذلك في إبرائه من يمينه حكاه ابن رشد.
(ولا يجوز نكاح المحرم لنفسه ولا يعقد نكاحا لغيره):
ما ذكر هو مذهبنا، وقال أبو حنيفة وغيره: يجوز للمحرم أن ينكح وبين الفريقين احتجاج يطول ذكره.
قال ابن الجلاب: وله رجعة امرأته في العدة، ومثله في المدونة والموطأ قال ابن عبد البر: وهو متفق عليه بين فقهاء الأمصار، ونقل الباجي عن احمد بن حنبل منعها.
قال ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريجه في المذهب على القول بأنها قبل الارتجاع محرمة الوطء، وأن الإشهاد في الرجعة واجب، ورده بعض شيوخنا بأن حرمة الإحرام أشد لعدم القدرة على عدم رفعها وبالاتفاق على ثبوت الإرث بينهما في المسألة المخرج منها.
قال ابن الجلاب: وله شراء الجواري وقال ابن عبد السلام: ولا يبعد منعه على القول بأنها فراش بنفس عقد البيع، وإن لم يقر سيدها بوطئها كما ذهب إليه بعض شيوخ المذهب فيمن تراد للفراش منهن.
ورده بعض شيوخنا بأن مظنة وقوع الوطء في الزوجة أقوى لحقها فيه وهو
مظنة الطلب مظنة الإباحة وبأن النكاح خاص بالوطء وإليه أشار ابن الجلاب في قوله لأنه لا ينكح إلا من يحل له وطؤها فإن وقع نكاح المحرم أو إنكاحه فإنه يفسخ أبداً، وفي فسخه بطلاق روايتان، وكذلك الروايتان في تأبيد التحريم والمشهور عدم التأبيد قاله ابن عبد البر.
(ولا يجوز نكاح المريض ويفسخ):
يريد المرض والمخوف وهو الذي يحجر فيه عن ماله قال ابن بشير، وقال اللخمي: ما ظاهرة إذا أشرف على الموت أنه لا يجوز بلا خلاف، وكذلك ألحق بغير المخوف ما يكون مخوفا إلا أنه يتطاول كالسل والجذام في أوله وظاهر كلام الشيخ، ولو احتاج المريض إلى زوجة تقوم به وسواء كانت ترثه أم لا، واختلف في المسألة على أربعة أقوال فالمشهور ما قال الشيخ.
ونقل اللخمي عن مطرف جوازه وكذلك عزاه ابن المنذر والمتيطي وحكاه ابن الحاجب عن مالك، وحكى ابن المنذر أيضاً عن مالك أنه يجوز إن لم يكن مضارا وكانت له حاجة لمن يقوم به أو في الإصابة، وإن لم تكن له حاجة إلى شيء من ذلك فهو مضار.
وقيل: إن كانت لا ترثه فإنه جائز كما إذا كانت أمة أو كتابية بناء على أنه لحق الورثة وأجيب بجواز الإسلام والعتق.
وقوله: ويفسخ إنما قال يفسخ لئلا يقال يراعى فيه الخلاف بعد الوقوع كما يوجد في كثير من الأنكحة الفاسدة.
وظاهر كلام الشيخ: ولو صح المريض فإنه يفسخ بناء على فساده في عقده وهو كذلك قاله في سماع أشهب وبه قال سحنون وأصبغ وأشهب، ورواه ابن وهب أيضاً، وقيل لا يفسخ وهو اختيار ابن القاسم وبه قال ابن رشد بناء على أنه لحق الورثة وكلاهما في المدونة قال فيها: قال مالك وإن صحا ثبت النكاح دخلا أو لم يدخلا وكان يقول لا يثبت وإن صحا ثم عرضها عليه فقال امحها وأرى إذا صحا ثبت النكاح ومنهم من علل فساده بأنه في صداقه إذ لا تدري ما يخرج لها من الثلث كله أو بعضه ورد بأنه لو كان كذلك لمضى بالبناء كغيره ورد بأن غيره إذا وجب فيه صداق المثل بالدخول زال الغرر لتعلق صداق المثل بالذمة بخلاف ما هنا.
قال ابن عبد السلام: وهو ضعيف لأن إخراج الصداق من الثلث معلل بفساد
النكاح فلو جعل الإخراج من الثلث علة الفساد للزم الدور.
قلت: وهذه المسألة إحدى ممحوات المدونة الأربع وثانيها في الضحايا وثالثها في الإيمان والنذور ورابعها في السرقة وأمره بالمحو مبالغة في طرحه لظهور الصواب في القول المرجوع إليه، ووقعت المسامحة في بقائه مكتوبا لأنه يصح أن يذهب إليه المجتهد يوماً ما وهذا هو الموجب لتعدد الأقوال التي يرجع المجتهد عنها ونبه على هذا ابن عبد السلام.
(وإن بنى بها فلها الصداق في الثلث مبدأ ولا ميراث لها):
ظاهر كلام الشيخ أن لها المسمى وإن كان أكثر من صداق المثل وهو قول ابن عبد الملك قائلاً: لأنه بالتسمية أصابها وكذلك رواه ابن نافع وأشهب قال سحنون: وهو خير من قول ابن القاسم من قول لها صداق المثل ولا يعجبني وفي ثاني نكاح المدونة إن دخل بها فمهرها في ثلثه وزاد في الأيمان بالطلاق وإن زاد على مهر مثلها سقط ما زاده، ففسرها أبو عمران بالأقل منهما فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال ثالثها: لها الأقل من صداق المثل والمسمى وما ذكر الشيخ أنه في الثلث وهو المشهور واحد الأقوال الثلاثة وقيل يكون من رأس ماله نقله القابسي عن المغيرة، وقيل أما ربع دينار فمن رأس المال قاله القابسي.
قال عبد الحق: وهو الذي حفظت من شيوخنا وهو حسن إذ لا يستباح بضع بأقل منه وكالسيد يفسخ نكاح عبده بعد بنائه يترك لزوجته ربع دينار، وقال أبو عمران: لا أدري من أين نقل القابسي عن المغيرة ما ذكر والذي رأيته في كتاب المغيرة أنه من الثلث قال خليل: ولا يلزم القابسي ما ذكره أبو عمران لاحتمال أن ينقل عنه بواسطة دون كتاب ونقل عبد الحق عن ابن حبيب أنه يدخل فيما لم يعلم به.
(ولو طلق المريض امرأته لزمه ذلك وكان لها الميراث منه إن مات في مرضه ذلك):
تكلم رحمه الله على الوجه المشكل وهو إذا طلقها ثلاثا وأخرى إذا طلقها أقل من ذلك أنها ترثه وعمدة أهل المذهب في إرثها قضاء عثمان لامرأة عبد الرحمن بن عوف وهو المروي عن عمر وعائشة رضي الله عنهما قال ابن عبد البر: لا أعلم لهم مخالفا من الصحابة إلا عبد الله بن الزبير وجمهور علماء المسلمين على ما روي عن الصحابة وقالت طائفة منهم بقول ابن الزبير.
قال ابن عبد السلام: وهو القياس لأن الزوجية أمر نسبي لا تعقل إلا بين اثنين
فلو صحت من جانب المرأة لصحت من جانب الزوج فوجب إذا ورثته أن يرثها وأجمعوا على أنه لا يرثها فوجب أن لا ترثه إلى غير ذلك من اللوازم المنتفية، وظاهر كلام الشيخ: ولو كان الطلاق بخلع أو تخييرا وتمليكا وهو كذلك قاله في إرخاء الستور من المدونة قائلاً: لأن طلق في الصحة طلاقا رجعيا ثم مرض في العدة ولم يرتجعها، وخرجت من العدة ومات بعد فإنها لا ترثه وقيل: إنها ترثه حكاه ابن عبد البر في الكافي، واختلف إذا كان أوقع الطلاق في الصحة والحنث وقع منه في المرض ففي الأيمان بالطلاق من المدونة أنها ترثه.
وروي زياد بن جعفر أنها لا ترثه حكاه الباجي وعزا الأول لمشهور قول أصحابنا. قال ابن عبد السلام: وما رواه زياد هو الصحيح عندي لانتفاء التهمة فيه من كل الوجوه ألا ترى أن اليمين وقعت في الصحة من الزوج والحنث وقع في المرض واختلف إذا طلق أمة أو ذمية فعتقت الأمة وأسلمت الذمية بعد العدة وقبل موته ففي إرثهما قولان لمحمد وابن الماجشون وعزاهما الباجي لابن القاسم وسحنون.
قال في المدونة: ومن ارتد في مرضه فقتل على ردته لم ترثه ورثته المسلمون ولا زوجته إذ لا يتهم أحد بالردة على منع الميراث، وظاهره وإن كان معروفا بالبغض لمن يرثه قال اللخمي: وإن راجع الإسلام بالقرب ثم مات في مرضه فإنها لا ترثه على قول ابن القاسم لأن ردته طلاق وترثه على قول عبد الملك أن إسلامه يوجب بقاءها زوجة دون طلاق.
قلت: قال بعض شيوخنا: الأظهر أن ترثه زوجته على قول ابن القاسم، أيضاً لأنه مطلق في المرض ورافع تهمة قتله والفرض نفيه لإسلامه.
وأجابه شيخنا أبو مهدي أيده الله بأنه إنما علل في الكتاب بأن نفس الردة تزيل التهمة لا أن قتله هو الموجب لرفع التهمة وإنما ذكر القتل في التصوير لا في التعليل واضطراب المذهب فيما إذا عاجله الموت على أربعة أقوال: فقيل: إنه لا يورث قاله في المدونة وعكسه نقله ابن شعبان وقيل بالأول إن لم يتهم قاله في المدونة وقيل إن ورثه بعيد ومن يعلم أن بينه وبينه عداوة حسن إرثه والثلاثة الأقوال حكاه اللخمي واختار الرابع.
(ومن طلق امرأته ثلاثا لم تحل له بملك ولا نكاح حتى تنكح زوجا غيره).
أتى رحمه الله بلفظ الآية في قوله تعالى (حتى تنكح زوجاً غيره)[البقرة: 230]
، واختلف هل المراد بالنكاح العقد مع الوطء أم العقد كاف فالمعروف هو الأول وصرح به الشيخ في باب ما يجب منه الوضوء والغسل وذهب سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير رضي الله عنهما إلى أن العقد كاف، وحكاه أبو عمران الفاسي عن أبي الحسن اللباد الفرضي البغدادي وأخذ الشيخ أبو الحسن المغربي مثله من قول أشهب في المدونة في النكاح الثالث.
وقال أشهب في كتاب الاستبراء: عقد النكاح تحريم للأمة كان يطؤها أم لا حكى قول أشهب هذا فيما إذا وطئ أمة بملك ثم تزوج أختها ويرد بأن قول أشهب في باب ما يحرم به الشيء ومسألتنا في باب ما يباح به الشيء وما يباح به الشيء أشد يدل عليه ما في باب الأيمان في قولهم يحنث بالأقل ولا يبرأ إلا بالجميع ونص على هذا المعني أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله مستدلا على قاعدة البر والحنث بالفرق بين المبتوتة فإنها لا تحل إلا بالوطء وبين ما نكح الآباء والأبناء فإن العقد فيه كاف ويكفي إيلاج الحشفة أو مثلها من مقطوعها.
وظاهر كلام الشيخ أنه لا فرق في المحلل بين أن يكون مسلما أو ذميا لذمية، وهي رواية ابن شعبان وقاله علي بن زياد وأشهب.
والمشهور من المذهب أن وطء الذمي لا يحلها وليحيي بن يحيي الفرق بين
طلاق الذمي إياها فلا تحل لأن طلاقه ليس بطلاق وبين موته عنها فتحل ذكره المتيطي رحمه الله.
قال اللخمي: والصواب ما روى ابن شعبان لعموم قوله تعالى (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)[البقرة: 230].
ورده بعض شيوخنا بنفي العموم للفعل والنكره في غير نفي قال: ويجاب بأنهما في سياقه كقوله تعالى (إذا تداينتم بدين)[البقرة: 282]
قال مالك: هذا يجمع الدين كله واستشكل ويجاب بابه في سياق الشرط، ويشترط في الوطء الذي نحل به الانتشار في القول المشهور، وقيل: لا يشترط ذكره في الموازية قال بعض من لقيناه وانظر هل يتخرج هذا الخلاف في الغسل، ورجع الثاني وذكر أنه لم يقف على نص في ذلك وهو قصور لقول ابن شعبان إن أدخلت زوجة العنين ذكره في فرجها لزمها الغسل قال أبو محمد لا أعرف خلافه.
(وطلاق الثلاث في كلمة واحدة بدعة ويلزم إن وقع):
ما ذكر الشيخ من طلاق الثلاثة في كلمة واحدة بدعة هو مذهبنا، وقيل خارج المذهب، إنه من طلاق السنة متمسكا قائله بحديث اللعان ونصه: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها؛ فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره، وما ذكر الشيخ من أنه يلزمه هو المغروف وكذلك قال ابن رافع رأسه ومحمد بن مخلد من أئمة قرطبة ونص ابن مغيث، قال محمد بن ناصر ومحمد بن عبد السلام وهو فقيه عصره وابن زنباع وغيرهم بأنه تلزمه طلقة واحدة في ذلك أخذاه من مسائل متعددة من المدونة من ذلك قولها إذا تصدق الرجل بجميع ماله يلزمه منه الثلث.
وقد اختلف شيوخ القرويين في القائل الأيمان تلزمني، فقال أبو محمد ثلاثا، وقال أبو عمران وأبو بكر بن عبد الرحمن تلزمه طلقة واحدة إذا لم تكن له نية ونقل الشيخ أبو الحسن المغربي في كتاب الحج عن ابن سيرين أنه قال: ما ذبحت قط ديكا بيدي ولو وجدت من يرد المطلقة ثلاثا لذبحته بيدي، وهذا منه مبالغة وتغليظ في الزجر عن ذلك.
وكذلك سمعت بعض من لقيته من القرويين يذكر أن الإمام المازري قال: نصرهم ابن مغيث لا أغاثه الله على أن في دعائه عليه نظرا لأنه رحمة الله لم يذكر ما ذكره بالتشهي بل بما ظهر له من الاجتهاد فهو مأجور سواء أصاب أو أخطأ.
ويرد أخذه من مسألة المدونة في باب الأيمان أشد، وبيانه أنا لو أخرجنا عنه جميع ماله لأصابه الحرج والضيق الشديد ولا سيما إن كان ذا مال طائل وعيال كثير ولا صنعة له ووجود مثل زوجته وأحسن منها موجود في كل زمان بلا تكلف وكذلك مسألة الأيمان تلزمه يحتمل أن يكون الشيخان رأيا فيها أن القائل ذلك إنما يتناول لفظه لزوم الطلاق ظاهر إلا نصا فأشبه ما إذا قال: أنت طالق فإنه تلزمه طلقة واحدة لا ثلاث بخلاف مسألتنا فإنه صرح فيها بالطلاق ثلاثا والله أعلم.
وخرج أبو داود عن ابن عمر عن أنمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وصرفه الخطابي لسوء العشرة لا للطلاق لإباحة الله له وفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحمل كونه أبغض فيكون أحل من الطلاق كقول مالك إلغاء البياض أحله وقبله المتيطي.
وحمله اللخمي على المرجوحية وقسمه إلى أربعة أقسام فقال: إذا كان الزوجان كل واحد منهما يقول بحق صاحبه استحب البقاء وكره الطلاق لحديث " أبعض الحلال إلى الله الطلاق" وإن كانت غير مؤدية حقه كان مباحا.
قلت: وذكر ابن رشد أنه مندوب إليه وإن كانت غير صينية في نفسها استحب الفراق إلا أن تتعلق بها نفسه.
قلت: وذكر ابن رشد أنه مباح قال وإن فسد ما بينهما، ولا يكاد يسلم دينه معها وجب الفراق.
قلت: وزاد ابن بشير حرمته أصلاً وهو إذا خيف من وقوعه ارتكاب كبيرة مثل أن يكون لأحدهما بالآخر علاقة إن فارقها خاف ارتكاب الزنا وهو عندي من حيث الجملة مكروه كما قال ابن عطية لأنه تبديل ينشأ في الإسلام، قال وروى أبو موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات". وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق".
(وطلاق السنة مباح وهو أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه طلقة ثم لا يتبعها طلاقا حتى تنقضي العدة):
ذكر الشيخ رحمه الله لطلاق السنة أربعة قيود:
الأول: أن يطلقها في ظهر احترازاً من طلاقها في الحيض فإنه ممنوع للإجماع واختلف في علة المنع فقيل: لأنها لا تعتد بتلك الحيضة فيكون تطويلا عليها في العدة، وقيل: تعتد وعليهما الخلاف في طلاق غير المدخول بها وهي حائض وكذلك الحامل وسيأتيان، قال في المدونة: ولا تطلق التي رأت القصة البيضاء حتى تغتسل بالماء وإن كانت مسافرة فتيممت فلا بأس أن يطلقها بعد التيمم لجواز صلاتها به.
واعترض بأن النهي عن الطلاق في الحيض إنما هو لتطويل العدة وبنفس رؤيتها القصة البيضاء قد ارتفع عنها الحيض فليس فيه تطويل، ولذلك قال ابن عبد السلام: الظاهر للقول الثاني أنه يجوز أن يطلقها برؤية القصة ولو قلنا بالتعبد لانتفاء الحيض وتعذره.
القيد الثاني: كونه لم يطأ فيه، قال في المدونة: ويكره أن يطلقها في طهر جامع فيه. واختلف في علة الكراهة على ثلاثة أقوال: فقيل للبس العدة عليها بماذا تكون لأنها لا تدري بماذا تعتد هل تعتد بالإقراء أو بوضع الحمل قاله أبو محمد بن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب، وقيل لتكون مستبرأة فتكون على يقين من نفي الحمل إن أتت بولد، وقيل خوف الندم إن خرجت حاملا فإن طلقها في طهر جامع فيه لزمه واعتدت به ولا يؤمر برجعتها قاله في المدونة، وقال ابن كنانة لا تعتد به.
وقال ابن عبد السلام: أظن أني وقفت على قول في المذهب أنه يجبر على الرجعة ولا اتحققه الآن فإن صح وجوده فوجهه ظاهر.
قلت: قال بعض شيوخنا لا أعرفه إلا من قول عياض ذهب بعض الناس إلى جبره على الرجعة كمن طلق في الحيض، وقال خليل حكاه بعض المغاربة.
القيد الثالث: أن تكون الطلقة واحدة احترازاً من طلاقها اثنتين أو ثلاثا وقد تقدم اختلاف العلماء في طلاق الثلاث في كلمة واحدة هل هو من طلاق السنة أم لا؟
الرابع: لا يتبعها طلاقا وهو معروف المذهب وقال في المدونة عن ابن مسعود: إن أراد أن يطلقها ثلاثا فيطلقها في كل طهر طلقة قال غير واحد: وبه أخذ أشهب ما لم يرتجعها إلا أن يطأها.
وبقي ثلاثة شروط أخر وهي كونه لم يتقدم له طلاق في حيض وكون المطلقة ممن تحيض، وكون الطلقة خلت عن عوض والستة الأول حكم جميعها عبد الوهاب في
تلقينه وزاد ابن العربي السابع قال في أحكام القرآن له وهي سبعة شروط ذكرها علماؤنا مستقرأة من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
قلت: وما زاده مختلف فيه في المذهب فقد قيل: إن الخلع ليس كالطلاق لأنه برضاها، ورأى بعض المتأخرين أن هذا القول هو الجاري على المشهور بأن النهي معلل.
(وله الرجعة في التي تحيض ما لم تدخل في الحيضة الثالثة في الحرة أو الثانية في الأمة):
ما ذكر الشيخ مثله في المدونة قال فيها: وليرتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد وغير الحامل ما لم تر أول قطرة من الحيضة الثالثة في الحرة أو الثانية في الأمة واختصره أبو محمد وغيره على أنه من كلام ابن القاسم واختصره ابن أبي زمنين.
قال غيره: وغير الحامل، ما لم تر أول قطرة وهو أشهب، وزاد في المدونة عن أشهب أيضا أحب إلى أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة لأنها ربما رأت الدم ساعة أو يوما ثم ينقطع عنها فيعلم أن ذلك ليس يحيض، فإذا رأت المرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترجع إلى بيتها والعدة باقية ولزوجها عليها الرجعة حتى تعود إليها حيضتها صحيحة مستقيمة.
وأخذ غير واحد من قول ابن القاسم أن الدفعة الواحدة حيض من قول أشهب أن اليوم ليس بحيض في العدة والاستبراء وعلى اختصار أبي محمد وغيره فاختلف الشيوخ هل قول أشهب وفاق لابن القاسم أو خلاف وإلى أنه خلاف ذهب سحنون وابن رشد، قال المتيطي رحمه الله: وهو الصحيح، لأن أقل الحيض لا حد له عند ابن القاسم، وقد يكون يوما أو ساعة.
قلت: إذا كان قبله طهر تام فلا معنى لاستحباب تربصها، وإنما يلزمها التربص على النكاح على قول ابن الماجشون الذي يقول: أقل الحيض خمسة أيام.
وعلى قول ابن مسلمة الذي يقول أقله ثلاثة أيام لاحتمال أن ينقطع عنها قبل ذلك ونحوه في رواية ابن وهب، قال ابن عبد السلام – بعد أن ذكر هذا الإلزام لبعضهم – وقد لا يلزم ألا ترى أن مالكا وابن القاسم يقولان: إن الدفعة وما اشبهها ليست بحيض في هذا الباب مع أنها تبين برؤية أول الدم الثالث أن لا يبعد أن يسلك ابن الماجشون وابن مسلمة هذه الطريقة.
قال عبد الحق في النكت: وإذا نكحت ثم قالت انقطع الدم عني صدقت وفسخ
النكاح ولا يمين عليها في إرادة فسخ النكاح لأن هذا أمر لا يعلم إلا من جهتها وقول أشهب: إنها إذا لم تستمر الحيضة ترجع إلى بيتها ولزوجها رجعتها يبين ما قلناه لأنه لم يتهمها في رجعة الزوج ووجوب النفقة والسكني فكذلك لا تتهم فيما وصفنا.
ثم قال: وأما لو قالت هذه المرأة قد انقضت عدتي بهذا اللفظ ثم تزوجت فبعد ذلك قالت: ظننت أن الحيضة تستمر فلهذا قلت قد انقضت عدتي، وقد انقطع عني فههنا تتهم في فسخ النكاح ولا يقبل ذلك منها والله أعلم.
(فإن كانت ممن لم تحض أو ممن يئست من المحيض طلقها متى شاء وكذلك الحامل).
أراد بقوله أو ممن قد يئست من لم تر الحيض في عمرها وليس مراده من جاوز سنها الخمسين أو السبعين سنة كما قال في غير هذا الموضع، وتلحق المستحاضة لغير المميزة بما ذكر لأن عدتها بالأشهر، واختلف في المميزة على قولين وسبب الخلاف هل عدتها بالأقراء وبالسنة كما سنبينه في موضعه إن شاء الله وما ذكر الشيخ من أن الحامل يطلقها متى شاء هو قول ابن شعبان وعزاه عبد الحق لأبي عمران وصوبه ونقل عن ابن القصار أنها لا تطلق في الحيض وهو جار على التعبد ولو طلقها في دم بين توأمين فهو كدم حيضتها.
(وترتجع الحامل ما لم تضع والمعتدة بالشهور ما لم تنقض عدتها والأقراء هي الأطهار):
ظاهر كلام الشيخ أنه إذا خرج بعض الولد أن له الرجعة قبل وضع باقيه وهو ظاهر كلام المدونة في كتاب العدة وطلاق السنة ونصها: وترتجع الحامل ما لم تضع آخر ولد في بطنها وهو مخالف لظاهر كتاب إرخاء الستور ونصها: وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد فظاهره إذا خرج بعضه لا ترتجع ونقل أبو الحسن المغربي عن ابن
وهب ما يقتضي أنه إذا خرج ثلثاه لا رجعة له.
واختلف هل يجب الإشهاد في الرجعة أم لا فالمشهور أنه مستحب وقال ابن بكير إنه واجب ورواه أبو بكر القاضي وبه قال أبو بكر بن العلاء وأخذ بعض شيوخنا من المدونة من قولها فيمن منعت نفسها وقد ارتجعت حتى يشهد فقد أصابت قائلاً: إذ لا يمنع ذو حق من حقه لأمر غير واجب.
قال ابن عبد السلام: وأشار غير واحد إلى عدم الخلاف في المسألة وإن الاستحباب في ذلك هو اقتران الإشهاد بالارتجاع وأن الإيجاب إنما يرجع إلى التوثق لأنه شرط في الارتجاع كما ذهب إليه الشافعي وفي كتاب العدة من المدونة قال مالك: بأس أن يدخل عليها ويأكل معها إذا كان ممن يتحفظ بها ثم رجع فقال: لا يفعل.
قال عياض: فظاهره منع التلذذ على كل حال وإنما الخلاف في غيره وإليه ذهب وابن محرز وغيره، وقال اللخمي: الباب كله واحد وإن قوله اختلف في جميع ذلك، وخرج الخلاف في التلذذ بها وهو بعيد والرجعة تكون بالقول كراجعتك وبالفعل كالوطء واختلف هل يفتقر إلى نية أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل باشتراطها قاله أشهب وعكسه وهو ظاهر قول ابن وهب وقيل: يشترط في الفعل دون القول قاله في المدونة وهو المشهور وعليه فلو وطئها ولم ينو رجعتها واسترسل على ذلك وطلقها ثلاثا بعد خروجها من العدة فقال أبو محمد: لا يلزمه لأنها أجنبية، وقال أبو عمران: يلزمه مراعاة لقول ابن وهب والليث والوطء لا يفتقر إلى نية.
قلت: وهو الصواب أخذا بالاحتياط وبه أفتى غير واحد من شيوخي كشيخنا أبي مهدي عيسي أيده الله تعالى.
(وينهى أن يطلق في الحيض فإن طلق لزمه ويجبر على الرجعة ما لم ينقض العدة):
ما ذكر الشيخ أنه ينهي أن يطلق في الحيض صحيح ولا أعلم فيه خلافا وما ذكر أنه يلزمه هو نقل الأكثر باتفاق وشذ بعض التابعين في قوله بعدم اللزوم إذا طلق في الحيض قال خليل: وبذلك قال بعض البغداديين وما في الصحيح يرده وما ذكر من أنه يجبر على الرجعة صحيح ويعني بالتهديد ثم بالسجن ثم بالسوط ويكون ذلك قريبا في موضع واحد فإن أبي ألزمه الحاكم الرجعة قاله ابن القاسم وأشهب في نقل ابن المواز وسمع أصبغ بن
القاسم من أبي الارتجاع من طلاق الحيض قضى عليه السلطان بها، وأشهد على القضية بذلك فكانت رجعة تكون بها امرأة أبداً حتى إذا خرجت من العدة توارثا.
قال ابن رشد: فظاهر هذا السماع إجباره بالإشهاد بما ذكر دون السجن والضرب خلاف ما تقدم لابن المواز.
قلت: قوله في السماع فإن أبي أعم من الضرب وغيره فالأولى تفسيره به ليكون وفاقاً وهو أولي من حمله على الخلاف مع الاحتمال المذكور، وذكر ابن رشد أن الباجي حكى في وثائقه قولين في سجنه فلعل مستنده السماع المذكور، واستشكل ابن عبد السلام كونه يضرب ويسجن بقوله إذا كان حصول الرجعة من القاضي بالحكم عليه ممكنا فلا معنى لضربه وسجنه إلا أن يقال من شرطها إلزام القاضي له ذلك تحقيق إباية المطلق ولا يتحقق إلا بذلك وفيه نظر.
واختلف هل للزوج أن يطأ بارتجاع الحاكم إذا لم ينوها الزوج أم لا؟ فقال أبو عمران ذلك له قائلا: كما كان له أن يطأ في نكاح الهزل وقال بعض البغداديين: لا يطأ وصوب ابن رشد الأول قائلاً: كالسيد يجبر عبده على النكاح، قال الشيخ اللخمي: إن أخطأ الحاكم فطلق لإعسار ونحوه في الحيض لم يتم بخلاف طلاق الزوج لنفسه؛ لأن القاضي فيه كالوكيل على صفة لأنه لو أجيز فعله لجبر الزوج على الرجعة ثم يطلق إذا طهرت فتلزمه طلقتان.
(والتي لم يدخل بها يطلقها متى شاء):
ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وذهب أشهب إلى كراهة طلاقها في الحيض، ونقل عبد الوهاب عن مالك منعه وسبب الخلاف هل النهي معلل بتطويل العدة أو متعبد به.
(الواحدة تبينها والثلاث تحرمها إلا بعد زوج):
ظاهر كلام الشيخ: وإن كانت مطلقة بسبب الإعسار بالنفقة وهو كذلك على ظاهر المدونة ونصها، وإن أيسر الزوج في العدة ارتجع إن شاء فمفهومه أن الطلاق قبل البناء لا رجعة فيه لما قد علمت أن المطلقة قبل البناء لا عدة عليها، وقال أبو إبراهيم: انظر في كتاب ابن الجلاب فإنه سواء قبل الدخول وبعده ونقل أبو عمر بن عبد البر في الكافي كذلك رواه عن مالك وقال: لا أدري ما هذا.
قلت: ما نقله أبو عمر بن عبد البر صحيح، وكذلك نقله غيره عنه كالمتيطي
وما نقله عن ابن الجلاب قال بعض شيوخنا هو وهم وإنما فيه مثل ما في المدونة قال الشيخ خليل: ولعل ما في الكافي محمول على ما إذا دخل بها وتصادقا على نفي الوطء وإلا فلا يصح إذ لا عدة على غير مدخول بها لنص القرآن.
(ومن قال لزوجته أنت طالق فهي واحدة حتى ينوي أكثر من ذلك):
ظاهر كلام الشيخ أنه يقبل قوله بغير يمين وهي رواية المدنيين وقيل: لابد من يمينه قاله ابن القاسم ويجعله ابن بشير المشهور قائلا: وهما جاريان على يمين التهمة، وإذا نوى بقوله: أنت طالق واحدة الثلاث فإنه تلزمه الثلاث بلا خلاف لأنه طلق بنية صحبها قول ويكون أراد إيقاع الثلاث مرة واحدة في كلمة واحدة، وكذلك لو قال: أنت طالق واحدة ونوى به الثلاث، وهو أبين في التقدير من المسألة الأولى.
وفي المدونة ولو قال لها: أنت طالق تطليقة ونوى اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى وإن لم ينو شيء فهي واحدة وهذه أشد إشكالا من المسألة الأولى لأنه يبعد ذلك التقدير المتقدم في قوله تطليقة ولذلك قال بعض من تكلم عليه يختلف هل هو طلاق باللفظ أو بالنية.
قال ابن عبد السلام: يعني أن اللفظ لا يطابق هذه النية لا لغة ولا شرعا فيجب أن يكون بالنية وحدها وقد تقدم أن المشهور عدم اشتراط اللفظ الموضوع للطلاق وأنه يلزم بقوله واسقني الماء إذا أراد الطلاق أو لم يعد من الطلاق بالنية ولو قال: أنت طالق الطلاق فهي طلقتان إلا أن يريد به واحدة، نقله ابن عات عن ابن سحنون، وهي أول مسألة في الأيمان بالطلاق من المدونة من طلق زوجته فقيل له ما صنعت فقال هي طالق وقال: إنما أردت إخباره بالتطليقة التي طلقتها قبل قوله واختلف هل بيمين أم لا؟
فقال أبو القاسم بن محرز: يحلف إن تقدمت له فيها طلقة وعزاه ابن يونس لبعض شيوخنا بعد أن قيد المدونة باليمين مطلقا، وقال عياض: إنما ذلك إذا أراد رجعتها وحيث يجب حلفه قال عبد الحق: إن أبي فلا رجعة له وعليه نفقتها في عدتها لإقراره إلا أن يقر أنها الثلاث أو يوقعها، وقال ابن شاس: إن لم تكن له نية في لزومه طلقة أو طلقتان قولان للمتأخرين وفي كتاب ابن المواز من أشهد رجلا أن امرأته طالق ثم آخر كذلك وقال: إنما أردت واحدة دين وحلف اختلف هل اليمين في هذه أبين من الأولى أم لا؟ لأن كثرة الشهود مما يقصده الناس قولان للأكثر وعياض.
(الخلع طلقة لا رجعة فيها وإن لم يسم طلاقا إذا أعطته شيء فخلعها به من نفسه):
قال في المدونة: والمختلعة هي التي تختلع من كل الذي لها والمفتدية التي تعطيه بعض الذي لها والمبارئة هي التي تبارئ زوجها قبل الدخول تقول له خذ الذي لك وتاركني، وروى محمد بن يحيى: والمبارئة هي التي لا تأخذ ولا تعطي والمختلعة هي التي تعطي ما أعطاها وزيادة عليه، والمفتدية هي التي تعطي بعض ما أعطاها وكذلك المصالحة، ونقل ابن عبد السلام عن بعضهم المفتدية هي التي تترك كل ما أعطاها.
وقال أبو عمر بن عبد البر: الخلع والصلح والمفتدية سواء وهي أسماء مختلفة ومعانيها متفقة ومنهم من قال: الخلع أخذ الكل والصلح أخذ البعض والفدية أخذ الأكثر والأقل، وما ذكر الشيخ أن الخلع طلقة بائنة هو المذهب وقال الشافعي في أحد قوليه إنه يفسخ إذا لم يذكر طلاقا، وإعطاء الأجنبي مالا كإعطاء الزوجة ولذلك يتحيل به في إسقاط موجبات الطلاق الرجعي والخلع قال في المدونة: وإذا أخذ منها شيء وانقلبت وقالا ذلك بذلك ولم يسميا طلاقا فهو طلاق الخلع وإن سميا طلاقا لزم ما سميا. وأخذ منها بعض من لقيناه من القرويين أن الحفر والدفن والواقع بين أهل البادية في زماننا تلزم فيه طلقة واحدة ما لم يكن عرف بأكثر.
وصورة ذلك أن يحفر أحدها حفرة ويردمها الآخر إشارة منهما إلى المتاركة وعدم المطالبة بشيء، وقال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى: هذه إقامة ضعيفة وإن كنت أقول بموجبها لأن هذا فعل صحبه قول وهو قول وقالا ذلك بذلك، وفي الفرع المقيس فعل خاصة فهو أضعف فلا يلزم ما قيل والله أعلم.
قلت: وفيما قاله نظر لأن القضاء بهما ملزوم للقول غالبا، واختلف في جواز الغرر في الخلع على أربعة أقوال: الجواز قاله الغير في المدونة على ظاهر قولة لأنه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذ والغير هو ابن نافع والكراهة لأصبغ وهو أحد قولي ابن القاسم.
والمنع والجواز في الغرر الذي يقدر على إزالته وعدم الجواز فيما لا يقدر على إزالته واختلف إذا وقع لفظ الخلع على غير عوض على ثلاثة أقوال طلقة رجعية طلقة بائنة ثلاثا.
(ومن قال لزوجته أنت طالق البتة فهي ثلاث دخل بها أو لم يدخل):
ما ذكر الشيخ هو مذهذب المدونة وقيل ينوي إن لم يكن دخل بها نقله الباجي
عن مالك وابن زرقون عن ابن الماجشون قال الباجي: وسبب الخلاف هل تتبعض البته أم لا؟ وجعل ابن بشير المشهور وما في المدونة وجعل ابن الحاجب القول الثاني هو المشهور فيها وفي سائر الكنايات الظاهرة، قال الشيخ خليل ومثله لابن غلاب وحكم بتلة مثل بتة قاله ابن شاس.
(وإن قال: أنت برية أو خلية أو حرام أو حبلك على غاربك فهي ثلاث في التي دخل بها وينوي في التي لم يدخل بها):
ما ذكر الشيخ مثله في المدونة إلا في قوله: حبلك على غاربك فإن ظاهرها يقتضي أنه لا ينوي مطلقا قاله اللخمي، وفي كتاب محمد وغيره أنه ينوي قبل الدخول أو يحلف ويقوم منها في حبلك على غاربك أنه إذا قال لها: أنت أطلق من الأرنب في فحص كذا أنه يلزمه الثلاث.
وبه أفتى ابن عات لما نزلت بقرطبة، وأفتى ابن القطان بطلقة رجعية إلا أن ينوي الثلاث مستدلا بقول المدونة إذا قال: أنت طالق لا رجعة لي عليك أنها رجعية إلا أن ينوي الثلاث وذكر القولين ابن حمديس واختار الأول، واختلف إذا قال: أنت على حرام على سبعة أقوال، فقيل ينوي مطلقا نقله أبو عمر في الكافي عن مالك وجماعة من أصحابه، وعكسه قاله عبد الملك وقيل كما قال الشيخ وهو قول مالك وابن القاسم
وهو المشهور وقيل يلزم فيها طلقة بائنة رواه ابن خويز منداد، وقيل: طلقة رجعية قاله ابن مسلمة وقيل واحدة قبل البناء وثلاث بعده قاله أبو مصعب وابن عبد الحكم.
وقيل: لا يلزمه فيه شيء نقله عياض في الإكمال عن أصبغ، وظاهر لفظ اللخمي والمازري والباجي وغيرهم أن معني القول بأنه لا ينوي بعد البناء أنه مطلقا ولو مستفتيا ولابن رشد بعض أصحاب سحنون خلافه، وأطلق المازري وعياض والأكثر فرض المسألة وقيدها اللخمي بكونه أراد الطلاق فيسقط السابع، وعبر المازري بقوله أولا: أنت على حرام، وثانيا: بقوله الحلال على حرام، وكان الشيخ الصالح العالم أبو الربيع سليمان المراغي مفتيا بسوسة فأفتى بالحلال على حرام لرجل بطلقة وأمر من كان حينئذ قاضيا بها أن يحكم بذلك ليكون محترما بحكم الحاكم، وحمله على هذا كون الرجل له أولاد من زوجته فبلغ الخبر إلى الشيخ الفقيه أبي القاسم الغبريني وكان مفتيا بتونس فأفتي بنقض ذلك الحكم وإلزامه الثلاث قائلاً: محجرا على قضاة القرى أن لا يحكموا إلا بالمشهور ولا يعول إلا على مفتي تونس بإفريقية لا على غيره.
قلت: وهذا منه رحمه الله تعسف كما ترى بل كل من يعرف بالعلم، وإن كان في بادية يعول على فتواه إذ رآه الناس أهلا لذلك كالشيخ المذكور نفعنا الله بعلمه وعمله ولقد رأيت بعض من لقيته من القرويين وهو شيخنا أبو محمد عبد الله الشيبي رحمه الله قام له على قدميه إجلالا لما يظن به وهو يقرئنا العلم في مسجده المعروف به وما رأيته عمل ذلك لأحد غيره قط إذا كان لا يخاف في الله لومة لائم.
وفي المدونة قيل فيمن قال على حرام إن فعلت كذا قال لا يكون الحرام يمينا في شيء إلا أن يحرم به زوجته فيلزمه الثلاث فإن قلت ما بال البراذعي اقتصرها سؤالا وجوابا كما هي في الأم قلت قال بعض شيوخنا لاحتمال لفظه أن يحرم زوجته كونه بالنص عليها أو بالنية أو بمجرد التعليق، قال اللخمي: من قال علي حرام ولم يقل أنت أو قال الحلال حرام ولم يقل على فلا شيء عليه ومثله لابن العربي في الأحكام له قائلاً: وإنما يلزمه في قوله أنت حرام وأنت على حرام والحلال على حرام ولو قال ما انقلبت إليه حرام أو ما أعيش فيه حرام وأما ما أملكه حرام علي فإنه يلزمه إلا أن يحاشي وهل يكفي إخراجها بقلبه؟ قاله أكثر أصحابنا ولا يحاشيها إلا بلفظه كما دخلت في لفظة قاله أشهب في ذلك قولان.
وفي المدونة إذا قال: أنت على حرام وقال: أردت الكذب لا الطلاق لزمه
التحريم ولا ينوي لقول مالك في شبهه ولا نية له سأل عمن لاعب امرأته فاخذت بذكره تلذذ فنهاها فأبت فقال هو عليك حرام وقال أردت أن أحرم أن تمسه لا تحريم امرأتي فوقف وخشي أنه حنث وألزمه غيره من أهل المدينة التحريم وهذا عندي أخف والذي سألت عنه أشد وأبين إلا أن ينوي لأنه ابتدأ التحريم من قبل يمينه وما سأل عنه مالك كان له سبب ينوي به.
(والمطلقة قبل البناء لها نصف الصداق إلا أن تعفو عنه هي إن كانت ثيبا):
لا خلاف في المذهب أن المطلقة قبل البناء وقد سمي لها أن لها نصف الصداق لقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم)[البقرة: 237]
الآية، واختلف المذهب هل تملك المرأة جميع الصداق بالعقد أم لا؟ على ثلاثة أقوال، فقيل تملك جمعيه بالعقد قاله عبد الملك، وهو قول رهونها قال فيها ومن راهن امرأته رهنا قبل البناء بجميع الصداق جاز ذلك لأن عقد النكاح يوجب لها الصداق وقيل: تملك النصف خاصة ويكمل بالموت قاله مالك وابن القاسم وقيل: غير مستقر يستقر نصفه بالطلاق وكله بالموت وقيل: تملك النصف خاصة ويكمل بالموت قاله مالك وابن القاسم، وقيل: غير مستقر يستقر نصفه بالطلاق وكله بالموت قاله ابن رشد على مقتضي المذهب مبطلا الأول بأنه لو وجب به لما سقط بالردة ومبطلا الثاني باستحقاقها كله بالموت، والموت لا يوجب شيء.
ومفهوم كلام الشيخ أنه لو بنى ثم طلقها فإن لها جميع الصداق إن لم يطأها وهو كذلك عند مالك من رواية ابن القصار، وبه قال المغيرة، وقيل أن لها النصف وإن طالت إقامته معها قاله ابن أبي سلمة وعبر عنه في المدونة بقوله، وقال ناس لها نصفه وإنما عبر عنه بذلك؛ لأن له اتباعا، وفي المدونة إن طالب إقامته معها فلها جميعه لطول تلذذه وأخلاقه شورتها، قال أبو عمران فظاهر إن انخرم تخليق الثياب والتلذذ لم يجب كل المهر، وقال المتيطي أسقط البراذعي لفظ وخلق ثيابها ذكره كالمعترض عليه وأجابه شيخنا أبو مهدي عيسي أيده الله تعالى بأن طول الإقامة مستلزم لتخليق الثياب فرأى أن ذكره لا يحتاج إليه والطول سنة وقيل: ما يعد طولا في العرف.
قال ابن بشير: وفي المذهب قول ثالث إنه أكثر من السنة وهو راجع إلى القول بالعرف واختار اللخمي أن يكون لها النصف وتعارض من تمتعه بها واختلف إذا افتضها بإصبعه فقيل لها كل المهر قاله ابن القاسم وقيل: لها النصف مع ما شأنها، وفرق
اللخمي بين أن يرى أنها لا تتزوج بعد لا مهر ثيب أم لا، واختلف في استحقاق المهر بوطء الدبر أم لا وفيه نظر وفي البكر أبعد، قلت: وفي كتاب الرجم لو جامع في الدبر انحل الإيلاء فأخذ منه بعض شيوخنا أن لها جميعه.
(وإن كانت بكرا فذلك إلى أبيها وكذلك السيد في أمته):
ظاهر كلام الشيخ وإن بلغت وروى ابن زيادة عن مالك رفع الحجر عنها ببلوغها وفي رواية مطرف استحباب تأخير أمرها العام ونحوه من غير إيجاب وظاهره وإن كانت معنسة، وهو كذلك في أحد الأقوال الثلاثة قال في المدونة: وإذا عنست الجارية البكر في بيت أبيها وأونس منها الرشد جاز عتقها وهبتها وكفالتها قيل هذا قول مالك قال: هذا رأيي وقوله إن ذلك ليس بجائز هو الذي يعرف.
قال ابن القاسم وقد سأل مالك عن الجارية المعنسة إذا أعتقت أجائز؟ قال إن أجازه الوالد، وسئل ابن القاسم في باب آخر عن البكر التي عنست في بيت أهلها تجوز كفالتها، قال: قال مالك في هبتها وصدقتها إنها لا تجوز فكذلك كفالتها لا تجوز وكان مالك مرة مرة يقول فما وجدت في كتاب عبد الرحيم إنها إذا عنست جاز أمرها قيل هي ثلاثة فعلي قول ابن القاسم تجوز أفعالها بشرطين إيناس الرشد مع التعنس.
وعلى قول مالك ثلاثة شروط يزاد إلى ما ذكر إجازة الولد وعلى رواية عبد الرحيم شرط واحد وهو التعنيس، ومعنى قوله: إن أجازه الوالد إن قال في المجهولة الحال هي رشيدة لأن المعلوم سفهها لا يجوز له إجازة تبرعاتها فإن قلت: ما بال البراذعي اختصرها سؤالا وجوابا في قوله هذا قول مالك على ما هو عليه في الأم وجرت عادته لا يفعل ذلك إلا لمعني من المعاني فما هو هذا المعنى لا يجيبه إلا بما سمع من مالك، أو ما هو جار على ما سمع ولولا أن سحنونا أعاد السؤال بقوله أهذا قول مالك؟ لفهمه أن ما أجابه به ابن القاسم وهو قول مالك قال: وكذلك استدلال ابن القاسم كفالتها لا تجوز لسماع مثله من مالك في هبتها وصدقتها ضعيف لأن الكفالة مرجع ولذلك قال ابن الماجشون: يجوز للمرأة أن تتكفل بجميع مالها وتقدم الخلاف في سن العانس في أوائل النكاح.
(ومن طلق فينبغي له أن يمتع ولا يجبر والتي لم يدخل بها وقد فرض لها لا متعة لها):
اعلم أن قوله: " ولا يجبر" تأكيد؛ لأن قوله ظاهر في أنها مستحبة ومعلوم أن المستحب لا يجبر عليه من أباه وما ذكرناه من أنها مستحبة هو المشهور، وقيل: إنها
واجبة، قاله ابن مسلمة وابن حبيب والأبهري وبه قال السيوري وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وإن ماتت الزوجة دفعها إلى ورثتها قاله ابن القاسم، وقال أصبغ: لا شيء لهم لأنه عوض لها وتسلية من الطلاق ولو بقيت حية لدفع ذلك إليها وإن طالت المدة، قاله ابن القاسم، قال أبو عمران الفاسي: وهي على قدر حالها وقال أبو عمر بن عبد البر بل هي على قدر حاله وقيل: بقدر حالهما قاله ابن رشد وعزاه ابن عبد السلام لابن خويز منداد.
وفي التهذيب عن ابن عباس وغيره أعلاها خادم ونفقة وأدناها كسوة ويعني بالنفقة ما يقرب من ثمن الخادم وقال ابن منذر في الإشراف: أعلاها خادم ثم كسوة ثم نفقة وهو خلاف ما تقدم وإتيان سحنون بالنص عن المتقدمين هو آخذ به على ما دل عليه السياق وكثيرا ما يفعل ذلك.
(ولا للمختلعة):
يريد وكذلك المصالح والمفتدية ومن اختارت نفسها للعتق والملاعنة نص على جميع ذلك في المدونة وكذلك لا متعة لمن قامت بعيب ولا لمن فسخ نكاحها العارض حدث نص على ذلك الشيخ أبو الحسن اللخمي، واختلف في متعة المخيرة والمملكة فروى ابن وهب ثبوت المتعة ونفاها ابن خويز منداد وهو المشهور قاله ابن رشد.
(وإن مات عن التي لم يفرض لها ولم يبن بها فلها الميراث ولا صداق لها ولو دخل بها كان لها صداق المثل إن لم تكن رضيت بشيء معلوم):
ما ذكر الشيخ من ثبوت الميراث لها وهو كذلك لا أعلم فيها خلافاً وما ذكر من نفي الصداق هو المشهور، وحكى عبد الحميد الصائغ قولين لها الصداق، وقال ابن بشير: وهو شذوذ قال خليل واختار ابن العربي وغيره ما نقله عبد الحميد لما رواه الترمذي وصححه أنه عليه السلام قضى به ولا خلاف أنه إذا طلقها لا تستحق شيئاً.
(وترد المرأة من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج):
ما ذكر أنها ترد من العيوب الأربعة هو مذهبنا فالجنون هو الصرع أو الوسواس المذهب للعقل، وأما الجذام فهو معلوم، وفي مختصر ما ليس في المختصر يرد النكاح للجذام لأنه يخشي حدوثه بالآخر ولأنه لا تطيب نفس الواطئ وقل ما يسلم ولدها وإن سلم كان في نسله.
وظاهر كلام الشيخ أنها ترد من الجذام وإن قل وهو كذلك نص عليه غير واحد كالمتيطي وكذلك ظاهر كلامه في البرص وترد بفاحش القرع لأنه من معنى الجذام والبرص نقله الباجي عن ابن حبيب قائلا: لم أره لغيره من أصحابنا وظاهر المذهب خلافه وأنه كالجرب ونقل المتيطي عن فضل أنه قال هو خلاف قول مالك ولما نقل ابن عبد السلام كلام الباجي قال: كلام ابن حبيب عندي أقرب إلى أصول المذهب لأن التأذي عندي بالقرع أشد من التأذي بالجرب وأيضا فإن القرع عسير الزوال بخلاف الجرب والله أعلم وداء الفرج ما يمنع الوطء ولذاته كعفل لا يقدر معه على الوطء.
وفي وثائق ابن العطار ما يمنع الجماع وتعقبه ابن الفخار قائلاً: هو خطأ، وإذا
أنكرت دعوى عيبها فما كان ظاهراً كالجذام بوجهها وكفيها ثبت بالرجال وما كان بسائر جسدها غير الفرج ثبت بالنساء وما كان بالفرج فقال مالك تصدق ومثله لابن القاسم وغيره، وقال سحنون: ينظرها النساء، ونقلة أبو عمر عن مالك من رواية علي وبه قال ابن لبابة ونقله عن مالك وأصحابه ونقله حمديس وغيره من رواية ابن وهب.
قال ابن أبي زمنين: هو مثل قول المدونة في نظر النساء إلى الفرج قال المتيطي: إن أراد قول نكاحها الأول ما علم أهل المعرفة أنه من عيوب الفرج ردت به لا مكان تقارر الزوجين على صفته ثم يسأل أهل المعرفة به عن ذلك وعلى الأول فقال ابن الهندي تحلف وقال الشيخ أبو إبراهيم: ولها رد اليمين على الزوج قال: ورأيت بعض من مضي يفتي به والكلام في هذا الفصل متسع جدا ومحله المدونة ولولا الإطالة لذكرناه.
وقوله: فإن دخل بها ولم يعلم أدى صداقها ورجع به على أبيها وكذلك إن زوجها أخوها يقوم من كلام الشيخ أن من أكرى مطمورة وهو يعلم أنها تسيس فساس ما عمل فيها المكتري فإنه يرجع عليه، وبذلك حكم ابن عبد السلام ولو باعها لما رجع عليه بشيء ومثله في نوازل الشعبي عن محمد بن عبد الحكم الخولاني فيما إذا أكرى أو باع خابية دلس فيها بكسر وعلم أن المشتري يجعل فيها سمنا أو زيتا فانهرق من كسرها فإنه يضمن في الكراء لا في البيع.
وما ذكر الشيخ من أن الرجوع على الولي هو المذهب ويمكن عندي أن يتخرج في عدمه قول بنفيه من عموم قول ابن بشير اختلف في الغرور بالقول: الفعل على ثلاثة أقوال ثالثها يثبت الغرم في الغرور الفعلي دون القولي والله أعلم.
ولا خصوصية لذكر الأب والأخ بل كذبك الولد قال ابن رشد في قريب القرابة هو الأب والابن والأخ قاله مالك في موطئه وابن حبيب في واضحته.
قلت: والأقرب أن الجد من قريب القرابة وهو ظاهر قول المدونة ويرجع به الزوج على وليها إن كان الذي أنكحها أبا أو أخا أو من يرى أنه يعلم ذلك منها يريد كالجد وأما الابن فقد دل عليه ذكر الأخ من باب أحرى وبه قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني.
وذهب إلى الأول بعض من لقيناه من القرويين، وظاهر كلام الشيخ أن للولي الرجوع عليه لا يرجع على المرأة بشيء وهو كذلك وظاهر كلامه أيضاً أنه يرجع
على الولي في كل عيب من العيوب الأربعة وهو المشهور وحكى فضل من عيسى بن دينار أن داء الفرج لا يرجع به إلا على المرأة خاصة وزعم أنه في العتبية، وتعقب بأنه لم يقع له ذكر فيها فيما عندنا، وظاهر كلامه أن قريب القرابة يرجع عليه ولو غاب غيبة بعيدة بحيث يخفي عليه خبرها وهو كذلك عند أشهب ربطا للحكم بمظنته.
وقال ابن حبيب: يحلف ما علم به ويسقط عنه الغرم ويرجع على الزوجة ويترك لها ربع دينار وظاهر كلامه ولو أعسر الولي فإنه لا يرجع على المرأة وهو كذلك قاله مالك وابن القاسم وقال ابن حبيب يرجع عليها إن كانت موسرة فإن كانا معدمين فإنه يرجع على أولهما يسرا.
(وإن زوجها ولي ليس بقريب القرابة فلا شيء عليه ولا يكون لها إلا ربع دينار):
إنما قال يترك لها ربع دينار لئلا يعرى البضع عن عوض وظاهر كلام الشيخ أن الحكم عام في سائر العيوب وهو كذلك، ونقل ابن رشد عن بعض المتأخرين أن الجنون والجذام محمول على العلم به من كل الأولياء، وكذلك برص الوجه والذراع والساق، وأما داء الفرج الخفي فالأولياء كلهم فيه محمولون على الجهل، وأما داء الفرج الظاهر للأم فالأب فيه وحده محمول على العلم، وأما البرص في غير الأطراف فقريب القرابة محمول على العلم فيه بخلاف غيره، وظاهر كلامه أنه لا يمين على الولي البعيد وهو كذلك عن ابن المواز، وقال ابن حبيب: إن اتهم حلف وتعقب بعض شيوخنا إطلاق ابن الحاجب الخلاف في قوله وفي تحليفه قولان والولي البعيد كابن العم أو السلطان.
(ويؤجل المعترض سنة فإن وطئ وإلا فرق بينهما إن شاءت):
يعني من يوم ترافعه نص على ذلك في المدونة ونقله الباجي من رواية محمد قال: وتحقيقه من يوم الحكم إذ قد يطول إثبات عنته، وظاهر كلام الشيخ أنه لا فرق في ذلك بين الحر والعبد وهو كذلك قاله ابن الجهم وحكاه عبد الوهاب عن مالك، وبه قال جمهور الفقهاء، قال اللخمي: وهو أقيس لأن العلة في أجله إنما هو لتمر عليه الفصول الأربعة وذلك يعطي أن لا فرق بينهما وقيل: أجل العبد نصف سنة قاله في المدونة ونصها في كتاب النكاح الأول وأجله في الفقد والاعتراض والإيلاء نصف أجل الحر، وعزاه ابن عبد البر لمالك وأصحابه.
وقال المتيطي: وبه الحكم وكل هذا ما لم يسبق من المعترض وطء، وأما إن سبق فلا مقال لها، قال في النكاح الثاني من المدونة: من وطئ امرأته ثم حدث ما منعه
من الوطء من علة أو زمانة أو اعتراض عنها لا قول لامرأته ومثله في الإيلاء منها، وخرج اللخمي أن لها مقالا من قول مالك فيمن قطع ذكره بعد أصابته وظاهر كلامه أنه لو مرض في التأجيل أنه لا يزاد على السنة شيء وهو كذلك عند ابن القاسم قائلاً: ولو عم مرضه السنة كلها.
وقال أصبغ: إن مرض أعمها استأنف سنة، وقال ابن الماجشون: لا تطلق عليه بعد انقضاء السنة هكذا حكي هذه الأقوال الثلاثة المتيطي وغيره على أنه لا يبعد أن يرد القولان الآخران إلى قول واحد وكل هذا إذا مرض بعد التأجيل وأما لو رافعته وهو مريض فإنه لا يؤخر حتى يصح نقله الباجي عن يحيى عن ابن القاسم قال: ولو قطع ذكره في التأجيل فإنه يعجل طلاقها قاله ابن القاسم وقيل لا قول لها قاله أشهب وعبد الملك وأصبغ وغيرهم فلا فراق البتة وهي مصيبة نزلت بالمرأة قال خليل وحكي في البيان قولا ثالثا لا يعجل الفراق حتى تنقضي السنة إذ لعلها ترضى به.
(والمفقود يضرب له أجل أربع سنين من يوم ترفع ذلك وينتهي الكشف عنه ثم تعتد كعدة الميت ثم تتزوج إن شاءت):
ما ذكر الشيخ من أن ضرب الأجل بعد انتهاء الكشف عنه هو المشهور وقيل من يوم الرفع نقله اللخمي عن رواية مختصر ابن عبد الحكم قال الفاكهاني: وانظر على من تكون أجرة البعث للكشف هل هي على الزوج أو على الزوجة أو بيت المال فإني لم أر في ذلك نقلا؟ قلت والصواب أنها على المرأة لأنها هي الطالبة للفراق لاسيما إن ادعى الزوج عذرا منعه من الإتيان إلى بلده والله أعلم فاختار شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أنها من بيت المال.
واختلف هل يكتفي بالضرب للواحدة من نسائه أو يستأنف لمن قامت على قولين: والأول لمالك وابن القاسم، والثاني لأبي عمران واختاره بعض القرويين وكلاهما حكي المتيطي رحمه الله، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط في ضرب الأجل قاضي الجماعة، بل غيره كاف في ذلك وهو المشهور قال في ثاني نكاح المدونة ويجوز ضرب ولاة الصلاة، وصاحب الشرطة لأجل العنين والمفقود وقال سحنون لا يضرب أجله إلا من ينفذ كتابه في البلدان، قال فضل مثل قاضي الجماعة بقرطبة والقيروان وأن لا قاضي كورة الأندلس وإفريقية وعزا المتيطي قول سحنون لأبي مصعب وابن الماجشون لا غير وعلى الأول فنص أبو الحسن القابسي وأبو عمران على أن صالحي
البلد يتنزل منزلة القاضي عند عدمه وخرج على قول سحنون عدم الاكتفاء بذلك واختلف لأي شيء كانا الأجل لأربع سنين فقال الأبهري لأنها أقصى أمد الحمل وضعف بأربعة أوجه:
أحدها: أن أجل العبد سنتان ولو كان كما قال للزم إطراده فيه كالحر.
الثاني: أن ذلك ينقض عليه بالصغيرة التي أقام أبوها بحقها.
الثالث: أن قائله يقول سائراً أو راجعا لو قامت بعد عشرين سنه فلابد من ضرب الأجل المذكور.
الرابع: اختلف في أقصى أمد الحمل فقيل إنه أمد وصول الكتاب في بلاد المسلمين، وقيل لأن الجهات أربع فيوجه إلى كل جهة منها، وقيل للإجماع باتفاق الأمة عليها ووقف نكاحها على موته فامتنع إحداث ثالث، واختلف إذا قدم زوجها بعد انقضاء عدتها، فقيل لا سبيل له إليها نقله ابن عيشون عن ابن نافع ولم يحفظها اللخمي له بل قال غير واحد من البغداديين إن الطلاق عليها من الضرر الذي يدركها من عدم الوطء، وعلى هذا لا يكون أحق بها وإن لم تتزوج وخرج رحمه الله أنه أحق بها ولو دخل بها الثاني من الكتابية تسلم وتتزوج ثم يثبت الأول أنه أسلم قبلها أو في عدتها، قال ابن رشد وفيه نظر لأن امرأة المفقود اجتهد لها الحاكم بعد الكشف وضرب الأجل وأذن لها في النكاح بخلاف النصرانية تسلم.
وقيل: هو أحق بها ما لم يعقد عليها النكاح وقيل: ما لم يدخل وكلاهما لمالك في المدونة قال سحنون فيها بالأول أخذ المغيرة وغيره وبالثاني أخذ ابن القاسم وأشهب، قال المتيطي وهو المشهور وبه القضاء وهو المروي عن عمر قال ابن رشد: وقول ابن نافع بعيد جدا لأن حكم الاجتهاد إذا بان خطؤه متفق على نقضه إجماعا ولو قيل على هذا إن المفقود أحق بها وإن بني بها الثاني كالمنعي لها زوجها لكان له وجه في القياس، ولكن لم يقوله فأين هذا من قول ابن نافع إلا أنه يشبه الرواية فيمن خرص عليه أربعة أوسق فوجد خمسة إنه يعمل على ما خرص عليه فظاهر كلام ابن رشد قبول نقل كلام ابن عيشون ونبه عليه بعض شيوخنا. وقال أبو عمران وعبد الحق إن نقل ابن عيشون ضعيف.
(ولا يورث ماله حتى يأتي عليه من الزمان مالا يعيش إلى مثله):
ما ذكر الشيخ هو المشهور وقيل يقسم ماله بعد أربع سنين حكاه ابن رشد
وقبله خليل وعلى الأول فاختلف في حد تعميره فقال ابن القاسم وأشهب ومالك مرة سبعون سنه واختاره القاضي عبد الوهاب، وقال مالك وابن القاسم أيضا ومطرف ثمانون واختاره أبو محمد وأبو الحسن القابسي وأبو القاسم بن محرز، قال ابن العطار وبه القضاء، وعن ابن القاسم تسعون، وقال ابن الماجشون وأشهب مائة وللداودي عن محمد بن عبد الحكم مائة وعشرون.
وفي نظائر أبي عمران قيل وستون سنة ذكره ابن عيشون قال المتيطي عن الباجي في تسجيلاته قيل: يعمر خمساً وسبعين سنه، وبه القضاء وبه قضي ابن زرب وابن الهندي وكان ابن عبد السلام قاضي الجماعة يقضي بالثمانين وإذا فرعنا على القول بسبعين فإن فقد زيد لها عشرة وكذلك على القول بثمانين، قال أبو عمران وإن فقد ابن خمس وتسعين زيد خمس سنين وإن فقد وهو ابن مائة على القول به اجتهد فيما يزاد له.
وقال ابن سحنون: استحب أصحابنا أن يزد له عشر سنين وقيل العام والعامان وإن فقد ابن مائة بالأقل والاحتياطي إذا شهد به اثنان قيل: فإن لم يعرف الشهود تاريخ ولادته وشهدوا على التقدير نفذ ذلك ويأخذ بالأقل كما تقدم قال ابن الهندي: وإذا أثبت الحاكم موته بالسبعين وأراد الورثة قسم ماله فلابد من إيمانهم على مبلغ سنة لأن البينة إنما شهدت بالتقدير ولو شهد بتاريخ الولادة لم يكن عليهم يمين ولا يضرب للأسير أجل وتبقي زوجته على حالها، قالوا لأن القاضي لا يمكنه الكشف عن حالها كما يمكنه ذلك في المفقود في بلاد المسلمين.
واختلف في المفقود في بلاد المسلمين في حرب العدو على أربعة أقوال حكاها المتيطي فقيل: تعتد زوجته بعد التلوم ولا يقسم ماله حتى يموت بالتعمير وهو قول أحمد بن خالد، وفي كتاب محمد حكمه حكم المفقود في زوجته وماله وأنكره ابن المواز، وقال مالك وابن القاسم هو كالأسير لا تنكح امرأته أبدا ويوقف ماله حتى تعلم وفاته أو ينقضي تعميره وروى أشهب وابن نافع يضرب لامرأته سنه من وقت النظر فيها فإذا انقضت سنه فإنه يورث ماله وتنكح امرأته بعد العدة.
وأما من فقد في فتن المسلمين فقال مالك: ليس في ذلك أجل وتعتذر زوجته من يوم التقاء الصفين وقال ابن القاسم: تتربص زوجته سنة ثم تعتد وعنه أنها داخلة في السنة، وقال في العتبية: إن كان ذلك في بلده تلوم الإمام لزوجته بقدر ما ينصرف من
هرب أو من انهزم، قال ابن القاسم وتعتد امرأته يوم التلوم وعنه من يوم اللقاء ويقسم ماله، وفي كتاب محمد أن ما بعد تتربص فيه الزوجة أربع سنين كالمفقود.
وأما ماله فمن قال إن العدة من يوم اللقاء؛ ورث ماله حينئذ ومن قال: أجل الزوجة أربع سنين كالمفقود؛ قال يقسم ماله بعد التعمير، واختلف على القول أن الزوجة تتربص سنة فقيل يقسم ماله بعد السنة، وقال ابن حبيب بعد التعمير ولسحنون قول ثالث فانظره، وأما من فقد من الطاعون فيحكم فيه بحكم الموت ناجزاً وكذلك حكم البادية ينتجعون في الشدائد من ديارهم إلى غيرها أمن البوادي ثم يفقدون نص عليه اللخمي.
(ولا تخطب المرأة في عدتها):
لا خلاف أن تصريح خطبة المعتدة حرام فإن فعل ووقعت المواعدة فيها فلا يتزوجها بعد فإن فعل فخمسة أقوال حكاها المتيطي والمشهور يستحب الفراق بطلقة ثم تعتد ثم يخطبها إن شاء الله وقيل يجب الفسخ بغير قضاء، وقيل بالقضاء وكلاهما لابن القاسم، وقيل بمثل ما قبله وتحرم عليه للأبد قاله أشهب في سماع عيسى إن كانت المواعدة تشبه الإيجاب فليفارقها بطلقة ولا ينكحها أبداً وإن كانت تشبه التعريض ثبت النكاح.
قالت: ما ذكره من الاضطراب عن ابن القاسم إنما عزاه اللخمي لابن الماجشون وما ذكره من سماع عيسى نقله ابن حارث.
(ولا بأس بالتعريض بالقول المعروف):
اعلم أن بأس هنا لصريح الإباحة وهي على ثلاثة أقسام.
تارة تكون كما قلناه كقوله في الرسالة ((ولا بأس بالسواك للصائم))
وتارة تكون لما غيره خير منه كقوله ((ولا بأس بعتق الأعور في الظهار)) إذا فيه
اختلاف ولقائل أن يقول ((إن لا بأس)) هنا لصريح الإباحة أيضا ألا ترى إلى قول مالك في المدونة في كتاب الظهار وأجاز مالك عتق الأعور.
وتارة لما هو خير من غيره كقوله: ((ولا بأس بغسل أحد الزوجين، صاحبه من غير ضرورة)).
ومن التعريض قوله إنك على لكريمة وإن الله لسائق إليك خيرا وإني لأرجو أن أتزوجك وتبرأ ابن الحاجب من بعض
…
ألفاظ التعريض وكأنه رأى أنها تقرب من التصريح ونصه قالوا: مثل إني فيك لراغب ولك محب وبك معجب تعريض، ونقل الباجي عن إسماعيل القاضي إنما يعرض للخطبة ليفهم مراده للإيجاب، وفي المقدمات يجوز التعريض من كلا الجانبين معاً، وروى ابن حبيب لا بأس أن يهدي لها، ولا أحب أن يفتي به إلا لمن تحجزه التقوى عما وراءه.
وأما المواعدة وهي مفاعلة لا تكون إلا من الجانبين فإنها في العدة لا تجوز قاله ابن حبيب ونحوه قال اللخمي: النكاح والمواعدة في العدة ممنوعان فظاهره أن المواعدة حرام ونبه عليه بعض شيوخنا، والهدية في زماننا أقوى من المواعدة فالصواب حرمتها إن لم تكن مثله قيل وأما العدة بالتخفيف وهي أن تكون من جانب واحد فحكمها الكراهة باتفاق خوف خلف الوعد.
(ومن نكح بكرا فله أن يقيم عندها سبعاً دون سائر نسائه وفي الثيب ثلاثة أيام):
ظاهر كلام الشيخ أنه حق للزوج لقوله فله إذ هو الواقع في أكثر النسخ وهو كذلك في رواية أشهب وفي رواية ابن القاسم انه حق للزوجة وكلاهما حكاه ابن يونس، وحكي الباجي عن ابن القصار أنه حق لهما معا فجاءت الأقوال الثلاثة وعلى الثاني فإنها مما يقضي به لأن الأصل أن من له حق يقضي له به عند التشاجر نقله الباجي عن ابن عيد الحكم وهو الصحيح قاله القاضي أبو بكر قال أصبغ: لا يقضي عليه وعلى أنه حق لها فالحكم عام، وإن لم يكن للزوج امرأة غيرها في رواية الفرج عن مالك وبه قال ابن عبد الحكم.
وقال القاضي أبو بكر: لا معني له فلا يلتفت إليه بل يسقط حقها وعزا المتيطي هذا القول لمشهور المذهب المذهب وعزاه ابن يونس لنص ابن حبيب وظاهر رواية محمد عن مالك، وظاهر كلام الشيخ سواء كانت الزوجة حرة أو أمة مسلمة أو كتابة وهو كذلك باتفاق وسمع ابن القاسم، لا يتخلف عن الجمعة ولا عن الجماعات، ونقل
سحنون عن بعض الناس لا يخرج وهو حق لها بالسنة ونقل ابن يونس عن بعض فقهائنا بأنه يرجع إلى أقرب مذكور وهو الجماعات وأما الجمعة فلا.
قلت: هذا يدل على أنه قول مذهبي ولم يقيده اللخمي، وخرجه على أن الجمعة فرض كفاية وقبله المازري ورده ابن بشير وبأن كون فرضيتها على الكفاية لم يذهب إليه إلا أصحاب الشافعي وجمهور الأئمة على خلافه ظنا منه أن القائل بالتخلف مذهبي، فلذلك قال المشهور لا يتخلف والشاذ يتخلف فلعله عند اللخمي خارج المذهب لأن نقله كالأكثر حكاه سحنون عن بعض الناس.
وكان بعض شيوخنا يتردد هل هو مذهبي أم لا والأقرب الجزم بالأول وإنما عبر سحنون ببعض الناس إشارة لضعفه والله أعلم.
وقال اللخمي: العادة اليوم أن لا يخرج إلا للصلاة وإن كان خلوا من غيرها وعلى المرأة لخروجه وصم وأرى أن يلزم العادة، وقال محمد بن عبد الحكم إن زفت إليه امرأتان في ليلة واحدة أقرع بينهما وقال اللخمي: وعلى أحد قولي مالك إن الحق له فهو مخير دون قرعة.
قلت: واختار بعض شيوخنا إن سبقت إحداهما بالدعاء للبناء فهي مقدمة وإلا فالسابقة بالعقد وإن عقدا معا فالقرعة.
(ولا يجمع بين أختين من ملك اليمين فى الوطء فإن شاء وطء الأخرى فليحرم عليه فرج الأولى ببيع أو كتابة أو عتق وشبهه مما تحرم به ومن وطء أمة بملك لم تحل له أمها ولا ابنتها وتحرم على آبائه وأبنائه كتحريم النكاح والطلاق بيد العبد دون السيد):
ظاهر كلامه وإن بيعت وبها عيب وهو كذلك نص عليه في المدونة قائلاً: لأن للمشتري التماسك بها، قال ابن محرز: فظاهرها ولو بيعت بتدليس ونقل أبو محمد عن الموازية قيل لا تحرم به وقال اللخمي: بيعها وبها عيب تحريم وفي الموازية ليس بتحريم فظاهرها عموم قول الموازية في المدلس وغيره ويريد الشيخ بالبيع إذا كان بتلا وأما بيع الخيار فلا ويريد إذا كان صحيحا أو فاسدا بعد فوته وما ذكر من أن الكتابية يحرم بها الفرج مثله في الموطأ والمدونة والجلاب والتلقين.
وقال اللخمي: الكتابية لا تحرم لأنها إن ظهر بها حمل أو عجزت حلت قال
بعض شيوخنا وهو وهم منه أو توهيم.
قلت: الصواب أنه توهيم لابن القاسم لأنه شارح للمدونة فترك قولها للعلم به وذكر غير ما فيها إشارة بالتوهيم وتكميلا للفائدة وإلى هذا ذهب شيخنا الغبريني أيده الله تعالى، وظاهر كلامه سواء كان العتق ناجزا أو مؤجلا وهو كذلك لأنه يمنع من الوطء ومقدماته وإخدامها الأجل الطويل كالسنين الكثيرة أو حياة المخدم تحريم والسنة لغو قاله ابن الماجشون، وقال ابن بشير لم يذكر عن غيره خلافه وفيه نظر لإمكان رجوعها له وهو يطأ الأخرى إلا أن يغلب على الظن إن إحداهما لا تجيء إلى ذلك الوقت.
(ولا طلاق لصبي):
ما ذكر هو كذلك باتفاق لأنه غير مكلف وظاهر كلام الشيخ ولو كان الطلاق معلقا أو حنث بعد البلوغ أنه لا يلزمه وهو ظاهر المدونة أيضا وأما البالغ السفيه فطلاقه لازم لتكليفه، وتردد بعض البغداديين في لزومه الطلاق من قول المغيرة إذا أعتق أم ولده فإنها ترد ورده المازري ببقاء الأرش له في أم ولده وأجابه بعض شيوخنا ببقاء الخلع في زوجته أيضاً فهو كالأرش في أم الولد ورده أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى بأن الأرش أتي بخلاف الخلع.
وأما طلاق السكران فأطلق غير واحد من الرواة بلزومه وقال ابن رشد ونحوه للباجي: إن كان لا يميز الرجل من المرأة ولا الأرض من السماء فهو كالمجنون باتفاق.
وقال ابن رشد: وأما السكران المختلط فطلاقه لازم، وقال محمد بن عبد الحكم طلاقه لا يلزم وذكره المازري رواية شاذة ولو شرب من طلق سكرانا ولم يعلم به أو علم قصد به التداوي فلا شيء عليه قاله أصبغ وأما إن شربه متعديا فهل يكون كالخمر نظر إلى عدوانه أو لا؟ لأن النفوس لا تدعو إليه فيه نظر قاله ابن بشير.
قلت: الصواب أنه كالخمر وهو ظافر قول أصبغ السابق.
(والمملكة والخيرة لهما أن يقضيا مادامتا في المجلس):
يعني أن الرجل إذا قال لزوجته: خيارك بيدك أو أمرك بيدك كان لها القضاء ما لم يفترقا من المجلس وما ذكر هو قول مالك الأول وقوله الآخر إن لها الخيار وإن افترقا ما لم توقف أو توطأ، وكلاهما في المدونة قال فيها وبالأول أخذ ابن القاسم وجماعة من الناس، واحتج بعض الشيوخ للقول الآخر بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنهما لما خيرها
" ألا عليك لا تعجلي حتى تستأمري أبويك".
وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم قد جعل ذلك بيدها على هذا الوجه والخلاف إنما هو إذا لم ينص على أن ذلك بيدها بعد الافتراق ولا على عدمه وخروج اللخمي رحمه الله قولاً آخر ببقاء ذلك بيدها ثلاثة أيام من أحد قولي مالك في الشفعة إذا أوقف المشتري الشفيع على الأخذ أو الترك فطلب الشفيع أن يمهل ثلاثة أيام ليري رأيه ومن المصراة ومن التي تدعي الحمل وهو ينكره له فسخه في ذلك بعد الوضع من الذي اشترى سلعة بالخيار يمهل، ويضرب له من الأجل بقدر ما يختار في مثلها ويرد بفرق واضح وهو أن العصمة لا تقبل التأخير في احتمال حلها للزومية الخيار وشبيهة نكاح المتعة قاله بعض شيوخنا.
ونقل ابن عبد السلام عن بعضهم تخريج الخلاف من الشفعة فقط قال وهو تخريج ضعيف لأن الزوج بتمليكه طالب للجواب وشأن الجواب أن يكون بأثر السؤال وحق الشفيع واجب بالشرع لا بإمضاء المشتري واستدعائه الجواب ولذلك قيل في الشفعة: إن الشفيع باق على حقه أبداً وإن كان المشهور خلافه.
قلت: وهذا التضعيف يضعف به التخريج من بقية النظائر المذكورة.
وظاهر كلام الشيخ أن الحكم لها وإن طال المجلس حتى يفترقا بالأبدان وهو قول حكاه عياض عن نقل بعضهم وفي المدونة إن وثب حين ملكها يريد قطع ذلك عنها لم ينفعه ذلك وحد ذلك إذا قعد معها قدر ما يرى الناس إنها تختار في مثله ولم يقم فرار فلا خيار لها في ذلك، وقال في باب بعد هذا طال المجلس، وذهب عامة النهار وعلم أنهما قد تركا ذلك وخرجا مما كانا فيه إلى غيره فلا قضاء لها، وأجراه المازري على قول مالك إذا تأخر القبول في الوكالة بالزمان الطويل.
قال ابن عبد السلام: وقد يفرق بين الوكالة والتخيير لأن الوكالة التي ليست بعوض غير لازمة من جانب الموكل لأن الموكل إن رأى مصلحة أبقاه وإلا عزله، وأما الزوج فعليه ضرر في إنفاذ الخيار لكونه لازما له فلذلك تقيد خيارها بالقرب ويسقط بطول المجلس على أحد القولين قال خليل، وهذا الفرق وإنما يتم في الوكالة ليست بعوض وأما التي بعوض فلا للزومها وعلى هذا فلعل المازري رأي أن الغالب في الوكالة أن تكون بعوض ولم يلتفت إلى الفرق المذكور والله أعلم.
وظاهر كلام الشيخ يقتضي أن الخيير جائز للرجل يرى أن يجعله بيد زوجته
وهو كذلك نص عليه الشيخ أبو عمران الفاسي قائلاً: ما علمت من كرهه إنما يكره للمرأة خاصة أن تطلق نفسها ثلاثة فيلزمه قيل له هو السبب في ذلك قال ليس من قصد البدعة كمن لم يقصدها حكاه ابن يونس وقيل: إنه مكروه، وقال أبو بكر القاضي في نقل الباجي وعزاه عبد الملك لأبي محمد عن بعض البغداديين قائلاً: الكراهة إيقاع الثلاث، قال بعض شيوخنا تشبيه يوجب حرمته وهو مقتضى قول اللخمي ويمنع لمنع الزوج من إيقاع الثلاث فإن فعل انتزعه الحاكم من يدها ما لم توقع.
(وله أن يناكر المملكة خاصة فيما فوق الواحدة):
يعني إذا ملكها وقضت باثنين أو ثلاث، وقال: إنما أردت واحدة فالقول قولها ويريد إذا قال ذلك فورا ويريد أيضا يحلف قاله في المدونة، قال ابن عبد السلام: ولا أعلم فيه نص خلاف وأصله من أيمان التهمة وهي مختلف فيما كما قد علمت، قال ابن المواز: وإن كانت المناكرة بعد الدخول حلف الزوج مكانه أن له الرجعة، وقال الباجي وغيره: لا يحلف إلا عند إراره الارتجاع وإن كانت قبل الدخول فإنه يحلف إذا أراد نكاحها باتفاق.
والحلف المذكور لا يكون إلا في الجامع لأن به ينفسخ وإرادة نكاح لا ينعقد بأقل من ربع دينار هذا هو الجاري على أصولهم فتدبره وسمع عيسى من ملك امرأته فقضت بالبتة فلم يناكرها وادعى أنه جاهل بأن له ذلك وأراد مناكرتها حين علم أنه لا يعذر بذلك وسمع أشهب وابن نافع من قال لامرأته: وليتك أمرك إن شاء الله فقالت: فارقتك لزمه فراقها فإن أراد بقوله اللعب لا الطلاق حلف ما أراد الطلاق ولا شيء عليه.
قال ابن رشد: الاستثناء في التمليك لغو كالطلاق وقوله في عدم إرادة الطلاق لأنه مستفت مع موافقتها له وهو جار على أصولهم فيمن ادعى نية مخالفة لظاهر لفظه وهو مستفت فينوي ولا يمين عليه وقوله " حلف ما أراد الطلاق" معناه لإن طالبه أحد باليمين.
(وليس لها في التخيير أن تقضي إلا بالثلاث ثم لا نكرة له فيها):
ما ذكر الشيخ أنه لا نكره له هو المشهور وقيل تقبل منه إراده طلقة رجعية على ظاهر قول سحنون وقيل: مثله إلا أن الطلقة بائنة قاله ابن الجهم وقيل: لا يلزمه في التخيير إلا واحدة بائنة مطلقا ذكره ابن خويز منداد عن مالك وقيل: إن اختارت نفسها فيلزمه الثلاث وإن اختارت زوجها ردت عليه الخيار عليه فهي واحدة بائنة حكاه
النقاش عن مالك ويريد الشيخ إذا كانت مدخولا بها وأما غير المدخول بها فله مناكرتها لبينونتها واختلف في المدخول بها إذا أعطته شيئا على أن يخيرها ففعل فقيل له المناكرة لأنها تبين بالواحدة كغير المدخول بها قاله سحنون وابن المواز، وقيل لا قاله مالك.
وظاهر كلامه لو قضت بواحدة فإنها كالعدم وهو كذلك قاله في المدونة وقال عبد الملك تلزمه الثلاثة ووجه بأن اختيار البعض فيما لا يتبعض اختيار له بكماله كمن طلق بعض طلقة ويرد بأن التخيير ظاهر في الثلاث لا نص فهو قابل للتبعيض ولذلك قال سحنون وابن الجهم: يقبل منه إرادة طلقة كما تقدم وبالجملة فيتحصل في المسألة ستة أقوال ظاهرة مما تقدم مع عزوها وذكرها عياض في تنبيهاته، وعلى ما في المدونة فهل تمكن بعد ذلك من أن تطلق نفسها بالثلاث أم لا فالمشهور أن ليس لها ذلك لأنها لما أوقعت واحدة وهي غير ما خيرت فيه صارت كالتاركة لمقتضى التخيير.
وقال أشهب: إن لها أن تقضي بالثلاث واختاره اللخمي لأنها ما تركت ما جعلت لها مطلقا وإنما تركته على شرط لزوم الواحدة فلما لم يحصل ذلك الشرط وجب أن لا يحصل المشروط وهو ترك ما فعل بيدها، قال ابن المواز متمما للمشهور إنما إذا أوقعت واحدة لا تلزم المراد ما لم يتبين منه الرضا بما أوقعته فيلزم ذلك وهل لزوم ما دون الثلاث على ما قاله ابن المواز من باب الطلاق بالنية أم لا؟ تردد بعض الشيوخ في ذلك.
وفي المدونة: وإن خيرها فقالت اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي فإنها توقف فتختار أو تترك وعورضت بالمسألة السابقة إذا طلقت واحدة إنها يبطل ما بيدها وذلك لأن المخيرة في المسألة الأولى اختارت بعض حقها وهو الواحدة وأسقطت ما زاد عليها، كما أنها في المسألة الثانية أخذت بحقها في إحدى الحالتين، وهي إن دخلت عليها ضرتها وأسقطت غير ذلك من الأحوال ولذلك قال سحنون: إن قولها اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي رد لما خيرها الزوج فقه فقد سوى بينهما وبينهما فرق ولولا الإطالة لذكرناه.
(وكل حالف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر فهو مول):
الإيلاء: في اللغة: هو اليمين، وقيل مطلق الامتناع.
وفي الاصطلاح قال ابن الحاجب: الإيلاء الحلف بيمين يتضمن ترك وطء الزوجة غير المرضعة أكثر من أربعة أشهر يلزم الحنث فيها حكما وللعبد أكثر من شهرين
وظاهره أنه لا يكون مواليا لا بزيادة مؤثرة قاله عبد الوهاب، فإذا عرفت هذا فاعلم أن ظاهر كلام الشيخ أنه إذا حلف أن لا يطأ حتى تفطم ولدها أنه مول، وهو قول أصبغ واختاره اللخمي.
وقال في المدونة: لا يكون موليا ومثله في الموطأ والموازية ولذلك قال ابن الحاجب: فيما سبق غير المرضعة وإنما لا يكون موليا عند مالك لأنه لم يقصد إلى الضرر بالزوجة وإنما قصد استصلاح الولد وأصل الإيلاء مراعاة الضرر، وعورض هذا بأن الإيلاء يصح من المريض مع أنه لا يريد الإضرار وإنما يريد استصلاح بدنه فإذا كان حال الولد مانعا من لزوم الإيلاء فرعي حال الحالف أولي فخرج من كل واحد منهما خلاف في الأخرى
وظاهر كلام الشيخ أنه إذا حلف على أربعة أشهر لا يكون موليا وهو كذلك في المشهور وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما، وروى عبد الملك عن مالك أنه يكون مواليه وبه قال أبو حنيفة والثوري ويريد الشيخ بقوله أكثر من أربعة أشهر بالنسبة إلى الحر وأما العبد فاختلف فيه فالمشهور امتناعه أكثر من شهرين وفي مختصر ابن شعبان أجله أربعة أشهر واختاره اللخمي وهو مذهب الشافعي.
(ولا يقع عليه الطلاق إلا بعد أجل الإيلاء وهو أربعة أشهر للحر وشهران للعبد حتى يوقفه السلطان):
ظاهر كلام الشيخ أنه إذا أوقفه السلطان أنه لا يمهل بل يجبر بالفيئة أو الطلاق ناجزاً وهو كذلك في سماع أشهب وابن نافع، وقال ابن رشد كسماعهما: لا يؤجل صاحب الشفعة لينظر وفي مختصر ابن عبد الحكم يؤجل ثلاثة أيام لذلك وحيث يطلق عليه السلطان فإنه يوقع عليه طلقة رجعية ولو طلق عليه ثلاثا خطأ أو جهلا سقط الزائد قاله ابن القاسم في سماع محمد بن خالد، وفي المدونة لا يفئ إلا بالجماع إن لم يكن له عذر ولا بالجماع بين الفخذين قال ابن عبد السلام وهو مشكل في النظر ألا ترى أن الكفارة تلزم بالوطء بين الفخذين إن لم تكن له نية في الفرج عند مالك
قال ابن شاس: الفيئة بمغيب الحشفة في القبل إن كانت ثيبا والافتضاض إن كانت بكرا.
قلت: واستشكله بعض
…
شيوخنا قائلا: الأول كاف لاستلزامه الثاني، وقال ابن عبد السلام قد يقال يكفي أقل من مغيب الحشفة بناء على أصل المذهب في التحنيث
بالأقل، وفي رجم المدونة إن جامع في الدبر انحل الإيلاء لأنه عند مالك جماع لا شك فيه إلا أن ينوي الفرج بعينه فلا تلزمه كفارة في الدبر وهو مول، ولم يقره سحنون قال بعضهم إنما طرحها سحنون لأنها مسألة شنعاء يريد لأنها توهم إجازة وطء الزوجة هنالك، والمذهب على المنع منه.
قال ابن عبد السلام: ويحتمل أن يكون إنما طرحها لمخالفتها ما في إيلائها في الوطء بين الفخذين وفي حال الإيلاء بالوطء المحرم كوطء الحائض قولان ووطء المكره لغو كالمجنون قاله ابن شاس قال خليل وهو خلاف ما نص عليه ابن المواز وأصبغ في العتبية ونقله صاحب تهذيب الطالب واللخمي وصاحب البيان إن وطء المجنون في جنونه فيئة قال في البيان لأنها نالت بوطئه في جنونه ما نالت بوطئه في صحته.
(ومن تظاهر من امرأته فلا يطؤها حتى يكفر بعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ليس فيها شرك ولا طرف من حرية):
قال ابن الحاجب: الظهار تشبيه من يجوز وطؤها بمن يحرم واعترضها بعض شيوخنا بأنه غير مانع لقول المدونة من قال لزوجته: أنت على كفلانة الأجنبية فهي كالبتات وبأنه غير جامع لأن من قال: أنت على كرأس أمي مثلا أنه يلزمه الظهار لأن كلامه يقتضي تشبيه الجملة واعتراضه غيره بأنه غير مانع أيضا لأنه يدخل فيه ما إذا قال لإحدى زوجتيه أنت علي كظهر زوجتي الأخرى وبأنه غير جامع لخروج الزوجة الحائض منه إذا قال لها أنت على كظهر أمي فهو ظهار.
ورد بأن مراده بقوله من يجوز وطؤها من الأصل جواز وطئها، وإن كان قد يعرض عدم الجواز ولو شبه من زوجته ما هو شبه المنفصل عنها كالكلام والشعر أجراه ابن رشد على من طلق ذلك منها وفيه خلاف وحكمه التحريم قاله عبد الوهاب لأنه منكر من القول ونحوه رواية ابن شعبان يؤدب المظاهر، قال الباجي وفي المبسوط رواية بأن الظهار يمين تكفر وهي محتملة الجواز والكراهية وهي أرجح.
وظاهر كلام الشيخ أن للمظاهر الاستمتاع بغير الوطء كنظره إلى شعرها وكتقبيله إياها وهو كذلك في أحد القولين إلا أنه يستحب له عدم ذلك وقيل: إنه يجب عليه ترك الاستمتاع بذلك وعزا اللخمي منع رؤية شعرها لمالك في المدونة وعزا الجواز لابن القاسم في العتبية.
قلت: واعترضه بعض شيوخنا بأن ما نسبه للعتبية وهم إنما هو فيها لأشهب
وهي آخر مسألة من سماعه قال فيها ما نصه قال أشهب: قلت لمالك: هل يرى شعرها؟ قال: نعم أرجو ذلك، قال في المدونة: وجائز أن يكون معها في بيت ويدخل عليها بلا إذن إذا كان تؤمن ناحيته وجائز أن ينظر إلى وجهها وقد ينظر غيره إليه.
قال المغربي: معناه لذة، ويدل على هذا جواز النظر بغير لذة لغير عذر وفيه قولان بالجواز والمنع لما يتوقع وقد يقال معنى الكتاب وقد ينظره غيره إليه لعذر من شهادة أو مداواة أو خطبة والأول أظهر.
قلت: القول بالمنع لا أعرفه وقد سألت عنه كثيراً ممن يظن به حفظ المذهب فكل لم يعرفه كشيخنا أبي مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى، فإن قلت: ما الفرق بين المظاهر وبين من طلق طلقة رجعية فإن الذي رجع إليه مالك لا يدخل عليها وكل منهما محرم.
قيل: لأن الرجعية منحلة العصمة منحلة النكاح بخلاف المظاهر منها فإنها ثابتة العصمة منحلة النكاح قال عياض.
قلت: ولا تجب الكفارة إلا بالعودة، واختلف فيها على خمسة أقوال:
أحدها: العزم على إمساكها قاله مالك ونحوه لعبد الله بن عبد الحكم ويحيى بن عمر، وقيل العزم على وطئها قاله مالك وحمل على المدونة وقبل العزم عليها رواة أشهب وبه قال أصبغ وتأول على المدونة أيضا وقيل الوطء نفسه حكاه ابن الجلاب ونصه ومن أصحابنا من قال: لا تجب الكفارة بالعودة على إحدى الروايتين عن مالك هو الوطء نفسه فعلى ما قال يجوز الوطء مرة ثم يحرم حتى يكفر، وقيل العودة مجرد بقاء العصمة وإن لم يعزم على الإمساك قال ابن رشد تأويلا لقول ابن نافع في المدونة.
(فإن لم يجد صام شهرين متتابعين):
لا خلاف أن الأمر كما قال لأنه بنص التنزيل، ولذلك قال في المدونة: من ظاهر وليس له إلا خادم واحد أو دار لا فضل فيها أو عوض ثمن رقبة لم يجزه الصوم لقدرته على العتق.
فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين عادم الماء فإنه يجوز له أن يتيمم إذا كان محتاجا لنفقة ما يشتريه به والله سبحانه لم يجز التيمم إلا عند عدم الماء كما لم يجز الصوم هنا إلا عند العجز عن العتق، قيل لأن آية التيمم مخصوصة بالذي لم يقدر على استعمال الماء، والعام إذا خصص ضعف في قول ولم يقع تخصيص لآية الظهار قاله
شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى.
قال خليل: لأن المظاهر لما أدخل الظهار على نفسه شدد عليه ولأنه أتى المنكر والزور ولتكرار الوضوء ولأن الحكم في الظهار معلق على عدم المطلق بخلافه في التيمم فإنه معلق على وجود الصعيد وهو وجدان ما لا حرج فيه لقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج)[الحج: 78].
قلت: ولم يذكر ابن عبد السلام غير الأخير قائلاً: ذلك من الفروق لكنه أحسنها واختلف متى يعتبر العجز عنه فالمشهور أنه يعتبر وقت الأداء.
ونقل محمد عن ابن القاسم أن من ظاهر وهو موسر فلم يعتق حتى أعدم وصام ثم أيسر فإنه يعتق فحمله الباجي على الاستحباب مستدلاً بمسألة الصلاة إذا تركها وهو قادر على القيام وصلي لكونه مريضا جالسا ثم صح فإنه لا يقضي ومسألة إذا ترك الصلاة وهو قادر على الطهر بالماء ثم تركها ثم قضاها بالتيمم.
وقال الفاكهاني: وفي باب الأيمان والنذور وكأنه من عنده مثلها مسألة الصلاة السابقة ولا أعرف في إعادتها خلافا وينبغي أن يختلف فيها ويرد بأنه في الظهار غير مأمور بالصوم وتركه ليس فيه محظور فلذلك أمره بالإعادة وفي الصلاة هو مامور بها لقوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" فإن ذلك وقت لها فإن الله تعالى يقول: (وأقم الصلاة لذكرى)[طه: 14]
وذلك يناسب عدم الإعادة وقال شيخنا الغبريني أيده الله وانظر ابن عبد السلام فإنه نقل اعتذار عما ذكر الباجي ورده ولولا الإطالة لذكرناه وحمله ابن شاس وابن الحاجب على الوجوب فقالا ويعتبر العجز عن العتق، وقت الأداء، وقيل وقت الوجوب كالفاكهاني متبعين في ذلك أبا الحسن اللخمي رحمه الله تعالى.
قال ابن شاس: ولو تكلف المعسر الإعتاق فإنه يجزئه وما ذكره لا أعلم فيه خلافا قال ابن عبد السلام وهو ممن فرضه التيمم فتركه واغتسل وكمن فرضه في الصلاة الجلوس فتكلف القيام أو تكلف الصيام ولم يفطر، وتردد الغزالي في إجزاء الغسل إذا كان يخشي عليه الهلاك فاغتسل وصلي وسلم ومن قال كل مملوك أملكه إلى عشر سنين حر فلزمه ظهار وهو موسر فإن صبرت امرأته هذه المدة لم يصم وإلا صام
قاله سحنون.
قال ابن عبد السلام: وقد يقال إن طلبت الاحتياط فيه أن يشتري ويعتق ويصوم للخلاف في لزوم العتق المعلق على الملك، وقد علمت ما في الطلاق المعلق على النكاح من الخلاف والصائم لا يخلو إما أن يبتدئ في الشهرين بالأهلة أو بغيرها فإن صام بالأهلة كمل الشهرين ولو قصرا على الستين فإن أفطر في شهر لعذر فقيل يلزمه بقدر ما أفطر قاله سحنون مع ابن عبد الحكم وقيل يلزمه إكمال ثلاثين قاله عبد الملك وغيره، ولو ابتدأ بغير الأهلة فإن الشهر المبتدأ يكمل ثلاثين على المنصوص وخرج اللخمي على قول ابن عبد الحكم إنه يصام بقدر ما فات منه، ولا خلاف أنه إذا أفطر متعمداً أن يبتدئ كما أنه لا خلاف إذا أفطر لمرض أنه يبني.
واختلف إذا أفطر خطأ كمن ظن أن الشمس غربت أو نسيانا على ثلاثة أقوال حكاها ابن بشير ثالثها يبني في النسيان ويبتدئ في الخطأ ولما ذكرها ابن الحاجب قال والمشهور لا يقطع واعترضه خليل بأن اللخمي إنما عزاه لابن عبد الحكم ومثله لصاحب البيان وغيره.
قلت: ما ذكر عن ابن رشد صحيح قال في سماع يحيى المشهور لا عذر بتفرقة النسيان وعذره به ابن عبد الحكم وما ذكره عن اللخمي فغير صحيح إنما ذكر عدم القطع عن المدونة في الخطأ وخرجه في النسيان والقطع للموازية نصا في النسيان وخرجه في الخطأ، وذكر عن ابن عبد الحكم أنه يبني في النسيان قال وهو أبين لقوله عليه الصلاة والسلام " حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فسوى بين النسيان، والاستكراه ثم قال: وأما الجاهل فيبتدئ الصوم في ذي القعدة أو ذي الحجة، والصواب أنه يبتدئ الصوم بخلاف الناسي فلم يعز بعض شيوخنا الثالث لنقل اللخمي إلا لاختياره وكأنه رأى أن قول ابن عبد الحكم يرجع لمذهب المدونة على تخريجه والغالب أن كل ما في المدونة هو المشهور فصدق ما ذكره ابن الحاجب، وإن كان الثالث هو لابن عبد الحكم مع اللخمي فليس هو المشهور الذي ذكره ابن الحاجب وبطل قوله ولم يعزه إلا لابن عبد الحكم وجعل اللخمي في فرض المسألة الجهل عوض الخطأ.
(فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدين لكل مسكين)
لا خلاف أنه يطعم ستين مسكينا قال اللخمي لأنه بنص التنزيل، واختلف في مقدار ما يعطي لكل مسكين، فقيل مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن القصار وبه فسر اللخمي قول ابن الماجشون وإن غدى أو عشى أجزأه وعزاه الباجي لابن كنانة، والمشهور أنه لا يعطي إلا بمد هشام وهو مذهب المدونة، واختلف في قدره على أربعة أقوال، فقيل مد وثلثان قاله في المدونة وهو المشهور، وقال ابن حبيب: مد وثلث، وقيل مد ونصف نقله ابن بشير، وقيل إنه مدان رواه البغداديون وهو الذي ذكر الشيخ رحمه الله تعالى بالنسبة إلى أن المدين هنا مقدار ما يخرج فيتحصل في مقدار ما يعطى لكل مسكين خمسة أقوال، ومد هشام جعله لفرض الزوجات قاله ابن حبيب وهو هشام بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان واليا بالمدينة لعبد الملك بن مروان.
واختلف إذا لم يكف الفقير مد هشام هل يزاد أم لا؟ فقال بعض الشيوخ إنه يزاد قال عياض: وظاهر المدونة خلافه في قولها ويطعم الرضيع من الكفارات إذا كان قد أكل الطعام ويعطى ما يعطى الكبير، قال في المدونة: ولا يجزئ فيها عرض ولا ثمن فيه وفاء بالقيمة وخرجه بعضهم على إجزاء القيمة في الزكاة ورده بعض شيوخنا بظهور التعبد في الكفارات ومن نقل ابن الحاجب لا تجزئ القيمة في كفارته وقيل كاليمين بأن كلامه يقتضي خلافا فيها منصوصاً ولا يذكره في اليمين ومثله الخليل قائلاً: ولا يقال إن المصنف شبه لإفادة الحكم لأنه لم يذكر هنا حكما والأقرب في هذا المحل أن يكون معنى قوله.
وقيل كاليمين في إجزاء الغداء والعشاء وهو قول ابن الماجشون، وقد يقال على بعد وقيل كاليمين أي إذا قلنا فيه مد النبي صلى الله عليه وسلم فهل يزاد ثلث المد أو نصفه.
(ولا يطؤها في ليل أو نهار حتى تنقضي الكفارة):
يعني أن التي ظاهر منها لا يطؤها بالإطلاق ودل كلامه أن غير التي ظاهر منها توطأ وهو كذلك بالإطلاق في الإطعام وليلا في الصيام.
(فإن فعل ذلك فليتب إلى الله سبحانه):
يعني إن فعل ذلك عمداً وإما إن فعل ذلك نسيانا فلا يفتقر إلى توبة لقوله صلى الله عليه وسلم " حمل عن أمتى خطؤها ونسيانها وما استكرهوا عليه" أي حمل أئمة عن الأمة.
(فإن كان وطؤه بعد أن فعل بعض الكفارة بإطعام أو صوم فليبتدئها):
سياق كلام الشيخ رحمه الله تعالى يقتضي إن فعل ذلك عمداً وما ذكر هو المذهب في الصوم وهو المشهور في الإطعام، وقال ابن الماجشون: ومن وطئ قبل تمام إطعامه أحب إلى أن يبتدئ قال اللخمي هذا الداعي أحد قولي الثوري فجوز له أن يطأ قبل تمامها وفي نوازل أصبغ من قبل امرأته في صوم ظهاره استغفر الله ولا شيء عليه. وقال سحنون وقيل إنه يستأنف قال في سماع أبي زيد وهو قول مطرف وابن الماجشون.
وظاهر كلام المؤلف على ما قلناه من السياق أنه لو فعل ذلك ناسيا أنه يعذر به وهو كذلك في أحد القولين تخريجا على قول اللخمي قال يختلف فيه كأكله نسيانا، وقال ابن حارث عن أشهب يتمادى ويصل قضاءه.
(ولا بأس بعتق الأعور في الظهار وولد الزنا):
اعلم أن العيوب على ثلاثة أقسام: قسم لا يجزئ بلا خلاف من حيث الجملة وهو الذي يمنع الكسب ويشين وفي إجزاء المجنون في أقل الأزمنة كمرة في شهر قولان لأشهب ومالك عن ابن القاسم وعكسه عكسه والثالث ما يشين ولا يمنع الكسب كالعور وفيه اختلاف وجعل من أمثلته في التهذيب كجدع أذن وتعقبها عبد الحق بأن في الأم كجدع في أذن فإذا عرفت هذا فاعلم أن قول الشيخ لا بأس هنا لما هو خير منه لرعي الخلاف إذ هو شبهة، ولقائل أن يقول الصواب أن لا بأس هنا لصريح الإباحة ألا ترى إلى قوله في المدونة وأجاز مالك عتق الأعور وقد قدمنا هذا عن قرب.
(ويجزئ الصغير ومن صلى وصام أحب إلينا):
ما ذكر مثله في المدونة زاد فيها عن ابن القاسم يريد من عقل الصلاة والصيام، قال ابن القاسم تفسيره صحيح بناء على أن الكافر إذا أسلم فتشهد بالشهادتين فلم
يصل ثم ارتد أنه يقتل وحكى ابن القاسم أنه لا يقتل حتى تتقدم منه صلاة.
ويريد الشيخ أن نفقته عليه حتى يبلغ الكسب وهو كذلك حسبما كان يدرس به بعض من لقيته من القرويين، ويفتي به قائلاً: نص عليه أبو حفص العطار قلت: ويؤخذ ذلك من المدونة من كتاب التجارة بأرض العدو، ومن أعتق ابن أمته الصغير فله بيع أمه ويشترط على المبتاع نفقة الولد ومؤنته قال المغربي: وأقام الشيخ منها أن من أعتق زمنا كانت نفقته عليه ومثله في كتاب ابن المواز وقيل نفقته على السلطان وعلى المسلمين قلت: وهو الصواب فيه وفي الصغير فإن قلت ظاهر كلام الشيخ إن أعتق الشغير لا يشترط فيه العجز عن القدرة على الكبير، وهو مخالف لظاهر المدونة قال فيها ويجزئ عتق الصغير والعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة قلت: الأمر كما قلناه عند بعضهم، ونقله ابن عبد السلام ولكن قد قيدها أبو عمران.
وصوب على أن ذلك على طريق الاستحباب قائلا: ولو أعتق صغيرا وهو قادر على غيره لأجزأه قال أصبغ: ومن أعتق منفوسا ثم كبر وأخرس أو أصابه جنون أو صمم فلا شيء عليه وقد اجزأه وهذا شيء يحدث بعد ذلك وكذلك في البيع لا يزد به قاله ابن محرر: وأما الشيخ الزمن فإنه لا يجزئ والفرق بينه وبين الصغير أن الصغير يقدر على الكسب في الحال بخلاف الشيخ الكبير ومن أعتق عبداً معضوبًا له فإنه يجزئه لأن ملكه باق عليه فقد أخرج رقبة من الرق ولا يجزئ المنقطع الخبر لأنه لا يدري أموجود هو أو معدوم صحيح أو معيب ما لم تعلم سلامته بعد ذلك نص عليه في المدونة في آخر الضوال والإباق وعارضها المغربي بقول ظهارها إذا أعتق ما في بطن أمته فإنه لا يجزئه ويعتق إذا وضعته ويجاب بأن ما في البطن أشد غررا والله أعلم.
(واللعان بين كل زوجين في نفي حمل يدعي قبله الاستبراء أو رؤية الزنا كالمرود في المحكلة واختلف في اللعان في القذف):
قال ابن الحاجب: اللعان يمين الزوج على الزوجة بزني أو ينفي نسب ويمين الزوجة على تكذيبه وأبطل لكون غير جامع بلعان من لا يجب على زوجته لعان، وبلعان من إيان زوجته لأن كونه زوجا مجاز وأبطل كونه غير مانع بحلفها مرة قال ابن رشد وغيره لا خلاف أنه يلاعن في ثلاث مسائل وهي أن ينفي حملا لم يقربه، وادعى استبراء أو ادعى رؤية لا مسيس بعدها في غيرها ظاهره الحمل أو قال ما وطئتها قط أو منذ وضعت منذ مدة عينها لما تلحق لمثله الأنساب.
واختلف في ثلاث مسائل وهي أن يقذفها ولا يدعي رؤية وأن ينفي حملا ولا يدعي استبراء ويدعي رؤية ولا مسيس بعدها في بينة الحمل وما ذكر الشيخ أنه يشترط في رؤية الزنا الصفة التي ذكرها هو سماع أشهب وابن نافع، ونقل أبو محمد في نوادره عن ابن القاسم أن قوله رأيتها تزني كاف ونقله ابن رشد عن ابن نافع، واختلف في مقدار الاستبراء الذي يدعي الزوج على أربعة أقوال، فقيل بحيضة وقيل بثلاثة والأخير منهما لعبد الملك وأكثر أصحابه وعن عبد الملك أيضًا إن كانت أمة فحيضة وإن كانت حرة فثلاث والمغيرة لا ينفيه إلا بخمس سنين فاعتبر الأمد وله القولان الأولان أيضًا.
وقال ابن عبد السلام: الأظهر هو القول الأول لأن المطلوب ما يحصل به الظن، وذلك يحصل بحيضة واحدة وظاهر حديث هلال بن أمية أنه لا يحتاج إلى الاستبراء فإن لم يكن إجماع فالأظهر عدم اشتراطه، قال في المدونة: ويلاعن الأخرس بما يفهم عنه من إشارة أو كتابة وكذلك يعلم قذفه ويقوم منها جوز شهادته وهو قول أبي إسحاق في زاهيه واختار أبو حفص العطار أنها لا تجوز قياسًا على المحرم ولا تجوز شهادته، وتجوز في الأحكام التي بينه وبين غيره قاله وخالفوني فيها ذكر ذلك في كتاب الحمالة من تعليقه وقال غيره لا يجوز ويقوم منها أيضا إن إشارته في صلاته تتنزل منزلة كلام غيره فتبطل مع العمد قال ابن العربي في القبس.
ووقعت في دمشق فقال شيخنا أبو الفتح لا تبطل لأن الإشارة لا تبطل الصلاة إجماعا وقال شيخنا أبو حامد: تبطل لأن إشارته كلام والكلام محرم على الأبكم في الصلاة على قدره ولا يقوم منها أن شهادة المفهوم يعول عليها لأن إشارته ككلام غيره وفي ذلك ثلاثة أقوال: العمل بها لسماع أشهب وابن نافع مع سماع أصبغ وابن القاسم وعكسه قاله ابن القاسم في سماع يحيى وقيل بالأول وتثبت شهادته بذلك ذكر ذلك ابن رشد في التخيير والتمليك، ووقعت في زمان ابن عبد السلام في مال معتبر وحكم بأعمال الشهادة.
(وإذا افترقا باللعان لم يتناكحا أبدًا):
ظاهر كلام الشيخ أن الافتراق لا يكون إلا بتمام لعانهما حتى لو لم يبق من لعان المرأة إلا مرة واحدة وأكذب الزوج نفسه بقيت له زوجة وجلد الحد هو معروف من
قول مالك وأصحابه وقيل: بتمام لعان الزوج تنقطع العصمة بينهما وإن لم تلاعن وهو ظاهر لسحنون ونحوه لأصبغ في العتبية، وهو ظاهر الموطأ، وفي المدونة إن ماتت قبل أن تلاعن وبعد لعانه ورثها وإن مات هو فإن التعنت لم ترثه وإلا ورثته.
قال المتيطي: فيأتي على هذا أن الفرقة تقع بتمام لعان الزوج إن التعنت فهي ثلاثة أقوال وظاهر كلامه أن الفرقة تكون بغير حكم، وهو المذهب عند ابن الجلاب والباجي وقال عياض: اختار ابن لبابة أن لا تقع الفرقة إلا بحكم ومثله نقل المتيطي عن غير واحد من الموثقين لا يتم الفراق بينهما على قول ابن القاسم إلا بحكم القاضي، وقال ابن الجلاب: وفرقة المتلاعنين فسخ بغير طلاق قلت مثله قال غير واحد قال ابن شعبان عن أبي سلمة طلاق البتة وتحل له بعد زوج إن أكذب نفسه ونحا إليه أشهب وبه قال عبد الملك في الثمانية وذكرناه قبل.
(ويبدأ الزوج فيلتعن أربع شهادات بالله ثم يخمس باللغة ثم تلتعن هي أربعًا أيضًا وتخمس بالغضب كما ذكر الله سبحانه):
ما ذكر أن الزوج هو المبدأ هو نص المدونة بل نص التنزيل وهل ذلك على طريق الوجوب فلو بدأت المرأة أولا لزمتها الإعادة أم ذلك على طريق الاستحباب فيه خلاف في المذهب وجعل عبد الوهاب المذهب الأول، ونقل ابن الكاتب واللخمي وصاحب البيان عن ابن القاسم عدم إعادتها وقاس أشهب عدم الإجزاء على ما إذا حلف الطالب قبل نكول المطلوب فإنه لا يجزي واختاره ابن الكاتب وغيره.
وقال ابن رشد: محل الخلاف بين ابن القاسم وأشهب إذا وقعت يمين المرأة على ألفاظ الرجل فقالت أشهد بالله إني لمن الصادقين ما زنيت أو حملي هذا منه، فإذا وقعت على طريق الرد عليه في تكذيبه فلا يجزئ أصلاً لأنه لم يتقدم له يمين. قال في المدونة: ويلتعن المسلم في المسجد على طريق الأولى قال وهي عبارة المتقدمين واعتراض قول ابن الحاجب بوجوبه ورده بعض شيوخنا بأن ظاهر المذهب الوجوب لا الاستحباب.
وفي المقدمات: لا يكون اللعان إلا في المذهب ولا يكون إلا في المسجد وقال ابن شعبان: ويشترط في الحالف أن يكون قائما في القبلة بالمسجد الأعظم فإن كان في
المدينة ففي الروضة مما يلي القبر فإن كان بمكة فبين الركن والمقام فهذه النصوص ترد عليه والله أعلم، قال ابن الجلاب: ويكون بعد العصر ومثله قول سحنون بعد العصر، وقال ابن شعبان بعد العصر والصبح وفي كتب محمد هو جائز في كل وقت، وفي المدونة في كتاب الأقضية نفي الوقت، وقال اللعان منها عند الإمام دبر الصلوات واختلف هل هو اختلاف قول أو أراد بالنفي الصلاة المعينة وبالإثبات الصلاة الغير المعينة، وقال مالك ويحضر الإمام وطائفة من المؤمنين. قال ابن محرز: فائدة ذلك أنه حكم تتعلق به حقوق كثيرة فوجب لذلك أن يحضره من يشهد عليه وأعني الطائفة عند مالك والليث أربعة على عدد شهود الزنا.
(وإن نكلت هي رجمت إن كانت حرة محصنة بوطء تقدم من هذا الزوج أو زوج غيره وإلا جلدت مائة جلدة):
ظاهر كلامه أنها لو أرادت أن تلاعن بعد نكولها أن ليس لها ذلك وإلى هذا ذهب سحنون وابن القاسم بن الكاتب وأبو عمران لما تعلق للزوج عليها في ذلك من الحق، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو محمد اللؤلؤي وأبو على بن خلدون وغيرهم أن ذلك لها قائلين لا يكون نكولها عن اللعان أشد من إقرارها بالزنا.
(وإن نكل الزوج جلد حد القذف ثمانين ولحق به الولد):
اختلف إذا عاد إلى اللعان بعد نكوله فقيل: يدخله وقيل: لا وكلاهما حكاه المتيطي قائلاً: والصحيح أنه لا يدخل والفرق بينهما أن نكول المرأة كإقرارها بالزنا فيصح لها الرجوع، ونكول الرجل كإقراره بالقذف فلا يصح له الرجوع عنه.
(وللمرأة أن تفتدي من زوجها بصداقها أو أقل أو أكثر إذا لم يكن عن ضرر بها فإن كان ضرر بها رجعت بما أعطته ولزمه الخلع):
ما ذكر من أن لها أن تفتدي ولو بأكثر من صداقها هو المذهب بل وبجميع ما لها وما ذكر أنها ترجع عليه إن كان يضرها هو كذلك أيضًا إن كانت الشهادة بالقطع وإن من لفيف الناس والجيران وإن كانت بالسماع فكذلك نعم اختلف في كيفيتها على خمسة أقوال حكاها المتيطي فقيل: تقبل ولو من لفيف الناس والجيران، وقيل: لا تقبل إلا من العدول قاله ابن القاسم، وقيل: يكفي أن يكون السماع من الثقات وقيل: لا تجوز فيه شهادة النساء إلا مع رجال والطلاق في معني الحدود قاله مالك.
وقال ابن الهندي: إذا شهد بالضرر صالحات النساء والخدم التى يدخلن إليها جاز والمشهور أنه يكفي اثنان أو واحد مع اليمين، وقال ابن الماجشون: لا يجزئ في السماع أقل من أربعة والمشهور من الأقوال السابقة العمل بمقتضي شهادة السماع مطلقاً لكن اختلف هل يمين أم لا على قولين لابن القاسم حكاهما ابن رشد ولو انفرد شاهد واحد بالسماع فلابد من اليمين اتفاقًا، قال المتيطي: هذه إحدى المسائل الثمانية عشر التي تجوز فيها شهادة السماع، والأحباس المتقادمة والأشربة المتقادمة والنكاح والأنساب والولاء والموت والمواريث وولاية القاضي وعزله، والعدالة والتجريح والإسلام والكفر والولادة والرضاع والترشيد والسفه، وفي بعضها خلاف ولتعلم أن قول الشيخ وإن كان عن ضرر رجعت بما أعطته ولزمه الخلع أعم من أن يكون ضرره في بدنها أو في مالها. ولذلك اعترض ابن عبد السلام قول ابن الحاجب ولو خالعته لظلمة أو لضرره فلها استرجاعه بأنهما لفظان كالمترادفين.
قلت: والصواب عندي حمل الضرر من كلامه على الضرر بها في بدنها وحمل الظلم على مالها أو أعم، وبالجملة فإنه قصد إلى أن الضرر أخص والله أعلم.
وبمثل عبارة ابن الحاجب عبر في المدونة، ولا يقال أن هذا يرد فسرنا به كلام الشيخ فإنه لما أتى بلفظ واحد دل على أنه أراد به العموم والله أعلم.
قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى، وإنما عدل الشيخ عن أن يقول ولزمه الطلاق إلى قوله ولزمه الخلع إشارة منه إلى بينونتها منه ولو رجعت عليه وهو كذلك.
قلت: وحكى أبو عمر في الكافي عن مالك أن الطلاق رجعي إذا رجعت عليه.
(والخلع طلقة لا رجعة فيها إلا بنكاح جديد برضاها):
ما ذكر الشيخ هو المذهب وقال الشافعي في أحد قوليه: هو فسخ إذا لم يذكر طلاقا، وظاهر كلام الشيخ ولو وقع النص على أنها رجعية وهو كذلك وروي عن مالك، أنها رجعية أخذا بالشرط المذكور، واختلف إذا طلق وأعطى فأكثر الروايات على أنها رجعية وروى أنها بائنة والقولان في التهذيب، واختلف إذا وقع لفظ الخلع دون بدل على ثلاثة أقوال طلقة رجعية بائنة ثلاث قال في المدونة: وله أن ينكحها في
عدتها لأن الماء ماؤه وفي العتبية عن ابن القاسم إن كانت حاملا فله أن يزوجها ما لم تثقل فتصير كالمريضة فلا يجوز نقله ابن يونس وهو وفاق للمدونة والله أعلم.
(والمعتقة تحت العبد لها الخيار أن تقيم معه أو تفارقه):
يعني ويحال بينهما إلى أن تختار نص على ذلك في الأيمان بالطلاق من المدونة وفيها أيضا عتق بعضها لغو فأخذ منه بعض شيوخنا أن تدبيرها وكتابتها وإيلادها بوطء السيد إياها في غيبة زوجها بعد حيضة من وطئها كذلك قائلاً: أخذا حرويا وإنما كان للأمة إذا أعتقت أن تختار لنقص زوجها بعد حريتها قال اللخمي: وقيل لأنها كانت مجبورة في النكاح فعليه يكون لها الخيار تحت الحر، وعزاه ابن بشير لأبي حنيفة قيل ولم يعني اللخمي قائله واختياره طلقة بائنة.
وروى ابن نافع: ولم يرتض له الرجعة إذا عتق في عدتها، وعزاه اللخمي لرواية ابن شعبان قائلاً: هو القياس كمن طلق عليه لغيبته فقدم في العدة قاله محمد، قلت: هو قول شاذ وليس بالمشهور وفي الكافي عن بعض أصحاب مالك أنها رجعية وليس بشيء قال بعض شيوخنا فظاهره وإن لم يعتق وفي المبسوط عن ابن القاسم تطلق اثنين لأن ذلك جميع طلاق العبد، وفي المدونة: لها أن تقضي بالثلاث على حديث زيد في أحد قولي مالك وأشار بعضهم إلى أنه وهم لما علم من قاعدة المذهب أن الطلاق معتبر بالرجال ووجهه غير واحد بأن جهة لما انتقل إليها الطلاق، أنتقل إليها العدد والموقع له حر فوجب اعتباره، ويسقط خيارها برضاها إما بقول وإما بتمكينها منه ما لم تكن جاهلة بالعتق فتخير اتفاقًا ولو كانت جاهلة بالحكم ففي المدونة لا تعذر، وفي مختصر ابن عبد الحكم تعذر وحسنه بعض الشيوخ لاشتهاره في الزمان الأول وأما اليوم فلا.
(ومن اشترى زوجته انفسخ نكاحه):
ما ذكر الشيخ مجمع عليه للتنافر ولا يخلو حينئذ من أن يكون قبل الدخول أو بعده فإن كان قبل الدخول فلا صداق لها على المشهور، وقال ابن الجلاب: لها نصفه لأن الفرقة جائت من قبله وأبعده ابن عبد السلام؛ لأن هذه الفرقة فسخ ولا صداق في الفسخ وأما بعده فهو كمالها، وكذلك عكس المسألة إذا اشترت المرأة زوجها فإن النكاح يفسخ ومن أجل أن النكاح والملك لا يجتمعان استثقل مالك تزويج العبد ابنة سيده وأجازه ابن القاسم، واختلف في علة قول مالك فقيل ما ذكرنا وقيل لأن النكاح معرض للفسخ لاحتمال أن يموت أبوها فترث بعضها وقيل لأنه ليس من مكارم
الأخلاق، وربما عرض للابنة فتنة لأن الطباع مجبولة على الأنفة من هذا وكراهيته، وهذا الأخير اختيار ابن محرز، ونقل الأول عن المذكورين وضعفه.
وفي المدونة: إن اشترت زوجها وهي غير مأذون لها فرده السيد فهما على نكاحهما قال سحنون إلا أن يري أنها وسيدها اعتزيا فسخ نكاحها بالبيع فلا يفسخ وتبقي له زوجه وهو تفسير لاخلاف وأقيم منها أن الرجل إذا حلف لزوجته لا تخرج فخرجت قصدا للنكاية له فإنه لا يحنث وهو قول أشهب خلافاً لابن القاسم ورده المغربي بأن زوج الأمة ليس له تسبب بخلاف الزوج في مسألة اليمين فإنه تسبب في الحنث لجعل ما بيده وسلم رحمه الله تعالى إقامة بعض المتأخرين منها أو من ارتد في موضعه وعلم أنه قد الفرار بماله من الورثة فإنهم يرثونه ويعاقب بنقيض مقصوده.
(وطلاق العبد طلقتان):
ما ذكر هو المذهب وهو نص كتاب النكاح الأول من المدونة وكتاب العدة وطلاق السنة منها واستشكل ابن عبد السلام كون طلاقه طلقتين قائلاً: مقتضي القاعدة طلقة واحدة فإن موجب نقصه عن الثلاث عندهم تشطير طلاقه برقة فكان كقول الحر: أنت طالق شطر الطلاق فيلزمه بمطابقة لفظة طلقة ونصف طلقة فتكمل عليه فيلزمه طلقتان الباقي له طلقة واحدة، فكذلك العبد لأن رقة الموجب لتشطير طلاقه كلفظ الحر الموجب له.
(وعدة الأمة حيضتان وكفارة العبد كالحر بخلاف معاني الحدود والطلاق):
قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني رحمه الله صوابه عدتها طهران لا حيضتان، وفي كلامه مسامحة.
(وكل ما وصل إلى جوفي الرضيع في الحولين من اللبن فإنه يحرم وإن مصة واحدة):
ظاهر كلام الشيخ وإن كانت المرضعة صغيرة لا يوطأ مثلها وهو كذلك على ظاهر المدونة في قولها إذا درت بكر لا زوج لها فأرضعت صبيا فهي له أم وذهب ابن الجلاب إلى أنه لا يؤثر ومثله للكافي، والاتفاق على اعتبار إرضاع من توطأ، وقال ابن الحاجب: وفي لبن من نقصت عن سن المحيض قولان فقبله ابن عبد السلام وتعقبه ابن هارون بأنه إنما ذكر الأشياخ الخلاف فيمن لم تبلغ حد الوطء ولم يذكر الشيخ خليل تعقب ابن هارون بل قال تبع في ذلك ابن بشير، وابن شاس ثم ذكر قولي المدونة وابن الجلاب وأن اللخمي حملهما على الخلاف وهو مقتضي قول ابن الحاج ومن ذكر معه قال ولا يبعد أن يحمل ما في المدونة على ما إذا كانت في سن من توطأ فيكون ما فيها وفاقًا لابن الجلاب. وظاهر كلامه ولو كانت المرضعة كبيرة لا توطأ وهو كذلك.
ونقل ابن عبد السلام عن ابن رشد أن لبن الكبيرة التي لا توطأ من كبر لغو، وتعقبه بعض شيوخنا بأن ابن رشد لم يذكره بل قال في مقدماته تقع الحرمة بلبن البكر والعجوز التي لا تلد وظاهره ولو كانت صاحبة اللبن ميتة وهو نص المدونة، وقال ابن رشد: كان يجري لنا في المذكرات قول بأنه لغو وعزاه ابن شاس لنقل ابن شعبان قال ابن عبد السلام: ولا يقال هذا الصواب لأن قوله تعالى: (وأمهاتكم التى أرضعنكم)[النساء: 23]
يخرج الميتة لكونها لا توصف بكونها أرضعت لأنا نقول إنما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وأيضًا فإنه منقوض بما لو حلب غيرها من ثديها وأوجر به صبيا أو أرضع منها الصبي وهي نائمة، واختلف إذا كان المرضع ذكرا على ثلاثة أقوال: فقيل إن إرضاعه معتبر قال ابن اللبان الفرضي، قال أبو الحسن اللخمي وبه قال شيخنا وهو أبين وفي المدونة لا أثر له وهو المشهور.
وقال ابن شعبان: وروى أهل البصرة عن الشافعية ومالك أنه يكره، واختلف إذا كان اللبن مغلو بغيره كطعام مزج بلبن فقيل إنه معتبر قاله مطرف وابن الماجشون وأشهب ولم يعزه ابن عبد السلام إلا لأشهب قائلاً: وعليه فانظر إذا كان اللبن مغلوبًا ينبغي أن يقدر في الواصل إلى بطن الصبي مقدار مصة خالصة لا أقل من ذلك وفي المدونة أنه لا يحرم وأخذ أبو عمران الفارسي منها أنه يشتري من الأسواق ولا يسأل عن حليه ما فيها إذا كان الغالب الحلال.
(ولا يحرم ما أرضع بعد الحولين إلا ما قرب منهما كالشهر ونحوه وقيل والشهرين):
القول باعتبار الشهرين هو نص التهذيب، والقول الأول من قولي الشيخ عزاه المتيطي لابن حبيب وابن القصار، وروى أبو الوليد اعتبار ثلاثة أشهر، وقيل باعتبار شهر فقط رواه ابن الماجشون، وفي المختصر لمالك الأيام اليسيرة وله في الحاوي اعتبار نقضان الشهر وبه قال سحنون، ونقل ابن رشد قولا باعتبار يومين، ونقل الباجي عن ظاهر الموطأ ورواية ابن عبد الحكم أن المراعي الحولان فقط فيتحصل في مقدار الزمان المعتبر ثمانية أقوال، ثم اعلم أن زيادة الشهر والشهرين على المشهور إنما هو تمام الحولين لقوله تعالي (حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) [البقرة: 233]
فدل على أن ثم حولين غير كاملين بما يدور عليهما الزمان فزاد الشهرين لذلك وللاحتياط من مذهب غير الذي يقول إن الرضاع للكبير فاحتاط بالشهرين فما رضع
قال في المدونة: ويعرف بها على أبواب المساجد مع أنه أجاز في المدونة الحكومة في المسجد وهي مظنة لرفع الصوت فيه وكأنه رآه من باب المذاكرة في العلم فاستخفه أو لقلة الحكومة في زمانهم قاله المغربي.
وقال ابن الحاجب: يعرف بها في الجوامع والمساجد، وغيرها.
قال ابن عبد السلام: لعل ذلك مع حفظ الصوت، وما في المدونة أولى ويريد الشيخ أيضًا، ويكون تعريفه بها فورا بحيث لو تواني بها وضاعت ثم جاء صاحبها فإنه يضمن وهو كذلك على تفصيل فيه ذكره اللخمي، وظاهر كلامه أنه يعرف بنفسه، وهو كذلك إلا أن يكون مثله لا يعرف فيستأجر منهما؛ لأن ذلك مصلحة لربها قاله ابن شاس، وتبعه ابن الحاجب.
وظاهر لفظ اللخمي أجاز ابن شعبان أن يستأجر عليها منها أنه لو كان ممن يلي ذلك لم يلزمه.
(فإن تمت سنة ولم يأت لها أحد فإن شاء حبسها وإن شاء تصدق بها وضمنها لربها إن جاء وإن انتفع بها ضمنها، وإن هلكت قبل السنة أو بعدها بغير تحريك لم يضمنها):
اعلم أن هذه إحدى مسائل السنة، وكذلك الشفعة والمعترض والمجنون والأجذم والأبرص، وعدة المستحاضة والمرتابة والمريضة والجرح، ولا يحكم فيه إلا بعد سنة والبكر تقيم عند زوجها سنة، ولم يصبها ثم تطلق فإنها لا تجبر واليتيمة تمكث في بيتها سنة فإنها تحمل على الرشد في قول والذي يوصي بشراء عبد ليعتق وأبي أهله البيع فإنه يستأني سنة، والتي تقيم شاهد الطلاق، ويأبى زوجها أن يحلف فإنه يحبس سنة في قول.
والهبة إن حاز الموهوب الهبة سنة صح الحوز فيها وإن رجعت إلى الواهب على المشهور والزكاة والصوم لا يجبان إلا بعد السنة، والعمرة لا يباح فعلها على المشهور في السنة إلا مرة واحدة وعهدة السنة، والشاهد إذا تاب من فسقه قيل: لابد من مضي السنة، وقيل: ستة أشهر.
وقيل: لا حد لذلك وكل هذه النظائر ذكرها الشيخ خليل وأكثرها في نظائر أبي عمران الصنهاجي، وظاهر كلام الشيخ أن السنة كافية، ولو كانت لقطة مكة، وهو كذلك لم يحك المازري عن المذهب غيره، ومثله وعزاه عياض لمالك، وأصحابه.
وقيل: يعرف بها أبدًا لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحل ساقطته إلا لمنشد" قاله الباجي،