المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في البيوع وما شاكل البيوع - شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة - جـ ٢

[ابن ناجي التنوخي]

الفصل: ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

الشيوخ وهو نص المدونة في الرهون قال فيها: وعليه كسوة العبد وكفنه إن مات ودفنه وأخذ منها بعض من لقيناه من القرويين أن البهيمة إذا ماتت بفناء قوم فإنه يجب على ربها أن يرفعها.

وفي ذلك قولان حكاهما صاحب الطراز ورده شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى بأن للآدمي حرمة ليست لغيره فأفتي أبو القاسم الغبريني لقاضي القيروان لما كتب له فيها حين نزلت به بأن فيها قولين ذكرهما صاحب الطراز إشارة منه إلى أن القولين على حد السواء وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى، قلت: وهو الأقرب، الأول لأن ربها لو أخذ جلدها لكان له ذلك على ظاهر المذهب قولاً واحداً.

(واختلف في كفن الزوجة فقال ابن القاسم في مالها وقال عبد الملك في مال الزوج وقال سحنون إن كانت ملية ففي مالها وإن كانت فقيرة ففي مال الزوج):

يريد إذا كانت الزوجة مدخولا بها أو دعى إلى البناء بها واعتبر ابن القاسم رحمه الله تعالى الحياة فأسقطه عن الزوج ورعى ابن الماجشون الاستصحاب وقول سحنون استحسان ونسبه ابن شاس لمالك وعزا المتيطي الثاني لرواية ابن الماجشون وزاد رابعا لابن القاسم في سماع عيسى وهو أن كانت بكرا فعلي أبيها وإن كانت مدخولا بها ففي مالها وإن كانت فقيرة ولها ولد فذلك عليه وكذلك اختلف في كفن الأبوين والولد على قولين وسببهما ما قدمناه قال بعض من لقيناه، ولا يتخرج هذا الخلاف في العبد لأن نفقته لازمة فكفنه كذلك ولا يتخرج من الزوجة وإن كانت نفقتها متأصلة لأنها معاوضة.

‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

قال ابن عبد السلام: معرفة حقيقة البيع ضرورية حتى للصبيان ورده بعض شيوخنا بأن المعلوم ضرورة وجودة عند وقوعه لكثرة تكرره ولا يلزمه منه علم حقيقته حسبما تقدم في الحج وعرفه بعض الشيوخ بأنه دفع عوض عن معوض فيدخل الفاسد وخصص المازري وابن يونس تعريف الحقائق الشرعية بصحيحها لأنه المقصود بالذات فقال: نقل الملك يعوض لاعتقادهما أن الفاسد لا ينقل الملك بل شبهة الملك انتقدهما ابن عبد السلام بأن ذكر لفظي العوض فيهما يوجب خللا لأنه لا يعرف إلا بعد معرفة البيع أو ما هو ملزوم له ورد بعض شيوخنا الأول لأنه لا يتناول إلا بيع المعاوضة ورد الثاني بأنه لا يتناول شيئا من البيع لأن نقل الملك لازم للبيع الأعم منه.

ص: 109

وكونه بعوض يخصصه بالبيع عن ملك الهبة والصدقة ولا يصيره نفس المبيع ويدخل فيه النكاح والإجارة قال: وحقيقته عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة ومكايسة أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة معين غير المعين فيه، واعلم أن البيع ينقسم على أربعة أقسام: بيع مساومة وبيع مزايدة وبيع استرسال واستيهاب وبيع مرابحة.

فالأولان جائزان بلا خلاف وكذلك يجوز بيع المرابحة بالإطلاق ومال المازري إلى منعه أن افتقر إلى فكرة حسابية وكذلك بيع الاسترسال في الأكثر وسمع عيسى عن ابن القاسم من قال لبائع بعني كما تبيع من الناس فإنه لا يصلح ويفسخ إن كان قائمًا ويرد مثله إن كان مثليا وإلا رد قيمته، وهل لا يكون الاسترسال إلا في المشتري أو فيه وفي البائع قولان لابن القاسم وابن حبيب وغيره وهو الصحيح قاله ابن رشد في أول المرابحة وآخره.

(وأحل الله البيع وحرم الربا)

لا خلاف أن البيع من حيث الجملة جائز قال ابن عبد السلام وهو معلوم من الدين ضرورة فالاستدلال على ذلك من الكتاب والسنة المذكورة في الكتب والمجالس

ص: 110

على سبيل التبرك يذكر الآي والأحاديث مع تمرين الطلبة على الاستدلال واختلف السلف في معنى قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربوا)[البقرة: 275]

فقيل: المراد به ما كانت الجاهلية عليه من فسخ الدين في الدين يقول المطلوب أخزني وأزيدك فقالوا سواء علينا إن زادنا في أول البيع أو عند محل الأجل فكذبهم الله وإلى هذا ذهب مجاهد وغيره فالألف واللام لتعريف العهد، وقيل المراد به كل بيع محرم بالإطلاق وإليه ذهب عمر به الخطاب وعائشة رضي الله عنها ولا خلاف أن من استحل الربا كافر لأن من أحل ما حرم الله تعالى فهو كافر، ودليله قوله تعالى (ومن عاد فينتقم الله منه) [المائدة: 35]

وقوله (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)[البقرة: 275]

ويريد مستحلا وأما غير المستحل ففاسق يؤدب خاصة وكذلك من قال إن المسكر حلال فهو كافر أيضا وبالجملة كل من أحل ما حرم الله فهو كافر.

(وكان ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه وإما أن يربي له فيه):

كأنه رحمه الله قصد بهذا الكلام تبيين ما سبق من قوله وحرم الربا وأما إذا أخر الطالب المطلوب بحميل أو رهن بعد الأجل فإنه جائز لكنه كابتداء سلف على حميل أو رهن فإن لم يحل الأجل وأخره إلى أبعد من أجله فلا يجوز لأنه سلف جر نفعا وإما إلى الأجل دونه فذلك جائز نص على جميع ذلك في المدونة في كتاب الحمالة، وأما من أسلم له ربا فإن كان قبضه طاب له وكذلك إن قبض بعضه طاب له ما قبض فإن لم يقبض فلا يحل له أن يأخذه وهو موضع عن الذي هو عليه وزعم بعض الشيوخ الاتفاق عليه، فإن قلت يلزم من قال أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أن يقول برد ما أخذ لصاحبه، قلت لنص التنزيل بإباحته قال تعالى:(فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف)[البقرة: 275].

وقال صلى الله عليه وسلم " ومن أسلم على شيء فهو له حلال".

(ومن الربا في غير النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا وكذلك الذهب بالذهب ولا تجوز الفضة بفضة ولا ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالذهب ربا إلا يدا بيد):

ص: 111

ما ذكر الشيخ من أن الذهب بالذهب والفضة بالفضة لا يجوز فيه التفاضل هو كذلك وهو مخصوص عندنا بالمبادلة فإنه يجوز أن يبادل الثلاثة دنانير أو أقل بأوزن منها اتفاقًا ولا يجوز السبعة بأكثر اتفاقا واختلف فيما بينهما على قولين، واختلف هل ذلك سدس في الدينار أو دانقان على قولين حكاهما ابن شاس.

قال ابن عبد السلام: والأول ظاهر المدونة ورده بعض شيوخنا بأنه لم يذكره تحديدا بل فرضًا ونصها: ولو أبدل ستة دنانير تنقص سدسًا سدسًا فلا بأس به، قلت: وسمعت غير واحد من شيوخي يقول إن الجزء من الدينار كالدينار، واختلف في الفلوس هل حكمها حكم العين في ربا الفضل والنسا وذلك جائز أو مكروه على ثلاثة أقوال، وأخذ التحريم والكراهة من قول المدونة وليست بحرام بين ولذاكره التأخير فيها، ومنهم من تأول الكراهة فيها على التحريم فردها إلى قول واحد وبه أقول ومثله منعه في السلم الثالث من المدونة بيعها جزافا كالعين، ويعارض ذلك قول زكاتها ألا تزكي إلا في الإدارة كالعروض وقولها في سلمها الثاني إذا باع بها وكيل ضمن لأنها كالعروض إلا سلعة يسيرة إلى غير ذلك من النظائر.

واختلف إذا اشترى ببعض درهم ودفع درهما ورد عليه باقيه على ستة أقوال: فقيل أنه جائز وإن كانت أكثر من النصف وهذا نقله التونسي مع صاحب الأمر المهم قاصرا ما زاد على النصف على ثلاثة أرباعه مضعفا له قال بعض من لقيناه ومثل هذا حكي في أحكام الشعبي عن أبي زيد قال: كان أبو بكر بن اللباد يبعثي بالدرهم أشتري يجزئه بقلا وأرد عليه بقيته خراريب وقيل يمنع ذلك مطلقا.

قاله سحنون وصوبه ابن عبد السلام قائلاً: لم يثبت أن الشرع اعتبر هذه الضرورة وإن ثبت اعتبارها في غير هذا الباب فلا تتحقق المساواة بين هذا الباب وبين ذلك الموضع، قلت: وأخذ من المدونة قال فيها أصل قول مالك لا تجوز فضة بفضة مع أحدهما أو مع كل منهما سلعة ولو كانت الفضة يسيرة وقيل: يمنع ما زاد على الثلث وقيل: ما زاد على النصف وهو المشهور وقال مالك في الموازية: كنا نكرهه فحمله بعض شيوخنا على ظاهره والأقرب رده إلى التحريم وقيل: إن كان في البلد خراريب فلا يجوز أن يرد نصفه ويأخذ نصفه طعام إذ لا ضرورة وهذا ذكره ابن يونس على طريق التقييد، وظاهر كلام غير خلافه وإليه ذهب بعض من لقيناه.

(والطعام من الحبوب القطنية وشبهها مما يدخر من قوت أو إدام لا يجوز الجنس منه

ص: 115

بجنسه إلا مثلاً يدا بيد ولا يجوز فيه تأخير):

قال ابن الحاجب: المطعومات ما يعد طعامًا لا دواء قال ابن عبد السلام يريد به كل ما يتخذ للأكل أو الشرب مما ليس بدواء واعترضه بعض شيوخنا بأنه إذا أراد الأكل والشرب فقد خرج الملح لاتخاذه لغير ذلك كتلميح الجلد للدبغ وإلا دخل الزعفران قال والأولى تفسيره بما غلب اتخاذه لأكل آدمي لإصلاحه أو سربه فيدخل الفلفل واللبن، ويخرج الزعفران لعدم غلبة اتخاذه لإصلاحه والماء كذلك.

واختلف المذهب في علة ربا بالفضل على ستة أقوال: فقيل الاقتيات قاله إسماعيل القاضي، وقيل الاتخاذ للأكل غالبا قاله ابن نافع ومثله في الموطأ، وقيل الاقتيات والادخار وهو قول مالك في غير الموطأ وهذه الثلاثة حكاها وقيل الادخار مع التفكه والقوت وإصلاحه ذكره ابن بشير، وقيل العلة في البر الاقتيات وفي التمر التفكه الصالح للقوت. وفي الملح كونه مؤتدما وهذا نقله اللخمي عن الأبهري عن بعض أصحابنا وقيل: العلة المالية فكل ما هو عنده من جنس واحد لا يحل التفاضل بينهما فلا يباع ثوب بثوبين قاله ابن الماجشون قال ابن بشير وهو يوجب الربا في الدور والأرضين ولا يمكن قوله قلت: وبيان الصحيح من هذه الأقوال له موضع غير هذا ولا حد للادخار على ظاهر المذهب وإنما يرجع فيه إلى العرف، وحكى التادلي أنه سمع في بعض المجالس أن حده ستة أشهر فأكثر، وقد تقدم أن الزعفران ليس بطعام فمن منع سلف طعام في زعفران إلى أجل فيستتاب ثلاثا، فإن لم يتب ضربت عنقه لمخالفته الإجماع لأن الإجماع دل على أنه ليس بطعام نقله عبد الحق في تهذيب الطالب عن ابن سحنون قال ابن عبد السلام وليس بصحيح للخلاف خارج المذهب في كونه محكوما عليه بحكم الطعام لأجل أنه مصلح للطعام سلمنا الإجماع لكن من شرط الذي يستتاب منه مخالفة أن يكون منقولاً بالتواتر وهو غير حاصل هنا.

قلت: ويرد على خلاف في ذلك ثلاثة أقوال تخالفها إن كان نحو العبادات الخمس قال بعض شيوخنا على أن هذا الإجماع لم أجده في كتب الإجماع بحال ومن أوعبها كتاب الحافظ أبي الحسن بن القطان ووقفت على نسخة بخطة فلم أجده.

(ولا يجوز طعام بطعام إلى أجل كان من جنسه أو من خلافه كان مما يدخر أو لا يدخر إلى قوله يدا بيد):

اختلف في التوابل فنص في المدونة في السلم الثالث وكتاب أكرية الدور على أن

ص: 116

الفلفل طعام وقال أصبغ في التوابل أدوية كذلك نقله ابن الحاجب متبعًا لابن شاس فإنه ذكر التوابل ولم يعزها واعترضه بعض الشيوخ بأنه إنما خالف ابن المواز في أربعة خاصة وهي الأنيسون والشمار والكمونان، قال وأما التوابل التي هي من مصلحة الطعام فالفلفل والكراوية والكزبرة والقرفة والسنبل وأجابة خليل بنقل المازري، واختلف في التوابل كالكمون والفلفل والكراوية هل هي من الربويات أم لا وإذا فرغنا على مذهب المدونة، فالمشهور أنها أجناس مطلقاً وهو اختيار الباجي.

وقال ابن القاسم: الأنيسون والثمار جنس والكمونان جنس وضعفه الباجي واختلف في الحلبة على ثلاثة أقوال: فقيل: إنها دواء قاله ابن الحاجب صوبه ابن عبد السلام لأن غالب استعمالها في الأدوية وقيل: إنها طعام قاله ابن القاسم، وقيل: الخضراء طعام واليابسة دواء قاله أصبغ ومنهم من يجعله تفسير اللأولين.

(ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة وسائر الأداء والطعام والشراب إلا الماء وحده):

ما ذكر أن الماء يجوز فيه التفاضل هو نص الكتاب السلم الثالث من المدونة قال فيها لا يجوز بيع الماء قبل قبضه ويجوز متفاضلا يدا بيد، وظاهر كلام الشيخ وإن كان الماء عذبا وهو كذلك في منصوص المذهب وخرج عبد الوهاب أنه لا يجوز من رواية ابن نافع أنه يمنع بيعه بطعام إلى أجل أنه لا يجوز فيه التفاضل ورده المازري بأن ربا النساء أعم من ربا التفاضل، ولا يلزم من وجود ربا النساء التفاضل، ألا ترى أن الخس والهنديا يمنع بيع بعضهما ببعض إلى أجل ولا يمنع التفاضل فيهما وفرع المازري فيها على التخريج إذا بيعت دار بدار ولكل منهما ماء عذب فإنه لا يجوز على رأي ألا تباع ويجوز على رأي لغوها قلت: وألزم بعض شيوخنا على رواية ابن نافع أن لا تغسل به نجاسة.

(وما اختلفت أجناسه من ذلك ومن سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه إلا في الخضر والفواكه):

اختلف المذهب في الأخباز إذا كان أصلها مختلفا هل يجوز فيها التفاضل أم لا كما إذا كان أحد الخبزين من قمح والآخر من ذرة على ثلاثة أقوال فقال أشهب: إنها كلها صنف واحد وقيل إنها تابعة لما عملت منه قاله البرقي وقيل إن خبز القمح والشعير والسلت، والذرة والدخن والأرز صنف واحد وخبز القطنية صنف واحد قاله

ص: 117

ابن القاسم وأشهب، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن زرقون واختلف في الخبز والكعك بأبزار فقال المازري: يجوز بينهما التفاضل وقيل هما صنف واحد قاله بعض المتأخرين ونقله ابن شاس وإن كان الكعك بلا أبزار لم يجز التفاضل فيه قولاً واحداً.

واختلف في جواز التمر بخله على ثلاثة أقوال: فقيل بالجواز وهو مذهب المدونة وقيل بمنعه وقيل: يجوز في اليسير دون الكثير للمزابنة وهذه الثلاثة حكاها ابن رشد، واختلف في نبيذ التمر ونبيذ العنب فقيل: إن ذلك جنس واحد قاله في المدونة وقيل جنسان قاله في كتاب أبي الفرج والقولان حكاهما الباجي وهذا الفصل الكلام فيه متسع جداً ولولا الإطالة لذكرناه.

(والقمح والشعير والسلت كجنس واحد فيما يحل منه ويحرم):

ص: 118

ما ذكر الشيخ من أن القمح والشعير جنس واحد هو المشهور المعروف من المذهب وقال الشيخ السيوري: إنهما جنسان وحكاه المازري في المعلم قائلاً: ووافقه في ذلك بعض من أخذ عنه يريد عبد الحميد الصائغ وبقول أبي القاسم السيوري قال الشافعي وأبو حنيفة قال ابن عبد السلام: وهو الصحيح لقوله عليه السلام " التمر بالتمر والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربي إلا ما اختلفت ألوانه".

وما ذكر الشيخ من أن السلت حكمه حكم القمح والشعير هو المذهب، وقول السيوري لا يتخرج فيه لأنه أقرب القمح من الشعير قاله بعض شيوخنا، واختلف في العدس هل هو من جنس القمح والشعير أم لا والمعروف عدم الإلحاق وقيل: بالإلحاق وحكاه ابن عبد البر عن ابن كنانة وعزاه اللخمي لرواية ابن حبيب واختلف في الأرز والدخن والذرة والمشهور أنها لا تلحق بما تقدم وعليه ففي جنسيتهما قولان.

(والزبيب كله صنف واحد):

يعني سواء كان أحمر أو أسود وصرح به ابن الجلاب والتين كله جنس واحد قاله الباجي وكذلك العنب.

(والتمر كله صنف واحد):

يعني كان جديدا أو قديما ولذلك أجاز مالك جديد التمر بقديمه ومنعه عبد الحق قال اللخمي وليس بحسن إن اختلف صنفاهما كصيحاني وبرني، قال ابن حبيب وتمر النخل يكون له ست درجات أولها طلع، ثم أغريض ثم بلح ثم بسر ثم زهو، ثم رطب ثم تمر.

(والقطنية أصناف في البيوع واختلف فيها قول مالك ولم يختلف قوله في الزكاة إنها صنف واحد):

ص: 119

القول بأنها أصناف رواه ابن القاسم وبه قال سحنون وأكثر أصحاب مالك كذا قال ابن عبد البر قال ابن رشد، وبه قال سائر أصحاب مالك والقول بأنها صنف رواه ابن وهب وقال ابن القاسم وأشهب عن مالك الحمص والعدس، واللوبيا صنف واحد والجلبان صنف واحد وما عدا ذلك أصناف مختلفة، وروى أشهب عن مالك الحمص والعدس صنف واحد وسائر القطاني، وأصناف فتحصل في المسألة أربعة أقوال واختلف في الكرسنة فقيل هي من القطاني قاله مالك وقيل صنف على حدة قاله ابن حبيب وقيل إنها غير طعام وهو ظاهر قول يحيى بن عمر وقاله غيره وقيل لا زكاة فيه قال ابن رشد وهو الأظهر لأنها علف وليست بطعام.

(ولحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحش صنف ولحوم الطير كله صنف):

يعني سواء كان صغيرًا أو كبيرًا أو وحشيا أو أنسيا بريا أو بحريا أو يدخل في ذلك النعام وصرح بذلك ابن الجلاب وخارج المذهب قول إنه كلحوم ذوات الأربع وقال ابن عبد السلام: والقياس أن لحوم الطير تختلف والاختلاف بين لحوم ذوات الأربع أكثر فإن لحوم الإبل لا تقارب لحم الضأن قطعا.

(ولحوم دواب الماء كلها صنف):

قال ابن الجلاب: الجراد صنف وذكر ابن الحاجب مثله قال ابن عبد السلام يعنى على القول بأنه ربوي واضطراب المذهب في ذلك، قلت ظاهرة أنه أضطراب هل هو صنف واحد أو أصناف على القول بأنه ربوى ولم أقف عليه فتأمله ويمكن أن يتخرج على القول بأنه لا يفتقر إلى نية ذكاة لأنه نثره حوت أن يكون من دواب الماء لا صنفا منفردا بذاته.

(وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه):

لا يريد الشيخ بالشحم خصوصه بل وكذلك غيره قال في المدونة: وما أضيف اللحم من شحم، وكبد، وكرش، وقلب، ورئة، وطحال، وكلى، وحلقوم، وكراع، وخصاء ورأس وشبهه حكمه حكم اللحم، قلت: ويقوم من قولها جوازا أكل خصا الخصي وذكر أنه منصوص عليه كذلك في النوادر، ويقوم منها أيضًا أن المشيمة تؤكل وهو أحد الأقوال الثلاثة وقيل: لا تؤكل وقيل: إن أكل الولد أكلت وإلا فلا، وقد ذكرنا عزو ذلك في الذبائح، وفي المدونة لا بأس باللحم الطري بالمطبوخ إذا غيرته الصنعة وقال ابن عبد الحكم: لا يجوز مثلا بمثل بحال وإن طبخ بأبزار أو خل، مرق

ص: 120

نقله عنه ابن زرقون، واختلف في الخبز هل هو ناقل أم لا، فالمشهور أنه ناقل.

وفي المبسوط عن ابن نافع لا يجوز بيع القمح والدقيق بالخبز وعلى المشهور أن الصنعة معتبره فإن كانت يسيرة كتجفيف اللحم دون أبزار فكالعدم وإن كانت بأبزار فتعتبرة وأما طبخه بالماء والملح فقال ابن حبيب لا أثر له وأما إذا أضيف إليها بصل أو كراث أو ثوم فكان بعض شيوخنا يراه معتبرا وسمعت بعض من لقيناه يعزوه لأبي عمران الفاسي قائلا خلافا للخمي، واختلف المذهب في اللحوم إذا طبخت طبخا مختلفا، والمشهور أنه لا يخرجها عن أصلها، واختار اللخمي وابن عبد السلام أن ذلك يخرجها.

(وألبان ذلك الصنف وجبته وسمنه صنف):

يعني سواء كان مضروبا أم لا وخرج اللخمي في اللبن الذي أخرج زبده قولاً بأنه ليس بربوي من قول المدونة ويجوز سمن بلبن قد أخرج زبده قائلاً: ولو كان ربويا لكان من الرطب باليابس ورده ابن بشير بأن السمن نقلته الصنعة والنار قال ابن الحاجب: ووهما فإما بلبن فيه زبد فلا قال ابن عبد السلام، ويعني وهم اللخمي في تخريجه وابن بشير في الرد عليه لأن في المدونة متصلاً بالمسألة فأما بلبن فيه زبد فلا يجوز كبيع لبن فيه زبد بالسمن ولو كانت الصنعة والنار ناقلتين في هذا الموضع لجاز بيع الزبد باللبن قال وهذا الذي رد به على ابن بشير في غاية الظهور فإنه اقتصر على الوصف الذي فرق به وأما توجيهه على اللخمي فقلق لأنه إنما يتوجه عليه أن لو كان تخريج اللخمي اللبن في كل لبن مضروب، وأما إذا كان تخريجه في المضروب وحده فإنه لا يتناوله أصلاً، وقال: قيل كان تخريج اللخمي مما يرد بأول وهلة لأنه إذا ثبت أنه ربوي قبل إخراج زبده لكونه مقتاتا وكونه قادم دوام وجوده مقام ادخاره فلا يزيل عنه ذلك إلا زوال ذلك الوصف.

وأطال رحمه الله الكلام في هذه المسألة وناقشه بعض شيوخنا في ذلك وهي مسألة صعبة قل من يفهم كلام ابن عبد السلام فيها مع ما أورد عليه ولم أستطع فهمه قال في كتاب محمد: الجبن والسمن والزبد لا يجوز باللبن واختلف في اللبن المضروب فأجيز وكره واختلف في بيع الحليب بالحليب متماثلا ومذهب المدونة جوازه وروى أبو الفرج عن مالك منعه لما فيهما من الزبد المجهول قال الفاكهاني: ظاهر قول الشيخ وألبان ذلك الصنف إلى آخره يقتضي جواز بيع بعضه ببعض متماثلا لأن ذلك شأن الصنف الواحد قال ولم يجز ذلك مالك ولا أحد من أصحابه فلا يجوز لبن بجبن ولا

ص: 121

بسمن فانظر هذا فإنه عندي من مشكلات الرسالة.

(ومن ابتاع طعاما فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه إذا كان شراؤه ذلك على وزن أو كيل أو عدد بخلاف الجزاف وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب إلا الماء وحده وما يكون من الأدوية والزرايع التي لا يعتصر منها زيت فلا يدخل ذلك فيما يحرم من بيع الطعام قبل قبضه أو التفاضل في الجنس الواحد منه):

ظاهر كلام الشيخ سواء كان الطعام ربويا أم لا وهو كذلك في مشهور المذهب وروى أبو الفرج أنه جائز في الطعام إذا كان غير ربوي وأبعد لأن عموم أحاديث النهي عن بيع الطعام قبل قبضه يتناول غير الربوي كتناولها الروي، وقيل إن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، وإن كان غير مطعوم ولا يجوز بيعه قبل قبضه قاله ابن حبيب وعبد العزيز بن مسلمة ويحيى بن سعيد وربيعة.

قال ابن عبد السلام: وهو الصحيح لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وحمل أهل المذهب هذا النهي المذكور على الطعام وحده وذلك دعوى لا دليل عليها وقيل: لو سلم بيع الطعام من أهل العينة وبيع بنقد فإنه يجوز بيعه قبل قبضه قاله أبو الفرج، وما ذكر الشيخ من أن بيع الطعام إذا كان جرافا يجوز هو مشهور المذهب وقيل: لا يجوز حتى ينقله، رواه أبو بكر الوقار، وروى ابن نافع أنه يكره بيعه قبل نقله، وحكى عبد الوهاب عن مالك أنه استحب أن لا يباع مطلقا حتى ينقل فيتحصل في ذلك أربعة أقوال إذا بنينا على أن نقيض المستحب ليس بمكروه وعلى المشهور فاختلف إذا كان ضمان الجزاف من البائع مثل أن يشتري لبن غنم بأعيانها فهل يجوز بيعه قبل قبضه؟ نظرا إلى كونه جزافا وهو قول أشهب أولا نظرا إلى كونه في ضمان البائع، وهو قول ابن القاسم في ذلك قولان.

ووقع لمالك في العتبية فيمن اشترى نصف ثمرة بعدما بدا صلاحها قال: ليس له بيعها حتى يستوفيها قال ابن القاسم ثم سألناه عنه فقال ذلك جائز قلت: ويقوم من كلام الشيخ أن من اشترى بدينار قمحا فاكتال نصفه ثم سأله أن يعطيه بالنصف الثاني زيتا أنه لا يجوز وهو كذلك في سماع ابن القاسم قال لا خير فيه لأنه بيع الطعام قبل قبضه وطعام النكاح كالبيع باتفاق وما يأخذه المستحقون من بيت المال من طعام ففي جواز بيعه قبل قبضه قولان حكاهما ابن بشير ولم يحك ابن رشد في أرزاق القضاة وشبههم خلافا فإنه لا يجوز وطعام الخلع لا يجوز كغيره قاله في السلم الثالث من

ص: 122

المدونة قال بعض شيوخنا: وأظن أن في المذهب قولاً بجواز بيعه قبل قبضه قلت: وذكر أبو عمران الصنهاجي ولا أعرفه لغيره ويتخرج في النكاح من باب أحرى ولو ثبت الطعام في الذمة عن تعد أو غصب ففي جواز بيعه قولان وأخذ الجواز من المدونة من كتاب الصرف ولو باع أشجار أو استثني ثمرتها فهل يمنع من بيع ما استثناءه قبل قبضه أم لا قولان لمالك واختار ابن عبد الحكم والأبهري الجواز وسبب الخلاف هل المستثنى مبقى أو مشترى قال الفاكهاني عن الغريب الشراء يمد ويقصر الجزاف بكسر الجيم وفتحها وضمها.

(ولا بأس ببيع الطعام القرض قبل أن يستوفيه):

يعني أن من أقرض طعامًا فإنه يجوز له أن يبيعه قبل قبضه ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " من ابتاع طعامًا فلا بيعه حتى يستوفيه" قالوا خصوصية البيع تدل على أن القرض بخلافه وفي المدونة من أقرض طعامًا له من سلم قبل قبضه فقبضه المقرض له لم يعجبني أن بيعه منه قبل قبضه لأنه بيع له قبل قبضه قاله ابن يونس ولا يجوز من غيره كهو وقيل: أما اليسير من الكثير فلا بأس به وكأنه وكيل على قبضه قال مالك في كتاب ابن المواز ومن أحيل بطعام قرض له على طعام مسلم فقال ابن القاسم: لا يجوز بيعه إياه قبل قبضه وخرج اللخمي قولاً فيه بالجواز من رواية ابن حبيب قال: واختلف فيمن وهب له طعام سلم أو تصدق به عليه فروى ابن حبيب أنه لا يجوز له بيعه قبل قبضه وقيل لا يجوز رواه غيره قلت: وإلى الثاني ذهب المغيرة وابن القاسم.

(ولا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل قبل قبضه):

أما الشركة فقال في المدونة: أجمع أهل العلم على جوازها وروى أبو الفرج منعها حكاه غير واحد كابن زرقون وعلى الأول لو كان الثمن مؤجلا ففي المدونة جوازها وقيل لا يجوز قاله ابن القاسم وأشهب وأما التولية فإنها جائزة عندنا ومنعها أبو حنيفة والشافعي ووافقونا على جواز الإقالة وهما محجوجان بما ذكر عبد الرزاق عن جريج قال أخبرني ربيعة بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مستفيضًا بالمدينة قال: " من ابتاع طعامًا فلا بيعه حتى يقبضه ويستوفيه" إلا أن يشترط فيه أو يوليه أو يقبله.

واستدل العلماء على جواز الإقالة أيضًا بما خرج أبو داود عن أبي هريرة قال:

ص: 123

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أقال مسلمًا أقال الله عثرته" وفي المدونة: إن ابتعت سلعة فلم تقبضها حتى أشركت فيها رجلاً فهلكت قبل قبضه إياها وابتعت طعاماً فلم تكتله حتى أشركت فيه رجلاً فهلك قبل قبضه إياه أو لم تقاسمه حتى هلك الطعام فضمانه منكما وترجع عليه بنصف الثمن قال عياض: وأنكرها سحنون، وحكى فضل في التولية إنها من المولى حتى يكتاله وكذلك ينبغي في الشركة وعليه حمل إنكار سحنون.

قال أبو عمران: ولا يعرف هذا إلا من قول فضل وقول ابن القاسم إنه من المولي بنفس العقد كالجزاف وقد سوى في الكتاب بعد هذا بين الشركة والتولية في وجود النقص قال على المولي نقصه وله زيادته إذا كان من نقص الكيل وزيادته وليس ذاك للذي ولي وإن كان كثيراً وضع عليه بحسابه ولم يكن عليه ضمان فيما نقص والشركة مثله، قال أبو محمد زهده يدل على أن ليس على المشترك أجر الكيل وكذلك ينبغي في الإقالة إذ هما معروفان كالشركة، وكذلك ينبغي في القرض والهبة وإن وجدوا زيادة أو نقصانا فلهم وعليهم بخلاف البيع ذلك للبائع قال.

واختلف فيمن وهب أقساطا من دهن جلجلان أنه على من عصر فينبغي أن يجرى على الخلاف الذي ذكرناه أيضاً ولم يجعل الطعام في الشركة إن لم يكن قبض ثمنه كالمحبوسة في الثمن لما كان أصل الشركة معروفا وتأول بعض المذاكرين مسألة الكتاب على أن الهلاك ببينة ولو كان بدعوى لخرجت على الخلاف في المحبوسة في الثمن والصواب ما ذكرناه قال في المدونة: ومن قال لرجلين اشتريا عبداً أشركاني فيه فأشركاه كان بينهم أثلاثاً قال ابن محرز: قالوا هذا على أنه لقيهما معاً، ولو لقيهما منفردين لكان له نصفه قال ابن يونس: اختلف في هذا على ثلاثة أقوال أحدها قول المدونة بالإطلاق، والثاني لغيرها أنه يكون له نصفه والثالث لبعض أصحابنا القرويين الفرق أن يلقاهما معًا أو مفترقين فإن لقيهما معًا فله ثلثه أو مفترقين فله نصفه.

(وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء بخطر أو غرر في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز):

وفي الموطأ من مراسيل ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع الغرر وقال المازري ما تردد فيه بين السلامة والعطب قلت واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير

ص: 124

جامع الخروج غرر فاسد كصور بيع الجزاف وبيعتين في بيعة ونحوهما إذ لا عطب فيهما قال، وقول ابن الحاجب وهو ذو الجهل والخطر وتعذر التسليم يتعقب من ثلاثة أوجه أحدها جهل صفة المبيع فهو تعريف مباين الثاني أن الخطر مساو في المعرفة للغرر أو أخفى منه الثالث إن تعذر التسليم إنما ذكره الأصوليون من حكمة التعليل بالغرر قال والأقرب أن الغرر ما شك في حصول أحد عوضيه أو مقصود منه غالبا.

قال الباجي: ويسير الغرر عفو إذ لا يكاد يفارق وزاد المازري كون متعلق اليسير غير يسير ومقصود لضرورة ارتكابه وقدره في جواز بيع الأفنية وجواز الكراء بالشهر مع احتمال نقصه وتمامه وجواز دخول الحمام مع اختلاف قدر ما يكفي الناس ولبثهم فيه والشرب من الساقي إجماعا في الجميع وذلك دليل على إلغاء ما هو منه يسير غير مقصود دعت الضرورة إليه قال ابن عبد السلام وزيادة القيد الأخير فيه إشكال من وجهين:

الأول: أنه إذا كان يسيرا في نفسه غير مقصود إليه من المتبايعين ولا أحدهما فلا معنى للمنع منه لأن المنع من بيع الغرر إنما هو لما يؤدي إليه من المخاصمة والمنازعة.

والثاني: أنهم قالوا والمازري فيهم العيان يشهد له أن أكثر البياعات لا تخلو عن يشير الغرر فلو اشترطنا مع ذلك في اجازة البيع احتياج المتبايعين إلى ارتكاب ذلك الغرر ومعلوم أن الذي يباح عند الحاجة، ويمنع منه عند عدمها هو رخصة فيلزم عليه أن تكون أكثر البياعات رخصة وهو باطل قطعا وخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة والملامسة عندنا أن يلمس الثوب، فيجب البيع من غير تبيين والمنابذة أن يتنابذا أن يتنابدا ثوبين فيجب البيع.

وخرج مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة.

قال المازري: واختلف في تأويله وأحسن ما قيل فيه تأويلات منها أن يبيع من أرضه قدر رمي الحصاة ولا شك في جهله لاختلاف قوة الرامي، وقيل: معناه أي ثوب وقعت عليه الحصاة فهو المبيع وهو مجهول أيضا كالأول وقيل: معناه إذا أعجبه الثوب تركه على حصاة وقيل معناه أرمي بالحصاة فما خرج كان لي بعدده دنانير أو دراهم وهذا مجهول أيضًا وهذا إذا كان بمعنى الخيار وجعل ترك الحصاة علما على الاختيار لم

ص: 125

يمنع إلا أن تكون عادتهم في الجاهلية أن يضعوا أمورا تفسر مثل أن يكون متى ترك الحصاة ولو بعد عام وجب البيع وقيل كان الرجل يسوم الثوب وبيده حصاة ويقول إذا سقطت من يدي وجب البيع.

وهذا إذا كان معناه إذا سقطت باختياره فهو بيع خيار إذا وقع مؤجلا فلا يمنع إلا أن يكون ثمنه مجهولا، وقد يكون هذا هو معني القولين الأخيرين قال ابن رشد: وشراء الغاصب ما غصبه وهو بيده إن علم منعه ربه إن لم يبعه فسد البيع وإن علم رده إليه إن لم يبعه جاز اتفاقًا فيهما وإلا فقولان وأما بيعه ربه من غير الغاصب وهو بيد الغاصب فإن كان الغاضب لا يأخذه حكم فسد إجماعا وإن كان يأخذه الحكم فإن كان حاضرا مقرا بالغصب جاز البيع وإن أنكر فقولان لأنه شراء ما فيه خصومة وهما قائمان من المدونة وإن كان الغاصب غائبا عن مجلس الشراء فإن كان على غصبه بينة جاز وإلا فلا وقيل إنما الخلاف إذا كان ببينة وإلا فالمنع اتفاقًا.

(ولا يجوز بين الغرر ولا بيع شيء مجهول ولا إلى أجل مجهول):

قال الفاكهاني: لا أدري لم كرر الشيخ هذه المسألة وهي بعض ما قبلها لأن الغرر الذي ذكره ثانيا هو ما في الثمن أو المثمون وقد تقدم استيفاء الكلام عليه، وقوله ولا بيع شيء مجهول هو الغرر في المثمون المتقدم أيضًا وكذلك الأجل المجهول فتأمله.

(ولا يجوز في البيوع التدليس ولا الغش ولا الخلابة ولا الخديعة):

ص: 126

قيل إنها ألفاظ مترادفة والصحيح أنها متباينة فمثال التدليس أن يعلم بسلعته عيبًا فيكتمه ومثال الغش أن يجعل في اللبن ماء ومثال الخلابة أن يكذب في الثمن أو يرقم على السلعة أكثر مما اشتراها به ومثال الخديعة أن يخدعه بالكلام، وقال في المدونة: ومن ابتاع ثيابًا فرقم عليها أكثر مما ابتاعها به وباعها برقمها ولم يقل قامت على بكذا فقد شدد مالك فيه الكراهة واتقي فيها وجه الخلابة وأقام منها بعض من لقيناه من القرويين ما يفعله فسقة التجار يبيع الثوب ويربط فيه صره دراهم ويرى البدوي أن لا علم له بذلك فيطمع البدوي فيها فيدفع أكثر من الثمن المعتاد أو يأخذ التاجر دراهمه ويعلم أن للمشتري فيه مقالا قال ابن أبي زمنين: فإن نزلت مسألة الكتاب خير المبتاع بين أخذها وردها فإن فاتت ففيها القيمة كذا فسره ابن الماجشون وقال ابن أخي هشام، ويلزمه الأقل من الثمن أو القيمة وسواء باعها مرابحة أو مساومة ومن الخديعة أن ينسب السلعة إلى غير جنسها وللمبتاع الرد بذلك قاله ابن حبيب واختلف فيمن باع حجرا بثمن يسير ثم وجده ياقوته أو زبرجدة تساوي مالا كثيرًا فسمع أشهب وابن نافع أنه لا مقال للبائع، ولو شاء لتثبت وهو المشهور وفي سماع أبي زيد أن له مقالا قال ابن رشد: وهذا الاختلاف إنما هو لم يسم أحدهما الشيء بغير اسمه كقوله: أبيعك هذه الزجاجة فيجدها المشتري ياقوتة فإنه لا يلزم المبيع باتفاق.

قال ابن يونس في كتاب الصيد وأما لو اشتري رجل حوتا فوجد في جوفه جوهرة فقال الأبياني هي له وقال بعض شيوخنا أنها للبائع قلت: وأعرف فيها قولاً ثالثاً بالفرق بين أن تباع وزنا فللمشتري أو جزافا فللبائع ذكره بعض القرويين وأظنه أبا زيد عبد الرحمن بن الدباغ صاحب معالم الإيمان وكان بعض من لقيناه يعزوه لنقل اللخمي عن بعض القرويين وكل هذا إذا لم تكن مملوكة قبل وأما لو ملكت كما لو وجدت مثقوبة فهي لقطة اتفاقاً.

وأما الخرزة البونية فسمعت شيخنا أبا مهدي عيسى الغبريني رحمه الله تعالى ينقل عن ابن الحاج أنها للمشتري باتفاق والخلاف فيما تقدم ليس هو من باب الغبن وإن كان فيه اختلاف واضطراب أيضًا والمشهور أنه لا قيام له وعليه العمل عندنا بإفريقيا وذهب البغداديون إلى القيام به وهو الثلث قاله الأبهري وأصحابه، وقال ابن القصار هو

ص: 127

ما زاد عليه، وقيل ما خرج عن المعتاد وظاهر قول أبي عمر بن عبد البر أن قول الغبريني في بيع الوصي والوكيل، كقدره في بيع من باع ملك نفسه قال بعض شيوخنا وكان بعض من لقيناه ينكر ذلك ويقول غبن بيعهما ما نقص عن القيمة نقصًا بينا، وإن لم يبلغ الثلث وهو صواب لأنه مقتضى الروايات في المدونة وغيرها ولو ابتاع الوكيل بمالا يشبه من الثمن لم يلزمه.

(ولا كتمان العيوب ولا خلط دنئ بجيد):

في مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعه بللا فقال " ما هذا يا صاحب الطعام" فقال أصابته السماء يا رسول الله قال " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا" قال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: يعاقب من غش بسجن أو ضرب أو إخراجه من السوق إن اعتاده، ونقل ابن القاسم، أنه لا يشترط اعتياده في إخراجه من السوق بل يخرج مطلقا قال وعليه يصح رده بعد مدة يرجي فيها أنه قد تاب وإن لم تظهر توبته وعلى الأول لا يرد حتى تظهر توبته.

قال ابن حبيب: ويؤدب بالمال اليسير كلبن غشه بماء يتصدق به مع تأديبه وأما بالمال الكثير فلا نعم لا يرد إليه ويباع ممن لا يغش به قاله أصحاب مالك، قلت وأقيم من العتق بالمثلة الأدب بالملال الكثير ويرد بحرمة الآدمي وسيأتي عزو ذلك عند ذكر الشيخ والعتق بالمثلة إن شاء الله تعالى قال ابن رشد لا يتصدق على من لم يعلم بغشه إذا اشتراه أو ورثه، وسمع أشهب وابن نافع أحب إلى أن لا يخلط لبن البقر بلبن الغنم لإخراج زبدهما فإذا وقع الخلط فلابد من البيان فحمل ابن رشد أحب إلي على الوجوب ومن خلط قمحا بشعير لقوته وفضلت منه فضلة فروى محمد يكره أن يبيعه وإن قل ثمنه.

وقال ابن الماجشون ومطرف وخففه ابن القاسم وقال بعض الشيوخ: إن أمكن تمييز الدنئ من الجيد كسمين اللحم مع هزيله لم يجز بيع كثيره حتى يميز ويجوز بيع قليله والقليل كالخمسة أرطال والكثير كالعشرين رطلا قاله ابن القاسم، وإن لم يمكن تمييزه كالسمن مع العسل، فقيل يجوز بيعه بعد وقيل: يمنع وقيل: إن خلط للأكل جاز، وإن خلط للبيع لم يجز وقيل: مثله إن كان يسيرا، فإن بان الغش فإن المشتري بالخيار ودليله حديث المصراة فهو خير النظرين وخرج فيه قول بالفسخ من بيع

ص: 128

النجش على قول القرويين وابن الجهم بفسخه، وألحق فيه للآدمي ورده المازري بأن الرد عندهم في مسألة النجش لدلالة النهي على الفساد وشرطها عدم النص بلغو دلالته.

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المصراة؛ فهو بخير النظرين نص في لغو الدلالة قال: ولا يتوهم تخريج الفسخ من أحد القولين فيما إذا اطلع على أنه مغصوب لأن الغصب لو علم به في العقد أفسده بخلاف الغش.

(ولا أن يكتم من أمر سلعته ما إذا ذكره كرهه المبتاع أو كان ذكره أبخس له في الثمن):

يريد كجلد الميتة والثوب المنسوخ من شعر الميتة وكل مسألة فيها خلاف شهر بين أهل العلم كلحم المغلصة إلى غير ذلك مما يكثر تكرره، ونقل بعض من لقيناه عن بعض المغاربة بأنه أخذ من قول الشيخ ولا أن يكتم من أمر سلعته إلى آخره أن الكيمياء لا تجوز لأن من يدفع له من ذهبها شيء لو أعلمه ما قبله ولا يمكنه أن يبينه لأنه يخاف على نفسه قال شيخنا أبو مهدي: وهب أنه لا يخاف فيدخله الفساد من جهة أرى وهي صيرورتها إلى أصلها وإن بعد أمرها وذكر حكاية المازري المقتضية لذلك ولولا الإطالة لذكرناها.

(ومن ابتاع عبداً فوجد به عيبًا فله أن يحبسه ولا شيء له أو يرده ويأخذ ثمنه إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عنده):

قال القاضي عبد الوهاب: وليس للمبتاع أن يحبسه ويرجع بقيمة العيب لحديث المصراة وما ذكر الشيخ من أنه بالخيار مراده به ما لم يصرح بالرضا أو يسكت من غير عذر وجعل ابن القاسم في المدونة: السكوت رضا ولم يقيده وقال أشهب: إن كان قريبا كاليومين فليس سكوته برضا وأكثر من لقيناه حمله على الخلاف وعلى كل حال، فالسكوت يدل على الرضا إما مطلقًا وإما مقيدا بالطول من غير خلاف.

وإن كان الشيوخ يحكي الخلاف في السكوت هل يتنزل منزلة النطق أم لا وما ذكرناه من نفي الخلاف هو اختيار ابن عبد السلام واختلف المذهب إذا تصرف على الدابة بعد اطلاعه على العيب فروي عن مالك أنه يدل على الرضا وبه أخذ ابن القاسم وأصبغ وابن حبيب، وقيل عكسه قال مالك أيضًا وبه أخذ أشهب وابن عبد الحكم ونقل عن ابن كنانة إذا وجد العيب وهو مسافر فليشهد على عدم الرضا ويردها

ص: 129

ولا يركبها في ردها إلا أن يكون بين قريتين فليبلغ عليها القرية.

وقال ابن نافع: لا يركبها إلا أن لا يجد بدا قلت: فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، واختلف المذهب في العيب الظاهر إذ زعم المشتري أنه لم يعلم به هل له مقال أم لا فقال ابن حبيب لا مقال له، قال ابن عبد السلام وعليه اعتمد غير واحد ممن صنف في الأحكام وعليه يعتمد أصحاب الوثائق واعترض بعض شيوخنا نقله عن الموثقين بأن المتيطي وابن سهل منهم ومع هذا فقد أوجبا اليمين فقط على البت في العيب الظاهر، ومثله لابن عات في غير موضع من الطرر منها قوله ومن امتنع من دفع ثمن ما ابتاعه لدعواه عيبًا به إن كان ظاهراً لا طول في الخصام فيه لم يلزمه دفعه حتى يحاكمه، وقال في المدونة: إذا وجد العبد أعورًا أو أقطع إن له مقالا فحملها غير واحد على خلاف قول ابن حبيب وتأولها بعضهم على أن البيع وقع على غاية الصفة ولا يثبت العيب إلا بعد لين من أهل العلم بعيوب تلك السلعة وإن لم يوجد عدل قبل غيرهم ولو كانوا غير مسلمين للضرورة.

(إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عنده):

ظاهر كلام الشيخ ولو قال البائع: أن أقبله بالعيب الحادث وإليه ذهب عيسى بن دينار ورواه يحيى عن ابن القاسم وقال به ابن نافع ورواه عن مالك لأن المشتري قد يتعلق له غرض بعين المبيع وقيل إن كانت فيه زيادة مع العيب أو فراهية لحاجة المبتاع وأما إن لم يكن فيه غير النقص، فلا مقال للمشتري ونحا إلى هذا القول اللخمي قال عياض: ورجع هذا القول شيوخنا وقيل لا مقال للمشتري مطلقًا وهو مذهب المدونة، ورواه عيسى عن ابن القاسم.

وقال أشهب: وقال ابن لبابة: إن كان البائع مدلسًا فالتخيير باق وإلا فلا قال عياض: وهو جيد في الفقه فيتحصل في المسألة أربعة أقوال وكلها في التنبيهات والعيوب الحادثة عند المشتري على ثلاثة أقسام:

قسم: لا أثر له وهو ما إذا كان يسيرا كالعجف.

وقسم: يتحتم فيه الرجوع بالأرش وهو كل ما يخرج عن المقصود كالعمي وما بينهما هو بالخيار كما قال الشيخ وهو الذي أراد بقول عيب مفسد والله أعلم.

واختلف المذهب إذا تلف المبيع بعد أن طلع المشتري على بيعه وقبل قبض

ص: 130

البائع له على أربعة أقوال: فقيل ضمانه من البائع بنفس قول المشتري رددته قاله ابن القصار وقيل حتى يقبضه البائع قاله مالك في الموازية.

وقيل إن حكم به حاكم من البائع وهو مذهب المدونة وأول رواية الموازية وكلها نقلها اللخمي وقيد بالأول بكونه عيب رد لا شك فيه وقيل إن الضمان من البائع إذا أشهد المشتري أنه غير راض به ولم يطل أمده يرى بحيث أنه رضيه حكاه ابن رشد في المقدمات عن أصبغ.

(وإن رد عبدًا بعيب وقد استغله فله غلته):

ما ذكر الشيخ هو مذهبنا واحتجوا على أن الغلة للمشتري بحديث الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان.

وبما ذكر أبو داود بسنده إلى عائشة رضي الله عنها أن رجلاً ابتاع غلامًا فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم فوجد به عيبًا فخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي فقال عليه السلام: " الخراج بالضمان".

" وأما من اشترى نخلا وفيه ثمر قد أبر واشترطها أو اشترى غنما وعليها صوف قد كمل فجد النخل طيبها أو جز الصوف"

فقال ابن القاسم: يرد ذلك للبائع، وقال أشهب: وهو للمشتري، وقال ابن القاسم في المدونة: ولا يرد اللبن وإن كان في الضروع يوم البيع، وقال ابن المواز: اتفق على ذلك ابن القاسم، وأشهب.

وقال ابن عبد السلام: وانظر هل فيه قولة لأشهب أم لا: قلت، والصواب أنه لا قولة فيه ليسارة اللبن وأنه لا يبقي كالصوف والتمر.

(والبيع على الخيار جائز إذا ضربا لذلك أجلا قريباً إلى ما تختبر فيه تلك السلعة أو ما تكون فيه المشورة):

ظاهر كلام الشيخ أن خيار المجلس لا يعول عليه، وهو كذلك عند مالك وقال به الفقهاء السبعة كذا قال ابن شاس وابن الحاجب وسلمه التونسيون كابن عبد السلام واعترضه الشيخ خليل بأن الإجماع على أن سعيد بن المسيب من الفقهاء السبعة وهو

ص: 131

قائل بخيار المجلس قاله المازري، وصاحب الإكمال، وبه قال ابن حبيب لحديث الموطأ.

وقد أكثر المازري في الاعتذار عن مالك حيث روى الحديث، ولم يأخذ به فمن شاء فلينظره في شرحه، وحقيقة بيع الخيار بيع وقف أولا على إمضاء متوقع فيخرج الخيار الحكمي قاله بعض شيوخنا.

قال المازري: وفي كونه رخصة لاستثنائه من بين الغرر، وحجر المبيع خلاف قال في المدونة: أمر الخيار في الدور الشهر، ونحوه.

وقال ابن حبيب فيها وفي الأرضين الشهران ومثله في الموازية، قال عبد الحق الدور والأرضون سواء لا وجه لمن فرق بينهما وجعل ما تقدم وفاقًا للمدونة لا خلافًا، وهل المدة في الدور الثلاثة الأشهر نقله عياض في الإكمال عن الداودي.

قال التونسي: له أن يقيم بالدار ليلا ليختبر جيرانها دون سكناه، قال المتيطي: واختلف في جواز شرط السكني على ثلاثة أقوال:

فقيل: جائز نقله غير واحد، وقيل: لا يجوز قاله ابن القاسم، وقيل: إن كان من أهل محلتها لم يحتج إلى السكنى لأنه عالم بجيرانها، وإن لم يكن من أهلها جاز شرط السكنى، قاله اللخمي، وفي المدونة: أمدا بالخيار في الجارية الجمعة وشبهها ابن حبيب، وكذلك العبد.

قال محمد: أجاز ابن القاسم فيه عشرة، وروى ابن وهب فيه شهراً قلت: وأما المكاتب فإنه أجاز فيه الخيار شهراً.

قال في المدونة: ومن كاتب أمته على أن أحدهما بالخيار يوما أو شهراً جاز، ولا يقال: هو خلاف لأن الشرع متشوف للحرية.

وأما الدابة فإن كان اختبارها بركوبها ففي المدونة: اليوم وشبهه، وإن كان اختبارها في كثرة الأكل وقلته وغلاء ثمنها، ورخصه فيوسع له في الأجل فتجوز الثلاثة الأيام كالثوب.

قال عياض: كذا في رواية شيوخي، وكذا رواه ابن وضاح، وفي بعض النسخ اليوم واليومان، وما نبه عليه في كتاب ابن عتاب ليس عند ابن وضاح، واختار اللخمي أن يكون بحساب الثمن ليس الدينار كالعشرين، ولا هي كالمائة، ولا فرق بين الثياب وغيرها إذا كان المقصود اعتبار حال الثمن وصوبه ابن عبد السلام قائلاً: ينبغي أن لا

ص: 132

يقتصر القاضي، ولا المفتي على ما وقع في الروايات.

قال الفاكهاني عن الغريب، والمشورة بفتح الميم وإسكان الشين وفتح الواو وبضم الشين وإسكان الواو لغتان.

(ولا يجوز النقد في الخيار، ولا في عهدة الثلاث ولا في المواضعة بشرط)

اعلم أن قيد الشرط راجع إلى الثلاث التي ذكرها الشيخ ويزاد بيع الشيء الغائب على الصفة ولا يجوز دفع الثمن، ولو مع الطوع في الأمة إذا بيعت على خيار، وفيها مواضعة وكذلك بيع الشيء الغائب على الخيار والسلم على خيار، وكذلك الأرض غير المأمونة على خيار.

وذكر عبد الحق في النكت: أنه لا يجوز ولو مع الطوع بخلاف الرهن إذ ليس الحق في غير الرهن، وإنما هو توثقة، في غير الحق في عينه، وما ذكر الشيخ أن شرط النقد فيما ذكر لا يجوز هو كذلك اتفاقًا لاحتماله تارة بيعًا، وتارة سلفًا، فيقوم من قوله إن كل ما لا يعرف بعينه من مكيل أو موزون لا يصح بيعه بالخيار بشرط الغيبة عليه، ونص على ذلك سحنون في المدونة: إلا أنه ذكر ذلك في المبتاع.

وفي الموازية والبائع لأنه إذا أمضى البيع كان بيعا، وإن لم يمض البيع وجب رده، وقد يكون تصرف فيه، ويرد مثله فيكون سلفًا، ويريد سحنون ما لم يطبع عليه، ونص عليه اللخمي.

قلت: فإن وقع البيع في بيع الخيار على شرط النقد فهل يفسد البيع أم لا والمعروف من المذهب أنه يفسد وحكي ابن الجلاب قولاً بعدم فساده ونصه، وفي

ص: 133

فساد البيع بشرط النقد قولان.

قال بعض شيوخنا ولا أعرفه إلا كرواية محمد عن نقد ثمن ثوب حتى يراه فإن لم يرضه رده جاز إن قرب وطبع عليه، وعلى الأول لو وقع الاتفاق على إسقاط الشرط، فذهب سحنون إلى صحة العقد.

وقيل: إنه لا يصح عزاه عبد الحق لبعض الأندلسيين قال ابن رشد: وهو ظاهر المدونة، وعزا المازري القولين للمتأخرين.

(والنفقة في ذلك والضمان على البائع):

أما النفقة فهي على البائع سواء قلنا: إن البيع منعقد من أوله أو بآخره، وظاهر كلام الشيخ في الضمان سواء كان المبيع مما يعاب عليه أم لا، وليس كذلك، وإنما يضمن البائع ما لا يغاب عليه، وأما ما يغاب عليه فمن المشتري، وهو نص المدونة، وهو المشهور، وهو الذي أراد الشيخ، والله أعلم.

وقيل: إن الضمان ممن شرطه الخيار مطلقًا قاله مالك، وحكاه ابن رشد وتتخرج النفقة والغلة عليه، وعلى الأول فاختلف لو قامت البينة بهلاكه من غير سببه، فقال ابن القاسم لا يضمن.

وقال أشهب: يضمن بناء على أصليهما هل الضمان بالتهمة أو بالأصالة، وكلاهما حكاه المازري، واللبن والسمن، غلة اتفاقًا.

وأما الصوف فإن اشترطه المشتري فهو له كمن اشترى سلعتين، وإن لم يشترطه فهو للبائع واختلف في أرش الجناية، فقيل: إنها للبائع وهو مذهب المدونة، وقيل: إنه تبع له قاله ابن حبيب، ولو ولدت الأمة ثم أمضي البيع. فقال ابن القاسم: يتبعها كالصوف، وقال أشهب: كالغلة وكلاهما في المدونة: واستشكلت هذه المسألة من وجهين:

أحدهما: كيف جاز بيعها مع أن الحامل المقرب لا يجوز بيعها وأجيب بأنه لا مانع من أن يكون باعها في آخر الشهر السادس وولدته في أول السابع قاله عياض على غير ذلك من التأويلات.

وقال بعض من لقيناه: هذا الإشكال إنما يرد على غير طريق ابن رشد، وأما هو فقال رحمه الله مذهب مالك جواز بيع المريض، قال وهو دليل خيار المدونة وظاهرها في الاستبراء وسماع عيسى عن ابن القاسم.

ص: 134

ونص أصبغ ونسب المنع لابن حبيب، وابن الماجشون، قال: ومال إليه سحنون، وهي طريقة لا اعتراض عليها.

الثاني: أن كلا من ابن القاسم، وأشهب ناقض أصله، وذلك في الحرة إذا تزوجت عبدًا بغير إذن سيده، فأجاز نكاحه بعد أن زنت فقال ابن القاسم: لا ترجم، وقال أشهب: ترجم.

وأجاب بعض شيوخنا عن أشهب: بأن الحدود تدرأ بالشبهات، وعن ابن القاسم بأنه خيار حكمي وناقضًا أصليهما، وبقوليهما أيضًا في الأمة إذا جنت ثم ولدت ثم أسلمها سيدها للمجني عليه، فقال ابن القاسم: لا يتبعها ولدها خلافًا لأشهب، وإذا وهب للعبد المبيع بالخيار مال ففي المدونة هو للبائع، وقال ابن الكاتب: يعني بذلك أن يباع بدون ماله وحمله الأكثر على الوفاق، وحمله ابن الجلاب على الخلاف وارتضاه بعض من لقيناه.

(وإنما يتواضع للاستبراء الجارية التي للفراش في الأغلب أو التي أقر البائع بوطئها وإن كانت وخشا):

اختلف المذهب إذا باعها بشرط ترك المواضعة فقيل: البيع جائز والشرط باطل، ويحكم بينهما بالمواضعة، وقيل: إن البيع فاسد، قاله الأبهري ومثله في كتاب ابن المواز، ولهذه المسألة نظائر منها إذا اشترط إسقاط الجائحة فقال ابن القاسم لا يعول عليه، وقيل: إن البيع فاسد وعزاه اللخمي للسليمانية، ومنها إذا اشترط ضمان العارية فقال ابن القاسم: لا يلتفت إليه خلافًا لأشهب.

قال ابن الجلاب: ولو ماتت الأمة المتواضعة، ولم يعلم هل كان موتها قبل مدة الاستبراء أو بعدها فقال مالك الضمان من البائع، وقال مرة من المشتري.

(ولا تجوز البراءة من الحمل إلا حملا ظاهرًا):

اعلم أنه اختلف المذهب في بيع الجارية التي يزيد في ثمنها الحمل أو البقرة، أو غيرها على أنها حامل على أربعة أقوال: فقيل: لا يجوز قاله مالك في سماع ابن القاسم، وقيل: إنه جائز وإن وجدت غير حامل فله الرد قاله أشهب: وقيل: جائز فإذا وجدها غير حامل فإن كان يظن أنها حامل، فلا يردها، وإن كان يعلم أنها حامل بمعرفته فله ردها لأنه غره، وأطمعه.

قال ابن أبي حازم، وقيل: يجوز في الحمل الظاهر دون الخفي قاله سحنون وهذه

ص: 135

الأقوال الأربعة حكاها ابن زرقون والقول بالمنع مطلقًا هو نص البيوع الفاسدة من المدونة. قال فيها: ومن باع شاة على أنها حامل لم يجز وكأنه أخذ لجنينها ثمنا حين باعها بشرط أنها حامل، وهو ظاهر كلام الشيخ ولتخصيصه الجواز في بيع البراءة بالحمل الظاهر فدل على أن غير البراءة لا يجوز مطلقًا وتعقب ابن الفخار قول الشيخ قائلاً: الصواب أنه لا تجوز البراءة من الحمل في الجواري الرفيعات إلا في الحمل الظاهر، ويجوز من حمل الوخش، وإن لم يكن ظاهراً هذا قول مالك، ولا يعرف خلافه وزعم ابن زرقون وابن رشد أن بيعها بشرط البراءة متفق عليه لأنه تبرأ من عيب، وهو قصور لنقل ابن يونس في أواخر كتاب الخيار.

قال: ولو شرط حمل الجارية في البيع فسخ، وقيل: إن كان ظاهراً جاز فيها، وفي الغنم.

وقيل: إن كان على البراءة جاز في الوجهين، قال ابن زرقون، وغيره: إنما يجوز في الرمكة على القول به إن قال: إنها حامل مطلقًا، ولو قيل: إنها حامل من فرس أو حمار لفسد البيع؛ لاحتمال أن يكون انفلت عليها غيره.

قلت: واختار بعض من لقيناه الجواز إذا كان يعلم أنه حفظها من غيره.

(والبراءة في الرقيق جائزة مما لم يعلم البائع).

ظاهر كلام الشيخ أن غير الرقيق لا تفيد فيه البراءة، وهو نص المدونة قال المتيطي، وعليه العمل وبه الفتوى، وبه قال الجمهور من أصحاب مالك.

وقيل: تفيد في كل شيء من عرض وغيره، قاله أشهب، وابن وهب وابن حبيب، وابن كنانة، واستقرئ من المدونة، وبه قال مالك في كتاب ابن حبيب.

وقيل: فيما عدا الحمل الخفي من الرائعة إذ لا تصح البراءة منه لخطره، وقيل عكسه، قاله عبد الوهاب، وتأوله اللخمي على المدونة أيضًا، وعليه العمل عندنا بتونس.

وقيل: تفيد في الحيوان وهو نص الموطأ، والواضحة وأحد قولي الموازية، وقيل: تفيد من السلطان خاصة قاله مالك، وحكي ابن أبي زمنين وابن الكاتب وغيرهما أنه لا يختلف قول مالك في بيع السلطان: إنه بيع براءة، وقيل: يفيد من الورثة لقضاء دين وشبهه.

وقيل: فيما طالبت إقامته عند بائعه، واختبره، قاله في الواضحة والموازية، وتأول على المدونة، وقيل: تفيد في كل شيء إذا كان العيب تافهًا غير مضر، رواه ابن القاسم

ص: 136

في كتاب محمد ونحوه في العتبية وعليه حمل قول المغيرة، وهو مثل قول المدونة إن البراءة لا تنفع في أهل الميراث، ولا غيرهم إلا أن يكون خفيفا، وزعم ابن الكاتب انه لا يختلف قول مالك في اليسير، وغيره جعله مختلفا فيه كما قلنا فهذه ثمانية أقوال.

وبالجملة فقد أطال عياض الكلام عليها جدا وذكر أولا أن فيها تسعة أقوال ثم زاد في آخر كلامه عاشرا ويظهر أن في بعضها التكرار قال: وفي الكتاب منها ستة، قلت: وكل هذه الخلاف فيما لا يشترط فيه التماثل، وأما ما يشترط فيه التماثل كمد قمح بمد فلا يجوز اشترط البراءة، لما يؤدي إليه من التفاضل.

وكذلك لا يجوز في القرض كما إذا استقرض عبداً وتبرأ من عيوبه دخله سلف جر منفعة نص على ذلك الباجي والمازري، وقبله خليل، وقال بعض من لقيناه بدخول المسألة الأولى في الخلاف إذ ليس ثم تفاضل البتة؛ لأن الفرض أن القدر واحد وقصاري الأمر أن الصفة تختلف على تقدير الوجود، وذلك لا يضر.

(ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع حتى يثغر):

الأصل في هذا ما خرجه الترمذي عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبائه يوم القيامة".

ووقع في المدونة: ما يوهم جواز التفرقة قال في كتاب المرابحة في الجارية التي ولدت عنده: لا يبيعها مرابحة، ويحبس ولدها إلا أن يبين واعترضه فضل، قال: هذه من بيع التفرقة، وللناس في ذلك تأويلات:

أحدها: لعله أعتق الولد.

الثاني: لعله بلغ حد التفرقة.

الثالث: لعله مات.

الرابع: لعله على تأويل ابن القاسم عن مالك في العتبية، وتخريجه في سماعه على المسألة أنه رجع إلى إجازة بيع التفرقة، وقد وهموه في هذا التأويل.

الخامس: أن يكون ذلك برضا الأم على أحد القولين.

السادس: أنه إنما تكلم هنا على أحكام بيع المرابحة ولم يتعرض للكلام على التفرقة فلم يتحرز منها وكلها ذكرها عياض رحمه الله تعالى، وما ذكر الشيخ من أن

ص: 137

حده الإثغار هو قول مالك في المدونة قائلاً: ما لم يعجل به، وهو أحد الأقوال الستة.

وقيل: سبع سنين قاله ابن حبيب، وقيل: عشر سنين، قاله ابن وهب، والليث بن سعد، وقيل: باستغنائه عن أمه، ومعرفة ما يؤمر به، وينهي عنه، ولا يقال يمكن أن يتأول هذا القول برجوعه إلى أحد هذه الأقوال السابقة؛ لأن معرفة ما ذكر يختلف باختلاف قرائح الأطفال.

وقيل: وحدة البلوغ، رواه ابن غانم عن مالك، وقيل: لا يفرق بينهما وإن بلغ نقله ابن يونس عن ابن عبد الحكم لقوله للأب أخذ الولد وظاهره التأبيد، وصرح به اللخمي، وأبعده المازري ووجه ابن يونس بعموم الحديث وقد تقدم معارضة بعض من لقيناه قول ابن عبد الحكم بقوله للأب أخذ الولد الذكر من الأم عند الإثغار والجواب عن ذلك.

وظاهر كلام الشيخ أن التفرقة لا تجوز ولو رضيت الأم بذلك، وهو كذلك ونص عليه مالك في كتاب محمد، وقيل: إن الجمع بينهما حق للأم قاله في المختصر، واختار ابن يونس الأول.

وظاهر كلام الشيخ أن الأب لا يلحق بالأم وهو كذلك، واختار اللخمي انه يلحق بها كقول بعض المدنيين، والاتفاق على أنه لا يلحق بهما غيرهما، والمراد بالأم من النسب أما من الرضاع فلا، قاله التادلي، وهو واضح لأن الأم من الرضاع ليس لها من الحنان والشفقة ما للأم من النسب ألا ترى أنه لا حضانة لها، ويريد الشيخ إلحاق الهبة وشبهها بالبيع في التفرقة وهي جائزة في العتق وشبهه كالكتابة وفي الحيوان البهيمي على ظاهر المذهب، وروى عيسى عن ابن القاسم أنها لا تجوز وأن حد التفرقة أن يستغني عن أمه بالرعي، قاله التادلي والمغربي، وأظنه في العتبية، ولا أتحققه، ووقع للشيخ أبي بكر بن اللباد نحوه وذلك أن ابن يونس نقله عنه في الراعي إذا استؤجر على رعاية غنم، ولم يكن عرف برعي الأولاد ولا شرط فإن على ربها أن يأتي براع معه للأولاد للتفرقة وتأوله بعض شيوخنا بأن معناه أن التفرقة تعذيب لها فهو من باب النهي عن تعذيب الحيوان.

وقال الفاكهاني: ظاهر الحديث يعم العقلاء وغيرهم ولم أقف عليه بالنص في غير العقلاء فمن وجده فليضفه إلى هذا الموضع راجيا ثواب الله تعالى.

(وكل بيع فاسد فضمانه من البائع فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه):

ص: 138

يريد بالفاسد ما كان حرامًا وصرح ابن رشد باندراج المكروه في الفاسد، وقال بعض شيوخنا إن غني بالفاسد ما نهي عنه فقط فمندرج وإن عني به مع سلب خاصية البيع عنه فغير مندرج، وما ذكر الشيخ من أن الضمان من المشتري إذا قبضه هو المشهور.

وسمع أبو زيد بن القاسم في جامع البيوع: ومن ابتاع زرعا قبل بدور صلاحه ثم حصده وحمله إلى منزله فأصابته نار فاحترق وعلم أن ذلك القمح بعينه احترق فمصيبته من البائع قال ابن رشد: وهو خلاف المعلوم من المذهب ونحوه سمع يحيى في كتاب الخلع ووجهة بأنه لما كان بيعا فاسدا لم ينعقد فيه بيع زاد في أجوبته ولا يفيته بيع ولا غيره.

قلت: قال بعض شيوخنا وظاهر هذا السماع إنما يكون الضمان من البائع إذا قامت بهلاكه بينة، وقيل: إن كان البيع متفقا على تحريمه فمصيبته من البائع، وهو في يد مشتريه كالرهن هكذا نقله المازري عن سحنون وعبر عنه اللخمي بقوله: إن كان البيع حراماً.

وظاهر كلام الشيخ: إذا أمكنه البائع من قبضه ولم يقبضه أن مصيبته من البائع وهو كذلك.

وقال أشهب: يضمنه المشتري بالتمكين أو ينقد الثمن كقبضه، وناقضه أو عمر أن قوله هذا بروايته عن مالك أن من تزوج امرأة على عبد فمات العبد قبل القبض وهو لم يكن يقدر على منع الزوجة منه أن ضمانه من الزوج.

قلت: ولا مناقضة عليه في ذلك إذ لا يلزم من الرواية الأخذ بها وعلى تسليمه فالتمكين أخص مما في الرواية والله أعلم.

(فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعليه قيمته يوم قبضه ولا يرده، وإن كان مما يوزن أو يكال فليرد مثله):

ص: 139

ما ذكر الشيخ من أن تغيير السوق مفيت هو المشهور. وقيل: إنه غير مفيت حكاه ابن عبد البر قال في كافيه، وفي الفوت يتغير الأسواق اختلاف عن مالك وأصحابه، وما ذكره من تغير البدن متفق عليه فيما قد علمت قال في المدونة: مثل الولادة والعيب، وزيادة بدن وزوال بياض العين.

وظاهر كلام الشيخ أن طول الزمان لا أثر له في التفويت، وهو كذلك العروض قاله في المدونة: وذكر ابن رشد أنه فوت فيها لسرعة التغيير فيها قال اللخمي: واختلف إذا طال الزمان في الحيوان فقال في التدليس من المدونة من كتاب عبدا اشتراه شراء فاسدًا فعجز بعد شهر فات رده لأنه طول وقال في ثالث سلمها الشهر والشهران ليس بفوت في العبيد والدواب.

وقال المازري: اعتقد بعض أشياخي أن قولي المدونة واختلاف حقيقة، وليس كذلك وإنما هو اختلاف في شهادة بعادة؛ لأنه أشار في المدونة: إلى المقدار من الزمان الذي لا يمضي إلا وقد تغير الحيوان فتغيره في ذاته أو سوقه معتبرا وإنما الخلاف في قدر الزمان الذي يستدل به على التغير.

قلت: قال بعض شيوخنا هذا منه تعسف على اللخمي كان حاصل كلامه إنما هو في قدر الزمان الذي هو مظنة التغيير لا في التغيير وهذا مقتضى كلام اللخمي لمن تأمل وأنصف قال في المدونة: ولو تغير سوق السلعة له فروي بخلاف رجوعها بعد بيعه بها ففرق القابسي بأن سوق الثانية ليست هى الأولى بعينها وإنما هي مثلها والسلعة التي اشتريت شراء فاسدًا ثم بيعت ثم عادت فإنك تقطع أنها هي ومنهم من فرق بأن تغيير السوق غير داخل تحت قدرة البشر فلا يتهم الناس فيه بخلاف البيع ورد بأن فرض المسألة في المدونة: فيما إذا عادت إليه بميراث أيضاً، ولا تهمة فيه، ولما رأى أشهب رحمه الله تعالى أنه لا فرق بينهما جعل مسألة البيع كرجوع السوق.

ص: 142

وظاهر كلام الشيخ أن تغير السوق في المكيل والموزن معتبر وهو قول ابن وهب والمشهور أنه لا أثر له قال بعض الشيوخ الأربعة يفيتها حوالة الأسواق البيع الفاسد، واختلاف المتبايعين وبيع العرض بالعرض وبيع المرابحة وأربعة لا يفيتها حوالة الأسواق الرد بالعيب وهبة الثواب والإقالة في السلم والاستحقاق يجمعها قول الشاعر:

وأربعة إذا الأسواق حالت = منعن من الفوات كما علمت

إقالتك السلم ورد عيب = وعطاء الثواب وما استحقت

وأربعة تفوت إذا استحالت = فأولها المبيع إذا اختلفت

وعرض فيه عرض من مبيع = وبيع فاسد مع ما ربحت

(ولايفيت الرباع حوالة الأسواق):

ما ذكر الشيخ وهو المشهور، وقال ابن وهب: إنه يفيته تغير الأسواق كالعروض والحيوان، واعتذر عن المشهور بأن العقار المقصود منه غالبًا وإنما هو الاقتناء دون التجارة وما هو كذلك لا يطلب منه كثره الأثمان وقلتها، فلا يكون تغير سوقه مفيتا له بخلاف العروض، والحيوان غالباً، وبقيت الرباع الغرس والهدم والبناء قاله في رهون المدونة.

واختلف إذا طال الزمان في الدور الأرضين فالمشهور أنه ليس بفوت وقيل: إن طالت المدة كعشرين سنة فإنه مفيت نقله اللخمي عن أصبغ قائلاً: ولابد من أن يدخلها التغيير في ذلك.

وأشار المازري إلى أنه وفاق، وقال ابن رشد في ذلك قولان كلاهما في كتاب الشفعة من المدونة.

وأما الزرع فليس بمفيت نقله أبو محمد عن ابن المواز قائلاً: فإن فسخ بيعه في إبانه لم يقلع وعليه كراء المثل، وبعد الإبان لا كراء عليه، ولو أثمرت الأصول عند مبتاعها ففسخ بيعها، وقد طالبت الثمرة فهي للمبتاع ولو لم تجد وإن لم تطلب فهي للبائع وعليه للمبتاع ما أنفق.

(ولا يجوز سلف يجر منفعة):

ص: 143

يعني القرض بالمنفعة إما للمقرض، وإما للأجنبي؛ لأن المنفعة إذا انتفع بها الأجنبي من جهة المقرض فكأنه هو الذي انتفع بها، وما ذكرناه من منفعة الأجنبي مأخوذ من رهون المدونة وقراضها ولو الإطالة لذكرنا لفظها في الكتابين ويقوم من كلام الشيخ أن السفاتج ممتنعة وهو نص المدونة في بيوع الآجال وزعم الباجي أن هذا القول هو المشهور.

وقيل: إنه جائز نقله عياض عن ابن عبد الحكم وعزاه الباجي لرواية أبي الفرج، وقيل: إن غلب خوف الطريق جاز وإلا منع، وهو اختيار اللخمي محتجا بإجازة مالك تأخير نقد كراء المضمون لاقتطاع الأكرياء أموال الناس.

قال ابن عبد السلام: وفي احتجاجه نظر لأن المحظور في مسألة الكراء بيع الدين بالدين، وهو أخف من المحظور في مسألة السفاتج؛ لأنه سلف جر منفعة وهو عين الربا، وقيل: إن طلب المستقرض السلف جاز وإلا منع نقله ابن يونس عن الموازية، وفي الجلاب عن مالك الكراهة فيتحصل في ذلك خمسة أقوال، وتردد خليل هل تحمل الكراهة على التحريم فترد للمشهور أم لا، وكذلك تردد في قول اللخمي قال ومثله لعبد الوهاب هل هو تقييد أو خلاف ولما ذكر ابن بشير في السفاتج القولين، وأن المشهور المنع قال: وكذلك الطعام المسوس أو القديم في زمان الشدة بشرط أخذه جديداً، واعترضه بعض شيوخنا بأن كلامه يقتضي أن المشهور المنع ولم يحك غيره في السائس إلا الجواز.

قلت: قال ابن عبد السلام ظاهر المذهب المنع والأقرب الجواز لأن منفعة السلف يسيرة جدا لا يمكن العاقل أن يقصدها غالبا.

وقال خليل ك المشهور المنع خلافًا لسحنون، وقيد اللخمي المنع بما لم يقم دليل

ص: 144

على إرادة نفع المسلف فقط.

وقال ابن حبيب: يمنع مطلقًا ونقل أبو محمد صالح عن أبي موسى الموماني أن قول اللخمي تفسير للمذهب لقول المدونة إن أقرضك فدانًا من زرع لتحصده أنت وتدرسه لحاجتك وترد مثله فإن فعل ذلك رفقًا بك دونه جاز.

واختلف إذا اشترط المقرض إسقاط يمين دعوى القضاء في العقد أو تطوع له به على ثلاثة أقوال: فقيل: يمنع قاله يحيى بن عمر، وقيل: إنه جائز قاله ابن لبابة، وقيل: إنه يمنع في العقد قاله ابن العطار.

وأما شرط التصديق في البيع في العقد ففيه ثلاثة أقوال ثالثها: إن كان البائع من المتورعين جاز ووفي له بشرطه وإلا فلا، واستمر العمل عندنا بتونس على العمل بذلك مطلقاً.

(ولا يجوز بيع وسلف):

الأصل في ذلك ما خرجه الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل بيع وسلف"

وذكر الباجي أن الإجماع على منعه فإن وقع وأسقط مشترط السلف شرطه فنص في المدونة على الصحة وهو المشهور.

وقيل: إنه لابد من فسخ البيع قاله ابن عبد الحكم ونقله ابن حارث وغيره وعزاه الباجي لبعض المدنيين وعلى الأول فهل التخيير في إسقاط شرطه ما لم يغب على السلف فإن غاب فقد فات الربا فلا تخيير أو يخير مطلقًا، في ذلك قولان، واشترط ذلك سحنون، وابن حبيب، وابن القاسم، ولم يشترط ذلك أصبغ، وعلى الأول فإن كانت السلعة قائمة ردت وإن فاتت بيد المشتري ففيها القيمة ما بلغت، وعلى الثاني فعليه في الفوات الأكثر من الثمن أو القيمة وكلا هذين القولين تؤول على المدونة، ونص في المدونة: على أن المعتبر في القيمة يوم القبض.

وقال ابن الجلاب: يوم الفوات لا يوم الحكم ولا يوم القبض ويقوم من كلام الشيخ أن من عليه دينار قد حل وباع لصاحب الدين سلعة وشرط عليه أن لا يقاصه أنه لا يجوز ووجه الإقامة إنما كانت المقاصة واجبة لمن طلبها عند اجتماع شرائطها كان

ص: 145

اشتراط عدم المقاصة قرينة في إدارة تأخير الدين السابق فيكون بيعًا وسلفًا، وهو كذلك عند ابن القاسم. وقال أشهب: يصح ويبطل الشرط.

وقال أصبغ: يصح ويوفي بالشرط، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن الحارث.

(وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء):

لا خصوصية لما ذكر بل وكذلك النكاح والشركة والقراض مع السلف.

(والسلف جائز في كل شيء إلا في الجواري وكذلك تراب الفضة):

أنما قال السلف جائز نفيًا لما يتوهم وإلا فهو مندوب إليه من حيث الجملة، ويعرض له التحريم، والكراهة، وأما الإباحة فمتعذرة؛ لأنه من القرب، وما ذكر الشيخ من منع قرض الجواري مثله في الآجال والسلم الأول من المدونة.

وقيل: جائز على رد المثل قاله ابن عبد الحكم كذا نقله عنه ابن يونس والمارزي، ولفظ ابن بشير فيه إجازة ابن عبد الحكم وأوجب رد المثل وفي الحمديسية عنه أجازه إذا اشترط عليه أن لا يرد عينها وإنما يرد مثلها، وهو مثل النقل الأول عنه واعترضه بعضهم بأن الشرط لا ينفع لأنها على مثل الدين صفة ومقدارًا ومن أتى بذلك أجبر ربه على قبوله.

قال خليل: وفيه نظر لجواز استثناء هذه الصورة لئلا يؤدي إلى إعارة الفروج ويريد الشيخ ما لم يكن قرض الجواري للمرأة أو لذي محرم أو كانت في سن من لا توطأ وقيد به اللخمي وغيره المدونة وحمله الباجي على الخلاف للمذهب وهو بعيد فإن وقع قرض الجواري وفرعنا على المشهور فإنه يفسخ ما لم يفت فإذا فات لزمته القيمة، وقيل: المثل واختلف في المفيت ما هو على ثلاثة أقوال: مجرد الغيبة عليه نقله ابن يونس عن بعض الأصحاب وقيل: مجرد الغيبة عليها لا أثر له الأثر للوطء قاله عبد الوهاب في معونته.

وقيل: إن كانت غيبة يشبه الوطء فيها فهي فوت وإلا فلا قاله المازري وتراب المعادن والصواغين لا يجوز قرضه وقول ابن عبد السلام في السلم اختلف في قرض تراب المعادن لا أعرف وكذلك لا يجوز قرض الدور والأرضين والبساتين، واختلف في قرض قواديس قفصه، ونحوها قال بعض شيوخنا لا يجوز.

قال التادلي: وظاهر كلام الشيخ أن قرض لحوم الأضاحي جائز، وفيه القولان اللذان في جلد الميتة وقد ذكرهما اللخمي في جلد الميتة بعد الدبغ، ويجريان هنا بطريق

ص: 146

الأولي ذكر هذا في الأضاحي أعني التادلي.

(ولا تجوز الوضيعة من الدين على تعجيله):

إنما لا يجز ذلك لأنه يدخله في الوضيعة ثلاث علل سلف جر منفعة، والتفاضل بين الذهبين أو الفضتين والنساء؛ لأنه عجل عشرة في عشرين فهو إذا حل يقبض من نفسه عشرين ويدخله الطعام من قرض إذا كان مما لا يجوز فيه التفاضل والثلاث علل، وإن كان مما يجوز فيه التفاضل دخلته علتان من الثلاث سلف جر منفعة والنساء وإن كان الطعام من بيع دخلته أربع علل الثلاثة المذكور والرابعة بيع الطعام قبل قبضه ويدخله في القرض سلف جر منفعة والنساء، وما ذكر الشيخ هو المشهور وذكر اللخمي في إرخاء الستور عن ابن القاسم أنه جائز.

قال بعض شيوخنا: حكي غير واحد من شيوخ بلدنا أن بعض الطلبة ذكر مجلس تدريس بعض شيوخه في كتاب الآجال من المدونة قول ابن القاسم هذا فأنكر عليه.

وقال اللخمي: حكاه عنه فلما انقضى المجلس نظروا محله من كلام اللخمي في بيوع الآجال حيث ذكرها في المدونة: فلم يجدوا في اللخمي ما ذكر عنه فلما كان من الغد قالوا له: ما ذكرت عن اللخمي غير صحيح إذا لم يذكره في محله فانصرف الطالب عنهم في هم شديد فلما نام من الليل رأى في نومه الشيخ أبا الحسن اللخمي فقال له: يا سيدي نقلت عنك كذا وكذا له القصة وكون الطلبة نظروا كتابك في بيوع الآجال، ولم يجدوا فيه ذلك النقل فقال له: ذكرته في فضل الخلع فانتبه الطالب فرحًا فقام في ليلته، ونظر الكتاب فوجده كما نقل فلما أصبح ذكر ذلك لأهل المجلس واشتهرت قصته وتفضل الله عليه برؤيته المذكورة.

(على تعجيله):

علته حط عني الضمان وأزيدك لأن الطالب لا يجبر على قبضه قبل الأجل لأن منفعة التأجيل لهما معاً.

(ولا التأخير به على الزيادة فيه):

يريد سواء كانت الزيادة من المديان أو من أجنبي ومنه هدية المديان إلا أن تكون معتادة.

وقال ابن الحاجب: وفي مبايعته بالمسامحة الجواز والكراهية قال غير واحد فظاهره أنه لا يختلف إذا لم تكن مسامحة أنه جائز ومقتضى ما حكاه المازري وابن

ص: 147

بشير وغيرها أن النفل على العكس إن كانت مسامحة منع اتفاقًا لأنها هدية مديان وإلا فقولان الجواز والكراهة.

وقيد اللخمي الخلاف بما قبل الأجل، وأما بعده فلم يحك إلا الكراهة وصرح المازري بعدم الجواز بعد الأجل وهو آكد في التهمة؛ لأن الدين قد وجب على من عليه قضاؤه وأما هدية رب المال للعامل لئلا يدع العمل فلا يجوز لأنه سلف جر منفعة وكذلك لا تجوز هدية العامل لرب المال قبل الشغل بالمال وبعده.

(ولا تعجيل عرض على الزيادة فيه إذا كان من بيع ولا بأس بتعجيله ذلك من قرض إذا كانت الزيادة في الصفة):

قال غير واحد: الفرق بين البيع والقرض أن الأجل في القرض حق للمقرض فلم يسقط بالتعجيل حقا له بخلاف البيع؛ لأن الأجل حق لهما، ونقل الفاكهاني هذا الفرق عن ابن عيسى في إقالته، وهو يقتضي سواء كان المزيد في الصفة كإعطاء أجود مما في ذمته أو في الذات، وهو خلاف ظاهر قول الشيخ إذا كانت الزيادة في الصفة.

(ومن رد في القرض أكثر عددا في مجلس القضاء فقد اختلف في ذلك إذا لم يكن فيه شرط، ولا وأي ولا عادة فأجازه أشهب وكرهه ابن القاسم، ولم يجزه):

أراد الشيخ بالوأي التصريح بالوعد وبه فسر صاحب مختصر العين.

قال التادلي: وقيل: هو التعريض بالعدة وفي المشارق هو الوعد المضمر والعادة معروفة وسواء كانت خاصة مع المستقرض أو عاملة لأهل البلد.

وقال أبو محمد صالح: لا خلاف في العادة الخاصة واختلف في العامة بالجواز والمنع، وظاهر كلام الشيخ أن أشهب يجيز ذلك سواء كانت الزيادة يسيرة أو كثيرة كمن سلف عشرة دراهم مثلاً فقضى أحد عشر أو خمسة عشر، وابن القاسم يحرمه مطلقاً، وبقول أشهب قال القاضي عبد الوهاب، قال ابن عبد السلام وعزاه اللخمي لابن حبيب وعيسى.

قلت: واعترض بعض شيوخنا عليه من وجهين:

أحدهما: أن قول ابن حبيب ليس في التبصرة.

الثاني: قول عز وابن الحاجب لأشهب الجواز مطلقاً قائلاً: لا أعرفه.

قلت: ويرد بأن ظاهر الرسالة كما تقدم، وقول ابن القاسم مثله، وروى ابن المواز في المسألة قولاً ثالثًا: أنه لا تجوز الزيادة إذا كانت يسيرة كدرهمين في مائة نقله أبو محمد

ص: 148

عن أشهب وابن حبيب، وعزاه غيره لابن القاسم إلا أنه لم يذكر تحديد اليسير.

قلت: والصواب عندي عكس الثالث؛ لأنه إذا كانت الزيادة يسيرة فهما يتهمان فيها بخلاف الكثيرة، والله أعلم.

وفي الصحيح عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع أن يقضي الرجل بكرا فرجع إليه أبو رافع فقال: يا رسول الله لم أجد فيها إلا خياراً رباعيا فقال: " أعطه إياه إن خير الناس أحسنهم قضاء".

قال ابن عبد السلام: الظاهر أن هذا الحديث يشتمل على جواز المتصل والمنفصل لقوله: " إن خير الناس أحسنهم قضاء: فمهما كثرت الزيادة في القضاء كانت أحسن.

(وكذلك أن يعجل العروض والطعام من قرض لا من يبع):

قال الفاكهاني: يريد إذا كان المعجل في البلد الذي اقترض فيه، وأما إن كان في غيره فلا يلزمه أخذه.

قلت: ما ذكره صحيح، وكذلك لو طلبه المقرض بعد حلول الأجل بغير البلد الذي اقرضه فيه فإنه لا يجبر على الدفع له ولكنه يلزمه أن يوكل من يقبضه عليه في البلد الذي اقرضه فيه.

ونص عليه الشيخ أبو القاسم بن الجلاب، وبه أفتي من لقيناه قائلاً: لا أعرف فيه خلافًا إلا أن الصواب في الضامن عدم لزومه إلا أن يكون ملكاً، ويريد أيضا إذا كان البلد آمنا، وأما لو طلبه في أخذه بين بلدين أو مكان مخوف فإنه لا يجبر قال ابن بشير في الموازية واختلف في الجوهر إذا كانا من بيع وطلب أخذه في غير البلد المشترط ففيه القضاء، ولم يكن حمل فقيل كالعين يجبر على قبوله، وقيل: كالعروض، وهو المشهور.

قال ابن بشير: هو خلاف في شهادة إن كان الأمن في الطريق فهو كالعين وإلا فهو كالعرض واختلف المذهب إذا أراد المديان دفع بعض ما عليه، وهو موسر هل يجبر رب المال على قبضه أم لا؟ فروى محمد وبه قال ابن القاسم في رواية أبي زيد: إنه يجبر، وقال ابن القاسم لا يجبر، وأما المعسر فيجبر اتفاقًا.

ص: 149

(ولا يجوز بيع ثمر أو حب لم يبد صلاحه):

يريد إذا كان على التبقية والمسألة لا تخلو من ثلاثة أوجه:

أحدها: ما تقدم، وهو إذا كان على التبقية فنصوص المذهب على فساده، وأجازه أبو حنيفة وحلم النهي على الكراهة وخرج اللخمي قولاً في المذهب بجوازه إذا لم ينقد الثمن.

وقال اللخمي: هذا إذا اشترط مصيبته من المشتري أو من البائع والبيع بالنقد؛ لأنه تارة بيعاً وتارة سلفًا، وإن كانت المصيبة من البائع والبيع بغير النقد فإنه جائز.

وقال المازري: بعد أن ذكر عن المذهب المنع وأن بعض أشياخه انفرد بذكر ما تقدم: وفي المذهب ما يشير إلى الاختلاف في هذا الأصل فإن فيه قولين مشهورين في جواز كراء الأرض الغرقة على أن العقد إنما يتم بتصرف الماء عنها يريد مسألة المدونة وفيها قولان لابن القاسم وغيره وفرق بعض شيوخنا بأن الغرر هنا يقدر على رفعه بالعقد مع شرط الجد وغرر انكشاف الماء غير مقدور على رفعه وقد فرقوا بهذا المعني في فصل الخلع بالضرر.

الثاني: أن يكون على القطع فإنه جائز بثلاثة شروط قاله اللخمي في السلم الأول: أن يبلغ الثمر مبلغا ينتفع به، وإن يحتاج إلى بيعه وإن يتمالأ عليه أكثر أهل موضعه ومهما اختل شرط منها فإنه لا يجوز لأنه فساد.

الثالث: إذا وقع العقد عاريا عن الجد والتبقية فظاهر ما في كتاب البيوع الفاسدة من المدونة أنه جائز، وقيل: إنه لا يجوز قاله عبد الوهاب وعزاه المازري لرواية البغداديين، وهو أصل ابن القاسم في البيع المحتمل للصحة والفساد نص عليه في الرواحل والدواب من المدونة خلافًا لابن حبيب وحمل فضل قول المدونة على أن عرفهم على الجد ونحوه لأبي محمد وجعل اللخمي كثرة الثمن دليلا على البقاء وقلته دليلا على الجد.

(ويجوز بيعه إذا بدا صلاح بعضه وإن نخله من نخيل كثيرة):

يريد إذا كان طيبه متلاحقًا، وما ذكره هو قول مالك الذي رجع إليه، وقيل: لا يجوز حتى يبدو صلاح جميعه، وهو قول مالك الأول، وقيل: يجوز إذا بدا صلاح بعضه، ولو لم يقرب إذا لم ينقطع الأول حتى يبدو صلاح ما بعده قاله ابن كنانة، وقيل: يجوز بيعه ببدو صلاح ما حوله وبه قال مالك أيضًا وابن حبيب، وهذه الأقوال الأربعة حكاها ابن رشد، وفي المسألة قول خامس حكاه ابن حارث أحب إلى أن لا

ص: 150

يباع ما حوله ولا أراه حرامًا، وعزي لابن القاسم وابن حبيب قال ابن رشد: وما استعجل زهوه بسبب مرض في الثمرة وشبهه لم يبع به الحائط اتفاقًا، وفي الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها.

قال ابن عبد السلام: هذا يدل على أنه يشترط عموم ذلك في جميع الحائط كما اشترط ذلك بعض أهل العلم بعد أن جعل أصل المذهب أن الصلاح في بعض الحائط كاف.

قلت: فظاهر كلامه أنه لم يحفظه في المذهب، وهو قصور لما تقدم وصلاح الثمرة زهوها زاد ابن الحاجب وظهور الحلاوة فيها.

قال ابن عبد السلام: لا أحفظه الآن عن المتقدمين، وإنما ذكروا الحلاوة في التين مع ظهور السواد في أسوده والبياض في أبيضه، وكذلك العنبري في لونه وطعمه.

قلت: واعترضه بعض شيوخنا بأنه قصور في حفظ المذهب لقول المتيطي بدو صلاح العنب ظهور الحلاوة فيه مع السواد في السواد في أسوده وحاصله في سائر الثمار إمكان الانتفاع به.

وقال خليل: الظاهر أن ابن الحاجب أراد التنويع فالزهو خاص بالتمر وظهور الحلاوة في غيره قال وفي كلامه نظر لأن الحلاوة لا تعلم؛ لأن بعضها قد لا تظهر فيه الحلاوة كالموز لأنه يباع في شجره.

قال ابن المواز: ولا يطيب حتى ينزع قال الباجي: يريد إذا بلغ مبلغا إذا نزع من أصله تهيأ للنضج، قال غير واحد: وبدو الصلاح في الزيتون أن ينحو إلى السواد وبدو صلاح القثاء والفقوس أن ينعقد، ويبلغ مبلغا يوجد له طعم وسمع أصبغ وأشهب أن بدو الصلاح في البطيخ أن يؤكل فقوسًا قد تهيأ للبطيخ.

قلت: هذا في الكبار، وأما في الصغار فلا، وقال ابن حبيب أن ينحو ناحية الاصفرار والطيب؛ لأنه الغرض المقصود منه.

قال الفاكهاني: وقول الشيخ، وإن نخلة من نخلات كثيرة رويناه بالرفع أي، وإن أزهت نخلة ويجوز النصب على خبر كان مقدرة ولها نظائر كثيرة والرفع أحسن.

(ولا يجوز بيع ما في الأنهار والبرك من الحيتان، ولا بيع الجنين في بطن أمه ولا بيع ما في بطون سائر الحيوانات):

قال الفاكهاني عن الغريب الأنهار جمع نهر بفتح الهاء، وإسكانها لغتان مشهورتان.

ص: 151

قالوا: وكذلك كل ما كان على ثلاثة أحرف وعينه حرف حلق نحو شهر، وأما قوله في (جنت ونهر) [القمر: 45]

فقال الزهري: أي أنهار وقد يعبر عن الجمع بالواحد كما قال تعالى (ويولون الدبر)[القمر: 45]

والبرك جمع بركة بكسر الباء سميت بذلك لإقامة الماء فيها والجنين كأنه فعيل بمعني مفعول أي مستور ومنه سميت الجن لأنها مستورة، ويقوم من كلام الشيخ من باب أحرى أنه لا يباع الطير في الهواء وهو كذلك وسمع عيسى وأصبغ ابن القاسم لا يحل صعاب الإبل للغرر في أخذها وربما عطبت به ولجهل ما فيها من العيوب، وكذلك المهاري والفيلة، وكل ذلك مفسوخ.

قال أصبغ: احتجاجه بجهل عيوبها غير صحيح لأن البراءة في بيعها غير جائزة.

قال ابن رشد: اعتراض أصبغ غير لازم؛ لأن ابن القاسم لا يجيز بيع البراءة وهو الصحيح المعروف من قول مالك.

(ولا بيع نتاج ما تنتج الناقة ولا بيع ما في ظهور الإبل):

النتاج بكسر النون ليس إلا وفي الموطأ مرسلا، روى مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال: لا ربا في الحيوان وأنهاكم عن ثلاثة المضامين والملاقيح، وحبل الحبلة، فالمضامين ما في بطون الإناث من الإبل، والملاقيح: ما في ظهور الفحول وعكس ابن حبيب وخرج مسلم ومالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع حبل الحبلة فسره ابن وهب وغيره بنتاج ما تنتج الناقة، وأما النزو فإن كان مضبوطًا بمرة أو زمان فإنه جائز وروى ابن حبيب كراهيته للنهي عنه، وأن أخذ الأجر فيه ليس من مكارم الأخلاق فإن فعل لم يفسخ ولم يؤد الأجر ومنعه جماعة من أهل العلم مطلقاً.

قال ابن عبد السلام: وهو أسعد بظاهر الحديث وسمع عيسى بن القاسم جواز نزو البغل على البغلة واختلف المذهب في جواز الأجرة على ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل: إن ذلك جائز قاله عيسى بن دينار وصوبه ابن رشد، وقيل: مكروه قاله ابن القاسم، وعنه الوقف ولو سمي أعواماً فحصلت في الأول انفسخت قاله سحنون كالصبي في الرضاع.

(ولا يبع الآبق والبعير الشارد).

ص: 152

ظاهر كلام الشيخ بيع بنقد أو بغير نقد كان الطلب في ذلك كله على البائع أو على المشتري، وهو كذلك وللخمي فيه تفصيل مال فيه إلى الجواز إذا لم ينقد الثمن وكان البيع فيهما على أن صفته كذا، وأن طلبه على البائع فإن أتى به على تلك الصفة أخذ الثمن وإلا فلا، واحتج بقول ابن القاسم فيمن قال اعصر زيتونك فقد أخذت زيته كل رطل بدرهم، وكان يختلف خروجه لا خير فيه إلا أن يشترط إن خرج جيداً أو أنه بالخيار ولا ينقد، وصرح المازري وابن بشير وغيرهما بأنه اختيار اللخمي لا أنه المذهب.

(ونهى عن بيع الكلاب واختلف في بيع ما أذن في اتخاذه منها):

أما الكلب المنهي عن اتخاذه فاتفق المذهب على تحريم بيعه، وأما المأذون فيه فاختلف فيه على سبعة أقوال:

أحدها: أن بيعه لا يجوز وهو مذهب المدونة، وقيل: إنه جائز قاله مالك، وابن كنانة، وابن نفاع وسحنون قائلاً: أبيعه وأحج بثمنه، قال خليل وشهره بعضهم والأكثرون على المنع.

قلت: وعزو ابن الفاكهاني هذا القول لابن كنانة فقط قصور وقيل: إنه مكروه قاله مالك أيضاً وقيل: بجوازه إن وقع في المغانم، وقيل: وكذلك في الميراث والدين ويكره في غيرهما والمراد بالميراث يعني لليتيم.

وأما للبالغين فلا كذا فسره ابن مزين وقيل: لا بأس بشرائه ولا يجوز بيعه كذا نقله ابن زرقون ونقل ابن رشد ويكره بيعه، وإذا فرعنا على مذهب المدونة بالمنع ووقع البيع فروى أشهب في مدونته أنه يفسخ إلا أن يطول.

وحكى ابن عبد الحكم أنه يفسخ وإن طال والقولان حكاهما ابن زرقون.

قلت: والصواب أنه يمضي بالعقد مراعاة لقول من قال ممن تقدم بجوازه وهو قول أبي حنيفة أيضًا، وأما بيع الصور التي على قدر البشر يجعل لها وجوه فقال مالك: لا خير فيها وليس التجر فيها من عمل الناس، وحمله ابن رشد على أنها ليست مصورة

ص: 153

بصور الإنسان وإنما فيها شبه الوجوه بالتزاويق فصارت كالرقم، ومثله قول أصبغ لا بأس بها ما لم تكن تماثيل مصورة تبقي ولو كانت فخارا أو عيدانا تتكسر وتبلى خف بيعها وصوب ابن رشد أن ما يبقي كما لا يبقي.

(وأما من قتله فعليه قيمته):

يعني: أن من قتل كلبا مأذونا في اتخاذه فعليه قيمته، وأما غير المأذون فلا وهو كذلك قاله في المدونة في الضحايا، ونقل الفاكهاني عن سحنون أن من قتل الكلب المأذون فيه فلا قيمة عليه كالشافعي.

قلت: لا أعرفه وليس هو أصله، ويقوم من كلام الشيخ أن من قتل أم ولد رجل فإنه يغرم قيمتها وأن من استهلك لحم أضحية فإنه يغرم قيمته، وكذلك من استهلك جلد ميتة أو زرعا قبل بدو صلاحه أو قتل مدبرا وهو كذلك في الجميع.

ونقل ابن يونس في كتاب الغصب في أم ولد إذا غصبت فماتت قيل: لا ضمان عليه كالحرة وقيل: كالأمة قال بعض من لقيناه ولا يتخرج القول الأول فيما سبق من لحم الأضحية وما بعده؛ لأنه لم يبق له في أم الولد إلا المتعة وغيرها إذا أتلفه إنما أتلف أمرا ماليا ولذا قال كالحرة.

(ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه):

الأصل في ذلك ما خرجه مسلم وأبو داود عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان من جنسه، وما ذكر الشيخ من أنه محمول على الجنس الواحد هو تفسير مالك بحديث وأخذ به وخصصه عبد الوهاب وابن القصار والأبهري وغيرهم من البغداديين بالحسي الذي لا يراد إلا للذبح وأجرى اللخمي قولاً بالجواز في الجنس إذا تبين الفضل من أجل أن مالكًا لم يطرد العلة، وقال بالمنع وإن ظهر الفضل مع كونه علل بالمزابنة.

وقال أبو حنيفو: لا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه، ومن غير جنسه، قال أبو عمر بن عبد البر: وعن أشهب نحوه والمعروف عنه كما قال مالك في المدونة: ذوات الأربع من الأنعام والوحش جنس والطير صغره وكبيره وحشيه وإنسيه جنس والحوت صغيره وكبيره جنس يجوز لحم كل جنس بحي ولا بأس بلحم الأنعام بالخيل وسائل الدواب ولو لأجل لأنها لا تؤكل لحومها.

وأما بالثعلب والضبع والهر، فقال ابن القاسم: هو عندي مكروه لكراهة مالك

ص: 154

أكلها دون تحريم ولا بأس بالجراد بالطيور وليس هو لحما، واختلف المذهب في الحي الذي لا تطول حياته كطير الماء أو لا منفعة فيه إلا كونه متخذا للحم كالخصي من المعز على قولين لمالك وأخذ ابن القاسم بالمنع وأشهب بالجواز ورجحه ابن عبد السلام بوجهين: أحدهما: أنه كالصحيح المراد للاقتناء؛ لأنه يصدق عليه أنه حيوان.

الثاني: لا يجوز بيعه باللحم إلا على قول من يجيزه بشرط التحري إذا فرعنا على ما اختار ابن القاسم فاختلف على قولين فيما إذا كانت تطول حياته أو كانت منفعته يسيرة، كالصوف في الخصي.

(ولا بيعتان في بيعة وذلك أن يشتري سلعة إما بخمسة نقدا أو عشرة إلى أجل قد لزمته بأحد الثمنين):

الأصل في ذلك ما في الموطأ وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصححه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة قال أبو عمر بن عبد البر، ورد هذا الحديث من طرق صحاح، وتلقاه أهل العلم بالقبول وظاهر كلام الشيخ أنه لو كان بخمسة إلى أجل أو بعشرة نقدا أنه جائز، وهو كذلك؛ لأن كل عاقل يختار لنفسه ما هو يسير عليه، وهو ههنا خمسة إلى أجل، واختلف المذهب إذا قال: خذ الثوب أو الشاة بدينار إن شئت فروي أشهب جواز ذلك، وروي ابن القاسم لا يجوز واختلف أيضًا إذا اشترى على اللزوم ثوباً يختاره من ثوبين فأكثر على الجواز ولو اختلفت القيمة وهو مذهب المدونة.

وقال ابن المواز: إنه لا يجوز ولو اختلفت قيمتها وصفتها ما لم تتباين تباينا يجوز معه سلم أحدهما في الآخر، وقال ابن حبيب: لا يجوز حتى تكون مساوية غير مختلفة القيمة ولا خلاف في المنع إذا اختلفت الأجناس كحرير وصوف وهو آكد من بيعتين في بيعة لأنه بيع شيئين مختلفين بثمن واحد على اللزوم وسمع عيسى بن القاسم ولو اشترى عشرة يختارها من غنم بعد اشترائه عشرة منها كذلك قبل اختيارها جاز، ولو اشتراها غيره قبل اختياره لم يجز لأنه غرر.

قال ابن رشد: الفرق بينهما أنه يعلم ما يختار فلم يدخل في العشرة الثانية على غرر وغيره لا يعلم ذلك، وقال ابن المواز: يجوز ذلك لغيره كهو ووجهه أن الثاني علم

ص: 155

أن الأول لا يختار إلا خيارها وخيارها لا يخفى على ذي معرفة.

(ولا يجوز بيع التمر بالرطب ولا الزبيب بالعنب لا متفاضلا ولا مثلاً بمثل ولا رطب بيابس من جنسه من سائر الثمار والفواكه وهو مما نهي عنه من المزابنة):

ما ذكر الشيخ من أن التمر بالرطب لا يجوز هو المنصوص وخرج اللخمي فيه قولاً بالجواز من أحد القولين في بيع اللحم الطري باليابس ورده ابن بشير بأنا نمنع أن اليبس في اللحم حال كمال وإنما الكمال فيه حال الرطوبة فلا يطلب التيبيس فيه كما يطلب في الرطب فإن تيبيس الثمرة هو كمالها.

قلت: ورده بعض شيوخنا بأنه فاسد والوضع لأنه في معرض النص إذا خرج مالك في الموطأ وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن شراء التمر بالرطب فقال لمن حوله: " أينقص الرطب إذا جف" قالوا: نعم فنهي عن ذلك، ومثله قول خليل قياس فاسد الوضع لمقابلة النص واختلف المذهب هل يجوز بيع الرطب بالرطب أم لا؟ والمشهور جوازه.

وقال ابن عبد الحكم: لا يجوز لنقصه إذا جف قال ابن عبد السلام: وهو أجري على الأصل لأنه لا يتحقق مقدار ما ينقص كل واحد منهما، وأما الزيتون بالزيتون مثلا بمثل فإنه جائز نص عليه اللخمي قائلاً: وإن كان زيت أحدهما أكثر من الآخر وزعم ابن الحاجب الاتفاق عليه قال ابن عبد السلام: ولولا الاتفاق عليه لكان الأنسب المنع لأن المطلوب زيته، وهو غير معلوم التساوي بخلاف اللحم باللحم.

قلت: وأجابه بعض من لقيناه بأن الاتفاق على جواز القمح بالقمح وإن علم أن ريع أحدهما أكثر من الآخر مع أن القمح المقصود منه الدقيق بخلاف الزيتون فإنه كثيراً ما يؤكل كذلك، واختلف في طري الزيتون بيابسه بتحري النقص والمشهور منع القمح المبلول بمثله وجواز المشوي بالمشوي والقديد بالقديد، وقد علمت ما فرق به بينهما.

(ولا يباع جزاف بمكيل من صنفه ولا جزاف بجزاف من صنفه إلا أن يتبين الفضل بينهما إن كان مما يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه):

إنما جاز إذا بان الفضل لانتفاء وصف المزابنة؛ لأنه يصير حينئذ بيع معلوم معلوم من جنسه، واختلف في بيع الرطب باليابس إذا كانا ربوبيين على ثلاثة أقوال:

أحدهما: أن ذلك ممنوع وهو دليل ما في سماع عيسى وأصبغ.

والثاني: أنه يجوز بشرط تحري المساواة وهو أيضًا في سماع عيسى.

ص: 156

الثالث: إن علم أحدهما أكثر جاز وإلا فلا وذهب فضل إلى رد القولين إلى الثالث.

(ولا بأس الشيء الغائب على الصفة):

ظاهر كلام الشيخ وإن كان حاضر البلد، وهو كذلك، وروى ابن المواز، وقال به أنه لا يجوز والقول الأول نص عليه في المدونة في غير ما موضع قال في آخر كتاب السلم الثالث منها، وإن بعت من رجل رطل حديد بعينه في بيتك برطلين من حديد في بيته قثم افترقتما قبل قبضه ووزنه جاز ذلك، وفي كتاب الرد بالعيب منها، وإن بعت من رجل سلعة حاضرة في بيتك أو في موضع قريب يجوز فيه النقد ووصفتها جاز ذلك ويريد الشيخ ما لم يبعد الغائب جدا نقله هو رحمه الله عن ابن حبيب، ونقله المازري غير معزو له كأنه المذهب ولم يحده بتعيين مسافة.

وقال ابن شاس كإفريقية من خراسان وظاهر كلام الشيخ أنه لو بيع الغائب دون وصف ولا تقدم رؤية أنه لا يجوز وإن كان على خياره عند رؤيته، وهو المعروف وهو نص المدونة وظاهر ما في السلم الثالث، منها جوازه، وأنكره ابن القصار والأبهري وعبد الوهاب لجهله حين العقد.

وقال بعضهم: إنها من بقايا أسئلة أسد لمحمد بن الحسن.

قلت: قال بعض شيوخنا: وهذا جهل لسماع سحنون أسئلتها من ابن القاسم حسبما هو مذكور في المدارك ونحوه قول خليل هو باطل؛ لأن نسبة الوهم بغير دليل إلى أسد وسحنون لا تجوز، وأما بيع الأعمى فقال المازري: إن كان بعد إبصاره أجناس المبيع وصفاته جاز وإن كان خلق أعمى فمنع الأبهري بيعه.

وأجازه القاضي عبد الوهاب، قلت: ويتعارض المفهومان فيمن عمي صغيرا بحيث لا يعلم أجناس المبيع وصفاته ونبه على هذا بعض شيوخنا، وألحقه ابن عبد السلام بالأصلي قال: وينبغي أن يكون هذا في الصفات التي لا تدرك إلا بحاسة البصر، وأما ما يدرك بغير ذلك من الحواس فلا مانع من أن يجوز بيعهما وشراؤهما لذلك قال: ولولا أنهم اتفقوا فيما قد علمته على صحة بيع الأعمى الذي تقدم منه إبصار وشرائه لكان النظر يقتضي أن لا يجوز ذلك.

(ولا ينقد فيه بشرط إلا أن يقرب مكانه أو يكون مما يؤمن تغيره من دار أو أرض أو شجره فيجوز النقد فيه):

ص: 157

ظاهر كلام الشيخ أن التطوح بالنقد جائز، وهو كذلك كنظائره من بيع الخيار، وعهده الثالث والمواضع وظاهر كلامه أيضًا أن القريب يجوز بالنقد فيه سواء كان حيوانا أو غيره، وهو أحد القولين فيهما.

أما الحيوان فحكى الخلاف فيه غير واحد، وأما القريب من غير الحيوان فزعم ابن الحاجب الاتفاق على الجواز وقبله ابن عبد السلام واعترضه بعض شيوخنا بأن في أول سماع يحيى بن القاسم من كتاب المرابحة لا يجوز لمن ابتاع طعامًا غائبًا بعينه أن يوليه أحداً ابن رشد يحتمل قوله هذا على القول أن النقد في الغائب، وإن قربت غيبته لا يجوز في المقدمات في جواز شرط النقد في العروض القريبة قولان ومثله لخليل قال لاختلاف قول مالك في قريب الغيبة ذكره ابن رشد، واختلف في حد القرب في الحيوان على خمسة أقوال: يوم ويومان ونصف يوم وبريد وبريدان، وظاهر كلام الشيخ أن الدور والأرضين يجوز اشتراط النقد فيهما، وإن بعدتا، وهو كذلك في المشهور.

ونقل ابن الحاجب منعه عن أشهب.

قال ابن عبد السلام، ولست أذكر الآن الموضع الذي حكي أشهب فيه مثل ما حكاه المؤلف، وأجاب بعض شيوخنا بأن ابن حارث نقله عنه قال: قال أشهب: إن كان بعيداً لم يجز النقد فيه كان المبيع داراً أو ما كان من شيء ولم يحفظه خليل إلا بنقل الباجي عنه، ولم يذكر كلام ابن عبد السلام.

(والعهدة في الرقيق جائزة إن اشترطت أو كانت جارية بالبلد):

ص: 158

يريد الشيخ أو يحمل السلطان الناس عليها، وما ذكره مع ما قلناه هي رواية المصريين، وروى المدنيون: يقضي بها في كل بلد وإن لم يعرفوها وعلى الإمام أن يحكم بها ولو على من جهلها وفي الموازية عن ابن القاسم: لا يحكم بها ولو اشترطوها ذكره ابن رشد.

قال اللخمي: ولو شرط أسقاطها حيث العادة ثبوتها فقيل: نسقط، وقيل: لا، ويتخرج قول بفساد العقد من فساد البيع بإفساد شرطه.

قلت: وأشار المازري لرده بأن ذلك في الشرط المتفق على فساده بخلاف المختلف فيه هنا والنفقة، والكسوة على البائع والغلة للمشتري على المشهور والشاذ للبائع وصوب، واختلف هل يلغى اليوم الذي وقع فيه البيع أم لا؟ على أربعة أقوال: فقيل: يلغي، رواه ابن القاسم، وقيل: لا يلغى بل يكمل من الرابع بقدر ما مضى منه رواه غيره، وقيل: إن عقد قرب طلوع الشمس حسب ذلك اليوم وإلا ألغي قاله ابن عبد البر.

وقيل: إن مر أكثر النهار ألغي وإلا حسب يومًا كاملاً حكاه عياض وتقدمت نظائره في القصر.

(فعهدة الثلاث الضمان فيها من البائع من كل شيء وعهدة الصفة من الجنون والجذام والبرص):

اعلم أن العهدة مخصوصة بالرقيق على المعلوم من المذهب وقول التادلي، وقيل: إنها في كل شيء لا أعرفه وكذلك أنكره بعض من لقيناه كما نقلته له.

(ولا بأس بالسلم في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام بصفة معلومة وأجل معلوم):

السلم جائز بإجماع من حيث الجملة، واستدل ابن عباس على جوازه بقوله تعالى:(يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمي فاكتبوه)[البقرة: 282]

الآية.

قال مالك: هذا لجميع الدين كله، واستشكل ابن عبد السلام رحمه الله تعالى الاستدلال بالآية من وجهين:

أحدهما: أن لفظ دين نكرة في سياق الثبوت فلا تعم ورده بعض شيوخنا بأنه في سياق الشرط فهي كالنفي فتعم ومثله لبعض من لقيناه قائلاً: نص على ذلك إمام

ص: 159

الحرمين في البرهان له.

الثاني: أن مقصود الآية إنما هو وجوب الكتب في أي دين ما وفي كل دين جائز لا أن كل دين جائز.

قلت: هذا بناء منه على الوجه الأول بنفي التعميم أما على ما اختاره غيره فالآية تدل على أن كل دين جائز إلا ما قام الدليل على تحريمه من غيرها، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"، وحده بعض شيوخنا بأنه عقد معاوضة بوجوب عمارته في ذمة بغير عين ولامنفعة غير متماثل العوضين وأحد شروط السلم معرفة الأوصاف التي تختلف فيها القيمة اختلافا لا يتغابن بمثله في السلم فلذلك لا يجوز السلم في تراب المعادن ولا يقال الصواب جوازه في تراب معادن الذهب كبيعه في أحد القولين لأن الصحيح في بيعه أنه خلاف في حال وذلك أن ابن حمدون منع بيعه واحتج بأنه تراب ذهب مختلط فإن صح فلا يخالفه غيره ولا يقال يتخرج منه الخلاف في جواز قسمته؛ لأن القسمة تمييز حق على الصحيح.

فإن قلت: هل يتخرج الجواز من قول ابن عبد السلام؟

قد قدمنا أن أهل المذهب اختلفوا هل يجوز قرضه أم لا قلت: لا يتخرج؛ لأن القرض معروف على أن قوله قد قدمنا أن أهل المذهب اختلفوا هل يجوز قرضه أم لا لم يذكره في البيع ولم يذكره فيما بعد في القرض فلا أدري أين ذكره ولا أعرفه من نقل غيره، وفي أخذه من كلام ابن يونس نظر في قوله قال يحيى بن عمر لا تجوز فسمته ولو جازت لجاز قرضه.

وقاله ابن عبد الحكم، ويحتمل أن يكون راجعا إلى ما قاله يحيى من عدم جواز قسمته لا إلى جواز قرضه والله أعلم.

ولا يجوز السلم في الربع على المنصوص وخرج بعض الشيوخ الجواز من قول أشهب يجوز السلم في فدادين القصيل، والبقول بصفة الطول والعرض والجودة والرداءة، وعبر المازري عن المنصوص بالمشهور مسامحة ورد التخريج بما حاصله أن إجازة أشهب السلم في القصيل على فدادين معلومة لا يلزم منه تعيين الموضع المشخص إذ لا أثر له في المبيع، وإنما أثره في علم قدر المشترى من القصيل بمجموع مسافته وصفاته وخفته.

ص: 160

قال الفاكهاني: ولو اكتفى الشيخ أبو محمد بقوله الحيوان لأجزأه عن ذكر الرقيق.

(ويعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة، وإن كان بشرط):

المطلوب تقديم رأس المال خوف الكالئ بالكالئ فإن لم يقدم فجوز في المدونة تأخير ثلاثة أيام بشرط نص على ذلك في بيع الخيار منها وعليه واعتمد الشيخ، وقال عبد الوهاب إنما يجوز يومان لا أكثر وحكي ابن سحنون وغيره من البغداديين قولاً بأنه إذا وقع التأخير بشرط فإنه لا يجوز مطلقاً، وهو اختيار ابن الكاتب، وعبد الحق، وصاحب الكافي؛ لأنه ظاهر النهي عن الكالئ بالكالئ ولم يحك الباجي قول المدونة فاستدركه عليه ابن زرقون.

قال ابن يونس: قال بعض أصحابنا على القول بإجازة السلم إلى ثلاثة أيام لا يجوز تأخير رأس المال له اليومين ومثله لابن الكاتب.

وذكره الباجي غير معزو وكأنه المذهب وظاهر كلام الشيخ أنه إن تأخر أكثر من ثلاثة أيام لا يجوز سواء كان بشرط أو بغير شرط، وهو كذلك.

وقيل: إن كان بغير شرط جاز التأخير ولو إلى حلول الأجل والقولان معًا لابن القاسم، وأما إن حصلت صورة القبض حسا، ولو لم تحصل معني ففي مختصر ابن شعبان إذا وجد في رأس المال درهما ناقصًا انتقض من السلم بقدره.

قال ابن عبد السلام: وقد علمت أن هذا الباب أخف من الصرف باعتبار المناجزة فكل ما جاز في الصرف من هذا النوع كان متفقا عليه أي: ومختلفا فيه فيجوز في هذا الباب أحرى.

وأما إن اطلع على أن بعض رأس المال نحاساً أو رصاصًا أو زائفًا فالمنصوص أنه يجوز للمسلم إليه البدل.

وقال أشهب: لم يكونا عملا على ذلك وليس بخلاف ويجوز تأخير البدل الثلاثة الأيام لا أكثر، وقال أشهب: يجوز أكثر بشرط أن يبقى من اجل السلم اليوم واليومان ولو اطلع على زائف فأخره به بشرط أمد بعيد فإن عثر على ذلك بعد يومين أمر بالدبل وفسخ تراضيهما وإن لم يعثر على ذلك إلا بعد أيام كثيرة، فقال أبو بكر بن عبد الرحمن يفسد السلم كله. وقيل لا يفسد إلا ما قابلة قاله أبو عمران.

(وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يومًا أو على أن يقبض ببلد آخر، وإن كانت مسافته اليومين أو ثلاثة):

ص: 161

اعلم أنه اختلف المذهب في أجل السلم على ستة أقوال:

أحدهما: مقدار ما تتغير فيه الأسواق دون تحديد قاله مالك، وقيل: حده خمسة عشرة يومًا قاله ابن القاسم، وهو الذي عول عليه الشيخ في قوله أحب ولفظة أحب على الوجوب، وهذان القولان في المدونة قال فيها ولا يجوز للرجل أن يبيع ما ليس عنده إلا أن يكون على وجه السلف مضمونا عليه إلى أجل معلوم تتغير فيه الأسواق ولم يحد مالك فيه حدا، وإن الخمسة عشر يومًا في البلد الواحد.

قلت: وكان بعض أشياخي من القرويين يرد قول مالك إلى قول ابن القاسم ويري أنه قصد به التفسير وهو ظاهر كلام ابن الحاجب لكونه لم يذكر قول مالك.

والصواب عندي حمله على الخلاف وهو اختيار ابن عبد السلام، وقيل: يجوز إلى يوم قاله ابن عبد الحكم، ورواه، وقيل: إلى اليومين قاله ابن وهب، وقيل: يجوز إلى خمسة أيام على ظاهر سماع عيسي بن القاسم في العتبية.

وقيل: يجوز إلى شهر لا أقل نقله المازري عن بعض الشافعية عن مالك، واستبعده وجمهور المذهب لم يحك خلافًا في منع السلم الحال ونقل ابن رشد عن سماع يحيى أن ذلك جائز، وذكره عياض في كتاب المرابحة عن مالك وعزاه المتيطي لرواية أبي تمام، ولم يحكه التونسي إلا بالتخريج من رواية ابن عبد الحكم بجوازه إلى يومين وعبد الوهاب من روايته إلى يوم وضعف بأن فيهما مطلق الأجل وأخذه غير واحد من قول المدونة في المرابحة يجوز البيع مرابحة والثمن عوض وأخذه بعضهم من الشفعة والثمن، وكذلك قال بعض شيوخنا والأخذ الأول أظهر بأن بيع المرابحة بيع اتفاقًا، والأخذ بالشفعة يشبه الاستحقاق وفي شراء الغائب من المدونة من له عرض دين فباعه من رجل بدنانير أو دراهم فوجد فيها نحاسًا أو رصاصًا فله بدله والرضا به والبيع في ذلك تام فظاهره.

وإن أحل وهو نفس السلم الحال قال: وأصرح منه قول هباتها وكل دين لك من عرض أو عين فلك بيعه من غير غريمك قبل محله وبعده بثمن معجل وظاهر كلام الشيخ إذا اشترط قبضه ببلدة أخري إنه لا يشترط تسمية الأجل ولا الخروج عاجلا، وهو كذلك نص عليه في الموازية.

وقال ابن أبي زمنين: يشترط أحدهما، واختاره ابن يونس ومراد الشيخ بالبلد إذا كانت بعيدة بحيث يكون تغيير الأسواق فيها لبعدها غالبا.

ص: 162

(ومن أسلم إلى ثلاثة أيام يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه غير واحد من العلماء وكرهه آخرون):

يعني: أنها إذا وقع السلم إلى ثلاثة أيام فاختلف فيه هل يمضي أم لا إلا أن في كلامه مسامحة وهو قوله أجازه، وكرهه، وأراد إمضاءه غير واحد وفسخه آخرون وعزا ابن يونس عدم الفسخ لأصبغ قائلاً: لأنه ليس بحرام ولا مكروه بين، وعزا الفسخ لمحمد قائلاً: أحب إلينا وعزاه غير واحد لأصبغ أيضًا، وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد إلا أن ابن يونس صور المسألة فيما إذا وقع السلم إلى يومين وكلام الشيخ يقضي أن اليومين لا خلاف أنه يفسخ فيهما إلا أن يقال ما قارب الشيء له حكمه.

وقال الفاكهاني رحمه الله تعالى: روايته في هذا الموضع يقبضه بالمضارع وفي بعض النسخ فقبضه ماض، ويختلف المعنى لاختلاف الروايتين فعلى المضارع يكون المعني أنهما دخلا على ذلك وعلى الماضي يكون الأمر مبهما.

(ولا يجوز أن يكون رأس المال من جنس ما أسلم فيه):

اعلم أنه إذا أسلم الشيء في جنسه لا يخلو من ثلاثة أوجه:

الأول: إذا أسلمه في أزيد منه فهو سلف جر منفعة وهو لا يجوز.

قال ابن عبد السلام: وهذا بين على مذهبنا في اعتبار سد الذرائع، وأما من لم يعتبرها من أهل العلم فيجيزون التفاضل في العروض والحيوان نقدا أو إلى أجل، وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهز له جيشا فأمرني أن آخذ بشاتين وأمرني أن آخذ بعيرا ببعيرين.

الثاني: سلم الشيء في أقل منه فلا يجوز أيضًا؛ لأنه ضمان بجعل كبعيرين في بعير إلى أجل أو ثوبين في ثوب من جنسهما إلى أجل؛ لأن أحد الثوبين المعجلين عوض عن المؤجل. وهو الثوب الثاني عن ضمان المؤجل، وذلك عوض عن المعروف وذلك لا يجوز بناء على اعتبار سد الذرائع.

الثالث: إذا أسلم الشيء في مثله صفة ومقداراً ففي ذلك قولان منعه في كتاب ابن المواز مطلقاً: وفي المدونة إن ابتغيت به نفع نفسك منه، وإن ابتغيب به نفع الذي أسلمت إليه جاز ولو أسلم رديئا في جيد أو العكس فإنه لا يجوز قاله في المدونة؛ لأنه ضمان يجعل وسلف وجر منفعة وفي المدونة يجوز سلم فرسين سابقين في فرسين ليسا مثلهما.

ص: 163

(ولا يسلم شيء في جنسه أو فيما يقرب منه إلا أن يقرضه شيئاً في مثله صفة ومقدارًا والنفع للمتسلف):

قال الفاكهاني رحمه الله: انظر لأي شيء كرر سلم الشيء في جنسه والذي يظهر أنه ليس بين الكلامين تفاوت لأن رأس المال إذا كان حديدا مثلاً وأسلمه في حديد أيضًا صدق عليه أن يقال: إن رأس المال من جنس ما أسلم فيه، وأنه أيضًا أسلم الشيء في جنسه.

واعلم أن مثل الأول كالحيوان المأكول اللحم إن لم يكن فيه عمل مقصود، ولا منفعة مقصودة فصغيره وكبيره سواء لا يجوز أن يسلم حجل في يمام وكالبقر لا يجوز أن يسلم بقرة في بقرتين إلا أن يسلم البقرة القوية على العمل الفارهة في الحرث وشبهها في حواشي البقر قاله في المدونة.

قال الباجي: تسلم البقرة القوية على الحرث في ذكور البقر اتفاقًا، وهو ظاهر قول ابن القاسم في الإناث، وحكي ابن حبيب أن المقصود كثرة اللبن فعلي ما ذكره يجوز سلم البقرة الكثيرة اللبن، وإن كانت قوية على الحرث في الثور القوي عليه.

وفي المدونة: لا يسلم الضان في المعز ولا العكس إلا غنما غزيرة اللبن موصوفه بالكرم فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم.

وقيل: إن كثرة اللبن في الغنم لغو قاله ابن حبيب، وغيره، ومثال الثاني كسلم البغال في الحمير وثوب القطن في الكتان المتقاربين، وفي ذلك قولان.

واختلف المذهب في سلم السيف الجيد في الردئ ففي المدونة الجواز وقال سحنون بالمنع، وهذا الفصل متسع جداً ومحله المدونة قال التادلي: ويقوم من كلام الشيخ افتقار القرض لأن يكون بلفظه وفيه قولان، ويؤخذ منه جواز اشتراط ما يوجبه الحكم من قوله في مثله صفة ومقداراً لأن الصفة والمقدار مما يوجبه الحكم وإن لم يقع العقد عليهما في القرض، واختلف في فساد العقد به إن وقع واشترط على ثلاثة أقوال ثالثها: يمنع في الطعام فإن وقع فسخ.

(ولا يجوز دين بدين):

اعلم أن حقيقة بيع الدين بالدين أن تتقدم عمارة الذمتين أو إحداهما على المعاوضة كمن له دين على رجل، وللثاني دين على ثالث وللثالث دين على رابع فباع كل واحد من صاحبي الدين ما يملكه من الدين بالدين الذي على الآخر، وكذلك لو

ص: 164

كان لرجل على رجل دين فباعه من ثالث بدين.

(وتأخير رأس المال بشرط إلى محل السلم أو ما بعد من العقدة من ذلك):

اعلم أن هذا يسمي عند أهل المذهب ابتداء الدين بالدين وهو إذا لم تعمر الذمة إلا عند المعاوضة والبعد الذي أراد الشيخ إذا كان أكثر من ثلاثة أيام على حسب ما تقدم قبل هذا.

(ولا يجوز فسخ دين في دين وهو أن يكون لك شيء في ذمته فتفسخه في شيء آخر لا تتعجله):

اعلم أن فسخ الدين في الدين هو أن يكون الدينان من جنس واحد والذي يفسخ فيه أكثره ويكونان من جنسين مختلفين وذلك إذا باع دينه من الذي هو عليه.

وكلام الشيخ فيه تقديم التصديق على التصور وقد علمت ما فيه وظاهر كلامه سواء كان الذي فسخه فيه مضمونا أو منافع فأما المضمون فلا خلاف فيه وكذلك المنافع غير المعينة وأما المنافع المعينة كمن له دين على رجل ففسخه في ركوب دابة معينة فاختلف في ذلك، والمشهور قول ابن القاسم أنه لا يجوز وأجازه أشهب، وقيل: إنه جائز إذا كان العمل يقتضي قبل الأجل أو إلى الأجل، وأما إن كان يتأخر بعد الأجل لم يجز وهذا معنى ما قاله مالك في كتاب محمد، وكذلك اختلف ابن القاسم وأشهب في بيعه بدار غائبة أو بجارية تتواضع أو بثمرة يتأخر جدادها.

قال في المدونة: ومن لك عليه ألف درهم حالة فاشتريت منه بها سلعة حاضرة بعينها فلا تفارقه حتى تقبضها فإن دخلت بيتك قبل أن تقبضها فالبيع جائز، وتقبضها إذا خرجت، وقال في البيوع الفاسدة وكل دين لك على رجل من دين بيع أو قرض

ص: 165

فلا تفسخه عليه إلا فيما تتعجله فإن أخذت به منه قبل الأجل أو بعده سلعة معينة فلا تفارقه حتى تقبضها وإن أخرتها لم يجز.

قال عياض: قال سحنون: مسألة هذا الكتاب خير من الأخرى وقاله يحيى بن عمر، وذهب إلى أنه اختلاف من قوله، وذهب فضل وابن أبي زمنين والاندلسيون إلى الفرق بينهما، وأن الأولى حاضرة المجلس كما نص عليه في الكتاب فصارت في ضمان المشتري لحضورها والأخرى لم يحضر ولم يدخل في الضمان وبقيت في ضمان البائع فصارت ذمة بذمة وتأول القرويون المسألة على غير هذا وخطئوا هذا التأويل قالوا: لأن ما يسقط الضمان هنا لا يتنزل منزلة القبض كما أنه لا يجوز له أن يأخذه في دينه عقارا غائبا، وإن دخل في ضمانه بالعقد.

قالوا: إنما الفرق بينهما قرب أمد هذه المسألة إنما هو دخول البيت ودخول البيت، والخروج منه قريب، ومسألة البيوع الفاسدة بعد أمد التفريق بينهما.

(ولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن يكون عليك حالا):

قد قدمنا أن السلم الحال لا يجوز على المشهور المنصوص وهذا ما لم يكن الغالب وجوده عند المسلم إليه فإن كان الغالب وجوده فإنه يجوز أن يسلم إليه على الحلول إجراء له مجرى النقد كالقصاب والخباز الدائم، وأخذ اللخمي منه جواز السلم على الحلول وأجيب بأنه إنما أجيز هنا لتيسره عليهم بخلاف غيرهم.

(وإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقدا أو إلى أجل دون الأجل الأول ولا بأكثر منه إلى أبعد من أجله، وأما إلى الأجل نفسه فذلك كله جائز وتكون مقاصة):

قال ابن الحاجب: بيوع الآجال لقب لما يفسد بعض صوره منها لتطرق التهمة فإنهما قصدا إلى ظاهر جائز ليتوصلا به إلى بطن ممنوع حسما للذريعة، واعترضه ابن عبد السلام بأنه غير مانع لقوله هذا الكلام وإن كان شاملا لبياعات الآجال إلا أنه يدخل تحته كثير من البياعات الممنوعة عند أهل المذهب وإن لم تكن من بياعات الآجال كصرفك فضة رديئة من رجل بذهب ثم تشتري منه بذهب فضة طيبة هي دون الأولى في الوزن وذلك في مجلس واحد، وفي مجلسين متقاربين، ومثل هذا في الأطعمة كثير وكاقتضاء الطعام من الطعام المخالف له في القدر الجنس وغير ذلك مما لا يحصى كثرة في المذهب.

ص: 166

وأجاب الشيخ خليل بأن في صدر الكلام ما يخرج ما ذكره لان قوله لقب لما يفسد معناه لقب لصور مخصوصة من بيوع الآجال يفسد بعضها للتهمة، وتلك الصور المخصوصة مذكورة في الباب، وليست الصورتان وشبههما منها وذكر أهل المذهب طرقا في الدليل على اعتبار سد الذرائع وأحسنها أن الأمة اجتمعت على المنع من بيع وسلف، وذلك أن البيع على انفراد جائز إجماعا، وكذلك السلف على انفراده إجماعا، والإجماع على المنع من اجتماعها في عقد واحد فإذا ثبت ذلك فالمنع ليس لأجل هذا العقد، وإنما هو للهيئة الاجتماعية، وليس ذلك المنع لذاتها لأن الأحكام الشرعية إنما تتبع غالبا فيتعين أن يكون الحكم بالمنع تابعًا للصفة في هذا العقد، ولا معنى بعد البحث إلا ما يتقى في هذا العقد أن يكون أسقط شيئًا من الثمن أو زيد فيه لأجل انضمامه وهذا هو القول بسد الذرائع من حيث الجملة، فلم يبق بعد ذلك نظر إلا في تحقيق الذريعة فحيث تحققت منع منها.

ولابن عبد السلام اعتراضات على هذا الدليل لم أذكر كلامه لطوله، وقد أكثر أهل المذهب الكلام في هذا المذهب وهو من أصعب كتب المالكية ولا سيما من ابن الحاجب، لقت أخبرني بعض من لقيناه عن شيخه القاضي الحافظ أبي العباس أحمد بن حيدرة رحمه الله أنه كان يأمر طلبته أن لا ينظروا على كلام ابن الحاجب في هذا الباب شيئا لابن عبد السلام ولا غيره فلما أخذ مرة يقرر كلامه في بياعات أهل العينة، قال كلامه مجحف هنا فيما قال ابن عبد السلام عليه فقالوا: إنما لم ننظره امتثالا لأمرك فأمر القارئ بالوقف وأمرهم أن ينظروا كلام الشيخ وأقرأهم المسألة من الغد.

(ولا بأس بشراء الجزاف فيما يوزن أو يكال سوي الدنانير والدراهم ما كان مسكوكا وأما نقار الذهب والفضة فذلك فيهما جائز):

ظاهر كلام الشيخ، وإن قل الطعام وحضر المكيال أن الجزاف جائز وهو كذلك نص عليه ابن حارث ويشترط في الجزاف أن يكون المتبايعان عالمين بالحواز وجاهلين بقدر المبيع من كيله أو وزنه أو عدده.

قال المازري: ولا يصح ما في كتاب ابن حبيب من جواز الجزاف في الأترج والبطيخ وإن اختلفت آحاده بالصغر والكبر، لأنه تقصد آحاده فيمتنع لذلك إلا أن يكون الثمن عند المتعاقدين لا يختلف باختلاف صغره وكبره فإن علم البائع بقدر المبيع أو علم المشتري به عند الشراء فلا يجوز ذلك وإن رضي به.

ص: 167

ونقل ابن زرقون عن سحنون جوازه، ولو لم يظهر ذلك للمشتري إلا بعد البيع فإنه بالخيار بين إمضائه وفسخه، وذهب الأبهري إلى تحتم الفسخ، قال المازري: وهو ممن انفرد به وناقض ابن القصار قولهم: إنه بالخيار إذا اطلع عليه مع قولهم ذكره في العقد مانع من الخيار بل يتحتم الفسخ وأجابه عبد الوهاب بأن العيب قد يكون ذكره في العقد يوجب فسادا؛ لأنه يوجب غرراً بخلاف إذا اطلع عليه بعد البيع فإنه كالعيب كما قال سحنون فيمن باع أمة وشرط أنها مغنية: إن البيع فاسد ولو اطلع على ذلك بعد لم يفسد وكان له الخيار وتتم خليل قول سحنون بما إذا كان القصد من ذلك زيادة الثمن ولو كان القصد التبري فإنه جائز.

وظاهر كلام الشيخ أن الدنانير والدراهم لا يجوز بيعها جزافا سواء كان التعامل بها وزنا أو عددا، وهو أحد الأقوال الثلاثة، وقيل: إنه يجوز بالإطلاق، قاله ابن عبد السلام، وقيل: إن كانت التعامل بها وزنا جاز وعددا لا يجوز وهو المشهور وظاهر كلامه أن الفلوس يجوز بيعها جزافا، وليس كذلك بل حكمها حكم النقدين قاله ابن بشيرة وغيره.

(ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا، ولا ما يمكن عدده بلا مشقة جزافا):

يؤخذ من كلام الشيخ أنه يمتنع الجزاف في كبير الحيتان؛ لأنه مما يمكن عدده بلا كبير مشقة، وهو كذلك نص عليه في كتاب ابن المواز، ويدخل فيه الخشب المجموع بعضها على بعض؛ لأنه مما يخف عدده.

(ومن باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع، وكذلك غيرها من الثمار):

ما ذكر الشيخ من أن النخل إذا أبرت هي للبائع هو المذهب ما لم يكن لفظ يدل على دخول الثمرة فتكون للمشتري كالنص.

قال ابن عات عن ابن عتاب: أفتى ابن الفخار فيمن باع ملكًا في قرية، وفي الملك شجرة زيتون طاب ثمرها، ولم يشترطه المبتاع إلا أن في الوثيقة اشترى فلان من فلان جميع ما حوت أملاكه من الأرض والشجر ولم يذكر الثمرة فطلب المبتاع أخذها أنها له واحتج بأن الشجر نفسه لو لم يذكر في الابتياع لدخل فيه وتبع الأرض فإذا دخلت الأصول في الشراء فأحرى الثمرة. وقال ابن عات: ولم يذكر ذلك رواية ولم يسأل عنه إذا كان لا يجتر أعلى سؤاله، وكان حافظا ذاكرا للرواية، ولم أزل أطلب ذلك.

رواية فلما امتحنت بالفتوى، ونزلت هذه المسألة في دار بيعت وفيها نخلة

ص: 168

مزهية فأفتيت بما كنت سمعته منه وخولفت في ذلك ولم أزل أطلبها إلى أن ظفرت بها في كتاب الشروط لابن عبد الحكم قال: ومن الناس من يقول من اشترى داراً بما فيها وفيها نخلة فالثمرة للمشتري ولو طابت. وأما نحن فنجعل ذلك للبائع إلا أن يشترطه المبتاع تبعًا للسنة.

قال ابن عادت: والذي أقول به ما شهدت به الفتوي ونفذ به الحكم.

قلت: واعترض بعض شيوخنا كلامه بأن ظاهر قوله وظفرت بها بأنه ظفر بما يوافقه، وحاصل ما ذكر أنه ظفر بما يخالفه.

وقال المتيطي: والمشهور من المذهب والمعمول به أن الثمار المأبورة لا تندرج في الشجر.

وقال ابن الفجار: هي للمبتاع، واحتج بأن الشجرة لو لم تذكر في الابتياع لدخلت فيه، وكانت تبعاً للأرض.

وقال ابن عات: وبه كنت أفتي. قلت: ووهمه بعض شيوخنا من وجهين:

أحدهما: أن تصور مثل هذا فاسد؛ لأنه قياس في معرض النص والإجماع على بطلانه، وروى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ومن اتباع نخلا بعد أن أبرت فثمرها للذي باعها إلا أن يشترطه المبتاع"، وهو في الموطأ والترمذي وغيرهما.

الثاني: فهمه قولي الشيخين على ذلك، وليس كذلك في مسألتي الأرض والدار لخاصية فيهما، وهي اشتمالهما على لفظ دل على اشتراط المبتاع الثمرة لأن مسألة ابن الفخار هي من باع جميع ما حوته أملاكه، ولفظ جميع ما احتوته أملاكه كالنص في دخول الثمرة وكذلك مسألة ابن عات لقوله ونزلت هذه المسألة وأجابه بعض من لقيناه بأن احتجاج ابن الفخار يدل على إلقاء وصف معني جميع ما احتوته أملاكه إذا لم يعمل به.

(والإبار التذكير):

وهو عبارة عن ثبوت ما يثبت وسقوط ما يسقط. وقيل: هو جعل الذكار في النخل.

(وإبار الزرع خروجه من الأرض):

ما ذكر الشيخ صرح المتيطي بأنه المشهور وهو أحد الأقوال الخمسة، وقيل:

ص: 169

إباره بذره في الأرض نقله ابن عبد البر عن مالك، وقيل: أن يستقل ويبرز. حكاه ابن رشد، وقيل: إذا أخذه الحب ووقع في الأسدية وهو أحد قولي ابن عبد الحكم، وقيل: هو إذا سنبل حكاه التادلي.

(من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع):

ما ذكره الشيخ صحيح لا أعلم فيه خلافًا، وأخرج أهل المذهب ثياب مهنة العبد في كونها للمشتري لأجل العرف، واختلف إذا اشترط البائع ثياب المهنة لنفسه هل يوفي بالشرط، وهي رواية ابن القاسم أو يبطل الشرط، وهي رواية أشهب، وقال ابن مغيث في وثائقه، وبه مضت الفتوى عند الشيوخ المتيطي وغيره، وهذه إحدى المسائل الست التى قال مالك فيها بصحة البيع، وبطلان الشرط.

وثانيها: من اشترى أرضًا بزرعها الأخضر على أن الزكاة على البائع.

وثالثها: البيع على أن لا مواضعة على البائع.

ورابعها: البيع على أن لا عهدة عليه.

وخامسها: البيع على أن المبتاع إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا فلا بيع بينهما.

وسادسها: اشترط عدم القيام بالجائحة.

قال ابن عبد السلام خلافًا لما في السليمانية من أن البيع جائز، والشرط جائز واعترضه خليل بنقل اللخمي عنها أن البيع فاسد وزاد سابعة وهي إذا اشترط على المشتري ما لا غرض فيه ولا مالية فإنه يلغى.

اعلم أن مال العبد بالنسبة إلى بيعه به كالعدم على المعروف فيجوز أن يشتري بالعين وإن كان ماله عينا، واختار اللخمي اعتباره وكأنه هو الأقرب لقصد الناس إليه، وعلى الأول فقال عبد الحق لو كان في ماله جارية حامل منه واستثناها مبتاعها فإنها تتبعه ويبقي ولدها لبائعها ويصلح بيعه كما لو كان ماله عبداً آبقًا أو بعيرا شاردًا واختلف المذهب إذا اشترى العبد أو لا ثم أراد أن يشتري ماله فقل: يجوز كما يجوز به شراؤه معه قاله ابن القاسم.

وقيل: لا رواه أشهب وقيل بالأول إن قرب، وبالثاني: وإن بعد قاله ابن القاسم أيضاً حكي هذه الأقوال الثلاثة ابن رشد قائلاً: رجعت عن جعل الثالث مفسرا للأولين وأن الخلاف في القرب لا في البعد إلى كون الأقوال ثلاثة وفي كتاب العيوب سمع ابن القاسم لا والله لا يجوز لمشتري حائط أبرت ثمره اشتراء ثمرته بعده كاستثنائها مع أصلحا قبل بدو صلاحها.

ص: 170

وحصل ابن رشد فيها ثلاثة أقوال كما تقدم.

(ولا بأس ما في العدل على البرنامج بصفة معلومة):

البرنامج بفتح الباء وكسر الميم وما ذكر الشيخ من أنه جائز هو نص الموطأ والمدونة وغيرهما، وروي ابن شعبان: انه لا يجوز ونقل العتبي عن أصبغ.

قلت لابن القاسم من ابتاع قلل خل مطينة لا يدري ما فيها ولا ملأها قال: إن كان مضى عليه عمل الناس أجزأته كأنه لا يرى به بأسا.

وقال أصبغ: لا بأس به؛ لأن فتحه فساد أصلاً وذوق واحد منه وبيعه عليه صواب.

وقال ابن رشد: جوازه على الصفة من خل طيب أو وسط كجواز بيع البرنامج والثواب الرفيع الذي يفسده النشر على الصفة.

وقوله: مطينة لا يدري ملأها ملأها أي لا يدري هي هل ملأى أو ناقصة فلذلك لا يجوز لأنه بيع جزاف غير مرئي.

(ولا يجوز شراء ثوب ولا ينشر ولا يوصف أو في ليل مظلم لا يتأملانه ولا يعرفان ما فيه):

قال ابن المواز: اختلف قول مالك هل يجوز بيع الساج المدرج في جرابه على الصفة أم لا؟ على قولين:

قلت: وحكى التادلي قولاً ثالثًا بالفرق بين أن يخرج طرفه فيجوز وإلا فلا، وما ذكره لا أعرفه، ولا يشبه قول ابن عبد البر بيع الثوب في طيسه دون أن ينظر إليه لا يجوز عند الجميع؛ لأنه من معنى بيع الملامسة فإن عرف ذرعه طولا وعرضا ونظر إلى الشىء منه، واشتري على ذلك جاز فإذا خالف كان له القيام كالعيب؛ لأنها مسألة أخرى ولذلك لم يحك فيه خلافاً، وعرضت هذه على بعض من لقيناه فأقره واستحسنه.

وقال اللخمي: إن كان لا مضرة في إخراجه من جرابه جري على الخلاف في بيع الحاضر على الصفة وإن كان فيه مضرة جرى على الخلاف في بيع البرنامج قال المتيوى وقول الشيخ في ليل مظلم يدل على الجواز في ليل مقمر وأباه أبو محمد صالح وتمسك بقول المدونة ولا يجوز شراء في ليل ولم يقيده.

(وكذلك الدابة في ليل مظلم):

قال التادلي: الحيوان المأكول اللحم يجوز شراؤه ليلا؛ يدرك سمنه باللمس قال: ويقوم من هنا أنه لا يجوز شراء الأعمي.

ص: 171

قلت: وقد قدمنا الخلاف فى ذلك على نقل المازرى، وما يتعلق به فانظره.

(ولا يسوم احد على سوم أخيه، وذلك إذا ركنا وتقاربا لا في أول التساوم):

الأصل في هذا ما خرجه مالك ومسلم وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبع بعضكم على بيع بعض".

قال ابن حبيب: إنما النهي للمشتري لا للبائع، وقال الباجي: يحتمل حمله على ظاهره فيمنع البائع أيضا أن يبيع على بيع أخيه، وإنما خصصه ابن حبيب بالمشتري؛ لأن الإرخاص مستحب مشروع وما ذكره الشيخ من أن معناه إذا ركنا وتقاربا هو معنى قول مالك في الموطأ، وإنما النهي إذا ركن البائع للسائم وجعل يشترط وزن الذهب والتبري من العيوب وشبه ذلك ما يعرف به أن البائع إنما أراد المبايعة للسائم.

وقول الشيخ على بيع أخيه طردي لنقل الباجي عن رواية ابن المواز الذمي كالمسلم واختلف إذا وقع هل يفسخ أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: يفسخ مطلقا وقيل: عكسه رواه ابن حبيب وحكاه ابن يونس عن ابن القاسم، وقيل: يفسخ ما لم يفت قاله ابن عبد البر، وسمع سحنون بن القاسم عن أبي القاسم يؤدي فاعل ذلك فأطلقه ابن رشد، وابن يونس، وقال الباجي لعله يريد من يتكرر منه ذلك بعد الزجر.

قلت: وهذا كالنص في أن النهي محمول على التحريم، وقول التادلي قيل: محمول على الكراهية وقيل: على التحريم لا أعرفه وقول ابن وهب يزجر ولا يؤدب وإن كان عالما بمكروهيته ولا يثبته؛ لأنه أراد تحريمه بقوله يزجر، وكذلك قول مالك لا يفسخ لقوله وليستغفر الله.

(والبيع ينعقد بالكلام وإن لم يفترق المتبايعان):

ما ذكر الشيخ هو المشهور قال ابن شاس، وابن الحاجب، وبه قال الفقهاء السبعة واعترضه خليل بأن سعيد بن المسيب هو من الفقهاء السبعة بلا خلاف وهو قائل بخيار المجلس كقول ابن حبيب لا ينعقد البيع إلا بعد الافتراق من المجلس ذكره المازري، وصاحب الإكمال وتلكم الناس في قول مالك بسبب مخالفته للحديث مع كونه رواه حتى قال ابن أبي ذئب فيه على طريق المبالغة إن لم يرجع عن قوله يضرب عنقه، وقد أطال المازري في الاعتذار عن مالك فمن شاء فلينظره ولا خصوصية لقول الشيخ ينعقد بالكلام بل وكذلك بالمعاطاة والإشارة قاله التادلي.

ص: 172

(والإجازة جائزة إذا ضربا لذلك أجلا وسميا الثمن):

قال بعض شيوخنا: الإجازة بيع منفعة ما يمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض كتبعضها فيخرج كراء الدور والسفن والرواحل والقراض والمساقاة والمغارسة والجعل، وقول عبد الوهاب هي معاوضة على منافع الأعيان لا يخفي بطلان طرده، ونحوه قول عياض بيع منافع معلومة بعوض معلوم.

قال محمد بن المواز: هي جائزة إجماعا قال ابن يونس: وخلاف الأصم فيها كالعدم؛ لأنه مبتدع، واستدل غير واحد على جوازها بقوله تعالى:(فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن)[الطلاق: 6]

، وقال تعالي (على أن تأجرني ثمني حجج) [القصص: 27]

وقال تعالي: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)[الزخرف: 32]

، وقال صلى الله عليه وسلم:" من استأجر أجيرا فليعلمه أجره ".

وقال: "أوفوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"، وهي من العقود اللازمة باتفاق وظاهر كلام الشيخ إذا لم يسميا الثمن لم يجز وهو كذلك إلا أن يكون العرف لا يختلف فيجوز وفي سماع ابن القاسم لا بأس باستعمال الخياط المخاط الذي لا يكاد يخالف مستعمله دون تسمية أجر إذا فرغ أرضاه بشيء.

قال ابن رشد: لأن الناس استأجروه كما يعطي الحجام والحمامي، والمنع منه حرج في الدين وغلو فيه وكره النخعي أن يستعمل الصانع إلا بشيء معلوم، وقاله ابن حبيب.

(ولا يضرب في الجعل أجل في رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه ولا شيء له إلا بتمام العمل):

قال ابن رشد: الجعل جعل الرجل جعلا لرجل على عمله أن لم يكمله لم يكن له شيء، وانتقده بعض شيوخنا بالقراض وحده بأن قال معاوضة على عمل آدمي يجب عوضه بتمامه لا بعضه ببعض فتخرج الإجازة والمساقاة لاستحقاق بعضها ببعض فيهما والقراض لعدم وجوب عوضه لجواز تجره ولا ربح.

ص: 173

واستدل غير واحد لجواز الجعل بما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: انطلق نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا بكل شيء فلم ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتينا هذا الرهط الذين أضافونا لعل أن يكون عندهم بعض شيء فأتوهم فقالوا: أيها الرهط: إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء فلم ينفعه شيء فهل عندكم من شيء؟ فقال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن الله لقد استضفناكم فلم يضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق فتفل عليه، وقرأ الحمد لله رب العالمين إلى آخرها فقام فكأنما نشط من عقال فقال: فانطلق يمشي وما به علة قال: فأوفوهم جعلهم الذي جاعلوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا، وقال بعضهم: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر الذي كان فننظر ما يأمر به فقدموا على رسول الله (صلي الله عليه وسلم) فذكروا له ذلك فقال: " وما يدريك أنها رقية " ثم قال: " قد أصبتم اقسموا واضربوا لى معكم بسهم – وضحك رسول الله (صلىالله عليه وسلم) - ".

قال بعض شيوخنا: وفي الاستدلال به على الجعل نظر لجواز أن يكون إقراره عليه الصلاة والسلام إياهم على ذلك لاستحقاقهم إياه الضيافة فأجاز لهم استخلاص ذلك بالرقية.

قلت: لا نظر فيه؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: " وما يدريك أنها رقية " مع قوله عليه الصلاة والسلام: " إن أحق ما أخذتهم عليه أجرا كتاب الله " يقتضي صرف ما أخذوه للرقية، ولا خلاف في جوازه فيما قل، واختلف فيما كثر فنقل ابن رشد عن المذهب الجواز. قال: وقول عبد الوهاب وغيره بمنعه غير صحيح.

قلت: قال بعض شيوخنا والروايات عامة فإن اشتراط الجعل على البيع تسمية الثمن أو تفويضه للمجعول له وهو نقل ابن رشد، وابن يونس عن المذهب فيجب تقييد المدونة بجواز الجعل في بيع قليل السلع بالبلد سموا لها ثمنا أم لا بالتفويض له فيه.

قال ابن يونس عن بعض القرويين معنى قول المدونة لا يجوز الجعل على بيع كثير السلع والدواب: أنه لا يأخذ شيئًا إلا ببيع جميعها وهو عرفهم، ولو كان على ما باع فله قدره من الجعل أو على أنه إن شاء ترك وسلم الثياب جاز وكذلك قوله يجوز

ص: 174

الجعل على شراء كثير السلع يريد لأنه كلما اشترى أخذ بحسابه وهو عرفهم ولو كان لا يأخذ شيئًا إلا بعد شراء الجميع لم يجز ابن يونس، ونحوه لابن المواز.

(والأجير على البيع إذا تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر وإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة):

قال ابن يونس في المدونة: من آجر من يبيع له متاعه شهرا فباعه قبل الشهر فليأته بمتاع آخر لبيعه له لتمام الشهر.

قال محمد بن المواز: هذا إن لم يكن متاعا بعينه، وكذلك القمح وغيره ويجوز فيه النقد والمعين لا يجوز فيه النقد، وإن باع في نصف الأجل فله بحسابه.

قلت: ولهذا قال التادلي يريد الشيخ بيع المعين كالدابة لا المضمون قائلاً، وظاهره شرط فيه الخلف أم لا وهو المشهور وقيل: لابد من اشتراط الخلف فيها، وإلا فهي فاسدة.

واعلم أنه اختلف المذهب إذا باع رجل نصف ثوب على أن يبيع مشتريه باقيه لبائعه هل يجوز أم لا؟ على أربعة أقوال: فقيل ذلك جائز مطلقاً، قاله في الموطأ، وبه قالابن لبانة.

وقيل: لا يجوز وقاله ابن المواز، وقيل: إن ضرب أجلا للبيع جاز وإلا فلا، وهو المشهور وكلا هذين القولين في المدونة عن مالك وقيل: إن ضرب الأجل كره وإلا جاز رواه في مختصر ما ليس في المختصر، وحمل بعض شيوخنا الكراهة على التحريم، وهو ظاهر كلام ابن الحاجب لقوله: ورابعها عكسه، وفي المدونة: تجوز الإجارة على بيع سلع كثيرة على أنه بالخيار شهرا ولا ينقد بشرط.

قال ابن يونس: يريد ولا تطوعا، وقال بعض المغاربة: يجوز مع التطوع، وقال سحنون: إنما يجوز خيار ثلاثة أيام فقط، وقال حمديس: بل إذا كان شهراً فسدت ومعنى المدونة بعتها على حساب الشهر كذا.

وقيل: معناها أنه بالخيار ما لم يعمل قاله القابسي.

قلت: ومن هذا أخذ بجواز الكراء على قبول الزيادة مطلقاً، وقال شيخنا أو مهدي عيسي الغبريني أيده الله تعالى: الصواب تحريمه فيما يكثر الغرر فيه وذلك في الحمامات، والأفران والكوش فإن معظم كرائها إنما هي للأعياد فيزاد على المكتري قرب الموسم فيلحقه في ذلك ضرر شديد.

ص: 175

(والكراء كالبيع فيمايحل ويحرم):

قال التادلي: ما ذكر الشيخ ليس على إطلاقه فإن الكراء على وجهين: مضمون ومعين، فالمضمون كدابة مكتراة وهو جائز نقدا وإلى أجل إذا شرع في الركوب وإن لم يشرع في الركوب كالكراء في سفر الحج في غير وقته فإنه لا يجوز وإلا بالنقد؛ لأنه سلم، وقد أرخص مالك في دفع الدينار والدينارين ويتأخر الباقي إلى أن تشرع في الركوب، واختلف في جواز ذلك لغير الحاج على قولين وهذا بخلاف البيع؛ لأنه دين بدين والمعين كالدابة يسلمها إليه بعينها وفي تعيينها بالإضافة كدابتك قولان فيجوز كراؤها بنقد أو إلى أجل إذا شرع في الركوب وإن لم يشرع فإن تأخر يسيرا فقولان.

وحد اليسير: وقيل: عشرة أيام، وقيل: أقل من ذلك.

(ومن اكترى دابة بعينها إلى بلد فماتت انفسخ الكراء فيما بقي وكذلك الأجير يموت والدار تنهدم قبل تمام مدة الكراء):

اعلم أن الموت وصف طردي والمراد إذا تعذر السفر بها كما إذا مرضت أو استحقت أو سرقت وكذلك رجوعه لخوف الطريق أو لحمل واد، واختلف إذا غصب المكترى من يد مكتريه هل له في ذلك مقال أم لا فقيل له ذلك، ويسقط عنه الكراء من حينئذ قاله مالك في سماع ابن القاسم.

وقيل بل هي جائحة نزلت بالمكترى نقله ابن الحارث عن سحنون واختار: إن قصد الغاصب غصب الرقاب فالأول وإن قصد غصب المنافع، فالثاني وضعف، وقيل: إن المصيبة من المكتري إلا أن يكون سلطانا ليس فوقه سلطان لايمنعه منه إلا الله تعالى قاله ابن القاسم، وعبد الملك في المجموعة وجعله ابن رشد تفسيرًا السماع ابن القاسم قائلاً: لأنه عن أخرجه من يقدر على الامتناع منه فرفعه لم يمنعه منه فلم يفعل فكأنه أسلم ذلك إليه قال ابن عبد السلام وينبغي أن يكون ذلك مقصورا على ما إذا غصبت المنفعة أو الرقبة بعد قبض المكتري إياها وأما لو كان ذلك قبل القبض فتكون المصيبة من المكتري؛ لأن المكتري لم يتمكن من القبض ولو أقر المكتري بقبضه المكتري فإنه لا يقبل ذلك منه قاله ابن شاس وابن الحاجب.

وأخذه بعض شيوخنا من قول المدونة إذا أقر الراهن بجناية العبد الرهن بعد رهنه لا يقبل على المرتهن قائلاً: ويخير المقر له بغصب العبد المكترى في إمضاء الكراء فيستحق ما أكرى به في تضمينه قيمة العبد إن طالت مدة إجارته لا مطلقاً خلافاً لبعضهم وما ذكر الشيخ من فسخ الكراء في انهدام الدار صحيح إذا كان مما يضر به.

ص: 176

وأما إذا كان خفيفا كالشرافات فكالعدم قاله في المدونة وظاهر كلام الشيخ: أن رب الدار لا يجبر على الإصلاح، وهو كذلك عند ابن القاسم، وقال غيره: يلزمه ما لم يكثر فلا يلزمه بإجماع كذا نقله ابن رشد.

وقيل: إن كانت السكني لا تصلح إلا بإزالة الهطل وأجبر وإلا فلا حكاه ابن الحاجب.

(ولا بأس بتعليم المعلم القرآن على الحذاق ومشارطة الطبيب على البرء ولا ينتقض الكراء بموت الراكب أو الساكن ولا بموت غنم الرعاية وليأت بمثلها):

صرح في المدونة بلا بأس كما فعل ابن الحاجب الشيخ والمراد به الإباحة في أخذ الأجرة على تعليمه ولا يقال: لما غيره خير منه؛ لأن أبا حنيفة يمنع الإجارة على تعليم القرآن؛ لأن الدليل دل على ضعف قوله لما في البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله".

قال ابن رشد: إجازة ذلك هو المذهب وأجمع عليه أهل المدينة وهم الحجة على من سواهم، واحتج بحديث جواز الجعل على الرقية من القرآن حسبما ذكرناه، وناقض ابن يونس، قول ابن حبيب بجواز ذلك بقوله لا تجوز إجارة المصحف قائلاً كما أن المعلم يتعب فكذلك الاوراق تتمزق وتبلي ذكره عند الكلام على إجازه المصحف، وما ذكر الشيخ أن التعليم على الحذاق جائز هو المشهور.

وقال ابن الجلاب، وقيل: لا يجوز على التعليم إلا مدة معلومة مشاهرة أو غيرها، وقيل: يريد لاختلاف أفهام الصبيان فالمشاهرة أخف غررا وأجاز ابن حبيب أن يسمي في المقاطعة أجلا ورواه عن مالك قال بعض الشيوخ وهو خلاف المشهور في توقيت ما أجله فراغه.

وقال اللخمي: إن جمع الأجل والقدر الذي يعلمه فإن كان لا يدري هل يتعلم ذلك القدر في المدة أم لا فسخت الإجارة، واختلف إذا كان الغالب التعليم فيها فأجيز ومنع، وفي المدونة: ولا يعجبني الإجارة على تعليم الفقة، والفرائض لكراهة مالك بيع كتبهما. قال: وعليه تكره على كتابته.

وروى محمد منع بيعها في الدين وقال في غير الموازية الوارث فيها كغيره إن كان اهلا لها، وقاله سحنون، وعلى هذا لا تجوز على تعليمه وكتابته، وقيل: جائزة وتباع في الدين وغيره قال محمد بن عبد الحكم يبعت كتب ابن وهب بثلاثمائة دينار

ص: 177

وأصحابنا متوافرون ولم ينكروه وكان أبي وصيه فعلي هذا تجوز الإجازة على تعليمه وكتابته، وهو أحسن ولا أرى أن يختلف فيه اليوم لنقص حفظ الناس وفهمهم عمن تقدم.

قال مالك: لم يكن للقاسم ولا لسعيد كتب وما كنت أكتب في هذه الألواح.

وقلت لابن شهاب: أكنت تكتب العلم؟ قال: لا.

قلت: أكنت تطلب أن يعاد عليك الحديث؟ قال: لا فلو فعل الناس هذا لضاع العلم وتلف رسمه، والناس اليوم مع كتبهم في قصور، والقول في الفروع والقياس فيه واجب ومعرفة أقوال المتقدمين والترجيح بينهما متعين في موضع الاجتهاد.

قلت: وضعف بعض من لقينا من القرويين أخذ الجواز من بيع كتب ابن وهب؛ لأن أكثر كتبه الحديث.

وقال أبو عمر بن عبد البر: بيع الكتب الصحاح جائز كمسلم ويرد بأنه سمع من مالك ما قد علمت من الكراهة ويبعت كتبه أجمع وذلك يدل على ما قاله ابن عبد الحكم.

واعم أن كتب الطب كالفقة فيما يظهر والله أعلم.

(ومن اكترى كراء مضمونا فماتت الدابة فليأت بغيرها):

الدابة المضمونة يجوز كراؤها بذكر جنسها ونوعها والذكورة والأنوثة، ونص على ذلك غير واحد، وفي المعونة لا يحتاج لتعيين الراكب لتقارب الناس عادة ولا لوصفه وتبعه ابن شاس، وابن الحاجب، وقبله ابن عبد السلام وظاهره عدم لزوم ذكر كونه رجلاً أو امرأة.

قال بعض شيوخنا: والأظهر لزوم تعيين أحدهما؛ لأن ركوب النساء أشق.

قال ابن شاس: ويصف المحمل بالسلعة أو الضيق وعلى مكرى الدابة تسليم ما العادة تسليمه معها من إكاف وبرذعة وحزام وسرج في الفرس وغير ذلك من المعتاد؛ لأن العرف كالشرط.

قال بعض شيوخنا: وهو كالنص في أنه إن لم يكن بذلك عرف لم يلزمه.

(وإن مات الراكب لم ينفسخ الكراء وليكتروا مكانه غيره):

سبق ما يغني عن هذا ويريد لابد أن يكون الثاني مثل الأول في الخفة والأمانة ولا تكن المرأة؛ لأن الغالب أنها اثقل على البهيمة لرخوة أعضائها وكذلك الميت.

قال اللخمي: ولمكترى المنافع بيعها كالرقاب إلا ما يتعذر كونه كالأول أو يشك فيه، ويختلف ذلك في الدواب والثياب والدور، وفي جوازه في الدواب وكراهيته

ص: 178

روايتان، وفي المدونة لمكتري الدابة للحمولة والسفينة والدار كراؤها من مثله في مثل ما اكتراها له، وكذلك الفسطاط له كراؤه من مثله في حاله وأمانته وصنعته فيه ومن استأجر ثوبا يلبسه إلى الليل لم يعطه غيره لاختلاف الناس في اللباس والأمانة فإن دفعه لغيره ضمنه إن تلف ولو بدا له على السفر بالدابة أو مات اكتريت ومثله، وكذلك الثياب في الحياة والموت.

وقال اللخمي: المنع في الثياب أحسن لاختلاف اللباس واليسير فيها يؤثر والأمر في الخباء والفسطاط أخف.

قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى: وكتب العلم كالثياب فمن اكتراها لا يعيرها لغيره لاختلاف الناس فيها. قال ابن الحاجب: وفي ضمانه ما أجره لغيره ثالثها المشهور إن كان مثل أمانته لم يضمن.

وقال ابن عبد السلام: إطلاق هذا الكلام في كل مستأجر من دار أو غيرها لا يصح ومقتضى كلامه أن مكتري الدابة إن اكتراها ممن ليس مثله في حفظه إياها وخفته أنه لا ضمان عليه في قول وهذا لا يوجد ونحوه.

قال ابن هارون: لا يوجد هذا الخلاف وأجابهما بعض شيوخنا بأن سياق الكلام يقتضي أن خلافه إنما هو فيما يغاب عليه، وذلك أنه لما قال والمستأجر أمين فرع عليه قوله السابق، وهذا الخلاف إنما هو فيما يغاب عليه، والقول الثاني هو الثاني لم يوجد بحال.

(ومن اكتري ما عونا أو غيره فلا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق إلا أن يتبين كذبه):

قال التادلى: قيل: إن كراء الماعون مكروه وقيل: لا وقال اللخمي: إن من كانت عادته يتعيش به فإنه يجوز له من غير كراهة، وإن لم تكن عادته فإن أكراه إلى مدة تنقص الشيء المكترى فهو جائز وإن كان لا ينقصه فمكروه لما فيه من دناءة الأخلاق.

قلت: فيما قاله نظر بل قال اللخمي فأما إجازة الثياب والحلي والماعون فهي على ثلاثة أوجه فمن كان شأنه أن يشتري هذه الأشياء ويدفعها للكراء ذلك جائز وكذلك ما لم يكن ذلك شأنه ويكره لمن يطيل استخدامه حتى ينقصه واختلف إذا كان الاستعمال في الأمر الخفيف مما لا ينقص مثله فأجيز وكره.

قال مالك في إجازة الحلي لا بأس به، وقال مرة اكرهه وليس من الحرام البين

ص: 179

وليس من أخلاق الناس فيريد أنه ليس من مكاره الأخلاق أخذ الإجازة في مثل ذلك وكذلك إذا كان الذي يستأجره قليل الثمن، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجًا معلومًا "، أخرجه الصحيحان فظاهر كلامه كما تري أن القسمين الأولين إنما نقل الجواز فيهما عن المذهب بلا خلاف من اختياره وأن القسم الثالث فيه قولان وأشار إلى أنهما يتخرجان من الخلاف في الحلي والماعون، وما ذكر الشيخ من تصديقه وهوالمشهور، ونقل ابن سحنون قولاً آخر أنه لا يصدق حكاه اللخمي وفي التهذيب من رواية أشهب فيمن اكترى جفنة فادعى ضياعها ضمنها إلا أن يقيم بينة على ذلك والذي ذكرناه هو طريق الأكثر.

وقال ابن المواز: إنما الرواية في دعوى من كسرها لقدرته على تصديث نفسه بإحضاره فلقتيها ويصدق في الضياع وفي رواية فأين فلقتاها.

قال محمد: إلا أن يقول: سرقتا أو تلفتا وسلك ابن رشد طريق محمد قائلاً: لا خلاف أعلمه أن المكتري يصدق إلا ما في الدمياطية لابن القاسم فيمن يكتري المناجل والحديد أنه ضامن.

قلت: قال شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى وأفتى شيخنا بما في الدمياطية في جوهر فيحتمل أن يكون لخصوصية في النازلة.

ويحتمل أن يكون للمصلحة لأن العوام لو علموا أنه لا ضمان عليهم لكثرت منازعتهم في ذلك وعلى الأول فقال ابن القاسم يلزمه الكراء.

وقال غيره: لا يلزمه والقولان في المدونة وعزا ابن يونس قول الغير لأشهب: قال: وبه أخذ سحنون قائلاً: في قول ابن القاسم في هذه المسألة عراقية يصدقه في الضياع ويغرمه الكراء، ولبعض علمائنا أنه ناقض كل من ابن القاسم وسحنون جوابه بجوابه في مسألة كتاب العارية فيمن استعار دابة فركبها إلى موضع فما رجع زعم ربها أنه إنما أعاره إياها إلى دون ما ركبها إليه فذهب ابن القاسم إلى أن القول قول المستعير في رفع الضمان والكراء.

وقال سحنون: القول قول المستعير في الضمان لا في الكراء، والصواب: أنه لا يتناقض والفرق لابن القاسم بينهما أن المكتري مقر بالكراء مدع إسقاطه فعليه البيان، وفي مسألة العارية المعير مقر بالعارية مدع على المستعير فوجب قبول قوله لأنه مدعى عليه.

والفرق لسحنون أن الأصل براءة الذمة من عدم العداء؛ لأن وضع يد المستعير

ص: 180

على الدابة بإذن فكان القول قوله في عدم عدائه، والأصل في تناول ما الغير عن عوض لا عن عطية.

قال التادلي: وقول الشيخ وصدق يريد ويحلف إن كان متهما لقد ضاع ولا فرطت ولا يمن عليه إن كان غير متهم. وقال ابن القاسم.

وقيل: يحلف مطلقاً، وقيل: يحلف غير المتهم أنه ما فرط، قال: ولو أخرجه من يده فهلك فإن كان مما يجوز له أن يكريه من غيره فلا ضمان عليه وإلا ضمن.

قلت: وقد تقدم في المسألة التي قبلها كلام ابن الحاجب، وما عليه.

(والصناع ضامنون لما غابوا عليه عملوه بأجر أو بغير أجر):

قال الباجي: ضمان الصناع مما أجمع عليه العلماء، وقال القاضي عبد الوهاب: أجمع على تضمينهم الصحابة رضي الله عنهم، وفي المدونة قضاء الخلفاء بتضمينهم، وهو صالح للعامة يريد لاحتياج الناس إليهم فغلبوا رعي المصلحة العامة، وهي الضمان على رعي المصلحة الخاصة وهي سقوط الضمان كما روعي ذلك في التلقي وغيره، وحكي ابن رشد أن الشافعي قال في أحد قوليه لا ضمان على الصناع ولو عملوا بأجر ولو انتصب الصانع لبعض الناس فقط فإنه يضمن قاله بعض شيوخ ابن يونس، وهو ظاهر سماع ابن القاسم.

وقيل: لا يضمن حتى يكون منتصبا لعموم الناس قاله عياض، وابن رشد في المقدمات، وفي تضمين الأوعية وشبهها كالثياب للنساج قولان فذهب ابن القاسم ورواه عن مالك أنها تضمن وبه قال ابن المواز.

وقال سحنون: لا تضمن وأخذه الشيخ المغربي من قول رهون المدونة، ومن ارتهن نصف ثوب فقبض جميعه فهلك عنده لم يضمن إلا نصفه خاصة، ولم يرتضه بعض ما لقيناه مفرقاً له بأن الصناع مضطرون إلى المثال، فهو كنفس المصنوع فيستصحب الضمان، وظاهر كلام الشيخ أنهم ضامنون ولو قامت البينة على الضياع، وهو كذلك عن أشهب خلافًا لابن القاسم وظاهر كلامه ولو شرطوا عدم الضمان وهو كذلك عند ابن القاسم خلافًا لأشهب وكل منهما روى عن مالك مثل ما قاله ابن عبد السلام والجاري على أصليهما عكس قوليهما؛ لأن الضمان عند ابن القاسم ضمان تهمة ويصح اشتراط سقوط موجبه كما إذا اشترط الوكيل المخصوص سقوط البينة على قضاء الدين والجاري على أصل أشهب أنه يضمن؛ لأنه ضمان أصاله عنده.

ص: 181

فشرط سقوطه يتضمن مخالفة مقتضى العقد، وهو باطل.

قلت: ويجاب عن ابن القاسم بأن شرط نفي الضمان مما يقوي التهمة وعن أشهب بأن شرطه كناسخ الضمان.

(ولا ضمان على صاحب الحمام):

ظاهر كلام الشيخ أنه المكتري لا حارس الثياب، وما قاله صحيح إلا أن يفرط قال ابن عبد السلام: ولا أعرف فيه غير ذلك قال ابن الحاجب: والحمامي أمين على الثياب، وقيل: يضمن فإن كان مراده المكترى فليس القول الثاني بالضمان مطلقًا بموجود في المذهب والله أعلم.

قال: والذي قاله مالك في العتبية أمرت صاحب السوق أن يضمن أصحاب الحمامات ثياب الناس أو يأتوا بأمين يحرسها.

قال ابن يونس: ورأيت في بعض الحواشي لابن عبد الحكم وزاد ولا ضمان على من يحرسها.

قلت: وأجابه بعض شيوخنا بأن ما ذكره ابن الحاجب نقله عياض في مداركه لما عرف بأبي على الحسن بن نصر السوسي. قال: سمعت من يحيى بن عمر وغيره كان فقيها عدلا ورعا زاهدًا ولي أحكام سوسة فكان لا يضمن الحمامي ما تلف عنده فكثر مشاكوه فحكم يتضمينهم لما حدث به يحيى بن عمر عن الحارث عن ابن وهب عن مالك بتضمين صاحب الحمامي وفي إجازة المدونة ولا ضمان على من جلس لحفظ ثياب من دخل الحمام؛ لأنه أجير ومثله سماع ابن القاسم لا ضمان على حارس الحمام.

وقال ابن رشد: إن إكراه رب الحمام لحفظ ثياب من داخله بأجر في ذمته فلا ضمان عليه اتفاقًا إلا أن يتعدى أو يفرط وإن كان يحرس بجعل يأخذه من كل من يدخل الحمام ويحرس ثيابه فقال مالك: لا ضمان عليه قال ابن لبابة: وما سواه خطأ، وقال ابن حبيب يضمن كالراعي المشتري على قول ابن المسيب، والحسن ومكحول والاوزاعي لانه لما نصب نفسه لذلك صار كالصانع المشترك ولو نام حارس بيت فسرق ما فيه فلا ضمان عليه وله أجره وكذلك حارس النخل وغيره، وكذلك من أعطى متاعا ليبيعه فيضيع أو يضيع ثمنه لا أجر له ولا ضمان عليه وكل هذا نقله ابن يونس عن رواية ابن المواز، وقيده بعض شيوخنا بكونه في نوم وقته المعتاد لا في نومه في وقت حاجة العس والحرس حسبما قاله اللخمي في نوم الراعي نهارا.

قال التادلى: اختلف في السماسرة فقال مالك: لا يضمنون وقال سحنون:

ص: 182

يضمنون وفرق ابن رشد بين المتهم ومنهم فيضمن وإلا فلا.

قلت: ذكر عياض في أواخر كتاب التدليس بالعيوب ما نصه والمعروف من قول مالك وأصحابه في السماسرة والمأمورين والوكلاء أنهم لا يضمنون؛ لأنهم أمناء وليسوا بصناع سواء كانوا أرباب حوانيت أم لا كذلك جاء في أمهاتنا وأجوبه شيوخنا ثم استمر في كلامه وهو كالنص في أن المراد بالسمسار الجليس.

(ولا ضمان على صاحب السفينة):

قال غير واحد يريد إلا ما حمل من الطعام والإدام فإنه يضمن إلا أن تقوم بينة على هلاكه.

قال اللخمي: اختلف إذا حمل الطعام على المدينة ولم يصحبه ربه أو في السفر في البحر وصاحبه معه أو لم يكن معه صاحبه، وليس الطعام مما تدعو إليه الحاجة في الغالب فالمعروف في المذهب أنه ضامن، وقال ابن كنانة: لا ضمان عليه ويريد؛ لأن ربه قادر على أنه يصحبه دون ضرر فتركه قصدا دليل على أنه أئتمنه فإن صحبه في البحر ثم نقص أو ذهب بعضه صدق عند مالك وفي أكريه السفر أنه غير مصدق؛ لأنه ائتمنه وحازه وإنما يدخل التاجر وقت إقلاعه.

وفي المدونة: إذا غرقت السفينة بمد النواتية فإن فعلوا ما يجوز لهم من المد والعمل فيها لم يضمنوا فإذا تعدوا فأغرقوا في مد أو علاج ضمنوا ما هلك فيها من الناس، والحمولة ابن يونس قيل في أموالهم وقيل: الديات على عواقلهم.

(ولا كراء له إلا على البلاغ):

ما ذكره هو قول مالك وابن القاسم ولو غرقت بالساحل.

وقال ابن نافع له بحساب ما سار كحكم البر، والقولان في المدونة وروى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم مثل قول ابن نافع.

وقال يحيى بن عمر: إن أكريت على قطع البحر فهي على البلاغ وإن أكريت إلى الريف فبحساب ما بلغت، وفرق أصبغ في نوازنه بين كونهم ملججين أو غير ملججين محاذين لقرية قادرين على النزول إليها أو غير قادرين وسواء على ظاهر قوله كان كراؤهم على قطع البحر أو على الريف، وهذه الأقوال الأربعة حكاها ابن رشد قائلاً: قول أصبغ هو استحسان على غير قياس، وكذلك تفرقة يحيى.

وقول ابن نافع أظهر من قول ابن القاسم في المدونة؛ لأن رد الكراء إلى الاجارة أولي من رده إلى الجعل.

ص: 183

واعلم أنه إذا هال البحر، وقد وقع الخوف وجب الرمي عاجلا، ويرمي الأثقل والأقل ثمنا فإن تقاربت الأثمان رمي الأثقل.

قال الطرطوشي: ويبدأ بطرح الأمتعة ثم البهائم لشرف النفس، وقبله القرافي ومرضه بعض شيوخنا بقوله: الشرف إنما هو للنفس الآدمية.

واختلف في جرم السفينة هل يقع عليه غرام أو لا؟ ثلاثة أقوال:

فقيل: كغيره رواه إسماعيل القاضي، وبه قال سحنون وابن عبد الحكم قال ابن يونس: وهو القياس.

وقيل: لا غرم عليه رواه ابن القاسم، وقيل: إن قام دليل على هلاكه لولا الطرح فالأول وإلا فالثاني قاله محمد بن محمد بن عبد الحكم.

وقال بعض شيوخنا: وقول ابن عبد السلام: قال ابن عبد الحكم أجمع أصحابنا أن المركب لا يدخل في شيء من حكم الطرح لا أعرفه، واختلف في دخول متاع السفينة في الغرم على قولين: وفي دخول العبيد ثلاثة أقوال:

فقيل: يدخلون، وقيل: لا يدخلون، وقيل: إن كانوا للتجارة دخلوا وإلا فلا ولا شيء على الأحرار باتفاق والعين للقنية لغو وللتجر قولان.

(ولا بأس بالشركة بالأبدان إذا عملا في موضع واحد عملا واحدًا أو متقاربا):

ظاهر كلام الشيخ أن لو اختلفت صنعتهما أنه لا يجوز، وهو كذلك وسمع أصبغ أشهب إن اشتركا خراز وحداد في حانوت واحد يعمل كل واحد مع صاحبه لأنهما يحسبان ذلك ويعملانه جميعا فلا بأس به.

قال ابن رشد: أجازه لتعاونهما معًا وسمع أن الشركاء في حانوت وصنعة كل واحد غير صنعة صاحبه فال خير فيه، ولو كان عملهما واحدًا في حانوتين مفترقين فلا بأس به.

قال ابن رشد: لا وجه لقوله لا بأس به إلا أن يكون معناه أنهما يجتمعان معًا على أحد الأعمال ثم يأخذ كل واحد منهما ما يعمل من العمل يذهب به لحانوته يعمله فيه لرفيق له في ذلك لسعة حانوته أو انشراحها وقربه من منزله وشبه ذلك.

وقال عياض: تأول شيوخنا ما في العتبية من جواز الافتراق بتعاونهما في الموضعين وارتفاق السلعتين سواء في الموضعين فيكون وفاقًا للمدونة؛ لأن المقصود من وحدة المكان تقارب أسواقه ومنافعه.

قال أبو محمد عبد الله الدكالي في مسائله: لو اشترك قارئ وحاسب على أن يقتسما على قدر عمليهما جاز ذلك على جميع الرجلين سلعتيهما في البيع ورده بعض

ص: 184

شيوخنا بقوة الغرر في الشركة بجهل قدر عمل كل واحد منهما، وقدر عوضه والمجهول في السلعة قدر العوض فقط.

(وتجوز الشركة بالأموال على أن يكون الربح بينهما بقدر ما أخرج كل واحد منهما والعمل عليهما بقدر ما شرطًا من الربح لكل واحد، ولا يجوز أن يختلف رأس المال ويستويا في الربح):

اعلم أن الشركة بالدنانير والدراهم من كلا الجانبين جائزة نص على ذلك في المدونة وغيرها.

قال ابن المنذر إجماعًا: قال ابن رشد وهو اجماع على غير قياس، وفي صحبة القياس عليه قولان واختلف في جوازها بالطعام المتفق في صفته ونوعه، فأجازه ابن القاسم قياسًا على الدنانير والدراهم ومنعه مالك فقيل: لأنه بيع الطعام قبل قبضه قال بعض شيوخ عبد الحق، وقيل: لأن علل الطعام كثيرة بخلاف علل الدنانير والدراهم.

وقيل: لأن الطعام مما تختلف فيه الأغراض، وقيل: لأن الطعام يطلب فيه التساوي في الشركة والشركة تطلب التساوي في القيمة، وذلك لا يكاد يوجد ذكره إسماعيل القاضي، وقال ابن رشد: لأن الإجماع عنده على غير قياس لا يقاس عليه.

فإن قلت: كيف يقول ابن القاسم في المدونة لم يجزه لنا مالك منذ لقيناه ولا أعلم لكراهته له وجهًا مع أن قول مالك وجه بوجوه كثيرة كما قلناه؟

قلت: أراد وجها بينا واضحا ويدل على ذلك أن بعض التعاليل السابقة زائفة، والله أعلم.

واختلف إذا غاب أحد النقدين فأجازه مالك وابن القاسم ومنعه سحنون، وكذلك نقله اللخمي عنه ونقله التونسي عنه الكراهة.

قال بعض شيوخ عبد الحق: إنما يجوز عند ابن القاسم بشرط قرب الغيبة ووقف التجر بالحاضر عن حضور الغائب وتردد بعض شيوخنا في كونه وفاقًا أو خلافًا قائلاً: الأظهر أنه خلاف لاحتجاج ابن القاسم على الجواز بقول مالك فيها، وقال بعض من لقيناه من القروبين هو وفاق لا شك فيه، وأجازه في المدونة أنه يخرج أحدهما ذهب وفضة والآخر كذلك وعورضت بقول سلمها الثالث بمنع بيع مد من قمح ومد من شعير بمثلهما وأجيب ببقاء اليد هنا على ما لكل واحد منهما وتصح الشركة بالعرض من جانب والنقد من جانب وحكاه ابن الحاجب قولاً بالمنع.

(والقراض جائز بالدنانير والدراهم):

ص: 185

قال ابن الحاجب: القراض إجارة على التجر في مال بجزء من ربحه واعتراض بأنه غير جامع لقوله بعد ولو شرط الربح كله لأحدهما أو لغيرهما جاز.

وأجيب بأن إطلاق القراض عليه إنما هو مجاز؛ لأنه من باب التبرعات، وقبله خليل واعترضه غير واحد أيضًا بأنه غير مانع لمدلول لفظ من قال آجرتك على أن تتجر لي بهذه المائة سنة بنصف ربحها.

وقال ابن عبد السلام وأجيب بأن معنى القراض هو الإجارة على الصفة المذكورة، ولكن هذا المعني لا ينعقد بكل لفظ بل بلفظ القراض وغيره من الألفاظ التى ذكرها الفقهاء، وانعقاده بها ليس من تصوره وإنما هو من أحكامه فرجع إلى التصديق والكلام في التصور في هذه الطريقة يدفع كثيراً من الأسئلة عن التعريف فتأمله والقراض جائز بلا خلاف قاله عبد الوهاب وأول من عمل به في الإسلام عبد الله بن عمر وعبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

وقيل: إن أول من عمل به يعقوب مولي عثمان بن عفان وذلك أن عمر بن الخطاب بعث من يقيم من الأسواق من ليس بفقيه فأقيم يعقوب فيمن أقيم فجاء إلى عثمان بن عفان فأخبره فأعطاه مزودتين قراضًا على النصف، وقال: إن جاءك من يعرض لك فقال له المال لعثمان فقال ذلك فلم يقم فجاء بمزودتين إحداهما ربح والأخرى رأس المال، ولا يلزم القراض إلا بالشروع وخرج اللخمي انعقاده من الجعالة ولزوم أول حصة من أحد قولي مالك في لزوم أول شهر من كراء المشاهرة، وظاهر كلام الشيخ أن القراض بالذهب والفضة جائز وإن كانا مغشوشين، وهو كذلك.

وقاله الباجي حيث تعامل بها لتقويم المتلف بها كالطيبة والاتفاق على تعلق الزكاة بها. وقيل: إنه ممنوع مطلقًا قاله عبد الوهاب، وقال ابن الحاجب: ويجوز بالمغشوش على الأصح وقبله ابن عبد السلام بإطلاقه، ورده بعض شيوخنا بالاتفاق على المنع حيث لا يتعامل بها وظاهر كلام الأكثر أن الغش غير محدود.

وقال ابن الحاجب: إن كان الغش النصف جاز واختلف في القراض بالفلوس. فقيل: إنه ممنوع قاله مالك وابن القاسم، وقيل: مكروه نقله اللخمي، وقيل: إنه جائز قاله أشهب وقيده ابن رشد باليسير وأطلقة اللخمي واختار الجواز حيث يتعامل بها ولا يتغير سوقها.

ص: 186

(وقد أرخص فيه بنقار الذهب والفضة):

اختلف في القراض بالنقار على ثلاثة أقوال المنع والكراهة، والجواز، وكل هذا إذا كان لا يتعامل بها، وأما إن كان يتعامل بها فلا خلاف في جواز ذلك قاله غير واحد كاللخمي، واختلف في الحلي على ما تقدم من الثلاثة الأقوال بالكراهة، رواه ابن المواز والقولان بالجواز والمنع، رواهما ابن الحاجب، واختار اللخمي رحمه الله: إن كان يتعامل به كأرض المصامدة جاز، وإلا كره إن كان لا يوجد مثله وإلا منع.

(ولا يجوز بالعروض ويكون إن نزل أجيرا في بيعها وعلى قراض مثله في الثمن):

ما ذكر الشيخ أن القراض بالعروض لا يجوز هو كذلك باتفاق عند ابن حارث، وقال اللخمي: إن كان لا خطب لبيع العرض أو علم أنه يبيعه له وهو لم يأخذه قراضًا أو يقول له كلف من بيعه ويأتيك بالثمن فاجعله قراضًا جاز قال المازري: وذكر أنهم وجدوا وثيقة بخط ابن أبي زيد أنه دفع لرجل عرضا، وقال له بعد ولك دينار فإذا قبضت ثمنه فاجعله قراضا، وهذا يدل على جواز القراض بالعروض وتأول بعضهم عليه أن يكون بناء على أحد القولين في اجتماع جعل وإجارة فالإجارة في البيع والجعل في القرض وفيه نظر؛ لأن الجعل لا يجوز في الكثير بل في القليل فيلزمه أن يقيد في الوثيقة هذا الوجه لو قصد به القليل، ولو كان قصده أيضًا الإجارة لضرب لها أجلا.

قلت: وحمل شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى ما تقدم عن الشيخ أبي محمد بن أبي زيد: أنه قراض بالوديعة، وهو جائز عند ابن المواز فليس عليه في ذلك درك الجعل، قال: ويدل على ما قلناه: أنه لو تلف هذا المال قبل العمل لكان من ربه كالحكم بعد الشروع في العمل، وفي المدونة: ولا يجوز بدين على غريمه يقتضيه فأطلق ابن يونس وعبر عنه أبو عمر بن عبد البر في الكافي بالكراهة.

وقال اللخمي: إن كان على غير حاضر أو موسر غير مالك جاز، ولو اقتضي الدين ثم رده عليه فراضًا فإنه جائز قاله في المدونة.

قال ابن رشد: وعلى قولهما فيمن صرف دنانير بدراهم ثم أراد أن يصرفها منه بدنانير مخالفة لعيوبها أنه لا يجوز في المجلس إلا بعد اليوم واليومين والثلاثة حتى يبرأ من التهمة، وعلى قول ابن حبيب في صاحب المال يعلم ضياع بعضه فيقول للعامل: اعمل بما بقي، ويكون ذلك قراضًا مؤتنفا يصح جعل الدين قراضًا بمجرد إحضاره.

ص: 187

وعن أشهب أنه إن نزل مضى، وهو بعيد وفرق غيره بين ما هنا وبين مسألة الصرف في كتاب السلم لأن ما هنا خرج من ذمة إلى أمانة، وما في الصرف من ذمة إلى ذمة فما هنا أخف، وأما القراض بالوديعة فإن أحضرها فلا خلاف في الجواز واختلف قبل إحضارها على أربعة أقوال ثالثها: إن كان المودع ثقة مأمونا جاز، ورابعها يكره وكلها حكاها ابن رشد واللخمي قول خامس حذفته لطوله.

(وللعامل كسوته وطعامه إذا سافر في المال الذي له بال):

ما ذكر الشيخ أن له طعامه في السفر ويريد سيرا ورجوعا وهو كذلك على المعروف من المذهب.

وقال الشافعي: لا ينفق في سفر ولا حضر إلا بإذن رب المال، ولأصحابه ثلاثه أقوال، هذا وقول مالك والثالث ينفق في السفر بقدر ما بين نفقة السفر، والحضر.

وهذا الذي ذكرناه قاله أبو عمر بن عبد البر قائلاً: القياس هو الأول منها؛ لأنه لا يجوز القراض على جزء مجهول فإطلاق النفقة له يصير الحصة مجهولة وربما اغترقت النفقة كثير المال ولم يكن ربح.

وقال ابن عبد السلام: لا يبعد القول الثالث على أصول المذهب، وقيل في الوصي يخرج المحجور في سفر الحج دون ضرورة: إن زيادة نفقة السفر على الحاضر على الوصي.

قلت: ورده بعض شيوخنا بقوله: ولا يخفي ضعف هذا التخريج؛ لأن السفر بالمحجور المذكور عداء وسفر العامل جائز ولا جاحة لهذا التخريج لقول اللخمي.

قال عبد الوهاب: من سافر لأجل المال له النفقة، والكسوة التى لولا الخروج بالمال لم يحتج إليها في الحاضر، ومحل هذا فيمن كانت مؤنته في المقام من أجل متاجر يرجو حوالة سوقها، وأما المدير أو ذو صنعة عطلها السفر فله جميع النفقة والكسوة، كقول مالك.

قلت: فيتحصل في المسألة أربعة أقوال: وعزوها ظاهر، وما ذكر عن عبد الوهاب هو في تلقينه فيما يرجع إلى النفقة، وهو اختيار أبي إسحاق التونسي وعبد الحميد الصائغ وظاهر كلام الشيخ أنه لا تحديد في المال الذي يجب فيه ما ذكر من النفقة بل المعتبر العرف ومثله في الموازية، واختاره شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى ولمالك في مختصر ما ليس في المختصر السعون يسير لا ينفق منها.

وقيل: ينفق منها إن كانت خمسين قاله مالك في نقل اللخمي، وقيل: في الأربعين

ص: 188

دينارا النفقة، رواه ابن المواز في نقل الباجي، وعزاه ابن يونس لنقل محمد لا لروايته، وظاهر كلام الشيخ أنه لو كان يتجر به في بلده أنه لا ينفق منه، ولو كان ما ينفق منه يسيرا، وهو كذلك قال ابن العطار عن نوادر الإجماع أجمعوا أنه يأكل منمال القراض إن لم يسافر به إلا الليث قال: له أن يتغذى منه إذا اشتغل به عن الانقلاب إلى أهله وفي المدونة قول الليث معزو له، وذكره ابن فتوح كأنه المذهب غير معزو لليث فقال من تجر في الحضر فليس له أن يأكل من مال القراض إلا أن يتغذى بالأفلس ونحوها، وأسقط قوله إذا اشتغل عن الانقلاب إلى أهله.

وفي الموازية بإثر قول الليث، وأباه مالك، وقال التونسي لا فرق بين اشتغاله في سفره وإقامته بالمال ولعل الفرق بينهم في سفره وإقامته، وإن أمره كذا جرى فيما مضى.

وقال اللخمي: يحمل قول مالك بسقوطها في الإقامة على أن عمل القراض لم يقطعه عما كانت تقوم نفقته منه في سفره، ولو كانت له صنعة أو تجارة منها نفقة فعطلها لأجل عمل القراض كانت له نفقته كسفره.

(وإنما يكتسي في السفر البعيد):

يريد إلا أن تطول إقامته في السفر القريب، قال في المدونة: له أن يكتسي منه في بعيد السفر إن حمل المال ذلك لا في قريبه إلا أن يقيم بموضع يحتاج فيه إلى الكسوة.

قال الباجي: وروى أبو محمد له في الأربعين دينارًا النفقة والكسوة في بعيد السفر، وفي سماع عيسى بن القاسم: إن كثر المال وقرب السفر فله فيه الطعام لا الكسوة إلا أن يقيم للشراء الشهرين والثلاثة.

وفي الموازية فله أن يكتسي من مال القراض، واختلف في البضاعة، فقيل: هي كالقراض في النفقة والكسوة، وقيل: هما ساقطان، وكلاهما لمالك، وفي المدونة له أن يرد ما بقي من النفقة لصاحبه.

وقال بعض شيوخنا: الصواب عليه لا له وسمع ابن القاسم ما فضل عن المقارض إذا قدم من سفره مثل الجبة لا تؤخذ منه.

قال ابن رشد كقول سحنون في نوازله لا تؤخذ منه الثياب التي اشتريت للسفر إلا أن يكون لها قدر، وقال: ومثله لمالك في الموطأ، وهو استحسان لا قياس ليسارة ذلك مع العرف الجاري على قوله في المدونة في كسوة السنة للزوجة ثم يموت أحد الزوجين قبل السنة استحسن أن لا تتبع المراة بشيء من ذلك لباقي السنة بخلاف النفقة.

ص: 189

قلت: ولا يعارض قول المدونة في نفقة العامل قول جهادها ما فضل عنه بعد أن رجع إلى بلده من طعام أخذه من الغنيمة بغير إذن الإمام يأكل القليل، ويتصدق بالكثير؛ لأن طالبها هنا معين، وفي الجهاد غير معين، ونبه على هذا بعض شيوخنا وهو جلي واضح.

(ولا يقسمان الربح حتى ينض رأس المال):

ظاهر كلامه وإن رضيا بذلك، ونص ابن الجلاب على أنهما لو تفاصلا بغير حضرة المال ثم حضر المال وفيه وضيعة فإنه يرد ما أخذ إليه ويجبر به النقص، ونقل ابن حبيب مثله عن ابن القاسم، ونقل عن مالك وأصحابه أنه قراض مؤتنف، واختاره.

قال ابن عبد السلام: واختار غير واحد من المتقدمين والمتأخيرن نقل ابن حبيب، وهو ظاهر الموطأ، وقال بعض شيوخنا ما ذكره عن غير واحد لا أعرفه ومشاهير مؤلفي المذهب كابن يونس واللخمي والتونسي وابن رشد، ونحوهم ليس لهم في ذلك نص وكذلك ما ذكره عن الموطأ، لأن الذي في الموطأ قال مالك: لا يجوز للمتقارضين أن يتحاسبا ويتفاصلا، والمال غائب عنهما حتى يحضر المال فسيتوفي صاحب المال رأس ماله ثم يقتسمان الربح على شرطهما.

(والمساقاة جائزة في الأصول على ما تراضيا عليه من الإجزاء):

قال ابن رشد: المساقاة عبارة عن العمل في الحائط بجزء من ثمرته، وانتقده بعض شيوخنا بأن كلامه غير مانع لأنها لا تنعقد بلفظ الإجارة عند ابن القاسم خلافًا لسحنون، وإذا وقعت كذلك يحكم فيها بالإجارة الفاسدة لا بالمساقاة الفاسدة، وبأنه غير جامع؛ لأن كلامه يقتضي أنها لا تلزم إلا بالعمل، وليس كذلك بل تلزم بالعقد.

قلت: وفي النقض عليه بهذه الصورة نظر، وينقض عليه أيضًا بقول المدونة: لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل، وكذلك ينتقض عليه أيضًا بقول المؤلف على ما تراضيا عليه من الإجزاء، والله أعلم.

وقال ابن عبد السلام: لم يعرفها ابن الحاجب؛ لأن رسمه للقراض بأنه إجارة على التجر في المال بجزء من ربحه دل على رسم المساقاة فإنها إجازة على عمل الحائط بجزء من غلته، وهي كالمعلومة ضرورة عند الفقهاء، ورده بعض شيوخنا بأنه لو كان كما قال لدل عليه القراض إما مطابقة أو تضمنا أو التزامًا، ولا خفاء بنفي الأولين؛ لأن رسم القراض ليس نفس المساقاة، ولا جزءاً منه وكذلك الثالث ضرورة أن رسم المساقاة بما قال ليس من لوازم القراض لا ذهنيا ولا خارجيا إلا أن يريد الدلالة

ص: 190

المعنوية لا العرفية كدلالة الفعل على الفاعل، وفيه نظر؛ لأنه غير معتبر في التعريفات ورسمها بما ذكر يبطل بقول المدونة لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل كما سبق وحدها شيخنا بأن قال: عقد على عمل مؤنة النبات بقدر لا من غير غلته لا بلفظ بيع أو إجارة أو جعل والمذهب جواز المساقاة.

قال عبد الوهاب: وهي مستثناة من أصول ممنوعة للضرورة، وظاهر كلام الشيخ أن المساقاة في الزرع وشبهه لا تجوز وإن عجز عنه صاحبه، وهو أحد الأقوال الأربعة ذكرها اللخمي، وبه قال ابن عبدوس.

وقيل: بعكسه قاله ابن نافع وقيل: تكره المساقاة فيه، رواه محمد بن المواز وقيل: تجوز بشرط العجز قاله في المدونة، وهي لازمة بالعقد على المشهور، وقيل: لا تلزم، وقال سحنون: أولها لازم كالإجارة وآخرها كالجعال.

(والعمل كله على المساقي):

يعني من السقي والتنقية والجداد، واختلف في عصر الزيتون فقال في كتاب محمد: إن لم يشترط علىأحد فهو بينهما، وقال ابن حبيب: العصر على العامل وإن شرط على صاحب الحائط، وكان له قدر لم يجز ورد العامل إلى إجازة مثله.

قال ابن الحاجب: ولا يسترط تفصيل العمل، ويحمل على العرف قال ابن عبد السلام: لعل مراده إذا كان العرف منضبطًا وإلا فلا بد من البيان وقد يقال لابد من تفصيله لأنه اختلف في أمور هل هي على العامل أو على رب الحائط فالسكوت عنها جهالة.

قلت: قال بعض شيوخنا: عمل المساقاة كله في الذمة كمسلم فيه فيجب ذكره في العقد مبينا كوصف المسلم فيه، وذكر قولي ابن الحاجب، وابن عبد السلام ثم قال: إن كانت بموضع عرفه منضبط فواضح عدم وجوب بيانه مسائل المدونة الدالة على أن العرف كالشرط وإلا فالظاهر وجوب بيانه ففي أكرية الدور من المدونة لا بأس بكراء حانوت لا يسمي ما يعمل فيه، وله أن يعمل فيه ما لا يضر بالحانوت في البناء.

قال غيره: إن تفاوت ضر الأعمال لم يجز الكراء إلا على أمر معروف، وقال الباجي: إن كان ثم عرف قام مقام الوصف وإلا فلابد من وصفه.

واعلم أنه قصر العامل عما وجب عليه فإنه يؤخذ بذلك قاله سحنون فمن

ص: 191

أعطى كرمه أو زيتونه مساقاة على أن يسقي ويقطع ويجني وعلى أن يحرثه ثلاث حرثات ففعل ما شرط عليه إلا أنه لم يحرثه إلا حرثتين، قال: ينظر إلى عمل جميع الحائط المشترط عليه من سقي وحرث فإن كان ما ترك يكون منه الثلث حط من النصف الذي هو له ثلثه إن ساقاه على النصف ثم على هذه النسبة.

وقال مالك: إذا دخل الحائط سيل أقام فيه حتى استغني عن الماء فلا يحاسبه رب الحائط بذلك، قال ابن رشد: وهذا مما لا اختلاف فيه بخلاف الإجارة بالدنانير والدراهم على السقي زمنه، وهو معلوم عند أهل المعرفة فإن سقى المطر الحائط فيجب أن يحط من إجارته قدر ما أقام الماء في الحائط، ويسقط عنه سقيه.

(ولا يشترط عليه عملا غير عمل المساقاة ولا عمل شيء ينشئه في الحائط إلا ما لا بال له من سد الحظيرة وإصلاح الضفيرة، وهي مجتمع الماء من غير ان ينشئ بناءها):

قال الفاكهاني: قال الغريب سد الحظيرة رويناه بالسين المهملة، وقال بعض شراح الرسالة بالشين المعجمة، ونقل عن يحيى بن يحيى ما حظر بزرب فبالمعجمة، وما كان بجدار فهو بالمهملة.

(والتذكير على العامل وتنقية مناقع الشجر وإصلاح مسقط الماء من الغرب وتنقية العين وشبه ذلك جائز أن يشترط على العامل):

قال اللخمي: اختلف قول مالك في الإبار فجعله مرة على رب الحائط ومرة على العامل وتأول بعضهم كونه على رب الحائط أنه الشيء الذي يلقح به، وكونه على العامل عمله وتعليقه، وليس ببين.

(ولا تجوز المساقة على إخراج ما في الحائط من الدواب):

ص: 192

ما ذكر الشيخ مثله في المدونة ودل كلام الشيخ على أن ما في الحائط من رقيق وشبهه أنه يجب دخوله في العقد سواء اشترط العامل ذلك أو لم يشترطه، وهو كذلك وكذلك الأجراء إن كانت إجارتهم وجيبة فهي على رب الحائط لأنه لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لليهود شيئا مما ذكر أنه يترك للعامل.

وقال ابن نافع: لا يكون الرقيق والدواب للعامل إلا أن يشرطهم، والعقد صحيح وقاله عيسى بن دينار محتجا بأن صاحب الحائط يقول: لو اشترطتهم على ما ساقيتك إلا على أقل من هذا الجزء.

قال الباجي: وهذا يقتضي أن له اشتراط إخراج ذلك، واختلف إذا نزلت مسألة الشيخ، وهي إذا اشترط إخراج ما في الحائط ويلحق بذلك ما إذا اشترط العامل على رب الحائط إدخالهم في المساقاة وليسوا فيها فقال في المدونة: الثمرة لربها وللعامل إجارة مثله.

وقال ابن المواز: له مساقاة مثله فيها وعنه كالأول ولابن القاسم في المدونة إذا اشترط إخراج الرقيق كان للعامل مساقاة مثله.

(وما مات منها فعلى ربه خلفه):

يريد وكذلك لو مرض أو غاب أو أبق وهو معنى ما في الموطأ والمدونة وزاد في غيرهما، وإن لم يشترط ذلك عليه العامل.

قال الباجي: وهذا لأن العقد كان على عمل في ذمة صاحب الحائط ولكنه يتعين

ص: 193

بما فيه بالتسليم، واليد كالذي يكري راحلته مضمونة ثم يسلم إحدى وراحله إلى الراكب فإن ليس له أن يبدلها، ولم يكن ذلك بمنزلة العبد المستأجر بعينه؛ لأنه ليس في الذمة.

قال: وهذا إذا كان مستأجراً لجميع العام، وأما إن كان مستأجرًا لبعضه فلم أر فيه نصا وعندي أنه يعوض عنه من يتم العام كالموت، واختلف فيما رث من آلة الحائط كالأجبل والدلاء والزرانيق فقيل: على رب الحائط خلفه كالدواب، وقيل: يكون ذلك على العامل هذان القولان حكاهما الباجي، وإنما ترك هذا الأصل في الدواب والرقيق؛ لأن مدة حياتها مجهولة فلو لم تتعلق الخدمة حينئذ بذمة رب الحائط لفسدت المساقاة للغرر، وأما الآلة فأمد الانتفاع بها معلوم في العادة فوجب بقاؤها على مقتضى الأصل في التعيين ولو سرق ما ذكر فعلى ربه خلفه اتفاقًا ثم إذا مضي قدر الانتفاع جاء القولان قاله ابن الحاجب.

(ونفقة الدواب والأجراء على العامل):

ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وهر المشهور وفي مختصر ما ليس في المختصر أن نفقة الرقيق على رب الحائط، قال اللخمي: وهو مقتضى القياس ولأ، ها على العامل كالطعام بطعام إلى أجل، وأما في المدنة فقدم فيه خبر الواحد على القياس؛ لأنه لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم كلف بشيء من ذلك لأهل خيبر، وفي المدونة فيمن سوقي في أصل أو زرع فله مساقاة غيره في مثل أمانته فإن ساقى غير أمين ضمن.

وقال اللخمي: للعامل أن يدفعه لأمين وإن لم يكن مثله في الأمانة، وقال ابن رشد: إن ساقي أمينا مثله جاز اتفاقًا، وإن كان دونه في الأمانة إلا أنه مأمون فيتخرج على ما تقدم في سماع عيسى من كتاب الشفعة يعني: أنه يتخرج فيه القولان، قال فيه: من اشترى شقصًا بثمن لأجل لشفيعه الشفعة فيه، وإن كان مليا دون المشتري في الملاء لغير حميل يلزمه، قاله محمد، وقال أشهب: ليس له ذلك إلا بحميل مثل المشتري في الملاء.

واختلف أشياخ أشياخنا في لفظ المدونة مثل قولها هنا وذلك أن أول لفظها يدل على شرط المساواة وآخر لفظها يدل على الاكتفاء بمطلق الأمانة فكان بعضهم يحمل قولها على قولين إذا كانا منصوصين خارجها وكان بعضهم يجعل آخر الكلام مفسراً لأوله وقاضيا عليه.

وحمل ابن عبد السلام قول المدونة هنا على ما فهم من لفظها الأول من

ص: 194

المساواة معترضًا قول ابن الحاجب له أن يساقي أمينا غيره بأنه خلاف المدونة ومقتضى النظر لأن المطلوب كون الثاني مساويا للأول في الأمانة، والقوة على العمل، وأجاب عن ظاهرها الثاني ما جرت به عادة المتقديمن في التمثيل بالجلي وأطال الكلام في ذلك فانظره.

قال ابن رشد في البيان: وظاهر قول مالك له أن يساقي أمينا أن المساقي الثاني محمول على غير الأمانة حتى تثبت بخلاف ورثة العامل، وهذا هو ظاهر ما في المدونة في القراض، والمساقاة والفرق بينهما أن مال القراض يغاب عليه بخلاف الحائط على المساقاة قال خليل: وهذا هو الفرق في إجازة مساقاة العامل غيره وعدم جواز مقارضة العامل غيره.

(وعليه زريعة البياض اليسير):

إنما قال ذلك، لأنه لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم دفع إلى أهل خيبر شيئاً من البذر وكأنه من جملة العمل الذي يكون على العامل، ولذلك قال جماعة من أهل العلم: يجوز إعطاء الأرض بما يخرج منها، وممن قال بذلك خارج المذهب أحمد بن حنبل، وبه قال يحيى بن يحيى من أصحابنا ذكره عياض في مداركه وغيرها ويريد المشيخ باليسير الثلث، فأقل.

واعلم أن هذه إحدى المسائل التى الثلث فيها يسير.

وثانيتها: هبه ذات الزواج ثلث مالها.

وثالثها: الوصية بالثلث.

ورابعتها: استثناء ثلث الصبرة إذا باعها وكذلك الثمار والغنم إذا باعها وكذلك بيع الشاة واستثناء عند أشهب.

وخامستها: حلية السيف المحلى إذا كانت الثلث فلا بأس أن تباع بما فيها.

وسادستها: قطع ثلث الأذن والذنب من الأضحية على أحد القولين وحكموا بالكثرة للثلث في الجائحة، وفي حمل العاقلة ولا تحمل ما دونه، وفي المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها فإذا بلغت الثلث رجعت إلى عقلها، وفي استحقاق الدور، وكذلك الطعام على خلاف فيه.

(ولا بأس أن يلغي ذلك للعامل، وهو أحله وإن كان البياض كثيرًا لم يجز ان يدخل في مساقاة النخل):

كلامه يدل على أن لا بأس لما هو خير من غيره وهو كذلك، قال في المدونة:

ص: 195

أحب إلي أن يلغى البياض للعامل وهو أحله.

قال ابن عبد السلام: يعني: ليسلم من كراء الأرض بالجزء مما يخرج منها غير أنه لفظ فيه نظر إذا لا ينبغي أن يطلق تفضيل الحلية على شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر به ويجعل راجحا على شيء فعله.

قلت: ما ذكر قرره عبد الحق سؤالا وأجاب عنه بأنه جاء في الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم تركه لهم.

قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله تعالى: واعلم أن الحلال متفاوت فما كان دليله قاطعا أو له أدلة كثيرة يؤتى فيه بصيغة أفعل، وما كان على غير ذلك فلا يقال: حلال وأحل وحرام كما قال في المدونة قيل لمالك: فإن ضرب للبيع أجلا قال: فذلك أحرمه قال: ونص على ذلك المازري في تعليقه على المدونة.

(إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقل):

ما ذكر الشيخ من أن التبعية منسوبة للجميع هو المشهور، وقال ابن عبدوس: إنما يراعي أن يكون تبعًا لحصة العامل خاصة ومعرفة التبعية على الشيخ هو أن يقوم كراء البياض فإن قيل: خمسة نظر إلى الثمرة وقدرها عادة وطرح منها قدر النفقة فإن كان الباقي إذ ذاك ما قاله عشرة فأكثر جاز لتحقق التبعية، وإن كان أقل من عشرة لم يجز لأن كراء البياض حينئذ أكثر من الثلث ونسب اللخمي في أول أكرية الدور القول المشهور لابن القاسم، وغلطه قال: لأن السقي والعلاج ثمن الثمرة فكيف يصح أن يحط أحدهما من الآخر وإنما باع العامل عمله بالجزء الذي يأخذه بعد الطيب، وإنما يطيب علىملك رب الحائط، ولذلك قيل: يزكى إن كان في جملته خمسة أو سق، وإن كان علامل عبدًا أو نصرانيًا وغلطه بعض شيوخنا فقال: تغليطه غلط؛ لأن كراء البياض لما كان محض فائدة وجب أن لا ينسب إلا لما هو فائدة والذي هو فائدة من الثمرة إنما هو الباقي بعد قيمة مؤنتها.

(والشركة في الزرع جائزة إذا كانت الزريعة منها جميعا والبرح بينهما كانت الأرض لأحدهما والعمل على الآخر أو العمل بينهما واكتريا الأرض أو كانت بينهما أما إن كان البذر من عند أحدهما ومن عند الآخر الأرض والعمل عليه أو عليهما والربح بينهما لم يجوز ولو كانا اكتريا الأرض والبذر من عند واحد وعلى الآخر العمل جاز إذا تقاربت قيمة ذلك):

اختلف المذهب هل تلزم الشركة بالعقد أم لا؟ على ثلاثة أقوال حكاها ابن

ص: 196

رشد فقيل: تلزم به قاله سحنون وابن الماجشون، وابن كنانة، وابن القاسم في كتاب ابن سحنون وقيل: لا تلزم به بل بالشروع قاله ابن كنانة في المبسوط وبه جرت الفتوي بقرطبة، وهو على قياس رواية على فى لزوم الجعل بالشروع.

وقيل: لا تلزم إلا بالأبدان قاله ابن القاسم في المدونة ورواه عنه أصبغ في العتبية، وعلى هذا الخلاف ينبني سلف أحدهما بعد العقد.

قال أبو عمران الصنهاجي: وهذه إحدى المسائل التى لا تلزم بالعقد وكذلك القراض والجعل والمغارسة والوكالة والذي يلزم بالعقد البيع والنكاح والإجارة والكراء والمساقاة على خلاف.

قال عياض: ووجوه الشركة ثلاثة:

أحدهما: أن يشتركا في الأرض والعمل والآلة والزريعة فإنها جائزة باتفاق.

الثاني: أن يختص أحدهما بالبذر من عنده والآخر بأرض لها قيمة ويشتركان في غيرهما بالتساوي أو بالتفاوت فإنها فاسدة باتفاق لاشتمالها على كراء الأرض بما يخرج منها إلا على قول الداودي الذي يجيز كراءها بما يخرج منها والأصيلي، ويحيى بن يحيى في جواز كرائها بالجزء، وهو مذهب الليث بن سعد في الوجهين وكلاهما خلاف مذهب مالك، وأصحابه.

الثالث: أن يشتركا على غير غير هذين الوجهين وفي شركتهما خلاف مشهور معلوم في الأصل.

وقال ابن حارث: اتفقوا إذا كانت الأرض من عند أحدهما والبذر من عند الآخر أن الشركة فاسدة بكل حال، وهو قصور لما سبق من نقل عياض.

قال اللخمي: لو اشتركا على أن تكون الأرض والبذر كلاهما من عند واحد، والعمل على الآخر فذهب سحنون إلى جوازها، وذهب ابن حبيب وابن المواز إلى منعها وقد قال ابن عبد السلام: هذه مسألة الخماس، وقد قال ابن رشد فيهما: إن عقداها بلفظ الشركة جازت بلا خلاف، وإن عقداها بلفظ الإجارة امتنعت بلا خلاف، وإن كان العقد عاريا من اللفظين فأجاز ذلك ابن القاسم، ومنعه سحنون ورأى أن هذا تحصيل المذهب في ذلك.

قلت: واعترضه بعض شيوخنا بوجهين:

أحدهما: أنه عكس العزو بل في أجوبه ابن رشد ما نصه حمله ابن القاسم على الإجارة فلم يجزه وإليه ذهب ابن حبيب، وحمله سحنون على الشركة، فأجازه وعبر

ص: 197

عنها بما إذا قال: أدفع لك أرضي وبذري وبقري وتتولي أنت العمل.

الثاني: دعواه أن مسألة عرفنا هي مسألة سحنون وابن المواز فيه نظر من وجوه: أحدها: إن عرفنا في الخماس بإفريقية في زمانه، وقبله وبعده إنما هو على أن كل التبن لرب الأرض، والبذر ومسألتهما ليس فيها اختصاص رب الأرض والبذر بشيء.

والثاني: أن مسألتهما فيها المنفرد بالعمل أخرج معه البقر، ومسألة عرفنا لا يأتي العامل بشيء بل يعمل بيده فقط، وكونه كذلك يصيره أجيرا أو يمنع كونه شريكًا.

الثالث: أن ظاهر أقوال المذهب أن شرط الشركة كون العمل فيها مضمونا لا عمل عامل معين ومسألة عرفنا إنما يدخلون فيها على أن العامل معين بنفس العمل، والحامل لنا على هذا الكلام خوف الاغترار بقوله فيعتقد أن في مسألة عرفنا قولاً بالصحة، وليس الأمر كذلك فتأمله منصفا.

ولقد أجاد ونصح شيخ مشايخنا الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن شعيب حيث سئل عن مسألة الخماس في الزرع بجزء مسمى من الزرع هل يجوز أم لا؟ وهل ينهض له عذر في إباحته لتعذر من يدخل على غير هذا؟

فأجاب بأنها إجارة فاسدة وليست بشركة؛ لأن الشركة تستدعي الاشتراك في الأصول التي هي مستند الأرباح وعدم المساعدة على ما يجوز من ذلك لا ينهض عذراً لأن غلبة الفساد في ذلك، وأمثاله إنما هو من إهمال حملة الشرع، ولو تعرضوا لفسخ عقود ذي الفساد لما استمروا على فسادهم فإن حاجة الضعيف إلى القوي أشد قال الله تعالى:(فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين* فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين* والوزن يومئذ الحق)[الأعراف: 6 - 8].

قلت: وكان الشيخ الخطيب المفتي أبو عبد الله محمد الرماح يفتي بأنه عذر يبيح الشركة على الوجه المذكور، وتبعه مفتينا بذل شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي رحمه الله تعالى، وكلاهما من القرويين نفعنا الله تعالى ببركاتهما.

(ولا ينقد في كراء أرض غير مأمونة قبل أن تروي):

يريد بشرط وظاهر كلامه أن العقد عليها جائز وهو كذلك عند ابن القاسم.

قال ابن رشد: لا يفرق ابن القاسم بين الأرضين في جواز العقد لعام أو لعامين أو لأعوام كثيرة ولو كانت غير مأمونة وفي جواز النقد قسمان، فالمأمونة كأرض النيل والمطر المأمون والسقي بالأنهار والعيون الثابتة، والآبار المعينة النقد فيها للأعوام الكثيرة جائز، وغير المأمونة لا يجوز فيها إلا بعد ريها وإمكان حرثها كانت من أرض

ص: 198

النيل أو المطر أو العيون أو الآبار وهي في وجوب النقد قسمان أرض النيل يجب فيها إذا رويت لأنها لا تفتقر إلى السقي بريها يكون المكتري قابضًا لما اكترى، وفي أرض

السقي والمطر لا يجب فيها حتى يتم الزرع ويستغني عن الماء وكذلك ما يزرع بطونا لا يلزمه في البطن حتى يستغنى عن الماء.

ووافقه ابن الماجشون في أرض النيل، وفي أرض المطر والسقي غير المأمون وخالفه وفي أرض السقي المأمون وجعلها ابن القاسم كأرض المطر والسقي غير المأمون وجعلها ابن الماجشون كأرض النيل والأرض عغلى قول ابن الماجشون أربعة أرض النيل المأمونة يجوز كراؤها الأعوام الكثيرة ولو بالنقد قرب إبان ريها أو بعد قاله في المدونة.

وأرض السقي بالآبار والأنهار يجوز كراؤها العشرة الأعوام لا أكثر والنقد فيها على مذهبه جائز قاله فضل، وأرض السقي بالعيون لا يجوز كراؤها إلا الثلاثة أعوام أو أربعة ولا ينقد إلا السنة يريد ينقد للسنة الثانية قبل تمام الأولى بيسير وإن لم ترو الأرض هذا قوله في الواضحة، وأرض المطر لا يجوز كراؤها إلا لعام واحد قرب إبان ريها، ولا يجوز النقد فيها حتى تروي ريا مبلغا لزراعها أو لأكترها مع رجاء وقوع غيره قاله في المدونة. قلت: وما فسر به ابن رشد قول الغير فسره المتيطي لأشهب.

(ومن ابتاع ثمرة في رءوس الشجر فأجيح ببرد أو جراد أو جليد أو غيره فإن أجيح قدر الثلث فأكثر وضع عن المشترى قدر ذلك من الثمن، وما نقص عن الثلث فمن المتباع):

قال بعض شيوخنا: الجائحة ما أتلف من معجوز عن دفعه عادة قدرا من الثمرة أو نباتا بعد بيعه.

روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح.

قال عبد الحق وروى أبو محمد من حديث عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصيب ثلث الثمرة فقد وجب على البائع الوضيعة" وظاهر كلام الشيخ أن الجائحة لا تختص بالأفات السماوية وهو كذلك في المشهور.

ص: 199

وقال ابن الماجشون: هي مختصة بها، وظاهر كلامه أيضًا ولو كانت الثمرة صداقًا فإنه لا جائحة فيها لقوله: ومن ابتاع؛ لأن إطلاق البيع على ذلك مجاز؛ لأن الصداق نحلة، وهو كذلك عند ابن القاسم؛ لأنه يشترط البيع المحض خلافًا لابن الماجشون، وصوبه اللخمي وابن يونس وضعف ابن رشد قول ابن القاسم بإيجاب الجائحة في العرية مع أنها لست بيعًا محضا.

وأجابه شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني رحمه الله بأنها بيع محض، وإنما المعروف فيها هبة الثمرة أولا وليست بمحل النزاع، ويريد الشيخ ما لم تكن الثمرة مشتراة مع الأصل فإنه لا جائحة فيها، ونص على ذلك في المدونة والموازية.

وقيل بثبوتها إن عظم خطرها قاله أصبغ، وظاهر كلام الشيخ، ولو اشترط إسقاط الجائحة، وهو كذلك في سماع ابن القاسم.

قال ابن رشد: لأنه لو أسقطها بعد العقد لم تلزمه لأنه أسقط حقا قبل وجوبه، وكذلك في العقد، ولا يؤثر فساده؛ لأنه لاحظ له من الثمن، ولأن الجائحة أمر نادر.

قلت: وما ذكره من السماع نقلة اللخمي عن رواية محمد، ونقل عن السليمانية أن البيع فاسد، واختار أن يخير البائع فإن أسقط شرطه صح البيع وإلا رد وله في الفوات الأكثر من الثمن أو القيمة، واختلف إذا لم تهلم الثمرة بل تعيبت كالغبار يصيبها أو الريح يسقطها قبل تناهي طيبها فتنقص قيمتها ففي البيان المشهور أن ذلك جائحة ينظر ما نقصها هل الثلث أم لا؟

وقال ابن شعبان، وهو أحد قولى ابن الماجشون: ليس ذلك بجائحة، وإنما هو عيب المبتاع بالخيار بين أن يتماسك أو يرد واختلف هل يعتبر الثلث في ذلك من الملكية أو من القيمة والأول لابن القاسم، والثاني لأشهب.

(ولا جائحة في الزرع ولا فيما اشترى بعد أن يبس من الثمار):

ما ذكر الشيخ هو المشهور وقيل: فيه الجائحة قال ابن الحاجب: لو انتهت كالعنب يطيب والبقول والقصيل فلا جائحة كالتمر على النخل. وقال سحنون: فيه الجائحة.

قلت: وقول سحنون نقله المتيطي عبد الرحمن بن دينار عن ابن كنانة، ونقل ابن يونس عن سحنون مثل المشهور.

(وتوضح جائحة البقول وإن قلت وقيل لا يوضع إلا قدر الثلث):

القول الأول من قولى الشيخ هو رواية ابن القاسم والقول الثاني هو رواية على بن زياد وابن أشرس وكلاهما في المدونة، ولم يقع ذكر ابن أشرس في التهذيب إلا

ص: 200

هنا فيما قد علمت، وحكى ابن الجلاب عن مالك ما تقدم وزاد ورواية ثالثة بأنه لا جائحة فيها بالإطلاق، ولم يحفظها ابن حارث بل ذكر مثل ما ذكر الشيخ فقال: اتفقوا على وضع جائحة البقل واختلفوا في قدر ما يوضع ومثل ما ذكر ابن حارث ذكر اللخمي في المقانئ وألحقوا الزعفران والريحان والقرط والقضب بالبقول واختلف في الأصول المغيبة في الأرض مثل الجزر واللفت والبصل هل هي كالبقول أم لا؟

ومذهب المدونة أنها كالبقول وألحق أشهب المقانئ بالبقول فتوضع، وإن قلت: ألحقها ابن القاسم وابن المواز وابن حبيب بالثمار وكذلك اختلف في قصب السكر على ثلاثة أقوال كالبقل، واختلف في وضع الجائحة في ورق التوت. فقيل: توضع بالإطلاق قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد، وقيل: إذا بلغت الثلث قاله ابن حبيب.

قال ابن سحنون: وانظر لو مات دود الحرير الذى لا يراد ورق التوت إلا له هل يكون مشتريه كمكتري حمام أو فندق ثم جلا بلده فلم يجد من يعمره فيكون له متكلم أو لا يشبهه؛ لأن منافع الربع في ضمان مكتريه وورق التوت مبتاعه يضمن بالعقد كمن اشترى علفا لقافلة تأتيه فعدلت عن محله أو ليس هي مثله لا مكان نقل الطعام حيث يباع وورق التوت لا ينقل.

قال ابن يونس: وكذلك لو اشترى قوم ثماراً من بلد فانجلى أهلها لفتنة أو لموت كان ذلك جائحة.

(ومن أعرى ثمر نخلات لرجل من جنانة فلا باس أن يشتريها إذا أزهت بخرصها ثمرا يعطيه ذلك عند الجداد إن كان فيها خمسة أو سق فأقل):

العرية بتشديد الياء لغة وعرفا يقال عرية وعرايا، قاله عياض والأصل في ذلك ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من الثمر" وثبت لفظ " رخص" في حديث مسلم والبخاري وأبي داود.

قال الباجي: الرخصة عند الفقهاء تخصيص بعض الجملة المحظورة بالإباحة وسموها رخص؛ لأنها مستثناة من قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تبيعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا التمر بالتمر"، وقال المازري: هي مستثناة من بيع الرطب بالتمر وربا الفضل والنساء.

قال ابن رشد: اختلف في جواز بيع العرية على ثلاثة أقوال:

ص: 201