المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء - شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة - جـ ٢

[ابن ناجي التنوخي]

الفصل: ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

فقيل: تجوز بالخرص والعين، وهو المشهور، وقيل: تمنع إلا بالخرص، وقيل: يمنع شراؤها بكل شيء للنهي عن العودة في الهبة وعن الربا وعن بيع الرطب بالتمر، واختلف إذا أعطاه الثمرة بغير لفظ العرية بل بلفظ الهبة والمنحة مثلاً فالمشهور عدم جواز الشراء اتباعا للفظ الحديث، وقيل: إنه جائز قاله ابن حبيب، وغيره، واختلف في علة شراء العارية فقيل: لقصد المعروف، وقيل: لرفع الضرر. قاله ابن الماجشون، وعلله بهما معًا مالك وابن القاسم، والمراد على البدلية لا على لاجمع وعلى هذا الخلاف أجروا إذا أراد أن يشتري بعضها أو جميعها، وهي كل الحائط، وما ذكر الشيخ أن المعتبر خمسة أو سق هي رواية المصريين، وروى أبو الفرج عن مالك يشترط أن تكون أقل من الخمسة.

(ولا تجوز شراء أكثر من خمسة أو سق إلا بالعين أو العرض):

ظاهر كلام الشيخ ولو أعراه عرايا من حوائط عدة فإنه لا يشتري إلا الخمسة فقط، وهو كذلك عنده وعند يحيى بن عمر رضي الله عنهما، وقيل: يشتري من كل حائط خمسة أو سق قاله أبو الحسن القابسي.

وقيل: إن كانت بلفظ واحد فالأول وإلا فالثاني قاله الشيخ أبو القاسم بن الكاتب، ورجحه عبد الحق لقول مالك: من اشترى حوائط فأصابتها جائحة: إنها إن كانت في صفقة واحدة اعتبر ثلث الجميع، وإن كانت صفقات اعتبر ثلث كل واحدة وكلها تؤول على المدونة قاله عياض.

وقال المازري: وسبب الخلاف هل يتعدد العقد بتعدد المعقود عليه أم لا؟

قلت: ومرضه بعض شيوخنا بقوله هذا يوجب قصر الخلاف على كونها في عقد واحد فيسقط الثالث وقد ذكر الثلاثة غير واحد كعبد الحق.

‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

قال بعض شيوخنا الوصية عقد يوجب حقًا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده والوصية مطلقة ومقيدة كما إذا قال: فلان وصيي ولم يزد، فإن قيل: ما الفرق بين هذا، وبين من قال: وكلتك فإنه لا يفيد شيئاً إلا أن يقيد بالتفويض أو بأمر يعرف عند غير واحد من أهل المذهب كابن الحاجب خلافًا لابن رشد.

قيل: لأن اليتيم لما كان محتاجا بأن يتصرف له في كل شيء، ولم يوص عليه والده غير ما أطلق الوصية له كان ذلك قرينة في تفويض الأمر للوصي بخلاف الموكل فإنه قادر على التصرف فيما جعل للوكيل، ولابد من أمر مستبد به في العادة احتاج

ص: 202

إلى تقييد الوكالة بالتفويض، أو بأمر مخصوص، وهذا الفرق أشبه ما قيل في الفرق بينهما.

(ويحق على من ما يوصي فيه أن يعد وصيته):

مذهبنا أن الوصية مندوب إليها ويعرض لها والوجوب والتحريم والكراهة والإباحة، وأمثلتها واضحة معلومة، وفي الحديث:" ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عند رأسه مكتوبة" فحمله أبو عمران على المريض والصحيح، بعدم أمن الموت فجأة وحمله عبد الحق على المريض، فقال: معناه بيت موعوكا.

قلت: والمراد بالكتب والإشهاد على نفسه، وأما لم وجدت مكتوبة بخط يده ولم يشهد عليها فلا تنفع قاله مالك، وغيره.

قال عياض: إلا أن يقول إذا مت فينفذ ما كتبته، وظاهر كلام الشيخ أن الوصية ماضية من السفيه والصبي، وهو كذلك.

واختلف أبو حنيفة في الصبي، واحتج أهل المذهب بما في الوطأ أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن هنها غلامًا يفاعًا لم يحتلم من غسان وورثته بالشام، وهو ذو مال، وليس له ههنا إلا ابنة عم له فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فليوص لها قال: فأوصى لها بما يقال له: بئر جشم.

قال عمر بن سليم الزرقي: فبيع ذلك المال بثلاثين ألف درهم وابنة عمه التي أوصي لها هي أم عمر بن سليم الزرقي.

واختلف في السن الذي تجوز وصية الصغير فيه على ستة أقوال:

فقيل: تجوز إذا كان ابن عشر سنتين أو أقل باليسير قاله في المدونة، وقيل: ابن تسع سنين قاله في كتاب محمد.

وقيل: إن عقل الصلاة قاله أصبغ.

وقيل: إن أثغر وأمر بالصلاة وأدب عليها قاله مالك في العتبية، وقيل: إن كان يفاعًا مراهقًا، قاله عبد الملك.

وقيل: ينظر إلى حال كل صبي على انفراده، وهذا القول أشار إليه اللخمي، وصوبه بعض المتأخرين قال عبد الملك: وتجوز وصية المجنون في حال إفاقته كما تجوز شهادته كذلك إن كان عدلا.

ص: 203

واعلم أن الوصية من الكافر للمسلم بشيء جائزة إلا أن يمنع من ذلك مانع شرعي كالخمر لمسلم قاله ابن شاس، وأما عكسه فقال ابن القاسم: إنها جائزة قال أشهب: ولو كان أجنبيا.

وقال أصبغ: تجوز للذمي لا للحربي؛ لأنها قوة للحربي وترجع ميراثا لا صدقة، ووصايا المرتد باطلة، وإن تقدمت في حال إسلامه لا سيما على قول من يقول إن ماله لا يرد إليه إذا رجع للإسلام.

(ولا وصية لوارث):

الأصل في ذلك ما خرجه الترمذي وصححه عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته المشهورة عام حجة الوداع: " إن الله تعالى قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر" ويريد الشيخ إلا أن يجيزه الورثة على المنصوص.

وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك مردود ولو أجازه الورثة.

وحجتنا في ذلك ما خرجه الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة" رواه ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس، وعطاء هذا لم يدرك ابن عباس، ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس.

قال عبد الحق: وكونه مقطوعا هو المشهور.

قلت: وخرج بعض شيوخنا قول المخالف من نقل ابن فتوح عن عبد الملك: ليس لوارث أن يجيز ما زاد الموصي على الثلث؛ لأنه عقد فاسد للنهي عنه، واختلف المذهب إذا وقعت الإجازة هل هو ابتداء عطية أو تنفيذ؟

فقال ابن القاسم في المدونة: إذا أوصى الأب بأكثر من ثلثه فأجازه الابن وعليه دين أن للغرماء أن يردوا ذلك.

وقال ابن القصار: إذا أجاز الوارث ما أوصي به الميت من الزيادة على الثلث أو الوصية لوارث كان ذلك تنفيذًا لفعل الميت ولم يكن ذلك ابتداء عطية من الوارث.

واختلف إذا أجاز الوارث ولا دين عليه فلم يقبل ذلك الموصي له حتى استدان الوارث دينًا أو مات فقيل: إن غرماء الوارث وورثته أحق بها؛ لأنها هبة ولم تجز.

ص: 204

وقال أشهب: يبدأ بوصية الأب قبل دين الابن وهذا الخلاف ذكره اللخمي فلو قال: إن لم يجيزوا فهي للمساكين، وشبه ذلك، فإن لم يجيزوها كان ميراثا بلا خلاف فإن أجازوها ففي ذلك قولان مرويان عن مالك.

قال ابن عبد السلام: والأقرب إلى أصل المذهب إجازتها؛ لأن الحق دائر فيها بين الميت، وورثته، وقد أجمعوا على إجازتها للموصى له، فإن قال للمساكين إلا أن يجيزوه لابني فقال المدنيون: تجوز وقال به من المصريين ابن القاسم، وابن وهب، وقاله أصبغ استحسانا قائلاً: فيه بعض المغمز.

وقال أشهب: تبطل قال أصبغ وهو القياس.

(الوصايا خارجة من الثلث):

ظاهر كلامه أن الثلث ماض، ولو قصد بذلك الضرر، وهو كذلك في أحد القولين، ومثل هذا الخلاف إذا وهبت ذات الزوج ثلث مالها على وجه الضرر.

فقيل: إنه جائز قاله ابن القاسم، وأصبغ، وقيل: لا يجوز رواه ابن حبيب، واختار اللخمي الأول قائلاً: قد اختلف في الوصية بالثلث على وجه الضرر.

وظاهر كلام الشيخ أيضًا أنه يدخل في ثلث الميت، ما لم يعلم به، وهو كذلك بالنسبة إلى المدبر في الصحة باتفاق، واختلاف في المدبر في المرض والمبتل فيه على أربعة أقوال ثالثها يدخل المبتل دون المدبر، ورابعها عكسه.

وأما الوصايا بالمال فالمعروف من المذهب أن ما لم يعلم به إلى حين الموت لا يدخل نص عليه المفيد.

قال ابن عبد السلام: ولم أر فيه خلافًا سوي ما ذكر اللخمي حيث قال: اختلف في دخول الوصايا ما لم يعلم به الموصي. قال: فأرى أن يكون ذلك على ثلاثة أقسام فإن كانت الوصايا بالثلث لم يكن لأهل الوصايا غير ثلث ما علم به أوصى لواحد أو لجماعة معينين أو مجهولين فإنه هو الذي أعطاهم الميت فلا يزاد عليه، وإن كانت الوصية بغير الثلث بواجبات من زكاة أو عتق عن ظهار وشبه ذلك، وضاق الثلث تممت مما لم يعلم به ومشي في بقية كلامه بنحو من هذا، وهو العمل على ما يفهم من قصد الموصي، وعلى الأول لو اشتهر غرق سفينة ثم أوصي ثم ظهرت السلامة فهل تدخل أم لا؟

في ذلك قولان، والمنصوص في العبد الآبق والبعير الشارد إذا اشتهر موتها ثم ظهرت السلامة قولان كغرق السفينة.

ص: 205

قال ابن عبد السلام: لتقارب الفقد حمل الصور كلها محملا واحدًا.

قلت: قال بعض شيوخنا فظاهر كلامه يقتضي أن الخلاف في العبد إنما هو للتخريج اعتمادا منه على لفظ اللخمي، وهو خلاف قول ابن شاس في العبد الآبق والبعير الشارد إن اشتهر موتهما روايتان لأشهب، وهذا هو الصواب لنقل الشيخ أبي محمد عن الموازية، والمجموعة أن أشهب روى القولين في السفينة والعبد الآبق.

وظاهر كلام الشيخ أنه يرد ما زاد وإن كان الزيادة يسيرة، وهو كذلك، واختلف فيه فقيل: فيمن أوصى بعتق عبده إن وسعه الثلث فزادت قيمته على الثلث بشيء يسير عتق ولا يتبع بشيء، وقيل: يتبع بذلك القدر، وقيل: يكون مقدار ذلك القدر رقيقًا كما هو ظاهر كلام الشيخ كما قلناه.

وقيل: يرد جميعه بقول الميت إن وسعه الثلث ولا معارضة بين هذا الكلام وبين المشهور في المرأة إذا زادت على ثلثها أنه يبطل الجميع خلافًا للمغيرة؛ لأن المرأة يمكنها استدراك مخرجها بإنشاء الثلث ثانيًا قاله الفاكهاني ثم ذكر فائدة، وهي أن مما اختصت به هذه الأمة ثلاثة أشياء: الصلاة على الميت، وثلث الأموال والغنائم.

قال بعض شيوخنا: لا أعرف من خرج الأولين وقال شيخنا أبو مهدي عيسي الغبريني رحمه الله تعالى خرجه أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار من طرق وقال أبو عمر وهي أحاديث واهية.

قلت: وبقي عليه من خصائص هذه الأمة ثلاثة أشياء:

الأول: اليتيم

الثاني: كون الأصل في الأرض الطهارة حتى تظهر النجاسة، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم:" جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلها".

الثالث: الوضوء ذكره الفاكهاني عند تكلمه على قول الشيخ في باب ما يجب منه الوضوء والغسل.

(ويرد ما زاد عليه إلا أن يجيزه الورثة العتق بعينه مبدأ عليها):

نقل الفاكهاني عن المذهب أن من لا ورثة له فإن لا يوصي بأكثر من الثلث بعد أن قال: اختلف في ذلك وظاهر كلام المغربي أن الخلاف مذهبي لقوله في كتاب العدة

ص: 206

وطلاق السنة، وسبب الخلاف في بيت المال هل هو وارث محقق فلا يجوز، وإنما هو جائز للأموال الضائعة فيجوز.

(والمدير في الصحة مبدأ على ما في المرض من عتق وغيره، وعلى ما فرط فيه من الزكاة فأوصى به فإن ذلك في ثلثه مبدأ على الوصايا ومدبر الصحة مبدأ عليه وإذا ضاق الثلث تحاص أهل الوصايا التي لا تبدئة فيها):

اعلم انه إذا ضاق الثلث أو ما يقدم المدبر في الصحة على المشهور وهو ظاهر المدونة في كتاب الوصايا والصوم، ولابن القاسم قول آخر بتقديم صداق المنكوحة في المرض وهو ظاهر كتاب الإيمان بالطلاق منها.

وقيل: إنما يتحاصان قاله ابن القاسم أيضًا ثم المدبرون في الصحة إن كانوا متفاوتين قدم في الثلث الأول فالأول منهم، وإن كانوا في كلمة واحدة فالمشهور أنهم يعتقون بالحصص، وقيل: يقرع بينهم ثم بعد ذلك الزكاة الموصي بها إلا أن يعترف بحلولها وأنه لم يخرجها فتكون من رأس المال، ولو لم يوص فإن الوارث يؤمر بإخراجها ولا يجبر قاله ابن القاسم.

وقال أشهب: إذا حلت في مرضه فمن رأس ماله وسواء أوصى بها أم لا، وكلاهما حكاه اللخمي، وهذا الذي ذكرناه من الترتيب هو المشهور، وفي المجموعة أن الزكاة تبدأ على المدبرن وقيل: إنها بعد العتق المعين، وقيل: الوصايا ثم العتق في الظهارة وقتل النفس معًا وقيل: يبدأ عتق النفس إذ لا بدل عنه، وعتق الظهار عنه بدل وهو الإطعام ثم كفارة اليمين ثم المبتلي في المرض والمدبر فيه معًا.

وقيل: إن المبتلي في المرض مقدم على المدبر فيه؛ لأن المبتلي يخرج من رأس المال في حياة المعتق إن لو صح من مرضه بخلاف المدبر ثم الموصى بعتقه معينا أو يشترى على المشهور.

وقيل: الذي في ملكه مقدم على الذي يشتري لاحتمال أن لم يتم شراؤه وعلى الأول فقيل: يلحق بهما في هذه المرتبة من أوصى بعتقه إلى أجل قريب كالشهر أو أوصى بعتقه على مال يعجله، وقيل: لا يلحقان بهما ثم المكاتب ثم المنذور مثل قوله لله على إطعام عشرة مساكين ثم الموصي بعتقه غير معين، والمال والحج معًا.

وقيل: المعتق مقدم وعلى الأول فمعناه إذا كان الحج ضرورة، وأما حج التطوع فالمعتق مبدأ عليه، وهذا الفصل متسع جداً، ولو أفرد له تأليف لكان لذلك أهلا ومحل التكلم بالاستيفاء على ذلك المدونة.

ص: 207

(وللرجل الرجوع عن وصيته من عتق وغيره):

لا خلاف أعلمه أن للرجل الرجوع عن وصيته وسواء كانت وصيته في حال الصحة أو المرض بعتق أو غيره.

وظاهر كلام الشيخ، ولو أشهد أنه لا رجوع له في وصيته أن له ذلك، وهو كذلك على خلاف بين التونسيين وألف بعضهم على بعض فيها، وقال بعضهم، وهو الشيخ أبو على بن علوان في لزومها بالتزامه.

ثالثها: إن كانت بعتق، ولم يعزها.

قلت: وفي أول المدبر للتونسي ما يفهم منه اللزوم، ويقوم عدمه من كتاب التخيير والتمليك من المدونة قال فيها: وإن قال: أنت طالق تطليقة ينوي لا رجعة لي عليك فيها فله الرجعة.

وقوله: لا رجعه لي عليك البتات باطل إلا أن ينوي بقوله لا رجعة لي عليك البتات، وقاله غير واحد من شيوخنا، والرجوع إن كان بالنطق كما إذا قال رجعت عن وصيتي فواضح، وإن كان أوصى بشيء لزيد ثم أوصي به لعمرو فليس برجوع قاله ابن القاسم في المجموعة.

وقال الباجي: بالدرس والتصفية ينتقل اسمه من الزرع إلى اسم القمح والشعير فكان رجوعا، وقوله أدخله بيته تأكيد لمقصوده، وكذلك قوله: وكالة وإنما يريد بلغ حد اكتياله، ولو جصص الدار وصبغ الثوب ولت السويق فليس برجوع، واختلف هل تكون الزيادة للموصى له أم لا؟

فالمشهور أنها له وقال أصبغ: الورثة شركاء بما زاد ميتهم، واختلف إذا بني العرصة، فقيل: برجوع قاله أشهب، وقيل: يشتركان قاله ابن القاسم، واختلف أيضًا في نقض العرصة، فقيل: رجوع، وقيل: لا، قاله أشهب فعورض بما سبق له.

(والتدبير أن يقول الرجل لعبده: أنت مدبر أو أنت حر عن دبر مني):

قال ابن الحاجب: التدبير عتق معلق على الموت على غير الوصية واعترضه ابن عبد السلام بأنه تعريف بالإضافيات.

وقد ذكروا أنه مما يجتنب في التعريف لإجماله وكذلك يجتنب في تعريف الوصية بالعتق مثلا أن يقال: عتق معلق على الموت على غير التدبير فاعترضه، وأجابه بعض شيوخنا بأن ما ذكره عنهم من اجتناب الإضافيات لا أعرفه لهم حيث تقرر في موضعه، وليست الإضافة ملزومة للإجمال فلذلك وقعت في تعريفاتهم كثيرًا كقول القاضي:

ص: 208

القياس حمل معلوم بإضافة حمل إلى معلوم ثم سأل ابن عبد السلام نفسه، فقال: إن قلت: وهل يرد عليه مع ذلك كونه التعريف غير مانع لدخول بعض انواع العتق إلى أجمل كمن علق عتق عبده على موت أجنبي؟ فإن كلامه ينطبق عليه، وليس ذلك تدبيرا عندهم.

وأجاب بأن قول على غير الوصية قرينة تدل على أنه إنما أراد كون التعليق على موت المعتق وحده إذ الوصية لا تكون معلقة إلا على موت الموصي وحده.

قلت: وقطع ابن هارون بأن كلامه غير مانع بما وقع السؤال عنه. قال بعض شيوخنا: وينتقض بحكم عتق أم الولد فإنه عتق معلق على موت مالكها، ولا يجاب بعدم تعليقه؛ لأنه إن أراد به أنه معنى التعليق اللفظي خرج عنه قوله: أنت حر عن دبر منى فإنه لا تعليق فيه لفظا، وإن أريد به التعليق معنى فعتق أم الولد كذلك وحده بأن قال: التدبير عقد يوجب عتق مملوك من ثلث مالكه بعد موته بعتق لازم والمدبر هو المعتق من ثلث إلى آخره، ولا خلاف في الصيغتين اللتين ذكرهما المؤلف أنهما من صيغ التدبير.

اختلف إذا قال لعبده في صحته: أنت حر بعد موتي، فقال في المدونة عن مالك، وابن القاسم، إن أراد به وجه الوصية صدق وإن أراد به التدبير صدق.

وقال ابن القاسم: هي وصية أبدًا حتى يتبين أنه أراد التدبير، وقال أشهب فيها: إذا قال هذا في حين إحداث وصية لسفر أو لما جاء أنه لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه فهو تدبير إذا قال ذلك في صحته.

واختلف إذا قيد تدبيره بشرط كقوله: إن مت في سفري أو في مرضي فقيل: إنها وصية قال ابن القاسم إلا أن يكون قصد التدبير، وقيل: هو تدبير لازم قاله ابن كنانة، وابن سحنون، وابن القاسم أيضًا.

وفي المدونة: إذا قال: أنت حر يوم أموت كقوله: أنت حر بعد موتي، وناقضوها بقول مالك فيمن قال لزوجته: أنت طالق يوم أموت، إنه يعجل عليه.

قال ابن يونس: فينبغي عليه أن يكون في قوله: أنت حر يوم أموت معتقًا إلى أجل.

قلت: قال بعض شيوخنا: وقد يفرق بينهما بأن تعليقه على الموت ظاهر في كونه بعده فلما كان العتق يصح بعد الموت حمل عليه عملا برجحان حمل اللفظ على ظاهره، ولما لم يصح الطلاق بعد الموت حمل على أنه قبله صونا للفظ من حمله على الإهمال.

(ثم لا يجوز له بيعه وله خدمته):

يريد إلا في دين سابق ولا خصوصية للبيع بل، وكذلك هبته والصدقة به نقله

ص: 209

رحمه الله تعالى عن الموازية، وما ذكر أنه لا يجوز بيعه هو المشهور مطلقًا.

وفي نوازل ابن الحاج عن ابن عبد البر: كان ابن لبابة يفتي ببيعه إذا تخلق على مولاه وأحدث أحداثا قبيحة لا ترضى كما روي عن عائشة رضي الله عنها، وأول ابن رشد فعل عائشة بأنها أرادت قتلها بالسجن وذلك بين من قولها أرادت تعجيل العتق فحرمتها منه كحرمان القاتل من الميراث.

وقال الشافعي وغيره: التدبير وصية يجوز بيعها بكل حال.

قال ابن عبد البر: وناقض الشافعي على مالك بيع المدبر في المقاواة فيما إذا دبر أحد الشريكين قال غيره: وأجاب سحنون بأن المقاواة إنما قلنا بها لإزالة الضرر عن الشريك الذي لم يدبر وعلى المشهور فإن بيع فإنه يفسخ ما لم يفت اتفاقًا.

واختلف إذا فات بعتق المشتري له فقيل: بإمضاء البيع ويكون الولاء للمشتري وقيل: يفسخ البيع، ويرجع مدبرا على ما كان عليه والقولان لمالك.

(وله انتزاع ماله ما لم يمرض وله وطؤها إن كانت أمة ولا يطأ المعتقة إلى أجل ولا يبيعها وله أن يستخدمها):

يريد إذا كان المرض مخوفا عليه فيه، وما ذكر الشيخ زعم ابن حارث في ترجمة باب جامع المدبر الاتفاق عليه.

وقال ابن هارون: حكي ابن رشد في المريض أن له انتزاع ماله؛ لأنه ينتزعه لنفسه وحكاه ابن عبد السلام بلفظ: وقيل له: انتزاعه مطلقًا.

قال: وهو الأصل قال بعض شيوخنا: ولا أعرفه وأظنه لابن نافع، ولم أجده لابن رشد، وظاهر كلام الشيخ: ولو فلس السيد أنه يجوز له أن ينتزع ماله، وهو ظاهر المدونة.

وقيل: ليس له ذلك وجعله ابن الحاجب المذهب، فقال: وللسيد أخذ ماله ما لم تحضره الوفاة أو يفلس وأراد بقوله ما لم تحضره الوفاة ما لم يمرض المرض المخوف، وليس لغرماء السيد أخذ ماله.

واختلف هل لهم أن يجبروا السيد على انتزاعه أم لا؟ فالمنصوص أن ليس لهم ذلك، وخرج بعضهم مما قيل في المذهب فيمن حبس عليه الحبس وشرط عليه المحبس أن يبيع متى احتاج إلى البيع أن للغرماء جبر السيد المحبس عليه على البيع أن يكون للغرماء إجبار القادر على انتزاع مال عبده.

(وله أن ينتزع مالها ما لم يقرب الأجل وإذا مات فالمدبر من ثلثه والمعتق إلى أجل من

ص: 210

رأس ماله):

قال الفاكهاني: قدر القرب الشهر والشهران.

(والمكاتب عبد ما بقي عليه شيء):

قال ابن عبد السلام: لما كانت حقيقتها العرفية معلومة، وهي إعتاق العبد على مال منجم لم يتعرض ابن الحاجب إلى رسمها، واعترضه بعض شيوخنا بأنه يدخل في كلامه عتقه على منجم على أجنبي، وليس بكتابة ولا حكمه حكمها وحدها بأن قال الكتابة عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه.

قال ابن عبد السلام: قالوا: والحد الذي تجوز فيه كتابة المكاتب إذا بلغ حد السعاية، وهو بلوغ سنه عشر سنين، واختلف في كتابة الصغير والأمة للذين لا مال لهما، ولا يسعيان بالجواز، والكراهة.

وظاهر كلام أشهب التحريم لقوله: تفسخ كتابة الصغير ما لم يعرف بالأداء.

قلت: قال بعض شيوخنا: تأمل قوله: قالوا: فإن أراد بذلك على قول أشهب فهو خلاف نصه تمنع كتابة ابن عشر سنين، وإن أراد على قول ابن القاسم فظاهر نقل الباجي عنه جوازه، وإن لم يبلغ عشر سنين.

(والكتابة جائزة على ما رضيه العبد وسيده ما المال منجما قلت النجوم أو كثرت):

اعلم أن قول الشيخ جائزة نفي لما يتوهم، وإنما أراد أنها مندوب إليها. قال الله تعالى:(والذين يبتغون الكتب مما ملكت أيمنكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وءاتوهم من مال الله الذي ءاتكم)[النور: 33]

، ونص على الندبية ابن شعبان في نقل الباجي، وعزاه اللخمي لرواية ابن القصار في قول مطرف وتأول اللخمي عن مالك في الموطأ أنه يقول: الكتابة مباحة لا مندوب إليها لقوله هناك: إن بعض أهل العلم كان إذا سئل عن آية الكتاب تلا قوله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا)[المائدة: 2]

، وقوله:(فإذا قضيت الصلوة فانتشروا)[الجمعة: 10]

قلت: وعزاة الباجي لإسماعيل القاضي وعبد الوهاب، ورواية ابن الحاجب، وقال اللخمي، أرى إن كان العبد لا يعرف بسوء وسعاية من مباح وقدر الكتابة ليس بأكثر من خراجه بكثير فمباحة، وإن عرف بالسوء والإذاية فمكروهة، وإن كانت سعايته من حرام فحرمة.

وظاهر كلام الشيخ: أن السيد لا يجبر عبده على الكتابة، وهو كذلك على

ص: 211

المشهور وروى إسماعيل القاضي عن مالك أنه يجبره وهو ظاهر سماع أشهب، وبه قال ابن بكير وإسماعيل، وأخذه ابن رشد من قول المدونة عتقه بتلاً على مال عليه بعد العتق دينًا فالكتابة أحرى.

ورده بعض شيوخنا بتحقق العتق في مسألة المدونة وأما الكتابة فهي معروضة للعجز بعد أداء جلها واختار اللخمي أن السيد إذا رضي من عبده بمثل خراجه أو زيادة يسيرة فله الجبر، وإلا فلا وحسنه ابن عبد السلام قائلاً: لأنها منفعة للعبد خالية عن الضرر.

واختلف المذهب إذا اشترط السيد وطء مكاتبته، واستثنى حملها فقيل: إن الشرط ساقط، قاله ابن القاسم، ونقل ابن المواز عن أشهب عن مالك أن الكتابة تفسخ إلا أن يرضي السيد بطرح الشرط، واختار ابن المواز مثله ما لم تؤد نجما منها فإن الكتابة ماضية، ويبطل الشرط.

واختلف هل تنافي الكتابة الحلول أم لا؟ فقيل: تنافيه؛ لأن الكتابة لم تقع قديمًا وحديثا إلا مؤجلة. وقيل: إنها كالبيع تقبل الحلول والتأجيل غير أن الغالب عليه عند أهل المذهب التأجيل، ولذلك قالوا: إذا أوصى الموصي بالكتابة مجملة نجمت على حسب ما يراه أهل المعرفة.

وزعم ابن رشد أنه مذهب مالك قال: وقول الشيخ أبي محمد في رسالته الكتابة جائزة على ما رضيه العبد وسيده من المال منجما ظاهر في أنها لا تكون إلا منجمة وليس بصحيح، وإنما منعها حالة أبو حنيفة ورده بعض شيوخنا بأن قول أبي محمد لا يدل على منعها حالة بل عدم صدق لفظ الكتابة عليها فقط فتأمله.

(فإن عجز رجع رقيقًا وحل له وأخذ منه ولا يعجزه إلا السلطان بعد التلوم إذا امتنع من التعجيز):

ما ذكر الشيخ من أنه إذا عجز رجع رقيقًا وحل له ما أخذ منه هو مذهبنا واضطراب العلماء فيه اضطرابًا كثيرًا وظاهر كلام الشيخ أنهما إذا اتفقا على التعجيز لا يفتقر إلى السلطان وإن كان له مال ظاهر، وهو كذلك عند مالك.

وقال أيضًا: إن كان له مال ظاهر فلابد من تعجيز السلطان.

وقال سحنون: لابد من السلطان مطلقًا، وكلها نقلها اللخمي قائلاً: وعلى القول بالمنع إذا رضي بالفسخ، ولم ينظروا في ذلك حتى فات بالبيع أو بإعتاق المشتري فقيل: البيع فوت، وقيل: ليس بفوت إلا أن يفوت بعتق.

ص: 212

وقيل: يريد البيع، ولو أعتق فإنه ينقض، وقيل: إذا باع السيد رقبته برضاه جاز قاله ابن القاسم في الديماطية، وقول الشيخ: لا يعجزه إلا السلطان ظاهر في أن التلوم لابد منه سواء كان يرجى له الخلاص أم لا!! وهو كذلك إلا أن القلة والكثرة تختلف بذلك صرح في المدونة، وفيها أيضًا: ومن شرط على مكاتبه أنه إن عجز عن نجم ما فهو رقيق، وإن لم يرد نجومه إلى أجل كذا فلا كتابة لم يكن للسيد تعجيزه بما شرط، ولا يعجزه إلا السلطان بعد أن يجتهد له في التلوم بعد الأجل، فمن العبيد من يرجي لهم في التلوم، ومنهم من لا يرجى له فإن رأى له وجه أداء تركه، وإلا عجزه فظاهرها أن التلوم لابد منه وإنما الاجتهاد في قدره.

وقال المغربي: إنها محتملة لذلك، ومحتملة لأن يكون معناها أن من لا يرجى له لا يتلوم له كمسألة العجز عن النفقة فإن للشيوخ تأولين عليها، وليس كذلك بل الفرق من وجهين:

أحدهما: حق الله هنا وحق الآدمي هناك، وقد علمت أن حق الله آكد.

والثاني: أن العبد مظنة أن يرجى له لأن الغالب كونه ممن يتصدق عليه ويوهب له بخلاف الحر فليس هو في مظنة ذلك، والله أعلم.

(وكل ذات رحم فولدها بمنزلتها من مكاتبة أو مدبرة أو معتقة إلى أجل أو مرهونة وولد أم الولد من غير السيد بمنزلتها):

قال التادلي: يخرج من هذا العموم الأمة المستأجرة والمستخدمة والموصى بعتقها.

قلت: لا يحتاج إلى هذا الإخراج لقوله: من، فليس في كلامه عموم وظاهر كلام الشيخ سواء حملت به بعد العقد أو قبل العقد، وهو كذلك وسواء كان من زوج أو من زنا.

(ومال العبد له إلا أن ينتزعه السيد فإن أعتقه أو كاتبه، ولم يستثن ماله فليس له أن ينتزعه، وليس له وطء مكاتبته، وما حدث للمكاتب والمكاتبة من ولد دخل معهما في الكتابة وعتق بعتقهما):

ظاهر كلام الشيخ أنه يملكه حقيقة فيقوم من كلامه فرعان:

الفرع الأول: أنه يجوز له أن يطأ جاريته إذا ملكها، وهو كذلك نص عليه مالك في الموطأ.

قال ابن زرقون وذكر ابن القصار أن أهل العراق لا يجيزون للعبد أن يطأ

ص: 213

جاريته وتقدم نحو كلامه على أبي عمر يريد أنه قال فيما سبق من يقول العبد لا يملك لا يجوز له التسري بحال، وما في الموطأ هو ظاهر الروايات من المدونة، وغيرها.

وقال ابن عبد السلام في كتابه الرهون: المحجور عليه لا يجوز له أن يطأ أمته إلا بإذن سيده بخلاف المأذون له ورده بعض شيوخنا بكلام مشبع فانظره.

الفرع الثاني: يجب على العبد أن يزكي المال الذي بيده، وتقدم في محله أن ابن هارون نقل عن ابن كنانة مثله في المدونة والمشهور لا يزكي، هكذا رأيته في النسخة التي كانت بيدي، ورأيت الآن في بعض النسخ إسقاط ابن كنانة فلعله أخذ لا نص.

وتقدم اعتراض بعض شيوخنا عليه بأن ما ذكره لم يجده في المدونة بحال.

(وتجوز كتابة الجماعة ولا يعتقون إلا بأداء الجميع):

يريد إذا كان المالك واحدًا وأما عبد لك وعبد لغيرك لم يجز لكما جمعهما قاله في المدونة فإن وقعت فقال اللخمي: يختلف هل تمضى وتفض الكتابة عليهما وتسقط حمالة أحدهما عن الآخر أو تفسخ ما لم يؤد نجما واحدًا من الكتابة على ما تقدم في الشروط الفاسدة، وهذا كله إن دخلا على الحمالة، وأما إن كان السيدان عقدا الكتابة لا على الحمالة فقال ابن عبد السلام: وقال الباجي: إنها جائزة، ويجعل على كل واحد من العبدين ما ينوبه من جملة الكتابة.

وأشار إلى أنه لا يختلف فيه كما اختلف في جمع الرجلين سلعيتهما في البيع.

قلت: قال التادلي: منهم من أجرى ذلك على جمع الرجلين سلعيتهما في البيع، وأما لو كان العبدان شركة لرجلين فاختلف في جمعهما في كتابة واحدة فلم يجز ذلك أشهب قائلاً: لأن كل عبد يتحمل لغير سيده إلا أن يسقطا حمالة بعضهم فيجوز، وقال ابن ميسر ليس كما احتج لأن لكل واحد نصف كل عبد فإنما يقبض كل واحد عن نصفه نصف الكتابة فلم يقبض أحدهما عن غير ملكه شيئاً.

واختلف المذهب في صورة الشيخ على أربعة أقوال: فقيل: إن الكتابة توزع على قدر قوتهم على الأداء يوم عقد الكتابة قاله في المدونة وهو قوله أيضًا في كتاب ابن المواز، وفيه أيضًا أنها تفض على اعتبار حالهم ذلك اليوم مع رجاء الحال التي يكونون عليها بعد ذلك من قوة وضعف.

وقال عبد الملك: تفض على عددهم وكذلك إذا استحق أحدهم وهم أربعة سقط عنهم ربع الكتابة، هذا ظاهر ما حكاه ابن يونس عنه وحكى اللخمي عنه أنها تكون على قدر القوة على الأداء وقيمة الرقاب، وما ذكر الشيخ أنهم لا يعتقون إلا

ص: 214

بأداء الجميع صحيح إذ هو ثمرة الحمالة، وكذلك يؤخذ المليء بالجميع.

ونص على ذلك في المدونة ولابن رشد في المسألة التاسعة من نوازل سحنون ظاهر قول المغيرة أنهم لا يكونوا حملاء بعضهم عن بعض إذا كوتبوا كتابة واحدة إلا أن يشترطوا ذلك وهو خلاف المدونة وغيرها، واختلف هل يوضع لموت أحدهم شيء أم لا؟ فالمعروف من المذهب أنه لا يوضع لذلك شيء، وقال اللخمي: القياس أن يحط عنهم ما ينويه لأن كل واحد اشترى نفسه بما ينوبه من تلك الكتابة فمن مات في الرق سقطت الحمالة عنه، وإن استحق أحدهم بحرية أو ملك سقط عنه ما ينوبه نقله الباجي عن الموازية.

قال: ولابن حبيب عن أصبغ من أعتقه سيده وأبي ذلك شركاؤه فأدى معهم حتى عتقوا لم يرجع على سيده بما أدى.

قلت: وقال أبو حفص العطار في رجوعه عليه قولان، والصواب الرجوع.

(وليس للمكاتب عتق ولا إتلاف ماله حتى يعتق):

ظاهر كلام الشيخ: إن أذن له سيده وهو كذلك عند غير ابن القاسم في المدونة قائلاً: لأنه داعية إلى رقه، وقال ابن القاسم فيها: لا يجوز إلا بإذن السيد والقولان فيها في كتاب الحمالة والأقرب أنهما يرجعان إلى قول واحد فيحمل قول الغير على إتلاف المال الكثير، وقول ابن القاسم على اليسير قال في المدونة: ويجوز كتابة جماعة ووكالتهم في الخصومة بإذن السيد لأن من وكل عبده بقضاء دينه فقام للعبد شاهد أنه قد قضاه حلف العبد وبرئ كالحر سواء، ولا يحلف السيد، وأقام منها المغربي صحة وكالة الصبي لأنه محجور عليه كالعبد وارتضى هذه الإقامة بعض من لقيناه ممن تولي قضاء الجماعة بتونس، وهو شيخنا أبو مهدي عيسى رحمه الله تعالى، واجبته بأنها إقامة ضعيفة؛ لأن حجر الصبي ذاتي فالغالب عليه إتلاف ما يوكل عليه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال بخلاف حجر العبد فإنما هو لحق السيد، وقد يكون العبد في ذاته رشيدًا فالحق أن وكالة الصبي لا تجوز وهو نقل اللخمي قال: لأنه تضييع للمال، وعليه العمل عندنا بتونس وظاهر كلام ابن رشد جواز توكيله، وكذلك في نوازل ابن الحاج، وقال: ومن كل على قبض دين له صبيا قبل بلوغه فقبضه براءة للغريم؛ لأن رب الحق رضي به وأنزله منزلته.

ص: 215

قال بعض شيوخنا: وهو ظاهر كتاب المديان من المدونة وفيها ما نصه.

قلت: أرأيت إن دفعت إلى عبد أجنبي محجور عليه مالا يتجر لك به أو ليتيم محجور عليه ثم لحقهما دين أيكون في ذمتهما؟ قال قال مالك: يكون في المال الذي دفع إليهما، وما زاد فهو ساقط إلا أن يقال: إنما تكلم عليه بعد الوقوع، والأول أظهر، وهو الأكثر من أخذ الأشياخ الأحكام من مفروضات المدونة.

(ولا يتزوج ولا يسافر السفر البعيد بغير إذن سيده):

يقوم من كلام الشيخ أنه لا يكفر إلا بالصيام وهو مقتضى نقل المدونة أنه كالعبد ونص ابن شاس على ذلك، وقال بعض شيوخنا: ولا أعرفه لغيره نصًا في المذهب بل للغزالي في وجيزه، واختلف إذا تزوج بغير إذن سيده فالمشهور أنه بخير السيد في فسخه وإمضائه، وقال الأبهري: القياس فسخه، وعلى الأول إذا اختار الفسخ فقيل بطلاق، وقيل: بغيره، وعلى الأول فقيل: بطلقة، وقيل: بطلقتين، والقولان في المدونة والمعروف أنه بائن وقيل: رجعي فلو عتق في العدة كان أحق بها كما قيل في المعتقة تحت العبد تختار الفراق ثم يعتق هو في عدتها.

واختلف في إذا دخل بها العبد ثم علم السيد به بعد البناء وبعد أن دفع الصداق لها فقال في المدونة: يترك لها ربع دينار، وقال ابن الماجشون: لا يترك لها شيئًا.

وظاهر كلام الشيخ: أن السفر القريب جائز، وهو كذلك عند ابن القاسم، ومنعه مالك مطلقًا.

وقال اللخمي: إن كان صانعا أو تاجرا قبل كتابته فللسيد منعه، وإن بارت صناعته أو تجارته، واحتاج للسفر لم يكن ذلك له إلا بحميل بالأقل من باقي كتابته أو قيمته، وإن كان شأنه السفر ومنعه السيد قبل كتابته لم يمنع إلا في السفر يحل النجم عليه قبل رجوعه منه، وإن اتهم على ذلك منع إلا بحميل.

قلت: قال بعض شيوخنا: الحمالة خلاف المذهب، وقال الفاكهاني: وكان الشيخ أراد بقوله السفر البعيد الذي تحل فيه نجومه قبل قدومه كالمديان.

(وإذا مات وله ولد قام مقامه وأدى من ماله ما بقي عليه حالا وورث من معه من ولده ما بقي):

اعلم أن المكاتب إذا مات، وكان له وفاء بالكتابة، وفضلت فضلة فالمذهب أنه لا يرثه ورثته الأحرار، وإنما يرثه من معه في الكتابة على خلاف في تبعيتهم، وفي ذلك أربعة أقوال: فقيل: لا يرثه إلا قريب يعتق عليه من الأب والأولاد والإخوة قاله عبد

ص: 216

الملك وابن القاسم مرة وقيل: لا يرثه إلا الولد خاصة، وقيل: يرثه قريبه الحر ممن معه إلا الزوجة قاله ابن القاسم أيضًا، وقيل والزوجة وكل هذه الأقوال منسوبة إلى مالك، والمشهور منها الثالث.

وقال الشافعي: يرثه سيده قال الفاكهاني، وكأنه القياس لقوله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم:" المكاتب عبد ما بقي عليه درهم".

(وإن لم يكن في المالك وفاء فإن ولده يسعون فيه ويؤدون نجوما إن كانوا كبارا):

قوة كلام الشيخ تقتضي أن هذا المال لا يرجع لمن معه في الكتابة من أجنبي أو قريب غير الولد وهو كذلك قاله ابن القاسم في المدونة، وقال أشهب: يدفع إلى من معه، وقال ربيعة: لا يدفع لأحد سواء كان قريبًا أو أجنبيا ولو كانوا ذوي قرابة، وأمانة، وليتعجله السيد، ويحاسبهم به من آخر النجوم.

(وإن كانوا صغارا وليس في المال قدر النجوم إلى بلوغهم السعي رقوا وإن لم يكن له ولد معه في كتابته ورثه سيده):

يريد ما لم تكن معهم أم ولد فإن كانت ولها قوة وأمانة، دفع إليها إن رجي لها قوة على سعي بقية الكتابة، أو كان في المال ما يبلغهم السعي، وأما إن لم يكن لها قوة فإنها تباع ويضم ثمنها إلى التركة فيؤدي إلى بلوغهم السعي وحيث آل الأمر إلى بيع أم الولد فقال مالك في المدونة: للولد بيع من فيه نجابة من أمهات الأولاد أمهم كانت أو غيرها.

وقال ابن القاسم: أرى أن لا يبع أمه إذا كان في بيع سواها ما يكفيه، واختلف قول سحنون إذا كن أمهات أولاد متعددات فقال مرة يقرع بينهن، وقال مرة يباع من كل واحدة بقدرها.

قالوا: يريد غير أم الولد الموجود إلا أن يكون لكل واحدة ولد فيباع من كل واحدة بقدرها.

(ومن أولد أمة فله أن يستمتع منها في حياته، وتعتق من رأس ماله بعد مماته):

ما ذكر الشيخ صحيح ومذهبنا أنه لا يردها دين سابق، وقد روى على أنها تباع في الدين وروي عنه أنه رجع عنه، ولو قال في مرضه هذه ولدت منى، ولا ولد معها فلا يخلو أما أن يكون له ولد من غيرها أم لا فإن كان فإنه يصدق وقيل: لا يصدق

ص: 217

قاله أكثر أصحاب مالك: والقولان لمالك رحمه الله، وإن لم يكن له ولد فإنه لا يصدق. قاله في المدونة.

قال اللخمي: وعلى قوله في المرض يقر بقبض كتابة مكاتبه وورثته كلالة: إنه يقبل قوله هنا، ولو كانت ورثته كلالة إذا كان الثلث يحملها، ولم يشغل الثلث بوصية.

واختلف إذا اشترى زوجته، وهي حامل منه فقيل: إنها تكون به أم ولد، وقيل: لا، والمشهور هو الأول.

(ولا يجوز له بيعها ولا له عليها خدمة، ولا غلة، وله ذلك في ولدها من غيره، وهو بمنزلة أمه في العتق بعتقها):

ما ذكر من أن بيعها لا يجوز هو مذهبنا باتفاق بل زعم غير واحد الإجماع على ذلك ومنع بعضهم ثبوته، وكذلك بيعها حاملا من سيدها، وحكى البرذعي عن النخعي في احتجاجه على داود الظاهري الإجماع على منع بيعها، وقدح فيه بعض فقهاء تونس بناء على قول من يجيز بيع الحامل واستثناء جنينها.

ونقل بعض من شرح التهذيب أنه أبو سعيد البرذعي الحنفي، واشتد نكير شيخنا أبي مهدي عيسى الغبريني أيده الله تعالى بقوله: إنما هو أبو سعيد البراذعي الخراساني.

ذكر الشيخ ابن سيد الناس الأندلسي وغيره قالوا: سار البرذعي من بلده إلى الحج، فلما وصل إلى بغداد وجد داود الظاهري في مجلسه وهو يقول: أجمعنا على أن بيع أم الودل قبل حملها جائز فكذلك بعد وضعها أخذا بالاستصحاب فقال البرذعي: أجمعنا على أن بيعها حالة العلوق لا يجوز فكذلك بعده أخذا بالاستصحاب فانقطع قال: فخرجت وأنا أستخير الله في الجلوس لتعليم العلم، وترك الحج لغلبة مذهب داود على غيره فرأيت في المنام تلك الليلة قارئا يقرأ قوله تعالى:(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)[الرعد: 17]

فلما استيقظت وإذا بصارخ يقول: إلا أن داود الظاهري قد مات فتركت الحج، وجلست للناس قال: يقول هذا القائل هو الزناتي شارح التهذيب أنه أبو سعيد البرذعي خطأ من وجوه منها أنه لم يكن في عصر داود، ومنها أن هذا المنقول عنه إنما هو البرذعي بإسكان الراء على غير ذلك.

قلت: قال بعض شيوخنا: وأخبرني بعض من لقيناه من الثقات الحفاظ يريد به أبا عبد الله محمد الشطي أنه وقف على حاشية في رسالة ابن أبي زيد بخط من يوثق به

ص: 218

إمضاء بيعها عن على بن زياد، وإذا فرعنا على المعلوم من المذهب ووقع بيعها فإنه يفسخ ويتحفظ منه عليها لئلا يعود إلى بيعها، ولا يمكن من السفر بها، وإن خيف عليها وتعذر حفظها عتقت عليه. كقول مالك فيمن باع زوجته أن لا يكون بيعها طلاقا، ويطلق عليه إن خيف عوده لذلك، والحكم ما ذكرناه من الفسخ، ولو أعتقها المشتري فمصيبتها من البائع بخلاف البيع الفاسد في غيرها، وما ذكر أنه ليس له عليها خدمة يريد معتبرة.

وأما الخدمة الخفيفة فإنها عليها قاله القاضي عبد الوهاب، وقال ابن القاسم: ليس له في أم الولد أن يعتقها في الخدمة، وإن كانت دنيئة، وتبتذل الدنيئة في الحوائج الخفيفة ما لا تبتذل فيه الرفيعة فحمله ابن عبد السلام وغيره على خلاف قول القاضي عبد الوهاب، ولا يبعد حمله على الوفاق، وقال أبو حنيفة له فيها الخدمة.

قال الباجي: وهو الأظهر عندي لأنها باقية على حكم الملك، وإنما منع أن يملكها غيره قياسًا على استخدامه ولدها؛ لأن حرمتهما واحدة إذ كل ذات رحم فولدها بمنزلتها في الحرمة فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال، وإذا فرعنا على المشهور فليس له أن يؤاجرها ولو وقع ذلك، وفات لم يرد، وكانت الإجارة له قاله اللخمي.

(وكل ما أسقطته مما يعلم أنه ولد فهي به أم ولد):

لا خلاف في المذهب أنه إذا أقر السيد بوطئها وثبت الإتيان بولد حي أو ميت علقة فما فوقها مما يقول النساء: إنه منتقل إنها تكون به أم ولد.

واختلف في الدم المجتمع فقال ابن القاسم في المدونة في كتاب الديات: إنه معتبر ذكر ذلك في أخذه في الكلام على الغرة، وألغاه أشهب.

قال شيخنا أبو مهدي عيسي الغبريني رحمه الله: وأسقطه البراذعي، وهو مما يتعقب به عليه.

قلت: لا يتعقب عليه لكونه ذكره في كتاب الاستبراء، ونصه: ومن اشتري جارية حاملا فليتواضعها حتى تلد، وليقبضها المبتاع، وينقد ثمنها، ولا يطؤها حتى تلد فإن ألقت دما أو مضغة أو شيئًا مما يستيقن النساء أنه ولد فاستبراؤها ينقضي به كما تنقضي بذلك العدة في الحرة وتكون به الأمة أم ولد، وعكس عياض في الإكمال فعزا لكل واحد من ابن القاسم وأشهب ما للآخر، ولم يزل أشياخنا بأجمعهم ينبهون عليه كما نبه عليه ابن عبد السلام في العدد فاعلمه.

واختلف إذا أنكر السيد الوطء فالأكثر أنه لا يتوجه عليه اليمين إذا ادعت عليه

ص: 219

ذلك؛ لأنها من دعوى العتق، وهي غير موجبة لليمين على أصل المذهب، واختار اللخمي تحليفه إذا كانت من الوخش، وعلم منه الميل إلى ذلك الجنس.

والفرق بين هذا وبين دعوى العتق أن الغالب حصول الوطء في هذا الموضع والعتق نادر، ولو قيل: لا يصدق في العلي إذا طال مقدمها لكان له وجه وإذا أقر السيد بالوطء، وأنكر الولادة وليس مع الأمة ولد فإن اليمين تتوجه عليه بذلك.

واختلف إذا أتت بامرأتين على الولادة هل تكون بذلك أم ولد أن لا؟ وكذلك اختلف إذا كان معها الولد.

فقيل: يقبل قولها قاله مالك في المدونة، وقال أيضًا: لابد من امرأتين على الولادة، وقال ابن المواز: يقبل قولها إن صدقها جيرانها ومن حضرها، وليس يحضر مع ذلك الثقات.

واختار اللخمي بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة الرجوع إلى دلائل الأحوال في ذلك من اللبن ودم النفاس، وتغير الوجه إن اختلف قرب ما تزعم أنها ولدت فيه.

واختلف إذا توفي سيدها وهي حامل منه فمرة، قال مالك: تكون حرة إذا تبين الحمل بتحرك الولد وهو قول ابن القاسم وروايته، ومرة قال: لا تكون حرة حتى تضع الحمل لاحتمال أن ينفش الحمل، وهو مذهب ابن الماجشون وسحنون.

(ولا ينفعه العزل إذا أنكر ولدها وأقر بالوطء)

ما ذكر الشيخ من أنه لا ينفعه العزل عنها صحيح؛ لأن الماء قد يغلبه ولو اليسير منه، وقال اللخمي: إلا أن يكون العزل البين، وأما الوطء في الدبر، وبين الفخذين مع الإنزال ففي ذلك قولان: فقيل: كالأول، وقيل: لا يلحق به؛ لأن الماء إذا باشر الهواء فسد وكلاهما ذكره اللخمي، واختار الأول؛ لأن ما ذكره مظنون فلا يسقط النسب لمثله، واستبعد الباجي الأول قائلاً: وإذ لو صح أن يكون من الوطء بين الفخذين ولد لما لزم من ظهر بما حمل حد.

قال سحنون: ولو كان الإنزال بين شفري الفرج لحق الولد قولاً واحدًا.

قال ابن القاسم: ولو قال: كنت أطؤها ولا أنزل لم يلزمه به الولد.

(فإن ادعى استبراء لم يطأ بعده، ولم يلحق به ما جاء من ولد):

ما ذكر الشيخ هو المشهور في كتاب ابن سحنون عن المغيرة لا يبرأ منه إلا إلى خمس سنين، وهذا منه تضعيف للاستبراء، وهو الأول فاختلف هل يلزم في ذلك يمين أم لا؟ فالأكثرون على أنه يحلف وتؤول على المدونة في قولها فهو مصدق، وقيل:

ص: 220

يحلف قاله عيسى.

وقال ابن مسلمة: يحلف إن اتهم واحتار بعض المتأخرين قول عيسى؛ لأن دعواها قد حققتها ولا يحتاج إلى التفصيل بين المتهم، وغيره.

واختلف هل الاستبراء بحيضة كاف أم لا؟ فالأكثر على أنه كاف قال ابن الحاجب، وانفراد المغيرة بثلاث حيض، ويحلف، قال ابن عبد السلام: وهو غير صحيح فإن ابن رشد ذكره عن عبد الملك عن مالك قائلاً، ويحلف كما قال.

قلت: عزاه اللخمي لعبد الملك في كتابة لا لروايته.

(ولا يجوز عتق من أحاط الدين بماله):

إنما لا يجوز ذلك لحق الغير؛ لأنهم لم يعاملوه على ذلك، ولا أعلم فيه خلافًا.

قال في المدونة في كتاب العتق الأول: ولا يحوز عتق من أحاط الدين بماله ولا صدقته، ولا هبته، ولو كانت الديون التي عليه إلى أجل بعيد إلا بإذن غرمائه، وأخذ منها شيخنا أبو مهدي رحمه الله أن من أحاط الدين بماله يجوز له أن يضحي؛ لأنه إنما نفى ما ذكر فقط ومن حيث المعنى أن الغرماء عاملوه على ذلك.

قال المغربي: وأخذ الشيوخ أن من عليه فوائت أنه لا يتنفل.

قلت: وأخذ التادلى مثله من قول الشيخ أبي محمد قائلاً: فإ، تنفل فقال ابن رشد في أجوبته أثم يترك الفرض وأثيب بفعل النوافل.

وقال المغربي: يجوز له أن يتنفل، ولا يحرم نفسه من الفضيلة.

قلت: ويرد هذا الأخذ الإجماع على أن رد مظالم الخلق في كل واجب فورا في كل آن آن، ولا كذلك في الفوائت لقول ابن رشد في البيان: وليس وقت ذكر المنسية بمضيق لا يجوز تأخيرها عنه بحال كغروب الشمس للعصر، ولقولهم: إن ذكرها مأمون تمادى، وكذلك الفذ عند ابن حبيب، ولقوله في آخر أجوبته إنما يؤمر بتعجيلها خوف معالجة الموت، فيجوز تأخيرها حيث يغلب على ظنه أداؤها.

واعلم أن رد الغرماء رد إيقاف على المشهور.

وقال ابن نافع: رد إبطال، واختلف قول مالك في قضاء من أحاط الدين بماله لبعض الغرماء دون بعض، وكذلك اختلف قوله في رهنه حينئذ.

(ومن أعتق بعض عبده استتم عليه):

ما ذكر الشيخ هو مذهبنا باتفاق، وذهب بعض العلماء على أنه لا يستتم عليه، ويريد الشيخ أن حكم عبد غيره كعبده.

ص: 221

وظاهر كلام الشيخ: أنه مذهبنا، وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يستتم عليه، ويريد الشيخ أن حكم عبد غيره كعبده وظاهر كلام الشيخ أنه يعتق عليه بالحكم لا بالسراية لقوله: استتم عليه، وهو كذلك فى إحدى الروايتين وكلتاهما نقلهما اللخمي قائلاً: والأحسن الأولى ثم قال: وهو الصحيح من المذهب.

وقال ابن رشد في أول رسم سماع يحيى بن القاسم: من أعتق نصف عبده في صحته فلم يرفع ذلك حتى مات المعتق لم يعتق منه إلا ما عتق في صحته، هذا هو مشهور المذهب.

وقيل: يكون حرا كله لسريان العتق في جميعه حكاه عبد الوهاب، ولو أعتق نصف عبده، وتصدق بنصفه على آخر فليقوم على المعتق، ويلزمه نصف قيمته للمتصدق عليه فإن مات المعتق أو أفلس قبل أن يستتم عليه عتقه فالمتصدق عليه أولى بنصيبه يسترقه وسواء تصدق عليه بنصفه قبل عتق النصف أو بعده فالقيمة تلزمه في الوجهين؛ لأنه رضي أن يكون شريكًا معه قاله مطرف، وابن الماجشون.

وقال ابن القاسم في العتبية وكتاب ابن سحنون: من قال لرجل في كلام واحد نصف عبدي صدقة على فلان ونصفه حر فالصدقة ثابتة، ويقوم عليه إن كان مليا، وإن بدأ بالعتق فهو حر كله.

(وإن كان لغيره معه فيه شركة قوم عليه نصيب شريكه بقيمته يوم يقام عليه وعتق):

ما ذكر أنه يقوم عليه لا أعلم فيه خلافًا، ووافقنا من خالفنا في الفرع الأول قالوا: لأن الموجب للتقويم على المعتق إنما هو إدخاله العيب في ملك غيره، وذلك مفقود في تبعيضه عتق عبده، وظاهر كلام الشيخ أنه يعتق عليه بالحكم وهو كذلك على المشهور، وكلاهما لمالك والقول المشهور هو قول التهذيب، ومن أعتق شقصًا له في عبد بإذن شريكه أو بغير إذنه وهو ملي قوم عليه نصيب صاحبه بقيمته يوما لقضاء وليس في الأم أو بغير إذنه لكنه أحروي ولا يوم القضاء إلا أنه مراده.

فإن قلت: هذا القول مشكل؛ لأن القاعدة في سائر المتلفات أن تكون قيمتها يوم الجناية قيل: لما كان الشريك بالخيار بين عتق نصيبه أو التقويم ناسب أن تكون القيمة يوم الحكم والله أعلم.

واختلف هل يقوم نصيب الشريك، وهو المشهور أو يقوم جميع العبد، وهو قول التونسي؟ في ذلك قولان.

ص: 222

واختلف إذا قال إذا مت فنصيبي حر، والأصح أنه لا تقويم فيه وهو نص المدونة قال فيها: وسواء كان له مال مأمون أم لا، ومثله مالك في المبسوط، ويشترط في التقويم عليه أن يكون هو المبتدئ لتبعيض العتق فلو كان بعضه حرا لم يقوم عليه، ولأجل هذا لو كانوا جماعة مشتركين في عبد فأعتق اثنان منهم متعاقبين فالتقويم لمن لم يعتق على المعتق الأول وحده، ولا تقويم على من بعده، وذكر سحنون عن ابن نافع أنه يقوم على الثاني، ولو أعتق اثنان معًا فإنه يقوم عليهما بلا خلاف واختلف هل ذلك على قدر حصصهما وهو مذهب المدونة وهو المشهور أو على عدد الرءوس قاله المغيرة وغيره، في ذلك قولان وممن قال بالقول الأخير خارج المذهب الشافعي رحمه الله.

قال ابن عبد السلام: وكأنه الأسبق إلى الذهب لأن التقويم يترتب على أقل الأجزاء.

قلت: ونظير هذه المسألة يأتي ذكره في الشفعة إن شاء الله تعالى، وفي المدونة في العتق الأول لابن القاسم: إن أعتق مسلم حظه من عبد مسلم أو كافر بينه وبين ذمي قوم عليه وإن أعتق نصراني حصته من مسلم بينه وبين مسلم قوم عليه قال ابن حارث اتفاقًا فيهما وإن أعتق نصراني بينه، وبين مسلم فقيل: إنه لا يقوم عليه قال ابن القاسم، وقيل: بل يقوم عليه قاله غيره، وكلاهما في المدونة، والغير هو أشهب.

قلت: قال بعض شيوخنا عزوه قول الغير لأشهب خلاف نقل الباجي فإنه عزا لأشهب قول ابن القاسم ولم يعز قول الغير.

واعلم أن قول ابن القاسم نوقض بقوله في الشفعة في دار بين مسلم وذمي فباع المسلم من مسلم أو ذمي نصيبه أن لشريكه الشفعة، ووجه المناقضة أن في كليهما

ذميين تخللهما مسلم لغلب في الشفعة حكم الإسلام بخلاف ما هنا، ولو كان العبد مسلمًا لنصرانيين فأعتق أحدهما حصته ففي التقويم روايتان ذكرهما ابن شاس ولو أعتق أحدهما جنين الأمة فإنها لا تقوم عليه ولم يجعلوه كالجزء منها، وعارض الفاكهاني ذلك بقولهم من أعتق أمة، وهي حامل فإن جنينها يتبعها قالوا: لأنه كالعضو منها.

قلت: ويجاب بأن في عتقه الجنين بانفراده عتق شيء غير محقق يدل على ذلك قول مالك في المبسوط، وكتاب ابن شعبان تفرض للحامل النفقة، ولا تدفع إليها لاحتمال أن يكون ريحا فينفش وفي مسألة الأمة أعتق شيئًا محققًا فكان جنينها تبعًا لها كالعضو منها والله أعلم.

ص: 223

(فإن لم يوجد له مال بقي سهم الشريك رقيقا):

قال في العتق الأول من المدونة، ويباع في ذلك شوار بيته، والكسوة ذات البال ولا يترك إلا الكسوة التي لابد له منها، وعيشه الأيام وفي الواضحة المراد بالأيام الشهر، ونحوه.

وقال أشهب: يباع عليه كل ما يفضل عما يواريه لصلاته كذا عزاه الباجي.

قال بعض شيوخنا: ولا أعرفه عن أشهب لنقل غيره، وهذا الباب وباب المفلس واحد فكل ما قيل فيه فاطرده هنا ولو كان موسرا بالبعض سرى فيه.

واختلف إذا رضي الشريك باتباع ذمة المعسر هل له ذلك أم لا؟ على قولين، فقال ابن المواز: له ذلك، وقيل: ليس له ذلك قاله الغير في كتاب أمهات الأولاد من المدونة.

قال اللخمي: وهو أحسن قال ابن يونس، وهو ظاهر قول مالك وابن القاسم، وعزا الباجي الأول لرواية محمد لا لقوله، والثاني لابن القاسم، ولو كان المعتق لبعض العبد مريضًا فإنه يقوم عليه نصيب شريكه من الثلث فقط.

واختلف هل يقوم عليه الآن أم لا؟ فقيل: كذلك إلا أنه لا يعتق عليه إلا بعد الموت، وعلى هذا حمل المدونة غير واحد، وهو منصوص عليه في كتاب محمد، وقيل: إنه لا ينظر فيه إلا بعد الموت، وقيل بالأول: إن كان له مال مأمون وبالثاني: إن لم يكن له ذلك.

(ومن مثل بعبده مثلة بينة من قطع جارحة ونحوه عتق عليه):

اعلم أنه أخذ من ههنا ثبوت العقوبة بالمال وهو أخذ ضعيف لحرمة الآدمي فإن قلت: هو ضعيف أيضًا بالنسبة إلى نقل المذهب لأن المنقول فيه اشترط يسارته ولو صح هذا الأخذ لزم ولو كان كثيراً ولا أعرفه في المذهب.

قلت: بل هو معروف في المذهب، ويتحصل في ذلك أربعة أقوال، حكاها ابن سهل فقيل: ما ذكرتم من اشتراط اليسارة، وهو قول ابن القاسم مقيدا به سماعه، وقيل: يجوز للأدب ولو كان كثيرًا كالملاحف الرديئة النسخ فإنها تحرق بالنار قاله ابن القطان، وأفتى ابن عتاب بذلك في أعمال الخرازين إذا غشوا فيها.

وقيل: تقطع الملاحف خرقًا خرقًا وتعطي للمساكين إذا تقدم إلى أهلها قاله ابن عتاب.

ص: 224

وقيل: لا يحل الأدب في مال مسلم قاله ابن القطان في الخبز المغشوش أو الناقص.

قال ابن سهل: وهذا تناقض منه بقوله في الملاحف.

قلت: وكذلك ابن عتاب يتناقض قوله في الملاحف مع قوله في أعمال الخرازين.

واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في نفس المغشوش هل يصح الأدب به أم لا؟، وأما لو زنا رجل مثلاً فإنه لا قائل فيما قد علمت أنه يؤدب بالمال، وما يفعله الولاة من ذلك فجور لا شك فيه، والمشهور أن العمد كاف، وإن لم يقصد المثلة، وهو ظاهر المدونة لقولها: إنما يعتق بما تعمد، ونقل اللخمي عن عيسى بن دينار اشتراط تعمد المثلة وهو صحيح؛ لأن الغالب شفقة الإنسان على ماله، وعلى الأول فالقول للسيد أنه لم يتعمد على الأصح، وكلاهما لسحنون، وظاهر كلام الشيخ، وإن كان الفعال بعبده ذلك سفيها، وهو كذلك عند ابن القاسم في أحد قوليه ذكرهما في الموازية، وبه قال ابن وهب، وأشهب وصوبه بعض المتأخرين؛ لأن العتق بالمثلة شبيه بالحدود والعقوبات.

وإذا قلنا بهذا القول فهل يتبعه ماله؟ فقال ابن القاسم: لا يتبعه واستقرئ لأشهب أنه يتبعه، ومثلة الصبي والمجنون لغو اتفاقًا، وظاهر كلام الشيخ أيضًا ولو كان الممثل ذميا وعبده ذميا، وهو كذلك عند أشهب وقيل: لا يعتق عليه قاله ابن القاسم، واختاره أصبغ، واختار ابن حبيب الأول.

واختلف في مثلة العبد بعبده والمديان على قولين، ويمكن أن يقوم من كلام الشيخ أن الزوج إذا مثل بزوجته أنها تطلق عليه، وهو قول مالك في العتبية.

وقال في المبسوط بطلقة بائنة مخالفة أن يعود إليها بمثل ذلك.

وذكر ابن رشد مثلة الزوج بزوجته وبيعه لها وانكاحه إياها، وقال: إنها في المعنى واحد فيتخرج من بعضها الخلاف في بقيتها فحصل في كل مسألة منها ثلاثة أقوال: طلاق الثلاث وواحدة بائنة وعدم الطلاق ولا شك أن قطع عضو مثلة، كما قال الشيخ.

واختلف في السن الواحدة فقيل: إنها مثلة قاله ابن القاسم، ومطرف وابن الماجشون، وقيل: لا، قاله أصبغ وكلا القولين نقلهما ابن يونس، وأما حلق رأس الأمة ولحية العبد فإن كان العبد تاجرا والأمة رفيعة فقال ابن الماجشون: يعتقان، وقال مطرف في الثمانية لا يعتقان، ولم يحفظه الفاكهاني بل قال: هو ظاهر كلام المؤلف لوصفه المثلة بكونها بينة مع قوله من قطع جارحة، ونحوه.

ص: 225

وأما غير التاجر والرفيعة فليس فيه شيء بلا خلاف ولا يعتق إلا بالحكم في المثلة عند ابن القاسم، وقيل: بنفس المثلة عند أشهب.

قال التادلي: وهو ظاهر كلام الشيخ: وفرق ابن عبد الحكم بين غير الواضح فالأول وبين الواضح فالثاني.

(ومن ملك أبويه أو أحد من ولده ولده أو ولد بناته أو جده أو جدته أو أخاه لأم أو لأب أولهما جميعا عتق عليه):

ما ذكر الشيخ هو قول مالك في المدونة، وهي أول مسألة من كتاب العتق الثاني، وهو المشهور، وقيل بإسقاط الأخوة قاله مالك من رواية ابن خويز منداد، وقيل: كل ذي رحم محرم يعتق عليه رواه ابن القصار عن مالك وبه قال ابن وهب وكل الأقوال ذكرها اللخمي، وأخذ الثاني من قول المدونة في كتاب المكاتب: من اشترى أباه بإذن سيده دخل معه في كتابته، ومن اشترى أخاه بإذنه لم يدخل ورده بعض شيوخنا بأن ملك الحر أقوى من ملك المكاتب، وكان في ذكر أشار إليه ابن عبد النسلام بقوله في استقرائه نظر ولولا الإطالة لذكرناه واختار اللخمي الثالث لما رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ملك ذا رحم محرم فقد عتق" وذكر ابن الجلاب قولاً بزيادة العم على ما في المدونة وعزاه لابن وهب فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، وفي كتاب العتق الأول من المدونة، قال مالك: ومن ابتاع أباه وعليه دين يغترقه لم يعتق عليه، وإن اشتراه وليس عنده إلا بعض ثمنه قال مالك يرد البيع، وقال ابن القاسم: بل يباع منه بقدر الثمن يعتق ما بقي، وقال غيره: لا يجوز في السنة أن يملك أباه إلا إلى عتق فإذا كان عليه دين يرده صار خلاف السنة أن يملكه فيباع في دينه ويقضي غرماؤه.

قال عياض: واختلف هل قولاً مالك سواء في المسألة وإن مضى لم يعتق عليه في الأولى كقوله يرد البيع في الثانية قاله القابسي، أبوهما مختلفان ولا يرد البيع في الأولى ويباع في الدين بخلاف الثانية قاله أبو محمد بن أبي زيد.

والصحيح الأول لأن المسألة جاءت مبينة في سماع يحيى بن القاسم مما لا يحتاج إلى تفسير وقول الغير وهو المغيرة حجة لمالك ولذلك أدخله سحنون.

واختلف هل يكون القريب حرًا بنفس الملك ولا يحتاج إلى حكم أو لابد منه، أو يفرق بين الأبوين والإخوة، قاله اللخمي.

قال ابن عبد السلام: وهو حسن لضعف الخلاف في الآباء وقوته في الإخوة

ص: 226

وأشار اللخمي إلى تخريج الخلاف في جواز انتزاع ماله إذا فرعنا على القول بافتقاره إلى الحكم من الخلاف في انتزاع مال المعتق إلى أجل إذا قرب الأجل وقد منع منه في المشهور، وأجازة ابن نافع.

قال ابن عبد السلام: والأقرب عندي أن مال القريب لا ينتزع؛ لأن القاضي إذا عثر عليه يعتقه، ولا ينظر به ساعة والمعتق إلى أجل يؤخره إلى أجله، وأيضًا فقد كان ماله مباحا قبل ثبوت عقد الحرية له وبعده فالأصل دوام ذلك الحكم إلى الغاية التي يجوز له الاستخدام فيها.

(ومن أعتق حاملا كان جنينها حرًا معها):

قال عبد الوهاب: هذا لما ذكرناه إن كان ولد حدث من غير ملك من تزويج أو زنى فإنه تابع لأمه في الحرية والعبودية وإنه لا يوجد في الأصول حرة حاملا بعبد، وإنما يوجد أمة حامل بحر فوجب ما قاله أبو محمد يعتق بعتقها؛ لأن الحرية مثبتة، وهو في بطنها إذ هو عضو من أعضائها.

قال الفاكهاني: قول القاضي إنما توجد أمه حامل بحر، وهذا في أربع مسائل:

الأولى: إذا وطئ أمته المرهونة، وكان عديما.

الثانية: إذا وطئها السيد بعد علمه بالجناية، وهو عديم، فإنها تسلم للمجني عليه،

الثالثة: أمة المفلس إذا وقفت للبيع ووطئها فحملت.

الرابعة الابن يطأ أمة من تركه أبيه وعلى الأب دين يغترق التركة والابن عديم، وهو عالم بالدين حالة وطئها فهذه الأربع لا أعلم لها خامسًا فمن وجد شيئًا من ذلك

ص: 227

فليضفه إليها راجيا ثواب الله الجزيل.

قلت: بقي عليه رحمه الله تعالى مسألتان:

الأولى: أمة الشريكين يطؤها أحدهما وهو معسر.

والثانية: إذا وطئ العامل أمة القراض فحملت وكان معسرا، وما قاله عبد الوهاب من أنه لا يوجد في الأصول حرة حامل بعبد وتسليم الفاكهاني له ذلك فيه نظر لقول خليل إن قلت: كيف يتصور عكس هذا بأن يكون العبد في بطن الحرة قيل نعم، وذلك إذا وطئ العبد جاريته وحملت وأعتقها ولم يعلم السيد بعتقه حتى أعتقه فإن عتق العبد ماض وتكون حرة والولد الذي في بطنها رقيق؛ لأنه للسيد وقبله شيخنا أبو مهدي رحمه الله قائلاً: وهو المذهب ومحمله على أن الولد وضعته قبل عتق السيد، وأما لو لكان في بطن أمة حين العتق فإنه يتبع أمه والله أعلم.

(ولا يعتق في الرقاب الواجبة من فيه معنى من عتق بتدبير أو كتابة أو غيرهما ولا أعمى ولا أقطع اليد وشبهه ولا من على غير الإسلام):

وقد تقدم ما في ذلك في باب الأيمان والظهار فأغني عن إعادته.

(ولا يجوز عتق الصبي ولا المولى عليه):

قال عبد الوهاب: لأن الصبي ليس من أهل التكليف فلم يصح عتقه كالمجنون، ولأن القلم مرفوع عنه فلم يكن لقوله حكم المغلوب؛ لأنه لما لم يصح طلاقه لم يصح عتقه كالنائم، وناقشه الفاكهاني فقال: قوله: كالمجنون فيه نظر لجواز وصيته، ومن شرط الوصية التمييز بلا خلاف أعلمه والمجنون لا تمييز عنده فليس كالمجنون، والأصل المقيس عليه علته معدومة في الفرع وقوله لأن القلم مرفوع عنه إنما رفع عنه قلم المؤاخذة لا قلم القربات بدليل أنه إذا أسلم اعتبر إسلامه ولو ارتد لم يقتل ويدل على ما نقوله قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ألهذا حج؟ قال: " نعم، ولك أجر".

واختلف المذهب إذا أعتق المولى عليه أم ولده، والمشهور أنه يمضي ورده المغيرة وابن نافع، وعلى الأول فهل يتبعها مالها أم لا؟ اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: فقيل: يتبعها مطلقاً، رواه أشهب، وعكسه رواه يحيى عن ابن القاسم، وقيل: إن كان يسيرا تبعها وإلا فلا قاله أصبغ، والمذهب لزوم الطلاق لأنه مكلف، وهو نص كتاب المديان من المدونة.

ص: 228

وقال المازري: مال بعض المحققين إلى الوقف في لزومه من تعليل المغيرة رد عتقه أم ولده بأنه يدخل عليه نقصًا في ماله لاحتياجه لتزويج أو تسر ويرد بأن في عتق أم الولد تفويت أمر مالي وهو ما يعرض من أرش جناية عليها فأشبهت الأمر المالي حقيقة.

قلت: وأجابه بعض شيوخنا بأن العصمة معروضة للخلع كالأرش في أم الولد، وقصر شيخنا أبو مهدي ما قاله المازري مفرقًا بأن الخلع ليس عوضه أمر ماليا حقيقة بخلاف الأرش.

قلت: وقول خليل خرج بعضهم على قول المغيرة عدم لزوم طلاقه كقول ابن أبي ليلى، ورده بنقل المازري غلط، وإنما المنقول في نقل المازري الوقف خاصة، ويلزم الصبي ما أفسد أو كسر مما لم يؤتمن عليه باتفاق، وما عومل عليه لا خلاف أنه لا يضمنه، وفيما اؤتمن عليه قولان، وبسط هذا يأتي في الغصب إن شاء الله تعالى.

(والولاء لمن أعتق):

الأصل في هذا ما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت بريرة فقالت: إني كاتبت أهلى على تسع أوراق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة وأعتقك فعلت، ويكون ولاؤك لي فذهبت إلى أهلها فأبوا ذلك عليها فقالت: إني عرضت عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته فقال: " خذيها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق" فقالت عائشة رضي الله عنها قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله تعالى وأثني عليه فقال: " أما بعد

فما بال رجال منكم يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله فأيما شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق إنما الولاء لمن أعتق، ما بال رجال منكم يقولون: أعتق يا فلان والولاء لي إنما الولاء لمن أعتق".

وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهي عن بيع الولاء وهبته" وحده بعض شيوخنا فقال: هو لمن ثبت العتق عنه، ولو بعوض، أو بغير إذنه ما لم يمنع مانع.

ص: 229

(ولا يجوز بيعه، ولا هبته):

ما ذكره صحيح لا أعلم فيه خلافًا لنهيه عليه السلام عن ذلك.

(ومن أعتق عبدًا عن رجل فالولاء للرجل):

ظاهر كلام الشيخ سواء بإذنه أو بغير إذنه وهو كذلك في القول المشهور، وقول أشهب: الولاء للمعتق، وقاله الليث والأوزاعي وسواء في قوله أمره بذلك أو لم يأمره نقله ابن عبد البر.

ص: 230

(ولا يكون الولاء لمن أسلم على يديه، وهو للمسلمين، وولاء ما أعتقت المرأة لها وولاء من يجر من ولد أو عبد أعتقته ولا ترث ما أعتق غيرها من أب أو ابن أو زوج أو غيره):

وما ذكر الشيخ هو مذهبنا وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم وقد ورد بصيغة إنما المقتضية للحصر وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: جعل الله إسلامه على يديه موالاة وجعل لمن لا ولاء عليه لشيء أن يوالى من شاء، وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من أسلم على يدي رجل فله ولاؤه" قال ابن عبد السلام: فإن صح هذا الحديث وجب العمل عليه؛ لأنه خاص وحديث بريرة عام ومذهب أبي حنيفة في الموالاة قريب من هذا إلا أنه أجاز له نقل الموالاة.

(وميراث السائبة لجماعة المسلمين):

يعني: إذا قال لعبده: أنت سائبة يريد بذلك العتق فإن الولاء للمسلمين، وما ذكره هو المشهور، وقيل: إن الولاء لربه. قاله ابن الماجشون، وابن نافع، وابن عبد الحكم، ورواه ابن وهب كذا عزاه عياض، وكذلك الخلاف إذا قال: عبدي حر عن المسلمين، ولم يتعرض الشيخ رحمه الله تعالى للتكلم على حكم ما ذكره ابتداء.

وفي ذلك ثلاثة أقوال: الجواز لأصبغ والكراهة لابن القاسم، والمنع لابن الماجشون كذا عزاها ابن رشد وعزا الباجي لسحنون مثل قول أصبغ ولم يحك اللخمي إلا الكراهة لمالك وابن القاسم والجواز لغيرهما.

قال ابن عبد السلام: والأقرب الكراهة وأكثر الناس على أن السائبة المنهي عنها في القرآن إنما هي في الأنعام.

واختلف إذا كان للكافر عبد مسلم فلم يرفع أمره للقاضي حتى أعتقه فقيل: إن ولاؤه للمسلمين لا يرجع للمعتق سواء بقي على كفره أو أسلم، وهو المشهور في المذهب وخالف فيه أكثر العلماء خارج المذهب ورأوا أن الولاء لمن أعتق، وأنه يرجع إليه إذا أسلم، واختاره أبو عمر بن عبد البر.

وقال اللخمي: أنه القياس؛ لأن العتق موجب للولاء الذي هو لحمة كلحمة النسب كما جاء في الحديث فكما أن الكفر لا يبطل النسب فكذلك لا يبطل الولاء

ص: 231