الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد ذلك ولو بيوم فإنه لا يحرم لأنه إنما زيد الشهران احتياطًا قاله الشيخ أبو حفص العطار رحمه الله.
(ولو فصل قبل الحولين فصالا استغني فيه بالطعام لم يحرم ما أرضع بعد ذلك):
ما ذكر مثله في ابن الجلاب ونحوه في المدونة، وقيل إن إرضاعه مؤثر قاله ابن حبيب ومطرف وابن الماجشون، وقال بعض الشيوخ: إن كان الرضاع مصة أو مصتين لم يحرم وإن أعيد إلى الرضاع وأسقط الطعام حرم، وقبله ابن عبد السلام وظاهره أنه ثلاث للجمع بين القولين، قال ولم يتعرضوا في هذا القسم إلى تحديد اليسير فيما رأيت كما تعرضوا لذلك في القسم الأول والكلام في هذا متقارب.
(ويحرم بالوجور والسعوط ومن أرضع صبيا فبنات تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر إخوة له، ولأخيه نكاح بناتها):
أما الوجور فلا خلاف أنه يحرم والقطرة كافيه رواه ابن حبيب وهو ما صب في وسط الفم وقيل ما صب في وسط الحلق وظاهر كلام الشيخ أن السعوط يحرم وإن لم يتحقق وصوله إلى الجوف وهو كذلك، وقيل إن وصلت إليه حرم وإلا فلا.
وهذا قول ابن القاسم في المدونة والأول هو قول مالك في كتاب ابن حبيب وصوبه بعض المتأخرين لأنه منفذ واسع يصل منه قدر المصة وتأول اللخمي رحمه الله قول ابن القاسم على الوقف قليلاً كأنه يقول إنما تقع الحرمة إذا وصل ولا يدري هل وصل أم لا لأنه ليس بكبير فيختبر بوصوله، ورده ابن بشير بأنه ليس يشك وإنما أحال الأمر فيه على تحقق الوصول وعدمه، واختلف في الحقنة على أربعة أقوال: فقيل إنها تحرم مطلقا قاله ابن الماجشون وابن حبيب وعكسه حكاه ابن المنذر عن بعض المصريين عن مالك ومثله لابن الجلاب وحكاه المتيطي عن مالك في كتاب ابن شعبان، وقيل إن وصل إلى جوفه حتى يكون غذاء له حرم وإلا فلا قاله في المدونة، وقيل بالتأثير بشرط إن لم يطعم ويسبق إلا بالحقنة عاش نقله غير واحد كاللخمي عن محمد، وجعله بعض الشيوخ تفسيرًا للمدونة وبالله تعالى التوفيق.
باب في العدة والنفقة والاستبراء
قال بعض شيوخنا: العدة: مدة منع النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه
والنفقة: ما به قوام معتاد حال الأدمي دون سرف فتدخل الكسوة وهو مقتضى قول ابن زرب: ومن التزم نفقة إنسان ثم قال: أردت النفقة دون الكسوة فإنها تجب عليه محتجا بقوله تعالي (وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)[الطلاق: 6].
والاستبراء: مدة براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق.
(وعدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء كانت مسلمة أو كتابية والأمة ومن فيها بقية رق قرآن كان الزواج في جميعهن حرا أو عبدًا):
ظاهر كلامه وإن كان طلقها مقطوع الأنثيين قائم الذكر إنها تعتد وهو كذلك قاله ابن شعبان في زاهيه وقيل إنها لا عدة عليها، قاله ابن حبيب، وصوبه اللخمي وألزم القائل الأول ولم يعزه أن الصبي القادر على الوطء أن العدة على زوجته، وكذلك قال ابن حبيب إذا ذهبت البيضة اليسرى لا عدة عليها، وقال ابن دينار الولد يلحق بالخصي كيفما كان قيل فعليه تجب العدة كيفما كان.
وفي النكاح الأول من المدونة قيل لمالك من كان مجبوب الذكر قائم الخصيتين قال إن كان يولد لمثله فعليها العدة ويسأل عن ذلك فإن كان يحمل لمثله لزمه الولد وإلا فلا فإن قلت ما بال البراذعي رحمه الله اختصرها سؤالا وجوابًا وعادته لا يفعل ذلك إلا لمعنى من المعاني كقول ابن الحاجب وفيها فما هو هذا المعنى.
قلت: قال بعض شيوخنا لثلاثة أوجه:
أحدهما: عدم استقبال جوابه لقوله ويسأل عن ذلك فإنه ليس بقطع في المسألة.
الثاني: كون السائل أجمل لفظه في المسئول عنه.
الثالث: اعتبار جوابه باعتبار الإنزال حسبما دل عليه آخر استبرائها وكلها على طريق التأنيس وإلا فكل ما قال شيخنا يمكن تمريضه بما لا يخفى عليك، قال في المدونة: وإن دخل بها وهي لا يجامع مثلها لصغر فلا عدة عليها ولا سكنى لها وليس لها إلا نصف الصداق.
(والأقراء: هي الأطهار التي بين الدمين):
ما ذكر الشيخ من أن الأقراء هي الأطهار هو المنصوص وخرج اللخمي إنها الحيض من إطلاقها في المذهب على ذلك ومثله نقل المتيطي عن ابن سعدون، وروى ابن وهب لا تحل مطلقة إلا بانقطاع دم الحيضة الثالثة كقول أهل العراق قال بعضهم فعليه الإقراء هي الحيض ورد ابن بشير ما قال اللخمي بأن لفظ الحيض إنما جاء في
موضع الطهر مسامحة لا حقيقة.
(فإن كانت ممن لم تخض أو ممن قد يئست من المحيض فثلاثة أشهر في الحرة والأمة):
يعني بالتي لم تحض إذا كان يجامع مثلها وأما إذا كانت لا يجامع مثلها لكونها صغيرة جداً فلا عدة عليها قاله عبد الوهاب، وقال ابن لبابة: الصغيرة إذا كانت في سن من لا تحيض، ويؤمن منها الحمل لا عدة عليها نقله ابن رشد في المقدمات قائلاً هو شذوذ، وقال اللخمي: رواية ابن عبد الحكم في الأمة التي لا تحمل غالبا وهي تطيق الوطء كبنت تسع وعشر لا يجب استبراؤها خلاف رواية ابن القاسم فيها بوجوب الاستبراء، وظاهر ترجيح هذه الرواية لقوله قياسا على الحرة قال بعض شيوخنا فظاهره أن الحرة متفق عليها.
ونقل ابن يونس عن ابن حبيب وجماعة من التابعين مثل رواية ابن عبد الحكم، قال ابن هارون: هي أشبه لقولهم في الصغير الذي لا يولد لمثله لا تعتد زوجته ولو أطاق الوطء، وعلى المشهور فإن كانت حرة فثلاثة أشهر باتفاق وإن كانت أمة فقال في المدونة: كذلك وأصحابه غير أشهب فإنه قال بالثاني وقيل شهر ونصف وعزاه ابن العربي لابن الماجشون وذكر ابن بشير الثلاثة، واختلف قول مالك هل يلغي اليوم الذي وقع فيه الطلاق، أو يحتسب به إلى مثل وقته، ولهذه المسألة نظائر تقدمت في القصر.
(عدة الحرة المستحاضة أو الأمة في الطلاق سنة):
ظاهر كلام الشيخ سواء كانت مميزة أم لا وهو كذلك في غير المميزة باتفاق قال ابن حارث، وأما المميزة فقيل كذلك قاله أصبغ نقله أو عمر وحكاه ابن يونس رواية وقيل إن عدتها بالإقراء وهو نص المدونة في الطهارة والعدة والاستبراء وهو المشهور، وظاهر المدونة أن مجموع السنة عدة وهو كذلك عند ابن عبد الحكم قاله اللخمي، قال ابن العربي في الأحكام هو مشهور قول علمائنا، وفي المدونة عدتها ثلاثة أشهر بعد تسعة للاستبراء قال الشافعي وغيره عدتها ثلاثة أشهر قال اللخمي وهو أحسن.
قال ابن العربي قاله جماعة من القرويين وهو الصحيح عندي ولو تأخر حيض المرضعة فعليها أن تنتظر الحيض أبداً ما دامت ترضع باتفاق واختلف إذا تأخر لمرض فروى ابن القاسم، عن مالك أنه قال: عدتها منه تسعة أشهر ثم ثلاثة وبهذا أخذ ابن
القاسم، وعبد الله بن عبد الحكم وابن وهب وأصبغ، وقال أشهب: بل عدتها بالإقراء وإن تبادت وهي بمنزلة التي ترضع وليس الرضاع بمانع للحيض من المرض.
(وعدة الحامل في وفاة أو طلاق وضع حملها كانت أمة أو حرة أو كتابية):
ما ذكر من أن عدة الحامل وضع حملها بالنسبة إلى المطلقة وهو كذلك باتفاق، وما ذكر أن المتوفى عنها زوجها هو المشهور وقيل أقصي الأجلين حكاه غير واحد وقد قدمنا أن ظاهر كلام الشيخ ولو خرج بعض الولد وبقي بقيته في البطن فإن له الرجعة، ولا تتزوج حينئذ ونقل ابن العربي عن ابن وهب ما يقتضي إذا خرج ثلثاه أنها خرجت من العدة وتتزوج حينئذ ولا خلاف أن العلقة كافية كالكامل واختلف في الدم المجتمع إذا ألقته هل ذلك لرحمها أم لا ففي استبراء المدونة أنه كذلك.
ونقل أبو محمد في نوادره عن أشهب أنه لغو قال بعض شيوخنا وهو ظاهر قول ابن الجلاب والتلقين وغيرهما ونص ابن الجلاب إذا وضعت الحامل علقة أو مضغة أو جنينا ميتا خلقة أو لم يتم حلت قال فاقتصاره على العلقة والمضغة يدل على أن ما دونهما كالعدم ولتعلم أن عياضًا في الإكمال عكس العزو في المسألة فعزوا ما لابن القاسم لأشهب وما لأشهب لابن القاسم ولم يزل جميع أشياخي ينبهون على ذلك كما نبه عليه ابن عبد السلام فأعلمه قيل ويعرف بأن يصب عليه ماء سخن فلا يذوب.
(والمطلقة التي لم يدخل بها لا عدة عليها):
ما ذكر هو كذلك، وظاهر كلامه ولو كان المطلق مريضًا وهو المعروف في المذهب، وحكي أبو عبيد فيها عن مالك أن عليها العدة، وقال ابن عبد السلام ويلزمه مذهب الحسن البصري أن لها الصداق كاملاً وهو بعيد ولعل الحسن رأى أن تكملة الصداق عقوبة له بدليل الجمهور أن لها الميراث فقد غلبوا حكم الموت على حكم الطلاق وهذا إن لم يثبت له بها خلوة، وقال اللخمي: في كتاب إرخاء الستور: وإن ثبت له بها خلوة، فالعدة ثابتة إن كانت خلوة الاهتداء بلا خلاف تصادقا على نفي المسيس أم لا وكذلك في خلوة الزيارة إذا تصادقا على المسيس.
واختلف في ذلك على ثلاثة أقوال فيما إذا اتفقا على نفي المسيس أو ادعى هو الوطء وأنكرت هي فقيل عليها العدة وإلى هذا ذهب مالك وابن القاسم وقيل لا عدة عليها قاله مطرف وابن الماجشون وأري أنها تستحب إن اتفقا على نفي المسيس فإن تزوجت لم يفسخ وإن ادعي الزوج الوطء فقط وجبت العدة وإن أنكرت فإن تزوجت
فسخ إلا أن تكون بكرا أو تراضيا فإن النساء ينظرن إليها فإن وجدت بكرا لا عدة عليها وإذا وافقت الزوجة على عدم الإصابة عمل على ذلك في إسقاط النفقة والسكنى وكمال المهر إن كانت رشيدة باتفاق وإن كانت سفيهة ففيها اختلاف ففي والواضحة أنه يعمل على قولها ونحوه لعبده الملك في الثمانية، وهو المشهور لأنه لا يعرف إلا من قولها.
وقال مطرف: لا يقبل قولها لإسقاط ما وجب لها وقاله سحنون فيها وفي الأمة ومال ابن عبد السلام ومرض ما علل به المشهور بأن المحجور لا يقبل قوله في إتلاف الأموال مع أن ذلك لا يعلم غالباً إلا من جهته، وأجرى بعض من لقيناه من القرويين عليهما هل يفتقر إلى توكيل السفيهة في طلب حقوقها من زوجها أو لا يفتقر إلى ذلك وجرى العمل على التوكيل.
(وعدة الحرة من الوفاة أربعة أشهر وعشر كانت صغيرة أو كبيرة دخل بها أو لم يدخل مسلمة كانت أو كتابية):
ما ذكر في المسألة هو كذلك باتفاق في المذهب وما ذكره في الكتابية هو المشهور وقيل إن عدتها ثلاثة حيض والقولان لمالك، وهما على الخلاف في الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا مع أن كل الاستبراء ثلاث حيض وخرج ابن رشد على أنهم غير مخاطبين وأن الاستبراء بواحدة والزائد تعبد إنما يلزمها حيضة واحدة، وكل هذا إذا دخل بها وأما إن لم يدخل بها فقال ابن الجلاب: يخرج على روايتين إحداهما لا شيء عليهما للعلم ببراءة رحمها والرواية الأخرى يلزمه أربعة أشهر وعشر على أنها تعبد.
قلت: لم يحرر رحمه الله تعالى العبارة، لأن ما علل به الرواية الأولى ينتقض عليه بالمسألة وإنما يصح تخريجها على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة وهو الذي
أراد الشيخ رحمه الله تعالى، والله أعلم.
(وفي الأمة ومن فيها بقية رق شهران وخمس ليال):
ما ذكر هو المشهور بالإطلاق وقيل لا عدة على الأمة الصغيرة قبل البناء وإن أطاقت الوطء نقله غير واحد عن مالك من رواية ابن أبي زيد وابن العطار، وقيل هو قول شاذ.
(ما لم ترتب الكبيرة ذات الحيض بتأخيره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة):
يعني أن زوال الريبة يكون بأحد أمرين إما بحيضة وإما بمضي تسعة أشهر قاله مالك وأكثر أصحابه، ونقل ابن رشد عن ابن الماجشون وسحنون أن تأخير الحيض، لا أثر له، وأما إن ارتابت بحبس بطن فقيل لا تحل أبداً إلا بوضعه إذا كانت تحيض، نقله اللخمي عن رواية أشهب وعزاه ابن العربي في الأحكام لأشهب ومالك قال وهو الصحيح لأنه إذا جاز أن تبقى خمسة أعوام جاز أن تبقى أكثر، وقيل يكفيها مضي مدة أقصى الحمل وهو المشهور وعليه فاختلف في قدره على ستة أقوال، فقيل مايراه النساء وقيل أربع سنين، وقيل خمس سنين، وقيل سبع، وقيل ست وكلها لمالك رحمه الله تعالى، وقيل يكفيها تسعة أشهر حكاه الجوهري في إجماعه عن محمد بن عبد الحكم.
قال ابن عبد السلام: ولا أعلم له موافقًا كما لا أعلم له وجهًا لأن العيان اقتضى خلافه بما لا شكل فيه ولعله لم يصح عنه قلت قال بعض شيوخنا تقرب منه رواية المدونة في أمهات الأولاد من أقر بوطء أمته فجاءت بولد لما يشبه أن يكون حملا لذلك الوطء لحق به ونحوه في أوائل العدة والقول بخمس سنين هو المشهور قاله غير واحد والقول بأربع سنين وهو اختيار ابن القصار وصرح عبد الوهاب بأنه المشهور، وقال ابن الهندي لم يقض العمل إلا بها وقال المتيطي القضاء هو بالخمس.
(وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر وقد بنى بها فلا تنكح في الوفاة إلا بعد ثلاثة أشهر):
قال المتيوي يعني به الأمة.
(والإحداد أن لا تقرب المعتدة من الوفاة شيئا من الزينة بحلي أو كحل أو غيره):
قال ابن محرز: ومثله لابن الحاجب هو ترك الزينة المعتادة واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير جامع لأنه مقتضى جواز لبس الخاتم مثلا لمن عليها ثياب رثة لأن العادة تقتضي أن لا تلبس الخاتم إلا من عليها زي يقتضيه قال فالحد الجامع المانع هو
أن يقال الإحداد ترك ما هو زينة ولو مع غيره.
وسمع أشهب وابن نافع أن من توفي زوجها وقد امتشطت أنتقض مشطها قال لا رأيت ول كانت مختضبة في سائر جسدها لوجب غسله كما يجب عليها نزع الزينة وكما يجب على الرجل إن أحرم وهو متطيب غسل طيبه، قلت وتعقبه بعض شيوخنا بوجهين:
أحدهما: أن تفسيره بما ذكر يقتضي منعها من الامتشاط بغير طيب، وهو خلاف قول المدونة تمتشط بالسدر وشبهه مما لم يختمر في رأسها.
والثاني: قوله لوجب كما يجب على الرجل إن أحرم وهو متطيب غسل طيبه هو خلاف قول الشيخ عبد الحق في تهذيبه.
قال بعض شيوخنا: إذا لزمتها العدة وعليها طيب فليس عليها غسل بخلاف من يحرم وعليه طيب، قال عبد الحق: يحتمل أن يفرق بينهما بأن المحرم أدخل الإحرام على نفسه فلو شاء نزع الطيب عنه قبل أن يحرم وبأن فيما دخل على المرأة من وفاة زوجها والاهتمام به شغلا لها عن الطيب.
(وتجتنب الصباغ كله إلا السواد):
ما ذكر من أن لباس السواد جائز هو قول عروة في المدونة وذكر قبله فيها عن مالك لا تلبس من الثياب المصبوغة ولا من الحلي شيئا فظاهره العموم ونبه على هذا بعض شيوخنا، وفسر اللخمي المذهب بجوازه وعزاه الباجي لرواية محمد، وقال القاضي عبد الوهاب كل لون يتزين به النساء تمنع منه الحاد، قال اللخمي وهذا أحسن ورأي أن تمنع الثياب الحسنة وإن كانت بيضاء وكذلك رفيع السواد ولا تمنع الأخضر والأزرق والوردي وتمنع النفيس من الحرير وإن لم تجد إلا مصبوغا باعته أو غيرته بسواد، وقد يستخف بقاؤه بحاله إن كان في تغييره فساد.
قلت: ظاهر كلامه أنه حمل قول القاضي على الخلاف لقوله وهذا أحسن والأقرب أنه تفسير ويحمل على أن كل أحد تكلم على عرفه. فالسواد في الزمان الأول كان ليس من الزينة المعتادة فلهذا أجازه من تقدم ذكره بخلاف الأبيض ولو كان عرفهم على العكس لا نعكس الحكم والله أعلم.
(وتجتنب الطيب كله):
يعني مذكره ومؤنثه كما صرح به ابن الحاجب فالمؤنث كالكافور والمذكر كالياسمين.
(ولا تختضب بحناء ولا تقرب دهنا مطيبا ولا تمتشط بما يختمر في رأسها):
قال في المدونة: ولا تكتحل إلا من ضرورة فلا بأس به وإن كان فيه طيب ودين الله يسر فظاهرها إنها إذا اكتحلت لضرورة لا يلزمها إزالته بالنهار قال بعض شيوخنا ولا يخفى عليك ما فيه، وقيل إنه يجب مسحه بالنهار قاله مالك في رواية محمد، ولمالك في المختصر لا تكتحل بإثمد فيه طيب وإن اشتكت عينها وقيد بعدم اضطرارها لذلك. واختلف في دخولها الحمام فقيل لا تدخله أصلاً وظاهر قول قائله ولو من ضرورة وقال أشهب: لا تدخل إلا من ضرورة وأجازه ابن لبابة.
(وعلى الأمة والحرة الصغيرة والكبيرة الإحداد):
ما ذكر في الأمة والكبيرة متفق عليه وما ذكر في الصغيرة هو المشهور وفي الكافي قيل لا إحداد على الصغيرة وعلى الأول فإن امتشطت فواضح وإلا فأهلها يجنبونها ذلك.
(واختلف في الكتابية وليس على المطلقة إحداد):
القول بأن الإحداد على الكتابية هو قول ابن القاسم، والقول بنفيه هو قول ابن نافع وكلاهما في المدونة وعزا أبو عمر بن عبد البر قول ابن نافع له ولأشهب وروايته واختلف في وجوبه على امرأة المفقود في عدة وفاته فلابن القاسم في المدونة واجب، وقال سحنون وابن الماجشون أنه لا يجب حكاه ابن رشد.
(وتجبر الحرة الكتابية على العدة من المسلم في الوفاة والطلاق):
هذا مما يضعف قول ابن نافع السابق لأن الإحداد هو من توابع العدة والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ سواء بنى بها أم لا، وقد تقدم ما في ذلك وإنما جبرت لحق الزوج لأن العدة للزوج بها تعلق وله فيها حق، وما هذا شأنه يغلب فيه حكم الإسلام، وقال بعضهم إنما جبرت لأنها مخاطبة بفروع الشريعة وهو بعيد إذ لو كان كما قال لكان فيها خلاف وإن دخل بها ولا أعرفه.
(وعدة أم للولد من وفاة سيدها حيضة وكذلك إذا أعتقها فإن قعدت عن الحيض
فثلاثة أشهر):
ما ذكر الشيخ من أن عدة أم للولد حيضة هو نص المدونة زاد فيها ولو مات عنها وهي في أولها أو غاب فحاضت بعده حيضة ومات في غيبته لزمتها حيضة بعد وفاته لأنها لها عدة بخلاف الاستبراء قال ابن القاسم لقوة الخلاف فيها قال بعض العلماء عليها عدة أربعة أشهر وعشر وقال بعضهم ثلاث حيض. قال مالك ولا أحب لها المواعدة فيها ولا تبيت إلا في بيتها ولا إحداد عليها، ونقل ابن رشد عن المذهب في ثالث مسألة من رسم عيسى في طلاق السنة لها المبيت في الحيضة في غير بيتها من عتق أو وفاة قال بعض شيوخنا فقف على ما زعم عن المذهب في نقله هو خلاف نص المدونة.
(واستبراء الأمة في انتقال الملك حيضة انتقل الملك ببيع أو هبة أو سبي أو غير ذلك ومن هي في حيازته قد حاضت عنده ثم أنه اشتراها فلا استبراء عليها إن لم تكن تخرج):
ما ذكر من الاستبراء بحيضة هو المنصوص وأخذ ابن عبد السلام أن الاستبراء قرء واحد من المدونة في الأمة المتواضعة في ضمان بائعها حتى تدخل في أول الدم وضعفه بعض شيوخنا بأنه بأول الدم فقط لا به مع طهر قبله لقوله إن ابتاعها في دمها فلا استبراء وضعف شاذ قول ابن الحاجب وهو حيضة على المشهور بقوله لا أعرفه منصوصًا لغيره.
ومثله لخليل وقال إنما خرجه المازري على قول أشهب أن المشتراة في أول دمها لا تكتفي بذلك، وقبله ابن عبد السلام فإن قيل فقدمت ذات الحيض على الدم لا لمرض ولا لرضاع فروى ابن القاسم وابن غانم ثلاثة أشهر، وروى ابن وهب وأشهب تسعة أشهر، وهكذا نقل ابن رشد، وقال اللخمي: نقل ابن القاسم وابن وهب تسعة وابن أبي حازم وأشهب ثلاثة، وقال أشهب وينظرها النساء.
قال بعض شيوخنا: والصواب عن ابن القاسم نقل ابن رشد عن المدونة فإن ارتابت بحبس بطن فتسعة اتفاقًا واستشكل بأنه إن زالت ريبتها قبلها حلت وإن بقيت لم تحل فالتسعة لغو.
وأجاب ابن شاس بأن التسعة مع بقاء الريبة دون زيادة تحلها وإنما لغوها إن ذهبت أو زادت وقبلوه وأما إن تأخر الحيض لمرض أو رضاع فثلاثة أشهر، قال ابن رشد لا أعلم فيه خلافًا وقد يدخله الخلاف بالمعنى وجعلها ابن الحاجب كالأولى
وسلمه ابن عبد السلام، وقال بعض شيوخنا لم أقف على ما قال ومثله لخليل قيل ويحتمل أن يرجع للقول الأخير فقط من القولين السابقين في المسألة السابقة.
قلت: ولولا الإطالة في كلام ابن الحاجب لذكرنا لفظه.
(واستبراء الصغيرة في البيع إن كانت توطأ ثلاثة أشهر):
ما ذكر من أن الصغيرة التي توطأ عليها الاستبراء هو المشهور وتقدمت رواية ابن عبد الحكم بأنه لا استبراء عليها وما ذكر أن مقداره ثلاثة أشهر هو المشهور أيضا، وقيل شهر وقيل شهر ونصف وقيل شهران وكلها في البيان لابن رشد.
(واليائسة من المحيض ثلاثة أشهر والتي لا توطأ فلا استبراء فيها):
واعلم أن اليائسة فيها الأربعة السابقة وأما المستحاضة ففي المدونة ثلاثة أشهر وفي الموازية تسعة، وأما الحامل فمنتهاه وضع حملها والمرتابة بحبس البطن منتهى أقصى أمد الحمل باتفاق وقد تقدم ما فيه من الخلاف.
(ومن ابتاع حاملا من غيره أو ملكها بغير البيع فلا يقربها ولا يتلذذ منها بشيء حتى تضع):
ما ذكر هو المشهور وقال ابن حبيب لا يحرم من الحامل من زنا والمسبية إلا في الوطء نقله ابن الحاجب رحمه الله وقال ابن عبد السلام ما ذكر عن ابن حبيب في الزنا لا أعرفه له لكن قال سحنون فيمن اشتري أمه بالبراءة من حمل ظاهر لا بأس أن ينال منها ما ينال من الحائض إذا كان من غير السيد، وقال ابن يونس لعله رخص في هذا للشيخ لأنه يملك نفسه كما أرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة في الصوم وأما الشاب فلا وأجابه خليل بأنه نقله غير واحد عنه كالمازري وابن شاس وابن راشد، قال عبد الحق عن أصبغ من زنت زوجته وهي غير بينة الحمل لم يطأها إلا بعد ثلاث حيض فإن وطئها فلا شيء عليه قاله محمد، واختلف إذا اغتصبت وهي بينة الحمل، فقيل إن وطأها جائز قاله أشهب، وقيل إنه مكروه قاله اصبغ ورواه، وقيل يستحب تركه قاله ابن حبيب.
(والسكنى لكل مطلقة مدخول بها):
يريد إلا أن تكون صغيرة دخل بها وهي لا يجامع مثلها فلا سكني لها إذ لا عدة عليها في الطلاق.
(ولا نفقة إلا للتي طلقت دون الثلاثة وللحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثًا):
يريد إذا كان الطلاق رجعيا، وإما إن كان الطلاق بائنًا فلا نفقة لها حسبما يقوله الشيخ الآن وظاهر كلام الشيخ أن ظهور الحمل كاف في وجوب النفقة فإن لم يتحرك قيل وهو الذى وقع لمالك في غير ما كتاب وفي الموازية يعتبر ظهور الحمل وتحريكه وقيل تجب لها الآن ولا تدفع لها حتى تضع لاحتمال أن يكون ريحا فينفش وهي رواية المبسوط وكتاب ابن شعبان والقول الثاني يرجع للأول وسمعت بعض من لقيته يقول إنه قول ثالث ونظير هذه المسألة هل يلاعن بظهور الحمل أم لا.
واختلف إذا أنفق على الحمل ثم أنفش على أربعة أقوال: فقيل يرجع عليها وعسكه وقيل إن حكم بذلك حاكم رجع وإلا فلا وهذه الأقوال الثلاثة حكاها غير واحد، وقيل عكس الثالث إن كان بحكم فلا رجوع لأنه حكم مضى وإلا رجع حكاه ابن حارث، قال ابن رشد ولهذه المسألة نظائر منها مسألة كتاب النفقة من المدونة الذي يثيب على الصدقة وهو يظن أن الثواب يلزمه ومنها مسألة كتاب الصلح فيها في الذي يصالح عن دم الخطأ وهو يظن أن الدية تلزمه.
(ولا نفقة للمختلعة إلا في الحمل ولا نفقة للملاعنة وإن كانت حاملا ولا نفقة لكل معتدة من وفاة):
واختلف هل لها السكني أم لا فقال القاضي إسماعيل: لا سكني لها واختاره ابن رشد وابن عبد السلام والمشهور أن لها السكني، واختلف هل للناشزة نفقة أم لا على ستة أقوال: فقيل لها ذلك قاله في كتاب محمد وسماع عيسى، وعكسه قال عبد الوهاب في الإشراف وقيل إن كانت حاملا وجبت لها النفقة لأجل الولد وإلا فلا قاله ابن الجلاب، وقيل إن خرجت من المسكن فلا نفقة لها وإن لم تخرج فلها قاله أبو بكر الوقار وقيل إن عجز عن ضربها على نشوزها فلا نفقة لها، وإلا وجبت لها قال أبو الحسن القابسي، وقيل لها النفقة إن فعل ذلك بغضا فيها كالعبد الآبق، وإن ادعت أنه طلقها فلا نفقة لها نقله ابن يونس عن سحنون وفي المدونة فيمن غلبت زوجها فخرجت من منزله في العدة من طلاق بائن وسكنت غيره لا كراء لها عليه فيما سكنت فأقام منها ابن الناشزة لا نفقة لها.
ورده أبو عمران بأن بقاءها في المنزل حق لله تعالي وبقاءها مع الزوج حق له ولابن رشد فرق آخر بينهما وهو أن السكني متعينة لها في مسكن الطلاق لا في ذمته فليس لها أن توجب في ذمته ما لم يكن واجبا عليه، وصوب بعض شيوخنا هذا الفرق
قائلاً: هو أبين من فرق أبي عمران وأقام منها أبو إبراهيم أن المرأة إذا كان لها ولد وانتقلت به إلى بلد آخر مختفية ثم جاءت به بعد مدة تطالب بما أنفقت عليه أنه لا شيء لها، وعبر المغربي عن الإقامة المذكورة بقوله أقاموا منها.
(ولها السكنى إن كانت الدار للميت أو قد نقد كراءها):
ما ذكر الشيخ أن لها السكنى هو المشهور، وروى ابن خويز منداد سقوط السكنى في الوفاة وقاله ابن القصار محتجا بأن ملك الزوج للدار قد زال بموته واختاره ابن عبد السلام، وقال اللخمي: إن قام الغرماء والمسكن في ملك الزوج بيع واستثنى مدة العدة كانت عدة طلاق أو وفاة وإن كانت بكراء ونقده فهي أحق به بذلك الكراء بقدر العدة وبيع الباقي للغرماء وإن كان لم ينقده والعدة من الطلاق فللمكري أخذ مسكنه وإن أسلمه فتكون الزوجة أحق به ويحاص المكري مع الغرماء فيما سواه، وإن كانت لوفاة لم يكن المكري أحق ولا الزوجة وبيع للغرماء والمكري أحدهم، وإن يكن عليه غرماء بيع له وليس له أخذه.
قلت: وأخذ بعض شيوخنا من بيع دار الميت واستثناء سكنى العدة مع احتمال الريبة جواز بيع الدار واستثناء سكناها خمس سنين وأجاز المغيرة استثناء عشر سنين وأخذه بعضهم من قول المدونة فيمن استعار أرضًا من رجل على أن يبنيها ويسكنها عشر سنين ويكون البناء لصاحب الأرض ذلك جائز إذا وصف البناء وأجاز سحنون استثناء ثلاث سنين وابن حبيب استثناء سنتين إلى غير ذلك من الأقوال وقال ابن عبد السلام في قول أهل المذهب بتقديم حق المعتدة على الغرماء نظر لأنه يوجب كون حقها بعد الموت وانقطاع الزوجية أقوى منه في الحياة مع بقاء العصمة فيكون التابع أقوى من متبوعه وهذا خلف لأن سكنى العدة إنما وجب تبعًا لسكني الحياة.
وقال ابن عات خروج بعضهم من بيعها للغرماء أن من خلف حاملا وعليه دين وله عقار أنه يباع للغرماء وخالف فيه ابن أيمن وقال لا يباع حتى تضع الحمل. قلت: قال بعض شيوخنا قد يفرق بأن الحمل مانع لوجوب الأعذار في الدين للولد الحمل والمعتدة المبهمة لمانع مشكوك فيه، وقد علمت أن العادة أن الشك في المانع لغو بخلاف تحققه، واختلف أيضًا إذا أوصى بوصية وثم حمل نقل يعطي للموصي له الوصية أو حتى تضع واختلف أيضًا في المرأة إذا كانت حاملا وطلبت ثمنها عاجلا.
(ولا تخرج من بيتها في وفاة أو طلاق حتى تتم العدة إلا أن يخرجها رب الدار ولم
يقبل من الكراء ما يشبه فلتخرج وتقيم بالموضع الذي تنتقل إليه حتى تنقضي العدة):
قال في المدونة: إن انهدم المسكن فدعت إلى مسكن غير ما دعا إليه الزوج فذلك لها فيما لا يضر به لكثرة كراء ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت أراد بقوله أو سكنى أحد أمرين إما مسكن سوء غير مأمون وإما بحيث لا يعلم أنها معتدة وهذا التقييد الأخير قيد به ابن شاس قولها ولو اسقطت الكراء سكنت حيث شاءت، فقال يريد حيث يعلم أنها معتدة بحيث لا يخفى عليه خبرها.
وقال ابن عبد السلام: لا يبعد أن يكون القول قوله كما كان ذلك قبل الطلاق ورده بعض شيوخنا بأنه قبل الطلاق ومقارن معها في السكني فعليه حكمه وفي المدونة لا تخرج امرأة الأمير لوال غيره قبل تمام العدة واضطرب أهل المذهب إذا مات إمام المسجد وهو في الدار المحبسة عليه فقيل كذلك قال ابن عات وعليه جرى عمل أهل قرطبة وقيل تخرج منها إن أخرجتها جماعة المسجد.
قاله ابن العطار واقتصر أكثر الشيوخ عليه كعبد الحق والباجي وابن رشد وابن زرقون وغيرهم وفرقوا بينها وبين مسألة الأمير بثلاثة فروق.
أحدها لابن رشد أن امرأة الأمير لها حق في بيت المال، وهذه الدار لبيت المال. والثاني: أن أصل أجرة الإمام مكروهة، وكلا الفرقين ذكره ابن عات وعزا الأول لمن ذكر، والثاني لابن المناصف، قلت ورد بعض شيوخنا الثاني بمنع كونها إجازة مكروهة في الإمامة بل هي إعانة وإلا افتقرت إلى ضرب الأجل ولا قائل به.
الثالث: أن سكنى الإمام على وجه الإجارة فإذا مات انتقضت الإجازة بخلاف الإمارة وإلى هذا ذهب عبد الحق والباجي وغيرهما وفهمه خليل على أنه مغاير لما قبله، كما قلنا قال وإنما يقصد الناس في زماننا في أئمة المساجد الإجارة فيقوى قول ابن العطار.
وفي المدونة: وتنتوي البدوية حيث انتوى أهلها لا حيث انتوى أهل الزوج وأراد بقوله تنتوي أي تترحل وتبعد من النوى وهو البعد، قال عياض: وأخذ بعضهم منه أنه إنما كان لها ذلك إذا كان رحيلهم عن بعد وإن كان عن قرب بقيت لتمام عدتها قلت: وأخذ منها بعض شيوخنا أن المرأة إذا ماتت وأراد زوجها دفنها في مقبرته وأراد أهلها دفنها في مقبرتهم أن القول قول أهلها، وقال الفاكهاني: لم أر لأصحابنا فيها نصا فمن رأى ذلك فليضمه إلى هذا الموضع راجيا ثواب الله الجزيل ذكر ذلك عند قول الشيخ واختلف في كفن الزوجة.
(والمرأة ترضع ولدها في العصمة إلا أن يكون مثلها لا ترضع وللمطلقة رضاع ولدها على أبيه ولها أن تأخذ أجر رضاعها إن شاءت):
يريد بقوله إلا أن يكون مثلها لا ترضع لأحد أمور ثلاثة: إما لشرفها، وإما لمرضها وإما لانقطاعه لبنها، قال اللخمي ولذات الشرف رضاعه بأجر قال الشيخ خليل، وأفتى بعض مشايخ شيخي بأن الشريفة إذا تواضعت الرضاع لا أجر لها لإسقاطها حقها ولا كبير مؤنة عليها في لبنها وإن مات أبوه وله مال استؤجر له من مال أبيه والأم أحق به إن قبل غيرها وإن لم يقبل غيرها لزمها بالأجر، وإن لم يكن له مال وكان لها لبن فالمشهور يلزمها إرضاعه وقيل لا يلزمها وهو من فقراء المسلمين، قاله ابن الجلاب ونقله ابن يونس عن القاضي عبد الوهاب قائلاً: ولها أن تأخذ أجر رضاعها إن شاءت وإن لم يكن لها لبن فقيل يجب عليها في مالها واختار التونسي أنه لا يجب عليها وبه قال اللخمي وهو قول القاضي عبد الوهاب قائلاً: واختلف المذهب إذا وجد من يرضعه بدون أجره المثل فقيل إن حقها ساقط إلا بما وجد خاصة. رواه ابن وهب، وقيل لها أجر المثل ولا يلتفت إلى ما وجد.
والمدونة محتملة للقولين معا ونصها والأم أحق بما يرضع به غيرها فيحتمل أن يكون في واجد الأب ولمن كان أقل من أجرة المثل وعليه اختصر أبو محمد والبراذعي ويحتمل أن يكون أراد رضاع المثل وعليه حمل ابن يونس وغيره كلام المدونة، ثم اختلف الشيوخ فحكى ابن بشير عن بعض المتأخرين إنما هو الخلاف إذا قالت المرضعة أو رضعه عندي وإن قالت أنا أرضعه عند الأم فلا قول للأم بلا خلاف ومنهم من رد القولين لذلك ومنهم من أبقاهما على إطلاقها فاعلم أنها ثلاثة طرق واختلف إذا وجد من يرضعه مجانا وهو موسر، ففي المدونة لا مقال له.
وروى ابن وهب له متكلم وحمله ابن رشد على أن الأب وجد من يرضعه عند الأم وحيث وجب على الأم إرضاعه بأجر فهو أجر المثل نص عليه ابن الكاتب وغيره وفي طرز ابن عات إن اختلف في الأجرة فحكى ابن فتحون عن أبي الوليد بن مقبل أنه سأل عن ذلك فقال على الزوج الموسر ديناران في الشهر وعلى المتوسط دينار وأربعة درهم وعلى العامل بيده دينار، وظاهر كلام بعض شيوخنا أنه خلاف والحق أنه وفاق
أنه إنما تكلم على عرفه لأن ما ذكره دعوى لم يقم عليها دليل شرعي والله أعلم، وإن لم ترض الأم بأجرة مثلها فللأب أخذه إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر على إرضاعه بأجر مثلها.
قال اللخمي وابن عادت ولا سكنى للمرضع مدة إرضاعها لأن مسكنه حجر أمه قلت وذكر ابن عبد السلام قولاً أن لها ذلك على الأب.
(والحضانة للأم بعد الطلاق إلى احتلام الذكر ونكاح الأنثى ودخولها)
ظاهر كلام الشيخ ولو كانت الأم كافرة وهو نص المدونة خلافا لابن وهب وعن ابن القاسم مثله واختاره اللخمي وظاهر كلامه أيضًا وإن كانت الأم سفيهة أن لها الحضانة وهو كذلك في أحد القولين وحكاهما المتيطي ووقعت بباجة في أيام الأمير أبي بكر فأفتى فيها ابن عبد السلام بأن لا حضانة لها، وأفتى ابن هارون بأن لها الحضانة فأمر الأمير أن يعمل بقول ابن هارون بأن الحضانة لها، واختاره بعض شيوخنا لكونه ظاهر رواية المدونة وغيرها ولا خصوصية للأم في هذه المسألة بل لكل حاضنة وإن كان بالحاضن جذام أو برص، فإن كان خفيفا فمغتفر وإن كان فاحشا فمانع من الحضانة.
واختلف في أم الولد إذا أعتقت والمشهور أن لها الحضانة خلافا لابن وهب ولو أعتق ولد الأمة فإن الحضانة لها قاله في المدونة قال اللخمي وفيه نظر لأن الغالب في الأمة أنها تكون مقهورة على عمل سادتها والحرة إذا تزوجت سقطت حضانتها بما تعلق بها من حقوق الزوج فكيف بهذه وفرق الشيخ المغربي بينهما وبين ما استدل به بأن الحرة إذا تزوجت أحدثت بعد الطلاق ما يخل بالحضانة والأمة لم تحدث بعد الطلاق ما يخل بها وكونها مقهورة على عمل ساداتها فعليه دخل الزوج وفرق ابن عبد السلام بينهما بأنهما رأوا في المذهب كون المرأة إذا تزوجت حصل بين زوجها الثاني وبين مطلقها بغض وعداوة والشنئان له ولولده فنزعوا الولد لذلك والأمة وإن كانت مشغولة بالخدمة إلا أنهم لا يبغضون ولدها كما يبغضه الزوج واعلم أن ما تقدم من سقوط الحضانة إذا تزوجت الأم المراد بذلك إذا دخل بها زوجها وزعم ابن حارث الاتفاق على سقوطها وقال المتيطي هو المشهور المعمول به وفي التعبية ليحيى وروى ابن القاسم: ليس للأب أخذه من الأم وإن دخل بها زوجها إن كان الابن في كفاية عندها وعلى الأول فلا يرد لها إن خلت من الزوج عند الأكثر وقيل يرد إليها قاله ابن وهب
وابن نافع ورواه ابن خويز منداد، وقاله عبد الوهاب واختار ابن يونس الأول مستدلا بعدم عود النفقة على الأب إذا أسقطت في حق ولده قال، واختلف شيوخنا إذا تزوجت تزويجا فاسدا ودخل بها ونزع الولد ثم فسخ فقال بعضهم يرجع إليها الولد وقيل لا يرجع قلت وذكر ابن رشد قولاً بأن الدخول بالزوجة لا يسقط الحضانة بل حتى يحكم الحاكم فلو تأيمت قبله فهي أحق به ذكره في المقدمات ولكل حاضن قبض نفقة محضونه، وكسوته وغطائه ووطائه قال ابن عات في المجالس إذا ادعت الحاضنة أن كسوة الولد خلقت منه أو أتلفها في خروجه عنها حلفت وكانت من الأب، وقال هشام هو منها وبه جري العمل.
قلت: وأجرى بعض شيوخنا القولين على الخلاف في الحضانة هل هي حق المحضون أن للحاضن وكذلك أجرى عليها غير واحد اختلافهم فهل لها أجرة أم لا وظاهر كلام الشيخ أن الإنبات لا أثر له وهو كذلك عند ابن القاسم، وقيل إن قارب الاحتلام وأنبت، وأسود نباته فللأب ضمة إليه قاله ابن الماجشون ووجهه بأن الإنبات هو الذي يمكن إثباته بالشهادة عليه والاحتلام لا يعلم إلا بقول الصبي وروى ابن وهب أن منتهي الحضانة في الذكور والإثغار كذا عزاه الباجي وعزاه اللخمي لمالك وأبي مصعب، ومختصر ابن عبد الحكم.
وكان بعض من لقيناه يعارضه بقوله في التفرقة بين الأم وولدها أنه لا يفرق بينهما أبدًا بأنا نمنع أن أخذ الوالد ولده في الحضانة تفرقة سلمنا أنه تفرقة لكن في البيع أشد فناسب المنع للأبد والله اعلم واختار ابن القصار وابن رشد استفهام الأبوين على الذكر وقيل الولد الذكر في أبويه مخير ولقد بعدنا عن كلام الشيخ ولنرجع إليه.
(وذلك بعد الأم إن ماتت أو نكحت للجدة ثم للخالة فإن لم يكن من ذوي رحم الأم أحد فالأخوات والعمات فإن لم يكونوا فالعصبة):
اعلم أن الحضانة في النساء للأم ثم أمها ثم جدة الأم لأمها ثم الخالة ثم الجدة للأب ثم جدة الأب لأبيه ثم الأخت ثم العمة ثم بنت الأخت، واعلم أن خالة الخالة تنزل منزلة الخالة نقله ابن يونس عن ابن المواز وعزاه الباجي لروايته وجعله بعض شيوخنا المذهب قائلاً: وقول ابن شاس وابن الحاجب وفي إلحاق خالة الخالة بالخالة قولان لا أعرفه وسلمه ابن عبد السلام قائلاً عن بعضهم: وكذلك عمة العمة التي هي أخت الجد للأب قال وهي عبارة المؤلف قلق لأن القول بأنه لا تلحق خالة الخالة بالخالة
لا يلزم منه سقوط حقها في الحضانة مطلقا والحضانة في الذكور للأب ثم الأخ ثم الجد ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم ثم المولي الأعلى والأسفل على المشهور فيها قال اللخمي: ولم أر للجد في الحضانة نصا وأرى له في ذلك حقا وقال ابن العطار: إذا اجتمع الجدان فالجد للأب أولى من الجد للأم والأم ثم أمها أولى من كل من له الحضانة وفي تقديم الأب على بقيتهن أربعة أقوال ثالثها المشهور ويقدم على من بعد الجدة للأب ورابعها يقدم على من بعد الخالة.
(ولا يلزم الرجل النفقة إلا على زوجته كانت غنية أو فقيرة):
اختلف ما الذي يفرض لزوجته على أربعة أقوال: فقيل يفرض الثمن وقيل: الأعيان وقيل: إن كانت الأعيان مما يجوز بيعها قبل قبضها فالأول وإلا فالثاني وقيل: إن الحاكم مخير واختلف إذا مرضت فقل أكلها أو خرجت قليلة الأكل وطلبت قوتا كاملاً فقال أبو عمران يقضي لها بالوسط وتصرف الفاضل فيما أحبت قال المتيطي والصواب أنه لا يكون لها إلا ما تقدر عليه من الأكل كذا عزاه الشيخ خليل وفيه نظر بل نقله المتيطي عن اختيار ابن سهل فقط، ولوجدها فادحة الأكل فلا كلام له وهي مصيبة نزلت به قال بعض القرويين لأنها لا ترد إلا من العيوب الأربعة بخلاف إذا وجد المكتري أكولا فإن له أن يفسخ إجارته وقبله غير واحد كالمتيطي ونص الشيخ ابن رشد على أن للزوج أن يمنعها من الغزل وجعله بعض من لقيناه من القرويين المذهب قائلاً: نقله ابن يونس عن أبي محمد بن أبي زيد عن مالك، وما ذكره لا أعرفه وجعله شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني أيده الله خلاف ظاهر المذهب لأن الزوج ليس له فيها إلا المتعة وبه أقول ولا يقال الأول أقرب بدليل أن له منعها من صوم التطوع لأن الصوم يضعفها غالبا بخلاف الصنعة غالبا والعيان يشهد لذلك ولأن الصوم يمنعه من الوطء فلذلك وقف على رضاه.
(وعلى أبويه الفقيرين):
ظاهر كلام الشيخ ولو كان الأبوان كافرين وهو كذلك، وحكي ابن حارث عن رواية ابن غانم أنه لا نفقة لهما وظاهر كلام الشيخ أيضًا ولو كان الأبوان يقويان على العمل وهو كذلك عند الباجي خلافا للخمي والأظهر أن لا يمين على الأبوين خلافا لابن لبانة وإذا كانت عند الأب دار لا فضل في ثمنها فهي كالعدم ولذلك يعطى من الزكاة، واختلف إذا تعددوا وكانوا موسرين فقيل: على قدر رءوسهم قاله ابن الماجشون وأصبغ وقيل: على قدر أموالهم قاله ابن المواز وقيل: على قدر الميراث قاله
مطرف وابن حبيب وقيل: إن كل واحد من الأولاد تلزمه النفقة على انفراده فهي على السواء وإن كان بعضهم يلزمه منها إن لو انفرد بعضها لزمه بقدر ذلك معهم ويجب على الولد أن ينفق على امرأة واحدة لأبيه لا أكثر وقال ابن عبد الحكيم لا يلزمه ذلك.
واختلف هل يجب على الولد أن يزوج أباه على قولين لأشهب وابن القاسم وسبب الخلاف هل النكاح قوت أو فاكهة وسمع ابن القاسم لا يجب عليه أن يحجه، قال ابن رشد هذا على القول بأنه على التراخي وأما على القول الذي يقول بالفور فإنه يجب عليه وكل هذا إذا اعترف الابن بفقر أبيه وأما إذا أنكر فقره فعلي الأب إثبات فقره ثم اختلف هل يحلف مع ذلك أم لا فقال ابن لبابة: يحلف، وقال غيره لا يحلف، قال بعض الموثقين وبه القضاء وعليه العمل والقولان حكاهما المتيطي ولو زعم الولد أنه فقير لتسقط عنه نفقة أبيه فقيل: يقبل قوله قاله ابن الفخار وقيل: لا قاله ابن العطار.
(وعلى صغار ولده الذين لا مالك لهم على الذكور حتى يحتلموا ولا رمانة بهم وعلى الإناث حتى ينكحن ويدخل بهن أزواجهن ولا نفقة لمن سوى هؤلاء من الأقارب):
ظاهر كلام الشيخ أن الزمانة لو طرأت بعد البلوغ لا أثر لها فلا تعود النفقة وهو كذلك عند ابن القاسم ولابن وهب في الموازية لا نفقة عليه وإن بلغ زمنا ولابن الجلاب عن ابن الماجشون تلزمه نفقته ولو حدثت الزمانة بعد البلوغ ولا خصوصية للزمانة بل وكذلك العمي وشبهه.
(وإن اتسع فعليه إخدام أم زوجته وعليه أن ينفق على عبيده):
اختلف في الإخدام فقيل: هو واجب للزوجة كنفقتها تطلق بالعجز عنه قاله ابن الماجشون وقيل يجب كالنفقة ولا تطلق بالعجز عنه وهو مذهب ابن القاسم، وقال ابن حبيب لا تجب إلا أن يكون موسراً أو الزوجة من ذوات القدر وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن رشد في أجوبته وصرح في البيان بأن المشهور القول الثاني وحيث تجب لها الخدمة فقيل: تقصر على خادم واحد وقيل يقضي عليه بأكثر وقيل إن ارتفع قدرها كبنت السلطان والهاشمية فالثاني وإلا فالأول قاله أصبغ وظاهر كلام الشيخ أن الزوج محمول على عدم الاتساع حتى يثبت وهو كذلك على ظاهر المدونة وفي ذلك قولان حكاهما صاحب الطراز.
(ويكفنهم إذا ماتوا):
ما ذكر الشيخ من أن على السيد أن يكفن عبيده هو كذلك باتفاق قاله بعض