الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقله الباجي عن رواية ابن حبيب ليس ذلك فرضا ولا حتما وأحب أن يأتيه فجعلها ندبا وحكاه ابن الحاجب عن ابن القصار عن المذهب، وقال اللخمي: إن كان المدعو قريبا أو جارا أو صديقا أو من يحدث بتأخيره عداوة وتقاطعا وجبت إجابته وإن كان المدعو غير ذلك فإن لم يأت من الناس ما تقوم شهرة النكاح به ندبت وإلا أبيحت.
فإن قلت: والقول بأن الإباحة واجبة مع أن الدعوة مندوبة متنافيان قلت: ليس في ذلك تناف بل هو أصل المذهب ألا ترى أن الابتداء بالسلام سنه ورده فرض فإن قلت والقول بأنها مندوبة مشكل أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم "ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" قلت: أجيب عن ذلك بوجهين أحدهما أن يقصد بعدم إجابته الترفع عنها والرغبة عن السنة، وهذا تأويل عبدالوهاب الثاني لبعض البغداديين من أصحابنا بأنه لا يمنع أن يطلق على من أخل بالمندوب تسمية عاص لأن المعصية مخالفة الأمر المأمور به والمندوب مأمور به، واعترضه الفاكهاني بوجهين.
أحدهما: أنه خلاف عرف حملة الشريعة وغير مصطلحهم واستعمالهم، الثاني: أن المندوب قد اختلف فيه أهل الأصول هل هو مأمور به أم لا؟ قال الباجي: لا نص لأصحابنا في وجوب أكل المجيب وفي المذهب ما يقتضي القولين روى محم: عليه أن يجيب وأن لم يأكل أو كان صائما وقال أصبغ: ليس ذلك بالوكيد وهو خفيف فحمل قول مالك على أن الأكل ليس بواجب وقول أصبغ على وجوبه قلت: واعترضه بعض شيوخنا بأن رواية محمد يجب وإن لم يأكل نص فقهي في عدم وجوب الأكل وعليه حملة اللخمي فكيف يقول: لا نص قلت: ويعترض عليه أيضا بقول الشيخ أبي محمد وأنت في الأكل بالخيار.
باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله سبحانه والقول في السفر
(ورد السلام واجب والابتداء به سنة مرغب فيها):
أشار الشيخ بقوله مرغب فيها إلى أن حكمه السنة بتأكيد والله أعلم قيل: وإنما بدأ الشيخ بالرد وكان العكس أولى تقديما للفرض على السنن فابتدأ بالأهم وهو صواب وفي المذهب قول أن الابتداء بالسلام فرض كفاية والمشهور السنة، وتردد التادلي هل الرد أفضل لأنه مقصود وفرض الابتداء وسيلة وسنة أو الابتداء أفضل لكونه فعل سنة وتسبب في فريضة قال والأظهر الأول قال رحمه الله: ولا يسلم على الشابة
والآكل وقاضي الحاجة المؤذن الملبي وأهل البدع والكافر وأهل المعاصي قلت وما ذكره من عدم السلام على الآكل لا أعرفه في المذهب، وكذلك أنكره شيخنا أبو مهدي لما سألته عنه هل يعرفه أم لا؟
(والسلام أن يقول الرجل السلام عليكم ويقول الراد وعليكم السلام، أو يقول سلام عليكم كما قيل له):
قال التادلي: يريد كأن المسلم عليه واحدا أو أكثر إنما يسلم بلفظ الجمع لأن الواحد مع الحفظة كالجمع مع الآدميين قال ابن رشد: والاختيار أن يقول المبتدئ السلام عليكم ويقول الراد: وعليكم السلام ويجوز الابتداء بلفظ الرد والرد بلفظ الابتداء وقال الفاكهاني، وظاهر قوله كما هو ظاهر كلام الشيخ أبي محمد أنه لا بد من الألف واللام في السلام وهو خلاف قول ابن شاس فصيغة الابتداء سلام عليكم، وصيغة الرد وعليكم السلام فأتى بصيغة الابتداء بالتنكير كما رأيت ولم أره في شيء من الأحاديث إلا معرفا كما قالاه.
قلت: وظاهر كلامهم أن المتبدئ والراد لو قالا السلام فقط فإنه لا يجزئ كالصلاة وشاهدت فتوى بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة أنه يجزئ مستدلا بقول النحويين بجواز حذف الخبر إذا فهم والصواب هو الأول لأن هذه عبادة فتتبع كالصلاة ولا أعلم أحدا قال إذا قال في الصلاة السلام فقط أنه يجزئ إلا ما رأيت من الخلاف في كتاب مجهول شرح فيه الرسالة قال أبو عمر: إذا كان المسلم بعيد من المسلم علمه فإنه يجوز أن يشير إليه بيده أو برأسه ليعلم أنه سلم عليه.
قلت: وهو صحيح ولا أعلم فيه خلافا فأول ما سمعت من شخينا أبي محمد عبد الله الشبيبي رحمه الله مفتيا به وكان يعرف من يسأل عن ذلك أنه لا بد من النطق باللسان وأما الإشارة وحدها فغير كافية.
(وأكثر ما ينتهي السلام إلى البركة أن تقول في ردك وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته):
لأنه الذي عليه العمل من السلف والخلف قال عبدالوهاب: وقد روي حديثا أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فزاد ومغف رته ولكن العمل من السلف على خلافه، قال ابن رشد وقوله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [النساء: 86]
دليل على جواز الزيادة إذا انتهى المبتدئ بالسلام في سلامه إليها.
(ولا تقل في ردك سلام الله عليك):
قال الفاكهاني: هذا لما يقال إنها تحية أهل القبور والله أعلم.
(وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم وكذلك إن رد واحد منهم):
ما ذكر هو المذهب خلافا لأبي يوسف في قوله: لابد من رد جميعهم وأجيب بما في أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم "يجزئ عن الجماعة" إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس إذا رد أحدهم إلا أن في إسناده كلاما للعلماء، وظاهر كلام الشيخ إن رد واحد من غير الجماعة المسلم عليهم لم يسقط فرض الرد عنهم وهو كذلك.
(وليسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالس):
يريد والصغير على الكبير والعبد على الحر والمرأة المتجالة على الرجل واللاحق على الملحوق والداخل على المدخول عليه والأصل في ذلك ما في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس الصغير على الكبير والمار على الجالس والقليل على الكثير" وفي طريق آخر يسلم الراكب على الماشي.
قال الإمام أبو عبد الله المازري: وإنما شرع سلام الراكب على الماشي لفضل الراكب عليه من باب الدنيا فعدل الشرع أن يجعل للماشي فضيلة أن يبتدئ واحتياطا على الراكب من الكبر والزهو إذا حاز الفضيلتين وإلى هذا المعنى أشار بعض أصحابنا إذا تلاقى رجلان كلاهما مار في الطريق بدأ الأدنى منهما على الأفضل إجلال وتعظيما للأكبر لأن فضيلة الدين مرغبة في الشرع، وأما بداءة المار على القاعد فلم أر في تعليله نصا ويحمتل أن يجري في تعليله على هذا الأسلوب فيقال: إن القاعد قد يتوقع شرا من الوارد عليه أو يوجس في نفسه خيفة فإذا ابتدأ بالسلام أن إليه أو لأن التصرف والتردد في الحاجة الدنيوية وامتهان النفس فيها مما ينقص مرتبة المتصادقين والآخذين بالعزلة تورعا فصار القاعدين مزية من باب الدين فلهذا أمر ببداءتهم ولأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم والتشوف إليهم فتسقط البداءة عنه وأمر بها المار لعدم المشقة عليه.
وأما بداءة القليل للجماعة فيحتمل أيضا أن تكون الفضيلة للجماعة ولهذا قال الشارع: عليكم بالسواد الأعظم، ويد الله مع الجماعة فأمر ببداءتهم لفضلهم أو لأن الجماعة إذا بدءوا الواحد خيف عليه الكبر والزهو فاحتيط له بأن يبدأ وقد يحتمل غير ذلك لكن الذي ذكرناه هو الذي يليق بما قلناه عنهم من التعليل ولا تحسن معارصة هذه التعاليل بآحاد مسائل شذت عنها لأن التعليل الكلي لوضع الشرع لا يشترط أن لا يشذ عنه بعض الجزئيات.
(والمصافحة حسنة):
ما ذكر الشيخ هو المشهور عن مالك وكرهه في رواية أشهب، والمصافحة وضع أحد المتلاقين كفه على باطن الآخر إلى الفراغ من السلام والكلام، قال التادلي: وفي تشديد كل واحد منها على الآخر كونه يشعر بالمبالغة في المودة قولان ولا يقبل كل واحد منهما بعد الفراغ يد نفسه ولا يصافح الرجل امرأة وإن كانت متجالة ولا مبتدعا ولا كافر والأصل في المصالحة ما رواه الترمذي عن أنس قال: قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال "لا" قال أفيلزمه ويقبله؟ قال "لا" قال: فيأخذه ويصافحه قال: "نعم" قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وروى الترمذي أيضا عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يفترقا" قال ابن رشد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصافحوا يذهب عنكم الغل وتهادوا تحابوا وتذهب عنكم الشحناء" قلت: ظاهر الحديث السابق إن مطلق انحناء الرأس منهي عنه وأفتى بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة بجوازه إذا كان إنحناء لا يصدق عليه الركوع شرعا زعاما أن عز الدين بن عبد السلام قال ذلك، وأما السجود وما أشبهه فلا يجوز وشاهدت بعض الطلبة الجهال، وكان مؤدبا جاء إلى شيخنا أبي مهدي حفظه الله تعالى في مدرسة عنق الجمل بتونس وتلقاه لما قام من مجلسه وسجد بين رجليه وجاء ليشتكي له بإنسان فصاح عليه وانتهره وهرب منه وظهر على وجهه الغضب لكونه خالف السنة وحلف له بالله ما يسمع في ذلك الموضع كلمة واحدة.
(وكره مالك المعانقة وأجازها ابن عيينة) إتيان الشيخ رحمه الله بقول ابن عيينة في هذه المسألة دون غيرها كان فيه الإشارة إلى قوته عند كإتيان سحنون بقول الغير في المدونة والله أعلم قال التادلي: المعانقة جعل الرجل عنقه على عنق الآخر وفيها أقوال ثالثها: يجوز إذا كان عن طول غيبة وإلا كرهت وظاهره أن الخلاف مذهبي وذكر غير واحد أن ابن عيينة دخل على مالك فصافحه وقال: يا أبا محمد لولا أنها بدعة لعانقتك فقال سليمان بن عيينة: عانق من هو خير منك ومني يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك جعفر قال نعم قال ذلك حديث صحيح خاص يا أبا محمد ليس بعام.
قال سفيان ما يعم جعفرا يعمنا إذا كنا صالحين وما يخصه يخصنا أفتأذن لي أن أحدث في مجلسك قال نعم يا أبا محمد قال حدثني عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عبدالله بن عباس قال لما قدم جعفر من أرض الحبشة اعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بين عينيه وقال "جعفر أشبه الناس بي خلقا وخلقا" فأعجب ما رأيت بأرض الحبشة الحديث، وروى مالك أن ذلك لجعفر خصوصا إذ لم يصحبها العمل من الصحابة بعد النبي صلى الله علي وسلم لأنها مما تنفر عنها النفوس في كل وقت إذ لا تكون في الغالب إلا لوداع لطول اشتياق لغيبة الأهل وما أشبه ذلك، قلت: قال بعض أصحابنا: تأمل ما الذي أفاده حديثه لمالك مع أن مالكا عالم بهذا الحديث يدل عليه كلام مالك والشأن في مثل هذا أن لا يحدث إلا بما لم يعلمه.
(وكره مالك تقبيل اليد وأنكر ما روي فيه):
قال التادلي: يريد وكذلك سائر الأعضاء لما يلحق المقبل من الكبر قال ابن بطال إنما كره تقبيل يد الظلمة الجبابرة وأما يد الأب والرجل الصالح ومن ترجى بكرته فجائز وظاهر المذهب خلافه، قال ابن رشد: سئل مالك عن الرجل يقدم من السفر فيتناول غلامه أو مولاه يده فيقبلها قال ترك ذلك أحب إلي وهو كما قال وينبغي لسيده أو مولاه أن ينهاه عن ذلك لأنه بإسلامه أخوه في الله إلا أن يكون كافرا فلا ينهاه لما جاء أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه مختبرين له تسع آيات بينات فلما أخبرهم قبلوا يديه ورجليه في حديث طويل.
(ولا تبتدأ اليهود والنصارى بالسلام):
الأصل في ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يبتدأ اليهود ولا النصارى بالسلام إذا لقيتم أحدا منهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" قال عبد الوهاب لأن السلام تحية وإكرام والكافر ليس أهلا لها وقد قال تعالى (تحية من عند الله مباركة طيبة)[النور: 61]
وقد أجاز بعض أهل العلم ابتداء أهل الذمة بالسلا وهو خلاف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(فمن سلم على ذمي فلا يستقيله):
قال عبد الوهاب إنه لا فائدة في استقالته لأن لا يخرج بذلك عن أن يكون قد بدأه بالتحية والاستقالة إنما تكون في أمر يمكن استدراكه فيعود المقول كأنه لم يفعل.
(وإن سلم عليه اليهودي أو النصراني فليقل عليك ومن قال عليك السلام بكسر
السين وهي الحجارة فقد قيل ذلك).
هذا لما روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم سامس عليكم فقولوا عليك" وفي مسلم أيضا عن عائشة رضي الله عنها أن رهطا من اليهود استأذنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة رضي الله عنها بل عليكم السام واللعنة والغضب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" قالت أو لم تسمع ما قالوا قال "قد قلت وعليكم" وفي رواية قد قلت عليكم.
(والاستئذان واجب فلا تدخل بيتا فيه أحد حتى تستأذن ثلاثا فإن أذن لك وإلا رجعت) الأصل في ذلك قوله تعالى: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) إلى قوله (حتى يؤذن لكم)[النور: 28]
وقوله (فليستئذنوا كما استئذن الذين من قبلهم)[النور: 59]
وما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال أنشدكم بالله هل سمع منكم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لكم وإلا رجعتم قال أبي وما ذاك؟ قال: استأذنت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاث مرات فلم يأذن لي فرجعت ثم جئت اليوم فأخبرته أني جئت أمس فاستأذنته ثلاثا ثم انصرفت فقال قد سمعناك ونحن على شغل فلو استأذنت جعل يؤذن لك فقلت استأذنت كما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لأوجعن بطنك وظهرك إن لم تأتني بمن يشهد معك على هذا" قال أبي فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا ساقم يا أبا سعيد، فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا.
قال بن رشد: واختلف هل يبدا بالسلام أو بالاستئذان والصواب أن يقدم الاستئذان فإن أذن له في الدخول سلم على من في البيت ودخل، قال غير واحد: واختلف في الزيادة على ثلاثة إذا ظن أنه لم يسمع أو يشك في ذلك على قولين قال ابن الفرس ولا تقل في الجواب أنا لما في مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه قال جئت النبي صلى الله عليه وسلم فدعوته فقال "من هذا" فقلت أنا فخرج وهو يقول "أنا، أنا" وفي
رواية أخرى أنه كره ذلك.
قال بعض الصوفية إياكم وثلاثة ألفاظ فإن بها هلك من هلك: أنا، ولي، وعندي فهلك فرعون بقوله (أنا ربكم الأعلى) [النازعات: 24]
، وقوله (أليس لي ملك مصر) [الزخرف: 51]
، وهلك قارون بقول (إنما أوتيته على علم عندي) [القصص: 78]
، وقبله التادلي ورد شيخنا أبو مهدي أيده الله ما ذكره من الاستدلال بالآية الأولى بأن فرعون النعي عليه بزيادة قوله ربكم الأعلى لا لقوله أنا فقط، واعلم أن تنقير الباب ثلاث أو التنحنح يقوم مقام الاستئذان كانت الأبواب مفتوحة أو مغلوقة.
قال التادلي: واختلف فيمن أرسل إليه هو يدخل بغير إذن أو يفرق بين أن يأتي عن بعد فيستأذن وإلا فلا على ثلاثة أقوال، قلت: والأقرب أنه خلاف في حال واختلف فيمن اطلع على رجل بغير إذنه ففقأ عينه فقيل عليه الدية ولا قصاص وقيل بل يجب علي القصاص قاله مالك، وقال ابن عبد الحكم: لا قصاص ولا دية وهو ظاهر ما في مسلم عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: "ومن اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه".
(ويرغب في عيادة المرضى):
هذا لما في مسلم عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن المسلم إذا دعا أخاه لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" وفي آخر قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خرقة الجنة قال "جنانها".
(ولا يتناجى اثنان دون واحد وكذلك جماعة إذ أبقوا واحد منهم وقد قيل لا ينبغي ذلك إلا بإذنه وذكر الهجرة قد تقدم في باب قبل هذا):
علل بخوف الغدر وقيل جبرا لقلبه لإهماله، قال ابن رشد: فإن عللنا بالأول كان التناجي حراما وإن عللنا بالثاني كان التناجي مكروها وفي المدونة نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال إنها خب قال عياض: رطانة بفتح الراء وكسرها وفتح الطاء المهملة وهو كلام بلسانهم وخب بكسر الخاء المعجمة وتشديد الباء أي خديعة ومكر قال ابن يونس إنما ذلك في المساجد وقيل إنه يصير إلى معنى ما كره أن يتناجى اثنان دون واحد.
(قال معاذ بن جبل ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قال عمرو أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه):
الأصل في ذلك قوله تعالى (فاذكروني أذكركم)[البقرة: 152]
وقوله (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم)[ال عمران: 191]
إلى غير ذلك.
وقد قال الأستاذ أبو علي الدقاق: الذكر منشور الولاية فيمن وفق إلى الذكر فقد أعطى المنشور ومن سلب الذكر فقد عزل قال عبد الوهاب: لأن الإنسان إذا أكثر من الذكر جدد خشوعا في قلبه وبعدت الغفلة عن قلبه فكان إلى التقوى أقرب وعن المعاصي أبعد وما قاله عمر إنما أراد به الذكر بالقلب وهو إحضار الإنسان قلبه الخوف والخشوع وتصوره لاطلاع ربه عليه في سره وعلانيته وعلمه بجيمع أعماله وتصرفاته وأنه لا تخفى عليه خافية ولا يستر عنه مستور فلذلك قال: الذكر بالقلب أفضل من الذكر باللسان.
وقال الفاكهاني: الذي يظهر لي أن الوقت عند الحدود أن ذكر واجبا ذكر الله فاجتنبه ومعنى ذكر الله أن ذكر ثوابه وعقابه والله أعلم بما أراد قال ويؤيد ما قلناه قول الحسن: أفضل ذكر الله عند ما حرم الله ونقل عن البوني أنه قال في ذلك يريد أداء الفرائض فهذا قريب مما قلناه وهو قريب في المعنى قلت: وقول الفاكهاني إليه كان يذهب بعض من لقيناه من القرويين قال أبو القاسم القشيري: ومن خصائص الذكر أنه غير موقت بل ما من وقت من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله إما فرضا وإما نفلا فالصلاة وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز في بعض الأوقات.
والذكر بالقلب مستديم في جميع الحالات قال الله تعالى (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم)[آل عمران: 191]
وفي الخبر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول "أعطيت أمتك ما لم أعط أمة من الأمم قال: وما ذلك يا جبريل قال: قوله تعالى (فاذكروني اذكركم)[البقرة: 152]
ولم يقل هذا لأحد غير أمتك".
(ومن دعائه صلى الله عليه وسلم كلما أصبح وأمسى "اللهم بك نصبح وبك نمسي وبك تحيا وبك نموت ويقول في الصباح وإليك النشور وفي المساء وإليك المصير وروي مع ذلك: اللهم اجعلني من أعظم عبادك حظا ونصيبا في كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده من نور تهدي به أو رحمة تنشرها أو رزق تبسطه أو ضر تكشفه أو ذنب تغفره أو شدة ترفعها أو فتنة تصرفها أو معافاة تمن بها برحمتك إنك على كل شيء قدير):
قال الفاكهاني: بك أي بقدرتك فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وإليك النشور يوم القيامة فكان قيام الإنسان من نومه كقيامه إلى حشره وإليه مصير
كل شيء أي مرجعه والحظ والنصيب مترادفان، ومعنى تقسمه تهيئه وتيسره وتحضره وإلا فكل شيء مقسوم في الأزل لا يزيد ولا ينقص والهداية الرشاد إلى الخير.
وفي الحديث "أن النور إذا دخل القلب انفتح وانشرح" قيل يا رسول الله هل لذلك النور من علامة قال: التجافي عن دار الغرور والإبانة إلى دار الخلود" أو كما قال صلى الله عليه وسلم قال ابن الفرس: واختلف في حكم الدعاء فقيل: واجب وقيل مندوب إليه على الخلاف في الأمر هل يحمل على الوجوب أو على الندب وعلى الوجوب فيخرج منه بالمرة الواحدة، واختلف هل الدعاء أفضل أم السكوت والرضى لجريان حكم الله تعالى بما اختار له في الأزل.
(ومن دعائه صلى الله عليه وسلم عند النوم أنه كان يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن واليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول "اللهم بأسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك رهبة منك ورغبة إليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك أستغفرك وأتوب إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"):
خرجه مسلم عن البراء بن عازب وفي آخر "فاجعله آخر كلامك فإن مت في ليلت مت على الفطرة" قال الفاكهاني: قول الشيخ ورسولك الذي أرسلت كأنه وهب لأن الذي في مسلم ونبيك الذي أرسلت وإنما كان نبيك دون رسولك لأن الرسول قد يكون من الملائكة بخلاف النبي وفي هذا الحديث ثلاث سنن مستحبة: هيئة النوم على الشق الأيمن لأنه أسرع إلى انتباه وذكر الله تعالى ولكن خاتمة عمله الوضوء عند النوم ولم يذكره الشيخ وهو مسلم إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوء الصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وفائدة الوضوء مخافة أن يموت في ليلته ويكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلاعب الشيطان به.
(ومما روي في الدعاء عند الخروج من المنزل: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي):
هذا حديث خرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وهو في مسلم عن
أبي هريرة عن الطيالسي عن أبي هريرة عن أبي مسلمة رضي الله عنها في سنن أبي داود عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا خرج الرجل من بيته قال باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قيل حينئذ هديت وكفيت ووقيت".
(وروى في دبر كل صلاة أن يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويكبر الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير):
هذا الحديث متفق عليه خرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه وظاهر المذهب أن هذا الذكر مخصوص بأن يكون عقب الصلاة الفرض وأما النوافل فلا قال ابن بطال له أن يجمع هذه الكلمات فيقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله وسمى هذه الكلمات المعقبات لكونها عقب الصلاة والفواصل لوقوع الفضل بها بين الفرائض والنوافل وتقدم الخلاف في الأجر المرتب عليه هل هو لجميع الناس سواء أو الفقراء منهم أكثر ثوابا من الأغنياء.
(وعند الخلاء يقول: الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته):
الخلاء ممدود والذي في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" بضم الخاء والباء وهو جمع خبيث وخبيثة استعاذ صلى الله عليه وسلم من ذكران الشيطان وإناثهم.
(وتتعوذ من كل شيء تخافه وعندما تحل بموضع أو تجلس بمكان أو تنام فيه أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق):
هذا حديث خرجه أهل الصحيح قال الفاكهاني: أخذ بعض العلماء من هذا أن القرآن غير مخلوق ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق واختلف في معنى التامات فقيل هي التي لا تنقص فيها ولا عيب قال عياض: وقيل: هي النافعة الباقية الشافية، وقيل: الفاضلة وقيل المراد به القرآن.
(ومن التعويذ أن تقول أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ أو برأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمن ويقال في ذلك أيضا ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم):
المراد بالوجه الذات والبر هو الحسن المطيع وضده الفاجر وقول الشيخ وذرأ أو برأ قيل هما بمعنى واحد وقيل بمعنيين والفرق بينهما أن الذرء يكون طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل بخلاف الخلق ولا شك أن برأ مرادف لخلق ومعنى قوله وما يعرج فيها يعني باطنها لأن غلظها مسيرة خمسمائية عام فيعرض من سطحها لقلة الذي يلي الأرض إلى منتهى ما يلي السماء الثانية.
(ويستحب لمن دخل منزله أن يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله):
قال القاضي أبو بكر بن العربي: الذكر مشروع للعبد في كل حال على الندب ومن جملة الأوقات التي يستحب فيها ذكر الله إذا دخل أحدنا منزله أو مسجده أن يقول كما قال الله تعالى (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله)[الكهف: 39]
، وروي من قال أربعا أمن أربع من قال هذا أمن من هذا، ومن قال حسبنا الله ونعم الوكيل أمن من كيد الناس له، قال الله تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) [آل عمران: 173]
ومن قال وأفوض أمري إلى الله أمن من المكر قال الله تعالى مخبرا عن العبد الصالح (فوقاه الله سيئات ما مكروا)[غافر: 45]
، ومن قال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم وقد قال قوم: ما من أحد يقول ما شاء الله فأصابه شيء إلا رضي به.
(ويكره العمل في المساجد من خياطة ونحوها ولا يغسل يديه فيه ولا يأكل إلا مثل الشيء الخفيف كالسويق ونحوه):
ينبغي أن تنزه المساجد عن البيع والشراء واستخف في البيان قضاء الدين وكنت ألحق فيه ما لم يطل وإنشاد الضالة وعمل الصناعات والسؤال قال ابن أبي زيد في النوادر: من سأل فلا يعطي وأمر بحرمانهم وردهم خائبين، قال التادلي: وكان الشيخ
أبو عبدالله محمد بن عمران أن يغلظ عليهم في النهي وربما أمر بإخراجهم مسحوبين، وكان بعض الشيوخ بالعكس منه فيرفق بهم ويسأل عن أحوالهم ويتصدق عليهم، فالأول تصرف بالشرع، والثاني بعين الحقيقة ومن رفع الصوت بغير ذكر الله ومن الحديث في الأمور الدنيوية ومن القصص قال مالك: والقصص بدعة ومن قراءة القرآن في المصحف قال ابن أبي زيد في مختصره لم يكن من الأمر القدم وأول من أحدثها الحجاج ومن غرس الشجر فإن وقع قطع فإن لم يقع قال ابن سهل هي حلال للغني والفقير كالفيء، قال الباجي واختلف أصحابنا في الوضوء فإن أجازه ابن القاسم في صحته في رواية موسى بن معاوية وكرهه سحنون لما في ذلك من مج الريق في المسجد قال الباجي: ورحاب المسجد كالمسجد في التنزيه.
(ولا يقص فيه شاربه ولا يقلم أظفاره وإن أخذه في ثوبه):
وكذلك لا يقتل فيه قملة ولا برغوثة وصرح ابن الحاجب بأن قتلها في المسجد مكروه وقال عبدالسلام: وما قاله في البرغوث ظاهر لأنه ليس له نفس سائلة وأما القملة فالمشهور أنها لها نفسا سائلة فينبغي أن يكون قتلها في المسجد أشد من البرغوث والله أعلم.
(وأرخص في مبيت الغرباء في مساجد البادية):
قال ابن رشد: وإذا بات في المسجد فخاف أن يخرج لقضاء الحاجة في اللصوص فإن يتخذ آنية لقضاء حاجته فإن لم يجدها بال فيه قال ابن العربي وكذلك الغري لا يجد أن يدخل دابته فإنه يدخلها في المسجد إذا خاف عليه اللصوص.
(ولا ينبغي أن يقرأ في الحمام إلا الآيات اليسيرة ولا يكثر):
قال عبد الوهاب: لأن الحمام من البيوت المكروهة إلا للضرورة وقد قيل إنه من بيوت الشياطين والقراءة قربة وفعل خير ومن أفضل الطاعات فيجب أن تكون في أشرف المواضع وقد روي أثر فيه النهي عن القراءة في الحمام.
(ويقرأ الراكب والمضطجع والماشي من قرية إلى قرية ويكره ذلك للماشي إلى السوق وقد قيل إن ذلك للمتعلم واسع):
قال عبد الوهاب: والفرق بين قراءة الماشي إلى السوق والماشي من قرية إلى قرية أن الماشي إلى السوق في قراءته ضرب من الإهانة للقرآن في قراءته في الطرقات وذلك خلاف ما أمرنا به من تعظيمه بخلاف الماشي من قرية إلى قرية لأن القراءة تعينه على طريقه ويحتاج إلى التبرك بها في مشيه والتخوف بها ولأن ذلك يعد شغلا وسرورا فلا ينسب قارئه إلى الابتذال له قال الفاكهاني: وقد رأيت لبعض شارحي الرسالة التفريق
بين أسواق الحاضرة وأسواق البادية فجوزه في الثاني قال التادلي، وقول الشيخ وقد قيل: راجع للماشي إلى السوق وقد قيل راجع إلى القرية وقد قيل: إن ذلك إلى الثلاثة للحمام وما بعده، والخلاف متعدد في الكل قلت وأشار الشيخ بقوله وقد قيل إلى تضعيف هذا القول ولتقدمنا الأول عليه كما سبق في قوله وقد قيل يتيمم لكلا صلاة.
(ومن قرأ القرآن في سبع فذلك حسن والتفهم مع قلة القراءة أفضل وروي أن النبي عليه السلام لم يقرأه في أقل من ثلاث):
أكثر العلماء رضي الله عنهم على أن الإقلال من القراءة مع الفهم أفضل من سرد حروفه نقل صاحب القوت أن بعضهم كان يختم ختمة في الأسبوع وختمة في الشهر وختمة في العام وختمة في عمره ونقل المازري عن القابسي أبي الحسن أنه ختم القرآن ليلة فكان يستغفر الله من ذلك وكان الشيخ أبو عبدالله بن ناصر المعروف بابن العتبي من أصحاب ابن سحنون ورده بالقيروان ثلاث ختم كل ليلة فرأى نفسه أنه مقصر فصار إلى المنستير يتعبد ينزل على رأسه قنديل من السماء يزهر ليس له معاليق فإذا فرغ من ورده ارتفع ذلك القنديل بقدرة من يقول للشيء كن فيكون كان قوته ربع خبزة ثمن جميع الخبزة ربع درهم.
وعلم أن الطريقين إنما هو في تعيين الأفضل ما هو وأفتى بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة بأن من يقرأ القرآن بلا فهم فلا ثواب له البتة زاعما أن ابن عبد البر نص على ذلك وقال هو كمثل الحمار يحمل أسفارا وكنت لا أرتضي منه هذه الفتوى ومجمل ما ذكر عن ابن عبد البر إن صح إنما هو إشارة إلى المبالغة فمتى فهم القرآن أحسن وقد كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مترسلة ولو شاء أحد أن يعد الحروف لعدها وقال تعالى (ورتل القرءان ترتيلا)[المزمل: 4].
(ويستحب للمسافر أن يقول عند ركوبه باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال ويقول الراكب إذا استوى على الدابة سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون):
هذا الحديث خرجه أهل الصحيح وجاء بعضه مختلفا ومعنى الصاحب في السفر
والخليفة في الأهل أنه لا يخلو مكان عن قدرته تعالى فصحبة المسافر أن يسلمه ويرزقه ويعينه ويوفقه ويخلفه في أهله بأن يرزقهم ويطعمهم ويحفظهم فلا حكم لأحد في السماء ولا في الأرض غيره جل وعز قال تعالى (وهو معكم أين ما كنتم)[الحديد: 4]
قال الباجي.
(وتكره التجارة إلى أرض العدو وبلد السودان):
قال عبد الوهاب: إنما قال ذلك لأن فيه تغرير الإنسان بنفسه وماله وإذلالا للدين واعتزازا للمشركين لأنه يحصل في بلاد المشركين بحيث تجري عليه أحكامهم ويرى الكفر بالله جهارا ولا يمكنه دفعه ولا يأمن على نفسه الفتنة والإكراه على ترك الدين أو غررهم به وإنزالهم إياه على حكمهم وكل ذلك مما قد منعت الشريعة مع القدرة على تركه فله في بلاد المسلمين مندوحة عن التعرض لهذه الأمور، وقد قال تعالى (ومن يهاجر في سبيل الله) [النساء: 100]
الآية.
قال الفاكهاني: ولا خلاف وأعلمه أن ذلك مما يسقط شهادة العدل ولفسقه إذا سافر إلى بلاد العدو اختيارا فينبغي أن يحمل ما قال الشيخ على التحريم إذ لا تسقط شهادة من فعل مكروها مرة أو مرتين، قلت: وقول المدونة في أول مسألة من كتاب التجارة إلى أرض الحرب وشدد مالك الكراهة في التجارة إلى أرض الحرب لجري أحكام المشركين عليه ظاهر في التحريم للتعليل ووقع في المدونة ما يوهم خلاف ذلك، وتأول على غلبة الريح أو دخوله لفك أسير أو مصلحة بين المسلمين والكفار وجرى لي وأنا قاض بجربة برسم فيه شهادة قاضي قوصرة بذكر حق شهود من علمه فطلب مني أن أوقع على خطه فلم أمكن صاحبه من ذلك لأنهم قادرون على التحيل في الخروج منها، وربما يخرج بعض من فيها ويعدلها فهم كفار يحكم عليهم.
(وقال عليه السلام السفر قطعة من العذاب):
قال الفاكهاني: هذا أمر مشاهد لغالب الحال لما فيه من قطع الراحة وإجهاد النفس وتشقية الخاطر ونظر من يشتهي نظره ومخالطته رغما فهو عذاب حسا ومعنى هذا غالبه وما نذر لا حكم له، والحديث يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قصى أحدكم من سفر نهمته فليعجل إلى أهله رواه مالك عن أنس عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال التادلي: قال عمر لولا أني خشيت أن أزيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت العذاب قطعة من السفر، قلت: وهذا منه مبالغة.
(ولا ينبغي أن تسافر المرأة مع غير ذي محرم منها سفر يوم وليلة فأكثر إلا في حج