الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في أحكام الدماء والحدود
قال ابن رشد: قتل المسلم عمدًا عدوانا كبيرة ليس بعد الشرك أعظم منه وفي قبول التوبة منه وإنفاذ وعيده مذهبان للصحابة رضوان الله عليهم، وإلى الثاني ذهب ملك لقوله: لا تجوز إمامته.
قلت: قال بعض شيوخنا: لا يلزم منه عدم قبول توبته لعدم علم رفع سابق جرأته وقبول توبته أمر باطن وموجب منصب الإمامة أمر ظاهر.
قال ابن رشد في سماع عيسى من قول مالك: ليكثر العمل الصالح، والصدقة والحج والجهاد ويلزم الثغور من تعذر القود منه دليل على الرجاء عنده في قبول توبته خلاف قوله: لا تجوز إمامته.
قال: والقول بتخليده خلاف السنة، ومن توبته عرض نفسه على ولي المقتول قودا أودية وفي كون القود منه كفارة له أم لا؟ مذهبان وجه الثاني أنه لا نفع فيه للقتيل بل لوليه قال غيره، ونقل الأصوليون إجماع الملل على حفظ الأديان والعقول والنفوس والأعراض والأموال، وذكر بعضهم الأنساب عرض الأموال واستشكل الفاكهاني قول مجاهد جعل الله جزاء من قتل نفسًا مؤمنة بغير حق جهنم وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا فول قتل جميع الخلق لم يزد من عذاب الله على ذلك؛ لأن الإثم على قدر عظم المفسدة هذا أصل الشريعة والمستقرأ من أحكامها.
(ولا تقتل نفس بنفس إلا ببينة عادلة أو اعتراف أو بالقسامة إذا وجبت يقسم الولاة خمسين يمينا، ويستحقون الدم):
مذهب مالك أن القود يجب بالقسامة، وبه قال ابن أبي ذئب، وابن حنبل وداود، وروى ذلك عن عبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.
وقال إسحاق بن راهويه: من قال القود في القسامة لم يبعد، وأما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لا يقاد بالقسامة وإنما تجب بها الدية وإليك النظر في بقية اختلاف العلماء في ذلك.
(ولا يحلف في العمد أقل من رجلين):
ما ذكره هو قول مالك لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: " أتحلفون خمسين
يمينا وتستحقون دم صاحبكم" فأتى بصيغة الجمع، وأقل الجمع عندنا اثنان ومن أهل العلم من قال: لا يحلف أقل من ثلاثة رعيا للصيغة، وأقلها عنده ثلاثة، ومنهم من قال: يحلف واحد وحمل الكلام على مجازه، وهو بعيد.
وعبر التادلى عن هذين القولين بلفظة قيل، وذلك يوهم أنها في المذهب وليس كذلك ويشترط في الحالفين أن يكونا عصبة اتباعا لقضية الأنصار فإن لم يكونا فالموالي فإن لم يكونا ردت اليمين.
(ولا يقتل بالقسامة أكثر من رجل واحد):
ما ذكره هو قول الموطأ لا نعلم قسامة كانت قط إلا على واحد.
وقال المغيرة: يقسم على جماعة في العمد، ويقتلون كما يقتلون بالشهادة القاطعة قال: وكذلك كان في الزمان الأولى إلى زمان معاوية وعلى رضي الله عنهما.
وفي المجموعة وكتاب ابن المواز عن ابن القاسم في قوم وجب لهم دم رجل بقسامة فقدم للقتل فأرادوا قتله فأقر غيره أنه قتله قال: إن شاءوا قتلوا المقر بإقراره وإن شاءوا قتلوا الأول بالقسامة ولا يقتلون إلا واحدًا منهما، وهذا نحو ما قال مالك وإذا فرعنا عليه، وكان المدعي عليه جماعة، ففي ذلك ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم في المجموعة: إنهم لا يقسمون إلا على واحد بعينه.
وقال أشهب: هم بالخيار أن يقسموا على واحد كما قال ابن القاسم أو يقسموا على اثنين أو على الجميع فإذا أقسموا عليهم اختاروا واحدًا منهم فقتلوه وكلامهما نقله ابن يونس والباجي، ولابن حارث عن سحنون: إن كان الضرب واحدًا كاحتمالهم صخره حلفوا على جميعهم كالخطأ وإن افترق الضرب كما إذا ضربه واحد على الرأس وآخر على البطن وآخر على الظهر لم يحلفوا إلا على واحد وعزا الفاكهاني هذا القول لنقل مكي بن أبي طالب في تذكرته وهو قصور.
(وإنما تجب القسامة بقول الميت دمي عند فلان أو بشاهد على القتل أو بشاهدين على الجرح ثم يعيش بعد ذلك ويأكل ويشرب):
ما ذكر أنه يقتل بقول الميت دمي عند فلان هو قول مالك.
قال ابن رشد: وتابعه على قوله أصحابه والليث بن سعد، والجمهور على
خلافه.
قلت: وفي اختصار الحريري، وقال عبد الرحمن بن أحمد بن مخلد: إنه توقف عن القول في التدمية ففهم منه بعض شيوخنا أنه قال بلغوها كقول المخالف، وسمعت شيخنا أبا مهدي رحمه الله يقول: هذه إحدى المسائل التى حلف فيها بالمشي إلى مكة أبو القاسم السيوري أن لا يفتي فيها بمذهب مالك، وكذلك وقف فيها اللؤلؤي ولم يفت به.
قلت: واحتج مالك على قوله بقوله تعالى: (فقلنا اضربوه ببعضها)[البقرة: 73]
الآية.
قال ابن العربي: في أحكام القرآن فإن قيل: كان ذلك آية ومعجزة لموسى عليه السلام، قلنا: الآية، والمعجزة إنما كانا في إحياء الميت فلما صار حيا كان كلامه كسائر كلام الآدميين كلهم في القبول والرد، وهذا دقيق من العلم لا يتفطن له إلا مالك، فإن قيل: إنما قتله موسي بالآية.
قلنا: أليس في القرآن آية إنه إذا أخبر وجب صدقة فلعله أمرهم بالقسامة معه أو صدقه جبريل عليه السلام، وكما قتل النبي صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد.
وظاهر كلام الشيخ: ولو كان المدعي عليه القتل ورعا عدلا والمدعي مسخوطًا، وهو كذلك على المشهور، وقال ابن عبد الحكم: صواب. قال: واختلف إذا قال ذلك على عدوه وفيه شبهة فيصح أن يقبل قوله؛ لأن عدو الإنسان يصح أن يفعل به ذلك، ويصح أن لا يقبل لتهمة إذا نزل به ذلك أنه يرميه بدعواه عليه ليشتفي منه، وظاهره أيضًا أنه لا فرق بين كون المدعي امرأة على زوجها أم لا، وهو ظاهر المذهب.
ومن الشيوخ من أخرج دعواها عليه لما شرع له من أدبها وربما أدى ذلك إلى قتلها نقله ابن هشام وابن عات عن ابن أبي زمنين عن الشعباني عن ابن مزين قائلاً: هو الذي تعلمناه من شيوخنا.
وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون هناك أثر ضرب أم لا، وهو كذلك عند أصبغ خلافًا لابن كنانة، واختاره ابن رشد، وغيره.
وبالثاني: العمل، واختلف إذا قال الابن: إن أبي قتلني مثلاً فالأكثر أنه لا يقتل به، وقال أشهب: يقتل به.
واختلف قول مالك في أعمال قول دمي عند فلان خطأ، ويريد الشيخ أن الشاهد الواحد على القتل لابد من عدالته، وهو المشهور، وقيل: لا يشترط.
واعلم أنه إذا تعدد اللوث فلابد من القسامة كما لو شهد شاهد على الموت، وقال المقتول دمي عند فلان.
(وإذا نكل مدعو الدم حلف المدعي عليهم خمسين يمينا فإن لم يجد من يحلف من ولاته معه غير المدعي عليه وحده حلف الخمسين يمينا):
اعلم أنه اختلف المذهب إذا نكل ولاة الدم، وكانت القسامة وجبت بقول المقتول أو بشاهد على القتل على ثلاثة أقوال حكاها ابن رشد في المقدمات:
أحدها: أن الأيمان ترد على المدعي عليه فيحلف أو يحلف عنه رجلان فأكثر من ولاته خمسين يمينا إن أطاعوا بذلك، ولا يحلف هو معهم قاله ابن القاسم.
والثاني: أن المتهم يحلف معهم قاله ابن القاسم أيضًا.
والثالث: لا يحلف إلا المدعى عليه وحده، وليس له أن يستعين بأحد قاله مطرف.
قلت: وذكر ابن حارث قول مطرف رواية له ونقلة الشيخ أبو محمد قولاً له ورواية وإن وجبت القسامة بشاهدين على الجرح ففي رد الأيمان على القاتل قولان:
أحدهما: أنها ترد على المدعي عليه، فيحلف ما مات من ضربي فإن نكل سجن حتى يحلف ولو حلف ضرب مائة وسجن عامًا، وإن أقر قتل قاله ابن القاسم، وابن الماجشون.
والقول الثاني: أن الأيمان لا ترد على القاتل ولا يحلف؛ لأن يمينه حينئذ غموس فعلى هذا إن أقر لم يقتل وهو قول أشهب، وابن عبد الحكم وأصبغ.
قال اللخمي: واختلف إن نكل المدعي عليه عن الأيمان ففي المدونة يحبس حتى يحلف.
وقال أشهب: عليه الدية وأرى أن يخير الأولياء في حبسه أبدًا حتى يحلف أو أخذهم الدية.
(ولو ادعى القتل على جماعة حلف كل واحد خمسين يمينا، ويحلف من الولاة في طلب الدم خمسون رجلاً خمسين يمينا):
لأن كل واحد من الجماعة مدعي عليه فلا يبرأ إلا بالخمسين.
واختلف إذا كان المدعى عليهم أكثر من خمسين هل يحلفون كلهم أو إنما يحلف خمسون رجلاً منهم.
(وإن كانوا أقل قسمت عليهم الأيمان):
يعني: إذا كان اثنان فإنه يحلف كل واحد منهما خمسًا وعشرين يمينا فإن أطاع
أحدهما أن يحلف أكثر الأيمان لم يجز ذلك قاله ابن رشد في مقدماته ولم يعزه وعزاه غيره لنقل أبي محمد عن ابن القاسم في الموازية.
قال ابن رشد: فإن كانوا أكثر من ذلك إلى الخمسين وتشاحوا مع تساويهم في العدد قسمت بينهم على عددهم فلو وقع كسر كما لو كانوا عشرين فيحلف كل واحد منهم يمينين يمينين ثم لا سبيل لهم إلى القتل إلا أن يحلف العشرة منهم العشرة الإيمان الباقية فإن أبي جميعهم من حلفها بطل الدم كنكولهم.
واختلف إذا طاع اثنان بحلف الخمسين فقال ابن القاسم: ذلك جائز، ولم يجزه المغيرة وأشهب وابن الماجشون، وأما لو كانوا أكثر من خمسين فإنه يجتزأ منهم بخمسين باتفاق عند الأكثر، وقد رأيت لابن الماجشون في كتاب مجهول أنه لابد أن يحلف كل واحد منهم يميناً يمينًا وإلا لم يستحق الدم.
(ولا تحلف امرأة في العمد):
ما ذكر مثله في الموطأ والمدونة قال الفاكهاني: وقيل: تحلف.
(ويحلف الورثة في الخطأ بقدر ما يرثون من الدية من رجل أو امرأة):
ما ذكر من أنه يحلف واحد منهم على قدر ميراثه هو متفق عليه؛ لأن الأيمان سبب لحصول الدية لهم فيجب توزيع الأيمان كما توزع الدية.
(وإن انكسرت يمين عليهم حلفها أكثرهم نصيبًا منها وإذا حضر بعض ورثة الخطأ لم يكن له بد أن يحلف جميع الأيمان ثم يحلف من يأتي بعده بقدر نصيبه من الميراث):
يعني كما لو كان الوارث ابنا وبنتا فإنها إنما تحلفها البنت مراعاة للتبعية والمتبوعية، والضمير المجرور في قوله منها عائد على اليمين المذكورة وتردد التادلي هل هو كذلك أو عائد على الدية، وهو بعيد.
وما ذكر الشيخ هو كذلك في القول المشهور ومثله قول المدونة إن لزم واحدًا نصف اليمين ولزم آخر ثلثها وآخر سدسها يحلفها صاحب النصف وصورتها بنت وزوج وأم عاصب.
وقيل: إنما يحلفها صاحب الأكثر من عدد الأيمان لا من عدد اليمين المنكسرة حكاه ابن رشد، ولم يعزه وعزاه غيره للموطأ من رواية يحيى.
وقيل: على كل واحد منهم يمين مستقلة نقلة ابن الحاجب ومثله في الكافي لابن عبد البر، وقال ابن حارث: واتفقوا على أنها لا تجبر على كل واحد منهم فتصير الأيمان أكثر من خمسين، وهذا يقتضي نفي الثالث.
قال ابن رشد: واختلف إذا انكسرت اليمين بأجراء متساوية مثل ما لو كان الورثة ثلاث إخوة لوجب على كل واحد منهم ستة عشر يمينا وثلثا بيمين فقال ابن القاسم، يجبر على كل واحد منهم الكسر الذي صار إلى حظه فيحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا.
وقال أشهب: يحلف كل واحد منهم ستة عشر يمينا، ويقال لهم: عينوا اثنين منكم يحلفان يمينين فإن تشاحوا فيمن يحلف ما بقي فرأيت لابن كنانة: لايجبر الإمام منهم أحدًا، ويقال لهم: لا تأخذوا شيئًا إلا أن تحلفوا بقية الأيمان ويشبه أن يقول
أشهب مثل هذا أو يقرع بينهم فيها.
وقاله بعض أهل النظر وقاسه على قول ابن القاسم، ولا يصح إلا على قول أشهب.
(ويحلفون في القسامة قيامًا):
ما ذكر هو المشهور، ونقل مكي في تذكرته عن ابن الماجشون أنهم يحلفون قعودا ولا خصوصية للحلف قيامًا في القسامة بل وكذلك كل الحقوق المالية على المشهور ونص الشيخ على ذلك بعد قوله: ويحلف قائمًا.
وظاهر كلام الشيخ: أنه لا يعتبر في أيمان القسامة زمن معين وهو كذلك.
وقيل: إنه تقع الأيمان بعد صلاة العصر يوم الجمعة ذكره ابن رشد واختلف في الذي يحلف به على أربعة أقوال:
فقيل: يقول: بالله الذي لا إله إلا هو.
والثاني: يقول معه الذي أمات وأحيا.
والثالث: يقول معه لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم.
والرابع: لا يزيد فيها الرحمن الرحيم، وذكر ابن رشد أن العمل مضى عندهم مع كون اليمين بعد صلاة العصر من يوم الجمعة كما تقدم.
(ويجلب إلى مكة والمدينة وبيت المقدس أهل أعمالها للقسامة):
لأن ذلك أيضًا أهول وأخوف على الحالف وأردع.
(ولا يجلب في غيرها إلا من الأميال اليسيرة):
قال التادلي: واختلف في الأميال اليسيرة، فقال ثلاثة أميال.
وقيل: بريد، وقيل: عشرة أميال.
(ولا قسامة في جرح ولا في عبد ولا بين أهل الكتاب، ولا في قتيل بين الصفين أو وجد في محلة قوم):
ما ذكر من أنه لا قسامة في الجرح هو نص المدونة، وما ذكر أنه لا قسامة في عبد هو كذلك؛ لأنه مال. قال ابن زرقون: ولو قال العبد دمي عند فلان ففيه أربعة أقوال: يحلف المدعى عليه خمسين يمينا ويبرأ قال أشهب: ويضرب مائة ويسجن فإن كل حلف السيد يمينا واحدًا ويستحق قيمة عبده مع الضرب والسجن.
وقال ابن القاسم: ويحلف المدعي عليه يمينا واحدة ولا قيمة عليه ولا ضرب ولا سجن فإن نكل ضرب وسجن وغرم القيمة.
وروى أشهب عن مالك مثل قوله إلا أن مالكًا قال: إذا حلف المدعى عليه
الأيمان لم يضرب، ولم يسجن، وقال أصبغ: يحلف المدعى عليه خمسين يمينا فإن حلف برئ، وإن نكل لم يلزمه شيء لا قيمة ولا ضرب ولا سجن، وأما إذا أقام السيد شاهدا على أحد أنه قتل عبده حلف السيد يمينا واحدة وأخذ قيمته ويجلد مائة ويسجن عامًا قاله ابن القاسم، وأشهب، وفي المدونة قال مالك في نصراني قام على قتله شاهد واحد مسلم يحلف، ولأنه يمينا واحدة ويستحقون الدية على قاتله مسلمًا كان أو نصرانيا ومثله في رسم أوصى من سماع عيسى من الجنايات وسماع أشهب في الديات.
قال ابن رشد: وقيل: دم النصراني لا يستحق بالشاهد واليمين، وهو قول أشهب وظاهر سماع يحيى في الديات وفيه قول ثالث، وهو أن يحلف أولياؤه مع شاهدهم خمسين يمينا ويستحقون ديته، وهو قول المغيرة لمالك في المدونة من رواية محمد بن يحيى السبائي أنه يستحق بغير يمين.
قلت: وحكى ابن زرقون فيها وفيما إذا قال الذمي: دمي عند فلان أربعة أقوال فذكر ما تقدم عن المدونة في المسألتين، وعزاه لنقل ابن حبيب عن ابن القاسم، وقول المغيرة على فرض ما حكاه ابن رشد في مسألة الشاهد وعزاه لنقله قال: وهو غريب، وقيل: يحلف المدعى عليه خمسين يمينا ويبرأ قاله مالك، وأشهب وابن عبد الحكم.
وقيل: إن لم يكن إلا قول الذمي دمي عند فلان فلا قسامة فيه، وفي مسألة الشاهد فيحلف ولاته يمينا واحدة ويأخذون الدية ويضرب مائة ويسجن سنة قاله ابن القاسم في المدونة.
قال الفاكهاني: انظر قول الشيخ ولا بين أهل الكتاب هل المعنى إذا كان المقتول ذميا، والقاتل مسلماً أو المعنى لا قسامة بينهم إذا تحاكموا إلينا فلا نوجبها عليهم وكلاهما قد قيل.
ورجح بعضهم القول الأول لقوله: ولا في عبد، وما ذكر أنه لا قسامة في القتيل بين الصفين هو قول مالك في المدونة ورجع إليه ابن القاسم بعد أن أخذ بقوله في الموطأ بثبوتها قيل لابن القاسم في العتبية فإن كان القتيل الذي وجد بين الصفين إنما كانوا يقتلون على تأويل، قال: ليس على الذين قتلوه قتل، وإن عرفوا قيل: له فديته هل عليهم منها شيء؟ قال: لما سقط القتل سقطت الدية، وليس أهل التأويل كغيرهم، وروي معناه عن مالك، قال القاضي أبو الوليد بن رشد: ومن أهل العلم من يري أنه يقاد من صاحب التأويل ويقتص، وهو قول أصبغ وعطاء والخلاف في القصاص منه مطلقًا سواء تاب أو أخذ قبل أن يتوب ولا يقام عليه حد الحرابة وإن أخذ قبل أن
يتوب ولا يؤخذ منه ما أخذ من مال وإن كان موسرا إلا أن يوجد شيء بعينه بيده فإنه يرد إلى ربه.
واختلف إذا شهدت البينة أنه قتل ودخل في جماعة فقيل: لا شيء عليهم قاله سحنون وقيل: يستحلف كل واحد منهم خمسين يمينا ويغرمون الدية بلا قسامة قاله ابن القاسم في العتبية، وما ذكر أنه لا قسامة فيما إذا وجد في محلة قوم هو المعروف في المذهب بالإطلاق.
وقال ابن رشد في مقدماته: إنه لوث إذا وقع الأمر فيه على الصورة التي وقعت بخيبر للأنصار وذهبت طائفة من العراقيين خارج المذهب إلى أنه لوث بالإطلاق.
وكذلك قال بعض العلماء في الذي يموت في ازدحام الناس في الأعياد وغيرها: إن ديته على جميع الناس من ذلك، وتأول ابن يونس قول المدونة إذا وجد قتيل في قرية قوم أو دارهم لا يدرون من قتله لم يؤخذ به أحد بأن معناه إن لم يكن معه أحد، ولو وجد في دار ومعه رجل وعليه أثر قتله لقتل به مع القسامة.
(وقتل الغيلة لا عفو فيه):
ظاهره وإن كان المقتول كافرًا أو القاتل له مسلم، وهو كذلك نص عليه في المدونة قال فيها: لا يتقل مسلم بكافر إلا أن يقتله قتل غيلة.
قال بعض شيوخنا: والاستثناء منقطع؛ لأن بالحرابة قتل لأن الغيلة حرابة، ولذا قال فيها: إن قطع يديه ورجليه غيلة حكم عليه بحكم المحارب.
قلت: ويجري فيه قول أبي مصعب أن الإمام مخير في المحارب إن قتل كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقال الفاكهاني عن أهل اللغة: قتل الغيلة هو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع خفي فإذا صار فيه قتله فهذا يقتل، ولا عفو فيه؛ لأنه حق الله وكل حق تعلق به حق الله فلا عفو فيه كالزنى، ونحوه.
واعترضه بأنه لا يختص حق الله تعالى بقتل الغيلة حتى يكون عله لما ذكر إذا لا حق من الحقوق للعبد إلا ولله فيه حق، وهو إيصال الحق إلى مستحقه فانظر العله في ذلك.
ونقل عن بعض أصحابنا وأظنه البوني رحمه الله تعالى أنه اشترط في ذلك أن يكون القتل على مال، وأما الثائرة، وهي العداوة بينهما يجوز العفو فيه.
قلت: ما ظنه عن البوني مثله نقل الباجي عن العتبية والموازية قال: قتل الغيلة حرابة، وهو قتل الرجل خفية لأخذ ماله، وقال: ومن أصحابنا من يقول هو القتل على
وجه القصد الذي لا يجوز عليه الخطأ، وقبله ابن زرقون فالعجب من الشيخ رحمه الله.
(ولرجل العفو عن دمه العمد إن لم يكن قتل غيلة وعفوه عن الخطأ في ثلثه):
اعلم أنه اختلف المذهب إذا قال رجل لرجل: إن قتلتني فقد وهبت لك دمي، وهذا الخلاف حكاه سحنون عن أصحابنا قال: وأحسن ما رأيت في ذلك أنه يقتل القاتل؛ لأن المقتول عفا عن شيء لم يجب له، وإنما يجب للأولياء، ولا يشبه هنا من أنفذت مقاتله.
وقال: وأشهدكم أني قد عفوت عنه فقيل: فلو أنه قال له: اقطع يدي فقطعها قال: لا شيء عليه؛ لأن هذا جرح لا نفس، وذكر ابن رشد قولاً ثالثًا في مسألة القتل أنه لا يقتل به بل تكون الدية في ماله قال: وهو أظهر الأقوال.
(وإن عفا أحد البنين فلا قتل، ولمن بقي نصيبهم من الدية ولا عفو للبنات مع البنين):
اعلم أنه إذا عفا بعض البنين فإنه يسقط نصيب العافي وحده؛ لأن الحق المشترك بين جماعة لا يسقط جميعه بإسقاط بعض الشركاء له وإلا لما كان للشركة فائدة، وهذا إذا بقي بعض العصبة، وأما إذا عفا البنون وثم بنات فإنه يسقط حق البنات من الدية وكذلك الأخوات مع الأخوة، قاله ابن القاسم، وأشهب.
وروى أشهب عن مالك أن حق الإناث باق وقال ابن المواز، وبالقول الأول قال: من أدركناه من أصحاب مالك، وهو أصله في موطئه، قال الباجي: وهذا إذا عفا الرجال في فور واحد فأما إن عفا أحدهم ثم بلغ الآخر فعفا فلا يضر ذلك من كان معهما من أخت أو غيرها؛ لأنه مال ثبت بعفو الأول قاله محمد.
(ومن عفي عنه في العمد ضرب مائة وحبس عامًا):
ظاهر كلامه وإن كان رقيقًا أو امرأة وهو كذلك قاله في المدونة. وقيل: إن الضرب والسجن ساقطان عنهما حكاه ابن عبد السلام مفسرا به قول ابن الحاجب، ومن عفي عنه ضرب مائة وحبس عامًان وإن كان رقيقًا أو امرأة على الأشهر والذي أعرفه للباجي رحمه الله تعالى قولين:
أحدهما: مثل ما في المدونة.
والثاني لأصبغ في الموازية: لا حبس على عبد ولا على امرأة ويجلدان قاله
المغيرة، وخرجه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً قتل عبده متعمدًا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة جلدة ونفاه سنة ومحا اسمه من المسلمين ولم يغربه وأمره أن يعتق رقبة قال عبد الحق في سنده إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف في غير الشاميين، وهذا الإسناد حجازي، رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي قرة عن إبراهيم عن عبد الله بن جبير عن أبيه عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر رقبة وإسحاق بن أبي قرة متروك وذكر حديثه أيضًا الدارقطني ولا يصح في هذا شيء، وتعقب ابن القطان قوله هذا في الإسناد حجازي فإنه شامي بأنه في إسناد الدارقطني حدثنا إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث، وجعل أهل المذهب هذا الحديث أصلاً في قاتل العمد إذا تعذر القصاص منه لموجب ما ولو وجبت القسامة للأولياء فنكلوا فحلف المدعى عليه.
فقال ابن المواز على المدعى عليه الجلد، والسجن، ولم يخالف فيه إلا ابن عبد الحكم فإنه قال: إذا نكلوا فلا جلد، ولا سجن، والأكثر على تعميم هذا الحكم في كل مقتول واختاره ابن حبيب ورواه عن مالك إنما ذلك في المسلم عبدًا كان أو حرًا وأما غير المسلم فإنما لم يجب فيه إلا الأدب المؤلم.
وقال أشهب: إن شاء بدأ بالجلد أو بالحبس وذلك واسع وظاهر رواية عيسى عن ابن القاسم في العتبية أنه يبدأ بالجلد؛ لأنه قال: يأتنف حبس سنة من يوم جلد، ولا يحتسب بما مضى، ولم يذكر ابن رشد غير ما في السماع وحفظ الباجي قول أشهب.
(والدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم):
في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم.
وروى أهل العراق أن عمر وضع الديات فوضع على أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألف شاة، وعلى أهل الحلل ألف حلة.
وروي مثله مرسلا إلا أنه لم يذكر الدراهم، وهو قول عطاء والزهري وفقهاء المدينة السبعة وغيرهم.
قال مالك: أهل البادية وأهل العمود أهل الإبل.
قال الباجي: لا خلاف في ذلك، وأما أهل مكة فقال إصبع في العتبية: هم أهل الذهب.
وقال أشهب: أهل الحجاز أهل إبل، وأهل مكة منهم، وأهل المدينة أهل الذهب، وفي الموازية عن مالك أهل الشام، وأهل مصر أهل الذهب.
وقال ابن حبيب: وكذلك أهل مكة، والمدينة، وقال أصبغ: هم اليوم أهل الذهب، وقال ابن الحاجب: أهل المغرب أهل الذهب.
وقال ابن حبيب: أهل الأندلس أهل ورق وأشار أصبغ في قوله: أهل مكة وأهل المدينة هم اليوم أهل الذهب إلى أن المعتبر في كل جهة الزمان الذي تجب الدية فيه، وهو اختيار القاضي الباجي رحمه الله تعالى.
(ودية العمد إذا قبلت خمس وعشرون حقة وخمسة وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت ليون وخمس وعشرون بنت مخاض):
اختلف المذهب في الواجب في العمد فقال أشهب: يخير الولي في القصاص أو الدية وروى ابن القاسم تعيين القود فعلى رواية أشهب تعيين دية العمد لا إشكال فيها، وأما على رواية ابن القاسم فالقياس أن يقال لا يجب فيها إلا ما اصطلحوا عليه كما حكي عن أبي حنيفة، قاله ابن عبد السلام.
وظاهر كلام الشيخ سواء وقع النص على الدية بالتعيين أو بالإبهام.
قال الباجي: وهو المشهور عن مالك في الموازية إن اصطلحوا على شيء فهو ذلك، وإن اصطلحوا على دية مبهمة أو عفا بعض الأولياء رجع الأمر إلى دية مثل دية الخطأ.
(ودية الخطأ مخمسة عشرون من كل ما ذكرنا وعشرون ابن لبون ذكرا)
قال ابن عبد السلام: الأحاديث في الخطأ مختلفة لم تقع بشرط الصحة فيما قد علمت فخرج أبو داود عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون ابن لبون".
قالوا: إسناده ضعيف وخرج أيضًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن قتل خطأ بمائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وعشرون ابن لبون ذكروًا.
(وإنما تغلظ الدية في الأب يرمي ابنه بحديدة فيقتله فلا يقتل به ويكون عليه ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها، وقيل ذلك على عاقلته، وقيل ذلك في ماله):
دل كلام الشيخ من باب أحرى أن الأم كالأب فلا تقتل؛ لأنه لم يقتل الأب إذا قتل أبنه لما طبع عليه من الحنانة والشفقة وبالإذن له في التأديب فالأم أحرى، وهذا ما لم تكن قرينة تدل على أ، هـ أراد قتله حقيقة فإن كانت فإنه يقتل به على المشهور خلافًا لأشهب وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وغيرهما، وذلك إذا ذبحه أو شق جوفه وما أشبه ذلك.
وذكر الشيخ في ذكر كون الدية على من تكون؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: إنها تكون على الأب يعني في ذمته فإن كان له مال الآن أخذه منه، وإلا انتظر يسره.
الثاني: أنها على العاقلة.
الثالث: أنها تكون في ماله إن كان وإن لم يكون فعلى عاقلته وإليه أشار الشيخ بقوله وقيل ذلك في ماله.
والثاني لمالك واللخمي وعزا ابن رشد الثالث لمطرف وابن حبيب لا غير ويريد الشيخ أنها حالة، قال ابن زرقون: لا خلاف أنها في مال الجاني حالة.
قلت: وقال ابن عبد السلام: لا يبعد وجود قول بأنها منجمة في مال الجاني إذا اختلف في تنجيم دية العمد مع كونها في مال الجاني.
قال اللخمي: قال عبد الملك هي على العاقلة معجلة، ولابن القاسم في الواضحة هي عليها منجمة ثم رجع لقول المدونة، وهو أحسن، والمشهور أنها تغلظ على أهل الذهب والورق، وقيل: لا تغلظ عزاه اللخمي لأول قول مالك في الموازية، ولم يعزه ابن رشد إلا لنقل عبد الوهاب وعزاه الباجي لرواية سحنون وابن عبد الحكم، وفي كيفية التغليظ خلاف شهير في المذهب، وكذلك اختلف هل تغظ الجراح أم لا؟ على ثلاثة أقوال حكاها ابن زرقون فروى ابن عبد الحكم: لا تغلظ فيها وقال مالك في المدون والمبسوط: تغلظ في الجراح كلها، وفرق عبد الملك وسحنون بين ما يقتص منه في العمد وما لا يقتص منه.
(ودية المرأة على النصف من دية الرجل):
هو كذلك في كتابه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم.
(وكذلك دية الكتابيين ونساؤهم على النصف من ذلك):
ما ذكر هو المذهب وقال أبو حنيفة: دية الكتابي مثل دية المسلم، وقال الشافعي: ديته مثل دية المسلم، ونقل الفاكهاني عنه مصل قول أبي حنيفة رضي الله عنه، واحتج أبو حنيفة بما رواه الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ودي ذميا دية مسلم، وأجيب بأن في إسناده من هو متروك وفي مراسيل أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار" واحتج أصحابنا بما خرجه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى" وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عقل الكافر نصف عقل المؤمن".
(والمجوسي ديته ثمانمائة درهم ونساؤهم على النصف من ذلك ودية جراحهم كذلك):
ما ذكر الشيخ هو قولنا وقول الشافعي، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: دية المجوسي مثل دية الحر المسلم.
واختلف المذهب في دية المرتد على ثلاثة أقوال: فقيل: كدية المجوسي قال ابن القاسم وأشهب وأصبغ، في كتاب ابن سحنون وقيل: كدية من ارتد إليه ورواه سحنون عن أشهب وكلاهما حكاه الباجي، وقيل: لا شيء فيه حكاه ابن رشد في مقدماته، ولم يعزه كالأولين وعزاه في البيان لأشهب، وسحنون.
قال ابن عبد السلام: وهو الظاهر سواء قلنا بوجوب الاستنابة أو باستحبابها غير أنه إذا قيل بوجوبها فقد يظهر لوجوب الدية وجه، وهذه المسألة تشبه قتل الكافر إذا قتل قبل الدعوة هل تكون فيه الدية أم لا؟
قلت في تعليق الطرطوشي: من لم تبلغه الدعوة بحال كمن هو في جزيرة إن قتل لا يضمن ومن قول مالك إن أقام مسلم بدار الحرب مع القدرة على خروجه لا دية فيه.
(وفي اليدين الدية وكذلك في الرجلين أو العينين وفي كل واحد منهما نصفها):
يريد أن الدية كاملة في مجموع اليدين سواء قطعت الأصابع خاصة أو قطعت من
الكف أو مع الذراع أو قطعت اليدان من المنكب، وهذا الذي قلناه هو قول مالك من رواية أشهب مستدلاً باستكمال دية الذكر بقطع الحشفة فتكون ديته كدية قطعه من أصله ولو قطع كفه وليس فيها إلا إصبع واحد فله دية الإصبع، واستحسن ابن القاسم في كف حكومة.
وقال أشهب: لا شيء له في الكف ما بقي له شيء فيه دية، واتفقوا إذا بقي الكف خاصة ففيها حكومة وإنه إذا لم يذهب إلا إصبع واحد لا شيء له فيها ما بقي من الكف.
واختلفوا فيما بين ذلك فجعل ابن القاسم الإصبع قليلاً كما لو لم يبق فيها شيء وجعل أشهب وجودها مانعا من أخذ الحكومة ووافقه على ذلك سحنون قاله ابن القاسم في الإصبعين وجعل عبد الملك الثلاثة من حيز القليل فله في الكف عنده بحساب ما ذهب من الأصابع.
وقال المغيرة: إذا ذهب منها إصبعان ثم قطع بعد فإن أخذ في الإصبعين عقلا وقودا فله عقل ثلاثة أصابع ولا حكومة له، وما ذكر الشيخ أن في الرجلين الدية صحيح لأنه بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم وسواء قطعت الأصابع وحدها أو الأصابع مع الرجل أو الرجل بإصبعها إلى الركبة وكذلك إلى الورك.
قال الفاكهاني: روينا قول الشيخ بالياء في الرجلين والعينين والوجه فيه، وكذلك الرجلان والعينان ويبعد فيه تقدير في عند البصريين إذ لا يحذف الجر ويبقى عمله عندهم قياسًا.
(وفي الأنف يقطع مارنه الدية):
ما ذكر هو مذهب المدونة وهو المشهور، وفي المبسوط عن مالك أنه يعتبر من أصل الأنف.
قال ابن الحاجب: والأصح هو الأول وصحح غيره القول الثاني لموافقته ظاهر ما في كتاب عمرو بن حزم، وفي الأنف إذا أوعب جدعا مائة من الإبل، والمارن ما فوق العظم الذي هو أصل الأنف ويسمي أيضًا الأرنبة والرونة قاله أشهب، وإذا فرعنا على ما قال الشيخ وقطع بعض المارن كان فيه إلا دية واحدة، وهذا كما أن الذكر إذا قطع من أصله وجبت فيه الدية وإذا قطعت الحشفة فكذلك وإذا قطع بعض الحشفة نظر المقطوع منها فبحسابه منها يجب من الدية لا من أصل الذكر قاله في المدونة والمجموع والموازية.
وأما الشم فروي عن مالك أن فيه حكومة، وقال أبو الفرج: فيه الدية وكلاهما
نقله ابن زرقون وقال اللخمي: واختلف إذا ذهب الشم والأنف معًا فقال ابن القاسم: فيهما معًا دية واحدة، وقال ابن الجلاب: القياس ديتان والأول أحسن قياسًا على الذكر واللسان.
(وفي السمع الدية):
يعني إذا لم يسمع بشيء من أذنه فيجب عليه الدية بلا خلاف وفي إبطال أحدهما نصف الدية وما نقص فبحسابه، ويعرف ذلك بأن يصاح من مواضع عدة مختلفة الجهات، وتكون الأذن الصحيحة مسدودة فإذا لم يضطرب قول المجني عليه بل تساوت الأماكن التي بلغ سمعه إليها سدت تلك الأذن الناقصة وفتحت الأذن الصحيحة وصيح حينئذ ثم يقدر أهل المعرفة ما نقصه من السمع ويلزم ذلك الجاني، وحكي نحو هذا عن على بن أبي طالب رضي الله عنه، وسكت في المدونة عن يمينه ونص في غيرها على لزومها.
قال بعض الشيوخ: وينبغي أن يختلف فيه؛ لأن ذلك يمين تهمة إذ الجاني لا يحقق دعوى المجنى عليه، وإنما هو متهم له فإن اختبر، واختلف قوله لم يكن له شيء.
وقال عيسى بن دينار: له الأقل مع يمينه.
واعلم أنه إن لم يكن يسمع إلا بأذن واحدة ففيها ما تقدم نصف الدية.
قال الفاكهاني: انظره مع قولهم في عين الأعور الدية الكاملة.
قلت: فرق ابن القاسم بين عين الأعور وغيرها بالسنة قاله في المدونة.
قال ابن الجلاب: فإذا ذهب السمع والأذن بضربة واحدة ففيهما دية واحدة قاله ابن القاسم، والقياس عندي أن تكون فيهما دية وحكومة أو ديتان على اختلاف الروايتين.
واختلف في أشراف الأذنين فقيل: فيهما دية، وقيل حكومة حكاهما القاضي عبد الوهاب.
(وفي العقل الدية):
قال ابن رشد في مقدماته: محل العقل القلب لا الدماغ عند مالك خلافًا لابن الماجشون، وما ذكر الشيخ أن العقل فيه الدية صحيح، وكيف لا تكون فيه الدية، وهو أفضل صفات الإنسان فإذا وجبت الدية في السمع وشبهه فلأن تجب فيه أحرى ولو ذهب بعض العقل فبحسابه، وقدر اللخمي بالأيام وشبهها من الشهر فإن كان يذهب عقله يومًا وليلة في الشهر وجب له جزء من ثلاثين وهكذا.
(وفي الصلب ينكسر الدية):
اختلف في المسألة على أربعة أقوال: فقيل: إن امتنع من القيام والجلوس وجبت الدية كاملة وإلا فلا.
وقيل: إن تعذر القيام فقط وجبت الدية، وإن لم يتعذر الجلوس قاله مالك، وقيل: فيه الدية إذا انطوى.
قال اللخمي: يريد إذا صار كالراكع، وقال عبد الملك في كتاب ابن حبيب: في الصلب الدية إن انكسر فلم يقدر على الجلوس ثم على هذه الأقوال فما نقص فبحسابه، واتفق المذهب على أنه إذا ضرب على صلبه فبطل بذلك قيامه وجماعه فإنه يلزمه فيه ديتان.
(وفي الأنثيين الدية):
خرج النسائي في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في البيضتين الدية، وروي عن ابن المسيب أنه قال: في البيضة اليسرى نصف الدية وفي اليمنى الثلث، فقيل له: لم؟ فقال: إن اليسرى إذا ذهبت لم يولد له وإذا ذهبت اليمنى ولد له.
قال ابن حبيب: وقيل: في اليسرى دية كاملة قال اللخمي: يريد لما قيل: إن النسل منها خاصة، ولو قطع الذكر والأنثيين بضربة كان فيها ديتان.
قال ابن حارث: اتفاقًا وهو قصور لنقل اللخمي رواية القاضي عبد الوهاب فيهما معًا دية واحدة وإن كان واحدة بعد أخرى فمذهب المدونة والمجموعة والموازية ديتان مطلقًا، وقال ابن الماجشون في الأول منهما قطعا الدية كاملة وفي الذكر إن كان هو الآخر الدية أيضًا كاملة وإن كان الاثنين فحكومة.
قال الفاكهاني: ذكر هذا القول مكي في تذكرته.
قلت: وعزاه اللخمي لابن حبيب ونقل الباجي عن مالك أن قطع الذكر أولا وآخرًا ففي الآخر الحكومة وعن ابن حبيب إن قطعهما بعد الذكر فلا دية فيهما، وفي الذكر الدية قطع قبلهما أو بعدهما، وقيل: أيهما قطع قبل صاحبه ففي الثاني حكومة حكاه أبو الفرج عن مالك فيتحصل في ذلك خمسة أقوال.
(وفي الحشفة الدية):
ما ذكر هو المنصوص وخرج اللخمي من أحد القولين في الأنف أن الدية لا تجب فيه إذا من أصله لا من المارن قولاً هنا بأن الدية لا تجب في الحشفة وحدها بل يقطعه من أصله.
قال ابن عبد السلام: وفي هذا التخريج بعد؛ لأن في الحديث أن الأنف إذا أوعب جدعا الدية وروي هنا في الحشفة الدية فلا يبعد أن يفرق بينهما باتباع ما روي والله اعلم، ولو قطع عسيبها بعدها فحكومة كالكف بعد الأصابع.
وأما قطع أليتي المرأة أو الرجل فقال ابن القاسم في المدونة: فيهما حكومة. قال الباجي، وقاله ابن وهب وقال أشهب: فيهما من المرأة الدية الكاملة.
(وفي اللسان الدية وفيما منع منه الكلام الدية):
قال التادلي: والألسنة ثلاثة غير ناطق فيه الحكومة ولسان الصبي، قال مالك: يتربص به إذ لعله ينبت فلا دية وإلا فله الدية، وإذا قطع لسان الناطق ففيه دية كاملة فإن قطع ما لا يمنع النطق شيئًا فحكومة؛ لأن الدية للنطق لا له، ولذلك كان في لسان الأخرس حكومة.
(وفي ثديي المرأة الدية):
يريد وكذلك قطع حلمتيهما وكذلك إن بطل اللبن قاله ابن القاسم، ولو بطل اللبن فأخذت الدية ثم عاد ردت.
(وفي عين الأعور الدية، وفي الموضحة خمس الإبل):
ما ذكر هو مذهبنا وبه قال الزهري، وربيعة، وقضى به عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وقاله ابن عمر والليث بن سعد، وقال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما فيها نصف الدية، قاله الشافعي، وعطاء.
قال أشهب: محتجا لقول مالك لأن ينظر بالعين الواحدة ما ينظر بالعينين معًا، ولا يعمل بيد واحدة ما يعمل باليدين، وعبر الفاكهاني عن أشهب ببعضهم، واعترضه بأنها دعوى محتاج عليها لدليل وأي فرق بين الأعور، ومن لا يسمع إلا بأذن واحدة ثم لا يقال فيها أيضًا انتقل السمع إليها.
قلت: وفرق ابن القاسم بين عين الأعور وغيرها بالسنة ومثله قول ابن الحاجب، وفي عين الأعور الدية كاملة بخلاف كل زوج في الإنسان لما جاء في السنة قال ابن
عبد السلام: وفيه نظر فإن ظاهر السنة مع المخالف؛ لأن في كتاب عمرو بن حزم في العين خمسون.
واختلف المذهب في ذكري العنين والخصي فقيل: تجب فيه الدية، وقيل: بل حكومة، وكذلك ما ليس فيه إلا الجمال كأشفار العينين فيه حكومة عندنا، معنى الحكومة هو أن يقوم المجني عليه عبدًا سالما بعشرة مثلاً ثم يقوم مع الجناية بتسعة فالتفاوت عشر فيجب عشر الدية قاله الشافعي وتبعه أصحابنا البغداديون وفي تفسير ابن مزين أن الحكومة أن ينظر الإمام أو الحاكم على قدر اجتهاده، ومن يحضره معه، وذكر أبو عمران في تعليقه القولين كما تقدم قائلاً: هو الذي كنا نقول قبل أن نظهر على قول ابن إدريس.
قلت: وذكر غيره أن القول الأول معزو لمالك ومثله في كتاب أبي الفرج وهو نص ابن الجلاب، وأن القول الثاني ذكره في النوادر لأشهب، وأما لو قطع من لحمه بضعة فإنه يجب القصاص، ويعتبر في البضعتين المساواة في المقدار طولا وعمقًا إن أمكن لسمن المجروح ونحافة الجارح، ولا شك في اعتبار محلها، وهذه المسألة داخلة في عموم قوله تعالى:(والجروح قصاص)[المائدة: 45]
ولا قود في اللطمة باتفاق وفي ضربة السوط القود على المشهور، وقاله ابن القاسم، وروي عن مالك لا قود فيه كاللطمة نقله سحنون وعزاه في المجموعة لأشهب قائلاً: لأنه لا يعرف أحد تلك الضربة والضرب من الناس مختلف.
قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله تعالى: ويفرق لابن القاسم بأحد أمرين أحدهما إما لنهيه صلى الله عليه وسلم عن لطم الوجه، وإما لأنه رأى الضرب بالسوط ينضبط بخلاف اللطمة.
(وفي السن خمس):
من الإبل ظاهر كلام الشيخ لا فرق بين أن تكون من مقدم الفم أو مؤخرهن وهو كذلك؛ لأن السن تصدق على الأضراس وغيرها، ففي الفم اثنان وثلاثون سنا خلافًا للخمي في قوله: الأسنان اثنا عشر سنا والأضراس عشرون.
وقال ابن شعبان: للرجل الألح اثنان وثلاثون وللكوسج ثمانية وعشرون سنا.
قال اللخمي: يريد لأنه لا نواجذ له واسودادها كزوالها قاله في المدونة خلافًا للشافعي في قوله فيه حكومة وفي الموازية عن أشهب قال عمر وعلى وابن المسيب وعدد من التابعين: إذا اسودت وجب عقلها ولم يبلغني عن أحد خلافه، وسئل
القرويون رضي الله عنهم عمن أطعمته زوجته ما اسود به لونه فوقفوا فقال أحمد بن ناصر هي المدونة وأوجب الدية أخذها من قولها في السن إذا اسودت وأول ما وقفت على الإقامة المذكورة للشيخ المذكور في حال صغرى في تأليف الشيخ أبي بكر المالكي المسمي برياض النفوس وسلمها كغيره.
وقال بعض شيوخنا: قد يفرق بلزوم البياض للسن وسواد بعض الآدميين ولو قلع سن سوداء فكغيرها وسن الصبي الذي لم يثغر يوقف عقلها إلى الإياس كالقود.
قال ابن عبد السلام: وهذا ربما يظهر في الخطأ وأما في العمد فالمتبادر إلى الذهن وجوب القصاص وسواء نبتت أو لم تنبت؛ لأن المقصود من القصاص إنما هو إيلام الجاني بمثل ما آلم به المجني عليه، ولكن يجاب عن هذا بأنه لو وجب فيه القصاص لوجبت الدية والإلزام باطل.
(وفي كل إصبع عشر من الإبل وفي الأنملة ثلاث وثلث):
الإصبع مؤنث بلا خلاف وقد قدمنا أن في الإصبع عشرة لغات منها قول الشيخ: وإن استاك بإصبعه، وفي الأنملة لغتان أصحهما الفتح في الميم والضم طردي.
وظاهر كلام الشيخ من غير تفضيل بعض الأصابع على بعض وهو كذلك عندنا وللسلف في تفضيل بعض الأصابع على بعض كلام يطول ذكره ولو قطعت يد لها أربع أصابع فله دية أربع أصابع قاله أشهب، وابن القاسم في المدونة.
قال اللخمي: واختلف فيمن له ستة أصابع فلا بن القاسم وفي العتبية إن كانت السادسة قوية ففيها عشر ولو قطعت عمدًا إذ لا قصاص فيها وفي كل يدها ستون وإن كانت ضعيفة ففيها حكومة إن انفردت مع اليد لا يزاد لها شيء، وقال ابن سحنون عنه إذا قطعت يد خطأ ففيها نصف الدية فقط وقيل: حكومة في الزائد ولم يفرق بين قوية وضعيفة، وقول ابن القاسم أبين.
(وفي كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل):
ما ذكر الشيخ هو قول مالك قال ابن المواز وذكر عنه أنه رجع عن ذلك وقيل: إن فيها ثلاث أنامل وكذلك روى عنه سحنون أنه رجع إلى ذلك قال: وأخذ أصحابنا بالقول الأول.
قال الفاكهاني: وأما أبهام الرجلين ففي كل واحد أنملتان ولم يذكر أن بي ذلك خلافًا.
قلت: وقال اللخمي: بعد أن ذكر ما تقدم عن محمد بن المواز: المسألة تحتمل القولين جميعا أن يقال فيها أنملتان؛ لأن ذلك هو البائن منها وإن يقال فيها ثلاثة؛ لأن
الثالث وإن لم يكن بائنًا فهو متحرك بحركة الإبهام عن استعمال البائن من ذلك واستعمال الإبهام بالجميع البائن وغيره، وهو أقيس، ويريد الشيخ في أقل من أنملة بحساب ذلك الأقل.
(وفي المنقلة عشر ونصف عشر والموضحة ما أوضح العظم والمنقلة من طار فراشها من العظم ولم يصل إلى الدماغ وما وصل إليه فهي المأمومة ففيها ثلث الدية، وكذلك الجائفة وليس فيها دون الموضحة إلا الاجتهاد وكذلك في جراح الجسد ولا يعقل جرح إلا بعيد البرء):
المنقول بكسر القاف المشددة قاله الجوهري.
(وما برأ على غير شين مما دون الموضحة فلا شيء فيه):
قال الفاكهاني: ظاهرة أنه لا يعطى أجر الأدوية ولم يقل به مالك، وقيل: يعطى ما أنفق من الأدوية قال الفقهاء السبعة رضي الله تعالى عنهم.
قلت: وأخذه بعضهم من قول مالك بوجوب رفو الثوب قال بعض شيوخنا: وهو أخذ أحروي لأن الدماء أكد من الأموال وأراد الشيخ بقوله: ولم يقل به مالك أي لم يقل بأن له الأجرة، بل قال: مثل ظاهر كلام الشيخ إذا قيل له من انكسرت فخذه ثم انجبرت مستوية له ما أنفق في علاجه قال: ما علمته من أمر الناس أرأيت من برأ علي غير شين أتكون له قيمة الشين وما أنفق.
(وفي الجراح القصاص في العمد إلا في المتألف مثل المأمون والجائفة والمنقلة والفخذ والأنثيين والصلب ونحوه ففي كل ذلك الدية):
يعني: أن الجراح على قسمين منها ما هو غير المتلف ومنها ما هو متلف فالأول قال الشيخ: فيه القصاص، ويعني بذلك إذا تحققت فيه المماثلة.
وأما مالا تتحقق فيه المماثلة فعلى ضربين ضرب لا تتأتى فيه المماثلة كالبياض العين فهذا لا قصاص فيه وضرب قد تتأنى فيه المماثلة والغالب نفيها ككسر العظام فحكى القاضي عبد الوهاب في ذلك روايتين وذكر في المدونة عن مالك أنه يقاد من الظفر وفي غيرها عنه: أنه لا يقاد بناء على أنه كالعظم أو كالشعر.
وأما المتلف فذكر الشيخ أنه لا قصاص في المأمونة الجائفة، وهو كذلك باتفاق لنصه صلى الله عليه وسلم بذلك وما ذكر أنه لا قصاص في المنقلة هو المشهور.
قال اللخمي: وروي عن مالك القصاص فيها حكاه عبد الوهاب.
قلت: وذكره ابن الجلاب أيضًا قال ابن زرقون قال محمد بن عبد الحكم القصاص.
في كل جرح ولو كان متلفا إلا ما خصصه الحديث عنه من الجائفة والمأمومة وقال ربيعة: القصاص عموما ولم يستثن وحيث لا قصاص فلابد من الأدب قاله في المدونة.
(ولا تحمل العاقلة قتل عمد ولا اعترافا به):
قال الفاكهاني: روينا ولا اعتراف بغير تنوين والصواب تنوينه وكذلك هو في بعض النسخ، واختلف في المقر بالخطأ على خمسة أقوال: فقيل تكون الدية في مال المقرر وحده، وقيل: على العاقلة بقسامة في رواية ابن القاسم، وأشهب، وكلاهما في المدونة في كتاب الصلح، وقيل: تسقط الدية مطلقًا حكاه عبد الوهاب، ونجوه حكاه ابن ميسر عن ابن وهب، وابن القاسم.
وقيل: تقسط عليه، وعلى العاقلة فيلزمه منها ما يخصه، ولا يلزم العاقلة شيء حكاه ابن الجلاب عن رواية ابن وهب، وهو قول ابن دينار وغيره وفي المدونة في كتاب الديات إن اتهم أنه أراد غناء ولد المقتول كالأخ والصديق ولم يصدق، وإن كان من الأباعد صدق إن كان ثقة مأمونا ولم يخف أن يرشي على ذلك، وأطال عياض رحمه الله الكلام عليها في كتاب الصلح، وحصل فيها ستة أقوال وهو أحسن من تكلم عليها.
(وتحمل من جراح الخطأ ما كان قدر الثلث فأكثر، وما كان دون الثلث ففي مال الجاني):
ما ذكر الشيخ هو مذهبنا خلافًا للشافعي في قوله تحمل القليل، والكثير إلى غير ذلك من المذاهب.
(وأما المأمومة والجائفة عمدًا فقال مالك ذلك على العاقلة، وقال أيضًا: إن ذلك في ماله إلا أن يكون عديما فتحمله العاقلة؛ لأنهما لا يقاد من عمدهما وكذلك ما بلغ ثلث الدية مما لا يقاد منه؛ لأنه متلف):
ما ذكر الشيخ من القولين كلاهما في المدونة والذي رجع إليه مالك منهما هو القول الأول. قال ابن القاسم فيها: وبه أقوال. قال الفاكهاني: ترك الشيخ قولاً ثالثًا لمالك أيضًا أنها تكون في ماله وليس على العاقلة شيء، وإن كان عديما وذكره ابن الجلاب.
قلت: وذكر ابن زرقون هذه الروايات أيضًا وعزا ابن هارون هذا القول لظاهر ديات المدونة.
(ولا تعقل العاقلة من قتل نفسه عمدًا أو خطأ):
ما ذكر هو مذهبنا وقال الأوزاعي من أخذ يضرب بسيفه في العدو فأصاب
نفسه فعلي عاقلته الدية ونحوه عن احمد بن حنبل رضي الله عنه وروي أن رجلاً فقأ عين نفسه خطأ فقضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بديتها على عاقلته، وقال أصابته يد من أيدي المسلمين وقال الفاكهاني: لا أعرف من خالف في الخطأ سوى الأوزاعي.
(وتعاقل المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل فإذا بلغتها رجعت إلى عقلها):
قال في المدونة: في كتاب الجراحات: والمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديته فإذا بلغت إلى ذلك رجعت إلى عقل نفسها، وقصد بقوله: تعاقل أي تساوي قال فيها: وتفسير ذلك أن للها في ثلاثة أصابع، ونصف أنملة أحدا وثلاثين بعيرا وثلثي بعير وهي والرجل في ذلك سواء إن أصيب منها ثلاث أصابع وأنملة رجعت إلى عقلها وكان لها من ذلك ستة عشر بعيرًا وثلث بعير ونحوه في الموطأ قال ربيعة لابن المسيب لما عظم جرحها واشتدت بليتها نقص عقلها قال أعراقي أنت؟ قلت: بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال: هي السنة يا ابن أخي وظاهر لفظه هذا يدل على أنه أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(والنقر يقتلون رجلاً فإنهم يقتلون به):
النقر والنفير عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة قاله الفاكهاني عن أهل اللغة، وظاهر كلام الشيخ ولو كثروا جدًا وهو كذلك ويعني سواء باشروا القتل كما لو جرحه كل واحد جرحا أو ضربه كل واحد سوطًا وهم قاصدون قتله أو باشر بعضهم القتل والباقون بحضرته.
واختلف قول ابن القاسم إذا أنفذ رجل مقاتل رجل وأجهز عليه آخر فقال مرة في سمع يحيى يقتل الأول ويعاقب الثاني، وقال مرة في سماع أبي زيد بعكسه، وبالأول قال أشهب، وأختاره غير واحد كابن رشد قال ابن عبد السلام، ولكن قد يلزم عليه أمور شنيعة وهو أنه إذا كان يتعين على الأول القصاص لأنه هو الذي قتله حقيقة فهو من حينئذ كالميت فلا تجوز وصاياه، وقد ذهب إلى ذلك أصبغ، وهو خلاف ما أجمع عليه الصحابة، ويلزم أن لا يخاطب بالصلاة إلى ذلك، وقد أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصلى على تلك الحالة وأنفذ المسلمون وصاياه وأشار إلى لزوم الصلاة له حينئذ بقوله: ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وأشار بعض الشيوخ يعنى به ابن رشد إلى أنه لو قيل بقتلهما معًا ما كان بعيدًا.
قال ابن شاس، واختلف المذهب إذا حفر رجل حفر لشخص معين لكي يقع فيها فوقف الرجل على شفيرها فرداه آخر فقال القاضي أبو الحسن يقتلان معًا للاعتداء، وقال القاضي أبو عبد الله بن هارون البصري يقتل المردي دون الحافز تغليبًا
للمباشرة.
قلت: قال بعض شيوخنا: الأظهر أن علم المردي بتقدم فعل الحافر وقصده قتلا معًا كبينة الزور مع القاضي العالم بزورها وإلا قتل وحده على رواية ابن القاسم في بينة الزور.
واختلف في قتل الأب إذا أمر ولده الصغير بالقتل وفي قتل المعلم على قولين، وكذلك القولان في السيد يأمر عبده وسواء كان العبد صغيرا أو كبيرا، وقيل: الفرق بين أن يكون العبد فصيحا فيقتل به، وبين أن يكون أعجميا فلا يقتل به، رواه ابن وهب عن مالك، ويقتل العبد إذا كان بالغاء اتفاقًا، وكذلك اتفق المذهب لو قتل بعض أعوان الإمام رجلاً ظلما بأمر الإمام على قتلهما معًا.
(والسكران إن قتل قتل):
يقوم من كلام الشيخ من باب أحرى أن طلاقه يلزم وهو كذلك قال في المدونة: في كتاب الأيمان بالطلاق، ويلزم السكران طلاقه وخلعة وعتقه، وإن قتل قتل به فأطلقه غير واحد كابن يونس، وقال ابن رشد في النكاح الأول من بيانه السكران على قسمين طافح ونشوان فأما الطافح فهو الذي لا يميز بين الذرة والفيل، ولا يميز بين الرجل والمرأة فحكمه حكم المجنون غير أنه اختلف هل يقضي الصلاة أم لا؟ وأما النشوان فهو الذي معه شيء من التمييز ففيه أربعة أقوال:
الأول: لا يلزمه شيء قاله ابن عبد الحكم.
الثاني: يلزمه كل شيء قاله ابن نافع.
الثالث: تلزمه الأفعال دون الأقوال قاله الليث.
الرابع: تلزمه الجنايات والطلاق والعتاق والحدود ولا تلزمه الإقرارات ولا العقود قاله مالك، ومثل له سلك ابن رشد، في أن الطافح لا يلزمه شيء باتفاق إلا في الصلاة ففيه اختلاف سلك أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى، ولم يتعرض للخلاف في الصلاة ولذلك تعقب على ابن الحاجب في قوله، وقال الباجي: المطبق به كالمجنون اتفاقًا إلا في الصلاة، وظاهر كلام غيرهما لا فرق بين الطافح وغيره؛ لأنه أدخله على نفسه اختيارًا وذلك يناسب عدم التفصيل، ولو تعرض السكران إلى الجانب العلي أسال الله السلامة من ذلك فقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله يلزمه حكم ما لفظ كغيره ولا يختلف فيه لحرمة الجانب العلي، وقال بعض من أدركناه من مشايخنا من القرويين: لا فرق بين هذه المسألة وغيرها على ظاهر كلام ابن رشد، وغيره، وهو الباجي فيختلف فيها.
قلت: ونص الشيخ أبو الحسن القابسي على أنه يقتل وقبله عياض في الشفاء.
(وإن قتل مجنون رجلاً فالدية على عاقلته):
خرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبي حتى يحتلم".
قال ابن عبد السلام: وهذا الحديث قوي في الحجة لما في كتاب ابن المواز، وإن ما أصابه الجنون المطبق والصبي هدر من الدماء، والأموال، ولو قتل المجنون في حالة إفاقته فهو كالصحيح يقتص منه نص على ذلك في المدونة، ولو أشكل على البينة أقتل في حال عقله أو جنونه، فقال بعض من لقيناه: لا يلزمه شيء، وهو صواب.
وقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله معتلا بأنه شك في المقتضى لأن الحاكم لا يحكم عليه إلا بعد أن تشهد البينة أنه قتله في حال كونه في عقله.
قال الشيخ أبو محمد في المجموعة لابن القاسم: ما جنى المجنون في حال إفاقته من حد أو قتل فلم يقم عليه حتى جن أخر لإفاقته الحد والقصاص فإن أيس من إفاقته وقد قتل كانت الدية عليه في ماله، وقال المغيرة: يسلم إلى أولياء المقتول فيقتلونه إن شاءوا.
(وعمد الصبي كالخطأ وذلك على عاقلته إن كان ثلث الدية فأكثر وإلا ففي ماله):
ما ذكر مثله في المدونة وذلك في جناياتها وإذا جنى الصبي أو المجنون عمدًا أو خطأ بسيف أو غيره فهو كله خطأ تحمله العاقلة إن بلغ الثلث وإن لم يبلغ ففي ماله يتبعه به دينًا في عدمه والحكم ما تقدم إن كان مميزا باتفاق، وأما غير المميز فقال ابن الحاجب فقيل: المال في ماله والدية على عاقلته، وقيل: المال هدر كالمجنون وقيل: كلاهما وتقدم في الغصب اعتراض ابن عبد السلام ورده بعض شيوخنا عليه.
واختلف المذهب إذا اشترك بالغ عاقل في قتل رجل مع صبي وشبهه كالمجنون على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يجب على البالغ نصف الدية.
الثاني: القصاص بعد أن يقسم ولاة المقتول أنه من ضربه مات في الحال وبعد أن طال.
الثالث: أنه مات في الحال قتل هذا البالغ من غير قسامة كما لو انفرد ولو مات
المقتول بعد طول قتل بقسامة وكل من شاركه يجب على عاقلته نصف الدية، وهذه الثلاثة الأقوال ذكرها ابن الحاجب مطلقًا.
وقال ابن يونس في قول المدونة في قتل رجل وصبي رجلاً عمدًا يقتل الرجل ما نصه يريد إذا تعمدًا جميعا قتله وتعاونا عليه كما لو لم يباشر قتله إلا الصبي والرجل معين له حتى لو كان رجلان لقتلا معًا فحينئذ يجب قتل الرجل وإلا لم يقتل الرجل عند ابن القاسم كما لو كانت من رمية الصبي خطأ واللخمي نحوه، ولم يفرق ابن حارث بين معرفة ضربة غير المتعمد وجهلها، وهو ظاهر المدونة.
وقال اللخمي: إن افترق ضربهم وعملت ضربة كل واحد منهم ولم يقصدوا التعاون فلهم أن يقسموا على بعض الضربات لمات منها ويثبت القود والدية على العاقلة ثم استمر في كلامه فانظره.
(وتقتل المرأة بالرجل والرجل بها ويقنص لبعضهم من بعض في الجراح):
ما ذكر هو مذهبنا وذهب علي والحسن وعثمان رضي الله عنهم إلى أن أولياء المرأة إن قتلوا الرجل أدوا نصف الدية، وإن لم يقتلوا أخذوا ديتها الخيار لهم في ذلك.
(ولا يقتل حر بعبد ويقتل به العبد):
ما ذكر من أنه لا يقتل حر بعبد هو مذهبنا أيضًا وسواء كان قنا أو فيه عقد حرية من مكاتب، وأم ولد ومدبر ومعتق إلى أجل.
وقال أبو حنيفة ك يقتل الحر بالعبد وبالمكاتب الذي لم يترك وفاء ولا يقتل بالمكاتب الذي يترك وفاء ولابد من أن يكون هذا العبد ملكا لغير القاتل عنده.
وقال النخعي: يقتل بعبد نفسه، قال الباجي وقولنا هو إجماع الصحابة رضوان الله عليهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وابن عباس والزبير وزيد بن ثابت، ولا مخالف لهم وما روي من خلافه عن ابن مسعود فمرسل واتفقوا على أن العبد يقتل بالحر.
قال في جنايات المدونة فإن استحياه الولي خير السيد في إسلامه أو فدائه بالدية، وكذلك يخير في فدائه بالدية في قتله خطأ.
(ولا يقتل مسلم بكافر ويقتل به الكافر):
تقدم أن المسلم يقتل بالكافر في الغيلة فما ذكره الشيخ مخصوص بذلك، وما ذكره هو مذهبنا وبه قال الشافعي والثوري وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم.
وقال أبو حنيفة: يقتل المسلم بالكافر، وبه قال ابن أبي ليلي، وهو قول عمر بن
عبد العزيز، والشعبي، وغيرهما.
واحتج أهل المذهب بما في الصحيح عن على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يقتل مسلم بكافر" واحتج الآخرون بما خرجه أبو داود في المراسيل عن عبد الله بن عبد العزيز الحضرمي، قال: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خبير مسلمًا بكافر قتله غيلة، وقال:" أنا أولى وأحق من أوفى بذمته" قيل: وهو ضعيف السند مع ما يرد عليه من القول بالوجوب على أصل مذهبنا في إلحاق قتل الغيلة بالحرابة واحتج بعض الحنفية بقوله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى)[البقرة: 178]
، وهو لفظ عام في كل قتل.
وأجابه الفاكهاني بأن الكاف والميم في قوله تعالى: (كتب عليكم)[البقرة: 178]
خطاب للمؤمنين بلا خلاف أعلمه فلم يدخل الكافر في عمومه، ولأن الله تعالى ربط آخر الآية بأولها، فقال:(كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر)[البقرة: 178]
إلى آخر الآية فإذا نقص العبد عن الحر بالرق وهو من آثار الكفر فأحرى أن ينقص عنه الكافر، ولأن الله تعالى قال:(فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف)[البقرة:178]
ولا مداخلة بين المسلم والكافر فدل على عدم دخوله في هذا العموم والله أعلم.
(والسائق والقائد والراكب ضامنون لما وطئت الدابة وما كان منها من غير فعلهم أو وهي واقفة لغير شيء فعل بها فذلك هدر):
قال في المدونة: ما أهلكت الدابة بيدها أو رجليها وعليها مؤخر ومقدم فعلي عاقلة المقدم إلا أن يحركها المؤخر فعليها إلا أن يعجز المقدم عن ردها فعلى المؤخر فقط.
واعلم أنه اختلف المذهب فيها إذا كان رجل راكبًا دابة وطارت حصاة من تحت حافرها فكسرت آنية مثلاً فقال الأشبيلي: هو ضامن لذلك، وقال ابن زرب: لا يضمن، وذهب بعض المتأخرين إلى الأول إن طارت بطرف حافرها، وإلى الثاني إن طارت من تحتها، ونص غير واحد كابن شاس أن الميزاب إذا سقط على شيء فأهلكه
فإنه هدر، وهو نص المدونة في كتاب الديات، وقيده بعضهم بما يأتي.
واختلف المذهب في الجدار المائل إذا وقع على شيء فأهلكه فقال أشهب: يضمن صاحبه سواء تقدم إليه أم لا إذا بلغ الحائط ما يجوز تركه وكذلك لو تقدم إلى السلطان في هدم حائط على حسن النظر للرعية فهو ضامن.
وأما نهي الناس وإشهادهم فليس بلازم له وقيل: إن أنكر رب الحائط ما قيل من ميل الحائط فههنا يحتاج إلى التقديم إليه، وإن أقر بأن حائطه مخوف فههنا ينفع الإشهاد عليه دون الحكم قاله بعض فقهاء القرويين وكلاهما نقله ابن يونس، ومذهب المدونة أنه لا يضمن حتى يشهد عليه.
قال ابن عبد السلام: ومعناه من القاضي ولا ينفع إشهاد غير القاضي أو من له النظر في ذلك، وإن كان ظاهر المدونة عندهم أن الإشهاد من غير القاضي كاف في ذلك، وأشار ابن شاس إلى أن هذا الكلام إنما هو مقصور على الميل الحادث في الجدار الذي بني مستقيما ولو بني مائلا فربه يضمن بالإطلاق، وفي المدونة في كتاب كراء الدور والأرضين إذا ربط دابته على باب الدار فحرنت فكسرت أو قتلت ولدرب الدار فذلك جبار كقول مالك فيمن نزل عن دابته وأوقفها بالطريق لشراء حاجته أو أوقفها لباب المسجد أو الجامع: قال أبو حفص العطار: إن كان يعلم أنها تضرب برجلها فهو ضامن كمتخذ الكلب العقور حيث لا يجوز له يضمن وإن لم يتقدم إليه، وإنما يحتاج على التقديم إذا كان في داره فأما في الطريق فهو ضامن.
(وما مات في بئر أو معدن من غير فعل أحد فهو هدر):
دليله قوله صلى الله عليه وسلم: " البئر جبار والمعدن جبار"، وقال أهل اللغة: الجبار الهدر يقال: ذهب دمه جبارا قال التادلي: ويريد الشيخ إذا حفره في موضع يجوز له وإلا فهو ضامن.
(وتنجم الدية على العاقلة في ثلاث سنين وثلثها في سنة ونصفها في سنتين):
قال ابن عبد السلام: كانت الدية في الجاهلة تحملها العاقلة فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام وكانوا يتعاقلون بالنصرة فجرى الأمر على ذلك حتى فعل عمر الديون اتفق القول بذلك.
والعاقلة هي العصبة والموالي الأعلون وبيت المال لا سيما إذا قلنا: إنه وارث
والمحالف ليس منها، وفي الموالي الأسفلين قولان:
قال ابن المواز: أجمع العلماء على أن الموالي من الأسفلين لا يعقلون مع من أعتقهم وهو معني قول ابن القاسم.
قال ابن رشد وقاله سحنون وليس قول ابن المواز بصحيح بل يعقلون معهم على سماع أصبغ، وابن القاسم هذا ومثله لابن كنانة في المدونة وفي كتاب الجنايات من المدونة، وهو قوله في المبتل في المرض إذا لم تكن لسيده أموال مأمونة إن جنايته جناية عبد لأن العاقلة لا تحمل له جريرة حتى يحمل هو مع العاقلة ما لزم العاقلة من الجرائر، وهذا الأخذ من المدونة سبقه به ابن حارث.
قال بعض شيوخنا: وفيه نظر لاحتمال أن يريد بالعاقلة عاقلة قومه أو عشيرته لا عاقلة معتقه.
قال ابن شاس: وفي دخول الجاني في التحمل روايتان وتبعه ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون، وهو خلاف قول الباجي ويؤدي الجاني مع العاقلة قاله مالك، ومن أصحابنا من قال: هذا استحسان وليس بقياس فمقتضى عزوه عدم دخوله لبعض الأصحاب أنه لا يحفظه رواية وعبر عنه اللخمي بقوله: وقيل: لا يدخل ويبدأ بالفخذ ثم البطن ثم العمارة ثم العصابة ثم القبيلة ثم أقرب القبائل فإن لم تكن عصبة فالموالي فإن لم يكونوا فبيت المال إن كان الجاني مسلمًا وإن كان ذميا فأهل إقليمه من أهل دينه ثم يضم الأقرب الذي من كورهم ولا تضرب على فقير ولا على مخالف في الدين ولا على عبد ولا صبي ولا امرأة. وقول الشيخ ونصفها في سنتين هو قول مالك وعنه يجتهد في ذلك وكلاهما في المدونة.
(والدية موروثة على الفرائض):
قال الفاكهاني: هذا بلا خلاف أعلمه فيغير دية الجنين كما سيأتي.
(وفي جنين الحرة غرة أو وليدة تقوم بخمسين دينارا أو ستمائة درهم وتورث على كتاب الله تعالى):
والأصل في ذلك قضاؤه صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة فيما رواه البخاري ومسلم عن المغيرة، والرواية الصحيحة التي عليها الجمهور بالتنوين دون الإضافة وعبد بدل منه وذكر صاحب مطالع الأنوار: التنوين والإضافة نقله الفاكهاني.
ويعني الشيخ أن من ضرب حرة فألقت جنينا ميتا فإنه يلزمه دفع عبد أو أمة وهو معنى قوله غرة عبد أو وليدة إلا أن العلماء اختلفوا هل لفظة الغرة الواقعة في
الحديث بسبب اللغة زيادة على ذلك أم لا؟ فالمعلوم من مذهبنا أن ليس لها زيادة وإنما المراد بالغرة النسمة، وبه قال كثير من أهل العلم، ومنهم من قال بل هي مأخوذة من غرة الفرس، فلابد من عند من ذهب إلى هذا أن تكون من البيض أو تكون مأخوذة من الغرة بمعني الخيار والأحسن لأن الغرة عند العرب أحسن ما يملك واستحب مالك هذا الوجه، ولم يره على الوجوب.
وقال ابن عبد البر: يشترط أن تكون من البيض لا من السود؛ لأن أصل الغرة البياض الذي في الوجه قال: ولولا النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معني زائدا على شخص العبد والأمة لما ذكره، واعترضه الفاكهاني بأن قال: ما ذكره لا يلزم لأنه صلى الله عليه وسلم عبر عن الجسم كله بالغرة، وهو كقوله عتق رقبة قاله الجوهري في صحاحه.
قال ابن عبد السلام: ولم أر لأحد من أهل العلم حدا في سن الغرة، وقال الشافعي أقلها سبع سنين.
فيها وفي الحيوان وقد أكثر الشيوخ الاعتذار عنه وكذلك حكى بعض الحنفية عن مالك وجوب الشفعة هذا خلاف قول ابن رشد في مقدماته وذلك أنه لما ذكر قول الشافعي ووجهه يكون لا يفرق بينهما وبين أمها دون هذا السن قال، وهذا مما لا يختلف فيه إلا ما استحسنه مالك من أن تكون قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم وخلاف عزو ابن عبد البر قول الشافعي لبعضهم معه والمذهب أن ليس عليه أن يقبلها معيبة ولابد من أن تكون الغرة تساوي ما ذكره الشيخ، وإلا لم يجبر على أخذها نص على ذلك في المدونة.
قال اللخمي: وليس ببين لأنه عليه أفضل الصلاة والسلام إنما أوجب الغرة من غير اعتبار القيمة وأثمان العبيد تختلف في البلدان وتختلف أثمانها في الأسواق وظاهر كلام الشيخ ولو تعددت الغرة تعدد ما ذكر وهو كذلك.
قال ابن عبد السلام: انظره مع المصراة وظاهر كلامه أيضًا ولو قصد إلى ضربها عمدًا وهو كذلك في قول أشهب وجعلها ابن الحاجب المشهور.
وقال ابن القاسم في المدونة والمجموعة إن تعمد الجنين بضرب بطن أو ظهر فالقود بالقسامة وألحق أبو موسي بن مناس ضرب الرأس بالبطن بخلاف ضرب الرجل وشبهها.
واختلف المذهب هل الغرة على الجاني أو على العاقلة فقيل عليه، وهو المشهور، وقال اللخمي: وروى أبو الفرج عن مالك أنها على العاقلة، وهذا الخلاف في
الخطأ إذا لم يبلغ ثلث الدية، وأما إذا بلغ ثلث دية الجاني فتكون الغرة على العاقلة، وفي المدونة وتورث الغرة على فرائض الله تعالى.
قال الباجي: قال ابن حبيب، وبه قال أصحاب مالك، وقال ربيعة: هي للأم فقط، وقال ابن هرمز هي للأبوين فإن انفرد أحدهما اختص بها وقاله مالك مرة ثم رجع إلى الأول وبقول ابن هرمز قال المغيرة.
قلت: وعزا ابن رشد في المقدمات قول المغيرة لابن دينار، وعبد العزيز بن أبي سلمة.
(ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية وقاتل الخطأ يرث من المال دون الدية):
ما ذكر الشيخ من أن قاتل العمد لا يرث من المال، ولا من الدية زعم بعض الشيوخ أنه مجمع عليه من سائر العلماء وقبله ابن عبد السلام ورد بنقل الفاكهاني عن شيخه أبي محمد الغمري الفرضي عن بعض العلماء أنه يرث في العمد والخطأ ويجاب بأن الواحد لا ينقض الإجماع، ومذهبنا أنه لا يحجب وقيل خارج المذهب أنه يحجب وما ذكر الشيخ في الخطأ هو قولنا وقال الشافعي: لا يرث من المال ولا من الدية، وخرج أو داود في المراسيل عن ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يرث قاتل عمد ولا خطأ شيئًا من الدية" وخرج الدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة فقال: " لا يتوارث أهل ملتين وترث المرأة من دية زوجها وماله، وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه لم يرث من ديته وماله شيئًا، وإن قتل أحدهما صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته".
ورواه محمد بن سعيد عن عمرو بن شعيب قال: أخبرني أبي عن جده قال عبد الحق عن محمد بن سعيد أظنه المصلوب وهو متروك الحديث عند الجميع قال الحوفي: وقاتل العمد والخطأ يرثان الولاء.
قلت: قال بعض شيوخنا، وقاله عبد القهار، ونقله عن المذهب وهو وهم، قال أصبغ: لا يرث قاتل العمد الولاء.
قال ابن رشد: لا خلاف فيه لأحد من أصحاب مالك، وفيه نظر إذ لا يصح إلا على القول بإرث الولاء كالمال يستحقه الأقرب للميت لا للمعتق، وقياس قول
الجمهور: إرث قائل العمد الولاء إن مات المولي بعد مدة لا يمكن أن يحيا إليها القتيل لو لم يتقل وإلا اتهم على إرث الولاء.
قلت: قال بعض شيوخنا: ويلزم مثله في النسب كقتل أخ لأب أحد أخويه الشقيقين، ومات الآخر لمدة لا يحيا إليها القتيل نعم لو قتل المولي والمعتق مشرف على الموت اتهم.
(وفي جنين الأمة من سيدها ما في جنين الحرة):
ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وكذلك جنين النصرانية من زوجها العبد المسلم.
قال اللخمي: ولأشهب في كتابه أن فيه عشر دية أمه، ولو كان زوج النصرانية مجوسيا كان فيه قولان هل فيه أربعون درهما على حكم الأب أو فيه عشر دية أمة ولو ذكر الشيخ هذه المسألة والتي بعدها عقب مسألة الغرة لكان أحسن لأنها منها.
(وإن كان من غيره ففيه عشر قيمتها):
ما ذكر الشيخ هو المشهور، وقيل: إنما يلزمه ما نقصها كالبهيمة قاله ابن وهب وظاهر كلام الشيخ فيما ذكر سواء زاد على الغرة أو نقص كان أبوه حرًا أو عبدًا وهو كذلك نقله الباجي من رواية ابن نافع، وأما جنين الكتابية فهو على النصف من دية الحرة لما تقدم أن ديته على النصف من دية الحر المسلم.
(من قتل عبدًا فعليه قيمته):
ظاهر كلامه: وإن بلغت القيمة دية الحرة أو زادت وسواء كان القتل عمدًا أو خطأ وهو كذلك قال في أول الديات من المدونة: وعلى قاتل عبيد أهل الذمة قيمتهم ما بلغت كعبيد المسلمين وإن كانت القيمة أضعاف الدية، وقال أبو حنيفة: ما لم تبلغ دية الحر فينقض منها عشرة دراهم.
(وتقتل الجماعة بالواحد في الحرية والغيلة وإن ولي القتل بعضهم):
لا خصوصية لما ذكر بل وكذلك في غير الحرابة والغيلة كما تقدم إلا أن يريد بتحتم القتل في هذين ولا يصح العتق بخلاف غيرهما على أنه قد سبق له، وقتل الغيلة لا عفو فيه والله أعلم بمراده.
(وكفارة القتل في الخطأ واجبة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ويؤمر بذلك إن عفي عنه في العمد فهو خير له):
لا يقال: إن ظاهر كلام الشيخ:
أولاً: دل من باب أحرى على أن الكفارة تجب في العمد وهو مناقض لقوله.
ثانيا: ويؤمر بذلك إن عفي عنه في العمد فهو خير له، وذلك كالنص في الاستحباب؛ لأنه معنى يوجب القتل فلم يوجب كفارة، ولأن قتل المؤمن عمدًا أعظم من أن يكفر قال الأبهري: ألا تري أن الكبائر لا كفارة فيها كعقوق الوالدين.
وقال الشافعي: تجب الكفارة كالخطأ وما ذكر الشيخ هو كذلك بإجماع لأنه بنص التنزيل قال تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطئًا)[النساء: 92]
الآية، ويشترط في الرقبة ما تقدم في الأيمان والظهار من كونها سليمة من العيوب ومن الشركة فيها إلى غير ذلك.
قال ابن الجلاب: ومن لم يستطع الصوم فإنه ينتظر القدرة على العتق أو الصيام، ولا يجزئه الإطعام.
واعلم أن الكفارة المذكورة تجب في مال الصبي والمجنون نص على ذلك ابن شاس وتبعه ابن الحاجب، وقال بعض شيوخنا: ما ذكر ابن شاس واضح كالزكاة، ولم أجده لغيره من المذهب نصًا بل في وجيز الغزالي.
قلت: وقبله ابن عبد السلام ووجه ذلك بكون الكفارة عوضًا عن النفس فأشبهت أعواض المتلفات ومرضه بقوله إن كان هناك دليل شرعي من إجماع وغيره يجب له التسليم فحسن وإلا فمقتضى النظر سقوطها عنهما وردها إلى خطاب التكليف وقد جعل الشرع عوضًا عن الرقبة الصيام الذي هو من خطاب التكليف، قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله، لما نقلت له كلام ابن عبد السلام هذا بقوله أقوال: واختلف قول مالك هل تجب الكفارة في شبه العمد أم لا؟ على قولين ذكرهما ابن الحاجب، وفي استحبابها في الجنين روايتان أيضًا ذكرهما غير واحد والأولي منهما هو مذهب المدونة قال فيها قلت: من ضرب امرأة خطأ فألقت جنينا ميتا أعليه كفارة؟ قال: قال مالك: إنما الكفارة في كتاب الله في قتل الحر خطأ واستحسن مالك الكفارة في الجنين.
فإن قلت: ما بال أبي سعيد البراذعي اختصرها سؤالا وجوابًا على ما هي في الأم وعادته أن لا يفعل ذلك إلا لمعني من المعاني فما هو هذا المعنى؟
قلت: قال بعض شيوخنا: لإشكال الجواب لعدم انحصار طرق الأحكام في نصوص القرآن.
(ويقتل الزنديق ولا تقبل توبته، وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام):
ما ذكر هو المشهور، وقال ابن زرقون في المبسوط: قال المخزومي، وابن أبي
حازم ومحمد بن مسلمة: لا يقتل من أسر دينًا حتى يستتاب والإسرار والإظهار في ذلك سواء.
قلت: وبه قال ابن لبابة قياسًا على المرتد؛ لأنه من الذين كفروا فيعتبر في معرفة انتهائه عن الكفر في إقراره بالإسلام؛ لأنه غاية المقدور في ذلك واحتمال بقائه على مذهب الكفر لا يمنع من إجراء حكم الإسلام عليه إذ قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأجاب بقوله: " فهلا شققت على قلبه"، وظاهر كلام الشيخ: ولو جاء تائبا، وهو كذلك نقله ابن شاس عن بعض المتأخرين وقال المتيطي: تقبل توبته.
قال غير واحد، وهو مقتضى قول سحنون في شاهد الزور: إنه إذا جاء تائبًا لا يعاقب، وقال ابن الحاجب: الأصح قبوله وارتضاه ابن عبد السلام معبرا عنه بالصحيح لقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)[الأنفال:38]
ولو تزندق يهودي أو نصراني فقال أصبغ: لا يقتل؛ لأنه خرج من كفر إلى كفر وقاله مطرف، وابن عبد الحكم.
وروي عن مالك، وقال ابن الماجشون: بل يقتل؛ لأنه دين لا يقر عليه، ولا تؤخذ عليه الجزية، قال ابن حبيب: لا أعلم من قاله غيره، ولا أقول به.
قال الباجي: يحتمل أن يريد بالزند هنا الخروج إلى غير شريعة مثل التعطيل ومذاهب الدهرية، وحكى الشيخ عن ابن أبي محمد عن أبي بكر بن محمد، قال: روى عبد الرحمن بن إبراهيم الأندلسي في النصراني أو اليهودي يتزندق أنه يقتل؛ لأنه خرج من ذمة إلى ذمة، ولو أسلم لقتل كمسلم تزندق ثم تاب.
وعزا الفاكهاني قول ابن الماجشون لنقل مكي في تذكرته.
واعلم أن في كلام الشيخ تقديم التصديق على التصور، وقد علمت ما فيه.
(وكذلك الساحر، ولا تقبل توبته):
ما ذكر الشيخ مثله حكي القاضي عبد الوهاب أنه لا يستتاب وحمله عليه قول مالك، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ هو كالزنديق من كان للسحر والزندقة مظهرًا استتيب وكلاهما ذكره الباجي.
وروى ابن نافع عن مالك في المبسوط في المرأة تقر أنها عقدت زوجها عن نفسها أو عن غيرها من النساء أنها تنكل، ولا تقتل ولو سحر نفسه لم يقتل بذلك وقبله الشيخ أبو محمد وغيره.
وقال بعض شيوخنا: الأظهر أن فعل المرأة سحر، وأن كل فعل ينشأ عنه حادث
في أمر منفصل عن محل الفعل سحر.
وفي الموازية من لم يباشر عمل السحر أو جعل من يعمله فإنه يؤدي أدبًا شديدا وفيها أيضًا في الذي يقطع أذن المرأة أو يدخل السكاكين في جوف نفسه إن كان سحرًا قتل به، وإن كان خلافه عوقب.
قال الشيخ شهاب الدين القرافي في كتاب الانتقاد في الاعتقاد: من اعتقد أن هاروت وماروت بالهند يعذبان على خطيئاتها فهو كافر بل هم رسل الله وخاصته يجب تعظيمهم وتوقيرهم وتنزيههم ومن لم يعتقد ذلك وجب إراقة دمه.
وقبله الفاكهاني وهو الحق الذي لاشك فيه وعليه الأكثرون وكذلك قال به بعض شيوخنا القرويين واشتد نكيره على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى في في كلامه فيهما بما يقتضي ذلك وتعرض للملائكة بكلام شنيع فظيع لا يقدر أحد على سماعه ذكره في كتابه المسمى بالدرياق في أوائله فاحذر من قراءة ذلك المحل منه، والميل لجميع ما دل عليه مما ذكرناه وكان إنكار شيخنا لما ذكرنا لما قرأته عليه في درسه في حال صغرى بالقيروان بمحضر الطلبة.
وبعض العوام فهم أن يسكتني فتماديت إلى أن فرغت الدولة فقال: ما أشك أن هذا الكلام كفر فالعجب من الشيخ رحمه الله تعالى، وكذلك قرأته بجامع القصبة من تونس في حال كتبي لهذا الموضع على شيخنا أبي مهدي رحمه الله تعالى خاليا عن الناس فأنكره أشد إنكار وتفجع على الشيخ رحمه الله، وقال: لم أزل أسمع أن أهل بغداد تكلموا فيه فلعل هذا المحل هو الموجب لكلامهم أو هو أحد الموجبات قال أصبغ: ولا يقتل الساحر حتى يثبت أن ما فعله من السحر الذي وصفه الله تعالى بأنه كفر قال: ويكشف عن ذلك من يعرف حقيقته.
قال الباجي: يريد ويثبت ذلك عند الإمام وقد استصوب بعض المتأخرين كلام أصبغ هذا، وحكاه الطرطوشي عن قدماء الأصحاب، واستشكل قول مالك أن تعلمه وتعليمه كفر وكذلك استشكل جواب من أجاب عن ذلك الإشكال بأن السحر علامة على الكفر فقال: لا إنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا.
قال ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله ولرسوله بعد عمل هذه الأعمال كحاله قبل ذلك وإن أراد الخاتمة فمشكل لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع في المال.
قلت: ولم يتعرض الشيخ رحمه الله لتبيين السحر، ولعل ذلك لصعوبته عنده، والله أعلم.
وقال ابن العربي في أحكامه هو كل كلام مؤلف يعظم فيه غير الله عز وجل وتنسب إليه المقادير والكائنات وقبله الفاكهاني.
(ويقتل من ارتد إلا أن يتوب):
الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه" وروي "فاضربوا عنقه" خرجه البخاري ومسلم.
(ويؤخر للتوبة ثلاثًا وكذلك المرأة):
اختلف قول مالك رحمه الله تعالى هل يؤخر ثلاثة أيام أم لا؟ فقيل: يؤخر وهو المشهور وقيل: يستتاب في الحال رواه ابن القصار والقول الأول مروي عن عمر رضي الله عنه على ما تضمنه حديث الموطأ، وعلى هذا القول فظاهر كلامهم أن التأخير واجب.
وقول التادلي اختلف فيه فقيل واجب وقي: مستحب لا أعرفه وعليه فلا يجوع ولا يعطش وكذلك لا يعاقب إن تاب؛ لأن في عقوبته تنفيرا له عن الإسلام، وليس في استتابته تخويف خلافًا لأصبغ بالقتل.
قال الفاكهاني: وقول الشيخ وكذلك المرأة إشارة إلى خلاف أبي حنيفة في ذلك مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تقتل المرأة " ونقل عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا تقتل المرأة بل تسترق وقاله جماعة ودليلنا الحديث المتقدم.
(ومن لم يرتد وأقرب بالصلاة، وقال: لا أصلي أخر يمضي وقت صلاة واحدة فإن لم يصلها قتل):
اختلف المذهب هل المراعى الوقت الضروري وهو المشهور والمختار، وهو قول نقله ابن خويزمنداد.
قال ابن بشير وهو بعيد جدًا لأن التأخير إلى ذلك الوقت لا يحرم فكيف يراق به دم وتأخيره مكروه فقط، وعلى القولين فهل تقدر العصر مثلاً بكمالها أو بمقدار ركعة فقط في ذلك قولان.
قال اللخمي: ولا تعتبر قراءة الفاتحة للخلاف.
قال المازري: ولا الطمأنينة، واختلف هل يقتل بالسيف ناجزا أم لا؟ فقيل بذلك قاله في سماع أشهب وقيل: بل بالطعن نخسًا لأن المطلوب رجوعه إلى الإسلام قاله بعض المتأخرين والأكثر على أنه يقتل حدا لا كفرا.
وقال ابن حبيب بل كفرا واختاره ابن عبد السلام ثم قال وعلى تسليم أنه ليس
بكافر فالأقرب قول أبي حنيفة أنه لا يقتل ولمتأخري أهل المذهب صوغ إلى ذلك إذ الأصل بعد الحكم بالإسلام حقن الدماء. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" قال: وهذا الحديث وإن كان مخصوصًا يعني بالمحارب وشبهه فلا يضر ذلك في الاستدلال به في غير محل التخصيص.
قلت: ونقل الفاكهاني الاستدلال بالحديث لأبي حنيفة وقال: كون الحديث على تقدير صحته مخصوصًا بما ذكر يدل على أنه متروك الظاهر، وأورد على المشهور أنه يقتل حد بأنه لو كان كذلك لم يسقط بتوبته قبل إقامة الحد عليه كسائر الحدود.
وقال ابن عبد السلام: ويمكن أن يقال: إن الترك الموجب لقتله حدا إنما هو الترك الجازم، وذلك لا يتحقق إلا بعد إقامة الحد عليه، واختلف إذا قال أنا أصلي، ولم يفعل فقيل يقتل قاله مالك.
وقيل: لا يقتل قاله ابن حبيب نقله عنه غير واحد وليس هو مناقضًا لأصله.
قال التادلي: وقول ابن حبيب هو ظاهر كلام الشيخ، وكذلك اختلف في قتله إذا امتنع من قضاء الفوائت على قولين للمتأخرين واستدل من قال بعدم قتله بالخلاف في وجوب القضاء عليه.
قال المازري: وبإجازة مالك تأخير القضاء للشغل.
(ومن امتنع من الزكاة أخذت منه كرها):
يعني وتجزئه وأخذ من قولهم هذا أن الزكاة لا تفتقر إلى نية لظهور المنافاة بين التقرب وأخذ أيضًا من أحد القولين أن الفقراء شركاء لأن وصول الشريك إلى حقه مما في يد شريكه لا يشترط فيه لا نية القابض، ولا نية الدافع ورد ابن القصار الأول بأنه يعلم فتحصل النية.
وقال ابن العربي في الزكاة المأخوذة كرها إنها تجزئ ولا يحصل الثواب.
قلت: وأفتي شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي رحمه الله تعالى في الفقير إذا قدر أن يأخذ من مال من يعلم أنه لا يزكي قطعا قدر ما عليه من الزكاة أنه لا يجزئ إذا لا شعور لصاحبه بخلاف المكره.
(ومن ترك الحج فالله حسيبه):
قال الفاكهاني: قال أهل اللغة: معني حسيبك الله أي انتقم الله منك قال: ويريد الشيخ أنه لا يقتل لاختلاف الناس في وجوب الحج هل هو على الفور أو على التراخي والمشهور من مذهب مالك أنه على التراخي بخلاف تارك الصلاة فإن أوقاتها معروفة.
قلت: لا يرد على الشيخ أنه يلزم على قوله إن ظهر تعينه عليه بكبر سنه وكثرة ماله وأمن الطريق ووجود الماء في كل منهل أن يكون تاركه حينئذ الصلاة؛ لأن تعيينه لا يعلم إلا من جهته إذ كثير من الناس يعتقد أنه غني، وهو فقير في باطن الأمر، ويعتقد أنه قوي في بنيته، وأنه قوي على المشي على رجليه، وهو لا يستطيع ذلك.
(ومن ترك الصلاة جحدا لها فهو كالمرتد يستتاب ثلاثًا فإن لم يتب قتل):
يريد وكذلك إذا شك فيها، وما ذكر أنه مرتد هو كذلك بإجماع قاله ابن بشير في تنبيهه وعياض في إكماله في كتاب الأيمان، وقول ابن الحاجب أما جاحدها فكافر باتفاق فيه مسامحة؛ لأنه إذا قال ذلك إنما يريد به اتفاق أهل المذهب ويكون منه تنبيها على أن الخلاف خارج المذهب بخلاف الإجماع هذا هو المستقرأ من كلامه، ولا أعرف هنا نص خلاف.
وقال الفاكهاني: إنما حسن التشيبه في قول الشيخ كالمرتد؛ لأنه لم يخرج عن الإسلام بالكلية كما خرج المرتد عنه من حيث إنه لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه ورثته، ولا غيرهم.
وقال الحنفي: لا يقتل واستدل بالحديث السابق، ولا دليل له في ذلك لأنا إذا قلنا: إنه مرتد صدق عليه أنه كافر بعد إيمانه فهو راجع لإحدى الخصال الثلاثة.
قلت: إنما أراد الشيخ بقوله كالمرتد أن حكم من تكلم بالكفر فهو كافر حقيقة فإذا عرفت هذا فاعلم أن قول الفاكهاني معترض من وجهين:
أحدهما: أن في كلامه التناقض؛ لأنه حكم أولا بأنه ليس بكافر، وفي رده على أبي حنيفة حكم بكفره.
الثاني: أن خلاف أبي حنيفة إنما هو فيما سبق، وهو إذا أقر بوجوبها وقال: لا أصلي والله أعلم.
(ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ولا تقبل توبته):
قال التادلي: يريد وكذلك كل مرسل أو نبي أو ملك ومن اختلف في نبوته كأم موسى وأم عيسى وأم إسحاق والخضر ولقمان وذي القرنين والحواريين وإخوة يوسف عليهم الصلاة والسلام، واختلف فيمن سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أو أحدا من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
ومن اختلف في كونه ملكًا كهاروت وماروت نكل نكالا شديدا ولا يقتل وفي كتاب الافتداء لابن أبي زيد سئل عن الرجل يقول قال الفاروق كذا، وقال على كذا
فيعارضه الرجل فيقول له: قال الشافعي كذا قال الحنفي فقال: أرى أن يستتاب قال عياض، وأجمع المسلمون خاصتهم وعامتهم من لدن عهد الصحابة إلى هلم جرًا في مشارق الأرض ومغاربها أن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصًا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرضه أو شبهه بشيء على طريق الذم أو الازدراء به أو التصغير لشأنه أو النقص منه أو العيب له أو دعا عليه أو تمني مضرته أو نسب إليه ما لا يليق بنسبه العلي أو عنت في جانبه العزيز بهجو من القبيح أو سخف من الكلام أو منكر من القول أو غيره من بلاء ومنحه جرت عليه أو برئ منه أو كذبه أو استجهله أنه ساب له صرح بذلك أو لوح.
ويقتل كفر إن استحل شيئًا من ذلك ولم يرجع عنه فإن لم يستحله ورجع عنه قتل حدا ولا تقبل توبته على المشهور فيهما ويتخرج عليهما غسله والصلاة عليه ودفنه وميراثه والفرق بين استتابة من سب الله تعالى وعدم استتابة من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله برئ من النقص لذاته لا يلحقه النقص ولا استكمال بغيره سبحانه وتعالى بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه من جنس من يلحقه النقص فلا يزول إلا بقتل مستنقصه.
وقيل: إنما ثبت له ذلك الكمال بإخباره تعالى الذي لا يتبدل ولا يتحول.
قلت: وما ثبت بالعرض لا يقاوم ما ثبت بالذات وإن كان لا يلحقه نقص.
(ومن سبه من أهل الذمة بغير ما به كفر أو سب الله عز وجل بغير ما به كفر قتل إلا أن يسلم):
ما ذكره من أن من سبه من أهل الذمة بغير ما به كفر فإنه يقتل هو المشهور، وحكى ابن الجلاب وعبد الوهاب، قولاً بالقتل مطلقًا كان بما به كفروا أو غيره وما ذكر من سقوط القتل عنه بالإسلام هو أحد قولي مالك.
(وميراث المرتد لجماعة المسلمين):
ما ذكره لا أعلم فيه خلافًا، واختلف في ميراث الزنديق فقيل كذلك قاله أشهب وابن نافع وقيل لورثته قاله ابن القاسم.
(والمحارب لا عفو فيه إذا ظفر به):
قال ابن الحاجب: الحرية كل فعل يقصد به أخذ المال على وجه تتعذر معه الاستغاثة عادة من رجل أو امرأة حرًا وعبدًا ومسلم أو ذمي أو مستأمن واعترضه ابن عبد السلام بأنه غير مانع لدخول ما ليس بحرابة، وهو غصب السلطان وشبهه فإنه فعل يقصد به على وجه تتعذر به على وجه تتعذر معه الاستغاثة عادة ثم سأل نفسه،
فقال: إن قلت: المتعذر في الحرابة عادة إنما هو الإغاثة وليس الاستغاثة فإن المسلوب يستغيث وجد مغيثا أم لا فلا تتعذر الاستغاثة أصلاً.
وأجاب بأن استغاثة المعدوم ومن لا تنفع إغاثته كلا شيء وإنما المعتبر الاستغاثة التي ترجى معها الإغاثة وهذا النوع من الاستغاثة هو المعتبر في الكلية، وقال بعض شيوخنا: الحرابة الخروج لإخافة السبيل بأخذ مال محرم بمكابرة قتال أو خوفه أو إذهاب عقل أو قتل خفية أو لمجرد قطع الطريق لا لإمرة أو نائرة، ولا عداوة فيدخل في قوله، والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون.
(فإن قتل أحدا فلابد من قتله):
ما ذكره هو المشهور في المذهب وقال أبو مصعب الإمام فيه بالخيار وظاهر كلام الشيخ ولو عفا عنه أولياء المقتول وهو كذلك وظاهر كلام أهل المذهب ولو رأي الإمام من حسن المصلحة إطلاقه لكثرة إذاية الذين وراءه كأعراب إفريقية لفعل والله أعلم.
وأفتي شيخنا أو مهدي عبد الله الشبيبي رحمه الله تعالى بالعفو عن نحو أربعين محاربًا أخذوا في حالة واحدة بالقيروان والحالة هذه وبه أقول ومال إليه شيخنا أبو مهدي رحمه الله، وظاهر كلامه: وإن كان المقتول غير كفؤ وهو كذلك وصرح به بعد وقد قتل عثمان رضي الله عنه مسلمًا قتل ذميا حرابة.
(فإن لم يقتل فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جرمه وكثرة مقامه في فساده فأما قتله أو صلبه ثم قتله أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يموت):
ما ذكر الشيخ هو قول مالك وغيره وفهموا قوله تعالى: " إنما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله) [المائدة: 33]
الآية على التخيير الاجتهادي فكل ما رآه الإمام سدادا تعين ولا يجوز الانتقال لغيره.
قال ابن عبد السلام: فعلى هذا يكون لا فرق بين قولنا أو للتخيير هنا، ولا بين قول غيرنا إنها للتفصيل.
قلت: فيما نسبه للمذهب دون ذكر غيره قصور وكذلك في فهمه نظر لقول اللخمي في كونه على الترتيب أو التخيير روايتان للأكثر، وابن وهب فعلى الترتيب إن لم يخف ولم يأخذ مالا، ولا قتل أخذ فيه بأسر الحكم ابن القاسم، وهو أن يجلد وينفي ويسجن في الموضع الذي نفي إليه، وإن أخاف أو أخذ مالا أو جمعهما خير في قتله وقطعه، وكذلك إن طال أمره ونصب، ولم يأخذ مالا، وإن طال زمنه وعلا أمره،
وأخذ المال ولم يقتل قتل ولا بخير فيه.
وعلى رواية ابن وهب قال مالك: إن نفر الناس من كل مكان وعظم فساده، وأخذ أموال الناس فالسلطان يرى فيه رأيه في أحد الأربعة ويستشير في ذلك، وحيث يقتل قال اللخمي يقتل على الوجه المعتاد المعروف بالسيف والرمح ولا يقتل على صفه يعذب بها ولا بحجارة ولا بغير ذلك، وإن رأى صلبه فليصلبه قائمًا لا منكسًا وينبغي أن تطلق يداه؛ لأن له في ذلك بعض الراحة إلى أن يموت وإن لم تطلق فلا بأس.
قال: وظاهر القرآن أن الصلب حد قائم بنفسه كالنفي والمذهب إضافته للقتل ولمالك في بعض المواضع قال: يقتل أو يصلب أو يقطع أو ينفى كظاهر القرآن.
واختلف هل يقدم الصلب على القتل أو العكس على قولين لابن القاسم، وأشهب وعلى الأول فاختلف قول سحنون إذا مات هل ينزل من ساعته، ويدفع إلى أهله للصلاة عليه والدفن ونحوه لأصبغ وإذا صلوا عليه رده الإمام للخشبة اليوم والثلاثة ليردع به أهل الفساد على قولين.
قال ابن الماجشون: لا يمكن أهله من الصلاة عليه، ويبقي على الخشبة حتى يفني وتأكله الكلاب.
وقول الشيخ أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يموت يريد أو تظهر توبته الحقيقية ويريد إذا كان حرا، وأما العبد فإنه لا ينفى ويسجن ببلده.
(فإن لم يقدر عليه حتى جاء تائبًا وضع عنه كل حق هو لله من ذلك، وأخذ بحقوق الناس في مال أو دم):
ظاهر كلام الشيخ إذا جاء إلى السلطان طائعا بغير سلاح، وقال: جئتك تائبا؛ أنه ينفعه ذلك، وإن لم تثبت توبته، وهو كذلك عند ابن القاسم، قال: وكذلك إذا ترك ما كان عليه وإن لم يأت خلافًا لابن الماجشون في قوله توبته إنما هي أن يترك ما هو عليه، ويجلس في موضعه حتى لو علم الإمام حاله لم يقم عليه حد الحرابة.
وقيل: إنما تكون بالمجيء إلى الإمام وإن ترك ما هو عليه لم يسقط ذلك حكما من الأحكام إن أخذ قبل أن يأتي الإمام.
قال ابن رشد في مقدماته فهي ثلاثة أقوال واختلف إذا فر المحارب في القتال فقال ابن القاسم: إن كان قتل أحدا فليتبع وإلا فلا أحب أن يتبع ولا يقتل.
وقال سحنون: ويتبعون ويقتلون مقبلين ومدبرين ومنهزمين وليس هروبهم توبة
وفي الإجهاز على جريحهم قولان لهما، ولا يجوز أن يؤمن المحارب إن سأل الأمان بخلاف المشترك؛ لأن المشرك يقر إذا أمن على حاله ويبده أموال المسلمين ولا يجوز تأمين المحارب على ذلك.
واختلف إذا امتنع بنفسه حتى أعطي الأمان فقيل: يتم له ذلك، وقيل: لا قاله أصبغ.
(وكل واحد من اللصوص ضمان لجميع ما سلبوه من الأموال):
ما ذكر هو المعروف، وقال ابن عبد الحكم، لا يضمن إلا ما أخذ خاصة نقله الباجي، وأفتى بعض المتأخرين بالأول إن كان رئيس القوم بحيث يقدر على ردهم، وبالثاني: إن لم يكن ذلك وعلى الأول فإن غرم يرجع على أصحابه كالحملاء.
وأما المجتمعون على السرقة فكل واحد مخاطب بما أخذه خاصة على ظاهر كلام بعض الشيوخ.
وقال ابن رشد: إذا تعاونوا فهم كالمحاربين، وقال اللخمي: إن اعترف بعض المحاربين لما في أيديهم لأهل رفقة اختصوا به وأخذ كل واحد منهم ما لم ينازع فيه فإن تنازع اثنان في شيء قسم بينهما على حكم التداعي فيه فإن فضل عنهم شيء أوقفه الإمام فإن تنازعه اثنان أحدهما من أهل الرفقة اختص به بعد حلفه، وإن ادعاه رجل من غيرهم فإنه يدفع إليه بعد الاستيناء به واليمين وضمنه إياه قاله مالك يريد بعد أن يصفه كاللقطة.
واختلف هل يأخذه بحميل قاله سحنون أو بغيره قاله مالك في ذلك قولان وإن ادعاه أجنبيان حلفا وقسم بينهما فإن نكل أحدهما كان للآخر، وإن نكلا قال محمد لم يكن لهما فيه شيء.
(وتقتل الجماعة بالواحد في الحرابة والغيلة وإن ولي القتل واحد منهم):
قال الباجي ومحمد بن المواز عن مالك وابن القاسم وأشهب: إن ولي أحد المحاربين قتل رجل ممن قطعوا عليه، ولم يعاونوه أي أصحابه قتلوا أجمعين، ولا عفو فيهم للإمام ولا للولي.
قال ابن القاسم: ولو تابوا كلهم قبل القدرة عليهم فللولي قتلهم جميعا، وقتل من شاء منهم والعفو عمن شاء.
قال أشهب: لا يقتل منهم إلا من ولي القتل، أو أعان عليه أو أمسكه لمن يعلم أنه يريد قتله، ولا يقتل الآخرون ويجلد كل واحد منهم، ويسجن عامًا.
(ويقتل المسلم يقتل الذمي قتل غيلة أو حرابة):
يريد ما لم يتب المحارب فإن تاب كان للذمي عليه دية إذ لا يقتل مسلم بكافر
والحالة هذه، ولو جرح ذمي فأسلم قبل أن يموت فقال ابن القاسم ديته دية الحر المسلم. وقال أشهب: دية المجوسي.
(ومن زني من حصر محصن رجم حتى يموت):
قال ابن الحاجب: الزنى أن يطأ فرج آدمي لا ملك له فيه باتفاق متعمدًا فيتناول اللواط، واعترض بأنه غير جامع إذ لا يحتوي إلا على فعل الزاني دون الزانية ورد بأن قوله أن يطأ: مصدر لا يمكن وقوعه إلا من اثنين فذكر أحدهما يستلزم الآخر، واختير ذكر الفاعل؛ لأنه يجري مجرى العلة في الاستغناء بها عن المعمول واعترض أيضًا بأنه غير مانع بل لا يدخل تحته شيء من أفراد المحدود؛ لأن قوله آدمي حقيقة في الذكر دون الأنثى وإتيان الذكر لا يسمى زنا عرفا بل يسمي لواطًا.
وأجيب بأنه إنما أراد بالآدمي الجنس الذي يشمل الذكر والأنثى وحده بعض شيوخنا فقال: الزنى الشامل للواط مغيب حشفة آدمي في فرج آخر دون شبهة حلية عمدًا فتخرج المحللة ووطء الأب أمة ابنه لا زوجته.
وظاهر كلام الشيخ: ولو كانت الموطوءة ميتة أن الواطئ يحد بذلك؛ لأنه يطلق عليه أنه زني، وهو كذلك على المشهور وهو نص المدونة في كتاب الرضاع.
وقيل: يؤدب، ولا يحد قاله ابن شعبان.
واختلف إذا وطئ أمة من المغنم وهو من أهل الجيش والمشهور ثبوته ونفاه ابن الماجشون وعزاهما في المدونة في العتق الثاني لابن القاسم، وغيره.
وقال ابن عبد البر: اختلف قول مالك وأصحابه في حده، واختلف الروايات فيه عن على بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذلك القولان في الحرية والقول بنفي الحد عزاه ابن رشد في المقدمات لأشهب وعزاه اللخمي لابن الماجشون، وفي قذف المدونة من تزوج امرأة في عدتها أو على عمتها أو خالتها عمدًا لم يحد، وعوقب.
وقال اللخمي: قال مالك في متزوج الخامسة والمبتوتة عالما بتحريم ذلك يحد، وقال في متزوج المعتدة كذلك لا يحد ولا فرق في ذلك، وقيل في المعتدة إنه يحد.
وقال التونسي: إن كان التحريم من القرآن بسبب ولم يحرم عينها، وتحل يوما ما كالخامسة ففي الحد قولان.
(والإحصان أن يتزوج امرأة نكاحا صحيحا ويطأها وطأ صحيحا):
احترز رحمه الله تعالى بقوله: أن يتزوج امرأة من ملك اليمين وصحيحا احتراز من الفاسد واشتراطه الوطء الصحيح ليخرج به الوطء الغير المباح كوطء الحائض.
والصائمة، ويشترط البلوغ والعقل والإسلام والحرية.
قال الفاكهاني رحمه الله: أنشدنا لنفسه القاضي زين الدين بن رشيق رحمه الله تعالى، ونفعنا بعلمه وعمله:
شروط الإحصان ست أتت = فخذها على النص مستفهما
بلوغ وعقل وحرية = ورابعها كونه مسلمًا
وتزويج صحيح ووطء مباح = متى اختل شرط فلن يرجما
واختلف إذا زنى الكافر هل يحد أم لا؟ والمشهور أنه لا يحد.
وقال المغيرة: يحد حد البكر بكرا أو ثيبًا نقله اللخمي.
قلت: وكان المغيرة رحمه الله تعالى ناقض أصله؛ لأنه يقول: إنهم مخاطبون بفروع الشريعة إذ هو القائل بأن طلاقهم لازم بناء منه على أن أنكحتهم صحيحة فكان حقه أن يجعله كالمسلم سواء كما جنح إليه ابن عبد البر، وكما يقطع في السرقة وهو قول الطحاوي وأحد قولي الشافعي.
وأجابني شيخنا أبو مهدي أيده الله تعالى باحتمال موافقته على أن من شرط الإحصان الإسلام ومثله لبعض شيوخنا.
(فإن لم يحصن جلد مائة جلدة وغربه الإمام إلى بلد آخر وحبس فيه عامًا):
ما ذكر من الجلد متفق عليه عند أهل العلم؛ لأنه بنص القرآن، وما ذكره من التغريب قال به الجمهور وصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة: لا يغرب ورأى أنه زيادة على ما ذكر في الآية والزيادة عنده على النص نسخ والكتاب لا ينسخ بخير الآحاد.
(وعلى العبد في الزنى خمسون جلدة وكذلك الأمة وإن كانا متزوجين):
يريد، وإن كان بعضه حرا، وكذلك المكاتب والمدبر والمعتق إلى أجل وأم الولد.
(ولا تغريب عليهما ولا على امرأة):
ما ذكر الشيخ مثله في المدونة، واحتج أهل المذهب على أنهما لا يغربان بقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال: " إذا زنت ولم تحصن فقال إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو
بضفير" ولم يتعرض إلى التغريب، والحديث صحيح خرج مخرج بيان الحكم.
وقال الشافعي، وغيره: تنفى المرأة كالرجل، وقال به الشيخ أبو الحسن اللخمي رحمه الله إذا وجدت المرأة من يسافر معها من ذوي محارمها، أو رفقة مأمونة فيها رجال ونساء كالخروج إلى الحج فإن عدم ذلك سجنت بموضعها عامًا؛ لأنه إذا تعذر التغريب لم يسقط السجن.
(ولا يحد الزاني إلا باعتراف أو حمل يظهر أو بشهادة أربعة رجال أحرار بالغين عدول يرونه كالمرود في المكحلة، ويشهدون في وقت واحد وإن لم يتم أحدهم الصفة حد الثلاثة الذين أتموها):
ظاهر كلام الشيخ: وإن كان إنما أقر مرة واحدة وهو كذلك عندنا خلافًا لأبي حنيفة، فقال هو وغيره: لابد من تكرار إقراره أربع مرات زاد أبو حنيفة: في مجالس مفترقة، وما ذكر من اعتبار الحمل وهو كذلك في غير الطارئة وأما الطارئة فلا حد عليها إذا قالت: هو من زوجي طلقني أو غاب عنى. قاله اللخمي، وألغاه الشافعي وغيره فقبلوا قولها إذا قالت: إنها استكرهت، وقال به اللخمي على تفصيل سيأتي عن قرب إن شاء الله تعالى.
وما ذكر من اعتبار الشهادة هو كذلك باتفاق وما عدا قوله: ويشهدون في وقت واحد فإن ابن الماجشون أجاز التفريق في الشهادة في الزنى نقله عنه أبو عمران الصنهاجي في نظائره.
(ولا حد على من لم يحتلم):
لا شك أنه يحد كما قال؛ لأنه غير مكلف، ولا شك أنه يؤدب كما يؤدب في المكتب، ويمكن أن يختلف في أدبه كما اختلف في الصغير إذا غصب مالا هل يؤدب أم لا؟ على قولين حكاهما ابن رشد في مقدماته وغيره لا يقال لا يلزم من عدم أدبه في غصب المال أن لا يؤدب هنا؛ لأنه ما غصبه وأتلفه يؤخذ من ماله إن كان أو مهما ظهر له إن لم يكن وذلك كان في أدبه لاسيما إن كان أتلفه في فساد، ولا كذلك هنا، لأن القائل بعدم الأدب علله بكونه غير مخاطب والله أعلم.
(ويجد واطئ أمة والده):
إنما كان يحد الولد لعدم الشبهة له في مال الوالد وذكر ابن خويزمنداد عن ابن
وهب وأشهب أنه لا يحد قال اللخمي: لأنه نفقته ترجع عليه عند بعض أهل العلم متى احتاج فيدرأ عنه الحد للخلاف.
(ولا يحد واطئ أمة ولده وتقوم عليه، وإن لم تحمل):
يريد لقوة الشبهة في مال ابنه، وكذلك الجد لا حد عليه خلافًا لأشهب، وظاهر كلام الشيخ أنها تقوم عليه، وإن لم تحمل، وهو كذلك عند أكثر أهل المذهب، وقال ابن عبد الحكم: الابن مخير في أخذها ومثله لابن الماجشون.
وظاهر كلام الشيخ تحتم القيمة وإن كان معدما، وهو كذلك نص عليه في المدونة، وقيل: للابن أخذها ما لم تحمل.
واختلف إذا حلل الأمة سيدها لرجل فوطئها فالمشهور أنه شبهة.
وقال الأبهري: إن كان عالما حد، ولا يلحق به الولد؛ لأنه زان بوطئه من ليس بزوجه له ولا ملك يمين ولا هو جاهل بالوطء.
قال ابن عبد السلام: وهو إجراء على أصل المذهب وذهب إليه جماعة خارج المذهب، وأما المستأجرة للوطء وغيره فالحد ثابت اتفاقًا.
(ويؤدب الشريك في الأمة يطؤها ويضمن قيمتها إن كان لها مالك فإن لم تحمل فالشريك بالخيار بين أن يتماسك أو تقوم عليه):
ما ذكر من أدب الواطئ هو كذلك إن لم يعذر بجهل قاله في قذف المدونة، وما ذكره من ضمانه القيمة هو كذلك باتفاق، واختلف متى يكون هل يوم الحمل أو يوم الوطء، أو يوم الحكم على ثلاثة أقوال وكلها لمالك وكل هذا مع اليسر.
وأما إن أعسر الواطئ فإنها تباع عليه، وهي إحدى المسائل التي تباع فيها أم الولد.
وثانيها: إذا وطئ العامل أمة القراض فحملت وكان معسرا.
وثالثها: أمة المفلس إذا وقفت للبيع ووطئها وحملت.
ورابعها: الابن يطأ أمة من تركة أبيه وعلى الأب دين يستغرق التركة، والابن عديم وهو عالم بالدين حالة الوطء.
وخامسها: إذا وطئ الراهن أمته المرهونة، وحملت وكان معسرا فإنها تباع بعد الوضع وحلول الأجل.
وسادسها: الأمة الجانية إذا وطئها السيد بعد علمه بالجناية وهو عديم فإنه تسلم للمجني عليه، وكل هذه النظائر ذكرها خليل رحمه الله تعالى في الرهون.
وما ذكر الشيخ من أن الشريك بالخيار إذا لم تحمل هو كذلك قاله في المدونة.
وقال في كتاب محمد: يجبر على أن تقوم على شريكه كالأب، وأخذ من كتاب الشركة من المدونة، وقيل: إذا لم تحمل لم تقوم عليه، وكانت على حالها في الشركة، ويلزم نصف ما نقصها الوطء.
قال ابن عبد السلام: وهو الظاهر عندي لأنه نقص يسير في الغالب المرأة تقول هذا الحمل من فلان، وذلك هو الأصل في التعدي، وهو الذي مال إليه اللخمي هنا.
(وإن قالت امرأة بها حمل استكرهت لم تصدق وحدت إلا أن تعرف بينة أنها احتملت حتى غاب عليها أو جائت مستغيثة عند النازل أو جاءت تدمي):
ما ذكر الشيخ هو المشهور، وقيل: يقبل قولها مطلقًا حكاه ابن الحاجب.
وقال اللخمي: إن لم تكون طارئة وادعت أنه من غصب، وتقدم لها ذكر ذلك أو أتت متعلقة برجل أو كان سماع وأشتكت ولم تأت متعلقة به لم تحد إن ادعته على من يشبه، وإن ادعته على رجل صالح حدت هذا إن تقدمت الشكوى قبل ظهور الحمل، وإن لم تذكره إلا بعد ظهوره حدث إلا أن يكون معروفة بالخير وقالت: كتمت ذلك رجاء أن لا أجمل أو أن يسقط فتعذر ومثله لو لم تسم من أكرهها، وهي معروفة بالخير هذا الذي أخذ به ومثله عمر رضي الله عنه في امرأة ظهر بها حمل، وقالت: كنت نائمة فما استيقظت إلا وفد ركبني رجل فأمر أن ترفع إلى الموسم هي وأناس من قومها فسألهم عنها فأثنوا عليها خيرا فلم يحدها وكساها وأوصى بها أهلها.
(والنصراني إن غصب المسلمة في الزنا قتل):
واختلف بماذا يثبت ذلك عليه هل بأربعة شهداء أو بشاهدين على قولين لابن القاسم وظاهر كلام الشيخ، ولو كانت المغصوبة أمة وهو كذلك في أحد القولين قال هو رحمه الله عن ابن المواز إنه لا يقتل كما لو قتلها، وفيه اختلاف.
وهذا أحب إلى لما جاء أنه لا يقتل حر بعبد.
قال ابن عبد السلام: وأجيب بأن الذي جاء إنما هو في قتل القصاص، وهو خارج عما نحن فيه.
قلت: فإذا عرفت هذا فاعلم أن قول الفاكهاني ظاهر كلام الشيخ يقتضي الحرة والأمة، وليس ذلك مراده لقول ابن الجلاب في الأمة عليه العقوبة الشديدة وما نقصها قصور.
وظاهر كلام الشيخ لو طاوعته أنه لا يقتل، وهو كذلك قاله ابن وهب في سماع عبد الملك بزيادة يضرب ضربًا يموت منه خلافًا منه خلافًا لربيعة وكلاهما حكاه ابن رشد.
(وإن رجع المقر بالزنا أقيل وترك):
ظاهره رجع إليى شبهة مثل أن يقول أصبت امرأتي حائضًا فظننته زنى أو لا، وهو قول ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم، وروي عن مالك، وقيل: لا يقبل إذا رجع لغير شبهة قاله أشهب، وعبد الملك، وروي عن مالك أيضًا وكلاهما حكاه الباجي وزعم ابن المواز أن أصحاب مالك لم يختلفوا في رجوعه للشبهة وقبله غير واحد كالباجي.
قلت: وفيه نظر لقول ابن زرقون حكي الخطابي في شرح السنن عن مالك عدم قبوله، وهو غريب فظاهره ولو رجع إلى شبهة.
(ويقيم الرجل على عبده وأمته حد الزنا إذا ظهر حمل أو قامت بينة غيره أربعة شهداء أو كان إقرار):
ما ذكره هو مذهبنا واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: " وإذا زنت أمة أحدكم فليجلدها .. " الحديث فظاهره مخاطبة السادات ورؤية السيد لا أثر لها بالنسبة إلى إقامة الحد عليها.
قال ابن عبد السلام: وهو مقتضى القواعد؛ لأنه كالقاضي، وهو لا يحكم بعلمه ولا سيما في الحدود وقيل: إنه معتبر وهو ظاهر الأحاديث.
قلت: وكلاهما نقله ابن الحاجب عن مالك، وأطلق القول في ذلك وقبله الباجي وعزا اللخمي الثاني لرواية المبسوط، وقال: وقد قال عبد الملك إن رأى أمته تزني لم يجلدها إذ ليس للسلطان أن يجلدها برؤيته فإن كان حمل أو ولد فله أن يحد به.
قلت: وهو ظاهر كلام الشيخ فالأقوال على هذا ثلاثة.
(ولكن إن كان للأمة زوج حر أو عبد لغيره فلا يقيم الحد عليها إلا السلطان):
يريد إذا كان الزوج مملوكا لغيره، وأما إن كان عبده فله إقامته عليها، وهذا التفصيل ذكره اللخمي وغيره عن مختصر ابن عبد الحكم.
قال أبو إسحاق التونسي: وكذلك العبد إن كانت له زوجة حرة أو أمة لغير سيده فلا يقيم الحد عليه إلا السلطان.
قلت: وهذا هو الصواب وبه أقول، ولم يحفظه ابن عبد السلام بل جعل المذهب أنه يقيمه عليه قائلاً: لا يلحق المرأة عار إذا حد زوجها، وهو بعيد؛ لأن العيان يشهد بخلافه.
(ومن عمل عمل قوم لوط بذكر بالغ أطاعه رجما أحصنا أو لم يحصنا):
ظاهر كلام الشيخ ولو كان اللائطان عبدين أو كافرين، وهو كذلك، وقال أشهب: يجلد العبدان خمسين خمسين ويؤدب الكافران وضعفه ابن عبد السلام بأنه لو كان من باب الزنا لاعتبر الإحصان ولم يؤدب الكافران إلا بشرط أن يظهراه.
وقال بعض شيوخنا: فيه ميل لاعتبار الإحصان، وذهب أبو حنيفة وغيره إلى أن من فعل هذا الفعل سواء كان حرًا أو عبدًا مسلمًا أو كافرًا أنه يعزر خاصة.
وقال ابن عبد البر عن ابن عباس حده أن يرمى من أعلى شاهق في القرية ثم يتبع بالحجارة.
وقال الباجي عن ابن حبيب: كتب أبو بكر أن يحرق بالنار ففعل وفعله ابن الزبير وهشام بن عبد الملك في زمانه والقشيري بالعراق ومن أخذ بهذا لم يخطأ وألحق ابن القصار بهذا إتيان الأجنبية في دبرها حكاه الباجي.
وقيل: إنه يلحق بالزنا قاله ابن الماجشون ومثله في الموازية حكاه الشيخ أبو محمد.
قلت: وهو نص كتاب القذف من المدونة قال بعض شيوخنا: وربما أجري القولان على إباحة ذلك في الزوجة لزوجها وحرمة ذلك والمساحقة لا حد فيها بل فيها الأدب ومقداره راجع إلى اجتهاد الحاكم قاله ابن القاسم.
وقال أصبغ: مقداره خمسون كذلك نقله الباجي وغيره، ونقل أبو محمد عنه بزيادة ونحوها وضعفه لعدم الدليل على تعين هذا العدد.
(وعلي القاذف الحر الحد ثمانون وعلى العبد أربعون في القذف وخمسون في الزنا والكافر يحد في القذف ثمانين):
القذف في اللغة الرمي قال الله تعالى: (ويقذفون من كل جانب* دحورًا)[الصافات:8، 9]
في الاصطلاح. قال ابن الحاجب: وهو ما يدل على الزنا واللواط والنفي عن الأب أو الجد لغير المجهول، وإنما قال لغير المجهول؛ لأن المجهولين لا تعلم صحة أنسابهم إلى آبائهم المعينين، ولذلك لا يتوارثون وسلمه ابن عبد السلام وغيره.
واعترضه بعض شيوخنا بأن فيه تكرر الثاني إذ هو يسمي زنى ولذلك أدخله في حد الزنا كما تقدم وإلا خير إذ المجهول لا نسب له يعرف لا يتصور فيه قال: والقذف الأعم نسبة آدمي غيره لزنا أو قطع نسب مسلم والأخص بإيجاب الحد نسبة آدمي مكلف غيره حرًا عفيفا بالغا مسلمًا أو صغيرة تطيق الوطء لزنا أو قطع نسب مسلم فيخرج قذف الرجل نفسه، وهو من الكبائر لوجوب الحد فيه.
وما ذكر الشيخ أن مقدار حده ثمانون هو كذلك بإجماع لقوله تعالى: (والذين يرمون المحصنت ثم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة)[النور: 4]
وما ذكر في العبد هو مذهب الجمهور، وبه قال الخلفاء الأربعة.
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مع آخرين هو كالحر لعموم الآية.
وما ذكر الشيخ ولو كان سكرانا، وهو كذلك في قول وظاهر كلامه، ولو كان القاذف أبا لابنه وهو كذلك قاله ابن القاسم في المدونة بعد أن ذكر أن مالكًا استثقله.
وقال أصبغ: لا يحد وعلى الحد فنقل الشيخ أبو محمد عن ابن القاسم في الموازية أنه لا تقبل شهادة الولد في شيء لقوله تعالى: (فلا تقل لهما أف)[الإسراء: 23]
وضعف الشيخ عز الدين الحكم له بحده؛ لأنه إنما يفسق لارتكاب كبيرة والقاضي يحكم بالمنع من المعاصي، وذكر ابن عبد السلام الخلاف في حده له بصريح القذف وتعريضه ولابن محرز مثله، ونقل أبو محمد عن ابن الماجشون أنه لا يحد في تعريضه بابنه.
(ولا حد على قاذف عبد أو كافر):
اختلف إذا قال لعبده وأبواه حران مسلمان لست لأبيك فالأكثر على أن السيد يضرب الحد، ونقل اللخمي عن سحنون عن أشهب أنه قال: لا حد على من قطع نسب عبد، وإن كان أبواه حرين؛ لأنه يصح أنها أتت به، وزعمت أنها ولدت فلا يكون قاذفا لواحد منهما.
وفي المدونة في أوائل الرجم يحد قاذف المجنون وفي القذف منهما كل ما لا يقام الحد فيه ليس على من رمي به رجلاً حد الفرية.
قال بعض شيوخنا: وكان يجري لنا مناقضة ما ذكرناه من قولها قال: ويجاب بحمل قولها في الرجم على المجنون الذي يفيق أحيانا.
(ويحد قاذف الصبية بالزني إن كان مثلها يوطأ، ولا يحد قاذف الصبي):
ما ذكر في الصبي هو كذلك، وما ذكره في الصبية هو المشهور، وقال ابن عبد الحكم، وابن الجهم: لا حد عليه.
قال اللخمي: والأول أحسن للحوق المعرة لها بذلك قال الفاكهاني: وذهب بعض الشيوخ وأظنه أبا محمد صالح إلى أنه لو قذف صبي بأنه فعل به لكان الحد على قاذفه للحوق المعرة كالصبية.
(ولا حد على من لم يبلغ في قذف ولا وطء ومن نفى رجلاً من نسبه فعليه الحد):
الإجتماع على أن من شرط الحد التكليف ولذلك حمل بعض شيوخنا قول اللخمي في النكاح الثالث إذا أشرف على البلوغ ولم يحتلم فقال مالك مرة: يحد إذا زنا على ثبوت البلوغ بالإثبات.
(وفي التعريض الحد ومن قال لرجل يا لوطي حد):
يريد مثل أما أنا فلست بزان أو جدي معروف وما ذكر هو قولنا، وقول جمهور العلماء وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يؤدب خاصة وهذا بخلاف النكاح والصرف وبيع الطعام بالطعام فإن التعريض فيه جائز.
ويؤخذ من كلام الشيخ أن التعريض في الجانب العلي كالصريح، وهو أخذ أحروي وهو كذلك وبه الفتوى والحكم قديما وحديثًا.
واختلف المذهب إذا قال زنت رجلاه أو يداه وشبههما على قولين فذهب ابن القاسم في المدونة إلى ثبوته ونفاه أشهب في المثالين نقله ابن يونس عن محمد عنه.
واختلف إذا قال مالك أصل وشبهه على ثلاثة أقسام: فقيل: لا يحد قاله في الموازية والعتبية، وقيل: يحد قاله أصبغ، وقيل: إن كان المقول فيه من العرب حد له وإلا فلا، وهي زاهي ابن شعبان لو قال مولي لعربي أنا خير منك حد له وقاله الزهري، وكذلك لو كانا ابني عم قاله أحدهما لصاحبه، وفي هاتين المسألتين خلاف وبهذا أقول.
(ومن قذف جماعة فحد واحد يلزمه لمن قام به منهم ثم لا شيء عليه):
ظاهر كلامه سواء قذف كل واحد واحدًا أو قذفهم جميعا بكلمة واحدة، وهو قول مالك في المدونة وهو أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرها اللخمي.
وقيل: بتعدد الحد مطلقًا حكاه ابن شعبان، وقيل: إن اجتمعوا وقاموا به فحد واحد وإلا تعدد الحد قاله المغيرة، وابن دينار، وأما لو تكرر القذف لواحد فإنه لا يتكرر الحد على المعروف وحكى ابن الحاجب فيه خلافًا قال: ولو قذف قذفات لواحد أو جماعة فحد واحد على الأصح، وثالثها: إن كان بكلمة واحدة فتعقبوه بأن ظاهره ثبوت الأقوال الثلاثة في الواحد والجماعة، وإنما هي في الجماعة حسبما تقدم.
وذكر الشيخ أبو عمران الصنهاجي أن لهذه المسألة نظائر من ذلك من اشترى شياها مصراة فعليه صاع واحد كشاة واحدة.
وقيل: عليه في كل واحدة صاع، ومن قال: أنا أنحر ولدي وله أولاد فعليه هدي واحد وقيل في كل واحد هدي ومن فرط في قضاء رمضان فلم يقضه حتى دخل عليه رمضان آخر ثان وثالث فعليه كفارة واحدة، ومن كرر الوطء في رمضان فعليه كفارة واحدة.
واختلف إن وطئ ثم كفر ثم وطئ ومن كرر اليمين بالله في شيء واحد فليس عليه إلا كفارة واحدة، ومن كرر الطيب في الحج فليس عليه إلا فدية واحدة وإذا ولغ الكلب في إناء واحد ثم كلاب فسبع يجزئ عن جميعها، ومن حلف بصدقة ماله ثم حنث فليس عليه إلا ثلث ماله، وقيل: ثلث ما بقي، ولو قال لجماعة أحدكم زان فإن قام بعد بعضهم فلا يحد بلا خلاف، وإن قام عليه جميعهم فكذلك واستبعد ابن رشد في رسم العرية من سماع عيسى ومن قذف رجلاً فحد له، ثم قذفه ثانية فإنه يحد قاله في المدونة في كتاب الرجم، وفي الكافي يزجر عن ذلك ولا حد عليه.
قال بعض شيوخنا: وفي اقتصاره على ما ذكره فقط دون ما في المدونة وغيرها نظر ولو ضرب بعض الحد ثم قذفه أو غيره فقال ابن القاسم: يستأنف حينئذ الحد إلا أن يبقي يسيرا فيكمل ثم يستأنف.
وقال أشهب مثله إلا أن يمضي يسير فيتمادى ويجزئ لها معًا.
(ومن كرر شرب الخمر أو الزنى فحد واحد في ذلك كله وكذلك من قذفه جماعة):
مثل هذا إذا تكررت موجبات الوضوء فوضوء واحد يجزئ وأما لو شرب الخمر وقذف فلا يتعدد أيضًا للاتحاد على المنصوص وخرج اللخمي فيه خلافًا من الخلاف الذي تقدم في قذف الجماعة.
وأما إذا زني وقذف يتعدد الحد على المشهور قال ابن حارث وذهب عبد الملك إلى الاستغناء بحد الزنى لكونه أكثر وقول الشيخ، وكذلك من قذف جماعة معترض لكونه سبق ذكره ونبه عليه الفاكهاني رحمه الله تعالى.
(ومن لزمته حدود وقتل فالقتل يجزئ في هذا إلا في القذف فيحد قبل أن يقتل):
إنما استثنى القذف للحوق العار، وقال في المدونة: إن شهد عليه أنه زنى وهو بكر ثم زنى بعد أن أحصن رجم، ولم يجلد، وقال اللخمي: القياس أن يجلد ثم يرجم؛ لأن الضرب غير جنس القتل.
(ومن شرب خمرا أو نبيذا مسكرا حد ثمانين سكر أو لم يسكر ولا سجن عليه):
ظاهر كلامه، وإن كان قليلاً وهو كذلك من غير تفصيل بين المسكرات عندنا وللحنفية تفصيل فيما يحرم من الأشربة ويحل يطول ذكره وظاهر كلامه إن كان بدويا وادعى جهل التحريم، وهو كذلك عند مالك، وأصحابه إلا ابن وهب فإنه قال: لا يحد ويعزر، وفعله عمر والقولان نقلهما محمد بن المواز.
واختلف إذا أكل الحشيشة هل يلزم فيها الحد كالخمر أو يؤدب خاصة لأنها مفسدة وليست بمسكرة أو الفرق بين أن تخمر فالأول وإلا فالثاني؟ على ثلاثة أقوال: وكذلك الثلاثة في بطلان صلاة من صلى بها، وأما جورة الطيب فنص ابن هارون على أنها مسكرة، وأنها طاهرة واعترض بذلك قول ابن الحاجب والجمادات مما ليس من حيوان طاهرة إلا المسكر.
قلت: وما ذكره لا أعرفه وكذلك أنكره شيخنا أبو محمد رحمه الله تعالى حسا ومعنى فإن العيان خلافه لأن التواتر على أنها جامدة فقط، وليست بمسكرة ولذلك يجوز أن تعمل للأدوية إن كانت منفردة بقيد اليسارة والشهادة على شرب الخمر إن كان مما يشربها لكونه كافرًا أو مسلمًا عاصيا ثم تاب عمل عليها اتفاقًا وإلا فقولان.
قال ابن القصار: لا يعول عليها، وقال الباجي يعول عليها وعليه العمل عندنا بإفريقية فإنه شك شهود الرائحة فإن كان من أهل الخير ترك وإلا نكل قاله في سماع ابن القاسم في العتبية والموازية وإن شهد شاهدان بأنها رائحة خمر وآخرون بنفي ذلك فالمعروف ثبوت الحد.
واختار ابن عبد السام عدمه كأحد القولين في اختلاف المقومين في المسروق.
قلت: ولهاتين المسألتين نظائر من ذلك إذا شهد أن فلانا قتل فلان وشهد آخرون انه كان حينئذ في بلدنا بحيث لا يمكن قتله فقال سحنون: يقتل لأن من أثبت حكما أولى مما نفاه وهو مشهور المذهب.
وقال القاضي إسماعيل: يقضي ببينة البراءة ولا يقتل وكذلك وقع الخلاف فيما إذا شهدت بينة بالعدم وأخرى بالملاء على ثلاثة أقوال ثالثها: يقضي بأعدل البينتين فإن تكافأت قضي ببينة الملاء، وكذلك إذا عدلت البينة رجلاً وجرحته أخرى فقيل بينه الجرح أولى.
وقيل: يقضى بالأعدل، وكذلك إذا شهدت بينة أنه نكح في المرض المخوف، وأخرى في الصحة وذكر هذه المسألة ابن حارث، وذكر فيها ثلاثة أقوال ابن خويزمنداد وذكر فيها ثلاثة أقوال: ثالثها: يقضي بالتي هي أرجح وإليك النظر في بقية
النظائر، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يسجن، وإن كثر ذلك منه، وهو كذلك وعليه العمل.
وقال ابن حبيب إن المشهور بالفسق لا بأس أن يطاف به ويشهر واستحب مالك أن يلزم السجن.
(ويجرد المحدود):
قال مالك: وتترك له يداه يتقي بهما ولا تشد بالحبال، وقاله على بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال الباجي عن محمد: لا يتولى ضرب الحد قوي ولا ضعيف، ولكن وسط الرجال. قال مالك: وكنت أسمع أنه يختار العدل ويضرب في الظهر والكتفين دون سائر الأعضاء، ولأبي زيد عن ابن القاسم إن ضرب على ظهره بالدرة أجزأة، وما هو بالبين.
قال الشيخ أبو محمد عن ابن عبد الحكم: أحب إلى أن يكون ضرب الحدود بين يدي القاضي لئلا يتعدى فيها.
(ولا تجرد المرأة إلا مما يقيها الضرب، ويجلدان قاعدين):
لأنها عورة واستحسن مالك أن تجعل في قفة.
(ولا تحد حامل حتى تضع ولا مريض مثقل حتى يبرأ):
لأنه يخشى عليهما الموت وليؤخرهما وينظر للجلد اعتدال الهواء مطلقًا على المشهور وقيل: لا يؤخر في الحر قاله في الموازية والحق أنه خلاف في حال كما قاله بعض الشيوخ.
قال اللخمي: إن كان ضعيف الجسم يخاف عليه الموت من الحد سقط وسجن وإن كان الحد قصاصًا رجع إلى الدية، وفي كونها في ماله أو على العاقلة قولان وإن كان حد قذف فمن حق المقذوف تفريق ذلك عليه، وكذلك حد الزنى والشرب.
(ولا يقتل واطئ البهيمة وليعاقب):
لولا قوله وليعاقب لا حتمل قوله أن يقام عليها أنه يحد حد البكر فكأنه قال: ولا يحد واطئ البهيمة وليعاقب، وما ذكر هو المشهور، وقيل: يحد قاله ابن شعبان، وقال الطرطوشي: لا يختلف قول مالك إن البهيمة لا تقتل وإن كانت مما يؤكل أكلت.
(ومن سرق ربع دينار ذهبًا أو قيمته يوم السرقة ثلاثة دراهم من العروض أو وزن ثلاثة دراهم فضة إذا سرق من حرز):
قال بعض شيوخنا: السرقة أخذ مكلف حرًا لا يعقل لصغره أو مالا محترما لغيره
نصابًا أخرجه من حرزه بقصد أخذه خفية لا شبهة له فيه.
وما ذكر الشيخ أنه يشترط أن يكون مقدرا المسروق ربع دينار أو ثلاثة دراهم هو مذهب الجمهور، وقال الحسن وغيره: ويقطع فيما سرق مما تكون له قيمة وإن قل واحتجوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده".
وتأوله الجمهور كما قاله البخاري قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أنه مما يساوي دراهم واضطرب العلماء في مقدار ما يقطع فيه على عشرة أقوال محلها المطولات.
وظاهر كلام الشيخ أن التقويم لا يكون إلا بالدرهم من غير اعتبار غالب مما يباع به ذلك العرض، وهو كذلك على المشهور، وهو ظاهر المدونة ونص الموازية وقيل: يبنى على الأغلب قاله الأبهري وعبد الوهاب وتؤول على المدونة وقيل: إن التقويم لا يكون إلا بالذهب ولو كان المسروق دراهم حكاه ابن حارث عن ابن عبد الحكم وبه قال الشافعي، ونقل عبد الحق عن بعض شيوخ صقلية أن السرقة إن كانت في بلد إنما يتعامل فيه بالعروض قوم في أقرب البلدان إليه التي يتعامل فيها بالدراهم.
قال ابن رشد: وهو خطأ صراح إذ قد تكون ببلد السرقة كاسدة لا قيمة لها فيه، وفي قيمة بلد الدراهم كثيرة فيؤدي إلى قطع اليد في أقل من نصاب، ويريد الشيخ أنه إذا سرق ما يقطع فيه مرة واحدة، وأما لو كان عن تكرار فلا يقطع مطلقًا.
وقال سحنون: إلا في فور واحد، قال في المدونة: ولو سرق ثوبًا قيمته دون النصاب وفيه دنانير أو دراهم لا يشعر بها قطع بخلاف حجر، أو خشبة فيهما ذلك، وقيدها اللخمي بما إذا كان الثوب مما جرت العادة أنه يحمل فيه الدراهم كالصر وإلا فشبهة تدرأ الحد.
ونص أصبغ على أن من سرق ليلا عصا مفضضة وفضتها ظاهرة، وقال: لم أر الفضة بالليل فإن رئي أنه لم ير ذلك لم يقطع، وأقام ابن رشد من مسألة المدونة مثل ما قال ابن كنانة فيمن حلف أن لا يأخذ من فلان درهما فأخذ منه قميصًا وفيه درهم مصرور وهو لا يعلم ثم لما علم رده إنه إن كان مما تجعل في مثله الدراهم فهو حانث، وإلا فلا. قال أشهب: لا شيء عليه، وقال ابن القاسم: إنه حانث ورد ابن عبد السلام الإقامة المذكورة بأن البابين مختلفان لما قد علمت أن الحدود تدرأ بالشبهات وإن
الحنث يقع بأدنى سبب وتردد المغربي هل هذا مما يفرق به أم لا؟ وعزا بعض شيوخنا ما وقع التفرقة به لنفسه.
(ولا قطع في الخلسة ويقطع في ذلك يد الرجل والمرأة والعبد):
يعني به الخطفة وألحقوا بذلك إذا رئي وهو في الحرز فهرب بما معه فإنه لا يقطع.
واختلف إذا تركه وأحضر من يشهد عليه وهو قادر على منعه على ثلاثة أقوال ففي الموازية: لا يقطع وقاله مالك، وقال ابن القاسم يقطع وكلاهما نقله الشيخ أبو محمد، وقيل: الفرق بين أن يشعر برؤيتهم له فيفر فلا يقطع؛ لأنه مختلس وبين أن لا يشعر بذلك فيقطع لأنه سارق وذكره ابن شاس عن بعض المتأخرين وعزا ابن هارون الأول لمحمد فقط، ولم يعز الثالث إلا لمالك.
قال بعض شيوخنا: ولا أعرفه لغيره.
(ثم إن سرق قطعت رجله من خلاف ثم إن سرق فيده ثم إن سرق فرجله ثم إن سرق جلد وسجن):
ما ذكر الشيخ من صفة الترتيب هو مذهبنا وذهب عطاء إلى أنه لا تقطع منه رجل، وإنما تقطع الأيدي فقط، وما ذكر من أنه إذا سرق في الخامسة أنه يجلد ويسجن هو المشهور، وقال أبو مصعب: يقتل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، ولو كانت اليد اليمني شلاء فقيل: إن الرجل اليسري تقطع.
وقال أبو مصعب: تقطع الشلاء ومثله عن ابن وهب نقله ابن زرقون وعنه تقطع إذا كان ينتفع بها ذكره اللخمي عن مختصر ما ليس في المختصر والقولان الأولان في المدونة قال فيها: إن سرق ولا يمين له أو له يمين شلاء قطعت رجله اليسري.
قال مالك ثم عرضتها عليه فقال: امحها، وقل تقطع يده اليسري وقوله في الرجل اليسري أحب إلى وبه أقول، وتقدم أن هذه من الممحوات الأربع وإليك النظر في بقيتها لو قطع الجلاد أو الإمام اليسرى عمدًا فله القصاص والحد باق وإن كان خطأ فإنه يجزئ خلافًا لابن الماجشون والعقل له.
(ومن أقر بسرقة قطع وإن رجع أقيل وغرم السرقة إن كانت معه وإلا أتبع بها):
يريد إذا كان طائعا وأما إذا كان أقر بها من غير طوع ففي ذلك خمسة أقوال ذكرها اللخمي فقيل إقراره، كالعدم قاله مالك، وقال سحنون: يعول على إقراره.
وقال أشهب: بالأول إن لم يعين، وبالثاني إن عين وعرف أنها للمسروق منه.
ووقع لابن القاسم ما يقتضي أنه لا يؤخذ إلا أن يعين وينضاف إلى ذلك ما يدل على صحته كقوله اجترأت.
وقال مالك في المدونة: إن عين السرقة قطع إلا أن يقول دفعها لي فلان، وإنما أقررت لما أصابني ولو أخرج دنانير لم يقطع؛ لأنها تعرف.
قلت: وجرت عادة أمراء إفريقية بضربه الضرب الوجيع كالخمسمائة سوط والالف فإن اعترف ربما أمروا بقتله لكونه محاربًا لإتيانه بالسلاح وليس بحكم شرعي، وإنما الخلاف السابق في الضرب اليسير أو التهديد بالقول أو بالسجن والله أعلم.
وإن رجع عن إقراره إلى شبهة سقط القطع باتفاق وفي غير شبهة روايتان وتثبت السرقة بالبينة كالإقرار بها طوعا.
وفي المدونة: وينبغي للإمام إذا شهدت عنده بينة على سرقة أن يسألهم عن السرقة ما هي؟ ويكف هي ومن أين أخذها؟ وإلى أين أخرجها؟ كما يسألهم في الزني، وأراد بقوله: ينبغي على الوجوب وظاهره سواء كانوا عالمين بالأحكام الشرعية أم لا، وهو كذلك خلافا لسحنون في قوله: إنما يسأل من كان جاهلا، ومعنى كما يسأل في الزني إشارة إلى الضبط فيما ذكر فقط؛ لأن المعروف أنه لا يشترط معاينة إتيان بينة السرقة للشهادة بها، وفي نظائر أبي عمران الصناجي اشترط ذلك، ولم يحك غيره وتبعه القرافي.
قال بعض شيوخنا: وهو وهم وظاهر كلامه أنهما انفراد بذلك وليس كذلك بل ذكره ابن حارث في كتابة المسمي بأصول الفتوى عن مالك ولم يحك غيره ولفظة قال المغيرة: سمعت مالكًا يجيز شهادة الأفذاذ في كل شيء من النكاح والطلاق والعتاق والقذف وشرف الخمر ما خلا الزنا والسرقة.
(ومن أخذ في الحرز لم يقطع حتى يخرج السرقة من الحرز)
قال ابن الحاجب: الحرز ما لا يعد الواضع فيه في العرف مضيعا للمال ثم قال رحمه الله وظهرو الدواب حرز فحمله ابن هارون على ظاهره دون تقييد.
وقال ابن عبد السلام: كذا قال في المدونة: وظاهر سياق الكلام هنا أن ذلك مشروط بما إذا كان معه ربه ما لم يخرج إلى الخلسة. قال بعض شيوخنا: وفيما قاله نظر؛ لأن لفظها والدور حرز لما فيها غاب أهلها أو حضروا وكذلك ظهور الدواب
وبهذا اللفظ نقلها ابن يونس ولم يقيدها.
واختلف إذا سرق القناديل من المسجد على ثلاثة أقوال: فقيل: القطع فيها ثابت قاله أصبغ وابن الماجشون، وروي عن مالك وقيل بنفي القطع قاله أشهب وقيل: إن كان عليها غلق قطع، وإلا فلا والثلاثة لابن القاسم، وفي الحصر خمسة أقوال الثلاثة المذكورة.
وقال سحنون: إن ربط بعضها ببعض قطع وإلا فلا، وعن ابن القاسم إن سرقها نهارا لم يقطع، وإن سرقها ليلا قطع، وسمع عيسى بن القاسم: من سرق أبواب المسجد قطع وللشيخ أبي محمد عن الموازية قال أشهب: لا قطع في بلاط المسجد، وقال أصبغ: يقطع.
(وكذلك الكفن من القبر):
ظاهر كلامه: ولو كان القبر في الصحراء، وهو كذلك ومثله إذا ألقي الميت في البحر فهو كالقبر وسواء شد في خشبة أم لا؛ لأنه قبره ونص عليه ابن شاس، وما ذكر أنه يقطع سارق الكفن هو مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة وغيره إنه لا يقطع، وقال ربيعة: إنه محارب.
(ومن سرق من بيت أذن له في دخوله لم يقطع):
مثله الرجل يدخل إلى حانوت التاجر ليشتري منه فيسرق فإنه لا يقطع للإذن له في الدخول، اللخمي إن سرق أحد الزوجين من مال الآخر فإن كان من موضع لم يحجر عليه لم يقطع، وإن كان من موضع محجور بائن عن مسكنهما قطع، وإن كان معهما في بيت واحد فسرق من تابوت مغلق أو من بيت محجور معهما في الدار والدار غير مشتركة.
فقال ابن القاسم: يقطع وفي الموازية لا يقطع وعدم القطع أحسن إن كان القصد بالغلق التحفظ من أجنبي يطرقها وإن كان ليتحفظ كل واحد منهما من الآخر قطع وإن سرق الزوج من شيء شورها به ولم يبن به قطع على القول بأنه وجب جميعه لها وعلى القول الآخر انه مترقب لا يقطع كما لو كانت أمة فأصابها وتقدم الخلاف في حصر المسجد وشبهها ولو أخرها إلى هنا لكان أولى.
(ولا يقطع المختلس):
قال الفاكهاني: انظر لم كرر الاختلاس، وقد تقدم وهو ساقط هنا في بعض النسخ، ولكن هو في روايتنا.
(وإقرار العبد فيما يلزمه في بدنه من حد أو قطع يلزمه وما كان في رقبته فلا إقرار له):
خالف أشهب رحمه الله في إقراره بالقتل فقال: لا يلزم كإقراره بالمال
والمعروف لا قطع عليه إذا سرق من مال سيده مطلقًا، وقيل: يقطع فيما حجر عليه قاله في مختصر الوقار، وبه قال أبو مصعب ويريد الشيخ بالعبد من فيه شائبة رق كالمدبر، وأم الولد، وهذا ما لم يعين السرقة فإن عينها حلف السيد على نفي دعوى المدعى.
وأما المأذون وشبهه فإقراره معمول به ومن ادعى على عبد دعوى فلا يمين عليه، وكذلك السفيه على معروف المذهب وفي أحكام ابن سهل لأبي محمد الأصيلي توجه اليمين عليه بذلك متعقبنا قول الأندلسيين بسقوطها واحتج بتوجه اليمين على من أحاط بالدين بمالة وعلى ذات الزوج بدعوى أكثر من ثلثها.
قلت: ورده بعض شيوخنا: بأن السفيه لا يجوز إقراره ولو لزمته اليمين فإن له يوجب نكولها غرمه لم تكن له فائدة فإن وجبت لزم إعمال إقراره وإقرار من أحاط الدين بماله لازم وكذلك الزوجة فيما ادعى عليه بأكثر من ثلثها بمعارضة إن كانت الدعوى بها وإن كانت بعطية منعت توجيهها عليه فتأمله.
قلت: ولا يتخرج قول الأصيلى في العبد لأن المال للسيد.
(ولا قطع في ثمر معلق ولا في الجمار في النخل، ولا في النغم الراعية حتى تسرق من مراحها وكذلك التمر من الأندر):
قال الفاكهاني يريد إذا كان في الحائط قال: وأما النخلة تكون في الدار فإنه يقطع سارقها قاله ابن المواز.
قلت: وظاهر كلام الشيخ ولو كان على الثمر غلق، وهو كذلك عند ابن الماجشون، وقال ابن المواز: لو دخل سارق دارًا فسرق من ثمرها المعلق في رأس النخلة فإنه يقطع قال اللخمي: فيلزم عليه إذا كان النخل أو الكروم أو غيره من الثمار عليه غلق، وعلم أنه أحيط به من السارق أو كان لا غلق عليه حارس أن يقطع.
واختلف قول مالك إذا سرق من الزرع بعد حصاده وهو في موضعه لم ينقل على موضع الحرز، وفي المدونة من احتمل بعيرا من القطار في مسيرة وبان به فإنه يقطع.
وقال ابن يونس: وروى ابن المواز: وإذا سيقت الإبل والدواب للرعي، وهي تسار غير مقطورة فمن سرق منها قطع ما لم تنته للرعي والمقطورة أبين وكذلك الزوامل، وكذلك إن رجعت من الراعي، وهي تسار غير مقطورة وقد خرجت من حد الرعي ولم تصل إلى مراحها فإنه يقطع سارقها.
قال اللخمي: اختلف إن سرق منها، وهي سائرة إلى المرعى أو راجعة منها ومعها من يسوقها فقيل: يقطع وقيل: لا
(ولا يشفع لمن بلغ الإمام في السرقة والزنا)
ظاهر كلام الشيخ، وإن كان السارق والزاني قد تابا وحسنت حالتهما، وهو كذلك وحديث ماعز مع الغامدية يدل عليه.
(واختلف في ذلك في القذف):
قال الشيخ أبو الحسن اللخمي رحمه الله تعالى: اختلف قول مالك في حد القذف هل هو حق الله أو للمقذوف لجعله مرة للمقذوف وأجاز عفوه وإن بلغ الإمام، ومرة جعله لله فلم يجز العفو ولو قبل الإمام إلا أن يريد سترا على نفسه ولم يختلف أن عفوه جائز إذا أراد سترا، وهذا يسحن فيمن لم يعرف بذلك، وكان ذلك منه فلتة.
وقال ابن رشد في المقدمات: لا خلاف أنه حق للمقذوف وهل هو حق لله تعالى في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدهما: أن فيه حقًا لله فلا يجوز فيه العفو بلغ الإمام أم لا. وهو دليل سماع أشهب وعليه يقيمه الإمام إن بلغ إليه صاحبه أو أجنبي.
والثاني: لا حق لله فيه تعالى ولصاحبه العفو مطلقًا وهو أحد قولي مالك في السرقة والرجم من المدونة.
والثالث: حق لصاحبه ما لم يبلغ الإمام فإذا بلغه صار حقًا لله، ولم يجز لصاحبه العفو عنه إلا أن يريد سترا وهو أحد قولي مالك.
قلت: فإذا عرفت هذا فاعلم أنه خلاف قول الشيخ؛ لأن ظاهر كلامه يقتضي أنه لا خلاف في العفو قبل بلوغ الإمام وليس كذلك، ولما ذكر ابن الحاجب أن حد القذف من حقوق الآدميين على الأصح قال: وعليهما تحليفه عليه.
قال ابن عبد السلام: أما عدم توجه هذه الدعوى على أنه حق لله تعالى فصحيح، وأما توجهها على كونه حقًا للآدمي ففيه نظر إلا لو كان حقًا ماليا، وأما إذا كان حقاً بدنيا فلا يلزم، وقد قال أشهب: فيما قدمنا أن القاتل إذا ادعى على ولي القتيل أنه عفا عنه ولم تتوجه هذه الدعوى ولم يحلف لها، واعترضه بعض شيوخنا بأن في كلامه الوهم من وجهين:
أحدهما: أن القاعدة لا يستشكل التخريج المطلق على أصل المذهب إلا لمخالفة المشهور وأما ما موافقته فلا هو ههنا موافق قال في كتاب الديات من المدونة ما نصه: وإن ادعى القاتل أن ولي الدم عفا عنه فله أن يستحلفه فإن نكل ردت اليمين على القاتل ابن يونس يحلف يمينا واحدة لا خمسين يمينا؛ لأن المدعي عليه إنما
كان يحلف يمينا واحدة أنه ما عفي عنه فهي اليمين المردودة.
الثاني: من اطلع على كلامه هذا يعقد أن المذهب أو المعروف منه عدم توجه دعوى العفو عن الدم وهو غلط فتأمله منصفًا.
(ومن سرق من الكم قطع):
ظاهر كلام الشيخ وإن كان المسروق من كمه نائمًا وهو كذلك باتفاق وكذلك الجيب زعم بعض الشيوخ الاتفاق عليه ويمكن أن يتخرج قول من أنه لا يقطع من أحد نقلي ابن شعبان وغيره في المودع إذا وضع الوديعة في جيبه فضاعت أنه ضامن وقد تقدم قول الحاجب في الحرز ما لا يعد الواضع فيه في العرف مضيعا للمال ومن سرق صبيا فإنه يقطع وقيل: بعكسه قاله ابن الماجشون.
وقال أشهب: بالأول إن كان لا يعقل. وبالثاني: إن كان يعقل، وقال اللخمي: أرى أن يقطع إلا أن يكون ببلد يخشي فيه على أطفالهم من السرقة.
وأما من سرق ما على صبي من حلى ففي الموازية: إن كان صغيرا لا يعقل، ولا حافظ له وليس في حرز لم يقطع وإلا قطع عليه.
قال الباجي: فأورد الروايتين على الإطلاق، وقال في المدونة: إن دهن رأسه ولحيته بدهن في الحرز ثم خرج فإن كان في الدهن ما يبلغ ربع دينار قطع وإلا فلا.
قال بعض شيوخنا: يقوم منها ما نص عليه ابن شاس، وابن الحاجب، أو من ابتلع درة وخرج فإنه يقطع ولا أعرفها بنصها إلا للغزالي في الوجيز.
(ومن سرق من الهري أو بيت المال أو المغنم فليقطع وقيل: إن سرق فوق حقه من المغنم فليقطع، وقيل: إن سرق فوق حقه من المغنم بثلاثة دراهم قطع):
لا خلاف أن من سرق من الهري أنه يقطع وهو موضع يختص بالطعام.
قال الفاكهاني: رويناه بتشديد الياء والقول بأنه يقطع في الغنيمة هو لابن القاسم والقول بأنه لا يقطع لابن الماجشون، وصوب لتحقق الشركة وقيل: لابن القاسم في كتاب السرقة من المدونة أليس له فيها حصة؟ قال: قال مالك، وكم تلك الحصة ففهم منه أن القطع إنما هو مع كبر الجيش وقله الغنيمة ولو انعكس الفرض لكانت كمسألة الشريكين، والقولان في العتق الثاني من المدونة لابن القاسم وغيره ولم يذكر في السرقة غير ابن القاسم.
وما ذكر الشيخ أنه يقطع إذا سرق من بيت المال، وهو كذلك باتفاق وعلل ذلك في كتاب العتق من المدونة بأن من له فيها حق باق لأنه لا يورق عنه ولما ذكر ابن