الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاجب أن من سرق من مال شركة لم يحجب عنه فإنه لا يقطع قال بخلاف بيت المال والغنائم المحجورة فإنه كالأجنبي على المشهور.
قال ابن عبد السلام: فظاهره أن الخلاف فيهما وليس كذلك إذ الاتفاق في بيت المال على القطع.
قلت: والصواب أنه إنما قصد ذكر الخلاف في الثانية خاصة؛ لأن قوله ما بخلاف بيت المال أي فإنه يقطع وقوله الغنائم أي: وبالخلاف في الغنائم فهي مسألة مستقلة بذاتها والله أعلم.
ولو أراد فهما عنه لقال على المشهور فيهما والله أعلم.
(ويتبع السارق إذا قطع بقيمة ما فات من السرقة في ملائه ولا يتبع في عدمه):
المراد بالملإ أن يكون من حين السرقة إلى حين القطع عند الأكثر وعند أشهب إلى حين القديم، وقيل: لا يغرم إذا أتلفها مطلقا لقول عبد الوهاب عن بعض شيوخنا غرمه استحسان والقياس عدمه، وقيل: عكسه نقله اللخمي عن حكاية ابن شعبان قائلا، وقاله غير واحد من أهل المذهب.
قلت: وهو الصواب لأن القطع إنما هو لله بدليل أن عفوه لا يرفع عنه القطع.
(ويتبع في عدمه لما لا يقطع فيه من السرقة):
ما ذكر متفق عليه فيما علمت كما أنه إذا قطع وهي قائمة فربها أحق بها.
باب في الأقضية والشهادات
قال الأبهري: القضاء في اللغة: على وجوه: مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه، قال الله تعالى:(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض)[الجمعة:10]
وفي الاصطلاح: قال بعض شيوخنا: صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ الحكم الشرعي، ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين فيخرج التحكيم وولاية الشرطة وأحكامها وأخواتها والإمامة، وقول بعضهم هو الفصل بين الخصمين واضح قصوره.
وطلب خطة القضاء على ثلاثة أقسام: فيجب عليه إذا كان من أهل الاجتهاد والعدالة ولا يكون هناك قاض أو يكون ولكن لا تحل ولايته وتستحب في مثل إذا كان هناك عالم مجتهد خفي علمه على الناس فأراد أن يشهره بولاية القضاء ليعلم الجاهل ويفتي المسترشد ويحرم في مثل إذا كان ليس من أهل العدالة، والأصل أن ذلك مكروه إلا لعارض ولم تزل العلماء قديما وحديثا يهربون من الحصول فيه ولما طلب ابن وهب
للقضاء استخفى عند بعض الناس فأشرف عليه رجل من أصحابه فقال: يا أستاذ ما بالك لم تتقدم تحكم بين الناس بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "يا فلان بينا أنا أرجو أن أحشر في زمرة العلماء أو زمرة الأنبياء أحشر في زمرة القضاة وزمرة السلاطين لا أفعل ذلك أبدا".
وبقي ابن الأغلب يطلب سحنون بن سعيد نحوا من عام وهو يمتنع منه حتى حلف له لئن لم تتقدم لأقدمن على الناس رجلا من الشيعة فتقدم لما تعين عليه على شروط شرطها عليه، ولم يتقدم عبد الله بن فروخ في القيروان إلا كرها ثم لما جلس في الجامع فرح الناس له وكبروا حتى سمع الأمير تكبيرهم من قصره فلما أتى الخصماء يدلون بالحجج جعل لا يأتي له رجلان يدليان بحجتهما إلا بكى ويقول: يا فلان ويا فلان أترضيان أن أدخل النار بسبب حكمي بينكما ناشدتكما الله إلا ما قمتما عني ويقومان عنه وبكى كثير من الناس لبكائه فقيل للأمير: إن لم يعفه يموت من البكاء فقال لهم قولوا له: أخبرني من يتولى القضاء بعدك، وأعفيك فقال: إن كان ثم أحد فما ثم إلا ابن غانم فأعفاه، وتقدم ابن غانم وكذلك عيسى بن مسكين رضي الله عنه لم يتول القضاء إلا بعد إشراف على الموت حسبما هو مذكور في محله، وبالجملة فإن المتقدمين رضي الله عنهم على قدر هروبهم منه وبعدهم على جلالة قدرهم طلب أهل زماننا القرب من بعضهم بالتصريح، وبعضهم بالإشارة وبعضهم بصحبة السلطنة أو من ينتمي إليها إلى غير ذلك فشتان ما بين الفريقين فإنا لله وإنا إليه راجعون وللقضاء شروط كمال وشروط وجوب محلها المدونة.
(والبينة على المدعي واليمين على من أنكر):
هذا مخصوص عندنا بوجهين:
أحدهما: التدمية فإنه لا يفتقر فيها إلى بينة عند مالك والليث وكل العلماء على خلافهم.
والثاني: المغصوبة تحمل بينة وتدعي الوطء لها الصداق كاملا اتفاقا فيما قد علمت، ويكفي في البينتين شاهدان.
وفي العتبية ما ظاهره أنه لابد من أربعة، قال ابن عبد السلام: وليس بصحيح وإذا ادعى المديان على رب الدين عدمه لزمته اليمن أنه ما يعلم عدمه فإن نكل حلف المدين، حكاه المتيطي رحمه الله في باب النفقات عن جماعة من الفقهاء قال: ونحوه لابن شعبان وبه كان يفتي ابن الفخار.
قلت: وكان الشيخ أو اسحاق بن عبدالرفيع حكم به بتونس فترك أكثر الناس حقوقهم من أجل اليمين فحكم بعدم توجهها عموما واستمر عليه العمل إلى الآن، وبه أفتى بعض شيوخنا فيمن لا يظن به علم حال المدين لبعده عنه وعلى الأول فاختلف إذا توجهت اليمين على المطلوب فقيل: يحلف على البت، قاله أبو عمران.
قيل: على العلم إذ قد يكون مالك مالا من إرث أو هبة، ولم يعلم.
قال الشيخ ابن رشد: وقول أبي عمران ظاهر المجموعة وأشار اللخمي على أن من كان ظاهر الفقر بدناءة حاله وصناعته كالبقال والخياط ممن شأن أهلها العدم يقبل قوله في العدم ولا يحبس إلا أن تكون الدعوى في يسير عومل فيه في صنعته فلا يصدق حتي يثبت ذلك، وللمدعى عليه أن يسأل عن السبب قاله أشهب.
واختلف إذ قال المدعي: نسيت هل يقبل قوله بغير يمين أو به؟ على قولين
لأشهب والباجي.
(ولا يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة كذلك قضى حكام أهل المدينة):
مراده بالظنة التهمة التي تنزل منزلة ثبوت الخلطة كالدعاوى على الصناع حسبما نص عليه يحيى بن عمر وألزمه الباجي المنتصبين للتجارة في الأسواق، وذكره ابن شاس غير معزو لإلزام الباجي.
واعترضه ابن هارون وكذلك دعوى الغريب بأنه وضع وديعة عند من يكون أهلا لها في الديانة، والأمانة، والمتهم بالسرقة، وكذلك الرجل يقول عند موته إن لي عند فلان دينا هذا معنى ما أراد الشيخ بالظنة، والله أعلم.
وقول المغربي: قالوا: أراد بالخلطة المعاملات وبالظنة الغصب والتعدد بعيد، وقال شيخنا أبو مهدي رحمه الله تعالى: بل هو الأقرب؛ لأنه ظاهر المدونة قال فيها: ومن ادعى قبل رجل دين أو غصبا أو استهلاكا فإن عرف بمخالطته ومعاملته أو علمت تهمته فيما ادعى قبله من التعدي والغصب ينظر فيه الإمام فإما أحلفه أو أخذ له كفيلا حتى يأتي ببينة وإن لم تعلم خلطته أو تهمته فيما ذكرنا لم يعرض له، وما ذكر الشيخ من ثبوت الخلطة هو المشهور.
وقال ابن نافع: لا تشترط، حكاه ابن زرقون ولم يحفظه أكثر شيوخ المذهب كابن حارث وابن رشد قائلا: مذهب مالك وكافة أصحابه الحكم بالخلطة، وبقول ابن نافع: قال الأندلسيون: واستمر عليه العمل بإفريقية وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وغيرهما، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم "لو يعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وربما رواه سحنون باسناده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" إذا كانت بينهما خلطة.
وقد تقدم أن المطلق يرد إلى المقيد قالوا: حديثنا أشهر رواية وأثبت نقلا قلنا: هذا لا يمنع من رد المطلق إلى المقيد إذا اشتركا في الصحة وإنما يمنع من ذلك الطعن في رواية أحدهما ثم يترجح ما ذكرناه من جهة المعني، وهو أن الحرج والمشقة تلحق الناس بالأيمان لاسيما أهل الديانات.
واختلف إذا اقام المدعي البينة بالخلطة فردها المدعى عليه بعداوة أو جرحة هل
تتوجه اليمين بهذه الدعوى أم لا؟
فقال ابن القاسم عن مالك: إنها لا تتوجه وقيل: لابد من توجهها حكاه أبو بكر بن محمد بن اللباد ولم يسم قائله، ويقوم منه أن من شهدت عليه بينة أنه تعرض إلى الجانب العلي وجرحها أنه لا يطلق بل ينكل ثم يرسل.
وبه قال الشيخ أبو اسحاق القابسي رحمه الله تعالى: كأنه لم يشهد عليه إلا أن يكون ممن يليق به ذلك، ويكون الشاهدان من أهل التبريز فأسقطهما بعداوة فهو وإن لم ينفذ الحكم عليه بشهادتهما فالأرجح ظن صدقهما وللحاكم هنا في تنكيله موضع اجتهاد، والله أعلم وهو ولي الإرشاد، ذكره عنه أبو الفضل عياض في الشفاء ولا يتخرج من رواية ابن القاسم أنه يرسل مطلقا لحرمة الجانب العلي، ولقد بعدنا عن كلام الشيخ فلنرجع إليه.
(وقد قال عمر بن عبدالعزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور):
معناه ما أحدثوا من الفجور مما ليس فيه نص تستنبط أحكامه مما وق النص فيه بحسب الاجتهاد وظاهر كلام الشيخ أنه لم يحفظه حديثا وذكر ابن وضاح أنه حديث، وأن ابن عاصم كان يحلف الناس بالطلاق تغليظا عليهم متأولا الحديث على ذلك قال: فذكرت ذلك لسحنون فلم يرتضه.
(وإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي فيه معرفة):
قال شيخنا أبو مهدي رحمه الله: قصد الشيخ بقوله فيما يدعي فيه معرفة إلى أن القاضي لا يقلب عليه يمين التهمة، وفيها يقول ابن رشد في أجوبته، واختلف في توجيه يمين التهمة وفي انقلابها، والأظهر أنها إذا توجهت أن لا ترجع إذ لا يكلف أن يحلف على ما لا يعرف، قال: والذي أره في ذلك أن تلحق يمين التهمة إذا قويت وتسقط إذا ضعفت.
وقال عبد الحق في النكت المعروف عدم توجهها، ذكر ذلك في كتاب الوكالة.
قلت: وقال ابن زرقون: مذهب المدونة في تضمين الصناع والسرقة أنها تتوجه، وقاله ابن زرقون: مذهب المدونة في تضمين الصناع والسرقة أنها تتوجه، وقاله غير ابن القاسم في غير المدونة، وقال أشهب: لا تتوجه وعلى الأول فالمشهور لا تنقلب وفي سماع عيسى أنها تنقلب ولابن رشد مثل ابن زرقون، وما قاله شيخنا في فهم كلام الشيخ فيه نظر؛ لأن كلامه إنما دل على أنه مطالب أن لا يحلف إلا في الأمر البين، وهل يوجه عليه القاضي ما قال في ذلك مسكوت عنه فليس في كلامه جلاء لا ينفي ولا بإثبات، والله أعلم.
واختلف المذهب هل يبدأ أو لا بيمين من توجه عليه الحلف أم لا؟ على ثلاثة أقوال: فقيل: يبدأ أولا به ثم يؤمر من حلف له بإحضار ما وجب عليه، وقيل: لا يحلف حتى يحضره، واستمر عليه العمل عندنا بتونس، وذكر القولين أبو حفص العطار فذكر الأول عن نفسه، والثاني عن عبد الواحد.
وقيل: يكفي أن يشهد المطلوب أنه مليء بحقه، ويحلف الطالب ثم يرفع له ولا تقبل منه بينة بالعدم ولم يحك أكثر شيوخ المذهب غيره كابن أبي زمنين وفضل ويؤخذ ذلك من قول جنايات المدونة ومن جنى عبده جناية فقال أبيعه وأدفع الأرش من ثمنه فليس له ذلك إلا أن يضمن وهو ثقة مأمون أو يأتي بضامن ثقة فيؤخر اليوم واليومين.
وزعم بعض شيوخنا أنه إنما يؤخذ منها القول الثاني الذي عليه العمل، وسمعت شيخنا أبو مهدي غير ما مرة بذكر أن القول الثاني لا يوجد لغير المتأخرين من التونسيين، وفيه نظر إذ هو في تعليقة أبي حفص العطار عن عبدالواحد، وهو غريب فاعلمه.
فإن قلت في عد قول عبد الرحمن نظر لأن أبا حفص ذكر أن المسألة وقعت لعبد الواحد مع امرأة وأن اليمين توجهت عليه.
قلت: لا نظر فيه؛ لأن فتواه ليست بقاصرة عليه، وإنما هي متعدية، وقد ذكروا أن العبد إذا روى حديثا يقتضى عتق نفسه فإنه لا يقدح، وقد أفتى مالك في أم ولده لما استحقت بأخذ قيمتها فقط.
قال عياض: فحكم فيها بقوله وليس في كلام الشيخ ما يدل على شيء من الأقوال الثلاثة بل كلامه أعم لمن تأمله.
وإذا تم نكوله بقوله: لا أحلف وشبهه ثم أراد أن يحلف فليس له ذلك.
قال في كتاب الديات من المدونة فيمن قام له شاهد بحق وأبي أن يحلف ورد اليمين على المطلوب ثم بدا له أن يحلف فليس له ذلك، وأما إذا التزم المدعى عليه اليمين ثم يريد الرجوع إلى إحلاف المدعي فهل له ذلك أم لا؟
فقال أبو عمران: له ذلك وأباه الشيخ أبو القاسم بن الكاتب وإذا امتنع المدعى عليه عن إقرار وإنكار فروى أشهب أنه يحبس حتى يجيب بأحد الأمرين وصححه بعض الشيوخ بقوله: إن طال سجنه ينبغي أن يحمل عليه السوط وفي المسألة أقوال أخر لم أذكرها لطولها.
(واليمين بالله الذي لا إله إلا هو):
ما ذكر الشيخ هو المشهور وقيل: يزاد عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم،
رواه ابن كنانة وبه قال الشافعي كذا عزاه ابن الحاجب لرواية من ذكر وعزاه ابن رشد لقوله في المدونة لا لروايته وظاهر كلام الشيخ لو قال بالله فقط، أو قال: والذي لا إله إلا هو فإنه لا يكفي، وهو كذلك نص عليهما أشهب، وهو ظاهر المدونة.
قال الشيخ: والذي يقتضيه قول مالك أنها يمين مجزئة.
قال: وهو أحسن؛ لأنه لا خلاف أن من حلف بذلك فحنث أن الكفارة عليه.
قلت: يرد بأن هذا الباب أخص فيطالب فيه بكمال التهويل، والله أعلم.
وقاله بعض شيوخنا، ولما ذكر المازري قول أشهب قال: وحمل بعض أشياخي على مالك أنه يرى الاكتفاء بقوله والله فقط وإنما يتعلق في هذا بقوله في كتاب اللعان يقول بالله وليس مقصود مالك في اللعان بيان اللفظ المحلوف به.
قال بعض شيوخنا: وإنما اختصت اليمين بهذا الاسم المعظم دون سائر أسمائه تعالى التسعة التسعين؛ لأن أسماء الله تعالى كلها صفات ما عدا هذا الاسم فإنه مخصوص به غير صفة بل هو علم، وقد قال سيبويه: الأعلام مختصرات الصفات، معناه إذا ذكر الاسم العلم فكأن صفاته مذكورة معه لاشتهاره وعدم خفائه إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في كتب العربية.
(ويحلف قائما ويحلف عند منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر وفي غير المدينة يحلف في ذلك في الجامع، وحيث يعظم منه)
وظاهر كلام الشيخ: أن حلفه قائما شرط، وهو ظاهر رواية ابن القاسم ورواية ابن كنانة يحلف جالسا، وظاهره أنه لا يشترط استقبال القبلة، وهو ظاهر نص المدونة.
وقال مطرف وابن الماجشون: يحلف مستقبل القبلة حكاه اللخمي، وابن يونس عنهما.
وظاهر كلامه أيضا أنه لا يعتبر وقت الصلاة، ولو كان المال عظيما، وهو كذلك في مشهور المذهب، وروى ابن كنانة أنه يعتبر ذلك فيه وعليه يحمل قول ابن الحاجب وقيل: بوقت الصلاة يعني به في المال العظيم هذا الذي أعرفه في المذهب.
وقال الفاكهاني: التغليظ يكون بالمكان والزمان ثم قال: وأما الزمان فبعد العصر قال الأبهري: لأن من شأن أهل الدين أن يرتعدوا في الأوقات الشريفة، والمواضع المعظمة هذا هو الغالب من أهل الدين.
وقال الفاكهاني: وكذلك ينبغي أن يضاف إلى ما بعد العصر زمان رمضان ليله
ونهاره لا سيما ليلة القدر منه ويوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم الجمعة فإنها أوقات مشرفة في الشرع معظمة عند الناس.
قلت: وفيما ذكر نظر من وجهين:
أحدهما: أن ما ذكره من التغليظ بالزمان بعد العصر لا أعرفه إلا في اللعان على خلاف فيه حسبما قدمناه.
الثاني: كونه لم يذكر غيره من أن المذهب على خلافه فكلامه يوهم مطالعة أنه المذهب والله أعلم.
وظاهر كلام الشيخ أيضا: إن لم يبلغ ربع دينار أنه لا يحلف في الجامع، وهو كذلك نص عليه عبد الملك قائلا: يحلف في مكانه الذي قضي عليه فيه.
وقال ابن الحاجب: يحلف في مسجد من المساجد وتممه بعض الشيوخ بقوله: فإن لم يكن عندهم مسجد حلف كما قال عبد الملك ولا يكلفه الانتقال إلى الجامع، وأما المرأة فقال في المدونة: تخرج فيما له بال من الحقوق فإن كانت من لا تخرج نهارا فلتخرج ليلا وتحلف في اليسير في بيتها إن لم تكن ممن تخرج ويبعث القاضي إليها من يحلفها، ويجزئ رجل واحد.
وقال عياض في بعض النسخ: لم يذكر نهارا فقيل: يحتمل أنها لا تخرج جملة وهي التي لا تنصرف ولا تخرج من نساء الملوك فيبعث إليها الإمام من يحلفها، ولا يترك خصمها لامتهانها هكذا ذكره عبد الوهاب، وهذا فيما يطالبن به ونحوه لابن كنانة في المدونة.
وقد حلف سحنون أمثال هؤلاء في أقرب المساجد إليهن وأما شيوخ الأندلسيين فرأوا أنه لا بد من خروج هؤلاء فإن امتنعت حكم عليها بحكم الملك، وليس بصواب وفسر أبو محمد الذي له بال بربع دينار، وفي كتاب ابن حبيب مثله في قوله: إنهن كالرجال يحلفن في الجامع في ربع دينار فصاعدا وذهب بعض شيوخنا أنهن بخلاف الرجال، وإن الذي له بال في حقهن هو المال الكثير وأما ربع دينار ونحوه فلا يحلفن فيه في المسجد وكذلك قال محمد.
قلت: وقال اللخمي في كتاب محمد: تحلف المرأة في بيتها في أقل من ربع دينار وفي دينار فأكثر في الجامع فيحمل نقل عياض على ما ذكره ونقل ابن يونس عن ابن الماجشون مثل ما تاوله أبو محمد وعزا المتيطي هذا القول في النكاح لمطرف فقط.
(ويحلف الكافر بالله حيث يعظم):
يريد يقول: بالله الذي لا إله إلا هو فبالله من قوله ترجمة وإنما قلنا ذلك؛ لأنه رحمهالله تعالى اختصر المدونة على ذلك، ومثله فى كتاب محمد قال: يمين الحر والعبد واالنصرانى في الحقوق سواء وكذلك في كتاب ابن حبيب.
وذهب الشيخ أبو القاسم بن شبلون، وغيره، إلا أنه لا يلزم الكافر ذلك قالوا: لأنهم لا يوحدون، ولا يكلفون ما ليس من دينهم.
قال ابن محرز: وليس كذلك بل يحلفون كالمسلمين، ولا يكون ذلك منهم إيمانا، ونص عليه المتقدمون من علمائنا ويدل عليه استحلاف المجوس بالله، وهم ينفون الصالح تعالى الله عن قولهم اعتقادهم علوا كبيرا ولم يكن ذلك إيمانا.
قال المتيطي: واحتج ابن الهندي لعدم الزيادة بأن إلزامه ذلك إكراه في الدين والله تعالى يقول: (لا إكراه في الدين)[البقرة: 256]
وقال اللخمي: يلزم اليهودي الزيادة لأنهم يوحدون بخلاف النصراني المتيطي وفيه نظر لأن اليهود قالوا: عزير ابن الله.
وحكى ابن شعبان عن رواية الواقدي: يحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى.
وقال ابن المواز في مجوسية أسلم زوجها وتلاعنا فقالت: أقول والنار لا أحلف بالله فقال: لا تحلفي إلا بالله، وقال اللخمي: ينبغي أن يحلفوا بما يعظمون لما في ذلك من استخراج الحق كحلفهم في كنائسهم وبيعهم، وبيت نارهم، ولا فرق.
قال ابن هارون: هو بعيد.
قلت: وجه بعده أن الحلف بغير الله أشد من السير إلى ما ذكر.
وقال الشيخ أبو الحسن القابسي رضي الله عنه: ولو أراد المسلم أن يحلف الكافر يوم السبت فله ذلك.
وقال غيره من المتأخرين: ليس له ذلك والقولان حكاهما المازري فخصص بعضهم الخلاف اليهودي لأن النصراني لا يعظم يوما وعممه ابن عات فيهما. قال: لأن يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى كذا عزاه بعض شيوخنا والذي في الطرر عن نقل ابن فتحون إنما الخلاف في اليهودي فقط، ولولا الإطالة لذكرنا لفظه، ولما وقف بعض أصحابنا على كلامنا هذا استثبت شيخنا في نقله وأحضر له مختصر وطرر ابن عات وعرفني أنه أصلح تأليفه وعاجلني السفر إلى جزيرة جربة قاضيا فلا أدري
كيف أصلحه، ولا يحلفون في الكنيسة إلا في ربع دينار، وقال المشاور: الحكم كذلك في القليل والكثير حكاه ابن عات.
(وإذا وجد الطالب بنية بعد يمين المطلوب لم يكن علم بها قضى له بها، وإن كان علم بها فلا تقبل منه، وقد قيل تقبل منه):
ما ذكر أنه يعمل على البينة إذا لم يكن عالما بها هو كذلك باتفاق، وأما إذا كان عالما بها فذكر رحمه الله قولين فيها، والقول الأول هو نص المدونة، قال فيها: وإن استحلفه بعد علمه ببينة تاركًا لها وهي حاضرة أوغائبة فلا حق له إلا أن قوله تاركا لها، قال أبو إبراهيم سقط في بعض المواضع فقيل اختلاف.
قلت: وعلى القول باشتراطه فهل المراد تصريحا أو إعراضه كاف وعليه الأكثر في ذلك تأويلان عليها حكاهما عياض والقول الثاني من كلام الشيخ رواه ابن نافع وبه أخذ ابن وهب، وأشهب، وهو قول الليث وغيره كالشافعي.
قال ابن يونس: واستحسن بعض فقهائنا القرويين إذا كان أمد البينة يطول عند القضاة ويشتد على الخصم ذلك أن له أن يحلف رجاء أن ينكل وله القيام بها، واختار اللخمي قولا ففصل فيه لم أذكره لطوله، وكل هذا إذا وجد شاهدان.
قال اللخمي: وأما لو وجد واحد، فقال ابن القاسم، وغيره: يحلف معه ويستحق، وقال ابن كنانة في الواضحة: ليس ذلك لأنه لا يسقط يمينا ولا درأ حقا بيمينه مع شاهده ولكن أتى بشاهدين.
قلت: وعزا القول الثاني أبو محمد من نقل ابن حبيب لمطرف وابن الماجشون وابن عبدالحكم وأصبغ ولم يذكر غيره وكذلك أكثر شيوخ المذهب كابن يونس وهو محمول على عدم العلم حتى يثبت العلم قاله سحنون في المدونة.
قال عياض: ثبت ذلك في كتاب ابن سهل لأحمد بن خالد، وابن أيمن عن ابن وضاح ولم يكن عند غيرهما، ولا في كتاب ابن عات، وهو صحيح على الأصل.
قلت: وبه الفتوى عندنا واستمر عليه عمل القضاة، ولا أعرف خلافه.
(ويقضي بشاهد ويمين في الأموال):
ما ذكره هو مشهور المذهب وذكر يحيى بن يحيى أنه لا يحكم به وذكر أن الليث بن سعد كان يفتي به قال أبو حنيفة وغيره وأطبقوا في قولهم حتى قال محمد بن الحسن: يفسخ القضاء به؛ لأنه خلاف القرآن.
(ولا يقضي ذلك في نكاح أو طلاق أو حد):
ما ذكر في مسألة النكاح هو نص المدونة في كتاب الأيمان بالطلاق. قال فيها: ومن ادعى نكاح امرأة أو أنكرته فلا يمين له عليها، وإن أقام شاهدا ولا يثبت نكاح إلا بشاهدين.
وقال ابن القاسم في الموازية: إذا ادعى الرجل على امرأة نكاحا أو العكس أن اليمين ساقطة ما لم يقم بذلك شاهد فلا بد من اليمين.
قال القاضي عبدالوهاب: فإن نكل جرى على اختلاف قول مالك في دعوى الطلاق مع الشاهد ونقل ابن الهندي لزوم اليمين بمجرد الدعوى لما روي أشبه شيء بالبيع النكاح.
ونقل ابن الحارث عن سحنون مثله، وإن كانا طارئين فالمجموع أربعة أقوال، واختلف إذا أقامت المرأة شاهدا بالنكاح على ميت.
قال ابن القاسم: تحلف وترث، وقال أشهب: لا ترث وقيل بالأول: إن لم يورث بقرابة أو ولاء، وبالثاني: إن ورث بذلك، وكذلك الثلاثة في دعوى الرجل النكاح عليها بعد موته، والثلاثة والأقوال حكاها ابن يونس في الصورتين في كتاب الشهادات وسبب الخلاف بين ابن القاسم، وأشهب في الدعوى إذا لم تكن بمال لكنها تؤول إليه ولا يقال لو صح هذا لا طرد في حال الحياة؛ لأن حال الحياة لا تترتب عليه أحكام أخرى كلحوق النسب.
قال ابن عبدالسلام: وقد ورد سؤالا وجوابا وما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في الطلاق هو كذلك إلا أنه يؤمر بأن يقرأ ويحلف فإن امتنع فاختلف في المسألة على أربعة أقوال حكاها المتيطي:
أحدها: لزوم الطلاق رواه ابن أبي زين، وبه قال أشهب.
قلت: وهو قصور إذ هو أحد الأقوال عن مالك في المدونة في آخر كتاب الأيمان بالطلاق، ولفظها: قال مالك: فإن نكل طلقت عليه مكانه ومثله في العتق الثاني وبه قال ابن عبدالحكم.
الثاني: أنه يسجن حتى يحلف أو يطلق وإليه رجع مالك.
الثالث: أنه يدين وتبقى له زوجته قاله بعض أصحاب مالك.
الرابع: أنه إذا مضى له أربعة أشهر من يوم إبايته عن اليمين فإنه يدخل عليه الإيلاء فإن استمر على الإبابة طلق علي بالإيلاء، وعلى القول بأنه يسجن اختلف في
قدره في ثلاثة أقوال عن مالك فقيل: سنة قال المتيطي: وعليه العمل.
قال ابن عبد السلام وذكره ابن القاسم في أواخر العتق الثاني من المدونة، وأطلق ذلك في الأيمان بالطلاق.
قلت: بل أطلق فيه أيضا، ولفظه وأنا أرى إن طال سجنه أن يخلي سبيله ويدين نعم هو قول له خارج المدونة كما لا شك فيه، وقيل: إن ذلك يرجع إلى اجتهاد الحاكم وقيل: يسجن أبدا وهو نص أيمانهم أيضا، وما ذكر في الحد هو كذلك باتفاق وكذلك في الأدب على المشهور.
وحكى ابن رشد قولا شاذا إنه يؤدب بالشاهد واليمين.
(ولا في دم عمد أو نفس إلا مع القسامة في النفس وقد قيل: يقضي بذلك في الجراح):
هو قول ابن سحنون يريد كقطع اليد أو موضحة عمدا.
وقوله: وقد قيل: يقضي بذلك في الجراح هو قول ابن القاسم في شهادات المدونة، وأشارالشيخ لتضعيفه بوجهين:
وهما فقد تقدم القول الأول عليه، وقوله: وقد قيل كقوله في اليتيم، وقد قيل: يتيمم لكل صلاة.
(ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال):
يريد وما لا يطلع عليه إلا هن كما يقوله الآن والوكالة لطلب المال واسناد الوصية التي ليس فيها إلا المال فيجوز فيها شاهد وامرأتان قاله مالك، وابن القاسم، ومنع ذلك عبد الملك وسحنون ومنع ابن القاسم في ذلك الشاهد واليمين واحتج عليه سحنون بذلك قائلا: كل موضع لا يقبل فيه شاهد ويمين لا تقبل النساء.
(ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد يقضي بذلك مع رجل واحد أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين):
مثل هذا في المدونة قال فيها: وإن شهدن لرجل أن فلانا أوصى له بكذا جازت شهادتهن مع يمينه وامرأتان في ذلك ومائة امرأة سواء يحلف معهن ويستحق، وقال فيها: إذا كانت بينة أحد المتداعيين رجلين أو رجلا امرأتين فيما تجوز شهادة النساءء فيه وبينة الآخر مائة رجل واستووا في العدالة فإنهم يسقطون وبقي الشيء في يد حائزه ويحلف فظاهر المدونة والرسالة أن الأمر كذلك حقيقة.
وقال اللخمي في الأول: هذا مبالغة ولا تستوي امرأتان مع مائة امرأة لأنه يفيد العلم. وقال في الثانية: محمل قول ابن القاسم على الغابات ولو كثروا حتى يقع العلم يصدقهن لقضى بهن؛ لأن القضاء باثنين لغلبة الظن وتبعه المازري على هذا وقال
بعض المغاربة انظر هل يسلم هذا للخمي أم لا.
قلت: وأفتى به بعض من لقيناه من القرويين غير ما مرة قال: وهو المذهب عندي ولا يفتقر إلى تزكية، ولا إلى تجريح مهما كثروا، وأول ما أفتى به بالقيروان في أمير شهد عليه أناس شتى بما يوجب عزله ولم يزكهم أحد من العدول وحكم القاضي بما أفتى له به. فعزله وأدبه.
ولم يرتضه شيخنا أبو مهدي عيسى الغبريني رحمه الله قال: وهو عندي خلاف المذهب؛ لأنه إذا قبل القاضي شهادتهم بمجرد كثرتهم فهو يحكم بعلمه، وقد علمت أنه لا يجوز هكذا سمعت منه غير ما مرة وقد كان أخبرني شيخنا الأول بأنه ناظره فيها ومرض اعتلاله هذا بأن الذي لا يحكم القاضي فيه بعلمه إنما هو إذا لم يكن مستندا لشهادة أحد، وفي هذا قد استند حكمه لشهادة من شهد فلا ريبة فقلت ذلك لشيخنا أبي مهدي في درسه فلم يقبله قائلا: لما لم يزك من شهد فهو كالعدم.
قلت: في فهم الشيخين نظر؛ لأن المسألتين المركب عليهما كلام اللخمي إنما هو إذا ثبتت عدالة من شهد ألا ترى إلى قول المدونة، واستووا في العدالة وإلى قول اللخمي لأن القضاء باثنين لغلبة الظن فهمها لم يزك من شهد ولو كثر عددهم جدا فلم يدخل في كلام اللخمي وإذا لم يدخل فلا شك أنها كالعدم ولا يختلف في ذلك والله أعلم.
(وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال وشبهه جائزة):
ظاهر كلامه أن شهادتهن في الولادة مقبولة، وإن لم يحضر الجسد، وهو كذلك عند ابن القاسم خلافا لسحنون.
وقال اللخمي: إن كانت المناكرة بقرب الولادة لا تجوز؛ لأنه يقدر على إظهاره وإن كان مقبورا وإن كان بعد طول لقدوم من ناكرها أو كانت الأم مقرة ثم أنكرت أن تجوز.
وأما شهادتهن في الاستهلال فتجوز باتفاق.
واختلف هل تجوز شهادتهن على أنه ذكر أو أنثى على ثلاثة أقوال: فأجازها ابن القاسم، لكن مع يمين القائم بشهادتهن وردها أشهب، وقال أصبغ: إن فات بالدفن والطول حتى تغير نظرت فإن كل فضل المال يرجع إلى بيت المال أو إلى العشير البعيد جازت كما قال ابن القاسم وإن كان يرجع إلى بعض الورثة دون بعض أخذت بقول
أشهب، ولو ادعى الزوج على زوجته عيب فرجها فقال ابن القاسم: لا ينظر إليها النساء وهي مصدقة وأنكره سحنون فإن كان العيب بغير الفرج مما هو عورة فقيل: تقبل فيه شهادة النساء.
وقيل: يبقر الثوب حتى ينكشف موضع العيب فيطلع عليه الرجال ولا تقبل شهادتهن حينئذ وعزا اللخمي القولين لأصبغ لغيره وعزاهما المازري للموازي ولغيرها.
قال بعض شيوخنا: والأول هو ظاهر الأيمان بالطلاق من المدونة ولو كان العيب بفرج الأمة فاختلف فيه البائع والمشتري فإنه تقبل فيه شهادتهن باتفاق، وإذا كان القاضي هو الباعث فاختلف هل يكتفي بامرأة واحدة؟ في ذلك قولان بناء على أنه من باب الخبرأم لا، واختار اللخمي أنه لا بد من امرأتين قائلا: لأن العدالة ضعفت وأراد الشيخ بقوله وشبهه كالرضاع وعيوب النساء.
(ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين):
يريد إذا كانت الخصومة في الدنيا وحطامها، وأما في الدين كما إذا شهد على أهل البدع فلا قاله سحنون، وكذلك لا تجوز شهادة المتهاجرين.
وقال ابن كنانة: إن كانت المتهاجرة خفيفة وقعت على أمر خفيف جازت الشهادة.
قال اللخمي: وهذا يحسن في المبرز في الصلاح، والخير قال: واختلف إذا اصطلحا بعد الخصومة فقال محمد: جائز، وقال مطرف ابن الماجشون: إن طال الأمد، وإن كان يحدثان ذلك فلا.
قلت: والصواب أنه خلاف في حال واختلف في أربعة أتوا متعلقين برجل شهدوا عليه بالزنا فمنعه ابن القاسم لأنهم خصماؤهم، وفي كتاب ابن حبيب جوازها، واستحسنه اللخمي؛ لأن الأصل منازعتهم في سبب الدين والظنين.
قال ابن رشد: قيل: هو المتهم في دينه، وقيل: هو المتهم في شهادته، واستمر العمل عندنا بافريقية على قبول شهادة الطلبة بعضهم على بعض.
قال ابن عات: قال الشعباني: تقبل شهادة القراء في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض لأنهم يتحاسدون كالضرائر والحسود ظالم لا تقبل شهادته على من يحسده.
وقال المتيطي في المبسوطة لابن وهب: لا تجوز شهادة القارئ على القارئ يعني: العلماء لأنهم أشد الناس تحاسدا، وقاله سفيان الثوري ومالك بن دينار، ويقوم من كلام الشيخ أن العدو لا يوكل على العدو وهو كذلك نص عليه أبو إسحاق بن
شعبان قائلا: لما نهي عنه من الضرر الضرار، وهو أيضا ظاهر ما في مديان المدونة قال فيها: ومن أدى عن رجل دينا بغير أمره أو دفع عنه مهر زوجته جاز ذلك إن فعله رفقا بالمطلوب، وأما إن أراد الضرر بطلبه وإعناته وأراد حبسه لعدم أو لعداوة بينه وبينه منع من ذلك كله ويقوم من كلامه أيضًا من أن القاضي لا يحكم على عدوه، وهو كذلك قاله أبو محمد في نوادره عن ابن المواز.
فإن قلت: لا نسلم أن هذا يقوم من كلام الشيخ؛ لأن حكم القاضي ظاهر فإذا حكم عليه سأل غيره من أهل العلم عن حكمه بخلاف الشهادة فإنها خفية؛ لأنه يشهد عن علمه، وبهذا الذي ذكرنا استدل الماوردي في الأحكام السلطانية في أنه لا يحكم على عدوه ولا يشهد نقله ابن الحاج في نوازله عنه.
قلت: ومن أحكام القاضي ما هو باطن أيضا كالتعديل والتجريح بلا فرق والله أعلم. ولهذا قال ابن الحاج: هو خلاف مذهب مالك وخلاف ما في نوازل سحنون من أقضية العتبية.
(ولا يقبل إلا العدول):
قال ابن الحاجب: العدالة المحافظة الدينية على اجتناب الكذب والكبائر وتوقي الصغائر وأداء الأمانة وحسن المعاملة ليس معها بدعة فإنها فسق.
وما ذكر الشيخ فهو مذهبنا وقال الشافعي: الناس محمولون على العدالة حتى يثبت نقيضها وظاهر كلام الشيخ ولو كان العدل مولي عليه السوء نظره في المال لا يجرحه، وهو كذلك رواه أشهب.
وقيل: لا تقبل شهادته، قال ابن المواز وأشهب وأخذ من كتاب الشهادات من المدونة.
(ولا تجوز شهادة المحدود ولا شهادة عبد ولا صبي ولا كافر):
ما ذكر الشيخ من أن شهادة المحدود لا تجوز هو كذلك باتفاق معناه إذا لم يتب كما يقوله الآن وما ذكر أن شهادة العبيد غير معمول بها هو كذلك باتفاق أهل المذهب وخارج المذهب قول بجوازها لغير السيد محتجا بقوله تعالى: (ممن ترضون من الشهداء)[البقرة: 282]
، وبقوله تعالى:(وأشهدوا ذوي عدل منكم)[الطلاق:2]
، والعبد قد يكون عدلا مرضيا ورد بأن الآيتين مخصوصتان بقوله تعالى:(ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا)[البقرة: 282]
، والعبد لا يتصرف إلا بإذن سيده.
قال ابن شعبان في زاهيه: قيل: ولو عتق العبد وشهد حينئذ فإنه ينظر في حاله
بخلاف الكافر إذا شهد حين أسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجب ما قبله" وكذلك الصبي قرب احتلامه.
وما ذكر أن شهادة الصبي لا تجوز هو كذلك باتفاق؛ لأنه غير مكلف، واختلف في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح للضرورة وإذا لم تجز شهادة الصبي فأحرى من لا عقل له والكافر لا تجوز شهادته باتفاق وخارج المذهب قول بجوازها في الوصية.
وأما شهادة المسلم على الكافر فإنه معمول بها نص على ذلك في المدونة وأقام منها بعض من لقيناه من القرويين أن شهادة الرعية على الوالي معمول بها؛ لأن العداوة العامة لا أثر لها قال: ونص على ذلك ابن جرير رحمه الله، وأول ما سمعت هذه الإقامة من شيخنا هذا حفظه الله تعالى لما نزلت بقاضي القيروان في واليها تعرض إلى الجانب العالي أسأل الله السلامة من ذلك فشهد عليه جماعة من أهلها وزكوا وعذر بذلك فسأله عنها فأفتاه بذلك وسلم له ذلك أهل العلم ببلدنا وغيرها وترد الإقامة، وإن كنت أقول بموجبها؛ لأن العداوة التي بين المسلم والكافر إنما هي دينية، وقد علمت أنه لا أثر لها بخلاف العداوة التي بين الرعية والوالي إنما هي دنيوية والعداوة الدنيوية معتبرة والله أعلم.
(وإذا تاب المحدود في الزنا قبلت شهادته إلا في الزنا):
اعلم أنه إذا ثبتت التوبة لا يشترط مضي زمان بل التوبة كافية، وقيل: لابد من مضي ستة أشهر، وقيل: لابد من سنة، وما ذكر الشيخ رحمه الله من أن شهادة المحدود في الزنا وكذلك شهادة من حد في شيء لا تجوز شهادته فيه هو كذلك على المشهور، وبه قال سحنون.
وقال ابن كنانة وأصبغ وروي عن مالك أنها تقبل واختاره الأبهري. قال المازري: وهو مذهب الكتاب وعزاه ابن يونس لبعض شيوخه ولم يرتضه قائلا: ليس في الكتاب دليل عليه والقياس هو قول سحنون والجماعة الفرق على مذهب ابن كنانة بين ولد الزنا ومن حد في شيء أن ولد الزنا لا يندفع عاره بالتوبة وغيره يندفع كاندفاع الكفر بالإسلام وضعف ابن يونس هذا الفرق وزعم أنها في الجميع باقية؛ لأنها إذا بقيت في ولد الزنا وليس الزنا من فعله كانت في الزاني أبقى؛ لأنه من فعله.
واختلف متى ترد شهادة القاذف فقال عبد الملك إذا عجز عن اثبات ما ادعاه وحق عليه القذف، وقال ابن القاسم وأشهب وسحنون بل حتى يحد وكلاهما حكاه ابن تونس. واختلف هل يجوز أن يولي ولد الزنا القضاء أم لا؟ على قولين لسحنون والباجي وعلى الأول فهل يمنع أن يحكم في الزنى أم لا؟ على قولين لسحنون وأصبغ.
(ولا تجوز شهادة الابن للأبوين ولا هما له):
ما ذكر الشيخ أن شهادة الابن للأبوين وهما له لا تجوز هو معروف المذهب وحكى بعض الشافعية عن مالك أن شهادته لأبيه مقبولة.
قال المازري: وهي حكاية منكرة وربما كانت وهما، وأما شهادة الأب لابنه فلا خلاف أنها لا تقبل وليس المراد بالأبوين دنية، وإنما المراد عموما، وكذلك الأبناء وإن سفلوا.
وظاهر كلام الشيخ: أن شهادة الابن لأحد أبويه لا تجوز وهو كذلك عند سحنون. وقال ابن نافع: ذلك جائز ما لم تكن تهمة كموالاة الأب للابن بالصلة وقيل: إن كان مبرزا ويكون ما شهد فيه يسيرا فإنها جائزة قاله مالك في المجموعة والموازية، وفي شهادة الأب لأحد ولديه على الآخر إذا استوت حالتهما قولان لابن محرز وسحنون.
(ولا الزوج للزوجة ولا هي له):
ما ذكر هو قول مالك وأبي حنيفة وقال الشافعي بل هي مقبولة، وقال ابن أبي ليلى، والنخعي: تقبل شهادة الزوج لها دون العكس.
وظاهر كلام الشيخ إذا طلق الرجل زوجته طلاقا بائنا أن شهادته لها مقبولة، وهو كذلك قاله سحنون في العتبية قائلا: وإن كان له منها ولد، وقال عنه ابن عبدون: إنما تجوز إذا كان مليا ليس لولده حاجة إلى أمهم فإن كان عديما والولد في نفقة أمهم لم تجز.
قلت: وينبغي أن يكون هذا مفسرا لما قبله.
واختلف هل يشهد الرجل لربيه أم لا؟ على قولين لابن القاسم وسحنون.
(وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه):
ظاهر كلام الشيخ سواء كان مبرزا أم لا، ومثل هذا الإطلاق وقع في شهادة المدونة، ووقع في أول الشهادات منها اشتراط التبريز فقيل: اختلاف، وقيل: لا.
واختلف المذهب في شهادته له في المال على سبعة أقوال، هذان القولان،
والثالث: تقبل في اليسير دون الكثير قاله ابن كنانة.
والرابع: لأشهب إن كان مبرزا قبلت مطلقا وإلا قبلت في اليسير.
الخامس: أنها مردودة مطلقا.
والسادس: تجوز في غير الربع المتهم بجره إليه أو إلى ابنه كحبس مرجعه إلى ابنه.
والسابع: تجوز إن لم تنله صلته، وكلاهما حكاه الباجي، وكل هذا الخلاف إذا لم يكن الشاهد في نفقة أخيه المشهود له أو يتكرر عليه معروفه.
وأجاز ابن القاسم أن يعدل الأخ أخاه ومنعه أشهب في التعديل وصوب وكذلك الخلاف في تجريح من جرحه.
قال اللخمي: ويختلف في شهادته له في جراح الخطأ لأنها مال.
واختلف في شهادته له جراح العمد فالمعروف المنع؛ لأنه مما تدرك فيه الحمية والتعصب، وأجازها أشهب في العتبية والأول أحسن.
قلت: ولا يقال: إن أشهب ناقض أصله في التعديل؛ لأن التعديل ادخل في النفوس فيكتسب به شرفا زمانا طويلا ودائما فالتهمة فيه أشد وألزم والله أعلم.
قال ابن رشد: والمسائل التي يشترط فيها التبريز ست ما تقدم وشهادة الصديق الملاطف لصديقه وشهادة الشريك لشريكه في غير مال المفاوضة وشهادة المولى لمن أعتقه وشهادة الأجير لمن استأجره إذا لم يكن في عياله، وإذا زاد ونقص في شهادته.
(ولا تجوز شهادة مجرب في كذب أو مظهر لكبيرة ولا جار إلى نفسه ولا دافع عنها):
ظاهر كلامه أن الكذبة الواحدة لا أثر لها وهو كذلك ومثله أقام غير واحد من المتأخرين من قول المدونة ومما يجرح فيها الشاهدان عليه بين أنه شارب خمر أو آكل ربا أو صاحب قيان أو كذاب في غير شيء واحد فأفتى بصيغة فعال للمبالغة ليدل على التكرار، وأشار بقوله أيضا في غير شيء إلى الكذب الجائز لا يقدح كالكذب للصلح بين المتهاجرين، واشتراط الشيخ الإظهار في الكبيرة لا مفهوم له بل إذا شهد عليه أنه فعل حراما كبيرا مستترا فإنه يقدح كما هو ظاهر المدونة كما تقدم في لفظها.
ظاهر كلام الشيخ أن مظهر الصغيرة لا يقدح في شهادته وليس كذلك وقد تقدم لابن الحاجب أنه اشترط في العدالة توقي الصغائر وظاهر كلام ابن القاسم في العتبية أن من ترك الجمعة مرة واحدة إنها جرحة في شهادته وبه قال أصبغ، وقيل: إن تكرر تركه ثلاث مرات، قاله ابن الماجشون وغيره.
وأما من اقتصر على الزكاة فشهادته جائزة ونقل الباجي عن أصحابنا أنها ترد وسبب الخلاف هل ينتفي عنه اسم البخل أم لا؟ وقد أكثر الشيوخ الكلام فيما يجرح به الشاهد لأنه مضطر إليه فمن شاء فلينظره في المطولات.
قال الفاكهاني: وقول الشيخ ولا جار إلى نفسه فهو أن يشهد لشريكه في شيء من مال الشركة.
(ولا وصي ليتيمه وتجوز شهادته عليه):
مثاله من أعتق عبدا فلا تجوز شهادته لسيده أنه أدى دينه؛ لأنه يباع فيما على سيده من دين قال: وقوله: ولا وصي ليتيمه راجع في المعنى إلى قوله: ولا جار، وإنما كرره ليقول وتجوز شهادته عليه وذكر عبد الوهاب رواية أن شهادة الوصي على من يلي عليه لا تجوز لأنه يتهم في أن يريد أن يخرج عن أيديهم مالا قد تعين عليه حفظه ويسقط عن نفسه ما لزمه بقوله.
(ولا يجوز تجريح النساء ولا تعديلهن):
زاد في المدونة: لا للرجال ولا النساء وهو واضح لما تقدم من أن شهادتهن إنما هي جائزة في المال فإن قلت: لم لم يجز ذلك وهل هي شهادة على غير المال تؤول إلى المال؟ وقد علمت أن ابن القاسم أجاز شهادتين في ذلك.
قلت: قال بعض شيوخنا لما كان لا يقتصر تجريحهن على الشهادة التي شهدن فيها من جرحته بل يتعدى إلى غيرها أشبهت الحكم في البدن والله أعلم.
(ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضي):
أي هو عدل ف ينفسه رضي في أفعاله. قال الفاكهاني، ويريد الشيخ، وكونه من أهل اليقظة والتحرز نص على ذلك ابن عبد الحكم قائلا: قد يكون الرجل الخير الفاضل ضعيفا لا يؤمن علهي لغفلته، وقد يلبس عليه وتابعه على ذلك شيوخ المذهب كابن رشد والباجي ويكفي في تعديل الغير أن يقول هو عدل رضي ولا بد منها قاله ابن الجلاب كما هو ظاهر كلام الشيخ ووجهه أن الله تعالى قال:(وأشهدوا ذوي عدل منكم)[الطلاق: 2]
وقال عز من قائل: (ممن ترضون من الشهداء)[البقرة:282]
وزاد سحنون على الوصفين جائز الشهادة.
وقال بعض الأندلسيين: إن المعلوم من المذهب أنه إن اقتصر على أحد اللفظين من العدالة والرضى أجزأه، وروى ابن كنانة: يقبل إذا قال أعلمه وأعرفه عدلا رضيا جائز الشهادة ولا يقبل إذا قال لا أعلمه إلا عدلا رضيا.
وقال ابن عبد الحكم وغيره: يكفي أن يقول أراه عدلا رضيا، وليس عليه أن يقول هو عدل رضي عند الله ولا يقول أرضاه لي وعلي.
واعلم أنه لا يجب ذكر سبب التعديل بلا خلاف في المذهب، وذكر أرباب الأصول فيه خلافا، واختلف في سبب التجريح على أربعة أقوال: فقيل: يجب وقيل: لا وقيل: إن كان عالما بوجهه لم يجب قاله مطرف، وقيل: إن كان مبرزا لم يجب قاله أشهب.
قال ابن عبدالسلام: والأقرب أنه لابد من ذكره لاختلاف العلماء في كثير من أسبابه مع غموض بعضه وقد جرح أقوال من المحدثين ونسبوهم إلى أشياء هم منها براء، واستفسر بعضهم من جرحهم ما لا يصلح أن يكون جرحة، فقال بعضهم: رأيت فلانا يبيع ولا يرجح الميزان، وقال بعضهم: رأيته يغتاب بحضرته، ولا ينكر وجرح شاهد شاهدا فقال لما سئل عن الجرحة رأيته يبول وهو قائم فقيل له: وإذا بال قائما ماذا يكون؟ قال: يتطاير عليه بوله فقيل له: هل رأيته صلى به بعد ذلك فقال لا فظهر غلطه.
(ولا يقبل في ذلك ولا في التجريح واحد):
إنما لا يقبل في ذلك واحد؛ لأن التعديل والتجريح أمر ظاهر لا يخفى فشهادة
واحدة في ذلك ريبة وكذلك العدم لا يثبت بالشاهد واليمين وعلته ما ذكرناه، وكذلك النكاح والطلاق والعناق والولاء والنسب والإحباس، والوصايا لغير المعينين وهلال رمضان وهلال ذي الحجة وغيرهما، والموت والقذف والإيصاء، ونقل الشهادة لا يكون إلا بشاهدين.
قال الفاكهاني رحمه الله: وهذه المسألة سقطت في بعض النسخ وهي في روايتنا ثابتة، وهي على التقدير زيادتها صحيحة لا أعلم في ذلك خلافا.
(وتقبل شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير):
ما ذكر الشخ من أن الشهادة مقبولة فيما ذكر زعم ابن الحارث الاتفاق عليه،
وليس كذلك بل هو مشهور المذهب، وقيل: إنها باطلة كشهادتهم في المال قاله ابن عبد الحكم ومحمد بن صدقة ومطرف كذا عزاه ابن زرقون ولم يعزه ابن رشد إلا لمطرف كما أن اللخمي والمازري لم يعزواه إلا لابن عبد الحكم.
وظاهر كلام الشيخ أن شهادتهم في القتل لا تجوز وهو قول أشهب، وقال مالك: إنها مقبولة وهو المشهور والقولان في المدونة.
ولما ذكر الفاكهاني القولين قال بعد وظاهر الرسالة موافق لقول أشهب، وقد علمت المشهور ما هو فكأنه أشار إلى التعقب عليه لكونه كلامه إنما جاء على الشاذ، والمستقرأ من كلام الشيخ أنه لا يتعقب عليه بمثل هذا لأن طريقة أصحاب مالك طريقه مالك حسبما قدمنا ذلك عند قول الشيخ على مذهب مالك بن أنس رحمه الله وطريقته والمشهور اشتراط الحرية قال ابن زرقون وحكى القاضي عبدالوهاب في شرح الرسالة عن بعض متأخري أصحابنا أن شهادة العبيد منهم جائزة.
قلت: ولم يحفظه ابن رشد بل قال: لا أعلم في ذلك خلافا ولا بد أن يكون ممن يحكم لهم بالاسلام وممن يعقل الشهادة واعتبر ابن القاسم كونهم اثنين فصاعدا، وفي كتاب ابن مزين عن ابن نافع يقسم بشهادة الصبي الواحد وألزمه ابن هارون أن يحلف مع شهادته في الجراح، وتكون فيه الدية ومنع أشهب ومالك من المدونة شهادة إناثهم.
وقال ابن عبد السلام: في قول ابن الحاجب الإناث مطلقا، وفي المجموعة عن مالك تجوز شهادة غلام وجاريتين خاصة، وفي المدونة على المخزومي تجوز شهادة إناثهم.
وقال ابن عبد السلام: في قول ابن الحاجب، وفي اشتراط الذكورية قولان اضطرب المذهب في ذلك، وكذلك اختلف قوله المدونة في ذلك فظاهره أن قول مالك وابن القاسم اختلف فيها وليس كذلك.
ويقوم من كلام الشيخ أن شهادة النساء في الولائم، والأعراس مقبولة، وهو أحد قولي ابن الجلاب فذكر أولا عدم الجواز واعترض أصحابنا قبولهم قال: واعتبرها بشهادة الصبيان وذكرهما المازري روايتين.
فإن قلت: ما ذكرته يرد بقول سحنون لما قال له ولده يلزمك في غصب بعضهم من بعض في المال هذا موضع اتباع الماضيين ولا وجه للقياس فيما هو سنة أو كالسنة وقد فرقت الأئمة بين الدماء والأموال فقبلوا في الدماء ما لم يقبلوا في الأموال.
قلت: ما ذكره سحنون من أنه سنة أو كالسنة ممنوع بخلاف كثير من أهل العلم ممن ذكرنا من أهل المذهب وبه قال القاسم وسالم بن عبد الله من أهل المدينة، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وغيرهما وبقول القاسم وسالم بن عبد الله ضعف ابن عبد السلام قول ابن الحاجب، وعلى العمل بشهادتهم إجماع أهل المدينة ثم إن كلام سحنون إنما فرق الدماء والأموال مسألتنا من الأول.
(وإذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ثم يأخذ المبتاع أو يحلف ويبرأ):
يعني إذا باع رجل سلعة لرجل فيقول البائع بعتها بدينار مثلا ويقول المشتري بل بنصف دينار فإنه يحلف البائع أولا لقد بعتها بدينار ثم يقال للمشتري: اختر إما أن تدفع ما حلف عليه، وإلا فاحلف ويتفاسخا.
وظاهر كلامه ولو قبض المشتري السلعة وفاتت وإلى هذا ذهب أشهب في روايته قال: والقيمة تتنزل في الفوات منزلتها.
قال ابن بشير: وبه كان يتفي من أدركناه من محققي الأشياخ يريد كالمازري، وقيل: القول قول المشتري بنفس العقد عزاه بعض الشيوخ لكتاب ابن حبيب قال ابن بشير: ولم يوجد فيه وقيل: لا يكون القول قوله إلا إذا قبض السلعة وقيل: إذا بان بها وكلاهما رواه ابن وهب، وقيل: إذا قبضها المشتري وقبض البائع الثمن فالقول قول المشتري وإلا فلا حكاه الباجي وقيل يتحالفان ما لم تفت في يد المشتري بتغير سوق فأعلى فالقول قوله، رواه ابن القاسم عن مالك في المدونة قائلا: وثبت عليه، فالحاصل ستة أقوال.
وما ذكر الشيخ من أن المبدئ باليمين إنما هو البائع هو المشهور، وهو نص المدونة في كتاب الأكرية وقيل: بل يبدأ المبتاع قاله في العتبية وأخذه المازري من قول المدونة من تضمين الصناع إذا تجاهل الورثة الثمن يبدأ بوراث المبتاع أنهم لا يعلمون بما ابتاعها به أبوهم ثم ترد فإن فاتت لزمت ورثة المبتاع بقيمتها.
ولم يذكر ابن عبد السلام هذا الأخذ بل سأل نفسه هل يؤخذ منها أم لا؟ فقال: لا لأن الجهل عندهم يتنزل منزلة الفوات، وسلمه خليل رحمه الله ورده بعض شيوخنا بأنه لو كان كما قال للزم عدم ردها كفواتها، وقيل: يقرع بينهما قاله اللخمي، وقيل: يخير الحاكم قاله بعض شيوخنا المازري، ويحتمل أن يريد الشيخ بقوله إذا اختلف المتبايعان اختلافهما في جنس الثمن وقطع شيخنا أبو مهدي بأن هذا مراد الشيخ لكونه لم يقيد التخالف بعد الفوات فحمله على الأول يؤدي إلى حمله على غير
المشهور وحمله على الثاني جار على المذهب، وإن وقع الفوات فإذا دار الأمر بين حمله على الأول والثاني فحمله على الثاني أولى لما ذكرت.
قلت: وقطع الفاكهاني بحمل كلامه على الأول من غير احتمال عكس ما قاله شيخنا وزعم ابن الحاجب الاتفاق على التحالف في اختلافهما في الجنس كابن حارث وخرج عبد الحميد الصائغ قولا بأن يكون القول قول البائع من قول المدونة في تضمين الصناع فيمن صبغ ثوبا أسود فادعى ربه أنه إنما أمره بأحمر أن القول قول الصباغ مع اختلافهما في الجنس؛ لأن الصباغ يدعي أنه باعه نيلا ورب الثوب يدعي أنه اشترى عصفرا.
وفرق المازري بأن صاحب الثوب ما دفع إليه ثوبه فكأنه ائتمنه عليه، وبأن صاحب الثوب يدعي على الصباغ تعديا يوجب عليه تعمير ذمته بقيمة الثوب.
وقال ابن عبدالسلام في رد المازري: عندي نظر تركت جلب ذلك استغناء بما ذكره بعض الشيوخ يعني به: ابن زرقون عن ابن القاسم في الكراء إن القول قول الساكن إن أشبه.
قلت: ظاهره أن القول المخرج قول ابن القاسم وليس كذلك بل القول المخرج هو أن القول قول البائع وقول ابن القاسم في الساكن يوجب أن القول قول المشتري فهي ثلاثة أقوال.
(وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما حلفا وقسم بينهما وإن أقاما بينتين قضى بأعدلهما فإن استويا حلفا وكان بينهما):
ما ذكر أنه يقسم بينهما هو كذلك باتفاق وذلك أن كلا منهما له شبهة لحوزه فجعله بينهما عدل وما ذكر من أنه يقضي بأعدل البينتين هو المشهور وروي عن مالك أنه لا يرجح بها.
وقال ابن عبد السلام: وهذه الرواية إما أن تكون مبنية على القول بنفي الترجيح في الأدلة وإما أن تكون لا ترجح بذلك ويكون الترجيح بغير ذلك، وهو الأقرب.
قلت: قال بعض شيوخنا ولا أعرف هذه الرواية لنقل غيره ولم يعزه ابن رشد إلا للمخزومي وبعض أهل العلم وعزاه ابن حبيب لبعض علمائنا والمشهور لا يرجح بكثرة العدد وهو قول المدونة.
وروى ابن حبيب أنه يرجح بذلك وجمع بعض الشيوخ بين المسألتين وذكر فيها ثلاثة أقوال: ثالثها: يرجح العدالة دون زيادة كثرة العدد، قال القرافي في توجيه
المشهور والمقصود من علم القضاء إنما هو قطع النزاع والعدالة أقوى من زيادة العدد؛ لأن كل واحد يمكنه زيادة العدد في الشهود ولا يمكنه ذلك في مزيد العدالة.
ورده ابن عبد السلام بأن من رجح بزيادة العدد لم يقل به كيف ما اتفق وإنما اعتبر مع قيد العدالة فليس بسهل حينئذ.
ووجهه المازري بأن الشارع لما قيد شهادة الزنا بأربعة والطلاق باثنين وقيد في المال بالواحد مع اليمين دل على أنه لا تأثير للعدد.
واختلف قول ابن القاسم هل يترجح الشاهدان على الشهاد واليمين والشاهد والمرأتين أم لا؟
قال ابن عبدالسلام: فإن قلت: هب أن رجحان الشاهدين على الشاهد واليمين ظاهر للاختلاف في قبول الشاهد واليمين فما السبب في رجحانهما على الشاهد والمرأتين.
قلت: لما نبه عليه بقوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)[البقرة: 282]
من زيادة مزية الرجلين على الرجل والمرأتين.
(وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد بزور قاله أصحاب مالك):
ظاهر كلامه يقتضي أن جميع أصحاب مالك فرقوا بين أن يعترف أنه شهد يزور أم لا فإن شهد به غرم، وإن قال شبه علي فإنه لا يغرم وتبع في هذا النقل ابن المواز وليس كذلك بل قال ابن القاسم ومطرف وأصبغ في الواضحة: إنه يغرم مطلقا، وهو ظاهر كتاب السرقة من المدونة قال فيها: إن رجعا عن عتق أو طلاق أو دين أو قصاص أو حد أو غير ذلك فإنهما يضمنان، وهذا القول كذا عزاه ابن رشد وهو الصواب عندي لقول أصحابنا العمد والخطأ في أموال المسلمين سواء وكذلك قال في أحكام الشعبي من أفتى بغرم ما لا يجب فقضى به غرمه قاله أصبغ بن خليل، ولم يرتض بعض شيوخنا ما قلناه فقال: الخطأ كالعمد في الأموال باتفاق المذهب ولذلك رجع غير واحد القول الثاني فما وجه القول الأول؟
قلت: إنما وقع الاتفاق على أن الخطأ كالعمد في فعل غير المأذون له في الفعل، وأما المأذون له في الفعل فليس كذلك كالراعي بضرب الشاة ضرب مثلها فتهلك فلا يضمن والوكيل على شراء عبد يشتري أبا الموكل خطأ فإن لا ضمان عليه، والشاهد لما كان مطلوبا بالشهادة صار كالمأذون له في الفعل منضما إلى أن الأصل عدم التفريط
وعدم الضمان.
وفيما قاله شيخنا نظر؛ لأن هذا الفرق لو صح لا طرد وبيان عدم اطراده ما ذكرناه عن أحكام الشعبي بأن المفتي مأذون له بل هو مأمور بذلك ولا سيما إن لم يكن في ذلك الإقليم غيره.
وقد قال رحمه الله: ما تقدم من ضمانه لم يحك غير ذلك في كتاب الغصب من تأليفه، ولو رجع الشاهد بعد الحكم وقبل الاستيفاء فإن كان مالا نفذ، وإن كان دما ففيه خلاف، وإن كان قبل القضاء فلا ينفذ خلافا لأبي ثور.
قال في المدونة في كتاب السرقة: لو أدب لكان لذلك أهلا، وقال سحنون: لا يؤدب كالمرتد.
(ومن قال رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك أو قراضك فالقول قوله):
ما ذكر من أن الوكيل على البيع إذا قال دفعت إليك ثمنه إن القول قوله هو كذلك وكلامه رحمه الله تعالى أعم من أن تلزمه اليمين أم لا.
واختلف في المسألة على أربعة أقوال حكاها ابن رشد في المقدمات في كتاب الوديعة فقيل: يحلف وهو سماع ابن القاسم في المدونة في الوكالات وقيل: إن كان بمقدار الأيام اليسيرة فالقول قول الموكل أنه ما قبض شيئا وعلى الوكيل إقامة البينة ويصدق الوكيل إن كان بعد شهر ونحوه مع يمينه وإن طال جدا لم يحلف رواه مطرف.
وقيل: إن كان كيسير الأيام حلف وإن طال فلا قاله ابن عبد الحكم وابن الماجشون.
وقيل: الوكيل على معين غارم مطلقا والمفوض إليه يحلف بالقرب خاصة قاله أصبغ.
قلت: الذي عزا بعض شيوخنا للفظ المدونة إنه مصدق وكذلك اختصرها البراذعي والذي تلقيانه من شيوخنا بأجمعهم أنه إذا قال في الكتاب: مصدق فإنه لا يحلف بخلاف إذا قال قبل قوله فإنه لا بد من اليمين وعزا ابن يونس الأول لابن القاسم وابن الماجشونن وابن عبد الحكم وعزا القول الثاني لقول مطرف لا لروايته ولقول ابن القاسم في العتبية.
ويريد الشيخ في مسألة الوديعة إذا قبضها بغير بينة ولو قبضها ببينة فلا يقبل قوله
قاله في المدونة وقيل: يقبل قوله مطلقا حكاه ابن شاس عن ابن القاسم قاله ابن عبد السلام وهو قول شاذ على نظر في صحة نسبته إلى المذهب يريد أن ابن رشد إنما خرجه من دعوى المستأجر رد ما استأجره من العروض أنه مصدق ولو قبضه ببينة رواه أصبغ وضعفه بفرق ذكره والمراد بالبينة إذا كانت مقصودة التوثق، وأما إن كانت اتفاقا فلا، قاله غير واحد كعبد الحق، واللخمي وابن يونس.
وقيل: لا يشترط فيها أن تكون مقصودة التوثق حكاه ابن عات عن ابن زرب حسبما قدمناه.
(ومن قال دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان على الدافع البينة وإلا ضمن):
إنما قال يضمن؛ لأنه دفع إلى غير اليد التي دفعت إليه فوجب أن يضمن وهذا هو مشهور المذهب ونقل ابن رشد في المقدمات عن ابن الماجشون فيمن بعث بضاعة من رجل لرجل أنه لا يلزمه إشهاد في دفعها ويصدق، وإن أنكر القابض كانت دينا أو صلة.
قال: ويتخرج من قول ابن القاسم في المدونة أن من أمر غيره أن يشتري لؤلؤا من بلد وينقد عنه فزعم أنه ابتاعه ونقد ثمنه ثم تلف حلف على ذلك ورجع عليه بالثمن لأنه أمينه ومن سماع عسى فيمن اشترى ثوبا من ثوبين على أن أحدهما قد وجب عليه بخياره فيضيع أحدهما فيدع أنه كان اختار هذا الباقي أنه مصدق والمسائل أربع دافع أمانة لأمانة، وذمة لذمة ودافع ما في أمانة لذمة، وعكسه ولولا الإطالة لذكرنا جميع ذلك فانظر المقدمات.
(وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم أو دفع إليهم):
ظاهر كلامه وإن قاموا عليه بعد طول من ترشيدهم وهو ظاهر المذهب لقوله تعالى: (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم)[النساء: 6]
الآية، قال مالك: لئلا تضمنوا، وقال ابن الماجشون: لئلا تحلفوا كذا نقله المغربي عنه نصا، وخرجه اللخمي وتبعه خليل، وكأنه من عند نفسه من قوله السابق فيمن بعث بضاعة مع رجل أنه لا يلزمه الإشهاد في دفعها وإن أنكر القابض.
وفي الموازنة: إن طال الزمان كعشرين سنة مقيمين معه لا يبطلونه فالقول قوله مع يمنه.
قال ابن يونس: لأن العرف قبض أموالهم فإذا رشدوا كالبياعات بغير كتب وثيقة إذا مضى من الزمان ما يظن معه عدم تأخير قبض الثمن إليه فالقول قول المشتري وجعل القاضي أبو بكر بن زرب أن مقدار ثمانية أعوام كاف.
وقيل: إن الطول يرجع فيه إلى العرف قاله ابن رشد فالحاصل خمسة أقوال، وجعل خليل المشهور مقيد بعدم الطول وليس على عمومه.
وقال بعض شيوخنا: المعروف من المذهب عدم قبوله مطلقا، وهو مذهب المدونة في وصاياها وفي تضمين الصناع نص شيخنا على ما ذكر في آخر مسألة من الوصايا من تأليفه وما نسبه للمدونة إنما هو ظاهرها وليس ذلك بنص فيها.
وما ذكر الشيخ أنه لا يقبل قوله مقدار النفقة إذا لم يكونوا في حضانته هو المشهور مطلقا.
وقال اللخمي: إن كانت الأم فقيرة وهي حاضنتهم وهي في عافية يصدق الوصي للقرينة.
وفي ترجمة دفع الوصي النفقة إلى الحاضنة في الربع الأخر من الطرر لابن عات ما نصه قاله الأبهري: الوصي مصدق فيما دفع من النفقة؛ لأنه لو كلف البينة لشق ذلك عليه إذا كان يحتاج على أن يشهدهم على درهم ودانق وحبة وهذا من الأمر الموضوع عن الناس، ولذا قال مالك: إن اللقطة لمن جاء بعلامتها، وقوله صلى الله عليه وسلم "البينة على المدعى واليمين على من أنكر" إنما ذلك إذا ادعى شيئا في يد غيره.
وقال أحمد بن ناصر: قوله مقبول فيما دفع من النفقة إذا أشبه نفقة الأيتام في حضانته كانوا أو عند حاضنتهم من غير بينة عن الحاضن لهم أو عليهم أنفسهم البينة أنه لم ينفق، وإلا فالقول قوله من غير يمين تلزمه في دعوى الأيتام وللحاضن اليمين عليه بدعواه.
(وإن كانوا في حضانته صدق في النفقة فيما يشبه):
يريد الشيخ بقوله صدق مع يمينه لنص مالك وابن القاسم وأشهب قال عياض: وهو مالا يختلف فيه لأن ما يشبه قد يكون وقد لا يكون واختلف إذا أراد أن يحسب أقل ما يمكن ويسقط الزائد فقال أبو عمران: لا يمين عليه، وقال عياض: تلزمه إذ قد يكون أقل منه لاحتمال استغناء اليتيم عن تلك النفقة التي لا شك فيها أياما مفترقة أو متوالية لمرض أو صلة من أحد وهو ظاهر قول مالك وابن القاسم في الموازنة من قوله: ويحلف ما لم يأت بأمر مستنكر وإذا زاد على مقدار العادة زيادة يسيرة صدق مع يمينه رواه ابن المواز، وقال ابن القاسم حكاه ابن يونس في سماع أشهب وربما قال: وله أن يشتري ما يلهو به.
وفي المجموعة لابن كنانة: وينفق في عرسه بقدر حاله وحال من تزوج وقدر ماله
فإن خشى أن يتهم رفع إلى الإمام.
(والصلح جائز إلا ما جر إلى حرام):
قال عياض: الصلح معاوضة عن دعوى واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير جامع؛ لأنه يخرج عنه صلح الإقرار قال: وقول ابن شاس، وابن الحاجب، الصلح معاوضة كالبيع وإبراء وإسقاط تقسيم وتفسير له لا تعريف قال والصلح انتقاله عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو لخوف وقوعه وهو مندوب إليه ويعرض له الوجوب حيث تتعين مصلحته وحرمته وكراهته لاستلزامه مفسدة واجبة المدار وأرجحيته ومعنى قول الشيخ: إلا ما جر إلى حرام كالصلح على دعوى عشرة دنانير أقر بخمسة منها فقط على دراهم مؤجلة ولا خلاف في تحريم هذه الصورة؛ لأنه حرام في حق كل واحد منهما وأما ما حرم في حق أحدهما فقط كصلحه عن عشرة دنانير أنكرها بدراهم مؤجلة فالمشهور أنه يفسخ.
وقال أصبغ: يمضي وأماما ظاهره الفساد وهو غير محقق ككونه في جهة معينة كدعوى كل واحد منهما على صاحبه دنانير أو دراهم فيصطلحان على تأخير كل واحد منهما صاحبه لأجل فإنه مكروه فإن وقع مضى. وقال ابن الماجشون: يفسخ ما لم يطل.
(ويجوز على الإقرار والإنكار):
أما الصلح على الإقرار فبالاتفاق وأما الإنكار فالمشهور كذلك وقيل: إنه لا يجوز حكاه عياض عن ابن الجهم عن بعض أصحابه وأخذه شيخنا من قول سحنون إلا طلب السلابة شيئا خفيفا لم يجز أن يعطوه قال: والتخريج أحروي؛ لأن العادة في المحارب القتال المعروض للقتل وهو أشد من عداء الخصومة المعروضة للحلف ويرد بأن القافلة قد يتحقق أنها تغلب السلابة لكثرة عدد القافلة أو لشجاعتهم فيحرم عليهم إعطاء مال وإن قل؛ لأن فيه الإعانة على المعصية؛ لأنهم إذا وجدوا من يقدر عليه أخذوه أو قتلوه فيكون عليهم بعض إثم من ذلك لأنهم إذن غير مضطرين إلى الدفع من مالهم وقد ينكره خصمه ولا تكون عنده بينة وهومضطر إلى الصلح.
وأيضا فإن اللص معترف بأنه ظالم في أخذ المال والمنكر في الصلح يزعم أن ما يؤخذ منه فهو مظلوم فيه فافترقا والله أعلم.
وعلى المشهور أن الصلح على الإنكار جائز قال بعض شيوخنا: إنما ذلك باعتبار عقده، وأما ما في باطن الأمر فإن كان الصدق هو المنكر فالمأخوذ منه حرام
وإلا فحلال فإن وفى بالحق برئ وإلا فهو غاضب فيما بقي والصلح مع السكوت كالإقرار قاله عياض، ولم يحك فيه خلافا.
قال الفاكهاني: هو كالإقرار على المشهور ولم يحك خلافا في الإنكار كالمازري وابن القصار وغيرهما وما ذكر من الخلاف لا أعرفه لكنه جار على قواعد المذهب في السكوت هل هو كالإقرار أم لا؟
والمعروف أن الافتداء من اليمين جائز، قال في المدونة في كتاب الأيمان والنذور: من لزمته يمين فافتدى منها بمال جاز ذلك، وقال ابن هشام: إن علم المدعى عليه براءته وطلبت منه اليمين فليحلف ولا يصالح على شيء من ماله وإن صالح أثم من أربعة أوجه: الأول: أنه أذل نفسه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أذل الله من أذل نفسه".
والثاني: أنه أطعمه ما لا يحل.
والثالث: أنه أضاع ماله وقد نهى عليه السلام عن ذلك.
والرابع: جرأه على غيره كما جرأه على نفسه.
وقبله خليل ورده شيخنا أبو مهدي نقلا ومعنى.
أما نقلا فلأن عثمان صالح عن يمينه، وأبا بكر وعمر حلفا فالأمران جائزان.
وأما معنى فلأن ما استدل به لا ينهض؛ لأن في صلحه إحرار نفسه لأن الخصومات مرجوحة ولاسيما كثرتها ولم يضيع ماله بل ادخره عنده وكونه أطعمه مالا حراما أو جرأه على الغير ليس باختياره وإنما هو مضطر لذلك وظلم هو نفسه قال الله تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق)[الشورى: 42].
(والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له):
ما ذكر الشيخ من أن للسيد أخذ الأمة فهو كذلك على المشهور.
وروي عن مالك وفي الجلاب رواية أخرى يأخذ قيمتها ولا شيء له في الولد، وما ذكر من أن له أخذ قيمة الولد هو كذلك بلا خلاف.
قال ابن رشد: القياس أن الولد رق لمالك أمه لإجماعهم على أن ولد الأمة من
غير سيدها ملك له، وترك هذا القياس لإجماع الصحابة على حرمته خلافا لأبي ثور وداود في قولهما: إنه رقيق.
قلت: قال بعض شيوخنا: إن ثبت إجماع الصحابة رضوان الله عليهم فقول أبي ثور وداود باطل؛ لأن خلاف إجماع تقرر، وهذا الذي ذكرنا هو الذي أعرفه في المذهب.
وقول الفاكهاني قيل: يدخلها الأقوال الثلاثة الآتية في الأمة المستحقة لا أعرفه وظاهر كلام الشيخ أن الولد حر ولو كان الزوج عبدا وهو كذلك في قول حكاه ابن شاس ومذهب المدونة أنه رقيق قائلا: إذ لا بد من رقه مع أحد أبويه.
وقال التونسي: كان يجب حرية ولده لشرط ذلك وما الفرق بينه وبين الحر والفرق لعجزه عن غرم قيمته يبطل بالحر العديم وتوقع اليسر كتوقع العتق والفرق بأن لربه إبطاله من ذمته غير بين.
قلت: واعترضه بعض شيوخنا بأن الحر العديم إنما يطلب يسره فقط وفي العبد يطلب عتقه ويسره والموقوف على أمر أقر من الموقوف على أمرين وما ذكر من أن القيمة يوم الحكم هو المشهور.
وقال المغيرة: يوم الولادة وبه قال أشهب، وقيل: يوم القيامة ذكره ابن بشير تخريجا من المستحقة بملك وكذلك القول بيوم الحكم قال: والمنصوص يوم الولادة واشتد نكير شيخنا أبي مهدي عليه فقال: هذا منه رحمه الله قصور لنص المدونة في النكاح الأول أن قيمته يوم الحكم.
قلت: وقول ابن الحاجب وانفرد المغيرة بيوم الولادة قصور أيضا إذ هو قول أشهب ذكره ابن رشد عنهما في أول مسألة من رسم الكراء من سماع أصبغ من كتاب النكاح.
واختلف هل يقوم بماله فذكر عن مالك أنه يقوم بماله وقيل: بدونه قاله غير واحد.
وأخذه المازري وعياض من قول المدونة إذا كان الأب عديما أنها تؤخذ من الولد؛ لأنه لا يستحيل أن يكون في ماله خاصة مقدار قيمة نفسه مع ماله وإلا لزم أن يكون الجزء مساويا للكل.
قلت: ورده بعض شيوخنا باحتمال أن يكون طرأ له مال بعد العتق وقبل الدفع أو قوماه تقويما إجماليا على أن له مالا؛ لأن مال العبد تبع له فلا تشترط معرفته حقيقة،
ونقلت هذين الوجهين من درس شيخنا أبي مهدي رحمه الله تعالى فاعترض الوجه الثاني بأن تقويمه على طريق الإجمال دون بيان جهل ويفسخ إن وقع إذ فيه الضرر على المستحق وأجبته بأن أصول المذهب تدل على ما قال، وذلك أن العبد إذا كان بيده مال عين يصح أن يشتري بها ولولا أنه تبع لما جاز.
وقد قال في كتاب الخيار في المدونة ولو تلف مال العبد في عهدة الثلاث، وقد بيع به لم يكن للمبتاع رد العبد فلم يقبله واشتهر الخلاف في مقدار صداقها هل هو صداق المثل أو المسمى أو الأكثر منها أو الأقل منهما أو ربع دينار خاصة قاله ابن أبي حازم.
(ومن استحق أمة قد ولدت قيمتها وقيمة الولد يوم الحكم وقيل: يأخذها وقيمة الولد وقيل: له قيمتها فقط إلا أن يختار الثمن فيأخذ من الغاصب الذي باعها، ولو كانت بيد غاصب فعليه الحد وولده رقيق معها لربها):
اعلم ان هذه المسألة إحدى المسائل التي ذكر في الرسالة أن فيها ثلاثة أقوال وثانيتها: من ترك الفاتحة من ركعة وثالثتها: هل يتيمم لكل صلاة أم لا؟ رابعها: في تغليظ الدية على الأب إذا ضرب ابنه بحديدة وخامستها: في كفن الزوجة هل هو على الزوجة أم لا؟ وسادستها: في تقديم الظهر وتأخيرها والقول الأول قاله مالك وبه أخذ المصريون من أصحابه مع مطرف قاله ابن حبيب في واضحته.
والقول الثاني أيضا قاله مالك من رواية ابن القاسم في الموازية قال أشهب: وعليه جماعة الناس وهو قول علي رضي الله عنه قاله في المجموعة والقول الثالث قاله ابن دينار وابن الماجشون وابن كنانة وابن أبي حازم وعبد العزيز وغيرهم قاله اللخمي، والمازري، وبه أفتى مالك لما استحقت أم ولده إبراهيم وقال عياض: في الغصب لما استحقت أم ولده محمد ومثله لابن رشد.
قال خليل: والصواب قول ابن القاسم في كتاب القسم من المدونة بعد أن ذكر القولين الأولين عن مالك ولو رضي المستحق بأخذ قيمتها وقيمة ولدها لم يكن للذي أولدها أن يأبى ذلك ويجبر حينئذ في قولي مالك جميعا على غرم قيمتها وقيمة ولدها يوم الاستحقاق.
وقال المازري: أشار أشهب إلى بقاء قول مالك مع رضا المستحق بأخذ القيمة ولو لم تحمل لكان له أخذها وليس له ما نقصها بسبب الوطء قاله مالك في المدونة خلافا لسحنون في قوله له ما نقصها الوطء محتجا باستحقاق الثوب بعد لبسه وإذا رد
الأمة فإنه يرد النقص وجواب ذلك معلوم ومحله المدونة وفي المدونة: من ابتاع أمة فوطئها وهي بكر أو ثيب ثم استحقت بحرية فلا شيء عليه لوطئه لا صداق ولا ما نقصها. وقال المغيرة: لها صداق مثلها قال اللخمي وهو أبين.
وعزا ابن عبد السلام القولين للمدونة اعترضه بعض شيوخنا بأن قول المغيرة ليس فيها وأقام ابن سهل من قولها أن من ورث شيئا واغتله ثم استحق بحبس أنه لا يرد شيئا وبمثل هذه الإقامة.
قال ابن القاسم في العتبية: لأن المستحق منخ كان ضامنا للثمن الذي دفع عند عدم البائع.
وقيل: إنه يرد الغلة؛ لأن ما اشتراه لو تلف رجع بالثمن وهو ظاهر مذهب ابن القاسم في المدونة؛ لأنه على الغلة بالضمان وبالأول جرى العمل.
(ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع قيمة العمارة قائمة فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا وإن أبيا كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد):
ما ذكر أنه يرجع على المستحق بقيمة العمارة هو قول ابن نافع ولا يتلفت إلى ما أنفق سواء كان البناء قليلا أو كثيرا جيدا أو رديئا، وقيل: يرجع بما أنفق فيهما فيما عمل من عمل البناء فأما بنيان الأمراء فلا أدري ما هو قاله مالك.
قال ابن رشد: تضعيفه أن يكون له رجوع فيما بنى من بنيان الأمراء صحيح؛ لأنه أتلف ماله فيما لا يسوغ له من السرف المنهي عنه.
وفي كون المعتبر من القيمة يوم بنائه، وهو الأقرب أو يوم الحكم قولان، وما ذكر الشيخ من أنهما إذا أبيا كانا شريكين هو المشهور، وروي عن مالك إن أبى المستحق من دفع قيمة العمارة جبر الباني والغرس على دفع قيمة الأرض؛ لأنه قد فوتها به حكاه المازري قال أبو محمد صالح: ولو استحقت هذه الأرض بعد أن عمرت فإنها حبس على المساكين فإنه يأخذ قيمة بنائه وشجره مقلوعا كما يفعل بالغاصب؛ لأنه يقال له: اقلع متاعك وليس للمساكين مال يعطونه لك وتأخذ قيمته قائما، ولا يجري بينكما من التخيير ما جرى فيمن استحق أرضا بعد أن عمرت لأنا إنا أجريناه بينكما أدى ذلك إلى بيع الحبس وما ذكره قبله غير واحد كالفاكهاني.
(والغاصب يؤمر بقلع بنائه وشجره وزرعه، وإن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض والشجر ملقى بعد قيمة أجر من يقلع ذلك):
قد تقدم حد ابن الحاجب للغصب حيث ترجم عليه الشيخ، وما ذكر من أن
الغاصب إنما يعطي قيمته منقوضا هو كذلك باتفاق إذ لا شبهة له وعكسه المشتري وهو إذا استحق من يده ربع بعد أن بنى فيه له قيمته قائما اتفاقا؛ لأنه دخل على التأبيد بوجه جائز.
واختلف في المكتري والمستعير ومن بنى في أرض زوجته فألحقهم ابن القاسم بالغصب وألحقهم ابن الماجشون ومطرف وابن حبيب بالمشتري ونص في المدونة على أن المشتري إذا أخذ بالشفعة من يده فإنه يأخذه قيمة ما بنى قائما فأخذ بعض شيوخنا بعمومه، وأفتى به، وكذلك شيخنا أبو مهدي وأكثر فتواه على حملها إذا لم يعلم المشتري بالشفيع فأما إن علم فله قيمته منقوضا.
وما ذكر الشيخ من إسقاط مقدار القلع من القيمة مثله لابن المواز وابن شعبان وقيده ابن رشد بما إذا كان الغاصب ممن لا يتولى ذلك بنفسه ولا بعبده وقيل: إنه لا يحط منه أجر القلع وتؤول على المدونة وإليه ذهب ابن دحون واعتل بذلك بأن الغاصب لو هدمه لم يكن للمغصوب منه أن يأخذه بالقيمة بعد هدمه وكذلك أنكر ابن سهل كلام ابن المواز وأعتقد أن قيمة البناء مقلوعا تستلزم طرح أجرة القلع فلا ينبغي أن يسقط مرة أخرى.
قال خليل: وليس بالبين فإن تقويم البناء مقلوعا أعم من كل واحد من وجهين طرح أجرة القعل وعدم طرحه والأعم لا يستلزم الأخص.
قال ابن الجلاب: ومن غصب أرضا وزرعه ثم أدركها ربها في إبان الزراعة كان بالخيار بين ترك الزرع فيها وأخذ كراء مثله من غاصبها وبين قلع الزرع منها.
وأما إن أدركها وقد فات وقت إبان زراعتها ففيها روايتان أحدهما كما ذكرناه آنفا والرواية الأخرى أنه ليس له قلع الزرع منها وله أجرة مثلها.
قال المغربي في كتاب كراء الدور والأرضين انظر قول الشيخ في الرسالة والغاصب يؤمر بقلع بنائه وسكت عن الزرع فاختلف الشيوخ ولم يسكت هل لقلعه على القول بالقلع أو للتفصيل فيه بين قبل الإبان وبعده وهل فيه نفع لزارع أم لا؟ وهو إنما قصد الاختصار أو لأنه لم يبينه في المدونة فأعرض عنه الشيخ وهذا التأويل الأخير بعيد والأول أولى.
(ولا شيء عليه فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم):
مثل هذا في المدونة قال فيها: وكل ما لا منفعة فيه للغصب بعد قلعه كالجص والنقش فلا شيء له فيه يريد وإذا أزاله فإنه يغرم قيمته.
وقال غير واحد ممن لقيناهم: وهو جلي واضح، قال المغربي: وأقاموا منها أن من استحق أرضا بعد أن زرعها للغاصب ولا منفعة له في الزرع أنه لربها فلا شيء عليه.
قلت ونقله الفاكهاني نصا عن ابن القاسم في المدونة بأثر ما ذكرناه وكذلك ما حفره من بئر أو مطمرة فلا شيء له في ذلك وقيدها غير واحد من الشيوخ بما إذا لم يطوها بالأجر، وأما لو طواها به لكانت كالبناء.
وقال سحنون في كتاب ابنه متمما للمدونة ولرب الأرض أن يكلفه بردها.
(ويرد الغاصب الغلة ولا يردها غير الغاصب والول في الحيوان وفي الأمة إذا كانت الولد من غير السيد يأخذه المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره):
قد تقدم ما في غلة الغاصب من الخلاف وإنما كان غير الغاصب لا يرد الغلة؛ لأنه إنما وضع يده بوجه شبهة.
(ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحد):
قال الفاكهاني: وهذه المسألة ثابتة في روايتنا وهي ساقطة من بعض النسخ.
قلت: وإنما كان ولده رقيقا؛ لأنه لا شبهة له، ولذا يحد وهذا إذا قامت البينة أو
كان إقرار بغصبها قبل الوطء وأما إن لم يكن إلا مجرد إقراره الآن بأن وطئ عالما فإنه يحد لأجل إقراره على نفسه بالزنا ويلحق به الولد لحق الله تعالى وحق الولد في ثبوت النسب، وهي إحدى المسائل التي يجتمع فيها الحد، وثبوت النسب وإليه النظر في نظائرها والقانون المذكور فيها.
قال ابن رشد: ويجب على الغاصب رد المغصوب بعينه إن كان قائما وإلا فمثله إن كان مثليا وظاهره ولو كان عينا، وفي الجلاب ولو امتنع غاصب عين من ردها وأراد أن يرد مثلها فقال ابن القاسم: يجبر ربها على ذلك وقال الأبهري: لا يجبر لخبث كسب الغاصب، وقيل: وقول ابن القاسم إنما أخذه له من البيع.
قلت: وقول الأبهري هو الصواب وأقام بعض شيوخنا من قول ابن القاسم: لو خلط زيتا بمثله وأراد أن يدفع مثله من غير أن ذلك له وعزاه المازري للشافعي ونقل رحمه الله عن أشهب أن لربه الأخذ منه وإن كره الغاصب ومن غصب غزلا ونسجه فإنه تلزمه القيمة.
وقيل: المثل والأول لابن القاسم والثاني لغيره وهما في أول المسألة من تضمين الصناع من المدونة والمراد بالغير أشهب إذ هو معزوله في الموازنة نقله الباجي إلا أنه لما ذكر القولين وعزاهما لابن القاسم، وأشهب، أخبر أن عزوه لهما نقله من الموازية وهو قصور إذ هما في المدونة كما سبق وتقدم اختلاف المذهب إذ مر على المغصوب وقت قيمته أرفع هل يلزم ذلك أم لا؟ واحتج عبد الملك بن الماجشون بقوله بأرفع القيم بأن على الغاصب أن يرد ما غصب في كل وقت فالوقت الذي كانت فيه أرفع القيم بقدر كأنه غصبه حينئذ وقبله غير واحد كاللخمي ويرد بأن لابن القاسم أن يمنع أن الدوام كالإنشاء، وأجرى اللخمي على القول بأرفع القيم إذ غصبه طعاما في شدة ثم قدر عليه في زمان الرخاء أنه يلزمه مقدار قيمته في زمان الغلاء؛ لأنه عطل عليه أسواقه، وفي العتبية عن مالك فيمن انتهب صرة وناس ينظرون إليه فطرحها في متلفة وادعى كذا وأكذبه ربها أن القول قول الغاصب وإن لم يفتحها.
وقال ابن كنانة وغيره: إن القول قول ربها إذا أشبه، ونص في المدونة والعتبية على وجوب اليمين على الغاصب إذا اختلفا في العدد.
قال خليل: ولم أر في الأمهات وجوبه إذا ادعى تلفا لكن نص فيها في الشيء المستحق إذا كان مما يغاب عليه إنه يحلف إذا ادعى المشتري تلفه وكذلك في رهن ما يغاب عليه ولا يمكن أن يكون الغاصب أسوأ حالا منها.
وقد نص ابن عبد السلام على وجوب اليمين هنا في التلف.
(وإصلاح السفل على صاحب السفل والخشب للسقف عليه وتعليق الغرف عليه إذا وهي السفل وهدم حتى يصلح):
ما ذكر الشيخ من أن على صاحب السفل الخشب للسقف مثله في المدونة وهو سماع ابن القاسم.
قال ابن رشد: ولا خلاف فيه وما ذكر من أن التعليق عليه هو أحد قولي أبي عمران وعن ابن القاسم أنه على صاحب الأعلى.
وقال ابن شعبان: إلا أن يهدمه من غير حاجة فيكون على صاحب الأسفل نقله عنه ابن يونس فقال بعض شيوخنا ظاهره جواز هدمه من غير حاجة.
وفي كتاب ابن سحنون عن أشهب وسحنون ليس له هدمه إلا من ضرورة وإن كانت فيه فضلة لصاحب العلو تسقط في مرحاض صاحب السفل فقيل: على السفل قاله أشهب وقيل: عليهما على عدد الجماجم قاله ابن وهب، وأصبغ، وكذلك اختلف المذهب في كنس كنيف الدار المكتراه هل هوعلى رب الدار أو على المكتري.
وفي المدونة: ومن اكترى دارا أو حماما واشترط كنيس المراحيض وغسالة الحمام على المكتري جاز؛ لأنه معروف وجهه وفيه أيضا من اكترى دارا فعلى ربها مرمتها، وكنس المراحيض، فظاهر لفظها الأول أن الكنس على المكتري وظاهر لفظها الثاني أنه على المكري فحمل ابن رشد ذلك على التناقض وحمله ابن يونس وعبد الحق عن بعض القرويين على أنهما يرجعان إلى قول واحد ومعنى اللفظ الأول أراد به الحادث في المستقبل ومعنى الثان أراد به ما كان قديما.
ومعنى قول الشيخ وهي ضعف وقوله وهدم قال بعض شيوخنا: قارب أن يهدم وهو الأقرب.
وقال الفاكهاني: يحمل أن يكون على بابه وهو ظاهر المدونة.
(ويجبر على أن يصلح أو يبيع ممن يصلح):
ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وزاد فيها فإن باعه ممن يبنيه فامتنع أجبر المبتاع على أن يبنيه أو يبيع ممن يبني، وقيل: إنما يجوز البيع بشرط الإصلاح إن كان البائع لا مال له وإلا لم يجز على الإصلاح نقله ابن سحنون عن سحنون.
قال ابن القصار: ويجبر مطلقا إلا أن يختار رب العلو بناءه من ماله ويمنع رب السفل من النفع به حتى يعطيه ما أنفق، نقله اللخمي عنه واختار أن يجبر رب السفل
في بنائه أو بيعه ممن يبني أو يمكن رب العلو من بنائه إن رضي على أن يشتركا فيه بقيمة كراء القاعة وقيمة كراء البناء إلا أن يعطيه بعد ذلك قيمة البناء قائما يوم يأخذه.
وسمع ابن القاسم في كتاب الأقضية من له حائط وهو سترة على جاره ليس له هدمه إلا لوجه يعلم أنه لم يقصد به الضرر، واختلف إذا انهدم على أربعة أقوال: فقيل: إن سقط بسماوي أو بهدم لخوف سقوطه لم يلزمه بناؤه وإن هدمه ليجدده أو لمنفعته أجبر عل بنائه إن كان له مال وإلا فلا وإن هدمه ضرر ألزمه بناؤه إن كان له مال، وإن لم يكن له مال بيع ممن يبنيه قاله ابن القاسم.
وقيل: يجبر مطلقا كالحائط بين الشريكين قاله مطرف وابن الماجشون وهو ظاهر قول سحنون، وقيل: كذلك إلا أنه إن لم يكن له مال بيع من داره ما يبني به فإن كانت بيده صدقة أو عمرى فلصاحبه بناؤه وأتبع به دينا في ذمته قاله ابن الماجشون، وقيل: لا يلزمه شيء بكل حال وهو قول أصبغ وروايته وكل هذه الأقوال ذكرها ابن رشد، ومن أراد أن ينظر حائطه من دار جاره ليس له منعه أن يدخل داره فلينظره، وكذلك لو قلعت الريح ثوب رجل فألقته في دار لم يكن لصاحب الدار منعه أن يدخل فيأخذه أو يخرجه له قاله سحنون.
(ولا ضرر ولا ضرار):
هذا حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال عياض: واختلف في معناه، فقيل: هما بمعنى واحد على طريق التأكيد، وقيل: بمعنيين أي لا يلزم لا ضرر من لم يقصد فاعله ولا ضرار الذي قصده وأتاه عمدا.
وقال الفاكهاني: قيل: هو على التأكيد وقيل: هي ألفاظ مترادفة والذي عندي فيه أن معنى لا ضرر استبداد أحدهما بالضرر ومعنى لا ضرار اشتراكهما في الضرر لأن الضرار مصدر ضارر على وزن فاعل مثل قاتل وخاصم، وهو لا يكون إلا من اثنين فيكون المعنى على النهي على أن لا يضر أحدهما نفسه دون صاحبه أو يضر كل واحد منهما الآخر، هذا أولى من التاكيد والترادف الذي الأصل عدمه فأشار بقوله آخرا أن ذكر الخلاف أولا إنما هو اختلاف عبارة لا حقيقة والله أعلم.
وذكر هذا الحديث ليبني عليه ما يقوله يليه، وقد احتج به في المدونة في النكاح حيث قال: ولا يكون الأب عاضلا لابنته البكرالبالغ في رده أول خاطب أو خاطبين
حتى يتبين ضرره فإذا تبين قال له الإمام: إما أن تزوج وإلا زوجناها عليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار".
وفي القسمة أيضا في قوله: وأنا أرى أن ما لا ينقسم إلا بضرر، ولا يكون فيما يقسم منه منتفع من دار أو أرض أو حمام فإنه لا ينقسم ويباع فيقسم ثمنه لقوله النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر، ولا ضرار".
(فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها أو فتح باب قبالة بابه أو حفر ما يضر بجاره في حفره وإن كان في ملكه):
ما ذكر من أنه لا يفتح كوة تضر بجاره هو المشهور.
وقال ابن رشد وسند قول أشهب وابن الماجشون ومحمد بن مسلمة ومحمد بن صدقة من أصحاب مالك أنه لا يمنع ويقال لجاره استر على نفسك إن شئت.
قلت: وقوله إن شئت فيه تجوز بل هو الواجب ونبه عليه بعض شيوخنا وظاهر كلام الشيخ: وإن كان يشرف منها على بستان جاره أنه يمنع وهو أحد نقلي ابن الحاج في نوازله، قال: ولا خلاف أن له أن يطلع على المزارع.
وظاهر كلام الشيخ أن فتح الباب الذي لم يقابل جائز وإن كانت السكة غير نافذة ولا يفتقر إلى إذن وهو كذلك عن ابن القاسم في المدونة وعند ابن وهب في العتبية إلا أنهما جعلا ما يقارب كالمقابل.
وقال ابن زرب يمنع مطلقا إلا بإذن جميع أهل الزقاق وبه جرى العمل بقرطبة وعليه العمل عندنا بإفريقية أيضا.
وقيل: له تحويل بابه بحيث لا يضر لقربه سد الأول، وأما فتح باب آخر فلا وهو ظاهر قول أشهب، وأما السكة النافذة، فقيل: يفتح بابا أو حانوتا قبالة باب جاره قاله ابن القاسم في المدونة في كتاب القسمة، وبه قال أشهب.
وقيل: يمنع إلا أن ينكب عن ذلك قاله سحنون.
وقيل: إن كانت السكة واسعة جاز وإلا فلا قاله ابن وهب والسكة الواسعة سبعة أذرع فاكثر وما ذكر الشيخ في الحفر هو قول المدونة.
وقيل: إنه جائز قاله ابن كنانة، وقيل: إن استفرغ ماء بئر جاره منع وإلا فلا، وهو في سماع أشهب وابن نافع، وقيل: إن وجد بدا من احتفاره ولم يضطر إليه منع وإلا فلا قاله أشهب، وهذه الفروع الثلاثة من كلام ابن رشد.
(ويقضي بالحائط لمن إليه القمط والعقود):
يريد وكذلك الطاقات إذا لم تكن نافذة وكانت من جهة أحدهما خاصة قضي بالحائظ لمن تلك الطاقات في جانبه، وروي أن حذيفة اليماني بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر في معاقد الحيطان فقضى به وفي سنده وهم قال عبد الحق: وهو متروك الحديث، والقمط هو الخشب الذي يكون بين البنيان وهل يلزم اليمين صاحب القمط أم لا؟ في هذا الأصل خلاف وتقدمت نظائرها في اللقطة فأغنى عن إعادتها.
(ولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ):
هو في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الحديث لا يمنع أحدكم فضل مائة ليسلم له الكلأ لأن الدواب إذا لم تشرب لم تأكل شيئا قال بعضهم: فهو من سد الذرائع قال ابن القاسم في حريم البئر من المدونة وذلك في الصحاري، وأما الفلاة والأرض المحروثة فللرجل منع كلائه عند مالك إن احتاج إليه وإلا فليخل بين الناس وبينه، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل يحلف على سلعته لقد أعطى فيها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف يمينا بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماء فيقول الله يوم القيامة: أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمله يداك".
قال الفاكهاني: قال أهل اللغة: الكلأ: العشب، قال في الصحاح: وسواء كانت رطبة أو يابسة ورأيت لبعض الفقهاء أن الكلأ يختص بالرطب من الربيع، ولم أدر من أين يأخذه والكلأ رويناه بالقصر ولا أعلم فيه خلافا.
(وأهل آبار الماشية أحق بها حتى يسقوا ثم الناس فيها سواء):
واختلف هل تورث بئر الماشية أم لا؟ فالأكثر على أن ورثة من حفرها تتنزل منزلته في الانتفاع.
وقال ابن الماجشون: لا حظ فيها للزوجين وفي المجموعة لا تورث ولا توهب ولا تباع وإن احتاج قال الباجي: يريد بقوله: لا تورث على ملك المالك.
وقال ابن الماجشون: إن كانت لهم سنة يعني الورثة من تقديم ذي المال الكثير أو قوم على قوم أو كبير على صغير حملوا عليه وإلا اقترعوا عليه.
قال ابن رشد: وهذا عندي إذا استوى تعددهم من حافرها وأما إن كان بعضهم أقرب من بعض فهو أحق بالتبدئة قلت ماشيته أو كثرت.
واعلم أن المسافرين أحق بالماء من المقيمين إن كانت حاجتهم أشد فإن استوت حاجتهم، ولم يكن في الماء فضل فإنه يبدأ بمن جهده أكثر فإن استووا فيه فأهل آبار الماشية أحق أو يستوون؟ اختلف في ذلك على قولين لابن لبابة وأشهب وللمسافرين عارية الدلو والرشا والحوض.
وظاهر كلام الشيخ سواء كان المسافرون أملياء أم لا، وهو كذلك.
قال ابن عبد السلام: ولعل ذلك لأن مالكها لم يتخذها للكراء، وإنما اتخذها لتحصيل المنفعة المقصودة منها لا لغير ذلك وإلا فالأصل أنه لا يخرجه ملك الإنسان عنه ولا الانتفاع به إلا بعوض.
(ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنعه فضله واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا؟):
ما ذكر من أن له المنع هو المذهب واختلف هل له بيع ذلك أم لا؟ فقيل: جائز وهو المعروف، وكأنه ظاهر كلام الشيخ؛ لأن الأصل أن من له منع ملكه من التصرف فيه فله الإذن بالبيع وغيره إلا لعارض.
قال ابن عبد السلام: وظاهر قول يحيى بن يحيى أنه منع منه؛ لأنه قال: أربع لا أرى أن يمنعن الماء والنار والحطب والكلأ، وأظنه اعتمد في ذلك على الحديث المروي في هذا الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"المسلمون شركاء في الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام" وهو حديث ضعيف السند.
والقول بأنه يأخذ الماء بغير ثمن هو قول المدونة في حريم البئر منها، والقول بأنه بالثمن روي عن مالك حكاه ابن يونس وعن أشهب مثله إن كان مليا وإن لم يكن مليا فالأول.
وكذلك اختلف المذهب إذا اضطر إلى أكل مال غيره هل عليه في ذلك ثمن عند يسره أم لا والذي به الفتوى أنه يلزمه لخلاف الماء ليسره؛ لأنه مما يبتذل بخلاف الطعام. وذكر الشيخ في إعطاء فضل الماء شرطين.
الأول: أن يحرث على أصل ماء ولهذا أشار بقوله: إلا أن تنهدم بئر جاره.
والثاني: أن يخاف على زرعه وبقي عليه شرط ثالث: وهو أن يشرع في
الإصلاح ولا يؤخر.
(وينبغي أن يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبه في جداره ولا يقضي عليه بذلك):
يعني: يندب إلى إعارةا الجدار لغرز الخشب عليه، وقوله ولا يقضي عليه تأكيد لقوله وينبغي، وهذا هو المعروف ونص المدونة في الجعل والإجارة ونقل ابن رشد وابن زرقون عن ابن كنانة أنه تجب إعارته إن لم تكن في ذلك مضرة بينة على رب الجدار وزاد أبو إبراهيم يقضي به وعلى الأول فهل يلزم بمجرد الإذن فلو بدأ لربه قبل الغرز عليه فليس له ذلك أو له ذلك.
واختلف في ذلك على قولين، وأفتى ابن عات مع نقله عن الشيوخ بجواز الغرز بجدار المسجد أو الجامع لجاره كغير المسجد، وذهب مالك إلى المنع منه، والنفس إليه أميل؛ لأن محبسه لم يحبسه على شيء خاص.
واختلف في التعليق على جدار المسجد كما اختلف في الغرز فإن أعاد جداره ثم أراد الرجوع بعد الغرز فليس له ذلك إذا قصد الضرر فإن احتاج لجدار لهدمه أو لينتفع به فهو أولى، وهذا القول هو سماع ابن القاسم، وأشهب.
وقال في المدونة: فيمن أذن في بناء بأرضه أو غرس له أن يخرجه إذا أعطاه قيمة ما أنفق فقيل: هو اختلاف في قول قوله ابن لبابة، وابن أيمن وغيرهما، وقال سحنون: إنما الفرق بينهما لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاره .... " الحديث يريد لقول من حمله على الوجوب وبقي في المسألة أقوال لم نذكرها خشية الإطالة.
(وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على أرباب الماشية ولا شيء عليهم في إفساد النهار):
ما ذكر من التفصيل هو قول مالك رحمه الله وحجته ما خرجه في الموطأ: أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمانه من أهلها.
قال أبو عمر بن عبد البر: هو من مراسيل الثقات وتلقاه أهل الحجاز وطائفة من أهل العراق بالقبول وقيل: بالضمان مطلقا قاله يحيى بن يحيى من أصحابنا وهو قول الليث وعطاء وعزاه الباجي لرواية ابن القاسم وكذلك لم يحكه عياض في الإكمال إلا عن سحنون فقط وخارج المذهب قول بعدمه مطلقا لأبي حنيفة واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: "فعل العجماء جبار" ويرد بأنه مخصوص بما سبق، وقيد قول مالك
بالضمان في الليل إذا كان الزرع مهملا لا حائط له.
وقال ابن عبد البر: يسقط الضمان نهارا عن أرباب الماشية إذا طلعت دون راع، وأما إن كان معها راع فلم يمنعها وهو يقدر على دفعها فهو كالقائد والراكب.
وقال ابن شعبان عن محمد بن حارث: هذا محمول على أن أهل الماشية لا يهملون مواشيهم بالنهار وعلى أنهم يجعلون معها حافظا، وراعيا وإن أهملوها فهم ضامنون، وهذا عكس ما قدمناه عن أبي عمر، وقيل: إذا كانت المزارع ممتدة لا يقدر أربابها على حراستها لم يكن على أهل المواشي شيء.
وقال بعض الشيوخ: العكس أولى؛ لأنه إذا كان الأمر هكذا كان على أربابها أن لا يخرجوها إلا براع، وهذا كله إذا لم تكن من المواشي التي شأنها العداء على الزرع، فإن كانت كذلك وتقدم إلى أربابها ضمنوا ما أصابته ليلا كان أو نهارا كالكلب العقور حكاه الباجي في رواية عيسى عن ابن القاسم في المدونة.
واختلف فيما لا يستطاع التحرز منه كالنحل والدجاج والحمام فقيل: لا يمنع من اتخاذها وإن أضرت، وعلى أهل القرية حفظ زرعهم وشجرهم، قاله أصبغ وابن القاسم، وابن كنانة.
وقيل: يمنع من اتخاذها؛ لأنه لا يمكن الاحتراز منه قاله مطرف وابن حبيب والقولان ذكرهما الباجي ويقوم من كلام الشيخ أن الثور إذا حصل قرناه في شجرة ولم يمكن خروجهما إلا بنشر قرنيه أو بقطع أفراع الشجرة فإنه يفصل في ذلك بين الليل والنهار وسمعت في درس شيخنا أبي محمد الشبيبي رحمه الله من نقل بعض الطلبة الحفاظ قولا بمثله وطلبت عليه حثيثا فلم أجده، والذي وقفت عليه الآن لأبي عمران الصنهاجي في نظائره ارتكاب أخف الضررين بالبيع وكذلك وقفت على ما وجدت بخط ابن سهل بالبيع ونصه في ذلك ثور وقع بين غصنين أو دينار وقع في محبرة أو دجاجة لقطت فصا فيجبر صاحب القليل منهما على البيع من صاحب الكثير لرفع الضرر.
وكذلك وقفت على ما وجدت بخط ابن سهل عن ابن أبي زمنين أن الغصن يقطع ويؤدي صاحب الثور قيمته، ويحمل على أن قطع الغصن هو أخف ضررا؛ لأنه الأعم الأغلب فيرجع إلى وفاق وحيث يثبت الضمان فإنه يضمن قيمته على الرجاء والخوف لو حل بيعه ونص على ذلك في المدونة في كتاب المدبر على طريق التشبيه ولم ينص عليه في غيره قاله المغربي واختلف هل يستأني بذلك لعله ينبت كما يستأنى بسن الصبي أو تعجيل القيمة في ذلك قولان.
واختلف إذا عاد الزرع بعد أخذ قيمته فهل هو حكم مضى أو ترد القيمة في ذلك قولان لمطرف وغيره.
قال ابن رشد وهما مخرجان من كتاب الدية من المدونة فيمن ضرب رجلا فنزل الماء في عينه فغرم دية العين ثم برئت فقال أشهب: لا يرد الدية، وقال ابن القاسم: يرد قال في البيوع الفاسدة من المدونة وإذا كانت المواشي تعدو في زرع الناس فأرى أن تغرب وتباع في بلد لا زرع فيها إلا يحبسها أربابها عن الناس ويريد بعد البيان في البيع فإن لم يفعل فهو عيب قاله ابن يونس.
قال بعض فضلاء أصحابنا، وأخذ منها نفي من يضرب الخطوط، ونفي من يأخذ الحيوان بالعين، وفي الآدمي يسجن لأنه بالنفي تقل مفسداته ولأنه يغرب من ذلك الموضع إذا اتصف بذلك.
قلت: ولا يخفى ضعف ما ذكر من الأخذ والحق عندي سجن من ذكر لأن به تؤمن غائلته، وأما من يؤدي الناس بالغيبة فإن أدبه كاف في زجره قاله شيخنا أبو مهدي، وأفتى أبو عمر الأشبيلي، وأحمد بن عبدالملك بأنه يخرج من المسجد.
قال ابن عبد البر في الاستذكار فقلت له: ما هذا؟ وفي ضربه بالسوط كفاية فقال: الاقتداء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى وهو قوله "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا يؤذينا بريح الثوم".
(ومن وجد سلعته في التفليس فإما حاصص وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها وهو في الموت أسوة الغرماء):
ما ذكر الشيخ من الفرق بين الملفلس هو مذهبنا، وقال الشافعي: وهو أحق مطلقا، وهو قول عثمان وعلي وغيرهما رضي الله عنهما، وقال أبو حنيفة: لا مقال له مطلقا، وبه قال الحسن وغيره، وإنما يكون أحق في الفلس إلا لم يرض الغرماء بتقدمته في مال المفلس، فأم إن رضوا فلا مقال له.
واختلف هل لهم دفع الثمن من حيث شاءوا أم لا؟ على أربعة أقوال: فقيل: لهم ذلك قاله ابن القاسم في المدونة وقيل: يتعين كونه من مالهم وقيل: يتعين كونه من مال المفلس قاله ابن كنانة، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن حارث، وقيل: ليس لهم شيء من ذلك إلا أن يشترط زيادة على ثمنها يحطونه من دينهم على الملفس نقلها المازري عن أشهب وإذا فلس المكتري فإن أسلم المبتاع إلى الجمال ليحمله على جماله فهو أحق بالمتاع إن كان بيده، وكذلك إن مات باتفاق.
قال ابن رشد: لأنه كرهن بيده وتعليله في المدونة بأنه إنما بلغ على إبله علة غير
صحيحة.
وإن أسلم الجمال إليه الإبل يحمل عليها ففلس قبل حوزه متاعه ورده الإبل للجمال فالمشهور أن الجمال أولى قال: ويتخرج أنه أسوة الغرماء في الفلس والموت، ويتخرج أيضا أنه أسوة في الفلس خاصة وأخذ أحمد بن خالد من قول المدونة؛ لأنه على دوابه وصل إلى المكتري أحق وإن قبضه ربه ابن رشد وهو بعيد، قال خليل: لعل أحمد فهم قوله في المدونة كالرهن، ولأنه على دوابه وصل أنهما علتان على البدل وفهمه غيره على أنه علة واحدة والله أعلم.
ونص ابن القاسم في العتبية على أن السفن كالدواب وأخذ ذلك جماعة من تعليله في المدونة المسألة السابقة.
قال في التفليس من المدونة: أرباب الدور والحوانيت فيما فيها من أمتعة أسوة الغرماء في التفليس والموت.
وزعم ابن رشد الاتفاق عليه وهو قصور لنقل ابن يونس والمازري وعن عبد الملك بن الماجشون أنه جعل الدور والحوانيت كالدواب، وأما أجير رعاية الإبل أو راحلتها فإنه أسوة الغرماء في الفلس والموت قاله في المدونة وقيدها عبد الجبار بن خالد بما إذا كان يردها لبيتها عند ربها، وأما إن كانت باقية في يديه فهو كالصانع نقله ابن حارث عن لقمان بن يوسف عنه.
قلت: ونقلت هذه المسألة في درس شيخنا أبي مهدي فلم يرتضه، واختار إبقاء المدونة على ظاهرها من العموم والصواب تقييدها به كما قال عبدالجبار.
(والضامن غارم لما ضمن):
يعني إذا قال الرجل أنا ضامن لك يا فلان فإنه غارم ولا خصوصية لهذه اللفظة بل، وكذلك أنا حميل أو غريم أو كفيل أو قبيل وهو لك عندي أو علي أوإلي أو قبلي نص على جميع ذلك في المدونة قائلا: هي حمالة لازمة إن أراد المال لزمه، وإن أراد الوجه لزمه.
واختلف إذا كان اللفظ مبهما، وقال أردت الوجه ففي قبوله قولان، قال ابن رشد في المقدمات: والأصح عدم قبوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحميل غارم" قلت: وقبله بعض شيوخنا قال المازري: اختار بعض أشياخي أنها حمالة بالوجه لكونها أقل الأمرين والأصل براءة الذمة ورد الاستدلال بالحديث بأنه إنما قصد بالحديث بيان
حكم وجوب المطالبة للكفيل بما ضمنه، ولم يقصد بيان إطلاق هذه اللفظة قال: ولأن الغرامة إنما تكون في الأموال لا في الأبدان إذ البدن لا يصح أن يغرم فكأنه قال: الزعيم غارم لما ضمن والضامن الذي تتصور فيه الغرامة إنما يكون في المال.
(وحميل الوجه إن لم يأت به غرم حتى يشترط أن لا يغرم):
ما ذكر الشيخ أنه إن لم يأت به غرم هو المشهور، ونقل اللخمي عن ابن عبد الحكم أنه لا يغرم، وظاهر كلامه لو أحضره عديما أنه لا يضمن وهو كذلك خلافا لابن الجهم وقول أبي بكر بن اللباد اختار اللخمي الأول إن كان معسرا وقت حلول الأجل وإما إن كان مليا، وأتى به معسرا فإنه يلزمه المال إلا أن تكون بمال حل، ولم يتحمل ليؤخره فيتحصل في ذلك ثلاثة أقوال، والأول منها نص المدونة ولا يعارض قولها بقولها في النذور من حلف لا يتكفل بمال فتكفل بنفس حنث لأنها كفالة بالمال؛ لأن الحنث يقع ناقل الأشياء.
واختلف إذا حكم القاضي على الضامن بالغرم فأحضره قبل الغرم فمذهب المدونة، وهو المشهورأنه يغرم خلافا لسحنون وهذه طريقة اللخمي، وابن يونس وغيرهما، ونص المدونة: ولو حكم عليه بالمال بعد التلوم لزمه المال ومضى الحكم فقال بعضهم بإشهاد الحاكم، وإن لم يغرم وهو قول عبدالملك، وقال بعضهم: المراد إذا دفع بعد الحكم وكلا التأويلين حكاه عياض.
قال خليل: وما ذكره خلاف الطريقة الأولى، ولو شرط رب المال على الضامن الوجه أن يحضر له الغريم ببلد سماه فأحضره ببلده تناله الأحكام فيه فنقل ابن عبد الحكم في إبرائه قولين وأجراهما المازري على الخلاف في شرط ما لا يفيد ورده ابن عبد السلام بأنه قد تكون البلد المشترط فيها فائدة لرب المال ككونها سكنى البينة التي ثبت بها الحق أو يكون الحق غير الدنانير والدراهم مما يقصد به موضع خاص.
(ومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا إلا أن يغره منه):
قال ابن الحاجب: الحوالة: نقل الدين من ذمة إلى ذمة لتبرأ بها الأولى وتعقب من وجهين:
أحدهما: أن النقل حقيقة في الأجسام مجاز في المعاني والدين لا ينتقل وإنما يؤخذ مثله من ذمة أخرى.
الثاني: أن قوله لتبرأ بها الأولى حشو لعدم إفادته مدخلا ومخرجا، وإنما هو علة والعلة غير المعلول وكلاهما ذكره ابن رشد رحمه الله تعالى.
وقال ابن عبدالسلام في قوله لتبرأ بها الأولى: هو على طريق البيان.
وقال الشيخ خليل: لعله احترز به من الحمالة فإن فيها شغل ذمة أخرى بالحق، ولا تبرأ بها الأولى وما ذكره ضعيف؛ لأن قوله نقل الدين يقتضي خروج الحمالة وحكمها الندب، وقيل: إنها مباحة.
قال بعضهم: وما ذكر الشيخ أنه يرجع عليه إذا غره هو نص المدونة وعارضها غير واحد كالشيخ أبي اسحاق التونسي بقوله في المساقاة: من باع سلعة بثمن إلى أجل ممن ظن ملاءه فبان عدمه أنه لا مقال له، وفرق ابن يونس بأن الحوالة بيع دين بدين وأجيزت للرخصة وشراء الدين لا يجوز حتى يعلم ملاء الغريم من عدمه؛ لأن شراء لما في ذمته فوجود ذمته معيبة كوجود السلعة معيبة والذي باع السلعة لم يقصد شراء ما في ذمته.
وفرق التونسي بأن البياعات تتكرر كثيرا لشدة الحاجة إليها فالكشف مما يشق فلو لم يجز البيع للبائع إلا بعد الكشف عن ذمة المشتري، والبحث عنها لتعذرت أكثر البياعات بخلاف الحوالة لعدم تكررها، وذكر المازري أيضا وزاد فرقا آخر، وهو أن البائع يدفع للمشتري سلعة تقارب الثمن الذي يحل في ذمته فاستغنى بذلك عن الكشف بخلاف الحوالة.
قال ابن عبد السلام: وحكى غير واحد من الشيوخ الموثق بنقلهم عن مالك أنه لا يلزم المحال الكشف عن ذمة المحال عليه هل غني أو فقير بخلاف شراء الدين، وفرق بعضهم بأن الحمالة طريقتها المعروف بخلاف البيع فإن مبناه على المكايسة.
قلت: ما ذكر عن الشيخ صحيح نقله اللخمي المازري وهو خلاف ما تقدم لابن يونس، قاله بعض شيوخنا، ولو شرط المحال على المحيل إن أفلس المحال عليه فإنه يرجع عليه فإن شرطه نافع قاله المغيرة، ونقله الباجي كأنه المذهب.
وقال ابن رشد: هذا صحيح لا أعرف فيه خلافا.
قلت: استشكله بعض شيوخنا لأنه شرط مناقض لمقتضى الحوالة وقد علمت قول ابن القاسم ذا شرط في العارية التي لا يغبب عليها الضمان إنه لا أثر له.
(وإنما الحوالة على أصل دين إلا فهي حمالة):
يعني: أنه يشترط أن يكون على المحال عليه دين للمحيل فمهما لم يكن فهي حمالة وسواء كانت بلفظ الحمالة أو الحوالة وهذا الذي قاله هو المشهور.
وقال ابن الماجشون: إذا كان بلفظ الحوالة فلها حكم الحوالة نقلها الباجي، ويشترط أن يكون الدين المحال به حالا من غير خلاف ووقع في السلم الثاني من المدونة ما يوهم خلافه في قوله ولو استقرض الذي عليه السلم مثل طعامك من أجنبي أو سأله أن يوفيك أو أحالك به، ولم تسأل أن الأجنبي جاز ذلك قبل الأجل أو بعده فأورد
بعضهم في درس ابن عبدالسلام عليه حين إقرائها أنه خلاف المذهب في اشتراط حلول المحال به فلم يحضره، ولا غيره جواب ثم بان لبعض شيوخنا يسره بأن شرط الحلول إنما هو في الحوالة الحقيقية التي هي على أصل دين، وهذا مجاز لأنها على غير أصل دين فهي حمالة قال ويؤيده قولها في الحوالة إن أحالك مكاتبك على من لا دين له قبله لم يجز لأنها حمالة بكتابة وتجوز الحوالة ولا تجوز الحمالة بها على أصل دين.
ويشترط أن يحضر المحال عليه ويقر بالدين عند ابن القاسم خلافا لابن الماجشون وللأندلسيين القولان ولابد من رضا المحيل والمحال.
وصرح ابن رشد وابن الحاجب بأنهما من شروطهما، ولم يعدهما اللخمي، وابن رشد منها.
قال بعض شيوخنا: وهو أحسن والأظهر أنهما جزآن لها لأنهما كلما وجدا وجدت ونصر شيخنا أبو مهدي الأول بأن حدها يدل على أنهما من الشروط إذا لم يذكر ذلك في الحد، وأما رضا المحال عليه فإنه لا يشترط ونقل ابن زرقون عن زاهي ابن شعبان اعتباره.
(ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغريم أو غيبته):
ما ذكر هو القول الذي رجع إليه مالك وبه أفتى ابن القاسم وكان يقول: يتبع أيهما شاء، والقولان في المدونة، وقال ابن الحاجب: وللمضمون له مطالبة من شاء منهما وفيها لا يطالب والأصل حاضر مليء لكن إذا غاب أو فلس ورآه كالرهن.
وقيل: أو كان ملطاطا، قلت: وهو معترض من وجهين:
الأول: أن كلامه يقتضي أن المشهور من المذهب أن يتبع أيهما شاء وليس كذلك بل الذي أخذ به ابن القاسم هو الذي يعول إليه أهل المذهب وصرح بن ابن رشد أنها الرواية المشهورة، وقوله: وفيها لعله نسبها لها ليبين أن ما فيها هو المشهور بعيد.
الثاني: أن كلامه يوهم أن المدونة إنما فيها قول مالك وليس كذاك ومعنى قوله أو كان ملطاطا أي جاحد الحق.
قال بعض شيوخنا: ولا أعرف هذا القول في هذا المسألة بل في غيرها.
وسلمه ابن عبدالسلام بل قال في عده خلافا نظر.
وقال ابن راشد: لا ينبغي عده خلافا بل قال: وهو جار على المشهور وكذلك ذكره غيره.
(ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه ولا يحل ما كان له على غيره):
قال عبد الحق عن بعض البغداديين: إنما وجب ذلك لأن الميت انقطعت ذمته،
ولأن الوارث وجب له المال، ولا إرث إلا بعد أداء الدين والفلس عيب في ذمته فلرب الدين أن يأخذ دينه؛ لم يدخل على ذمة خربت معينة.
وما ذكر الشيخ هو المشهور ونحا الشيخ أبو القاسم السيوري إلى عدم حلول الدين في الموت قيل: وأحرى أن يقال ذلك في الفلس واستقراه من المدونة من قولها في القراض إذا مات العامل بقي المال في يد وارثه يعمل فيه إن كان أمينا أو أتى بأمين، وقبله غير واحد كابن عبدالسلام.
ورده بعض شيوخنا بأن مال القراض ليس دينا في الذمة على العامل إجماعا وإنما هو أجبر فيه ووجه عمل وارثه فيه مذكور في القراض.
وقال اللخمي: القياس إذا أتى المفلس بحميل أن يبقى عليه لأجله لأن تعجيله إنما هو خوف أن لا يكون له عند الأجل شيء ويدخل في كلام الشيخ إذا فلس المكتري لدار اكتراها سنة مثلا فإنه يحمل ما عليه وهو ظاهر المدونة، قال فيها وإذا فلس المكتري فصاحب الدابة أولى بالمبتاع من الغرماء فإنه يقتضي تعجيل حقه ولا يصح أن يبيع الغرماء منافع دابته ويبقى هو مطالبا بالكراء ومن له فيها أيضا إذا اكترى أرضا فزرعها ثم فلس أنه يحاصص الغرماء بالكراء قال المازري، وذكر لي بعض الشيوخ أن عبدالوهاب نص عليه في شرح الرسالة وكذلك ذكر لي عن المبسوط ولم أو قدر علي النقل في هذين الكتابين ولكن عندي أن المسألة كالمنصوص فيها على القولين لأنه اختلف فيمن أكرى داره خمس سنين وقبض كراءه ومر عليه حول هل يزكي الجميع أو العام الأول فقط قلت: والذي به الفتوى عندنا أنه لا يزكي وهو الجاري عمى قول ابن القاسم أن قبض الأوائل ليس قبضا للأواخر خلافا لأشهب وقاله ابن رشد في مقدمته في كتاب التفليس.
(ولا تباع رقبة المأذون فيما عليه ولا يتبع به سيده):
ما ذكر هو المشهور وقال سحنون: تباع رقبته نقله الفاكهاني ويعني الشيخ أنه تتبع به ذمته سواء بقي في ملك سيده أو أعتقه، قال في أول مسألة من كتاب المأذون من المدونة ومن خلا بين عبده وبين التجارة يتجر فيما شاء ولزم ذمته ما يداين به ثم قال بعد وإن أعتق يوما ما بقي الدين في ذمته وأما الذي لم يؤذن له في التجارة فلا يتبع بشيء إلا أن يعتقه يوما ما فيتبع بذلك إلا ان يفسخه عنه سيده أو السلطان لأن ذلك يعيبه ومعنى فسخ السلطان إذا كان السيد غائبا قاله المغرب في النكاح الأول.
وقاله ابن عبدالسلام هناك أيضا يدفع السيد له وطالبه ذلك فإن قلت كيف يعيبه مع أنه لا يتبع به إلا إذا أعتق فهو لا يحط شيئا من ثمنه قلت لاحتمال أن يتهم عليه أنه
استأذنه في فساد هو يبخس من ثمنه ولو استهلك المأذون وديعته فإنه لا يبا فيه عند ابن القاسم وقال يحيى بن عمر هي جناية في رقبته، وعلى الأول فالمعروف من المذهب في ذمته فهما أمكن أخذها ولو قبل العتق أخذت ونقل ابن عبدالسلام عن أشهب أنها تتعلق بذمته لا تؤخذ من ماله الآن.
(ويحبس المديان ليستبرأ):
أعلم أن المديان إذا امتنع من أداء عليه فهو على ثلاثة أقسام:
الأول: إن كان موسرا به، قال مالك يسجن ويضرب بالسوط مرة بعد مرة حتى يؤدي ما عليه أو يموت أو يتبين أن لا شيء معه وبه قضى سحنون على أحمد بن أبي الجواد ولم يزل يضربه ضربا بعد ضرب حتى مات حسبما هو مذكور في المدارك وغيرها، الثاني إذا طلب التأخير لأداء ما عليه فقال سحنون يؤخر اليوم وشبهه.
وقال مالك: يختلف حال الملأ والمعدوم وقلة المال وكثرته وحيث يؤخر فلابد من حميل قاله قاله سحنون وفي المبسوط عن مالك لا يلزمه ذلك الثالث: مجهول الحال في المقدمات يحبس بقدر ما يستبرأ أمره ويختلف باختلاف الدين فيحبس في يسير الدريهمات نصف شهر، وفي كثير المال أربعة أشهر وفي الوسط شهرين قاله ابن الماجشون، قلت: وهذا الوجه هو الذي تكلم عليه الشيخ، وظاهر كلامه أنه محمول على املأ وهو المعروف إذ لو كان عنده محمول على العدم لما سجنه، ولكلف الطالب إثبات ملائه إذ ذاك يسجنه وقيل أنه محمول على العدم وقيل: إن كان عن عوض على الملأ وإن كان على غير عوض كنفقة الأبوين فعلى العدم ولو سأل الطالب أن يفتش دار المديان فقال ابن سهل: شاهدت الفتوى والحكم بطليطل أنه يفتش عليه مسكنه فما ألقى من متاع الرجل بيع عليه وأنصف الطالب منه، ولا يختلف فقهاؤنا فيه وأنكر ذلك على أكثرهم فلم يرجعوا عنه. وسألت ابن عات عند ذكره، وكذلك أنكره أيضا ابن مالك.
وقال: أرأيت الذي يلقي في بيته إن كان ودائع قلت هو محمول على أنه ملك له حتى يثبت خلافه قال فيلزم إذا الاستيناء به حتى يعلم هل له طالب أم لا؟ وأعلمت ابن القطان بفعل أهل طليلطة فقال لي: ما هو ببعيد قال ابن رشد: وأراه حسنا فيمن ظاهر اللدد والمطل، وحيث يسجن الغريم فإنه لا يخرج ولو لصلاة الجمعة أو العيدين، وإن اشتد مرض أبويه أو ولده أو إخوته أو من يقرب من قرابتهوخيف موتهفإنه يخرج بكفيل بوجهه، قاله ابن عبد الحكم نقله أبو محمد ونقله ابن يونس عن ابن المواز قال المازري: وأخذ بعض أشياخي يريد به اللخمي أن الجمعة فرض كفاية ويرد لها بدلا فتسقط بالمطر على قول وأبيح التيمم إذا كثر ثمن الماء فكذلك الخوف على تلف مال الغرماء
بخروجه للجمعة. قال والأولى لا يمنع منها إن أمكن خروجه له مع عدم ضرر الغرماء.
(ولا حبس على معدم):
مثله قال في المدونة، قال في المقدمات: ويحلف ما له باطن ولا ظاهر فإن وجدها مالا ليؤدين إليه حقه وعن ابن سهل هذه اليمين لابن لبابة وغيره، قال ابن فتوح وزاد بعض المفتين في اليمين وليعجلن الأداء لأنه قد يؤديه بعد طول، وزاد بعضهم لئن رزقه الله مالا في سفره ليعجلن الأوبة والأداء، ونقل ابن عبدالسلام عن مالك أنه لم ير زيادة قوله وإن وجد قضاء ليقضين، قال خليل ولم أر من نقله عن مالك فإن ثبت فإنه يحمل على أنه قول شاذ ولو شهدت بينة بعدمه وأخرى بملائه ففيها اضطراب شهير في المذهب والعمل بتونس على تقديم بينة الملأ وهذا ما لم تقل بينه الملأ له مال باطن أخفاه فإن قالت ذلك قدمت اتفاقا.
(وما انقسم بلا ضرر قسم من ربع وعقار):
قال ابن رشد: لا خلاف أن المكيل والموزون إذا كان صبرة واحدة أنه يقسم على الاعتدال بالكيل والوزن وعلى تبيين الفضل ولو حرم فيه التفاضل ويجوز بالمكيال والصنجة المجهولين، ونقل ابن زرقون عن ابن الماجشون يقسم التمر والرطب العنب على أكثر شأنه في البلد من كيل أو وزن وقال محمد بن عبد الحكم لا بأس أن يقسم القاضي الزبيب كيلا، أو وزنا على أي ذلك شاء وقال أشهب: في المدونة يبيع الزيت بالكيل، فأما الوزن فإن عرف ما فيه من الكيل فلا بأس به، وإن اختلف فلا خير فيه فجعل الأصل الكيل قال المتيطي عن أصبغ: لا يأمر القاضي بقيم بين ورثة طلبوه منه حتى يثبت عنده ملك موروثهم ما طلبوا قسمه إلى أن هلك ولا يحكم إلا بما ثبت عنده وإن أحبوا قسم ذلك لم يعرض لهم وهو الشأن وعليه العمل، قال بعض الأندلسيين: هذا قول مالك وأصحابه قال أبو عمر في كافيه وإن قسم القاضي بينهم دون أن يثبتوا عند الملك ذكر في كتاب قسمهم أن ذلك بإقرارهم دون بينة.
(وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه):
ما ذكر مثله في المدونة قال فيها: إن لم ينقسم ما بينهم من ربع أو حيوان أو عرض وشركته بإرث أو غيره، فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه ثم للآبي أخذ الجميع بما يعطي فيه فأخذ غير واحد أن ليس لطالب البيع أخذه إلا بزيادة ما وقف عليه من الثمن وهو أحد القولين، وقيل لكل من الشريكين أخذه بذلك الثمن قيل: وبه
أفتى القاضي أبو الوليد وظاهر المدونة والرسالة ولو دخل أحد الشريكين على الآخر، وليس كذلك إذ لا حجة في بخس الثمن في حظه منفردا لأنه كذلك اشترى قاله عياض قال وقول شيخنا القاضي أبي الوليد لمثل قول الداودي في رباع الغلة وما لا يحتاج إلى السكني والانفراد إنه لا يجبر عليه من أباه مطلقا لأنه رباع الغلة إنما تراد للغلة وقيل ما يحط ثمن بعضها منفردا عن ثمنه في بيعه جملة بل ربما كان الراغب في شراء بعضه أكثر من الراغب في شراء جميعها بخلاف دار السكنى، قلت: ورده بعض شيوخنا بأن العيان خلافه إلا أن تكون عادتهم بالأندلس فواضح، وحيث حكمنا لمريد البيع بالتمكين منه فهل تخلي الدور والحوانيت وغيرها أم لا؟ في ذلك ثلاثة أقوال، فقيل بما ذكر، وقيل يكفي التزام الساكن أن لا يمنع من أراد التقليب من الدخول.
وقيل: لا يحكم بالإخلاء في الحوانيت وشبهها ويحكم في الدور وشبهها بالإخلاء نقله ابن عبدالسلام عن بعض قضاة بلده واختلف قول مالك فيما يبطل القسم صفته المقصودة كالبيت الصغير، والحمام والماجل وللقول قسم ما ذكر ذهب إليه ابن كنانة من أصحاب مالك وحده، قاله ابن حبيب وعزاه اللخمي وعياض، لابن القاسم في أحد قوليه واختار اللخمي المنع ولو رضوا فإن الحاكم يمنعم للنهي عن إضاعة المال ولا يقسم الباب ولا المصراعان ولا الخفان ولا النعلان قاله في المدونة وعدد أشياء أخر، واختلف في الغرارتين على ثلاثة أقوال فقال ابن وهب: لا تقسم قياسا على الخروج، وعكسه لأشهب وقيل: إن لم يكن في قسمتها فساد قسمت وإلا فلا قاله في المدونة وكلها ذكرها الباجي.
(وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد ولا يؤدي أحد الشركاء ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجزالقسم إلا بتراض):
قال ابن حارث: اتفقوا على ان كل صنف من الثياب أو إذا احتمل القسم وحده فإنه يقسم ولا يجمع وإن لم يحتمل القسم ففي ذلك ثلاثة أقوال، قال ابن القاسم: يجمع البز والحرير والديباج والقطن والكتان صنف، والمزعفر صنف لا يجمع شيء إلى الآخر، وقال ابن عبدوس أنكر سحنون مذهب ابن القاسم وصوب قول أشهب نما جاز فيه واحد باثنين لأجللم يجمع قلت وقول ابن القاسم أطلقه في المدونة مرة وقال في موضع آخر لم يحمل كل صنف منه القسم وحمل ذلك اللخمي وغيره على الخلاف واختلف في المعتبر في الدور فقيل المعتبر تقارب المواضع ولا يعتبر تساوي نفاقها قاله أشهب، وعكسه لابن القاسم في المجموعة.
وقال سحنون باشتراط التقارب وتساوي النفاق وكلها حكاها الباجي وجعل
غير واحد مذهب المدونة هو الثالث وجعل صاحب البيان أن مذهب المدونة هو الأول قال ويقوم منها قول آخر فأشار على ما تقدم عنها، واختلف في دار سكنى لميت إذا حملت القسمة على ثلاثة أقوال: فقيل: القول قول من أراد فرادها قاله ابن حبيب ونحوه في المدونة، وقيل: هي كغيرها قاله أبو عمران وغيره وقيل: إن كان للميت شرف بها فالأول وإلا فالثاني.
(ووصي الوصي كالوصي):
وإن بعد وعارض المغربي قول المدونة هذا بقولها في القذف إن مات المقذوف ولا وارث له فأوصى بالقيام في قذفه فلوصيه القيام به ولو كان له وارث فإن الحق له وأجاب بأن قوله لا وارث له إنما هو السؤال فلا يعول عليه هذا الذي قلناه في القذف والصواب في الفراق بينها إنما هو لما في القذف من العار فالعار الحاصل في أبي الوارث مثلا كأنه متعلق به ولما كان نظر الوصي في تزويجه البكر خارجا عن ذلك ناسب أن يقوم عليهم والله أعلم.
وفي بيع الخيار من المدونة ومن تزوج امرأة وشرطت عليه إن نكح أو تسري فأمرها بيد أمها فماتت الأم، فإن أوصت بذلك إلى أحد فذلك له، فجعل لها أن توصي وهو خلاف قول رهونها إذا مات العدل، وبيده رهن فليس له أن يوصي قبل موته بوضعه في يد غيره وذلك إلى المتراهنين.
قال المغربي: والفرق أن العدل إنما جعل له الحفظ لا غير ولم يجعل له النظر وفي بيع الخيار وجعل للأم النظر فأشبهت الوصي، وقال شيخنا أبو مهدي أيده الله الصواب في الفرق بأن في صلة الأم لو لم يكن الأمر كما ذكر لسقط حق الزوجة بخلاف مسألة الرهن، فإن الحكم إلى المتراهنين فلم يسقط الحق وليس لمقدم القاضي أن يوصي قال ابن عبدالسلام: هكذا قالوا والذي عندي أن أصول المذهب تقتضي تحريم خلاف فيه قلت: الأصل الذي أشار إليه والله أعلم هو اختلافهم في مقدم القاضي هل هو أولى بالإنكاح من الولي لأن القاضي أقامه مقام الأب.
وقد قال في المدونة: إنه كان كالوصي في جميع أموره وهو قول ابن حارث وابن لبابة وغيرهما والولي أولى لأنه مقدم على القاضي والمقدم على المقدم مقدم، قاله ابن حبيب وموسى بن أحمد الوتر وغيرهما حسبما ذكرنا ذلك في أوائل الأنكحة قال في المدونة: ولا وصية لجد.
وقال الشافعي: للجد في عدم الأب ما للأب من النظر ولما نقل ابن الحاجب أنه لا وصية للأم قال فيها: وتصح في اليسير كستين دينارا فأشار إلى أن القدس لا تصح في اليسير
كالكثير وكذلك صرح به ابن القاسم في المدونة، وقال استحسنه مالك وليس بقياس.
(وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم):
ظاهر كلامه يقتضي أنه مخير ولا يجبر عليه ببر أو بحر وهو كذلك رواه ابن وهب وقيده غير واحد بزمان الأمن واعلم أن عطاء ماله قراضا من معنى التجر لأنه للولد فهو شيء مأذون فيه لا يعارض بقولهم لا يودع إلا من ضرورة واختلف هل يعمل هو به قراضا أم لا؟ والقائل بمنعه هو أشهب، وفي رهون المدونة: ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه، قال اللخمي: ولا يسلف ماله لأنه معروف إلا أن يكون كثير التجر ويسلف اليسير مما يصلح وجهه للناس ولا بأس أن يتسلف له، والمذهب على أنه لا يشتري لنفسه من مال المحجور شيئا، ولا يتخرج فيه الجوازمن قول عبدالوهاب يجوز للوكيل احتياطا لليتيم لعجزه عن الذب عن نفسه والله أعلم.
فإن وقع تعقبه الحاكم فإن رآه سدادا أمضاه وإلا فلا، واختلف هل يراعي يوم الشراء قاله ابن كنانة أو يوم الحكم قالهابن الماجشون أو الأحوط على ثلاثة أقوال والثالث هو ظاهر المدونة في آخر كتاب الدور والأرضين في قوله: ولا أحب للوصي أن يشتري من مال يتيمه شيء أو يكري أرضا له من نفسه فإن نزل أعيد ما اشترى إلى السوق فإن زيد عليه بيع وإلا لزم الوصي ما اشترى قال شيخنا أبو مهدي الغبريني أيده الله تعالى.
قلت: وعليه يحمل ما في الوصايا الأول من المدونة ونحوه في الإجازة في قوله: ينظر السلطان فإن كان فيه فضل كان لليتامى وإلا ترك واختلف المذهب إذا قيل الوصي الوصية ثم بدا له على ثلاثة أقوال: فقيل له ذلك مطلقا، واسشكله بعض الشيوخ لأنه غر الموصي، إلا أن يقال التزم ما لا غاية له، وقيل لا رجوع له مطلقا على ظاهر قول القاضي عبدالوهاب في معونته إذا قيل الوصي الوصية ثم أراد تركها لم يجز له ذلك إلا أن يعجز أو يظهر له عذر لأنه قربة وفعل خير ألزمه لنفسه كالصوم الحج.
قال ابن شاس وهو ظاهر قول شيخنا أبي القاسم قال غيره وهو ظاهر قول التونسي عن أشهب، وقيل له ذلك في حياة الموصي وليس له ذلك بعد مماته وهو قول أشهب وظاهر قول المدونة وهذا كله ما لم يقبل بعد الموت فإن قبل فلا كلام له عند الأكثر باتفاق وقال ابن الحاجب: لا رجوع بعد الموت والقبول على الأصح، قال ابن هارون: ولا نعلم فيه خلاف، وقال ابن عبدالسلام قال بعضهم: ولا فرق بين قبوله بعد الموت أو قبله أن له الرجوع وقد أطرد تعليل أشهب بأن ما قبله في حياته لهالرجوع عنه في حياته لأنه لم يغره قلت قال بعض شيوخنا وما ذكره لا أعرفه لعير أبي إبراهيم في قوله لا فرق بين رجوعه قبل ولا بعد لأنه لم يغره.
وفرق بين قبوله بعد الموت قيل لما ثبت بالفعل بخلاف قبوله في الحياة قال أصبغ: فالرجل يوكله السلطان بالنظر لليتيم فيقبل ذلك منه فليس له أن يعتزل عن ذلك السلطانأو لم يعزل إلا أن يزيله السلطان على وجه النظر فهو في غير لحسن نظره فرأي بعض الشيوخ أنه مخالف للمدونة، وقال ابن عبدالسلام يحتمل أن يكون وفاقا لأن السلطان مستدرك لما أخل به الوصي وأهمله قبل الوصي من السلطان صار قبوله كأنه من الأب فلا رجوع له عنه قال: وهذا الكلام نبه عليه بعض الشيوخ في غير هذه المسألة وخالف فيه غير واحد لكنه مناسب هنا، قلت: المسألة التي أشار إليها هي مسألة الوتد السابقة ويقوم من قول أصبغ أن الرجل إذا التزم إمامة مسجد بتقديم القاضي فليس له أن يعزل نفسه لا أن يكون عرفا فإما بالإطلاق وإما بإرادة تبديله بغيره لكثرة مرتبة الثاني فله ذلك والعمل جرى عندنا بأن له ذلك مطلقا فصار مدخولا عليه.
(ومن أوصى إلى غير مأمون فإنه يعزل):
ظاهره وإن علم الموصي بعيبه وهو كذلك عند سحنون، وهو ظاهر أول قسمة المدونة وإذا أسند مسلم وصيته إلى ذمي أو مسخوط لم يجز ذلك ولا يكون وصيا وهو ظاهر ما في وصاياها أيضا، وقال المغيرة: لا يعزل ويقوم مع عدل وقال أصبغ ومصرف وابن الماجشون بالأول إلا أن يكون مثل القريب والمولى والزوجة، ومن يرى حسن النظر لقرابته أو لولايته وشبه ذلك فالثاني وقيل: إن لم يعلم الذي أوصاه بحاله فالأول وإلا فالثاني نقله ابن الحارث، وظاهر كلام الشيخ أن المأمون الوصية إليه صحيحة وإن كان أعمى واعلم أنه يشترط في الوصية خمسة شروط ذكرها ابن شاس أن يكون مسلما، مكلفا، عدلا، ذا كفاءة، وذا هداية في التصرف.
وإن أوصى ذمي إلى مسلم، فقال في المدونة: إنلم تكن تركته خمرا أو خنازير ولم يخف أن يؤخذ بالجزية فلا بأس بذلك، واختلف في عكسها على ثلاثة أقوال: فقال ابن القاسم: كره مالك الوصية لليهودي والنصراني وكان قبل يجيزه وأن أرى أنه لا بأس به إن كان على وجه الصلة مثل أن يكون أبوه يهوديا أو نصرانيا أو أخوه أو إخوته فليصلهم وأراه حسنا وأما غير هؤلاء فلا، وأما وصية الذمي للذمي فلا يمنعون منها وإن كان في الوصي خمر قاله ابن الماجشون وقال أشهب: ولو أوصى ذمي إلى حربي لم يجز وإن كان مستأمنا وإن أوصى الحربي المستأمن إلى ذمي جاز وتجوز وصية الحربي للمسلم.
(ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث):
الأمر كما قال لأن الكفن مقدم على الدين ونص على ذلك من رواية ابن القاسم ووجهه أن الغرماء عاملوه على ذلك ألا ترى أنه إذا فلس لا يباع لباسه المعتاد ما عدا ثوبي جمعته إذا كانت لهما قيمة لأنهما في حقه سرف، وقال ابن كنانة: لا يترك للمفلس إلا ما يستر به عورته خاصة فيجري على قوله هذا لا يلزم الغرماء في الموت إلا ستر العورة خاصة والباقي عل المسلمين من باب أخرى لخراب ذمته بالموت والله أعلم.
ولم يرتض شخينا أبو مهدي رحمه الله ما ذكرنا عن التخريج لقدرة المفلس على السعاية ويريد الشيخ أن مؤنة الدفن كالكفن مقدمة وخشونة كفنه ورقته على قدر حاله.
(ومن حاز دارا على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبه حاضر عالم لا يدعي شيء فلا قيام له):
ما ذكر الشيخ أن الحرز مقداره عشر سنين قال به جميع أصحاب مالك وقيل: لا حد في ذلك والمرجع إلى العرف وهو قول مالك في المدونة قال فيها: ولم يحك مالك في الحيازة عشر سنين ولا غير ذلك، وقيل: تسع سنين قاله ابن القاسم في أحد قوليه، ويريد الشيخ ما لم يحدث فيها من هي بيده بناء أو هدما فإن أحدث فيها شيء من ذلك سقط قول المدعي إذا علم بنفس الفعل واختلف المذهب، هل يلزم الحائز الكشف من أين صارت له أم لا؟
فأفتى ابن أبي زمنين بأنه لا يلزمه قائلا: لأنه يقول ملكتها بوجه لا يريد إظهاره وخالفه غيره والقولان ذكرهما عياض، واختار شخينا أبو مهدي حفظه الله الأول قاله وبه القضاء واعلم أن الخلاف السابق إنما هو الحاضر وأما الغائب فلا حيازة عليه قاله في المدونة، وأطلق الكلام في هذا ولا شك أن الغيبة على قسمين تارة تكون بعيدة فالأمر كما ذكرنا وتارة تكون قريبة كأربعة أيام ثبت عجزه وضعف عن الإتيان بذاته أو بالنيابة عنه بالتوكيل فكالأزل وعكسه حكمه حكم الحاضر، وإن أشكل أمره فهل يسقط حقه أم لا؟ في ذلك قولان لابن حبيب وابن القاسم وهذا كله في غير حق الله، وأما حق الله تعالى فلا ينتفع فيه بالحيازة وإن طالت أحدث ضررا على المسلمين في طريقهم باقطاع شيء منها.
وظاهر كلام الشيخ أن الحاضر محمول على عدم العلم حتى يثبت وهو كذلك عند ابن سهل، كذا عزاه بعض من لقيناه وهو ظاهر التهذيب قال فيه كان هذا المدعي يراه يبني ويهدم ويكري فلا حجة له.
وقيل إنه محمول على العلم حتى يثبت خلافه وهو قول ابن رشد رحمه الله.
وقيل بالأول إن كان وارثا وبالثاني إن لم يكن، قاله في وثائق المجموعة إنما هو التشبيه على فرع آخر متفق عليه، وهو إذا ادعى الوارث الجهل بملك موروثه الشيء المتنازع فيه فإنه يقبل قوله مع يمينه قاله المغربي.
انظر إذا قال علمته ولم أجد ما أقوم به ووجدته الآن هل يعذر أم لا؟ قلت واختار شخينا أبو مهدي حفظه الله أنه يقبل منه لأنه كالمعترف بأنه لا حق له مدع رفعه وقول المدونة في الذي يقول علمت العيب ونسبته مشكل قال الفاكهاني: واقتصر الشيخ على حيازة الرباع وأما الثياب فالسنة والحيوان والأمة والسنتين إلا أن يطأ فتكون أم ولد قاله أصبغ.
(ولا حيازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدة):
يعني وإنما المعتبر في ذلك أكثر من عشر سنين كخمسين سنة، وبه قال مطرف
في كتاب ابن حبيب قال: لا حيازة بين الورثة فيما يزرع أو يسكن إلا في مثل خمسين سنة، وقيل إن الأقرباء كغيرهم قاله أشهب وابن وهب وهو ظاهر المدونة قال فيها قلت لابن القاسم، أرأيت لو أن دارا لي ورثتها عن أبي وأقام ابن عمي بينة أنها دارجده وطلب موروثه قال هذا من وجه الحيازة التي أخبرتك، فإن قلت لأي شيء اختصرها البراذعي بلفظه سؤالا وجوابا، وقد قدمتم غير ما مرة أن لا يفعل ذلك إلا لمعنى من المعاني فما هذا المعنى.
قلت استشكالا للحكم لما علم من الحنانة والشفقة التي بين الأقرباء فلا يكون حكمهم بحكم الأجانب على الظاهر ببادئ الرأي فجعل حكمهم حكم الأجانب مشكل والله أعلم.
وقال بعض القرويين: إن كانت بين الأقرباء مشاحنة فهم كالأجانب يعتبر فيهم العشر سنين، وظاهر كلام الشيخ أن الولد كغيره من الأقارب وهو كذلك وروى أصبغ عن ابن القاسم ليس بين الولد وأبيه حيازة وإن طالت وما ذكر الشيخ من أن الصهر كالأقرباء وكذلك نص عليه سحنون في المدونة.
(ولا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو بقبضه):
يعني بالمرض المخوف عليه، وإنما كان ذلك كما قال لأنه يتهم أن يكون كاذبا، والحامل كالصحيح حتى تدخل في الشهر السادس فهي كالمريض في أحكامه حكاه المتيطي وقيل حتى تدخل في السابع قاله في الموطأ به فسر عياض المذهب في كتاب الخيار.
ونقهل المازري عنابن الماجشون فقط وقيل هي كالصحيح حتى يأخذها الطلق نقله المتيطي عن الداودي وابن شهاب.
قلت: قال بعض من لقيناه ممن يظن به حفظ المذهب بنقل غير ما مرة عن السيوري أن حكمها حكم الصحيح وإن أخذها المطلق لأن الأعم الأغلب عدم موتها ولم أقف عليه له بل حكى بعضهم الإجماع على أنها حينئذ كالمريض.
قال المازري: فإن صح الإجماع فواضح وإلا فمقتضى النظر أنه لا يحكم لها بذلك لأنه لو كان الموت على هذا المرض غالبا للزم أن لا تلد المرأة إلا مرة واحدة، والمعلوم خلافه وخارج المذهب قول عن المسيب هي بمنزلة المريض من أول حملها وهو بعيد، وطاهر كلام الشيخ أن إقرار أحد الزوجين لصاحبه في مرضه لا يجوز وهو كذلك إن علم الميل والمحبة له دون غيره وعكسه عكسه وإن أشكل الأمر ففيه تفصيل ذكره ابن رشد في المقدمات، ولولا الإطالة لذكرناه قال في البيوع الفاسدة من المدونة