المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة أهل الأعذار - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٥

[المرداوي]

الفصل: ‌باب صلاة أهل الأعذار

بسم الله الرحمن الرحيم

‌بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ

وَيُصَلِّى الْمَرِيضُ كَمَا قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» .

ــ

بابُ صلاةِ أهْل الأعْذارِ

قوله: ويُصَلِّى المَريضُ كما قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لعمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ: «صلِّ قائمًا» . وهذا بلا نِزاعٍ، مع القُدْرَةِ عليه. وكذا يلْزَمُه لو أَمْكَنَه القِيامُ مُعْتَمِدًا على شئٍ، أو مُسْتَنِدًا على حائطٍ، أو غيرِه؛ وعندَ ابنِ عَقِيلٍ، لا يلْزَمُه اكْتِراءُ مَن يُقِيمُه

ص: 5

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويَعْتَمِدُ عليه.

فائدة: لو قدَر على قِيام فى صُورةِ راكِعٍ؛ لحَدَبٍ، أو كِبَرٍ، أو مَرضٍ ونحوِه، لَزِمَه ذلك بقَدْرٍ ما أمْكَنَه. ويأْتِى كلامُ ابنِ عَقِيلٍ فى الأحْدَبِ.

قوله: فإنْ لم يَسْتَطِعْ، فقاعِدًا. بلا نِزاعٍ. وكذا إنْ كان يَلْحَقُه بالقِيامِ ضرَرٌ، أو زِيادَةُ مرَضٍ، أو تَأخُّرُ بُرْءٍ ونحوُه، فإنَّه يصَلِّى قاعِدًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، لا يصَلِّى قاعِدًا إلَّا إذا عجَز عنِ القِيامِ، لَدَينا (1). وأسْقطَ القاضى

(1) فى ا: «رويناه» .

ص: 6

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القِيامَ بضَرَرٍ مُتَوَهَّم، وأنَّه لو تحَمَّل الصِّيامَ والقِيامَ حتى زادَ مرَضُه، أَثِمَ. ونقَل عبدُ اللَّهِ، إذا كان قِيامُه يُوهِنُه ويُضْعِفُه، أحَبُّ إلىَّ أنْ يصلِّيَ قاعِدًا. وقال أبو المَعالِى: يصَلِّى شيْخٌ كبيرٌ قاعِدًا إنْ أمْكَنَ معه الصَّوْمُ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو كان فى سَفينَةٍ، أو بيْتٍ قصيرٍ سقْفُه، وتعَذَّرَ القِيامُ والخُروجُ، أو خافَ عدُوًّا إنِ انْتَصَبَ قائِمًا، صلَّى جالِسًا. على الصَّحيحِ مِنَ

ص: 7

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، نصَّ عليه. وقيل: يصَلِّى قائِمًا ما أمْكَنَه؛ لأنَّه إنْ جلَس انْحَنَى، ثم إذا ركَع، فقيل: يُسْتَحَبُّ أنْ يزيدَ قليلًا. وقيل: يزيدُ، فإنْ عجَز حنَى رقَبَتَه. قال فى «الفُروعِ»: فظاهِرُه، يجِبُ. وجزَم بالثَّانِى ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» الثَّانيةُ، حيثُ قُلْنا: يصَلِّى قاعِدًا. فإنَّه يتَربَّعُ اسْتِحْبابًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، يجبُ التَّربُّعُ. وعنه، إنْ أطالَ القِراءةَ ترَبَّعَ، وإلَّا افْتَرَشَ. وحيثُ ترَبَّعَ فإنَّه يَثْنِى رِجْلَيْه، كالمُتَنَفِّلِ قاعِدًا على ما مَرَّ، لكنْ إن قدَر أن يرْتَفِعَ إلى حَدِّ الرُّكوعِ، لَزِمَه ذلك، وإلَّا ركَع قاعِدًا. قالَه أبو المَعالِى فى «النِّهايَةِ» ، وصاحِبٌ «الرِّعايَةِ». وقال ابنُ تَميمٍ: ويَثْنِى رِجْلَيْه فى سُجودِه. وفى الرُّكوعِ رِوايَتان. وتقدَّم الصحيحُ مِنَ المذهبِ، هل يَثْنِى رِجْلَيْه فى

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رُكوعِه كسُجودِه أم لا؟ فى بابِ صلاةِ التَّطوُّعَ (1).

تنبيه: ظاهِرُ قولِه: فإنْ لم يَسْتَطِعْ، فعلى جَنْبٍ. أنَّه لو لم يشُقَّ القُعودُ عليه، أنَّه لا يصَلِّى على جَنْبٍ، بل يصَلِّى قاعدًا. وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. والصَّحيحُ منَ المذهبِ؛ أنَّه يصَلِّى على جَنْبِه، إذا شَقَّ عليه الصَّلاةُ قاعِدًا، لو بتعَدِّيه بضَرْبِ ساقِه

(1) انظر: الجزء الرابع صفحة 200، 201.

ص: 9

فَإِنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهِ، وَرِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، صَحَّتْ

ــ

ونحوِه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ.

فائدة: حيثُ جازَ له الصَّلاةُ على جَنْبه، فالأفْضلُ أنْ يكونَ على جَنْبِه الأيمَنِ، وليس بواجبٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يلزَمُه الصَّلاةُ على جَنْبِه الأيمَنِ.

قوله: فإنْ صلَّى على ظَهْرِه، ورِجْلاه إلى القِبْلَةِ، صحَّتْ صَلاُته، فى أحدِ

ص: 10

صَلَاتُهُ، فِى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

ــ

الوَجْهَيْن. وهما رِوايَتان. وأطْلقَهما فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ؛ إحْدَاهما، تصِحُّ صلاُته. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «العُمْدَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الإفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» . وصحَّحه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، ونصرَه. وقدَّمه فى «الكافِى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا الأشْهَرُ.

ص: 11

وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَيَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ،

ــ

والوَجْهُ الثَّانِى، لا يصِحُّ. ونصَره المُصَنِّفُ ومالَ إليه. فال فى «الشَّرْحِ»: عدَمُ الصِّحَّةِ أظهَرُ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» ؛ لأنَّهم ما أباحُوا الصَّلاةَ على الظَّهْرِ إلَّا مع العَجْزِ عنِ الصَّلاةِ على جَنْبِه. وعنه، يُخَيَّرُ. نقَل الأَثْرَمُ وغيرُه، يصَلِّى كيفَ شاءَ، كِلاهُما جائزٌ. ونقَل صالِحٌ، وابنُ مَنْصُورٍ، يصَلِّى على ما قدَر وتيسَّر له. انتهى. فعلى المذهبِ، يُكْرَهُ فِعْلُ ذلك. قطَع به فى «الفُروع» ، و «الرِّعايَةِ» . وقال فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، وغيرِهما: يكون تارِكًا للمُسْتَحَبِّ. قال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» : يكود تارِكًا للأوْلَى.

تنييه: محَلُّ الخِلافِ؛ إذا كان قادِرًا على الصَّلاةِ على جَنْبِه وصلَّى على ظَهْرِه، أمَّا إذا لم يقْدِرْ على الصَّلاةِ على جَنْبهِ، فإنَّ صلَاتَه صحيحة على ظَهْرِه، بلا نِزاعٍ.

فائدة: قال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن» : فعلَى القولِ بالصِّحَّةِ؛ صلاتُه على جَنْبِه الأيْسَرِ أفْضَلُ مِنِ اسْتِلْقائِه فى أصَحِّ الوَجْهَيْن. وعكْسُه ظاهِرُ كلامِ القاضى، وأبِى الخَطَّابِ.

قوله: ويُومئُ بالركُوعِ والسُّجُودِ. يعْنِى، مهْما أمْكنَه. وهذا المذهبُ، نصَّ عليه. وقال أبو المَعالِى: أقلُّ رُكوعِه مُقابلَةُ وَجْهِه ما وراءَ رُكْبَتِه مِنَ الأرْضى أدْنَى مُقابَلَةٍ، وتَتِمَّتُها الكَمالُ.

ص: 12

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو سجَد قدْرَ ما أمْكنَه على شيءٍ رفَعه، كُرِهَ، وأجْزأَه. نصَّ عليهما. وعنه، يُخَيَّرُ. وذكَر ابنُ عَقِيل رِوايةً، لا يُجْزِئُه، كيَدِه. انتهى. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه لا بأْسَ بسُجودِه على وِسادَةٍ ونحوِها. وعنه، هو أوْلَى مِنَ الإيماءِ.

ص: 13

فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْمَأَ بِطرفِهِ، وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ.

ــ

قوله: فإنْ عجَز عنه، أوْمأَ بطَرْفِه. هذا المذهبُ بلا رَيْب. ويكونُ ناوِيًا مُسْتَحْضِرًا للفِعْلِ والقوْلِ، إنْ عجَز عنه بقَلْبِه. وقال فى «التبصِرَةِ»: صلَّى بقَلْبِه أو طَرْفِه. وقال القاضى فى «الخِلافِ» ، وتَبِعَه فى «المُسْتَوْعِبِ»: أوْمأَ بعَيْنَيْه وحاجِبَيْه، أو قَلْبِه. وقاسَ على الإِيماءِ برَأسِه. وقال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ، لا يلْزَمُه الإِيماءُ بطَرْفِه. وهو مُتَّجَهٌ؛ لعدَمِ ثُبوتِه. انتهى. قال فى «النُّكَتِ» ، عن كلامِ القاضى، وصاحِبِ «المُسْتَوْعِبِ»: ظاهِرُه، الاكْتِفاءُ بعَمَلِ القَلْبِ، ولا يجِبُ الإِيماءُ بالطَّرْفِ، وليس ببَعيدٍ. ولعَلَّ مُرادَه، أو بقَلْبِه، إنْ عجَز عنِ الإِيماءِ بطَرْفِه. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: لو عجَز المرِيضُ عنِ الإِيماءِ برَأْسِه، سقَطتْ عنه الصَّلاةُ، ولا يلْزَمُه الإِيماءُ بطَرْفِه. وهو رِوايةٌ عن أحمدَ.

ص: 14

وَإنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أوِ الْقُعُودِ فِى أَثْنَائِهَا، انْتَقَلَ إِلَيْهِ وَأتَمَّهَا.

ــ

فائدة: قال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُنونِ» : الأحْدَبُ يُجَدِّدُ للرُّكوعِ نِيَّةً؛ لكَوْنِه لا يقْدِرُ عليه، كمَرِيضٍ لا يطِيقُ الحَرَكَةَ يُجَدِّدُ لكلِّ فِعْلٍ ورُكْنٍ قصْدًا، كـ «فُلْكٍ» فإنَّه يصْلُحُ فى العَرَبِيَّةِ للواحِدِ والجَمْعِ بالنِّيَّةِ.

قوله: ولا تَسْقُطُ الصَّلاةُ. يعْنِى، بحالٍ مِنَ الأحْوالِ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال فى «الكافِى» ؛ قال هنا، وزادَ، ما دامَ عَقْلُه ثابِتًا. قال فى «النُّكَتِ»: فيَحْتَمِلُ أنَّه إذا عجَز عنِ الإِيماءِ بطَرْفِه، سَقطَتِ الصَّلاةُ، ويكونُ قوله: ولا تسْقُطُ الصَّلاةُ ما دامَ عقْلُه ثابِتًا. على الوَجْهِ المذْكُورِ، وهو قُدْرتُه على الإِيماءِ بطَرْفِه. ويدُلُّ عليه؛ أنَّ الظَّاهِرَ، أنَّه يَنْوِى بقَلْبه الإِيماءِ بطَرْفِه. انتهى. وعنه، تسْقُطُ الصَّلاةُ والحالَةُ هذه. اخْتارَها الشَّيْخُ تَقيُّ الدِّينِ. وضعَّفَها الخَلَّالُ.

قوله: فإنْ قدَر على القيامِ أوِ القُعُودِ فى أثنائِها، انْتقَل إليه وأتَمَّها. وهذا بلا نِزاعٍ، لكنْ إنْ كان لم يقْرَأْ، قامَ فقرأَ، وإنْ كان قد قرَأ، قامَ وركَع بلا قِراءةٍ، ويَبْنِى على إيمائِه، ويَبْنِى عاجِزٌ فيهما. ولو طرَأ عجْزٌ فأتَمَّ الفاتحةَ فى انْحِطاطِه، أجْزأ، إلَّا مَن بَرِئَ فأتمَّها فى ارْتفاعِه، فإنَّه لا يُجْزِئُه. قطَع به أكثرُ الأصحابِ.

ص: 15

وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ والْقُعُودِ، وَعَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا، وَبِالسُّجُودِ قَاعِدًا.

ــ

قال فى «الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ مِن عدَمِ الإِجْزاءِ بالتَّحْريمَةِ مُنْحطًّا، لا تُجْزِئُه. وقال المَجْدُ: لا تُجْزِئُه التَّحْريمةُ.

فوائد؛ إحْداها، لو قدَر على الصَّلاةِ قائمًا مُنْفرِدًا وجالِسًا فى الجماعةِ، خُير بينَهما. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به فى «الكافِى» ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه» ، و «مَجْمعِ البَحْرَيْن» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميم» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، وغيرهم. قال فى «النُّكَتِ»: قدَّمه غيرُ واحدٍ. وقيل: صلاتُه فى الجماعةِ أوْلَى. وقيل: تلْزَمُه الصَّلاةُ قائمًا. قلتُ: وهو الصَّوابُ؛ لأنَّ القِيامَ ركْنٌ لا تصحُّ الصَّلاةُ إلَّا به مع القُدْرَةِ عليه، وهذا قادِرٌ،

ص: 16

وَإذَا قَالَ ثِقَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالطِّبِّ لِلْمَرِيضِ: إنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِيًا أمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ. فَلَهُ ذَلِكَ.

ــ

والجماعةُ واجِبَةٌ تصحُّ الصلاةُ بدُونِها، وقُعودُهم خلفَ إمِام الحَىِّ لَدَلِيلٌ خاصٌّ. ثم وجَدْتُ أبا المَعالِى قدَّم هذا. وتقدَّم لو كان به رِيحٌ ونحوُه، ويقْدِرُ على حبْسِه حالَ القِيامِ، ولا يقْدِرُ على حبْسِه حالَ الرُّكوعِ والسُّجودِ فهل يرْكعُ ويسْجُدُ، أو يُومِئُ؟ فى بابِ الحَيْضِ، عندَ قوله: وكذلك مَن به سَلَسُ البَوْلِ. الثَّانيةُ، لو قال: إنْ أفْطَرتُ فى رَمضانَ، قدَرْتُ على الصَّلاةِ قائمًا، وإن صُمْتُ، صلَّيْتُ قاعِدًا. أو قال: إنْ صلَّيْتُ قائمًا لَحِقَنِى سَلَسُ البَوْلِ، أوِ امْتَنَعتْ علَىَّ القِراءةُ، وإنْ صلَّيْتُ قاعِدًا، امْتَنَعَ السَّلَسُ. فقال أبو المَعالِى: يصَلِّي قاعِدًا فيهما؛ لِما فيه مِنَ الجَمْع بينَهما فى الأُولَى، ولسُقوطِ القِيامِ فى النَّفْلِ. ولا صِحَّةَ مع ترْكِ القِراءةِ والحدَثِ. وقال فى «النُّكَتِ»: ومُقْتَضى إطْلاقِ كلامِ المَجْدِ؛ أنَّه يصَلِّى قائمًا. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. الثَّالثةُ، لو عجَز المَريضُ عن وضْع جَبْهَتِه على الأرْضِ، وقدَر على وضْعِ بقِيَّةِ أعْضاءِ السُّجودِ، لم يلزَمْه وضْعُ ذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّه إنَّما وجَب تبَعًا. وقيل: يلزَمُه. قالَه فى «القاعِدَةِ الثَّامنةِ» .

تنبيه: ظاهِرُ قوله: وإذا قال ثِقاتٌ مِنَ العُلَماء بالطِّبِّ للمريضِ: إن صَلَّيتَ

ص: 17

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُسْتلقيًا، أمْكنَ مُداواتُك. فلَه ذلك. إلَّا أنَّه لا يُقْبَلُ إلَّا قولُ ثلَاثَةٍ فصاعِدًا. قال فى «الفائقِ»: له الصَّلاةُ كذلك إذا قال أهْلُ الخِبْرَةِ: إنَّه ينْفَعُه. قال فى «المُحَرَّرِ» : ويجوزُ لمَن به رمَدٌ أنْ يصلِّىَ مُستَلْقِيًا إذا قال ثِقاتُ الطِّبِّ: إنَّه ينْفعُه. وكذا قال ابنُ تَميمٍ وغيرُه. قال ابنُ مُفْلحٍ، فى «حَواشِيه»: ظاهِرُ كلامِ الشَّيْخِ وجماعةٍ؛ أنَّه لا يُقْبَلُ إلَّا قوْلُ ثلاثةٍ. وقال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» : وليس بمُرادٍ. انتهى. قلتُ: الذى يظْهَرُ أنَّ مُرادَ المُصَنِّفِ، الجِنْسُ مع الصِّفَةِ،

ص: 18

وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِى السَّفِينَةِ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى الْقِيَامِ.

ــ

وليس مُرادُه العدَدَ، إذ لم يقُلْ باشْتِراطِ الجمْع فى ذلك أَحَدٌ مِنَ الأصحابِ فيما وَقَفتُ عليه مِن كلامِهم. وأيضًا فإنَّ ظاهِرَ كلامِ المُصَنِّفِ مُتَّفَق عليه، وإنَّما مفْهومُه عدَمُ القَبُولِ فى غيرِ الجمْع. وليس بمُرادٍ. واعلمْ أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، جوازُ فِعْلِ ذلك، بقولِ مسْلمٍ ثِقَةٍ، إذا كانِ طبيبًا حاذِقًا فَطِنًا. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الإفاداتِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وقيل: يُشْترَطُ اثنان. وتقدَّم ظاهِرُ كلام المُصَنِّفِ وغيرِه.

فوائد؛ إحْداها، حيثُ قبِلْنا قولَ الطَّيبِ، فإنَّه يَكْفِى فيه غَلَبَةُ الظَّنِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُشْترطُ لقَبُولِ خبَرِه أن يكونَ عن يقينٍ. قلتُ: وهو بعيدٌ جِدًّا. الثَّانيةُ، قوله: ولا تجوزُ الصَّلاةُ فى السَّفينَةِ قاعدًا، لقادِرٍ على

ص: 19

وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ خَشْيَةَ التَّأَذِّى بِالْوَحْلِ.

ــ

القِيامِ. بلا نِزاعٍ، ولو كانتْ سائِرَةً. ويجوزُ إقامَةُ الجماعةِ فيها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، لا تُقامُ إنْ صلَّوا جُلُوسًا. نصَّ عليه. حَكاه ابنُ أبى مُوسى. الثَّالثةُ، لو كان فى السَّفينَةِ، ولا يقْدِرُ على الخُروجِ منها، صلَّى على حسَبِ حالِه فيها، وأتَى بما يقْدِرُ عليه مِنَ القِيامِ وغيرِه، على ما تقدَّم. وكلَّما دارَتِ انْحرَفَ إلى القِبْلَةِ فى الفرْضِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا تجِبُ كالنَّفْلِ، على الأصَحِّ فيه. قلتُ: فيُعايَى بها على هذا القولِ، وعلى القولِ الثَّانِى فى النَّافِلَةِ. وتقدَّم هذا فى بابِ اسْتِقْبالِ القِبْلةِ (1).

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ؛ صِحَّةُ الصَّلاةِ فى السَّفينَةِ، مع القُدْرَةِ على الخُروجِ منها. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وعنه، لا تصِحُّ.

قوله: «وتجُوزُ صَلاةُ الفَرْض على الراحِلَةِ خَشْيَةَ التأذى بالوَحْلِ. وكذا

(1) انظر: الجزء الثالث صفحة 321.

ص: 20

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالمطَرِ، وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطعَ به كثيرٌ منهم. وعنه، لا تصِحُّ. واخْتارَه فى «الإرْشادِ» .

ص: 21

وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

ــ

قوله: وهل يجُوزُ ذلك للمَريضِ؟ على رِوايتَيْن. وأطْلقَهما فى «الهِدايَة» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الإرْشادِ» ؛ إحْداهما، لا يجوزُ. وهو

ص: 22

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ. نقَلَه الأكثرُ. واخْتارَه أيضًا أكثرُ الأصحابِ. قال المَجْدُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: اخْتارَه أكثرُ الأصحابِ. وصحَّحه فى «الرِّعايتَيْن» . وصحَّحه فى «النَّظْمِ» ، إذا لم يتَضَرَّر. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «مَجْمَع البَحْرَيْن» ، وغيرِهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجوزُ. صحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» . واخْتارَه أبو بَكْرٍ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحَواشِى». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وعنه، يحوزُ إذا لم يسْتَطِع النُّزولَ. نصَّ عليها فى رِوايَةِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ. قال فى «الفُروعِ»: ولم يصرِّحْ بخِلافِه. وجزَم به فى «الفُصولِ» وغيرِه. وقيل: إنْ زادَ تَضَرُّرُه، جازَ، وإلَّا فلا. وجزَم به فى «الشَّرحِ». وقدَّمه في «النَّظْمِ». قال المَجْدُ: والصَّحيحُ عندِى، أنَّه متى تضَرَّرَ بالنُّزولِ، أو لم يكُنْ له مَن يُساعِدُه على نُزولِه ورُكوبِه، صلَّى عليها، وإنْ لم يتَضرَّرْ به، كان كالصَّحيحِ. انتهى. وقال فى «المُذْهَبِ»: إن كانتْ صلاتُه عليها كصلاِتِه على الأرْضِ، لم يَلْزَمْه النُّزولُ، فإن كان إذا نزَل أمْكَنَه أن يأْتِىَ

ص: 23

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالأرْكانِ أو بعضِها، أو لم يكنْ ذلك مُمْكِنًا على الرَّاحِلَةِ، لَزِمَه النُّزولُ إذا كان لا يشُقُّ عليه مشَقَّةً شديدةً، فإن كانتِ المشَقَّةُ مُتَوَسِّطةً، فعلى رِوايتَيْن. وتقدَّم فى بابِ اسْتقْبالِ القِبْلةِ، صِفَةُ الصَّلاةِ على الرَّاحِلَةِ فى الفرْضِ وغيرِه (1).

فوائد؛ إحْداها، أُجْرَةُ مَن يُنْزِلُه للصَّلاةِ، كماءِ الوُضوءِ، على ما تقدَّم. ذكرَه أبو المَعالِى. الثَّانيةُ، لو خافَ المرِيضُ بالنُّزولِ، أنْ ينْقطِعَ عن رُفْقَتِه إذا نزَل، أو يعْجِزَ عن رُكوبِه إذا نزَل، صلَّى عليها، كالخائفِ على نفْسِه بنُزولِه مِن عدُوٍّ ونحوِه. الثَّالثةُ، وكذا حُكْمُ غيرِ المريضِ. ذكَرَه جماعةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم القاضى، وابنُ عَقِيلٍ. ونقَل مَعْناه ابنُ هانِئٍ، ولا إعادةَ عليه، ولو كان عُذْرًا نادِرًا. وذكَر ابنُ أبِى مُوسى، إنْ لم يسْتَقْبِلْ، لم يصِحَّ إلَّا فى المُسايَفَةِ. قال فى «الفُروعِ»: ومُقْتَضَى كلامِ الشَّيخِ، يعْنِى به المُصَنِّفَ، جوازُه لخائفٍ ومريضٍ. الرَّابعةُ، لو كان فى ماءٍ وطِينٍ، أوْمأَ، كمَصْلُوبٍ ومرْبُوطٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، يسْجُدُ على مَتْنِ الماءِ، كالغَريقِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ فيه. وقيلَ فى الغَريقِ: يُومِئُ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه لا إعادةَ على واحدٍ مِن هؤلاءِ. وعنه، يُعيدُ الكُلُّ. الخامسةُ، لو أتَى بالمأْمورِ الذى عليه، وصلَّى على الرَّاحِلَةِ بلا عُذْرٍ قائمًا، أو صلَّى فى السَّفينةِ مَن أمْكنَه الخُروجُ منها، وهى واقِفَةٌ أو سائرةٌ، صحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفروعِ» . وعنه، لا تصِحُّ. وقطَع به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِى» ، وغيرِهما فى الرَّاحِلَةِ.

(1) انظر: الجزء الثالث صفحة 320.

ص: 24

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه أبو المَعالِى وغيرُه. وقال فى «الفُصولِ» ، فى السَّفينةِ: هل تصِحُّ، كما لو كانتْ واقِفَةً، أم لا كالرَّاحِلَةِ؟ فيه رِوايَتان. انتهى. وحُكْمُ العجَلَةِ والمِحَفَّةِ ونحوِهما فى الصَّلاةِ فيها، حُكْمُ الرَّاحِلَةِ والسَّفينةِ، على ما تقدَّم. على الصَّحيحِ بِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». قال ابنُ تَميمٍ: وفى الصَّلاةِ على العجَلَةِ مِن غيرِ عُذْرٍ، وَجْهان؛ أصَحُّهما، الصِّحَّةُ. قال فى «الفُروعِ»: وقطعَ جماعةٌ، لا تصِحُّ هنا. كمُعَلَّقٍ فى الهَواءِ مِن غيرِ ضَرُورَةٍ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: المَنْعُ هنا أوْجَهُ مِنَ المَنْعِ هناك. قال ابنُ عَقِيلٍ: لا تصِحُّ فى العجَلَةِ؛ لأنها غيرُ مُسْتَقِرَّةٍ، كالأُرْجُوحَةِ. مع أنَّه اخْتارَ الصِّحَّةَ على الرَّاحِلَةِ والسَّفينةِ، كما تقدَّم. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: وما قالَه بعيدٌ جِدًّا؛ لكوْنِ السَّفينةِ فوقَ الماءِ، وظَهْرِ الحَيوانِ أقْرَبُ إلى التَّزَّلْزُلِ وعدَمِ القَرارِ، مِن جمادٍ مُعْظَمُه على الأرْضِ، فهى أوْلَى بالصِّحَّةِ. انتهى. قال فى «الفُروعِ»: فظاهِرُ ما جزَم به أبو المَعالِى وغيرُه؛ أنَّها تصِحُّ فى الواقِفَه. وجزَم أبو المَعالِى وغيرُه، أنَّه لا يصِحُّ السُّجودُ، وأنَّها لا تصِحُّ فى أُرْجوحَةٍ لعدَمِ تَمَكُّنِه عُرْفًا. قال ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ شِهَابٍ: ومِثْلُها زَوْرَقٌ صغيرٌ. وجزَم المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، أنَّها لا تصِحُّ فى أُرْجوحَةٍ، ولا مِن مُعلَّقٍ في الهَواءِ، وساجدٍ على هواءٍ أو ماءٍ قُدَّامَه، أو على حَشيشٍ أو قُطْنٍ أو ثَلْجٍ، ولم يجِد حجْمَه ونحوِ ذلك، لعدَمِ إمْكانِ المُستْقَرِّ عليه. انتهى.

ص: 25