الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِى الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَفِى الثَّانِيَةِ
ــ
الإِمامُ، إذا كان خُروجُهم بتَأْويلٍ سائغٍ. وقال ابنُ أبِى موسى: إذا غلَب الخارِجِىُّ على بَلَدٍ، وصلَّى فيه الجُمُعَةَ، أُعِيدَتْ ظُهْرًا. الثَّانيةُ، إذا فرَغ مِنَ الخُطْبَةِ نزَل، وهل ينْزِلُ عندَ لفْظةِ الإِقامَةِ، أو إذا فرَغ بحيثُ يصِلُ إلى المِحْرابِ عندَ قولِها؟ يحْتَمِلُ وَجْهَيْن. قالَه فى «التَّلْخيصِ» . وتَبِعَه فى «الفُروعِ» ، وابنُ تَميمٍ فى أوَّلِ صفَةِ الصَّلاةِ؛ أحدُهما، ينْزِلُ عندَ لفْظِ الإِقامَةِ. قدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . والثَّانى، ينْزِلُ عندَ فَراغِه.
قوله: ويُسْتَحَبُّ أنْ يقْرَأَ فى الأُولَى بِسورةِ الجُمُعَةِ، وفى الثَّانيةِ بالمُنافِقين.
بِالْمُنَافِقِينَ.
ــ
هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «النَّظْمِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «التَّسْهيلِ» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، و «الفائقِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، وغيرِهم. وعنه، يقْرَأُ فى الأُولَى بالجُمُعَةِ وفى الثَّانيةِ بسَبِّح. اخْتارَه أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ» . وأطْلَقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» . وعنه، يقْرَأُ فى الأُولَى بسَبِّح، وفى الثَّانيَةِ بالْغاشِيَةِ. قدَّمه فى «تَجْريدِ العِنايَةِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ تَميمٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» ، وغيرُهم: وإنْ قرَأ فى الأُولَى يسَبِّح، وفى الثَّانيةِ بالْغاشِيَةِ، فحسَنٌ. وقال الخِرَقِىُّ: يقْرأُ بالحَمْدِ وسُورةٍ. وقال فى «الوَجيزِ» : يصَلِّيها رَكْعَتَيْن جَهْرًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ يُسْتَحَبُّ أنْ يقْرَأَ فى فَجْرِ يومِ الجُمُعَةِ، فى الرَّكْعَةِ الأُولَى {الم} السَّجْدَةَ، وفى الثَّانيةِ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: لتَضَمُّنِهما ابْتِداءَ خَلْقِ السَّمَواتِ والأرْضِ، وخَلْقِ الإِنْسانِ إلى أنْ يدْخُلَ الجَنَّةَ أو
وَتَجُوزُ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا،
ــ
النَّارَ. انتهى. وتُكْرَهُ المُداوَمَةُ عليهما. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. قال الإِمامُ أحمدُ: لِئَلَّا يُظَنَّ أنَّها مُفَضَّلَةٌ بسَجْدَةٍ. وقال جماعةٌ مِنَ الأَصحابِ: لِئَلَّا يُظَنَّ وُجوبُها. وقيل: تُسْتَحَبُّ المُداوَمَةُ عليهما. قال ابنُ رَجَبٍ فى «شَرْحِ البُخارِىِّ» : ورجَّحه بعضُ الأصحابِ، وهو الأظْهَرُ. انتهى. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: ويُكْرَهُ تحَرِّيه قِراءةَ سجْدَةٍ غيرِها. قال ابنُ رَجَبٍ: وقد زعَم بعضُ المُتَأَخِّرين مِن أصحابِنا، أنَّ تَعَمُّدَ قِراءةِ سُورَةِ سجْدَةٍ غيرِ {الم (1) تَنْزِيلُ} فى يومِ الجُمُعَةِ بِدْعَةٌ. قال: وقد ثبَت أنَّ الأمْرَ بخِلافِ ذلك.
فائدة: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه يُكْرَهُ قِراءةُ سورةِ الجُمُعَةِ فى ليْلَةِ الجُمُعَةِ. زادَ فى «الرِّعايَةِ» ، والمُنافِقِين. وعنه، لا يُكْرَهُ.
تنبيه: قد يقالُ: إنَّ مفْهومَ قوْلِ المُصَنِّفِ: وتجوزُ إقامَةُ الجُمُعَةِ فى مَوْضِعَين مِنَ البلَدِ للحاجَةِ. لا يجوزُ إقامَتُها فى أكْثَرَ مِن مَوْضِعَين، ولو كان هناك حاجَةٌ. وهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولٌ لبعضِ الأصحابِ. وذكَرَه القاضى فى كتابِ «التَّخْرِيجِ» . وهو بعيدٌ جدًّا. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ جوازُ إقامَتِها فى أكثَر مِن مَوْضِعَين للحاجَةِ. قال فى «النُّكَتِ»: هذا المذهبُ عندَ الأصحابِ، وهو المنْصورُ فى كُتُبِ الخِلافِ. انتهى. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ هنا. قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزَّرْكَشِىُّ: هو المشْهورُ ومُخْتارُ الأصحابِ. وأطْلَقَهما فى «الفائقِ» . وعنه، لا يجوزُ إقامَتُها فى أكثرَ مِن مَوْضِعٍ واحدٍ. وَأطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» .
قوله: ولا يجوزُ مع عَدَمِها. يعْنِى، لا يجوزُ إقامَتُها فى أكْثَرَ مِن مَوْضِعٍ واحدٍ، إذا لم يكُن حاجَةٌ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال فى «النُّكَتِ»: هذا هو المعْروفُ فى المذهبِ. وعنه، يجوزُ مُطْلَقًا. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وحمَله القاضى على الحاجَةِ.
فائدتان؛ إحْداهما، الحاجَةُ هنا الضِّيقُ، أو الخَوفُ مِن فِتْنَةٍ أو بُعْدٍ. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصولِ»: إنْ كان البَلَدُ قِسْمَيْن بينَهما نائِرَةٌ (1)، كان عُذْرًا أَبْلَغَ مِن مشَقَّةِ
(1) النائرة: الهائجة بين الناس.
فَإِنْ فَعَلُوا فَجُمُعَةُ الْإِمَامِ هِىَ الصَّحِيحَةُ،
ــ
الازْدِحامَ. الثَّانيةُ، الحُكْمُ فى العيدِ فى جَوازِ صلاتِه فى مَوْضِعَيْن فأكثرَ، والاقْتِصارِ على مَوْضِعٍ مع عدَمِ الحاجَةِ، كالجُمُعَةِ. قالَه ابنُ عَقِيلٍ. واقْتَصَر عليه فى «الفُروعِ» .
قوله: فإنْ فَعَلوا فجُمُعَةُ الإِمامِ هى الصَّحيحَةُ. يعْنِى، إذا أقامُوها فى أكثَرِ مِن مَوْضِعٍ لغيرِ حاجَةٍ، وقُلْنا: لا يجوزُ. فتكونُ جُمُعَةُ الإِمامِ هى الصَّحيحةُ. واعلمْ أنَّه إذا كانتِ الجُمُعَةُ التى أَذِنَ فيها الإِمامُ هى السَّابِقَةَ، والحالَةُ هذه، فهى الصَّحيحةُ بلا نِزاعٍ. وإنْ كانت مَسْبوقَةً، فهى الصَّحيحَةُ أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الإِفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وصحَّحاه، وغيرِهم. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: اخْتارَه الشَّيْخُ وأكثرُ الأصحابِ. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : وهو أوْلَى. وقيلَ:
فَإِنِ اسْتَوَيَا فَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ،
ــ
السَّابقَةُ هى الصَّحيحةُ. جزَم به فى «التَّسْهيلِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِين» ، و «نَظْمِها» . وصحَّحه فى «النَّظْمِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وأطْلَقَهما فى «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ». وقال ابنُ تَميمٍ: فإنْ كانت إحْداهما بإذْنِ الإِمامِ، وقُلْنا: إذْنُه شرْطٌ، فهى الصَّحيحةُ فقط. وإنْ قُلْنا: ليس إذْنُه بشَرْطٍ. فوَجْهان؛ أحَدُهما، صِحَّةُ ما أَذِنَ فيها، وإنْ تأخَّرتْ. والثَّانى، صِحَّةُ السَّابِقَةِ.
فوائد؛ إحْداها، لو اسْتَوَيا فى الإِذْنِ أو عدَمِه، لكن إحْداهما فى المَسْجدِ الأعْظَمِ، والأُخْرى فى مَكانٍ لا يَسَعُ النَّاسَ، أو لا يقْدِرون عليه، لاخْتِصاصِ السُّلْطانِ وجُنْدِه به، أو كانت إحْداهما فى قصَبَةِ البَلَدِ، والأُخْرى فى أقْصَى المدينَةِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ السَّابقَةَ هى الصَّحيحَةُ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ». وقيل: صلاةُ مَن فى المَسْجدِ الأعْظَمِ، ومَن فى قَصَبةِ البَلَدِ هى
فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا، أَوْ جُهِلَتِ الْأُولَى بَطَلَتَا مَعًا.
ــ
الصَّحيحةُ مُطْلَقًا. صحَّحه ابنُ تَميمٍ، وصاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الحَواشِى» . وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . الثَّانيةُ، السَّبْقُ يكونُ بتَكْبيرَةِ الإِحْرامِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وابنِ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، و «الإِفاداتِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقيل: بالشُّروعِ فى الخُطْبَةِ. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : وقلتُ: أو بالسَّلامِ. الثَّالثةُ، حيثُ صحَّحْنا واحدةً منهما، أو منها، فغيْرُها باطِلَةٌ، ولو قُلْنا: يصِحُّ بِناءُ الظُّهْرِ على تحْريمِ الجُمُعَةِ. لعدَمِ انْعِقادِها؛ لفَوْتِها. هذا هو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُتِمُّون ظُهْرًا، كالمُسافِرِ ينْوِى القَصْرَ فيَتَبَيَّنُ أنَّ إِمامَه مُقِيمٌ.
قوله: وإنْ وقَعتا معًا بَطَلتا معًا. بلا نِزاعٍ، ويصلُّون جُمُعَةً، إنْ أمْكَن، بلا نِزاعٍ.
قوله: فيما إذا اسْتَويا فى إذْنِ الإِمامِ أو عَدمِه، أو جُهِلَتِ الأُولَى بطَلتا معًا. بلا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نِزاعٍ أيضًا. ويصلُّون ظهْرًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: هذا أصَحُّ. واخْتارَه المُصَنِّفُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وصحَّحاه. وقيل: يصلُّون جُمُعَةً. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : وهذا ظاهرُ عِبارَةِ أبِى الخَطَّابِ. قال القاضى: يَحْتَمِلُ أنَّ لهم إقامَةَ الجُمُعَةِ؛ لأنَّا حكَمنا بفَسادِهما معًا، فكأنَّ المِصْرَ ما صُلِّيَتْ فيه جُمُعَةٌ صحيحةٌ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ» . وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ.
فوائد؛ إحْداها، لو جُهِلَ هل وقَعتا معًا، أو وقَعَتْ إحداهما قبلَ الأُخْرى؟ بَطَلتا معًا. فإنْ قُلْنا: تُعادُ فى التى قبلَها جُمُعَةً. فهُنا أوْلَى. وإنْ قُلْنا: تُعادُ ظُهْرًا. أُعيدَتْ هنا ظُهْرًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ». قالا: هو أوْلَى. وقيل: تُعادُ هنا جُمُعَةً. قال ابنُ تَميمٍ: وهو الأشْبَهُ. وهو احْتِمالُ القاضى. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ» . الثَّانيةُ، لو عُلِمَ سبْقُ إحْداهما، وجُهِلَتِ السَّابقةُ منهما، صلَّوا ظُهْرًا. على أصحِّ الوَجْهَيْن. قالَه فى «الرِّعايَةِ» . الثَّالثةُ، لو عُلِمَ سبْقُ إحْداهما، وعُلِمَتِ السَّابقةُ فى وقْتٍ، ثمَّ نُسِيَتْ، صلَّوا ظُهْرًا. جزَم به فى «الرِّعايَةِ» . الرَّابعةُ، لو علِمَ أنَّه سبَقه غيرُه، أتَمَّها ظُهْرًا. وقيل: يسْتأْنِفُ ظُهْرًا. وقيل: إنْ عُلِمَ قبلَ السَّلامِ أنَّ غيرَها سبقَتْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو فرَغَتْ؛ فإنْ قُلْنا: لا يَنْبَنِى الظُّهْرُ على نِيَّةِ الجُمُعَةِ. اسْتَأْنفوا ظُهْرًا. وإنْ قُلْنا: يَنْبَنِي. فوَجْهان فى البِناءِ والابْتِداءِ.
وَإِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاجْتُزِئَ بِالْعِيدِ، وَصُلِّىَ ظُهْرًا، جَازَ إِلَّا لِلْإِمَامِ.
ــ
قوله: وإذا وقَع العيدُ يومَ الجُمُعَةِ، فاجْتُزِئَ بالعيد، وصُلِّىَ ظُهْرًا، جازَ. هذا المذهبُ بلا رَيْبٍ. وعليه الأصحابُ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، لا يجوزُ، ولابُدَّ مِن صلاةِ الجُمُعَةِ. فعلى المذهبِ، إنَّما تسْقُطُ الجُمُعَةُ عنهم إسْقاطَ حُضورٍ لا وُجوبٍ، فيكونُ بمَنْزلَةِ المريضِ لا المُسافرِ والعَبْدِ؛ فلو حضَر الجامِعَ لزِمَتْه كالمريضِ، وتصِحُّ إمامَتُه فيها، وتنْعَقِدُ به، حتى لو صلَّى العيدَ أهْلُ بلَدٍ كافَّةً، كان له التَّجْميعُ بلا خِلافٍ. وأمَّا مَن لم يُصلِّ العيدَ، فيَلْزَمُه السَّعْىُ إلى الجُمُعَةِ بكلِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حالٍ، سواءٌ بَلَغُوا العدَدَ المُعْتبرَ أم لم يبْلُغوا، ثمَّ إنْ بَلَغُوا بأنْفُسِهم، أو حضَر معهم تمامُ العدَدِ، لَزِمَتْهم الجُمُعَةُ، وإنْ لم يحْضُرْ معهم تَمامُه فقد تحَقَّقَ عَدَدُهم. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: قلتُ: وقال بعضُ أصحابِنا: إنَّ تتْميمَ العدَدِ وإقامَةَ الجُمُعَةِ، إنْ قُلْنا: تجِبُ على الإِمامِ حِينَئذٍ. يكونُ فَرْضَ كِفايَةٍ. قال: وليس ببعيدٍ.
قوله: إلَّا للإِمامِ. يعْنِى، أنَّه لا يجوزُ له ترْكُها، ولا تسْقُطُ عنه الجُمُعَةُ. وهذا المذهبُ. وهو ظاهرُ ما جزَم به فى «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاويَيْن» . واخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. قال فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«التَّلْخيصِ» : وليس للإِمامِ ذلك فى أصحِّ الرِّوايتَيْن. قال فى «تَجْريدِ العِنايَةِ» : هذا الأظْهَرُ. وصحَّحَه ناظِمُ المُفْرَداتِ. وعنه، يجوزُ للإِمام أيضًا، وتسْقُطُ عنه لعِظَمِ المَشَقَّةِ عليه، فهو أوْلَى بالرُّخْصَةِ. واخْتارَه جماعةٌ؛ منهم المَجْدُ فى «شَرْحِه» . وقدَّمه فى «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وعنه، لا تسْقُطُ عنِ العدَدِ المُعْتَبَرِ. قال فى «التَّلْخيصِ»: وعندِى أنَّ الجُمُعَةَ لا تسْقُطُ عن أحَدٍ مِن أهْلِ المِصْرِ بحُضورِ العيدِ، ما لم يحْضُرِ العدَدُ المُعْتَبَرُ، وتُقامُ. انتهى. قال ابنُ رَجَبٍ فى «القَواعِدِ» ، على رِوايَةِ عَدَمِ السُّقوطِ عنِ الإِمامِ: يجِبُ أنْ يحْضُرَ معه مَن تنْعقِدُ به تلك الصَّلاةُ. ذكَرَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُه. فتَصِيرُ الجُمُعَةُ فرْضَ كِفايَةٍ، تسْقطُ بحُضورِ أرْبَعين. انتهى. وأمَّا صاحِبُ «الفُروعِ» ، وابنُ تَميمٍ وغيرُهما، فحكَوْا ذلك رِوايَةً، كما تقدَّم. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا وغيرِه، فيكونُ الوُجوبُ عندَ هؤلاءِ مُخْتَصًّا بالإِمامِ لا غيرَ، وهو الصَّحيحُ. وصرَّح به ابنُ تَميمٍ. فعلى هذا، إنِ اجْتمَعَ العدَدُ المُعْتبرُ للجُمُعَةِ معه، أقامَها الإِمامُ، وإلَّا صلَّوْا ظُهْرًا. وصرَّح بذلك ابنُ تَميمٍ، وغيرُه. وجزَم ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه بأنَّ للإِمامِ الاسْتِنابَةَ. وقال: الجُمُعَةُ تسْقُطُ بأيْسرِ عُذْرٍ، كمَن له عَرُوسٌ تُجْلَى عليه، فكذا المَسَرَّةُ بالعيدِ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. وقال المَجْدُ: لا وجْهَ لعدَمِ سقُوطِها مع إمْكانِ الاسْتِنابَةِ.
فائدة: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، سقُوطُ صلاةِ العيدِ بصلاةِ الجُمُعَةِ، وسواءٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فُعِلَتْ قبلَ الزَّوالِ أو بعدَه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. قال فى «الفُروعِ»: تسْقُطُ فى الأصحِّ العيدُ بالجُمُعَةِ، كإسْقاطِ الجُمُعَةِ بالعيدِ، وأوْلَى. وصحَّحه المَجْدُ، وصاحِبُ «الحاوِى» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، وغيرُهم. وقدَّمه ابنُ تَميمٍ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، وغيرُهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: لا تسْقُطُ. وأطْلَقَهما فى «التَّلْخيصِ» . وقال أبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ ومَن تابَعَهُما: تسْقُطُ إنْ فَعَلها وقْتَ العيدِ، وإلَّا فلا. وفى مُفْرَداتِ ابنِ عَقِيلٍ احْتِمالٌ، يسْقُطُ الجَمْعُ ويصلَّى فُرادى. فعلى المذهبِ، يُعْتَبَرُ العَزْمُ على فِعْل الجُمُعَةِ. قالَه فى «الفُروعِ». وقال ابنُ تَميمٍ: إنْ فُعِلَتْ بعدَ الزَّوالِ، اعْتُبِرَ العزْمُ على الجُمُعَةِ لتَرْكِ صلاةِ العيدِ.
وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا سِتُّ رَكَعَاتٍ.
ــ
قوله: وأقلُّ السُّنَّةِ بعدَ الجُمُعَةِ ركْعَتان، وأكثَرُها سِتُّ رَكَعاتٍ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْم» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه قي «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: أكثَرُها أرْبَعٌ. اخْتارَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُصَنِّفُ. قال فى «الإِفاداتِ» : والأرْبَعُ أشْهَرُ. قال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ» وغيرِهم: وإنْ شاءَ صلَّى أرْبعًا بسَلامٍ أو سَلامَيْن. وقال فى «التَّبْصِرَة» : قال شيخُنا: أدْنى الكَمالِ سِتٌّ. وحكَى عنه، لا سُنَّةَ لها بعدَها. قال فى «الفائقِ» وغيرِه: وعنه، ليس لها بعدَها سُنَّةٌ. قال فى «الفُروعِ»: وإنَّما قال أحمدُ: لا بأْسَ بتَرْكِها؛ فعَلَه عِمْرانُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: الأفْضَلُ أنْ يصلِّىَ السُّنَّةَ مَكانَه فى المَسْجدِ، نصَّ عليه. وعنه، بل فى بيْتِه أفْضَلُ. والسُّنَّةُ أنْ يفْصِلَ بينَها وبينَ الصَّلاةِ بكلامٍ أوِ انْتِقالٍ ونحوِه.
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا سُنَّةَ لها قبلَها راتِبَةً. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه اكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: هو مذهبُ الشَّافِعِىِّ، وأكثرِ أصحابِه، وعليه جماهيرُ الأئمَّةِ؛ لأنَّها، وإنْ كانتْ ظُهْرًا مقْصُورةً، فتُفارِقُها فى أحْكامٍ، كما أنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تْركَ المُسافرِ السُّنَّةَ أفْضَلُ لكونِ ظُهْرِه مقْصورَةً. وعنه، لها رَكْعتان. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: هو قولُ طائفةٍ مِن أصحابِ الإِمامِ أحمدَ. قلتُ: اخْتارَه القاضى مُصَرَّحًا به فى «شَرْحِ المُذْهَبِ» . قالَه ابنُ رَجَبٍ فى كتابِ «نَفْى البِدْعَةِ» عن الصَّلاةِ قبلَ الجُمُعَةِ. وعنه، أرْبَعٌ بسَلامٍ أو سلامَين. قالَه فى «الرِّعايَةِ» أيضًا. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: هو قولُ طائفةٍ مِن أصحابِنا أيضًا. قال عَبْدُ اللَّهِ: رأيْتُ أبِى يصلِّى فى المَسْجِدِ، إذا أذَّن المُؤَذِّنُ يومَ الجُمُعَةِ رَكَعاتٍ. وقال: رأَيْتُه يصلِّى رَكَعاتٍ قبلَ الخُطْبَةِ، فإذا قَرُبَ الأذانُ أو الخُطْبَةُ، تربَّع ونكَّس رأْسَه. وقال ابنُ هانِئٍ: رأيْتُه إذا أخَذ فى الأَذانِ، قامَ فصلَّى ركْعَتَين أو أرْبعًا. قال: وقال: أخْتارُ قبلَها رَكْعَتَين وبعدَها سِتًّا. وصلاةُ أحمدَ تدُلُّ على الاسْتِحْبابِ. قلتُ: قطَع ابنُ تَميمٍ وغيرُه، باسْتِحْبابِ صلاةِ أرْبَعٍ قبلَها، وليست راتِبَةً عندَهم. وقال فى «تَجْريدِ العِنايَةِ»: وأقَلُّ سُنَّةٍ قبلَها ركْعتان، وليست راتِبةً على الأظْهَرِ. قلتُ: وفيه نظَرٌ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: الصَّلاةُ قبلَها جائزةٌ حسَنَةٌ، وليست راتِبَةً، فمَن فعَل، لم يُنْكَرْ عليه، ومَن ترَك، لم يُنْكَرْ عليه. قال: وهذا أعْدَلُ الأقْوالِ. وكلامُ أحمدَ يدُلُّ عليه. وحِينَئذٍ فقد يكونُ ترْكُها أفْضَلَ، إذا كان الجُهَّالُ يعْتَقِدون أنَّها سُنَّةٌ راتِبَةٌ، أو أنَّها واجِبةٌ، فتُتْرَكُ حتى يعْرِفَ النَّاسُ أنَّها ليستْ سُنَّةً راتِبةً ولا واجِبَةً، لا سِيَّما إذا داومَ النَّاسُ عليها، فيَنْبَغِى ترْكُها أحْيانًا. انتهى. ولم يرْتَضِه ابنُ رَجَبٍ فى «كِتابِه» ، بل مالَ إلى الاسْتِحْبابِ مُطْلَقًا.