المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل فى صلاة الخوف - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٥

[المرداوي]

الفصل: ‌فصل فى صلاة الخوف

‌فَصْلٌ فى صَلَاةِ الْخَوْفِ

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 114

قَالَ الإمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: صَحَّ عَنِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ خَمْسَةِ أَوجُهٍ، أو سِتَّةٍ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ فَعلَهُ.

ــ

قوله: فصلٌ فى صلاةِ الخَوفِ، قال الإِمامُ أبو عبدِ اللَّه: صحَّ عنِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، صلاةُ الخَوفِ مِن خمسةِ أوجُهٍ، أو سِتَّةٍ، كُلُّ ذلك جائزٌ لمَن فعَله. وفى رِوايةٍ عن الإِمامِ أحمدَ: مِن سِتَّةِ أوْجُهٍ أو سَبْعةٍ. قال الزَّرْكَشِىُّ. وقيل: أكثرُ مِن ذلك.

ص: 117

فَمِنْ ذَلِكَ، إِذَا كَان الْعَدُوُّ فى جِهَةِ الْقِبْلَةِ، صَفَّ الإمَامُ الْمُسْلِمِينَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِهِم جَمِيعًا إِلَى أنْ يَسْجُدَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ، وَيَحْرُسَ الْآخرُ حَتَّى يَقُومَ الإمَامُ إِلَى الثَّانِيَةِ، فَيَسْجُدَ وَيَلْحَقَهُ، فَإِذَا سَجَدَ فى الثَّانِيَةِ، سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِى حَرَسَ، وَحَرَسَ الْآخَرُ حَتَّى يَجْلِسَ فى التَّشَهُّدِ، فَيَسْجُدَ وَيَلْحَقَهُ، فَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ.

ــ

فمن ذلك، إذا كان العَدُوُّ فى جهةِ القِبْلةِ، صَفَّ الإِمامُ المُسْلمين خلفَه صَفَّين. يعنى، فأكْثَر. فهذه صِفَةُ ما صلَّى، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، فى عُسْفانَ. فيُصلِّى بهم جميعًا إلى أنْ يسْجُدَ، فيَسْجُدَ معه الصَّفُّ الذى يَلِيه، ويحْرُسَ الآخَرُ، حتَّى يقومَ الإِمامُ إلى الثَّانيةِ، فيَسْجُدَ ويَلْحَقَه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ الأوْلَى

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّ الصَّفَّ المُؤَخَّرَ هو الذى يحْرُسُ أوَّلًا. كما قال المُصَنِّفُ. قال فى «النُّكَتِ» : هو الصَّوابُ. واخْتارَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» . وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرَحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُسٍ» ، و «التَّسْهيلِ» ، و «حَواشِى ابنِ مُفْلحٍ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مَجْمعِ البَحْرَيْن» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ». وقال القاضى وأصحابُه: يحْرُسُ الصفُّ الأوَّلُ أوَّلًا؛ لأنَّه أحْوَطُ. قال فى «مَجْمَع البَحْريْن» : ذكَره أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ،

ص: 119

الْوَجْهُ الثَّانِى، إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، جَعَلَ طَائِفَةً حِذَاءَ الْعَدُوِّ،

ــ

و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الإِفاداتِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال ابنُ تَميم، وابنُ حَمْدانَ، وغيرُهما: وإنْ صفَّ فى نوْبَةِ غيرِه، فلا بأسَ.

فوائد؛ إحْداها، قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: يكونُ كل صفٍّ ثلاثةً أو أكثرَ. وقيل: أو أقل. ولم أرَها لغيرِه. الثَّانيةُ، لو تأخَّر الصفُّ المُقدَّمُ، وتقدَّمَ الصفُّ المُؤخَّرُ، كان أوْلَى للتَّسويةِ فى فضيلةِ الموقفِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابن عَبْدُوس» ، و «ابنِ تَميم». وقيل: يجوزُ مِن غيرِ أفْضَلِيَّةٍ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . الثَّالثةُ، لو حرَس بعضُ الصفِّ، أو جعَلهم الإِمامُ صفًا واحدًا، جازَ. الرَّابعةُ، لا يجوزُ أنْ يحْرُسَ صفٌّ واحدٌ فى الرَّكْعتَيْن. الخامسةُ، يُشْترَطُ فى صلاةِ هذه الصِّفَةِ، أنْ لا يخافُوا كَمينًا، وأنْ يكونَ قِتالُهم مُباحًا، سواءٌ كان حضَرًا أو سفَرًا، وأنْ يكونَ المسْلِمون يَرَوْن الكُفَّارَ؛ لخوْفِ هُجومِهم.

قوله: الوجْهُ الثَّانى، إذا كان العَدُوُّ فى غيرِ جهةِ القبلَةِ، جعَل طائفةً حِذاءَ

ص: 120

وَطَائِفَةً تُصَلِّى مَعَهُ رَكْعَةً، فَإذَا قَامُوا إلَى الثَّانِيَةِ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأتَمَّتْ لِأنْفُسِهَا أُخْرَى، وَسَلَّمَتْ وَمَضتْ إِلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الأُخْرَى فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإذا جَلَسَ للِتَّشَهُّدِ أتَمَّتْ لِأنْفُسِهَا أُخْرَى، وَتَشَهَّدَتْ وَسَلَّمَ بِهِمْ.

ــ

العدوِّ. بلا نِزاعٍ، لكن يُشْترَطُ فى الطائفَةِ، أنْ تكْفِىَ العدُوَّ. زادَ أبو المَعالِى، بحيثُ يحْرُمُ فرارُها. فلا يُشْترَطُ فى الطائفَةِ عدَدٌ على كِلا القَوْلَيْن. وهذا المذهبُ. وهو ظاهرُ ما جزَم به فى «الخِرَقِىِّ» ، و «المُبْهِجِ» ، و «الإيضاحِ» ، و «العُقودِ» لابنِ البَنَّا، و «المُحَرِّرِ» ، و «الإِفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الحاوِيَيْن» ،

ص: 121

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، وغيرِهم، لإِطْلاقِهِمُ الطَّائفَةَ. قال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن»: هذا القِياسُ. وصحَّحه فى «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ». قال المُصَنِّفُ: والأَوْلَى أنْ لا يُشتَرطَ عَدَدٌ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيل: يُشتَرطُ كونُ كلِّ طائفةٍ ثلَاثةً فأكثرَ. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : وهو أشْهَرُ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ». وقدَّمه فى «مَجْمَع البَحْرَيْن». وقيل: يُكْرَهُ أنْ تكونَ الطَائفةُ أقلَّ مِن ثلَاثةٍ. اخْتارَه القاضى، والمَجْدُ فى «شَرْحِه» . وجزَم به فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» .

ص: 122

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويأْتِى فى أوائلِ كتابِ الحُدودِ، مِقْدارُ الطَّائفَةِ.

فائدة: لو فرَّط الإِمامُ فى ذلك، أو فيما فيه حَظٌّ للمُسْلِمين، أثِمَ، ويكونُ قد أتَى صغِيرةً. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» تبَعًا لصاحِبِ «الفُصولِ» . ولا يقْدَحُ فى الصَّلاةِ إنْ قارَنَها على الأشْبَهِ. قاله فى «الفُصولِ» ، وتَبِعَه فى «الفُروعِ». وقيل: يفْسُقُ بذلك، وإنْ لم يتَكَرَّرْ منه، كالمُودَعِ والوَصِىِّ والأمِينِ إذا فرَّط فى الأمانَةِ. ذكَره ابنُ عَقِيلٍ، وقال: وتكونُ الصَّلاةُ معه مبْنِيَّةً على إمامَةِ الفاسِقِ. وأطلقَهما ابنُ تَميمٍ. قلتُ: إنْ تعَمَّدَ ذلك، فسَق قَطْعًا، وإلَّا فلا. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ فى المُودَعِ والوَصِىِّ والأمِينِ إذا فرَّط، هذا الخِلافُ. وأطْلَقَهما فى «الرِّعايَةِ» .

قوله: فإذا قاموا إلى الثَّانيةِ، ثبَت قائمًا، وأتمَّتْ لأنفُسِها أُخْرَى، وسلَّمتْ ومضَتْ إلى العَدُوِّ. الرَّكْعَةُ الثَّانيةُ التى تُتِمُّها لنَفْسِها، تقْرَأُ فيها بالحَمْدِ وسُورَةٍ، وَتَنْوِى المُفارَقَةَ؛ لأنَّ مَن ترَك المُتابعَةَ ولم يَنْوِ المُفارقَةَ، تبْطُل صلاتُه. ويَلزَمُها أيضًا أنْ تسْجُدَ لسَهْوِ إمامِها الذى وقَع منه قبلَ المُفارَقَةِ. عندَ فَراغِها. قلتُ: فيُعايَى بها. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّها بعدَ المُفارَقَةِ مُنْفَرِدَةٌ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقال ابنُ حامِدٍ: هى مَنْوِيَّة. وأمَّا

ص: 123

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الطَّائفةُ الثَّانيةُ، فهى منْوِيَّةٌ فى كلِّ صلاِته، فيَسْجُدون لسَهْوِه فيما أدْرَكُوه وفيما فاتَهم كالمَسْبُوقِ، ولا يسْجدُون لسَهْوِهم. ومنَع أبو المَعالِى انْفِرادَه، فإنَّ مَن فارَقَ إِمامَه فأدْرَكَه مأمومٌ، بَقِىَ. على حُكْمِ إمامَتِه.

تنبيه: قوله: ثبَت قائمًا. يعْنِى، يُطِيلُ القِراءةَ، حتى تحْضُرَ الطائفة الأُخْرَى.

قوله: وجاءتِ الطائفَةُ الأخْرَى فصلَّت معه الرَّكْعَةَ الثَّانيةَ. فيَقْرأُ الإِمامُ إذا جاءُوا الفاتِحَةَ وسُورَةً، إنْ لم يكُنْ قرَأ، وإنْ كان قرَأ، قرَأ بقَدْرِ الفاتحةِ وسُورةٍ، ولا يُؤخِّرُ القِراءَةَ إلى مجِيئها. قال ابنُ عَقِيلٍ: لأنَّه لا يجوزُ السُّكوتُ، ولا التَّسْبِيحُ، ولا الدُّعاءُ، ولا القِراءَةُ بغيرِ الفاتحةِ. لم يَبْقَ إلَّا القراءَةُ بالفاتحةِ وسُورةٍ طويلَةٍ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال: لا يجوزُ. أىْ يُكْرَهُ.

فائدة: يكْفِى إدْراكُها لرُكُوعِها، ويكونُ تَرَك الإِمامُ المُسْتَحَبَّ. وفى

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُصولِ» : فعَل مَكْرُوهًا.

قوله: فإذا جلَس للتَّشَهُّدِ أتمَّتْ لأنفسِها أُخْرَى، وتشهَّدتْ وسلَّم بهم. هذا المذهبُ، أعْنِى، أنها تُتِمُّ صلَاتها إذا جلَس الإِمامُ للتَّشَهُّدِ ، يَنْتَظِرُهم حتى يُسَلِّمَ بهم، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به الخِرَقِىُّ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. وقيل: له أنْ يُسَلِّمَ قبلَهم. وجزَم به النَّاظِمُ. قال ابنُ أبِى مُوسى: لو أتمَّتْ بعدَ سلامِه، جازَ. وقيل: تقْضِى الطَّائفَةُ بعدَ سلامِه. وهو ظاهِرُ كلامِ أبِى بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ» .

ص: 125

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد، الأُولَى، تسْجُدُ الطَّائفَةُ الثَّانيةُ معه لسَهْوِه، ولا تُعيدُه، لأنَّها تنْفَرِدُ عنه. وهذا المذهبُ. وجعَلها القاضى وابنُ عَقِيل، كَمَسْبوقٍ. وقيل: إنْ سَها فى حالِ انْتِظارِها، أو سهَتْ بعدَ مُفارَقَتِه، فهل يثْبُتُ حُكْمُ القُدْوَةِ؟ وإذا لَحِقُوه فى التَّشَهُّدِ، هل يُعْتبرُ تجْديدُ نِيَّةِ الاقْتِداءِ؟ فيه خِلافٌ مأخوذٌ ممَّن زُحِمَ عن سُجودٍ، إذا سَها فيما يأْتى به، أو سَها إمامُه قبلَ لُحُوقِه، أو سَها المُنْفرِدُ، ثم دخَل فى جماعةٍ. وفيه وَجْهان. قالَه أبو المَعالِى. وأوْجَب أبو الخَطَّابِ سُجودَ السَّهْوِ على المَزْحومِ؛ لانْفِرادِه بفِعْلِه. وقِياسُ قولِه فى الباقى كذلك. قال المَجْدُ: وانْفَرَدَ أبو الخَطَّابِ عن أكثرِ أصحابِنا وعامَّةِ العُلَماءِ، أنَّ انْفِرادَ المأمومِ بما لا يقْطَعُ قُدْوَتَه، متى سَها فيه، أو به، حمَل عنه الإِمامُ. ونصَّ عليه أحمدُ فى مَواضِعَ، لبَقاءِ حُكْمِ

ص: 126

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القُدْوَةِ. وأمَّا الطَّائفَةُ الأُولَى، فهى فى حُكْمِ الائْتِمام قبلَ مُفارَقَتِه؛ إنْ سَها لَزِمهم حُكْمُ سَهْوِه، وسَجُدوا له، وإنْ سَهَوْا لم يَلْحَقْهم حُكْمُ سَهْوِهم. وإذا فارَقوه

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صارُوا مُنْفَرِدين لا يَلْحَقُهم سَهْوُه، وإنْ سَهَوْا سجَدوا. قالَه فى «الكافِى» (1). وهو مُشْكِلٌ بما تقدَّم فى آخِرِ بابِ السَّهْوِ، أنَّ المَسْبوقَ لو سَها مع الإِمامِ، أنَّه يسْجُدُ. الثَّانيةُ، هذه الصَّلاةُ بهذه الصِّفَةِ اخْتارَها الإِمامُ أحمدُ وأصحابُه، حتى قطَع بها كثيرٌ منهم، وقدَّموها على الوَجْهِ الثَّالثِ الآتى بعْدُ، وفضَّلوها عليه. وفعَلها عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ بذاتِ الرِّقاعِ. الثَّالثةُ، هذه الصِّفَةُ تُفْعَلُ، وإنْ كان العدُوُّ فى جِهَةِ القِبْلةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وقال القاضى، وأبو الخَطَّابِ، وجماعةٌ: مِن شُروطِ هذه الصَّلاةِ بهذه الصِّفَةِ، كونُ العدُوِّ فى غيرِ جِهَةِ القِبْلةِ. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ». قال المَجْدُ: نصُّ أحمدَ محْمولٌ على ما إذا لم تكُنْ

(1) 1/ 208.

ص: 128

فَإنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا، صَلَّى بِالأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً،

ــ

صلاةَ عُسْفانَ؛ لاسْتِئْثارِ العدُوِّ، وقولُ القاضى محْمولٌ على ما إذا كانت صَلاةَ عُسْفانَ. قوله: وإنْ كانتِ الصَّلاةُ مَغْرِبًا، صلَّى بالأولَى ركْعَتَيْن، وبالثَّانيةِ ركْعَة. بلا نِزاعٍ، ونصَّ عليه. ولو صلَّى بالأُولَى ركْعَةً، وبالثَّانيةِ ركْعَتَيْن، عكْسُ الصِّفَةِ الأُولَى، صحَّتْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه. وفى «الفُروعِ» تخْرِيجٌ بفَسادِها مِن بُطلانِها إذا فرَّقَهم أرْبَعَ فِرَقٍ.

ص: 129

وإنْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ، صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْن، وَأَتَمَّتِ الأُولَى بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فى كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالأُخْرَى تُتِمُّ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، وَسُورَةٍ.

ــ

قوله: وإنْ كانت رُباعيَّةً غيرَ مقْصورةٍ، صلَّى بكل طائفةٍ ركْعتَيْن. بلا نِزاعٍ. ولو صلَّى بطائفةٍ ركْعَة، وبالأُخْرَى ثلاثًا، صحَّ. ولم يُخرِّجْ فيها فى

ص: 130

وَهَلْ تُفَارِقُهُ الأُولَى فى التَّشَهُّدِ الْأوَّلِ أوْ فى الثَّالِثَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

ــ

«الفُروعِ» . وخرَّج ابنُ تَميم البُطْلانَ. وهو احْتِمالٌ فى «الرِّعايَةِ» .

قوله: وهل تُفارِقُه الأُولَى فى التَّشَهُّدِ الأوَّل أو فى الثَّالثةِ؟ على وَجْهَيْن. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «الشَّرَحِ» ؛ أحدُهما، تُفارِقُه عندَ فراغِ التَّشَهُّدِ. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ،

و «الإِفاداتِ» ، و «المُنَوِّرِ» و «المُنْتَخَبِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، وغيرِهم. وصحَّحه فى «التَّصحيحِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» . والوَجْهُ الثَّانِى، تُفارِقُه فى الثَّالثةِ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: هذا أصحُّ الوَجْهَيْن. فعلى المذهبِ، ينْتَظِرُ الإِمامُ الطَّائفةَ الثَّانيةَ جالِسًا، يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ، فإذا أتَتْ، قامَ. زادَ أبو المَعالِى، تُحْرِمُ معه، ثم يَنْهَضُ بهم. وعلى الوَجْهِ الثَّانى، يكونُ الانْتِظارُ فى الثَّالثةِ، فيَقْرا صورةً مع الفاتحةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قلتُ: فيُعايَى بها. وفيها احْتِمالٌ لابنِ عَقِيل، فى «الفُنونِ» ؛ يُكررُ الفاتحةَ.

فائدة: لا تَتَشَهَّدُ الطَّائفَةُ الثَّانيةُ بعدَ ثالثةِ المغْرِبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ،

ص: 132

وَإنْ فَرَّقَهُمْ أرْبَعًا، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، صَحَّتْ صَلَاةُ الأُولَيَيْنِ، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإمَامِ، وَالأُخْرَيَيْنِ إِنْ عَلِمَتَا بُطلانَ صَلَاتِهِ.

ــ

لأنَّه ليس محَلَّ تَشَهُّدِها. وقيل: تتَشَهَّدُ معه، إنْ قُلْنا: تقْضِى رَكْعَتَيْن مُتَوالِيَتَيْن؛ لئلَّا تصَلِّىَ المغْرِبَ بتَشَهُّدٍ واحدٍ. قلتُ: فعلى الأوَّلِ، إنْ قُلْنا: تقْضِى رَكْعَتَيْن مُتَوالِيتَيْن. يُعايَى بها. لكن يظْهَرُ بعدَ هذا، أن يُقالَ: لا تتَشَهَّدُ بعدَ الثَّالثةِ. وإذا قضَتْ تقْضِى رَكْعَتَيْن مُتَوالِيتَيْن، ويُتَصَوَّرُ فى المغْرِبِ أيضًا سِتُّ تَشَهُّداتٍ بأن يُدْرِكَ المأْمومُ الإِمامَ فى التَّشَهُّدِ الأوَّلِ، فيَتَشَهَّدَ معه، ويكونُ على الإِمامِ سُجودُ سَهْوٍ محَلُّه بعدَ السَّلامِ، فيتَشَهَّدُ معه ثلاثَ تَشَهُّداتٍ، ثم يقْضِى فيتَشَهَّدُ عَقِيبَ ركْعَةٍ، وفى آخِرِ صلاِته، ولسَهْوٍ لِمَا يجبُ سُجودُه بعدَ السَّلامِ، بأنْ يُسَلِّمَ قبلَ إتْمامِ صلاِته. فيُعايَى بها.

قوله: وإنْ فَرَّقهم أرْبَعَ فِرَقٍ، فصلَّى بكلِّ طائفَةٍ رَكْعَةً، صحَّتْ صَلاةُ الأُولَيَيْن. لمُفارَقَتِهما قبلَ الانْتِظارِ الثَّالثِ، وهو المُبْطُل. ذكَر هذا التَّعْلِيلَ ابنُ

ص: 133

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حامِدٍ وغيرُه. قال ابنُ عَقِيل وغيرُه: وسواءٌ احْتاجَ إلى هذا التَّفْريقِ أو لا.

قوله: وبطَلَتْ صَلاةُ الإِمامِ، والأُخْرَيَيْن إنْ عَلِمَتا بُطلانَ صلاِته. وهذا المذهبُ فى المَسْألتَيْن، وعليه أكَثرُ الأصحابِ. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: والصَّحيحُ عندِى، على أصْلِنا، إنْ كان هذا الفِعْلُ لحاجَةٍ، صحَّتْ صلاةُ الكُلِّ، كحاجَتِهم إلى ثَلاثِمِائَةٍ بإزاءِ العدُوِّ، والجَيْشُ أرْبَعُمِائَةٍ؛ لجَوازِ الانْفِرادِ لعُذْرٍ. والانْتِظارُ إنَّما هو تطْويلُ قِيام وقِراءةٍ وذِكْرٍ. وإنْ كان لغيرِ حاجَةٍ، صحَّتْ صلاةُ الأُولَى؛ لجَوازِ مُفارَقَتِها، بدَليلِ جَوازِ صلاِتِه بالثَّانيةِ الرَّكَعاتِ الثَّلاثَ، وبطَلَتْ صلاةُ الإِمامِ والثَّانيةِ؛ لانفِرادِها بلا عُذْرٍ. وهو مُبْطِل على الأشْهَرِ، وبطَلَتْ صلاةُ الثَّالثةِ والرَّابعَةِ؛ لدُخولِهما فى صلاةٍ باطِلَةٍ. قال ابنُ تَميمٍ: وهو أحْسَنُ. وقيل: تبْطُلُ صلاةُ الكُلِّ بِنيَّةِ صلاةٍ محَرَّمٍ ابْتِداؤُها. وقيل: تصِحُّ صلاةُ الإِمامِ فقط.

ص: 134

الْوَجْهُ الثَّالِثُ، أنْ يُصَلِّىَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِىَ إلَى الْعَدُوِّ،

ــ

وجزَم به القاضى فى «الخِلافِ» ، ووَجهَ فى «الفُروعِ» بُطْلانَ صلاةِ الأُولَى والثَّانيةِ؛ لانْصِرافِهما فى غيرِ محَلِّه.

تنبيه: مفْهومُ قولِه: وبَطَلَتْ صلاةُ الإِمامِ والأُخْرَيَيْن، إنْ عَلِمَتَا بُطْلانَ صلاِته. أنَّهما إذا جَهِلَتا بُطْلانَ صلاِته، تصِحُّ صلاتُهما. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، بشَرْطِ أنْ يجْهَلَ الإِمامُ أيضًا بُطْلانَ صلاِتِه. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وغيرُه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. قال ابنُ تَميمٍ: ويَنْبَغِى أنْ يُعْتَبَرَ جَهْلُ الإِمامِ أيضًا. وقيل: لا تبْطُلُ، ولو لم يَجْهَلِ الإِمامُ بُطْلانَ صلاِته. قال فى «الفُروعِ»: وفيه نَظرٌ. ولهذا قيل: لا تصِحُّ كحَدَثِه. وقيل: لا تصِحُّ صلاتُهم ولو جَهِلُوا؛ للعِلْمِ بالمُفْسدِ. قال المَجْدُ: وهو أقْيَسُ على أصْلِنا، والجَهْلُ بالحُكْمِ لا تأْثيرَ له كالحَدَثِ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: قلتُ: ولو قال قائلٌ ببُطْلانِ صلاةِ الجميع، إذا لم يكُنِ التَّفْريقُ لحاجَةٍ، ولم يُعْذَرِ المأْمُومون لجَهْلِهم. لم يبْعُدْ.

قوله: الوَجْهُ الثَّالثُ، أنْ يصلِّىَ بطائفَةٍ رَكْعَة، ثم تَمْضىَ إلى العَدُوِّ، وتأْتِىَ

ص: 135

وَتَأْتِىَ الأُخْرَى فَيُصَلِّىَ بِهَا رَكْعَةً، وَيُسلِّمَ وَحْدَهُ، وَتَمْضِىَ هِىَ، ثُمَّ تَأْتِىَ الْأُولَى فَتُتِمَّ صَلَاتَهَا.

ــ

الأُخْرَى فيصلِّىَ بها رَكْعَةً، ويُسلِّمَ وَحْدَهُ، وتَمْضِىَ هى، ثم تأتِىَ الأُولَى فَتُتِمَّ صلاتَها. ثم تأْتِىَ الأُخْرَى، فَتُتِمَّ صلاتَها. وهذا بلا نِزاعٍ، لكن إذا أَتَمَّتْها الطَّائفةُ الأُولَى، تَلْزَمُها القِراءةُ فيما تقْضِيه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقال القاضى فى «جَامِعِه الصَّغيرِ»: لا قِراءةَ عليها، بل إنْ شاءتْ قرَأَتْ، وإنْ شاءتْ لم تقْرَأْ؛ لأنَّها مُؤْتَمَّةِّ بالإِمامِ حُكْمًا. انتهى. ولو زُحِمَ المأْمومُ أو نامَ حتى سلَّم إمامُه، قرَأ فيما يقْضيه. نصَّ عليه. وعلى قوْلِ القاضى، لا يحْتاجُ إلى قراءةٍ. قالَه ابنُ تَميمٍ، وصاحبُ «الفُروعِ». قلتُ: فيُعايَى بها على قوْلٍ فيهما. وأمَّا الطَّائفةُ الأُخْرى، فتَلْزمُها القراءةُ فيما تقْضيه، وَجْهًا واحدًا.

ص: 136

الْوَجْهُ الرَابعُ، أنْ يُصَلِّىَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً، وَيُسَلِّمَ بِهَا.

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، هذه الصَّلاةُ بهذه الصِّفةِ، وردَتْ فى حديثِ ابنِ عمرَ. رَواه البُخَارِىُّ، ومُسْلِمٌ، والإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ وغيرُهم. وليستْ مُخْتارةً عندَ الإِمامِ أحمدَ والأصحابِ، بل المُخْتارُ عندَهم، الوَجْهُ الثَّانى، كما تقدَّم. الثَّانيةُ، لو قضَتِ الطَّائفةُ الأُخْرى ركْعَتَها حينَ تفُارِقُ الإِمامَ وسلَّمتْ، ثم مضَتْ، وأتَتِ الأُولَى فأتَمَّتْ، كخَبَرِ ابنِ مَسْعُودٍ، صحَّ. وهذه الصِّفةُ أوْلَى عندَ بعضِ الأصحابِ. قالَه فى «الفُروعِ» ، واقْتصَرَ عليه. قال ابنُ تَميمٍ: وهو أحْسَنُ.

قوله: الوَجْهُ الرَّابعُ، أنْ يصُلِّىَ بكُلِّ طائفَةٍ صَلاةً، ويُسلِّمَ بها. تصِحُّ الصَّلاةُ

ص: 137

الْوَجْهُ الْخَامِسُ، أنْ يُصَلِّىَ الرُّبَاعِيَّةَ الْمَقْصُورَةَ تَامَّةً، وَتُصَلِّىَ مَعَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَقْضِىَ شَيْئًا، فَتَكُونَ لَهُ تَامَّةً، وَلَهُمْ مَقْصُورَةً.

ــ

بهذه الصِّفةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وإنْ مَنعْنا اقْتِداءَ المُفْترِضِ بالمُتَنَفِّلِ. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفائقِ» ، وقال: هو أصحُّ. وغيرِهم. وبَناه القاضى وغيرُه، على اقْتِداءِ المُفْترِضِ بالمُتَنَفِّلِ. وهذه الصِّفةُ فَعَلَها عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ. رَواه الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائِىُّ، مِن حديثِ أبى بَكْرَةَ.

قوله: الوَجْهُ الخامسُ، أنْ يُصلِّىَ الرُّباعِيَّةَ المقصورَةَ تامَّةً، وتُصلِّى معه كُلُّ طائفَةٍ رَكْعَتَين، ولا تَقْضِىَ شيئًا، فتكونُ له تامَّةً، ولهم مقصورَةً. الصَّحيحُ مِنَ

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ؛ أنَّ الصَّلاةَ بهذه الصِّفَةِ صحيحةٌ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. وقال المَجْدُ: لا تصِحُّ؛ لاحْتِمالِ سلامِه مِن كلِّ رَكْعَتَيْن، فتكونُ الصِّفةُ التى قبلَها. قال: وتَبِعَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . فلا يجوزُ إثْباتُ هذه الصِّفةِ مع الشَّكِّ والاحْتِمالِ. ونَصَراه. وهذه الصِّفةُ فعَلَها عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ فى ذَاتِ الرِّقاعِ. روَاه الإِمامُ أحمدُ، والبُخارِىُّ، ومُسْلِمٌ. قلتُ: فعلى المذهبِ، يُعايَى بها. فائدتان؛ إحْداهما، لو قصَر الصَّلاةَ الجائِزَ قصْرُها، وصلَّى بكلِّ طائفةٍ ركْعَةً بلا قَضاءٍ، صحَّ فى ظاهرِ كلامِه. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ،

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفائقِ». وقال: وهو المُخْتارُ. واخْتارَه المُصَنِّفُ. وهو مِنَ المُفرداتِ. قال فى «الفُروعِ» : ومنَع

الأكثرُ صِحَّةَ هذه الصِّفَةِ. قال الشَّارِحُ: وهذا قوْلُ أصحابِنا. ومالَ إليه. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المشْهورُ. قال القاضْى: الخوْفُ لا يُؤَثِّرُ فى نقْصِ الرَّكَعاتِ. قال فى «الكافِى» (1): كلامُ أحمدَ يقْتَضى أنْ يكونَ مِنَ الوُجوهِ الجائزَةِ، إلَّا أنَّ أصحابَه قالوا: لا تأْثيرَ للخَوْفِ فى عدَدِ الرَّكَعاتِ. وحمَلوا هذه الصِّفَةَ على شِدَّةِ الخوْفِ. انتهى. وهذا هو الوَجْهُ السَّادِسُ. قال الشَّارِحُ: وذكَر شَيْخُنا الوَجهَ

(1) 1/ 210.

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السَّادِسَ، أنْ يُصَلِّىَ بكُلِّ طائفَةٍ ركْعَةً، ولا يقضى شيئًا. وكذا قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه». وكان بعضُ مَشايِخنا يقولُ: الوَجْهُ السَّادِسُ، إذا اشْتدَّ الخوْفُ. وهذه الصِّفةُ صلَّاها عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، بذِى قَرَدٍ. رَواه النَّسائِىُّ، والأَثْرَمُ، مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، وحُذَيْفَةَ، وزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ (1)، وغيرِهم.

(1) حديث زيد بن ثابت أخرجه النسائى، فى: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى 3/ 136. كما روى عن أبى هريرة، أخرجه أبو داود، فى: باب من قال يكبرون جميعا وإن كانوا مستدبرى القبلة. . . إلخ، من كتاب صلاة السفر. سنن أبى داود 1/ 284. والترمذى، فى: تفسير سورة النساء، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 11/ 163، 164. والنسائى، فى: أول كتاب الخوف. المجتبى 3/ 141، 142.

ص: 141

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ فى الصَّلَاة مِنَ السِّلَاحِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ

ــ

الثَّانيةُ، تصِحُّ صلاةُ الجُمُعَةِ فى الخَوْفِ؛ فيُصلِّى بطائفةٍ ركْعةً بعدَ حُضورِها الخُطْبَةَ، فيُشْتَرَطُ لصِحَّتِها، حُضورُ الطَّائفةِ الأُولَى لها. وقيل: أو الثَّانيةِ. قالَه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» . وإنْ أحْرَم بالتى لم تحْضُرْها، لم تصِحَّ حتى يَخْطُبَ لها. ويُعْتبرُ أنْ تكونَ كلُّ طائفةٍ أرْبَعين، بِناءً على اشْتِراطِه فى الجُمُعَةِ، وتقْضِى كل طائفةٍ ركْعةً بلا جَهْرٍ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ أنْ تبْطُل إنْ بَقِىَ مُنْفَردًا بعدَ ذَهابِ الطَّائفةِ، كما لو نقَص العدَدُ. وقيلَ: يجوزُ هنا للعُذْرِ؛ لأنَّه مُتَرَقِّبٌ للطَّائفةِ الثَّانيةِ. قال أبو المَعالِى: وإنْ صلَّاها كخَبَرِ ابنِ عمرَ، جازَ. وأمَّا صلاةُ الاسْتِسْقاءِ، فقال أبو المَعالِى، واقْتصَرَ عليه فى «الفُروعِ»: تُصَلَّى ضرورةً كالمَكْتُوبَةِ، وكذا الكُسوفُ والعيدُ، إلَّا أنَّه آكَدُ مِن الاسْتِسْقاءِ.

قوله: ويُسْتحَبُّ أنْ يَحْمِلَ معه فى الصَّلاةِ مِنَ السِّلاحِ، ما يَدْفَعُ به عن نفْسِه،

ص: 142

وَلَا يُثْقِلُهُ؛ كَالسَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ. وَيَحْتَمِلُ أنْ يَجِبَ ذَلِكَ.

ــ

ولا يُثْقِلُه، كالسَّيفِ، والسِّكِّينِ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يجِبَ. وهو وَجْهٌ اخْتارَه صاحِبُ «الفائقِ». ونصَرَه المُصَنِّفُ. وحكَاه أبو حَكِيم النَّهْرَوَانِىُّ عن أبِى الخَطَّابِ. قال الشَّارِحُ: هذا القوْلُ أظْهَرُ. وقال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : قلتُ: أمَّا على بعضِ الوُجوهِ، فيما إذا حَرَسَتْ إحْدى الطَّائِفتَيْن، وهي فى حُكْمِ الصَّلاةِ، فيَنْبغى أنْ يجِبَ، قوْلًا واحدًا؛ لوُجوبِ الدَّفْع عنِ المُسْلمين، وأمَّا فى غيرِ ذلك، فإنْ قُلْنا: يجِبُ الدَّفْعُ عنِ النَّفْسِ، فكذلك، وإلَّا كان مُسْتَحَبًّا. انتهى. وقال فى «المُنْتَخَبِ»: هل يُستَحَبُّ؟ فيه رِوايتان. نقَل ابنُ هانِئٍ، لا بَأْسَ. وقيل: يجبُ مع عَدَمِ أَذَى مطَرٍ أو مَرَضٍ، ولو كان السِّلاحُ مُذَهَّبًا، ولا يُشْتَرَطُ حمْلُه، قوْلًا واحدًا. وقال فى «الفُروعِ»:

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويتَوجَّه فيه تخْريجٌ واحْتِمالٌ.

تنبيهان؛ أحدُهما، مفْهومُ قولِه: ولا يُثْقِلُه. أنَّه إذا أثْقَلَه لا يُسْتَحَبُّ حمْلُه فى الصَّلاةِ كالجَوْشَنِ. وهو صحيحٌ، بل يُكْرَهُ. قالَه الأصحابُ. الثَّانى، يُسْتَثْنَى مِن كلامِ المُصَنِّفِ ما لا يُثْقِلُه، ولكنْ يمْنَعُه مِن إكْمالَ الصَّلاةِ، كالمِغْفَرِ، أو يؤْذِى غيرَه، كالرُّمْحِ إذا كان مُتَوسِّطًا، فإنَّ حمْلَ ذلك لا يُسْتَحَبُّ، بل يُكْرَهُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب، إلَّا مِن حاجَةٍ. وقد جزَم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ وغيرُهما، بأنَّه لا يُسْتَحَبُّ. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصولِ»: يُكْرَهُ ما يمْنَعُه مِنِ اسْتِيفاءِ الأرْكانِ. قال فى «الفُروعِ» : ومُرادُه، اسْتِيفاؤُها على الكَمالِ. وقال فى «الفُصولِ» ، فى مَكانٍ آخَرَ: إلَّا فى حرْبٍ مُباحٍ. قال فى «الفُروعِ» : وكذا قال. ولم يسْتَثْنِ فى مَكانٍ آخَرَ.

فائدتان؛ إحْداهما، يجوزُ حمْلُ النَّجِسِ فى هذه الحالِ للحاجَةِ. جزَم به فى

ص: 144

فَصْلٌ: وَإذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، صَلَّوْا رِجَالًا وَرُكْبَانًا، إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا، يُومِئُونَ إِيمَاءً عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ،

ــ

«الفُروعِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ولا يجوزُ حمْلُ نَجِسٍ إلَّا عندَ الضَّرورةِ، كمَن يخافُ وُقوعَ الحِجارَةِ والسِّهامِ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: ويُسَنُّ حمْلُ كذا. وقيل: يجِبُ. وقيل: يجِبُ مع عدَمِ أذّى، وإنْ كان السِّلاحُ مُذَهَّبًا. وقيل: أو نَجِسًا، مِن عَظْمٍ أو جلْدٍ أو عَصَبٍ، ورِيشٍ، وشَعَرٍ. ونحوِ ذلك. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ»: ولا يجوزُ أنْ يحْمِلَ فى الصَّلاةِ سِلاحًا فيه نَجاسَةٌ. فلعَلَّه أرادَ، مع عدَمِ الحاجَةِ، جمْعًا بين الأقْوالِ. لكنْ ظاهرُ «الرِّعايَةِ» ، أنَّ فى المسْألَةِ خِلافًا. وحيثُ حمَل ذلك وصلَّى، ففى الإِعادةِ رِوايَتان. ذكَرهما فى «الفُروعِ». وأطْلقَهما. وقال فى «الرِّعايَةِ» مِن عندِه: يحْتَمِلُ الإِعادةُ وعدَمُها وَجْهَين. قلتُ: يُعْطَى لهذه المسْألةِ حُكْمُ نَظائرِها، مِثْلُ ما لو تَيَمَّمَ خوْفًا مِنَ البَرْدِ وصلَّى، على ما تقدَّم. الثَّانيةُ، قال ابنُ عَقِيلٍ: حمْلُ السِّلاحِ فى غيرِ الخوْفِ فى الصَّلاةِ محْظورٌ. وقالَه القاضى. وقال القاضى أيضًا: مَن رفَع الجُناحَ عنهم، رفَع الكراهَةَ عنهم؛ لأنَّه مكْروهٌ فى غيرِ العُذْرِ. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِ الأكثرِ، ولا يُكْرَهُ فى غيرِ العُذْرِ. وهو أظْهَرُ. انتهى. قوله: وإذا اشْتَدَّ الخَوفُ صَلَّوا رجالًا ورُكْبانًا، إلى القِبْلَةِ وغيرِها يُومئون إيماءً

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على قَدْرِ الطَّاقةِ. فأفادَنا المُصَنِّفُ رحمه الله، أنَّ الصَّلاةَ لا تَؤَخَّرُ فى شدَّةِ الخوْفِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، له التَّأخيرُ إذا احْتاجَ إلى عمَلٍ كثيرٍ. قال فى «الفائقِ»: وفى جَوازِ تأْخيرِ الصَّلاةِ عن وَقْتِها لقِتالٍ، رِوايَتان. قال فى «الرِّعايَةِ»: رجَع أحمدُ عن جَوازِ تأْخيرِها حالَ الحرْبِ. قال فى «التَّلْخيصِ» : والصَّحيحُ، الرُّجوعُ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: فعلى المذهبِ، فالحُكْمُ فى صلاةٍ تُجْمَعُ مع ما بعدَها، فإنْ كانتْ أُولَى المَجْموعتَين،

ص: 146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالأَوْلَى تأْخيرُها، والخوْفُ يُبيحُ الجَمْعَ فى ظاهرِ كلامِ أحمدَ، كالمَرَضِ ونحوِه.

ص: 147

فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

ــ

قوله: فإنْ أمْكَنَهُم افْتتاحُ الصَّلاةِ إلى القِبْلَةِ، فهل يَلْزَمُهم ذلك؟ على رِوايتَين. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرحِ» ، و «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ؛ إحْداهما، لا يَلْزمُهم. وهى المذهبُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ». قال فى «المُسْتَوْعِبِ»: أصحُّهما لا يجِبُ. قال فى «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ»: ولا يجِبُ على الأصحِّ. قال فى «التَّلْخيصِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ»: ولا يلْزَمُ على الأظْهَرِ. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» : والصَّحيحُ لا يجِبُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، وغيرِهم. واخْتارَه أبو بَكْرٍ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يلْزَمُهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المشْهورُ. وجزَم به الخِرَقِىُّ، وفى «الوَجيزِ» .

تنبيهان؛ أحدُهما، مفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه إذا لم يُمْكِنْه افْتِتاحُ الصَّلاةِ مُتَوَجِّهًا إليها، أنَّه لا يَلْزَمُه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، رِوايةً واحدةً عندَ أكثرِ الأصحابِ. وحكَى أبو بَكْرٍ فى «الشَّافِى» ، وابنُ عَقِيلٍ، رِوايةً باللُّزومِ،

ص: 148

وَمَنْ هَرَبَ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا، أَوْ مِنْ سَيْلٍ، أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّى كَذَلِكَ.

ــ

والحالَةُ هذه. وهو بعيدٌ، وكيفَ يلزَمُ شئٌ لا يمْكِنُ فِعْلُه؟ وقدَّم هذه الطَّريقةَ فى «الرِّعايَةِ». ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِىِّ. قال ابنُ تَميمٍ: وفى وُجوبِ افْتِتاحِ الصَّلاةِ إلى القِبْلةِ رِوايَتان. قال بعضُ أصحابِنا: ذلك مع القُدْرَةِ، ولا يجِبُ ذلك مع العَجْزِ، رِوايةً واحدةً. وقال عَبْدُ العَزِيزِ فى «الشَّافِى»: يجِبُ ذلك مع القُدْرَةِ، ومع عدَمِ الإمْكانِ رِوايَتان. وذكَر ابنُ عَقِيل ذلك. انتهى. الثَّانى، ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أن صلاةَ الجماعَةِ، والحالةُ هذه، تنْعَقِدُ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهَادِى» . ونصَّ عليه فى رِوايَةِ حَرْبٍ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: قالَه الأصحابُ. قال فى «الفُروعِ» : تنْعَقِدُ. نصَّ عليه فى المنْصوصِ، فدَلَّ على أنَّها تجِبُ: وهو ظاهِرُ ما احْتجُّوا به. انتهى. واخْتارَ ابنُ حامِدٍ، والمُصَنِّفُ أنَّها لا تنْعَقِدُ. وقيل: تنْعَقِدُ ولا تجِبُ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : وليس ببعيدٍ. قال: وهو ظاهرُ كلامِ الأصحابِ مِن قوْلِهم: ويجوزُ أنْ يصَلُّوا جماعةً. فعلى المذهبِ، يُعْفَى عن تقَدُّمِ الإِمامِ وعنِ العَمَلِ الكثيرِ، بشَرْطِ إمْكانِ المُتابعَةِ، ويكونُ سُجودُه أخْفَضَ مِن ركُوعِه، ولا يجِبُ سُجودُه على دابَّتِه، وله الكَرُّ والفَرُّ، والضَّربُ والطَّعْنُ، ونحوُ ذلك للمَصْلَحَةِ، ولا يزولُ الخوْفُ إلَّا بانْهِزام الكُلِّ.

قوله: ومَن هرَب مِن عَدُوٍّ هَرَبًا مُباحًا، أَو مِن سَيْلٍ، أو مِن سَبُعٍ ونحوِه،

ص: 149

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كالنَّارِ، فله أنْ يُصلِّىَ كذلك. وهو المذهبُ، وعليه جمهورُ الأصحابِ. وقيل: إنْ كثُرَ دفْعُ العدُوِّ، مِن سَيْلٍ وسَبُعٍ، وسقُوطِ جِدارٍ ونحوِه، أبْطَل الصَّلاةَ.

فائدة: مثْلُ السَّيْلِ والسَّبُعِ، خوْفُه على نفْسِه، أو أهْلِه، أو مالِه، أو ذَبِّه

ص: 150

وَهَلْ لِطَالِبِ العَدُوِّ الْخَائِفِ فَوَاتَهُ الصَّلاةُ كَذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتيْن).

ــ

عنه. وعلى الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، أو خوْفُه على غيرِه. وعنه، لا يُصَلِّى كذلك لخوْفِه على غيرِه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه لا يُصَلِّى كذلك لخوْفِه على مالِ غيرِه. وعنه، بلَى.

قوله: وهل لطالِبِ العَدُوِّ الخائِف فَواتَه الصَّلاةُ كذلك؟ على رِوايَتَهما. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوك الذَّهَبِ» ،

و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرَحِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الحاوِيَيْن» ؛ إحْداهما، تجوزُ له الصَّلاةُ كذلك. وهو المذهبُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ». قال فى «النَّظْمِ»: يجوزُ فى الأُوْلَى. ونَصَرَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْنِ» . قال فى «تَجْريدِ العِنايَةِ» : يجوزُ على الأظْهَرِ. وجزَم به فى

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وقدَّمه الخِرَقِىُّ فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ. اخْتارَها القاضى. وصحَّحها ابنُ عَقِيلٍ. قال فى «الخُلاصَةِ»:

ص: 152

وَمَنْ أَمِنَ فى الصَّلاةِ أَتَمَّ صَلَاةَ آمِنٍ، وَمَنِ ابْتدَأَها آمِنًا فَخَافَ، أتَمَّ صلاةَ خَائِفٍ.

ــ

ولا يصَلِّيها إلَّا إذا كان طالِبًا للعدُوِّ، على الأصحِّ. وقيل: إنْ خافَ عوْدَه عليه، صلَّى كخائفٍ، وإلَّا فكآمِنٍ. قالَه ابنُ أبِى مُوسى. وجزَم به الشَّارِحُ. ونقَل أبو داودَ، فى القوْم يَخافون فوْتَ الغارَةِ، فيُؤَخِّرون الصَّلاةَ حتى تطْلُعَ الشَّمْسُ، أو يصَلُّون على دَوابِّهم؟ قال: كلٌّ أرْجو.

ص: 153

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، مَن خافَ كمِينًا، أو مَكيدَةً، أو مكْروهًا، إن ترَكها، صلَّى صلاةَ خوْفٍ. قال ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ، وغيرُهما: رِوايةً واحدةً، ولا يُعيدُ. على الصَّحيحِ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وعنه، تلْزَمُه الإعادةُ. الثَّانيةُ، يجوزُ التَّيَمُّمُ مع وُجودِ الماءِ للخائفِ فوْتَ عدُوِّه كالصَّلاةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. قدَّمه فى «الفُروعِ» هنا. فيُعايَى بها. وعنه، لا يجوزُ. وهو ظاهرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. وقال فى «الفُروعِ» فى بابِ التَّيَمُّمِ: وفى فوْتِ مَطْلوبِه رِوايَتان. الثَّالثةُ، يجوزُ للخائفِ فوْتَ الوُقوفِ بعَرَفَةَ، صلاةُ الخوْفِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ

ص: 154

ومَنْ صَلَّى صَلَاةَ الخَوْفِ لِسَوادٍ ظَنَّهُ عَدُوًّا فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بعَدُوٍّ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا يَمْنَعُهُ، فَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ.

ــ

الدِّينِ. وهو الصَّوابُ. وهو احْتِمالُ وَجْهٍ فى «الرِّعايَةِ» . قال ابنُ أبِى المَجْدِ فى «مُصَنَّفِه» : صلَّى ماشِيًا فى الأصحِّ. الرَّابعةُ، لو رأى سَوادًا، فظَنَّه عدُوًّا أو سَبُعًا، فَتَيَمَّمَ وصلَّى، ثم بانَ بخِلافِه، ففى الإعادَةِ وَجْهان. ذكَرهما المَجْدُ، وغيرُه. وصحَّحَ عدَمَ الإِعادةِ لكَثْرَةِ البَلْوى بذلك فى الأسْفارِ، بخِلافِ صلاةِ الخوْفِ. وقيل: يُقدِّمُ الصَّلاةَ، ولا يصَلِّى صلاةَ خائفٍ. وهو احْتِمالُ وَجْهٍ فى «الرِّعايَةِ» أيضًا. وقيل: يُؤخِّرُ الصَّلاةَ إلى أمْنِه. وهو احْتِمالٌ فى «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميم» . وأطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وهُنَّ أوْجُهٌ فى «الفُروعِ» .

قوله: ومَن صلَّى صلاةَ الخَوفِ لِسَوادٍ ظَنَّه عَدُوًّا، فبانَ أنَّه ليس بِعَدُوٍّ، فعليه الإِعادةُ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: لا إعادةَ عليه. وذكَره ابنُ هُبَيْرَةَ رِوايةً. وقال فى «التَّبْصِرَةِ» : إذا ظَنُّوا سَوادًا عدُوًّا، لم يَجُزْ أنْ يصَلُّوا صلاةَ الخوْفِ.

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو ظهَر أنَّه عدُوٌّ، ولكِنَّه يقْصِدُ غيرَه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه لا إعادةَ عليه؛ لوُجودِ سبَبِ الخوْفِ، بوُجودِ عدُوٍّ يخاْفُ هجُومَه، كما لا يُعيدُ مَن خافَ عدُوًّا فى تخَلُّفِه عن رَفيقِه فصلَّاها، ثم بانَ أمْنُ الطَّريقِ. وقيل: عليه الإِعادةُ.

قوله: أو بينَه وبينَه ما يمْنَعُه، فعليه الإعادةُ. وهو المذهبُ أيضًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: لا إعادةَ عليه. وقيل: لا إعادةَ إنْ خَفِىَ المانِعُ، وإلَّا أعادَ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو خافَ هدْمَ سورٍ، أو طَمَّ (1) خَنْدَقٍ إنْ صلَّى آمِنًا، صلَّى صلاةَ خائِفٍ ما لم يعْلَمْ خِلافَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يصَلِّى آمِنًا ما لم يظن ذلك. الثَّانيةُ، صلاةُ النَّفْلِ مُنْفَرِدًا يجوزُ فِعْلُها، كالفَرْضِ. وتقدَّم فى أوَّلِ بابِ سُجودِ السَّهْوِ، هل يسْجُدُ للسَّهْوِ فى اشْتِدادِ الخوْفِ؟

(1) الطَّم: الرَّدْم.

ص: 156

بابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

ــ

بابُ صلاةِ الجُمُعَةِ

فائدتان؛ إحْداهما، سُمِّيَتْ جُمُعَةً، لجَمْعِها الخَلْقَ الكثيرَ. قدَّمه المَجْدُ، وابنُ رَزِينٍ، وغيرُهما. وقال ابنُ عَقِيلٍ، فى «الفُصولِ»: إنما سُمِّيَتْ جُمُعَةً؛ لجمْعِها الجَماعاتِ. قدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «مَجْمِع البَحْرَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». وهو قريبٌ مِنَ الأوَّلِ: وقيلَ: لجَمْع طِينِ آدَمَ فيها. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : وهو أوْلَى. وقيل: لأن آدَمَ جُمِعَ فيها خَلْقُه. رَواه أَحمدُ، وغيرُه، مرْفُوعًا (1). قال الزَّرْكَشِىُّ: واشْتِقاقُها قيلَ: مِن اجْتِماعِ النَّاسِ للصَّلاةِ. قالَه ابنُ دُرَيْدٍ. وقيلْ: بل لاجْتِماعِ الخَليقَةِ فيه وكَمالِها. ويُرْوَى عنه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، أنَّها سُمِّيَتْ بذلك؛

(1) أخرجه الإمام أحمد عن سلمان الفارسى فى: المسند 5/ 439، 440.

ص: 157

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لاجْتِماعِ آدَمَ فيه مع حوَّاءَ فى الأرْضِ (1)، الثَّانيةُ، الجُمُعَةُ أفضَلُ مِنَ الظُّهْرِ، بلا نِزاعٍ، وهى صلاةٌ مُسْتقِلَّةٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لعدَمِ انْعِقادِها بِنيَّةِ الظُّهْرِ، ممَّن لا تجِبُ عليه، ولجَوَازِها قبلَ الزَّوالِ لا أكثرَ مِن ركْعتَيْن. قال أبو

(1) انظر: طبقات ابن سعد 1/ 40. وتاريخ الطبرى 1/ 121، 122.

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَعْلَى الصَّغِيرُ، وغيرُه: فلا يجمعُ فى محَلٍّ يُبِيحُ الجمْعَ، وليس لمَن قُلِّدَها أنْ يؤُمَّ فى الصَّلواتِ الخَمْسِ. ذكَرَه فى «الأَحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» (1). وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهما. وجزَم به فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وعنه، هى ظُهْرٌ مقْصورةٌ. وأطْلَقَهما فى «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» . قال فى

(1) الأحكام السلطانية 104.

ص: 159

وَهِىَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُل مُسْلِمٍ، ذَكَرٍ، مُكَلَّفٍ، حُرٍّ، مُسْتَوْطِنٍ ببنَاءٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ.

ــ

«الانْتِصارِ» ، و «الوَاضِحِ» وغيرِهما: الجُمُعَةُ هى الأصْلُ، والظُّهْرَ بدَلٌ. زادَ بعضُ الأصحاب، رُخْصَةٌ فى حَقِّ مَن فاتَتْه. وذكَر أبو إسْحاقَ وَجْهَيْن؛ هل هى فرْضُ الوَقْتِ، أَو الظُّهْرُ فرْضُ الوقْتِ، لقُدْرَيه على الظُّهْرِ بنَفْسِه بلا شَرْطٍ؟ ولهذا يقْضِى مَن فاتَتْه ظُهْرًا. وقطَع القاضى فى «الخِلافِ» ، وغيرِه، بأنَّها فرْضُ الوقْتِ عندَ أحمدَ؛ لأنَّها المُخاطَبُ بها، والظُّهْرُ بدَلٌ. وذكَر كلامَ أبى إسْحَاقَ، ويبَدَأُ بالجُمُعَةِ خوْفَ فوْتِها، ويتْرُكُ فَجرًا فائِتَةً. نصَّ عليه. وقال فى القَصْرِ: قد قيلَ: إنَّ الجُمُعَةَ تُقْضَى ظُهْرًا. ويدُلُّ عليه، أنَّها قبلَ فَواتِها، لا يجوزُ الظُّهْرُ، وإذا فاتَتِ الجُمُعَةُ، لَزِمَتِ الظُّهْرُ. قال: فدَلَّ أنَّها قَضاءٌ للجُمُعَةِ.

تنبيهان؛ أحدُهما، مفْهومُ قوله: وهى واجِبَة على كُلِّ مسْلمٍ مُكلَّفٍ. أنَّها لا تجبُ على غيرِ المُكلَّفِ، فلا تجِبُ على المجْنونِ، بلا نِزاعٍ، ولا على الصَّبِىِّ،

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لكنْ إنْ لَزِمَتْه المكتوبةُ، لَزِمَتْه الجُمُعَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وهو ظاهرُ

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقيل: لا تجِبُ عليه، وإنْ وجبَتْ عليه المَكتوبةُ. اخْتارَه المَجْدُ، وقال: هو كالإجْماعِ. وصحَّحه ابنُ تَميم، وصاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» ،

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والزَّرْكَشِىُّ. وتقدَّم هذا فى كتابِ الصَّلاةِ. الثَّانى، مفْهومُ قولِه: مُسْتوطنٍ ببناءٍ. أنَّها لا تجِبُ على غيرِ مُسْتَوْطِنٍ، ولا على مُستَوْطِنٍ بغيرِ بِناءٍ، كَبيوتِ الشَّعَرِ، والحِرَاكى، والخِيامِ ونحوِها. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمَ الأزَجِىُّ، صحَّتَها ووُجوبَها على المُسْتَوطِنِين بعَمودٍ أو خِيامٍ.

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. قال فى «الفُروعِ» : وهو مُتَّجَهٌ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. واشْترَطَ الشَّيْخُ تقىُّ الدِّينِ فى مَوْضع آخَرَ من كلامِه، أنْ يكونوا يزْرَعون، كما يزْرَعُ أهلُ القَرْية. ويأتى ذلك فى كلامِ المُصَنِّفِ صريحًا.

قوله: ليس بينَه وبينَ مَوضع الجُمُعَةِ، أكثرَ مِن فَرْسَخٍ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الخِرَقِىِّ» ، وابنُ رَزِين فى «شَرْحِه» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الصغرى» . وعنه، المُعْتَبَرُ إمْكانُ سَمَاعِ النِّداءِ. قدَّمه فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذهَبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «ابنِ تميمٍ». وزادَ فقال: المُعْتبَرُ إمْكانُ سَماعِ النِّداءِ غالِبًا. انتهى. وعنه، بل المُعْتَبَرُ سَماعُ النِّداءِ لإمْكانِه. وهو ظاهرُ ما جزَم به ابنُ رَزِين، وصاحبُ «تَجْريدِ

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العِنايةِ». وقال فى «الهِدايَةِ» : إذا كان مُسْتوطِنًا يسْمَعُ النِّداءَ، أو بينَه وبينَ موضِع ما تُقامُ فيه الجُمُعَةُ، فرْسَخٌ. وتابَعَه على ذلك فى «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الإِفاداتِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، وغيرِهم. وعنه، إنْ فعَلوها، ثم رجَعوا لبُيوتِهم، لَزِمَتْهم، وإلا فلا. وأطْلَقَ الأُولَى والثَّالثةَ فى «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» . وأطْلقَ الأُولَى والثَّانيةَ والرَّابِعةَ فى «المُسْتَوْعِبِ» .

تنبيهان؛ أحدُهما، أطْلقَ أكثرُ الأصحابِ ذِكْرَ الفَرْسَخِ. وقال بعضُهم: فرْسَخٌ تقْريبًا. وهو الصوابُ. الثَّانى، أكثرُ الأصحابِ يحْكى الرِّوايتَيْن الأولَيَيْن. كما تقدَّم. وقال فى «الفائقِ»: والمُعْتبرُ إمكانُ السَّماعِ، فيُحَدُّ بفَرْسَخٍ. وعنه، بحَقيقَتِه. وقال ابنُ تَميم، بعدَ أنْ قدَّم الرِّوايةَ الثانيةَ: وعنه، تحْديدُه بالفَرسَخِ فما دُونَ؛ فمِنَ الأصحابِ مَن حكَى ذلك رِوايةً ثانيةً، ومنهم مَن قال: هما سواءٌ؛ الصَّوْتُ قد يُسْمَعُ عن فَرْسَخٍ.

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: فعلى رِواية أنَّ المُعْتبرَ إمْكانُ سَماعِ النِّداءِ، فمحَلُّه، إذا كان المُؤذِّنُ صَيِّتا، والأصْواتُ هادِئةً، والرياحُ ساكنَةً، والمَوانِعُ مُنْتَفِيَةً.

تنبيهان؛ أحدُهما، قولُه: ليس بينَه وبينَ موْضِع الجُمُعَةِ أكثرُ مِن فرْسَخٍ. إذا حدَّدْنا بالفرْسَخِ، أو باعْتِبارِ إمْكانِ السَّماعِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ ابتداءَه مِن موْضِع الجُمُعَةِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الحَواشِى» . وعنه، ابْتداؤه مِن أطْرافِ البَلَدِ. صحَّحه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به فى «التَّلْخيص» ، و «البُلْغةِ» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . وأطْلقَهما ابنُ تَميمٍ، و «الفائقِ». ويكونُ إذا قُلْنا: مِن مَكانِ الجُمُعَةِ مِنَ المَنارَةِ ونحوِها. نصَّ عليه. وقال أبو الخَطَّاب: المُعْتَبَرُ مِن أيِّهما وُجِدَ، مِن مَكانِ الجُمُعَةِ، أو مِن أطْرافِ البَلَدِ. الثَّانى، محَلُّ الخِلافِ فى التَّقْديرِ بالفَرْسَخِ، أو إمْكانِ سَماعِ النِّداءِ، أو سَماعِه، أو ذَهابِهم ورُجوعِهم فى يوْمِهم، إنَّما هو فى المُقيمِ بقَرْيةٍ، لا يبْلُغُ عدَدُهم ما يُشْتَرَطُ فى الجُمُعَةِ، أو فى مَن كان مُقيمًا فى الخِيامِ ونحوِها، أو فى مَن كان مُسافِرًا دُونَ مَسافَةِ قَصْرٍ، فمحَلُّ الخِلافِ فى هؤلاء وشِبْهِهِم. أمَّا مَن هو فى البَلَدِ التى تُقامُ فيها الجُمُعَةُ، فإنَّها

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَلزَمُه، ولو كان بينَه وبين موْضِع الجُمُعَةِ فَراسِخُ، سواءٌ سمِعَ النِّداءَ أو لم يسْمَعْه، وسواءٌ كان بُنْيانُه متَّصِلًا أو مُتَفَرِّقًا، إذا شَمِلَه اسْمٌ واحدٌ.

ص: 167

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأُولَى، حيثُ قُلْنا: تلْزَمُ مَن تقدَّم ذِكْرُه، وسعَى إليها، أو كان فى موْضِعِ الجُمُعَةِ مِن غيرِ أهْلِها، وإنَّما هو فيها لتَعَلُّم العِلْمِ، أو شُغْلِ غيرِه، غيرُ مُسْتَوْطِنٍ، أو كان مُسافِرًا سَفَرًا لا قَصْرَ معه، فإنَّما يلْزَمُهم بغيرِهم، لا بأنْفُسِهم. على ما يأْتِى فى بعضها مِنَ الخِلافِ، ولا تنْعَقِدُ بهم؛ لِئَلَّا يصيرَ التَّابعُ أصْلًا. وفى صِحَّةِ إمامَتِهم وجْهان، ووجْهُهُما كوْنُها واجِبَةً عليهم، وكوْنُها لا تنْعَقِدُ بهم. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعِايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الحَواشِى» . وأطْلَقَهما فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، فى المُقيمِ غيرِ المُسْتَوْطِنِ؛ أحدُهما، لا تصِحُّ إمامَتُهم. وهو الصَّحيحُ. وهو ظاهرُ كلامِ القاضى. وصحَّحه فى «النَّظْمِ» . وجزَم به فى «الإِفاداتِ» . والثانيةُ، تصِحُّ إمامَتُهم. وهو ظاهرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، وأبى بَكْرٍ؛ لأنَّهما علَّلا منْعَ إمامَةِ المُسافرِ فيها، بأنها لا تجِبُ عليه. قالَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . الثَّانيةُ، لو سمِعَ النِّداءَ أهلُ قرْيةِ صغيرة مِن فوقِ فرْسَخٍ، لعُلُوِّ مَكانِها، أو لم يسْمَعْه مَن دُونَه لجَبَلٍ حائلٍ أوِ انْخِفاضِها، فعلى الخِلافِ المُتَقَدِّمِ. قالَه فى «الفُروعِ». وقدَّم ابنُ تَميم فى المسْألةِ الأُولَى الوُجوبُ. وقدَّم فى «الرِّعَايَةِ الكُبْرى» فى المَسْألتَيْن الأخِيرَتَيْن عدَمَ الوُجوبِ. فإنْ قُلْنا: الاعْتِبارُ به فى المُنْخَفِضةِ، أو مَن كان بينَهم حائِلٌ. لَزِمَهم قصْدُ الجُمُعَةِ. وإنْ قُلْنا: الاعْتِبارُ بالسَّماعِ فيها. فقالَ القاضى: تُجْعَلُ كأنَّها على مُسْتوًى مِنَ الأرْضِ، ولا مانِعَ، فإنْ أمْكنَ سَماعُ النِّداءِ، وجبَتْ عليه، وإلَّا فلا. وقيل: لا تجِبُ عليه بحالٍ. الثَّالثةُ، لو وُجِدَ قرْيَتان مُتقارِبتان، ليس فى كلِّ واحدةٍ العدَدُ المُعْتبرُ، لم يُتَمَّمِ العَدَدُ منهما؛ لعدَمِ اسْتِيطانِ المُتَمِّمِ. ولا يجوزُ تجْميعُ أهْلِ بلَدٍ كامِلٍ فى ناقصٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. واخْتارَ المَجْدُ، الجوازَ إذا كان بينَهما كما بينَ البُنْيانِ ومُصلَّى العيدِ؛ لعدَمِ خُروجِهم عن حُكْم بعضِهم. وجزَم به فى «مَجْمَعِ

ص: 168

وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلا عَبْدٍ، وَلَا امْرأةٍ، وَلَا خُنْثَى،

ــ

البَحْرَيْن»، تَبَعًا للمَجْدِ. الرَّابعةُ، لو وُجِدَ العدَدُ فى كلِّ واحدةٍ مِنَ البَلْدَتَيْن، فالأَوْلَى تجْميعُ كلِّ قوْمٍ فى بَلَدِهم. وقيل: يلْزَمُ القرْيةَ قصدُ مِصْرٍ بينَهما فرسَخٌ فأقَلُّ، ولو كان فيهما العدَدُ المُعْتَبرُ. وحُكِىَ رِوايةً.

قوله: ولا تَجِبُ على مُسافرٍ. يَحْتَمِلُ أنَّ مُرادَه، المُسافِرُ السَّفَرَ الطَّويلَ. فإنْ كان ذلك مُرادَه، وهو الظَّاهِرُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ كما قال، وعليه الأصحابُ، ولم يَجُزْ أنْ يُؤمَّ فيها. وهوْ مِنَ المُفْرَداتِ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: يَحْتَمِلُ أنْ تلزَمَه تبَعًا للمُقيمين. قال فى «الفُروعِ» : وهو مُتَّجَهٌ. وهو منَ المُفْرَداتِ. وذكَر بعضُ أصحابنا وجْهًا، وحُكِىَ روايةً، تلْزَمُه بحُضورِها فى وقْتِها، ما لم يتضَرَّرْ بالانتِظارِ، وتنْعَقِدُ به، ويؤمُّ فيها. وهو مِنَ المُفْرَداتِ أيضًا.

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعلى المذهبِ، لو أقامَ مدَّةً تمْنَعُ القَصْرَ، ولم ينْوِ اسْتِيطانًا، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ الجُمُعَةَ تلْزَمُه بغيرِه. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: إنَّه الأشْهَرُ. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» فى مَوْضِعٍ، وغيرِهم. وعنه، لا تلْزَمُه. جزَم به فى «التَّلْخيصِ» ، وغيرِه. وهو ظاهرُ ما فى «الكافِى» . وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وأطْلقَهما ابنُ تَميمٍ، و «الفائقِ» . ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مُرادُ المُصَنِّفِ، ما هو أعمُّ مِن ذلك، فيَشْمَلُ المُسافِرَ سَفَرًا قصيرًا فوقَ

ص: 170

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَرْسَخٍ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّها لا تجِبُ عليه، ولا تلْزَمُه. وجزَم به فى «الفُروعِ». وقيل: تلْزَمُه بغيرِه. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . وأطْلقَهما ابنُ تَميمٍ، و «الفائقِ» .

قوله: ولا عَبْدٍ. يعْنِى، لا تجبُ عليه. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشىُّ: هذه أَشْهَرُ الرِّواياتِ وأصحُّها عندَ الأصحابِ. وعنه، تجِبُ. عليه اخْتارَها أبو بَكْرٍ. وهى مِنَ المُفْرَداتِ. وأطْلقَهما فى «المُسْتَوْعِبِ» . فعليها، يُسْتحَبُّ أنْ يستأذِنَ سيِّدَه، ويحْرُمُ على سَيِّدِه منْعُه، فلو مَنَعه خالَفه وذهَب إليها. وقال ابنُ تَميمٍ: وحكَى الشَّيْخُ رِوايةَ

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الوُجوبِ. وقال: لا يذْهَبُ بغيرِ إذْنِه. وعنه، تجِبُ عليه بإذْنِ سيِّدِه. وهى مِنَ المُفْرَداتِ أيضًا. وعلى المذهبِ، لا يجوزُ أنْ يؤُمَّ فيها، على الصَّحيحِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. قالَه ناظِمُها. وعنه، يجوزُ أنْ يؤُمَّ فيها.

فائدة: المُدَبَّرُ والمُكاتَبُ، والمُعَلَّقُ عِتْقُه بصِفَةٍ، كالقِنِّ فى ذلك. وأما المُعْتَقُ بعضُه، فظاهِرُ قوْلِ المُصَنِّفِ: ولا تجبُ على عَبْدٍ. وُجوبُها عليه؛ لأنَّه ليس بعَبْدٍ. وظاهِرُ قوْلِه، فى أوَّلِ البابِ: حُرًّا. أنها لا تجِبُ عليه؛ لأنَّه ليس بحُرٍّ. وفيه خِلافٌ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّها لا تجِبُ عليه مُطْلَقًا. وقيل: تلْزَمُه إذا كان بينَه وبينَ سيِّدِه مُهايأَةٌ، وكانتِ الجُمُعَةُ فى نوْبَته. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ. وأمَّا إذا قُلْنا: بوُجوبِها على القِنِّ، فالمُعْتَقُ بعضُه بطريقٍ أوْلَى.

ص: 172

وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ أَجْزَأَتْهُ، وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا. وَعَنْهُ، فِى الْعَبْدِ، أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ.

ــ

قوله: ولا امْرَأةٍ. يعْنِى، لا تجِبُ عليها. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وحَكَى الأَزجِىُّ فى «نِهايَتِه» ، رِوايةً بوُجوبِها على المرأةِ. قلتُ: وهذه مِن أبعَدِ ما يكونُ، وما أظُنُّها إِلَّا غلَطًا، وهو قوْلٌ لا يُعَوَّلُ عليه، ولعَلَّ الإِجْماعَ على خِلافِه فى كلِّ عصْرٍ ومِصْرٍ. ثم وجَدتُ ابنَ المُنْذِرِ حَكاه إجْماعًا ووجَدتُ ابنَ رَجَبٍ، فى «شَرْحِ البُخَارِىِّ» غلَّطَ مَن قالَه. ولعَلَّه أرادَ، إذا حَضَرَتْها. والخُنْثَى كالمرأةِ.

قوله: ومَن حضَرها منهم أجْزَأتْه. بلا نِزاعٍ، ولم تنْعَقِدْ به، ولم يَجُزْ أنْ يؤُمَّ فيها. وهذا مَبْنِىٌّ على عَدَمِ وُجوبِها عليهم. أمَّا المرأةُ، فلا نِزاعَ فيها. وتقدَّم حُكْمُ المُسافرِ. وأمَّا العَبْدُ، إذا قُلْنا: لا تجِبُ عليه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ كما قال المُصَنِّفُ: أنَّها لا تَنْعَقِدُ به، ولم يَجُزْ أَنْ يؤُمَّ فيها. وعنه، تنْعَقِدُ به، ويجوزُ أنْ يؤُمَّ

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيها والحالَةُ هذه. وتقدَّم إذا قُلْنا: تجِبُ عليه. وكذلك الصَّبِىُّ المُمَيِّزُ. قال فى «الفُروعِ» : ومُمَيزٌ كعَبْدٍ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. فإنْ قُلْنا: تجِبُ عليه. انْعَقَدَتْ به وأَمَّ فيها، وإلَّا فلا. هذا الصَّحيحُ. وقال القاضى: لا تنْعَقِدُ بالصَّبِىِّ، ولا يجوزُ أنْ يؤُمَّ فيها، وإنْ قُلْنا: تجِبُ عليه. قال: وكذا لا يجوزُ أنْ يؤُمَّ فى

ص: 174

وَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ لِعُذْرٍ، إِذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ.

ــ

غيرِها، وإنْ قُلْنا: تجِبُ عليه. قالَه ابنُ تَميمٍ.

فائدتان؛ إحْداهما، كلُّ مَن لم تجِبْ عليه الجُمُعَةُ، لمَرَضٍ أو سفَرٍ، أو اخْتُلِفَ فى وُجوبِها عليه، كالعَبْدِ ونحوِه، فصَلاةُ الجُمُعَةِ أفْضَلُ فى حقِّه. ذكَره ابنُ عَقِيل، وغيرُه. واقْتَصَر عليه فى «الفُروعِ». قلت: لو قيلَ: إنْ كان المرِيضُ يحْصُلُ له ضرَرٌ بذَهابِه إلى الجُمُعَةِ، أن ترْكَها أوْلَى. لكان أوْلَى. الثَّانيةُ، قوله: ومَن سقَطتْ عنه لعُذْرٍ إذا حضَرها، وجَبتْ عليه وانْعقَدتْ به. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: نحوَ المرضِ والمطَرِ، ومُدافعَةِ الأخْبثَيْن، والخَوْفِ على نفْسِه أو مالِه، ونحوِ ذلك، فلو حضَرها إلى آخِرِها ولم يصلِّها، أو انْصَرَفَ لشُغْلٍ غيرِ دفْعِ

ص: 175

وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الإِمَامِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا تَجبُ عَلَيْهِ أنْ لَا يُصَلِّىَ الظُّهْرَ حَتَّى يُصَلِّىَ الإِمَامُ.

ــ

ضرَرِه، كانَ عاصِيًا. أمَّا لو اتَّصل ضرَرُه بعدَ حُضورِه، فأرادَ الانْصِرافَ لدَفْعِ ضرَرِه، جازَ عندَنا؛ لوُجودِ المُسْقِطِ، كالمُسافِرِ سواءً. لكن كلامَ الشَّيْخِ هنا عامٌّ، يدْخُلُ فيه المُسافِرُ ومَن دامَ ضرَرُه بمَطرٍ ونحوِه، فإنَّه لا تجِبُ عليه، ويجوزُ له الانْصِرافُ، على ما حَكاه الأصحابُ، فيكونُ مُرادُه التَّخْصيصَ؛ وهو ما إذا لم يذْهَبوا حتى جَمَّعوا، فإنَّه يُوجَدُ المُسْقِطُ فى حقِّهم؛ وهو اشْتِغالُهم بدَفْعِ ضرَرِهم، فبَقِىَ الوجوبُ بحالِه، فيخرجُ المُسافرُ؛ فإن سفَرَه هو المُسْقِط، وهو باقٍ. ذكَره المَجْدُ. قلتُ: وهو ضعيفٌ؛ لأنَّه يقْتَضى أن المُوجِبَ، هو حضُورُهم وتجْميعُهم، فيكونُ عِلَّةَ نفْسِه. انتهى كلامُ صاحِبِ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقال فى موْضعٍ آخَرَ: مُرادُه الخاصُّ، إنْ أرادَ بالحُضورِ حُضورَ مَكانِها، وإنْ أرادَ فعْلَها، فخِلافُ الظَّاهرِ. انتهى.

قوله: ومَن صلَّى الظُّهرَ مِمَّن عليه حُضورُ الجُمُعَةِ قبلَ صلاةِ الإِمامِ، لم

ص: 176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَصِحُّ صلاتُه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، فإنْ ظنَّ أنَّه يدْرِكُها، لَزِمَه السَّعىُ اليها، وإنْ ظن أنَّه لا يدْرِكُها، انْتظَر حتى يتَيقَّنَ أن الإِمامَ قد صلَّى وفرَغ، ثم يصلِّى. وفى «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» ، احْتِمالٌ، أنَّه متى ضاقَ الوقْتُ عن إِدْراكِ الجُمُعَةِ، فله الدُّخولُ فى صلاةِ الظُّهْرِ. وهو قوْلٌ فى «الفُروعِ». وقال: وسبَق وجْهٌ، أنَّ فرْضَ الوقتِ، الظُّهرُ؛ فعليه تصِحُّ مُطْلَقًا. وقيل: إنْ أخَّر الإِمامُ الجُمُعَةَ تأْخيرًا منْكَرًا، فللغيرِ أنْ يُصَلِّىَ ظهْرًا،

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتُجْزِئُه عن فرْضِه. جزَم به المَجْدُ فى «شَرْحِه» . وقال: هو ظاهرُ كلامِ أحمدَ؛ لخبَرِ تأْخيرِ الأُمَراءِ الصَّلاةَ عن وَقْتِها. وتَبِعَه ابنُ تَميمٍ. وقيَّده ابنُ أبِى مُوسى بالتأخيرِ، إلى أنْ يخْرُجَ أوَّلَ الوقْتِ.

فائدة: وكذا الحكْمُ لو صلَّى الظُّهرَ أهلُ بلَدٍ، مع بَقاءِ وقتِ الجُمُعَةِ، فلا

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تصِحُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: تصِحُّ.

قوله: والأفْضَلُ لمَن لا تَجِبُ عليه الجُمُعَةُ، أنْ لا يصُلِّىَ الظُّهْرَ حتَّى يُصلِّىَ الإِمامُ. وهذا بلا نِزاعٍ. وأفادَنَا أنَّهم لو صلَّوا قبلَ صلاةِ الإِمامِ، أنَّ صلَاتهم صحيحةٌ. وظاهرُه؛ سواءٌ زالَ عُذْرُهم أولا، وهو كذلك. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، فى غيرِ الصبِىِّ إذا بَلَغ. وعنه، لا تصِحُّ مُطلقًا قبلَ صلاةِ الإِمامِ. اخْتارَها أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبيهِ» ، وفى الإمامَةِ فى «الشَّافِى». واخْتارَه ابنُ عَقِيل فى المريضِ. وقيل: لا تصِحُّ إنْ زالَ العُذْرُ قبلَ صلاةِ الإِمامِ، وإلَّا صحَّتْ.

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو روايةٌ فى «التَّرْغيبِ» . وقال ابنُ عَقِيلٍ: مَن لزِمَتْه الجُمُعَةُ بحُضورِه، لم تصِحَّ صلاتُه قبلَ صلاةِ الإِمامِ. انتهى. وقال القاضى فى موْضعٍ مِن «تَعْليقِه»: نقَلَه ابنُ تميمٍ. فعلى المذهبِ، لو حضَر الجُمُعَةَ فصلَّاها، كانت نَفْلًا فى حقِّه. على الصَّحيحِ. وقيل: فرْضًا. وقال فى «الرِّعايَةِ» : قلتُ: فتكونُ الظُّهْرُ إذَنْ نفْلًا. وأمَّا الصَّبِىُّ إذا بلَغ قبلَ صلاةِ الإِمامِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ صلَاتَه لا تصِحُّ. قال فى «الفُروعِ»: لا تصِحُّ فى الأشْهَرِ. وقيل: تصِحُّ، كغيرِه. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ. وقال فى «الفُروعِ»: والأصَحُّ فى مَن دامَ عذْرُه، كامْرأةٍ، تصِحُّ صلاتُه، قوْلًا واحدًا. وقيل: الأفْضَلُ له التَّقْديمُ. قال: ولعلَّه مُرادُ مَن أطْلَقَ. انتهى.

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لا يُكْرَه لمَن فاتَتْه الجُمُعَةُ، أو لمَن لم يكُنْ مِن أهْلِ وُجوبِها، صلاةُ الظُّهْرِ فى جماعَةٍ. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. وجزَم به فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، وغيرِه. وقال فى «الفُروعِ»: ولا يُكْرَه لمَن فاتَتْه، أو لمعْذورٍ، الصَّلاةُ جماعةً فى المِصْرِ. وفى مَكانِها وَجْهان. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ. ولم يَكْرَهْه

ص: 181

وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ السَّفَرُ فى يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَال،

ــ

أحمدُ. ذكَرَه القاضَى. قال: وما كان يكْرَهُ إظْهارُها. ونقَل الأَثْرَمُ وغيرُه: لا يصلِّى فوقَ ثلَاثَةٍ جماعةً. ذكَره القاضى، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهما. وقال ابنُ عَقِيلٍ: وكَرِهَ قَوْمٌ التَّجْميعَ للظُّهْرِ فى حقِّ أهْلِ العُذْرِ؛ لِئَلَّا يُضاهِىَ بها جُمُعَةً أُخْرى، احْتِرامًا للجُمُعَةِ المشْروعَةِ فى يوْمِها، كامرأةٍ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ.

قوله: ولا يَجوزُ لمِنَ تَلْزَمُه الجُمُعَةُ السَّفرُ فى يومِها بعدَ الزَّوال. مُرادُه، إذا لم يخَفْ فوْتَ رُفْقَتِه، فإنْ خافَ فوْتَهم، جازَ. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والمَجْدُ، وأبو الخَطَّابِ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وقد تقدَّم ما يُعذَرُ فيه فى ترْكِ الجُمُعَةِ والجماعةِ. فإذا لم يكن عُذْرٌ، لم يَجُزِ السَّفَرُ بعدَ الزَّوالِ، حتى يصلِّىَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، بِناءً على اسْتِقْرارِها بأوَّلِ وقْتِ

ص: 182

وَيَجُوزُ قَبْلَهُ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ. وَعَنْهُ، يَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً.

ــ

وُجوبِها. قال فى «الفُروعِ» : فلهذا خرَج الجَوازُ مع الكَراهَةِ، ما لم يُحرِمْ، لعدَمِ الاسْتِقْرارِ.

قوله: ويَجوزُ قبلَه. يعْنِى، وبعدَ الفَجْرِ؛ لأنَّه ليس بوقْتٍ للُّزُومِ على الصَّحيحِ، على ما يأْتِى. وهذا المذهبُ. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : هذا أصحُّ الرِّواياتِ. واخْتارَه المُصَنِّفُ،

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، وجزَم به. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» . وعنه، لا يجوزُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، و «إدْرَاكِ الغايَةِ» . وصحَّحه ابنُ عَقِيلٍ. وعنه، يجوزُ للجِهادِ خاصَّةً. جزَم به فى «الإِفاداتِ» ، و «الكافِى». وقدَّمه فى «الشَّرْحِ». قال فى «المُغْنِى» (1): وهو الذى ذكَره القاضى. وأطْلَقَهُنَّ فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «شَرْحِ الطُّوفِىِّ» ، و «الفُروعِ» . وأطْلقَ فى «الكافِى» ، فى غيرِ الجِهادِ، الرِّوايتَيْن. وقال الطُّوفِىُّ فى «شَرْحِه»: قلتُ: ينْبَغِى أنْ يُقالَ: لا يجوزُ له السَّفرُ بعدَ الزَّوالِ أو حينَ

(1) فى: المغنى 3/ 248.

ص: 184

فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا،

ــ

يشْرَعُ فى الأَذانِ لها؛ لجوازِ أنْ يشرَعَ فى ذلك فى وقْتِ صلاةِ العيدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ولا نِزاعَ فى تحْريمِ السَّفرِ حينئذٍ؛ لتعَلُّقِ حقِّ اللَّهِ بالإِقامةِ، وليس ذلك بعدَ الزَّوالِ. انتهى.

تنبيهات؛ الأوَّلُ، هذا الذى قُلْنا، مِن ذكْرِ الرِّواياتِ، هو أصحُّ الطَّريقَتَيْن. أعْنِى، أنَّ مَحَلَّ الرِّواياتِ، فيما إذا سافَرَ قبلَ الزَّوالِ، وبعدَ طُلوعِ الفَجْرِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وهو ظاهرُ ما قطَع به المُصَنِّفُ هنا؛ لأنَّه ليس وقْتَ وُجوبِها، على ما يأْتِى قرِيبًا. قال المَجْدُ: الرِّواياتُ الثَّلاثُ مبْنِيَّةٌ على أنَّ الجُمُعَةَ تجِبُ بالزَّوالِ، وما قبلَه وقْتُ رُخْصَةٍ وجَوازٍ، لا وقْتَ وُجوبٍ. وهو أصحُّ الرِّوايتَيْن. وعنه، تجِبُ بدُخولِ وَقْتِ جَوازِها، فلا يجوزُ السَّفَرُ فيه، قوْلًا واحدًا. انتهى. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وقال: وِذكَر القاضى فى مَوْضِعٍ، منْعَ السَّفرِ بدُخولِ وقْتِ فِعْلِ الجُمُعَةِ، وجعَل الاخْتِلاف فيما قبلَ ذلك. انتهى. الثَّانِى، محَلُّ الخِلافِ فى أصْلِ المسْألَةِ، إذا لم يأْتِ بها فى طَريقِه، فأمَّا إنْ أتَى بها فى طَريقِه، فإنَّه يجوزُ له السَّفرُ مِن غيرِ كراهَةٍ. الثَّالثُ، إذا قُلْنا برِوايَةِ الجَوازِ، فالصَّحيحُ، أنَّه يُكْرَهُ. قدَّمه فى «الفُروعِ» وغيره. قال بعضُ الأصحابِ: يُكْرَهُ رِوايةً واحدةً. قال الإِمامُ أحمدُ: قَلَّ مَن يفْعلُه إلَّا رأَى ما يَكْرَهُ. وقال فى «الفُروعِ» : وظاهرُ كلامِ جماعةٍ، لا يُكْرَهُ.

قوله: ويُشْتَرَطُ لصحَّةِ الجُمُعَةِ أرْبعَةُ شُروطٍ، أحدُها، الوقْتُ، وأوَّلُه أوَّلُ

ص: 185

الْوَقْتُ، وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ. وَقَالَ الْخِرَقِىُّ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فى السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ.

ــ

وقْتِ صلاةِ العيدِ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: اخْتارَه عامَّةُ الأصحابِ. قلتُ: منهم القاضى وأصحابُه. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقال الخِرَقِىُّ: يجوزُ فِعْلُها فى السَّاعةِ السَّادسَةِ. وهو روايةٌ عن أحمدَ. اخْتارَها أبو بَكْرٍ، وابنُ شَاقْلَا، والمُصَنِّفُ. وهو مِنَ المُفرَداتِ أيضًا. واخْتارَ ابنُ أبى مُوسى، يجوزُ فعْلُها فى السَّاعةِ الخامسَةِ.

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به فى «الإِفاداتِ» . وهو فى نُسْخَةٍ مِن نُسَخِ الخِرَقِىِّ. وجزَم بها عنه فى

ص: 187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، وأبو إسْحاقَ ابنِ شاقْلَا، وغيرُهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وذكَر ابنُ عَقِيل فى «عُمَدِ الأدِلَّةِ» ، و «المُفْرَداتِ» عن قوْم مِن أصحابِنا: يجوزُ فعْلُها بعَدَ طُلوعِ الفَجْرِ، وقبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقال فى «الفائقِ»: وقال ابنُ أبِى مُوسى: بعدَ صلاةِ الفَجْرِ. وهو مِنَ المُفرداتِ. وتلْخيصُه، أنَّ كلَّ قوْلٍ قبلَ الزَّوالِ، فهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، أوَّلُ وَقْتِها بعدَ الزَّوالِ. اخْتارَها الآجُرِّىُّ. وهو الأفضَلُ.

فائدة: الصَّحيحُ مِن المذهبِ؛ أنَّها تَلْزَمُ بالزَّوالِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ.

ص: 188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الزَّرْكَشِىُّ: اخْتارَه الأصحابُ. وعنه، تَلْزَمُ بوقْتِ العيدِ. اخْتارَها القاضى. قال فى «مَجْمعِ البَحْرَيْن»: اخْتارَها القاضى، وأبو حَفْصٍ المَغازِلىُّ. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ. وتقدَّم أنَّ صاحِبَ «الفُروعِ» ذكَر، هل تسْتَقِرُّ بأوَّلِ وقْتِ وُجوبِها، أو لا تسْتقِرُّ حتى يُحْرِمَ بها؟.

ص: 189

فَإِنْ خَرَج وَقْتُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا، صَلَّوْا ظُهْرًا، وَإنْ خَرَجَ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، أتَمُّوهَا جُمُعَةً، وَإنْ خَرَجَ قَبْلَ رَكْعَةٍ، فَهَلْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا، أوْ يَسْتَأنِفُونَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْن.

ــ

قوله: وإنْ خرَج وقد صلَّوا ركْعَةً، أتُمُّوها جُمُعةً. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يُعْتَبرُ الوقْتُ فيها كلِّها إلَّا السَّلامَ.

قوله: وإنْ خرَج قبلَ ركْعَةٍ، فهل يُتِمُّونَها ظُهْرًا، أو يَسْتأنِفونها؟ على وجهَيْن. وأطْلقَهما فى «الكافِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «مَجْمَعِ

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البَحْرَيْن»، و «الفائقِ» ، و «الحَواشِى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «شَرْحِ المَجْدِ» ؛ أحدُهما، يُتِمُّونَها ظُهْرًا. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «المُذهَبِ» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» . والوجهُ الثَّانى، يسْتأنِفُونَها ظُهْرًا. قال فى «المُغْنِى» (1): قِياسُ قولِ الخِرَقِىِّ؛ تُسْتَأْنفُ ظهْرًا. ولم يحْكِ خِلافًا. قال الطُّوفِىُّ

(1) 3/ 192.

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «شَرْحِه» : الوَجْهان مبْنيَّان على قولِ أبِى إِسْحاقَ والخِرَقِىِّ الآتِيَان. قال الشَّارِحُ: فعلَى قِياسِ قولِ الخِرَقِىِّ، تفْسُدُ صلاتُه، ويسْتَأْنفُها ظهْرًا. وعلى قِياسِ قولِ أبِى إِسْحاقَ، يُتِمُّها ظهْرًا.

تنبيه: فى كلامِ المُصَنِّفِ إشْعارٌ أنَّ الوقتَ إذا خرَج قبلَ ركْعةٍ، لا يجوزُ إتْمامُها جُمُعَةً. وهو رِوايةٌ عن أحمدَ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، وصاحبِ «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . واخْتارَه المُصَنِّفُ. قال ابنُ مُنَجَّى فى

ص: 192

الثَّانِى، أَنْ يَكُونَ بِقَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا؛ فَلَا تَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِى غَيْرِ ذَلِكَ.

ــ

«شَرْحِه» : هو قولُ أكثرِ أصحابِنا. وليس كما قال. وعنه، يُتِمُّونَها جُمُعَةً. وهو المذهبُ. نصَّ عليه. قالَه ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ. قال فى «الفُروعِ»: هو ظاهرُ المذهبِ. قال القاضى وغيرُه: مَن تلبَّس بها فى وقْتِها، أَتَمَّها جُمُعَةً، قِياسًا على سائرِ الصَّلواتِ. وقالوا: هو المذهبُ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ، وابنُ حامِدٍ، وابنُ أبِى مُوسى، والقاضى، وأصحابُه. قال فى «المُذْهَبِ»: أتَمَّها جُمُعَةً، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال المَجْدُ: اخْتارَه الأصحابُ إلَّا الخِرَقِىَّ، وتَبِعَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وسَبَقَهما الفَخْرُ فى «التَّلْخيصِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «ناظِم المُفْرَداتِ» . وهو منها. فعلى المذهبِ، لو بَقِىَ مِنَ الوقْتِ قدْرُ الخُطْبَةِ والتَّحريمةِ، لزِمَهم فعْلُها، وإلَّا لم يَجُزْ. وكذا يلْزَمُهم إنْ شكُّوا فى خُروجِه، عمَلًا بالأصْلِ. وعليه، لو دخَل وقْتُ المغْرِبِ وهو فيها، فهو كدُخولِ وقْتِ العَصْرِ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيل: يبْطُلُ وَجْهًا واحدًا. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . والظَّاهرُ أنَّ مُرادَهم، إذا جَّوزْنا الجمْعَ بينَ الجُمُعَةِ والعَصْرِ، وجمَع جَمْعَ تأْخيرٍ.

قوله: الثانى، أنْ يكونَ بقَرْيةٍ يستَوطِنُها أرْبَعون مِن أهلِ وجوبِها، فلا تجوزُ

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إقامتُها فى غيرِ ذلك. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّم الأزَجِىُّ صحَّتَها، ووُجوبَها على المسْتَوْطِنِين بعَمُودٍ أو خِيامٍ.

ص: 194

وَيَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِى الْأَبْنِيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسْمٌ وَاحِدٌ، وَفِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ.

ــ

واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. قال فى «الفُروعِ» : وهو مُتَّجَهٌ. واشْتَرَطَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ فى مَوْضعٍ مِن كلامِه؛ أنْ يكونوا يزْرَعون كما يزْرَع أهلُ القرْيِةِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقد تقدَّم ذلك عندَ قولِه: مُسْتَوْطِنِين.

قوله: ويجوزُ إقامَتُها فى الأبنْيةِ المُتفَرِّقَةِ إذا شَمِلَها اسْمٌ واحِدٌ، وفيما قاربَ البُنْيانَ مِنَ الصَّحْراءِ. وهو المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: لا يجوزُ إقامَتُها إلَّا فى الجامِع. قال ابنُ حامِدٍ: هى فى غيرِ مسْجدٍ

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لغيرِ عُذْرٍ باطِلَةٌ. وقال القاضى فى «الخِلافِ» : كلامُ أحمدَ يَحْتَمِلُ الجوازَ ولو بَعُد، وأنَّ الأشْبَه بتَأْويلِه المَنعُ، كالعيدِ؛ يجوزُ فيما قرب لا فيما بَعُد. قال ابنُ

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَقِيل: إذا أُقِيمَت فى صحْراءَ، اسْتُخْلِفَ مَن يصلِّى بالضَّعَفَةِ.

ص: 197

الثَّالِثُ، حَضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، فِى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ، تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ.

ــ

قوله: الثَّالثُ، حُضورُ أرْبعين مِن أهلِ القَرْيةِ، فى ظاهرِ المذهبِ. وكذا قال فى «الفُروعِ» ، و «الشَّرحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وهو المذهبُ بلا رَيْبٍ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونصَروه. قال ابنُ الزَّاغُونِىِّ: اخْتارَه عامَّةُ

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَشايخِ. وعنه، تنْعَقِدُ بثَلاثةٍ. اخْتارَها الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وعنه، تنْعَقِدُ فى القُرْى بثَلَاثَةٍ، وبأرْبَعَين فى أهْلِ الأمْصارِ. نَقَلها ابنُ عَقِيل. قال فى «الحاوِيَيْن»: وهو الأصحُّ عندِى. وعنه، تنْعَقِدُ بحُضورِ سبْعَةٍ. نَقَلَها ابنُ حامِدٍ، وأبو الحُسَيْنِ فى «رُؤسِ مَسائلِه» . وعنه، تنْعَقِدُ بخَمْسَةٍ. وعنه، تنْعَقِدُ بأرْبعَةٍ. وعنه، لا تنْعَقِدُ إِلَّا بحُضورِ خَمْسينَ.

تنْبيه: حيثُ اشْتَرطْنا عدَدًا مِن هذه الأعْدادِ، فيُعَدُّ الإِمامُ منهم. على الصَّحيحِ

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وجزَم به فى «المُذْهَبِ» ، وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهم. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الزَّرْكَشِىِّ»: هذا أصحُّ الرِّوايتَيْن. وعنه، يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ زائدًا عنِ العَدَدِ. وهو مِنَ المُفَرَداتِ. قال فى

ص: 200

فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إِتْمَامِهَا، اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا.

ــ

«الحاوِيَيْن» : وهل يُشْتَرَط كوْنُ الإِمامِ مِن جُمْلَةِ العَدَدِ على كلِّ روايةٍ؟ فيه رِوايتان؛ أصحُّهما، لا يُشْترَطُ. حَكاهَ أبو الحُسَيْنِ فى «رُءوس المَسائلِ» . وأطْلقَهما فى «الفائقِ» . فعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، لو بانَ الإِمامُ مُحْدِثًا ناسِيًا له، لم يُجْزِهم؛ إلَّا أنْ يكونوا بدُونِه، العَدَدَ المُعْتبرَ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَخَرَّجُ لا يُجْزِيهم مُطْلَقًا. قال المَجْدُ: بِناءً على رِوايةِ، أنَّ صلاةَ المُؤتَمِّ بنَاسٍ حَدَثَه، يُفيدُ إِلَّا أنْ يكونَ قرَأَ خلْفَه بقَدْرِ الصَّلاةِ صلاةَ انْفِرادٍ.

فوائد؛ لو رأَى الإِمامُ اشْتِراطَ عدَدٍ دونَ المأْمُومين، فنقَص عن ذلك، لم يَجُزْ أنْ يؤُمَّهم، ولَزِمَه اسْتِخْلافُ أحَدِهم. ولو رآه المأْمُومين دونَ الإِمامِ، لم يَلْزَمْ واحِدًا منهما. ولو أمَر السُّلْطانُ أنْ لا يصلَّى إلَّا بأرْبَعين، لم يَجُزْ بأقَلَّ مِن ذلك العدَدِ، ولا أنْ يسْتَخْلِفَ، لقِصَرِ وِلاته، وَيَحْتَمِلُ أنْ يسْتَخْلِفَ أحدَهم.

قوله: فإنْ نقَصوا قبلَ إتْمامِها، اسْتأنَفوا ظُهْرًا. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،

ص: 201

وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ إِنْ نَقَصُوا قَبْلَ رَكعَةٍ أَتَمُّوا ظُهْرًا. وَإنْ نَقَصُوا بَعْدَ رَكْعَةٍ أَتَمُّوا جُمُعَةً.

ــ

و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، وغيرِهم. قال الشَّارِحُ: المشْهورُ فى المذهبِ، أنَّه يُشْتَرَطُ كمالُ العدَدِ فى جميع الصَّلاةِ. قال أبو بَكْرٍ: لا أعلمُ فيه خِلافًا عن أحمدَ، إنْ لم يَتِمَّ العَدَدُ فى الصَّلاةِ والخُطْبَةِ، أنَّهم يُعِيدون الصَّلاةَ. انتهى. وفيل: يُتِمُّونَها ظُهْرًا. اخْتارَه القاضى. وقيل: يُتِمُّونَها جُمُعَةً. وقيل: يُتِمُّونَها جُمُعَةً إنْ بَقِىَ معه اثْنَا عشَرَ. ويَحْتَمِلُ أنَّهم إنْ نَقَصوا قبلَ ركْعةٍ، أتَمُّوا ظُهْرًا،

ص: 202

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإنْ نقَصوا بعدَ ركعةٍ أتَمُّوا جُمُعَةً. واخْتارَه المُصَنِّفُ. وقال: هو قِياسُ المذهبِ، كَمَسْبوقٍ. قال بعضُهم: وهو قِياسُ قولِ الخِرَقِىِّ. وقال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : احْتِمالُ المُصَنِّفِ، إنَّما هو على قولَ ابنِ شاقْلَا فى المَسبوقِ؛ لأنَّه لم يذْكُرِ النِّيَّةَ، كقولِ الخِرَقىِّ. انتهى. وفرق ابنُ مُنَجَّى بينَهما، بأنَّ المَسبوقَ أدْرَكَ ركْعةً مِن جُمُعَةٍ تمَّتْ شرائِطُها وصحَّتْ، فجازَ البِناءُ عليها، بخِلافِ هذه. قال فى «الفُروعِ»: وفرَّق غيرُ المُصَنِّفِ، بأنَّها صحَّتْ مِنَ المَسبوقِ تَبَعًا، كصِحَّتِها ممَّن لم يحْضُرِ الخُطْبَةَ تَبَعًا. انتهى.

ص: 203

وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً، أَتَمَّهَا جُمُعَةً،

ــ

فائدة: لو نَقَصوا، ولكنْ بَقِىَ العَدَدُ المُعتبرُ، أتَمُّوا جُمُعَةً. قال أبو المَعالِى: سواءٌ كانوا سَمِعوا الخُطْبةَ، أو لَحِقوهم قبلَ نقْصِهم. بلا خِلافٍ، كبَقائِه مع السَّامِعِين. وجزَم به غيرُ واحدٍ. قال فى «الرِّعايَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» وغيرِهما: لو أحْرَمَ بثَمانين رجُلًا، قد حضَر الخُطْبةَ منهم أرْبَعون، ثم انْفَضُّوا، وبَقِىَ معه مَن لم يحضُرْها، أتمُّوا جُمُعَةً. قال فى «الفُروعِ»: وظاهرُ كلامِ بعضِهم خِلافُه.

قوله: ومَن أدْرَك مع الإِمامِ منها ركْعَةً، أتمَّها جُمُعَةً. بلا خِلافٍ أعْلَمُه، وإنْ

ص: 204

وَمَنْ أدْرَكَ أقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أتَمَّهَا ظُهْرًا، إِذَا كَانَ قَدْ نَوَى الظُّهْرَ فِى قَوْلِ الْخِرَقِىِّ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا: يَنْوِى جُمُعَةً، وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا.

ــ

أدْرَكَ أقلَّ مِن ذلك، أتمَّها ظُهْرًا، إذا كان قد نوى الظُّهْرَ فى قوْلِ الخِرَقِىِّ. وهو المذهبُ. ورُوِىَ عن أحمدَ، حَكاه ابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفروعِ» و «النَّظْمِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «إِدْراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه الحَلْوانِىُّ. قال ابنُ تَميمٍ، وابنُ مُفْلحٍ فى «حَواشِيه»: هذا أظْهَرُ الوَجْهَين. وقال أبو إسْحاقَ بنُ شاقْلَا: ينْوِى جُمُعَةً، ويُتِمُّها ظُهْرًا. وذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ رِوايةً عن أحمدَ. وهى مِنَ المُفْرَداتِ. قال القاضى فى مَوْضعٍ مِنَ «التَّعْليقِ»: هذا المذهبُ. وهو ظاهِرُ «العُمْدَةِ» ، فإنَّه قال: فمَن أدْرَك منها ركْعةً، أتَمَّها جُمُعَةً، وإلَّا أتَمَّها ظُهْرًا. انتهى. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: وهو ضعيف، فإنَّه

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فرَّ مِنِ اخْتِلافِ النِّيَّةِ، ثم الْتَزَمَه فى البِناءِ، والواجِبُ العَكْسُ أو التَّسْويةُ، ولم يقُلْ أحدٌ مِنَ العُلَماءِ بالبِناءِ مع اخْتِلافٍ يَمنعُ الاقْتِداءَ. انتهى. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: قولُه بَعيدٌ جِدًّا، يَنْقُضُ بَعضُه بَعضًا. وأطْلَقَهما فى «الكافِى» ، و «الهِدايَةِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: وقيلَ: إنَّ مَبْنَى الوَجْهَين؛ أنَّ الجُمُعَةَ، هل هى ظُهْرٌ مقْصورَةٌ، أو صلاةٌ مُسْتقِلَّةٌ؟ فيه وجْهان، على ما تقدَّم أوَّلَ البابِ. وقيل: لا يجوزُ إتْمامُها ولا يصِحُّ؛ لاخْتِلافِ النِّيَّةِ. قال ابنُ مُنَجَّى وغيرُه: وقال بعضُ

ص: 206

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أصحابِنا: لا يُصلِّيها مع الإمام؛ لأنَّه إنْ نَوَى الظُّهْرَ، خالَفَ نِيَّةَ إمامِه، وإنْ نَوَى الجُمُعَةَ، وأَتَمَّها ظُهْرًا، فقد صَحَّتْ له الظُّهْرُ مِن غيرِ نِيَّتِها. وقال ابنُ عَقِيل، فى «عُمَدِ الأدِلَّةِ» ، أو «الفُنونِ»: لا يجوزُ أنْ يصلِّيَها ولا ينْوِيَها ظُهْرًا؛ لأنَّ الوَقْتَ لا يصْلُحُ، فإن دخَل، نوَى جُمُعَةً وصلَّى رَكْعَتَين، ولا يعْتَدُّ بها.

تنبيهان؛ أحدُهما، قال ابنُ رَجَبٍ فى «شَرْحِ التِّرْمِذِىِّ»: إنَّما قال أبو إسْحَاقَ: يَنْوِى جُمُعَةً، ويُتِمُّها أرْبعًا، وهى جُمُعَةٌ لا ظُهْر. لكنْ لمَّا قال: يُتِمُّها أرْبَعًا. ظنَّ الأصحابُ أنَّها تكون ظُهْرًا، وإنَّما هى جُمُعَة. قال ابنُ رَجَبٍ: وأنا وجَدْتُ له مُصَنَّفًا فى ذلك؛ لأنَّ صلاةَ الجُمُعَةِ كصلاةِ العيدِ، فصلاةُ العيدِ إذا فاتَتْه، صلَّاها أرْبَعًا. انتهى. الثَّانى، ظاهرُ قولِه: وإنْ أدْرَك أقلَّ مِن ذلك، أتمَّها ظُهْرًا. أنَّه لا يصِحُّ إتْمامُها جُمُعَةً. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَخْتلِفُ الأصحابُ فيه. قال فى «النُّكَتِ» : قطَع به أكثرُ الأصحابِ. وعنه، يُتِمُّها جُمُعَةً. ذكَرَها أبو بَكْر، وأبو حَكِيم فى «شَرْحِه» ، قِياسًا على غيرِها مِنَ الصَّلواتِ، ولأنَّ مَن لَزِمَه أنْ يَبْنِىَ على صلاةِ الإِمامِ بإدْراكِ ركْعَةٍ، لَزِمَه بإدْراكِ أقَلَّ منها، كالمُسافِرِ يُدْرِكُ المُقيمَ. وأُجِيبُ بأنَّ المُسافِرَ إدْراكُه، إدْراكُ إلْزامٍ، وهذا إدْراكُ إسْقاطٍ للعدَدِ، فافْتَرَقا، وبأنَّ الظُّهْرَ ليس مِن شَرْطِها الجماعةُ، بخِلافِ مَسْألَتِنا.

ص: 207

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: إنْ كان الإِمامُ صلَّى الجُمُعَةَ قبلَ الزَّوالِ، لم يصِحَّ دُخولُ مَن فاتَتْه معه. على الصَّحيح مِنَ الوَجْهَين. جزَم به فى «الشَّرحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهما؛ لأنَّها فى حقِّه ظُهْرٌ، ولا يجوزُ قبلَ الزَّوالِ، فإنْ دخَل انْعقَدَتْ نَفْلًا. والوجهُ الثَّانى، يصِحُّ أنْ يدْخُلَ بِنِيَّةِ الجُمُعَةِ، ثم يَبْنِىَ عليها ظُهْرًا. حَكاه القاضى فى «الرِّوايتَيْن» ، والآمِدِىُّ عنِ ابنِ شاقْلَا. ويجبُ أنْ يُصادِفَ ابْتدِاءُ صلاتِه زَوالَ الشَّمْسِ على هذا.

ص: 208

وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ، ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ، سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ أوْ رِجْلِهِ،

ــ

قوله: ومَن أحْرمَ مع الإِمامِ، ثم زُحِمَ عَنِ السُّجودِ، سجَد على ظَهْرِ إنْسانٍ أو رِجلِه. هذا المذهبُ. يعْنِى، أنَّه يلْزَمُه ذلك إنْ أمْكَنه. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وصحَّحوه، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، وغيرهم. وقال ابنُ

ص: 209

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَقِيل: لا يسْجُدُ على ظَهْرِ أحَدٍ، ولا على رِجْلِه، ويُومِئُ غايَةَ الإمْكانِ. وعنه، إنْ شاءَ سجَد على ظَهْرِه، وإِنْ شاءَ انْتظرَ زَوالَ الزِّحامِ، والأفْضَلُ السُّجودُ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ، وغيرِه.

فائدتان؛ إحْداهما، لوِ احْتاجَ إلى مَوْضِع يدَيْه ورُكْبَتَيْه أيضًا، فهل يجوزُ وَضْعُهما، إذا قُلْنا بجَوازِه فى الجَبْهَةِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، لا يجوزُ. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: هذا الأقْوَى عندِى. وهو قولُ إسْحَاقَ بنِ رَاهُويَه. والوجهُ الثَّانى، يجوزُ. وهو ظاهرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. وقدَّمه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» .

ص: 210

فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ سَجَدَ إِذَا زَالَ الزِّحَامُ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ، فَيُتَابِعَ الْإِمَامَ فِيهَا، وَتَصِيرُ أُولَاهُ، وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً،

ــ

وأطْلَقَهما فى «الفروعِ» ، و «ابْنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى». قال ابنُ تَميمٍ: والتَّفريعُ على الجَوازِ. قال أبو المَعالِى: وإنْ لم يُمْكِنْه السُّجودُ، إلَّا على مَتاعِ غيرِه، صحَّتْ، كهذه المسْألَةِ. وجعَل طَرَفَ المصلِّى وذيلَ الثَّوْبِ أصْلًا للجَوازِ. الثَّانيةُ، الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ التَّخلُّفَ عن السُّجودِ مع الإِمامِ لمرَضٍ، أو غَفْلَةٍ بنَومٍ أو غيرِه، أو سَهْوٍ ونحوِه، كالتَّخَلفِ بالزِّحامِ. واخْتارَ بعضُ الأصحابِ الفرْقَ بينَهما، فيَسْجُدُ المزْحومُ، إذا أَمِنَ فواتَ الثَّانيةِ، ولا يسْجُدُ السَّاهى بحالٍ، بل تُلْغَى ركْعَتُه.

قوله: فإنْ لم يُمْكِنْه، سجَد إذا زالَ الزِّحامُ. بلا نِزاعٍ، بشَرْطِه.

قوله: إلَّا أنْ يخافَ فوَاتَ الثَّانيةِ، فيُتابعَ الامامَ فيها، وتَصيرُ أُولَاه؛ فتلْغو الأُولَى، ويُتِمُّها جُمُعَةً. هذا المذهبُ، والصَّحيحُ مِنَ الرِّواياتِ. جزَم به فى

ص: 211

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الهِديَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعَ» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقال: هذا أصحُّ. قال الشَّارِحُ: هذا قِياسُ المذهبِ. واقْتَصَر عليه. وعنه، لا يُتابِعُه، بل يشْتَغِلُ بسُجودِ الأُولَى. وعنه، رِوايةٌ ثالثةٌ؛ تلْغُو الأُولَى، ويُتابعُ الإِمامَ، وإنْ لم يخَفْ فوْتَ الثَّانيةِ، ولا يشْتَغِلُ بسُجودٍ.

فوائد؛ لو أدْرَكَ مع الإمام ما يُعْتَدُّ به فَأحْرَمَ، ثم زُحِمَ عنِ السُّجودِ أو نَسِيَه، أو أدْرَك القِيامَ، وزُحِمَ عن الرُّكَوعِ والسُّجودِ، حتَّى سلَّم، أو توَضَّأْ لحَدَثٍ، وقُلْنا: يَبْنِى ونحوَ ذلك، اسْتَأْنف ظُهْرًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ منهم أبو بَكْرٍ، وابنُ أبِى مُوسى، والخِرَقِىُّ، والقاضى. قالَه الزَّرْكَشِىُّ. وعنه، يُتِمُّها ظُهْرًا. وعنه، جُمُعَةً. واخْتارَه الخَلَّالُ فى المسْألَةِ الأُولَى. وعنه، يُتِمُّ جُمُعَةً مَن زُحِمَ عن سُجودٍ أو نَسِيَه؛ لإِدْراكِه الرُّكوعَ، كمَن أتَى بالسُّجودِ قبلَ سلامِ إمامِه. على الصَّحيحِ مِنَ الرِّوايتَيْن؛ لأنَّه أَتَى به فى جماعةٍ، والإدْراكُ الحُكْمِىُّ كالحَقيقىِّ، كحَمْلِ الإِمامِ السَّهْوَ عنه. وإنْ أحْرَم فزُحِمٍ وصلَّى فَذًّا، لم تصِحَّ. وإنْ أُخْرِجَ فى الثَّانيةِ، فإنْ نَوى مُفارقَتَه، أَتَمَّ جُمُعَة، وإلَّا فعنه، يُتِمُّ جُمُعَةً. وعنه، يُعيدُ؛ لأنَّه فَذٌّ فى رَكْعَةٍ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» .

ص: 212

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوله: إلَّا أنْ يخافَ فَوْتَ الثَّانية. الاعْتِبارُ فى فوْتِ الثَّانيةِ بغلَبَةِ الظَّنِّ، فمَن غلَب على ظَنِّه الفوْتُ، فتابعَ إِمامَه فيها، ثم طوَّل، لم يضُرُّه ذلك، وإنْ غلَب على ظَنِّه عدَمُ الفوْتِ، فبادَر الإِمامُ فرَكع، لم يضُرَّه الإِمامُ. قالَه ابنُ تَميمٍ، وغيرُه. فعلى المذهبِ مِن أصْلِ المَسْألَةِ، لو زالَ عُذْرُ مَن أدْرَك رُكوع الأُولَى، وقد رفَع إمامُه مِن رُكوعِ الثَّانيةِ، تابَعَه فى السُّجودِ، فتَتِمُّ له ركْعَةٌ مُلَفَّقةٌ مِن رَكْعَتَىْ إمامِه، يُدْرِكُ بها الجُمُعَةَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. فيُعايَى بها. ولو لم نقُلْ بالتَّلْفيقِ فى مَن نَسِىَ أَرْبَعَ سَجَداتٍ مِن أَربَع رَكَعاتٍ، لتَحْصيلِ المُوالاةِ بينَ

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رُكوعٍ وسُجودٍ مُعْتَبَرٍ. وقيل: لا يُعْتَدُّ له بهذا السُّجودِ. وهو ظاهِرُ كلامِ القاضى فى «المُجَرَّدِ» . فيأْتِى بسَجْدتَيْن أُخْرَيَيْن والإِمامُ فى تَشَهُّدِه، وإلَّا عندَ سلامِه. ثم فى إدْراكِه الجُمُعَةَ الخِلافُ. وتقدَّم ذلك فى صلاةِ الجماعَةِ، بعدَ قولَهِ: إذا ركَع ورفَعَ قبلَ رُكوعِه.

فائدتان؛ إحْداهما، لو زُحِمَ عنِ الرُّكوعِ والسُّجودِ، فهو كالمَزْحومِ عنِ السُّجودِ، فيَشْتَغِلُ بقضَاءِ ذلك، ما لم يخَفْ فوْتَ الثَّانيةِ، على ما تقدَّم. وفيه وجْهٌ، تلْغُو ركْعَتُه بكُلِّ حالٍ. وعلى هذا الوجْهِ، إنْ زُحِمَ عنِ الرُّكوعِ وحدَه، فوَجْهان؛ أحدُهما، يأْتِى به ويَلْحَقُه. اخْتارَه القاضى. والثَّانى، تلْغُو ركْعَتُه. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ. الثَّانيةُ، لو زُحِمَ عنِ الجُلوسِ للتَّشَهُّدِ؛ فقال ابنُ حامِدٍ: يأْتِى به قائمًا ويُجْزِئُه. وقال ابنُ تَميمٍ: الأَوْلَى انْتِظارُ زَوالِ الزِّحامِ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ» .

ص: 214

فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإنْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ فَسَجَدَ ثمَّ أدْرَكَ الإمَامَ فِى التَّشَهُّدِ، أُتَى بِرَكْعَةٍ أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِهِ، وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ. وَعَنْهُ، يُتِمُّهَا ظُهْرًا.

ــ

قوله: فإنْ لم يُتابِعْه، عالمًا بتَحْريمِ ذلك، بَطَلَتْ صلاتُه. بلا نِزاعٍ. وإنْ جَهِلَ تَحْريمَه فسجَد ثم أدْرَكَ الإمامَ فى التَّشَهُّدِ، أتَى برَكْعَةٍ أُخْرى بعدَ سلامِه، وصحَّتْ جُمُعَتُه. وهو المذهبُ، وعليه أَكْثرُ الأصحابِ. وعنه، يُتِمُّها ظُهْرًا. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ. فعلى القوْلِ بأنَّه يُتِمُّها ظُهْرًا، فهل يسْتَأنِفُ أو يَبْنِى؟ على وجْهَيْن. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ. قدَّم فى «الرِّعايَةِ» أَنَّه يَبْنِى.

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: أفادَنا المُصَنِّفُ، رحمه الله، الاعْتِدادَ بسُجودِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، كسُجودِه يظُنُّ إدْراكَ المُتابعَةِ ففاتَتْ. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وغيرُه. وقيل: لا يُعْتَدُّ به. اخْتارَه القاضى؛ لأن فرْضَه الرُّكوعُ، ولم يبْطُلْ لجَهْلِه. فعلى هذا القوْلِ، لو أَتُى بالسُّجودِ، ثم أدْرَكه فى رُكوعِ الثَّانيةِ تَبِعَه، فصارَتِ الثَّانيةُ أُولَاه، وأدْرَك بها الجُمُعَةَ.

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، لو سجَد جاهِلًا تحْريمَ المُتابعَةِ، ثم أدْرَكه فى رُكوعِ الثَّانيةِ، تَبِعَه فيه، وتمَتْ جُمُعَتُه، وإنْ أدْرَكه بعدَ رَفْعِه تَبِعَه، وقضَى كمَسْبوقٍ، يأْتِى برَكْعةٍ، فتَتِمُّ له جُمُعَة. قالَه فى «الفُروعِ». وقال ابنُ تَميمٍ: وإنْ أدْرَك معه السُّجودَ فيها، فهل تكْمُلُ به الأُولَى؛ على وجْهَين؛ فإنْ قُلْنا: تكْمُلُ. حصَل له ركْعَة، ويقْضِى أُخْرى بعدَ سلام الإِمامِ، وتصِحُّ جُمُعَتُه. النهى. الثَّانيةُ، قال أبو الخَطَّابِ وجماعةٌ: يسْجُدُ للسَّهْوِ كذلك. وقال المُصَنِّفُ، وغيرُه: لا

ص: 217

الرَّابعُ، أنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَحُضُورُ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ.

ــ

يسْجُدُ. قال ابنُ تَميمٍ: وهو أظْهَرُ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : خالَف أبو الخطَّابِ أكثرَ الأصحابِ: الثَّالثةُ، قال فى «الفُروعِ»: فإنْ أدْرَكه بعدَ رَفْعِه وتَبِعَه فى السُّجودِ، فيَحْصُلُ القَضاءُ والمُتابعَةُ معًا، وتَتِمُّ له رَكْعةٌ، يُدْرِكُ بها الجُمُعَةَ. وقيل: لا يَعْتَدُّ. اخْتاره القاضى فى «المُجَرَّدِ» ، لأنَّه مُعْتَدٌّ به للإمامِ مِن رَكْعةٍ، فلوِ اعْتدَّ به المأمومُ مِن غيرِها، احْتمَل مَعْنى المُتابعَةِ، فيَأْتِى بسُجودٍ آخَرَ وإمامُه فى التَّشَهُّدِ، وإلَّا بعدَ سلامِه. انتهى. وتقدَّم ذلك كلُّه بأَبْسَطَ مِن هذا فى بابِ صلاةِ الجماعةِ.

قوله: الرَّابعُ، أنْ يتقدَّمَها خُطْبَتان. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه،

ص: 218

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُجْزِئُه خُطْبَةٌ واحدةٌ.

فائدتان؛ إحْداهما، هاتان الخُطْبَتان بدَلٌ عن رَكْعَتيْن. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه الأكْثرُ. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: قلتُ: هذا إنْ قُلْنا: إنَّها ظُهْرٌ مقْصورَةٌ. وإنْ قُلْنا: إنَّها صلاةٌ تامَّةٌ. فلا. انتهى. وقيل: ليستا بدَلًا عنهما. الثَّانيةُ، لا تصِحُّ الخُطْبَةُ بغيرِ العَرَبِيَّةِ مع القُدْرةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: تصِحُّ. وتصِحُّ مع العَجْزِ، قولًا واحدًا، ولا تُعَبَّرُ عنِ القراءةِ بكُلِّ حالٍ.

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: مِن شَرْطِ صِحَّتِهما، حَمْدُ اللَّهِ. بلا نِزاعٍ. فيَقولُ: الحَمْدُ للَّهِ. بهذا اللَّفْظِ. قطَع به الأصحابُ؛ منهم المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ، وغيرُهم. قال فى «النُّكَتِ»: لم أجِدْ فيه خِلافًا.

قوله: والصَّلاةُ على النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم. هذا المذهبُ، وعليه أكْثرُ الأصحابِ.

ص: 220

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واخْتارَ المَجْدُ، يصَلِّى على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أو يشْهَدُ أنَّه عبْدُ اللَّهِ ورَسولُه. فالواجِبُ عندَه ذِكْرُ الرَّسولِ لا لَفْظُ الصَّلاةِ. واخْتارَ الشَّيخ تَقِىُّ الدِّينِ، أنَّ الصَّلاةَ عليه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، واجِبَةٌ لا شَرْطٌ. وأوْجبَ فى مَكانٍ آخَرَ الشَّهادَتَيْن، وأوْجَبَ أيضًا الصَّلاةَ عليه مع الدُّعاءِ الواجبِ، وتقدْيمَها عليه لوُجوبِ تقْديمِه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، على النَّفْسِ، والسَّلامَ عليه فى التَّشَهُّدِ. وقيل: لا يُشْتَرَطُ ذكرُه.

فائدتان؛ إحْداهما، ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، عدَمُ وُجوبِ السَّلامِ عليه مع الصَّلاةِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وظاهِرُ رِوايَةِ أبِى طالِبٍ، وُجوبُ الصَّلاةِ والسَّلامِ. الثَّانيةُ، يُشْتَرَطُ فى الخُطْبَتَيْن أيضًا دُخولُ وَقْتِ الجُمُعَةِ. ولم يذْكُرْه بعضُهم؛ منهم المُصَنفُ، والمَجْدُ فى «مُحَرَّرِه» .

ص: 221

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وقِراءةُ آيَةِ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه يُشْتَرَطُ لصِحَّةِ الخُطْبْتَيْن، قِراءَةُ آيَةٍ مُطْلَقًا فى كلِّ خُطْبَةٍ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ لأنَّها بدَلٌ مِن رَكْعَتَيْن. وعنه، لا تجِبُ قراءةٌ. اخْتارَه المُصَنِّفُ. وصحَّحه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه». وقيل: لا تجِبُ قِراءةٌ فى الثَّانيةِ. ذكَره فى «التَّلْخيصِ» . واخْتارَه الشَّيْخُ صدَقَةُ بنُ الحَسَنِ البَغْدادىُّ الحَنْبلِىُّ (1) فى «كِتابِه» . نقَله عنه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وعنه، يُجْزِيُّ بعضُ آيَةِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وهو تخْرِيجٌ لابنِ عَقِيلٍ مِن صِحَّةِ خُطْبَةِ الجُنُبِ. وقيل: يُجْزِئُ بعضُها فى الخُطْبَةِ الأُولَى. وقيل: يُجْزِئُ بعضها فى الخُطْبَةِ الثَّانيةِ. وللمَجْدِ احْتِمالٌ، يُجْزِئُ بعضُ آيَةٍ تُفِيدُ مقْصودَ الخُطْبَةِ، كقولِه تعالَى:{يَاأَيُّهَا الْنَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} (2). وقالَه القاضى فى مَوْضِعٍ مِنْ كلامِه. ذكَره عنه ابنُ تَميمٍ. قال فى «تَجْريدِ العِنايَةِ» : وهو الأَظْهَرُ عندِى. وقال أبو المَعالِى: لو قرَأ آيَةً لا تسْتَقِلُّ بمَعْنًى أو حُكْمٍ،

(1) هو صدقة بن الحسين بن الحسن البغدادى، أبو الفرج، الفقيه الأديب، الشاعر. له مصنفات حسنة فى أصول الدين، وجمع تاريخا على السنين. توفى سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. ذيل طبقات الحنابلة 1/ 339. سير أعلام النبلاء 1/ 66، 67.

(2)

سورة النساء 1.

ص: 222

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كقولِه: {ثُمَّ نَظَرَ} (1) أو: {مُدْهَامَتَّانِ} (2) لم يكْفِ ذلك. وهو احْتِمالُ المَجْدِ أيضًا. وقالَه القاضى أيضًا فى مَوْضِعٍ مِن كلامِه. ومثَّله بقولِه: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} (3) ذكَره عنه ابنُ تَميمٍ أيضًا. قال فى «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» أيضًا: وهو الأظْهَرُ عندِى.

فائدة: لو قرَأ ما يَتَضَمَّنُ الحَمْدَ والمَوْعِظَةَ، ثم صلَّى على النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم كفَى على الصَّحيحِ. وقال أبو المَعالِى: فيه نَظَرٌ؛ لقولِ أحمدَ: لابُدَّ بن خُطْبَةٍ. ونقَل ابنُ الحَكَمِ، لا تكونُ خُطْبَةٌ إلَّا كما خطَب النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، أو خُطْبَةٍ تامَّةٌ.

قوله: والوَصيَّةُ بتَقْوَى اللَّهِ. يعنى، يُشْترَطُ فى الخُطْبَتَيْن الوَصِيَّةُ بتَقْوَى اللَّهِ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: يُشْتَرَطُ ذلك

(1) سورة المدثر 21.

(2)

سورة الرحمن 64.

(3)

سورة المدثر 22.

ص: 223

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى الثَّانيةِ فقط. وهو ظاهرُ كلام الخِرَقِىِّ؛ فإنَّه قال فى الثَّانيةِ: وقرَأ، ووعَظ. ولم يقُلْ فى الأُولَى: ووعَظ. وقدَّم ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» ، والمُصَنِّفُ، احْتِمالٌ؛ لا يجبُ إِلَّا حَمْدُ اللَّهِ تعالَى والمَوْعِظَةُ فقط. وذكَر أبو المَعالِى، والشَّيخُ تَقِىُّ الدِّينِ، أَنَّه لا يكْفِى ذَمُّ الدُّنْيا، وذِكْرُ المَوْتِ. زادَ أبو المَعالِى: الحِكَمَ المَعْقُولَةَ التى لا تتَحركُ لها القُلوبُ، ولا تنْبَعِثُ بها إلى الخَيْر. فلو اقْتَصَر على قولِه: أطيعوا اللَّهَ، واجْتَنِبوا مَعاصيه. فالأظْهَرُ؛ لا يكْفِى ذلك، وإنْ كان فيه توْصِيَةٌ؛ لأنَّه لابُدَّ مِنِ اسْمِ الخُطْبَةِ عُرْفًا، ولا تحْصُلُ باخْتِصارٍ يفُوتُ به المَقْصودُ.

فوائد؛ منها، أوْجَبَ الخِرَقِىِّ، وابنُ عَقِيل، الثَّناءَ على اللَّهِ تعالَى. واخْتَاره صَدَقَةُ ابنُ والحَسَنِ البَغْدَادِىُّ فى «كِتابِه» ، وجعَله شرْطًا. نقَله عنه فى

ص: 224

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . والمذهبُ خِلافُه. ومنها، يُسْتَحَبُّ أنْ يَبْدَأ بالحَمْدِ، ويُثَنِّىَ بالصَّلاةِ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ويُثَلِّثَ بالمَوْعِظَةِ، ويُرَبِّعَ بقراءةِ آيَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الكافِى» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يجِبُ ترتِيبُ ذلك. وأطْلَقَهما الزَّرْكَشِىُّ، وابنُ تَميمٍ، و «الرِّعايَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» . لكنْ حَكاهُما احْتِمالَيْن فيهما. ومنها، يُشْترَطُ أيضًا المُوالاةُ بينَ الخُطْبَتَيْن، وبينَهما وبينَ الصَّلاةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به المَجْدُ وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يُشْترَطُ. ومنها، يُشْترَطُ تقدُّمُهما على الصَّلاةِ، بلا نزاعٍ. ومنها، يُشْتَرَطُ أيضًا المُوالَاة بينَ أجْزاءِ الخُطْبَةِ قولًا واحدًا. وحكَى بعضُهم قوْلًا. ومنها، يُشْترَطُ أيضًا النيةُ. ذكَرَه فى «الفُنونِ» . وهو ظاهِرُ كلامِ غيرِه. قالَه فى «الفُروعِ» . ومنها، تبْطُلُ الخُطْبَةُ بكلامٍ يَسيرٍ مُحَرَّمٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا تَبْطُلُ كالأَذَانِ

ص: 225

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَأوْلَى. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . وإنْ حَرُمَ الكلامُ؛ لأجْلِ الخُطْبَةِ وتكلَّم فيها، لم تبْطُلْ به، قولًا واحدًا. ومنها، الخُطْبَةُ بغيرِ العَرَبِيَّةِ كالقِراءَةِ، وهل يجِبُ إبْدالُ عاجزٍ عنِ القِراءةِ بذِكْرٍ أم لا؟ لحُصُولِ مَعْناها مِن بقِيَّةِ الأرْكانِ. فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «ابنِ حَمْدان» .

ص: 226

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وحُضورُ العَدَدِ المشترطِ. يعْنِى، فى القَدْرِ الواجبِ مِنَ الخُطْبَةِ. وكذا سائرُ شُروطِ الجُمُعَةِ.

فوائد، يُعْتبرُ للخَطيبِ رفْعُ الصَّوْتِ بها، بحيثُ يُسْمِعُ العَدَدَ المُعْتبَرَ، فإنْ لم يحْصُلْ سَماعٌ لعارِضٍ، مِن نوم أو غفْلَةٍ أو مطرٍ أو نحوِه، صحَّتْ. وتقدَّم أنَّها لا تصِحُّ بغيرِ العَرِبِيَّةِ مع القُدْرَةِ. على الصَّحيحِ. وإنْ كان لبُعْدٍ، أو خفْضِ صوْتِه، لم تصِحَّ. ولو كانُوا طُرْشًا أو عُجْمًا، وكان عَرَبِيًّا سَمِيعًا، صحَّتْ. وإنْ كانوا كلُّهم صُمًّا؛ فذكَر المَجْدُ، تصِحُّ. وجزَم به ابنُ تَميمٍ. وقال غيرُ المَجْدِ: لا تصِحُّ. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ» . وظاهرُ «الفُروعِ» الإِطْلاقُ. وإِنْ كان فيهم صُمٌّ، وفيهم مَن يسْمَعُ، ولكنَّ الأصَمَّ قريبٌ، ومَن يسْمَعُ بعيدٌ، فقِيلَ: لا

ص: 227

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تصِحُّ؛ لفَواتِ المقْصودِ. وهو أوْلَى. وهو ظاهرُ كلامِه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهما، وهو ظاهرُ ما قدَّمه فى «الرِّعَايَةِ». وهو أوْلَى فى مَوضِعٍ. وذكَر بعدَ ذلك ما يدُلُّ على إطْلاقِ الخِلافِ. وَقيل: تصِحُّ. وأطْلَقَهما فى «التَّلْخيصِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفُروعِ» ، و «النُّكَتِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . وإنْ كانوا كلُّهم خُرْسًا مع الخَطبِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّهم يصَلُّون ظهْرًا لفواتِ الخُطَبَةِ صورةً ومَعْنًى. قلتُ: فيُعايَى بها. وفيه وَجْهٌ، يصَلُّون جُمُعَةً، ويخْطُبُ أَحدُهم بالإِشارَةِ، فيصِحُّ كما تصِحُّ جميعُ عِباداتِه؛ مِن صلاِته، وإمامَتِه، وظِهَارِه، ولِعَانِه، ويَمينِه، وتَلبِيَتِه، وشَهادَتِه، وإسْلامِه، ورِدَّتِه، ونحوِ ذلك. قلتُ: فيُعايَى بها أيضًا.

فائدة: لوِ انْفَضُّوا عنِ الخَطيبِ، وعادُوا، وكثُرَ التَّفَرُّقُ عُرْفًا، فقيلَ: يَبْنِى على ما تقدَّم مِنَ الخُطْبَةِ. وقيل: يسْتَأْنِفُها. وهذا الوجْهُ ظاهرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ؛ لاشْتِراطِهم سَماعَ العَدَدِ المُعْتَبَرِ للخُطْبَةِ، وقدِ انْتفَى. قال فى

ص: 228

وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ، وَأَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

ــ

«المُذْهَبِ» : فإنِ انْفَضُّوا ثم عادُوا قبلَ أنْ يَتَطاوَلَ الفَصْلُ، صلَّاها جُمُعَةً. فَمَفْهومه، أنَّه إذا تَطاولَ الفَضلُ، لا يصلِّى جُمُعَةً ما لم يسْتَأْنِف الخُطْبَةَ. وجزَم به فى «النَّظْمِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، وغيرِهم. وصحَّحه فى «التَّلْخيصِ» ، وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». وقال ابنُ عَقِيل فى «الفُصولِ»: إنِ انْفَضُّوا لفِتْنَةٍ أو عدُوٍّ، ابْتَدأها كالصَّلاةِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا تبْطُل، كالوقْتِ يخرجُ فيها. ويَحْتَمِلُ أنْ يُفَرِّقَ بينَهما، بأنَّ الوقْتَ يتقَدَّمُ ويتَأخَّرُ للعُذْرِ، وهو الجَمْعُ.

قوله: وهل يُشْتَرَطُ لهما الطَّهارةُ، وأن يَتَولَّاها مَن يتولَّى الصَّلاةَ؟ على رِوايتَيْن. أطْلقَ المُصَنِّفُ فى اشْتِراطِ الطَّهارَةِ للخُطْبَتَيْن، أعْنِى الكُبْرى والصُّغْرى، الرِّوايتَيْن. وأطْلَقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «الشَّرْحِ» ؛ إحْداهما، لا يُشْتَرطان. وهي المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قالَه فى «الفُروعِ». اخْتارَه الأكثرُ. قال فى «مَجْمعِ البَحْرَيْن»: لا يُشْترَطُ لهما الطَّهارَتان فى أصحِّ الرِّوايتَيْن. اخْتارَه أكثرُنا. قال فى «تَجْريدِ العِنايَةِ» :

ص: 229

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وخُطْبَتَيْن، ولو مِن جُنُب، نَصًّا. وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . واخْتارَه الآمِدِىُّ، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، وابنُ البَنَّا، والمَجْدُ، وغيرُهم. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الإِفاداتِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ». وقال: جزَم الأكثرُ بعدَمِ اشْتِراطِ الطَّهارَةِ الصُّغْرى؛ القاضى، والشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ فى «خِلافَيْهِما» ، والشِّيرازِىُّ، والمَجْدُ، وغيرُهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يُشْتَرَطُ لهما الطَّهارَةُ. قدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ». قال فى «الحَواشِى»: قدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وعنه رِوايةٌ ثالثةٌ، يُشْتَرَطُ لهما الطَّهارَةُ الكُبْرى دونَ الصُّغْرى. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه جماعةٌ. قال المُصَنِّفُ: الأشْبَهُ بأُصولِ المذهبِ، اشتراطُ الطَّهارَةِ الكُبْرى. قال فى «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ»: والصَّحيحُ عندِى، أنَّ الطَّهارةَ مِنَ الجَنابَةِ تُشْترَطُ لهما. قال الشَّرِيف: هو قِياسُ قولِ الخِرَقِىِّ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وكأنَّه أخذَه مِن عدَمِ اعْتِدادِه بأَذانِ الجُنُبِ. وقال فى «البُلْغَةِ» : قال جماعةٌ مِنَ

ص: 230

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ: فلو خطَب جُنُبًا. جازَ بشَرْطِ أنْ يكونَ خارِجَ المسْجِدِ. قلتُ: قالَه القاضى فى «جامِعِه» ، و «تَعْلِيقِه» . وقدَّمه فى «التَّلْخيصِ» . وجزَم به فى «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقال: يتَوَضَّأُ ويخْطُبُ فى المَسْجدِ. فعلى المذهبِ، تُجْزِئُ خُطْبَةُ الجُنُبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه، وهو عاصٍ بقِرَاءَةِ الآيَةِ؛ لأنَّ لُبْثَه لا تعَلُّقَ له بواجِبِ العِبادَةِ، كصلاةِ من معه دِرْهَمٌ غَصْبٌ. وقيل: لا تُجْزِئُ. وهو تخْريجٌ فى «المُحَرِّرِ» ، كتَحْريمِ لُبْثِه. وإنْ عصَى بتَحْريمِ القِراءةِ، فهو مُتَعَلِّقٌ بفَرْضٍ لها، فهو كصَلاِته بمَكانٍ غصْبٍ. قالَه فى «الفُروعِ». وقال فى «الفُصولِ»: نصَّ أحمدُ أنَّ الآيةَ لا تُشْترَطُ، وهو أشْبَهُ، أو جوازُ قراءَةِ الآيَةِ للجُنُبِ، وإلَّا فلا وَجْهَ له. وقال فى «الفُنونِ» ، أو «عُمَدِ الأدِلَّةِ»: يُحْمَلُ على النَّاسِى، إذا ذكَر اعْتَدَّ بخُطْبَتِه، بخِلافِ الصَّلاةِ، وسَتْرِ العوْرَةِ، وإزالَةِ النَّجاسَةِ، كطَهارَةٍ صُغْرى. وقال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: فعلى المذهبِ، لا يجوزُ له أنْ يخْطُبَ فى المَسْجدِ عالِمًا بحَدَثِ نفْسِه، إلَّا أنْ يكونَ مُتوضِّئًا، فإذا وصَل القِراءةِ، اغْتَسَلَ وقرَأ، إنْ لم يُطِلْ أو اسْتَناب مَن يقْرأُ. ذكَره ابنُ عَقِيل، وابنُ الجَوْزِىِّ، وغيرُهما. فإنْ قرَأ جُنُبًا، أو خطَب فى المَسْجدِ عالِمًا، مِن غيرِ وُضوءٍ، صحَّ مع التَّحْريمِ. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: والتَّحْقيقُ، صِحَّةُ خُطْبَةِ الجُنُبِ فى المَسْجدِ، إذا تَوَضَّأ ثم اغْتَسَل قبلَ القِراءَةِ، وكان ناسِيًا للجَنابَةِ، وإنْ عُدِم ذلك كلُّه، خُرِّج على الصَّلاةِ فى المَوْضع الغَصْبِ. قال ابنُ تَميمٍ: وهذا بِناءً على مَنْع الجُنُبِ مِن قِراءةِ

ص: 231

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

آيَةٍ أو بعضِها، وعدَمِ الإِجْزاءِ فى الخُطْبَةِ بالبَعضِ. ومتى قُلْنا: يُجْزِئُ بعضُ آيَةٍ، أو تَعْيِينُ الآيَةِ، ولا يُمْنَعُ الجُنُبُ مِن ذلك، أو لا تجِبُ القِراءةُ فى الخُطْبَةِ، خُرِّج فى خُطْبَتِه وَجْهان، قِياسًا على أذانِه.

فائدة: حُكْمُ ستْرِ العوْرَةِ، وإزالَةِ النَّجاسَةِ، حُكْمُ الطَّهارةِ الصُّغْرى فى الإجْزاءِ وعَدَمِه. قالَه فى «الفُروعِ» ، وأبو المَعالِى، وابنُ مُنَجَّى. وقال القاضى: يُشْتَرَطُ ذلك. واقْتَصَر عليه ابنُ تَميمٍ. وأطْلَقَ المُصَنِّفُ الرِّوايتَيْن فى اشْتِراطِ تَوَلِّى الصَّلاةِ مَن توَلَّى الخُطْبَةَ. وأطْلَقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ؛ إحْداهما، لا يُشْتَرَطُ ذلك. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: صحَّتْ، أو جازَ، فى أصحِّ الرِّوايتَيْن. قال فى «التَّلْخيصِ»: من سُنَنِهما، أنْ يتَولَّاهما مَن يتَولَّى الصَّلاةَ على المشْهورِ. قالِ فى «البُلْغَةِ»: سُنَّة على الأصحِّ.

ص: 232

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . فعليهما لو خطَب مُمَيِّزٌ ونحوُه، وقُلْنا: لا تصِحُّ إمامَتُه فيها. ففى صحَّةِ الخُطْبَةِ وَجْهان. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ». وبيَّنَّا الخِلافَ على القولِ بصِحَّةِ أذانِه. قلتُ: الصَّوابُ عدَمُ الصِّحَّةِ؛ لأنَّ المذهبَ المنصوصَ، أَنَّها بدَلٌ عن رَكْعَتَين كما تقدَّم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يُشْترَطُ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى». ونسَب الزَّرْكَشِىُّ إلى صاحِبِ «التَّلْخيصِ» أنَّه قال: هذا الأشْهَرُ. وليس كما قال. وقد تقدَّم لفْظُه. قال ابنُ أبِى مُوسى: لا تَخْتلِفُ الرِّوايَةُ، أنَّ ذلك شرْطٌ مع عدَمِ العُذْرِ، فأمَّا مع العُذْر، فعلى رِوايتَيْن. وفى «المُغْنِى» (1) احْتِمالان مُطْلَقان مع عدَمِ العُذْرِ. وعنه رِواية ثالثة، ذلك شرْط إنْ لم يكُنْ عُذْرٌ. جزَم به فى «الإِفاداتِ» . وقدّمه فى «المُغْنِى» ، و «الكافِى». قال فى «الفُصولِ»: هذا ظاهرُ المذهبِ. قال فى «الشَّرْحِ» : هذا المذهبُ. وأطْلَقَهُنَّ فى «تَجْريدِ العِنايَةِ» .

(1) 3/ 178.

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: وكذا الحُكْمُ والخِلافُ إذا توَلَّى الخُطْبَتَيْن، أو إحْداهما، اثْنان. على الصَّحيحِ. وقيلَ: إنْ جازَ فى التى قبلَها، فهنا وَجْهان. وهي طريقَةُ ابنِ تَميمٍ، وابنِ حَمْدانَ. وقطَع ابنُ عَقِيل، والمَجْدُ فى «شَرْحِه» بالجَوازِ. قال فى «النُّكَتِ»: يُعايَى بها، فيُقالُ: عِبادَةٌ واحدةٌ بِدْعَةٌ محْضَةٌ تصِحُّ مِن اثْنَين. فعلى المذهبِ، لو قُلْنا: تصِحُّ لعُذْرٍ. لا يُشْتَرَطُ حُضورُ النَّائبِ الخُطْبَةَ كالمَأْمومِ، لتَعَيُّنِها عليه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، يُشْتَرَطُ حُضورُه؛ لأنَّه لا تصِحُّ جُمُعَةُ مَن لا يشْهَدُ الخُطْبَةَ إلَّا تَبَعًا كالمُسافِرِ. وأطْلَقَهُنَّ فى «الفائقِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» .

فائدة: لو أحْدَث الخَطِيبُ فى الصَّلاةِ، واسْتَخلَفَ مَن لم يحْضُرِ الخُطْبَةَ، صحَّ فى أشْهَرِ الوَجْهَين. قالَه فى «الفُروعِ» . ولو لم يكُنْ صلَّى معه، على أصحِّ الرِّوايتَيْن، إنْ أدْرَك معه ما تَتِمُّ به جُمُعَتُه. وكوْنُه يصِحُّ، ولو لم يكُنْ صلَّى معه، مِنَ المُفْرَداتِ. وإنْ أدْرَكَه فى التَّشَهُّدِ، فسَبَق فى ظُهْرٍ مع عَصْرٍ. وإنْ منَعْنا الاسْتِخْلافَ، أتَمُّوا فُرادَى. قيل: ظُهْرًا؛ لأن الجماعةَ شرْطٌ كما لو نقَص العدَدُ. وقيلٍ: جُمُعَةً برَكْعةٍ معه كمَسْبوقٍ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وقيل: جُمُعَة مُطْلَقًا؛ لبَقاءِ حُكْمِ الجماعَةِ لمنْع الاسْتِخْلافِ. وأطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وإنْ جازَ الاسْتِخْلافُ فَأتَمُّوا فُرادَى، لم تصِحَّ جُمُعتُهم، ولو كان فى الثَّانيةِ؛ لو نقَص العَدَدُ. وإنْ جازَ أنْ يتَولَّى الخُطْبَةَ غيرُ الإِمامِ، اعْتُبِرَتْ عَدالَتُه. فى الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» .

ص: 234

وَمِنْ سُنَنِهِمَا أنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ، أوْ مَوْضِعٍ عَالٍ،

ــ

وقال ابنُ عَقِيلٍ: ويَحْتَمِلُ أنْ يتَخرَّجَ رِوايَتان.

فوائد؛ إحْداها، قوله: ومِن سُنَنِهما، أنْ يَخْطُبَ على مِنْبَرٍ، أو مَوْضعٍ عَالٍ. بلا نِزاعٍ، لكنْ يكونُ المِنْبَرُ عن يَمينِ مُسْتَقْبِلى القِبْلَةِ. كذا كان مِنْبَرُه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلام، وكان ثلاثَ دَرَجٍ، وكان يقِفُ على الثَّالثةِ التى تَلِى مَكانَ الاسْتِراحَةِ. ثم وقَف أَبو بَكْرٍ على الثَّانيةِ. ثم عمرُ على الأُولَى تأدُّبًا. ثم وقَف عُثْمانُ مَكانَ أبِى بَكْرٍ. ثم وقَف علىٌّ موْقِفَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. ثم فى زَمَنِ مُعاوِيَةَ قَلَعَه مَرْوَانُ، وزادَ فيه سِتَّ دَرَجٍ، فكان الخُلَفاءُ يرْتَقون سِتَّ دَرَجٍ، ويقِفون مَكانَ

ص: 235

وَيُسَلِّمَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إِذَا أقْبَلَ عَلَيْهِمْ،

ــ

عمرَ. وأمَّا إذا وقَف الخَطِيبُ على الأرْضِ، فإنَّه يقفُ عن يَسارِ مُسْتَقْبِلِى القِبْلَةِ، بخِلافِ المِنْبَرِ. قالَه أبو المَعالِى.

الثَّانيةُ، قوله: ويُسلِّمَ على المأمُومين إذا أقْبَل عليهم. بلا نِزاعٍ، ويُسَلِّمُ أيضًا على مَن عندَه إذا خرَج. الثَّالثةُ، رَدُّ هذا السَّلامِ وكلِّ سلام مَشْروعٍ، فَرْضُ كِفايَةٍ على الجماعةِ المسَلَّمِ عليهم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: سُنَّةٌ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ، كابْتَدائِه؛ وفيه وجْهٌ غريبٌ. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِىُّ الدِّينِ، يجِبُ. الرَّابعةُ، لوِ اسْتَدْبَر الخطيِبُ السَّامِعِين، صحَّتِ الخُطْبَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ

ص: 236

ثُمَّ يَجْلِسَ إِلَى فَرَاغِ الْأذَانِ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ،

ــ

المذهبِ. وقيلَ: لا تصِحُّ. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ. الخامسةُ، يُسْتَحَبُّ أن ينْحَرِفَ المأْمُومون إلى الخُطْبَةِ لسَماعِها. وقال أبو بَكْرٍ: ينْحَرِفون إليه إذا خرَج، ويتَربَّعون فها، ولا تُكْرَهُ الحَبْوَةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وكَرِهَها المُصَنِّفُ، والمَجْدُ.

السَّادسةُ، قوله: ثم يَجْلِسَ إلى فَراغِ الأذانِ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ الأَذانَ الأولَ مُسْتحَبٌّ. وقال ابنُ أبِى مُوسى: الأذانُ المُحَرِّمُ للبَيْع واجِبٌ. ذكَرَه بعضُهم رِوايةً. وقال بعضُ الأصحابِ: يسْقُطُ الفَرْضُ يومَ الجُمُعَةِ بأوَّلِ أذانٍ. وقال ابنُ البَنَّا فى «العُقودِ» : يُبَاحُ الأذانُ الأوَّلُ، ولا يُسْتَحَبُّ. وقال المُصَنِّفُ: ومِن سُنَنِ الخُطْبَةِ، الأذانُ لها إذا جلَس الإِمامُ على المِنْبَرِ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: إنْ أرادَ، مشْروعٌ مِن حيث الجُمْلةُ، أو فى هذا الموْضِع، فلا كلامَ، وإنْ أرادَ به، سُنَّةٌ يجوزُ ترْكُه، فليس كذلك بغيرِ خِلافٍ. ثم قال: قلتُ: فإنْ صلَّيْناها قبلَ الزَّوالِ، فلم أجِدْ لأصحابِنا فى الأذانِ الأوَّلِ كلامًا، فيَحْتَمِلُ أنْ لا يُشْرَعَ، ويَحْتَمِلُ أنْ يُشْرَعَ كالثَّانِى. انتهى. وأمَّا وُجوبُ السَّعْى إليها، فيَأْتِى حُكْمُه والخِلافُ فيه، عندَ قولِه: ويُبَكِّرُ إليها ماشِيًا.

ص: 237

وَيَخْطبَ قَائِمًا،

ــ

قوله: ويَجْلِسَ بينَ الخُطْبتَيْن. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ جلُوسَه بينَ الخُطتَيْن سُنَّةٌ، وعليه جمهورُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وعنه، أنَّه شَرْطٌ. جزَم به فى «النَّصِيحَةِ» . وقالَه أبو بَكْرٍ النَّجَّادُ.

فائدتان؛ إحْداهما، حيثُ جوَّزْنا الخُطْبَةَ جالِسًا، على ما يأْتى بعدَ ذلك، فالمُسْتَحَبُّ أنْ يجْعلِ بينَ الخُطْبَتَيْن سكْتَةً بدَلَ الجَلْسَةِ. قالَه الأصحابُ. الثَّانيةُ، تكونُ الجَلْسةُ خَفِيفة جِدًّا. قال جماعةٌ: بقَدْرِ سُورةِ الإخْلاصِ. وحَكاه فى «الرِّعايَةِ» قولًا. وجزَم به فى «التَّلْخيصِ» . فلو أبَى الجُلوسَ، فصَل بينَهما بسَكْتَةٍ.

قوله: ويَخْطُبَ قائِمًا. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ الخُطْبَةَ قائِمًا سُنَّةٌ. نصَّ

ص: 238

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه، وعليه جمهورُ الأصحابِ. قالَه فى «الحَواشِى» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المشْهورُ عندَ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعٍ» وغيرِه. وعنه، شرْطٌ. جزَم به فى «النَّصِيحَةِ» ، وقدَّمه فى «الفائقِ» .

ص: 239

ويَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ، أَوْ قَوْسٍ، أَوْ عَصًا، وَيَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ،

ــ

فوائد؛ منها، قوله: ويعْتَمِدَ على سَيْفٍ، أو قَوْسٍ، أو عصًا. بلا نِزاعٍ. وهو مُخَيَّرٌ بينَ أنْ يكونَ ذلك فى يُمْناه أو يُسْراه. ووَجَّه فى «الفُروعِ» تَوْجيهًا، يكونُ فى يُسْراه، وأمَّا اليَدُ الأُخْرى، فيَعْتَمِدُ بها على حرْفِ المِنْبَرِ أو يُرْسِلُها. وإذا

ص: 240

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يعْتَمِدْ على شئٍ، أمْسَك يَمِينَه بشِمالِه أو أرْسَلهما.

ص: 241

وَيَقْصِرَ الْخُطْبَةَ،

ــ

ومنها، قوله: ويَقْصِرَ الخُطْبَةَ. هذا بلا نِزاعٍ. لكنْ تكونُ الخُطْبَةُ الثَّانيةُ أقْصَرَ.

ص: 242

وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ.

ــ

قالَه القاضى فى «التَّعْليقِ» . والواقِعُ كذلك. ومنها، يرْفَعُ صوْتَه حسَبَ طاقَتِه. ومنها، قوله: ويدْعُوَ للمُسْلمِين. يعْنِى، عُمومًا. وهذا بلا نِزاعٍ. ويجوزُ لمُعَيَّنٍ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُسْتَحَبُّ للسُّلْطانِ. وما هو ببَعيدٍ. والدُّعاءُ له

ص: 243

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُسْتَحَبٌّ فى الجُمْلَةِ، حتى قال الإِمامُ أحمدُ، وغيرُه: لو كان لنا دعْوَةٌ مُسْتجابةٌ، لدَعْونا بها لإمامٍ عادِلٍ؛ لأنَّ فى صَلاحِه صلاحٌ للمُسْلِمين. قال فى «المُغْنِى» (1) وغيرِه: وإنْ دَعا لسُلْطانِ المُسْلِمين فحسَنٌ. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ. ومنها، لا يْرفَعُ يدَيْه فى الدُّعاءِ، والحالَةُ هذه. على الصَّحيحِ مِنَ

(1) 3/ 181.

ص: 244

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: هذا أصحُّ الوَجْهَيْن لأصحابِنا. وقيل:

ص: 245

وَلَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الْإِمَامِ. وَعَنْهُ، يُشْتَرَطُ.

ــ

يْرفَعُهما. وجزَم به فى «الفُصولِ» . وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: لا يُسْتَحَبُّ. قال المَجْدُ: هو بِدْعَةٌ.

قوله: ولا يُشْترَطُ إذْنُ الإِمامِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يُشْتَرَطُ. وعنه، يُشْتَرطُ إنْ قدَر على إذْنِه، وإلَّا فلا. قال فى «الإِفاداتِ»: تصِحُّ بلا إذْنِ الإِمامِ مع العَجْزِ عنه. وعنه، يُشْترَطُ لوُجوبِها لا لجَوازِها. ونقَل أبو الحارِث، والشَّالَنْجِىُّ، إذا كان بينَه وبينَ المِصْرِ قَدْرُ ما يَقْصُرُ فيه الصَّلاةَ، جَمَّعُوا ولو بلا إذْنٍ.

ص: 246

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: حيثُ قُلْنا: يُشْتَرطُ إذْنُه. فلو ماتَ، ولم يُعْلَمْ بمَوْتِه إلَّا بعدَ الصَّلاةِ، لم تلْزَمِ الإعادةُ، على أصحِّ الرِّوايتَيْن للمَشَقَّةِ. قال ابنُ تَميمٍ: هذا أصحُّ الرِّوايتَيْن. وصحَّحَهما فى «الحَواشِى» . وعنه، عليهمُ الإعادةُ؛ لبَيانِ عدَمِ الشَّرْطِ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. قال فى «التَّلْخيصِ»: ومع اعْتِبارِه فلا تُقامُ إذا ماتَ، حتى يُبايَعَ عِوَضُه. وأطْلَقَهما قي «الفُروعِ». قال فى «الرِّعايَةِ»: وإنْ عُلِمَ موْتُه بعدَ الصَّلاةِ، ففى الإعادةِ رِوايَتان. وقيل: مع اعْتِبارِ الإِذْنِ. وقيل: إنِ اعْتَبَرْنا الإِذْنَ أعادُوا، وإلَّا فلا. وقيل: إنِ اعْتُبِرَ إذْنُه فماتَ، لم تُقَمْ حتى يُبايَعَ عِوَضُه.

فائدتان؛ إحْداهما، لو غلَب الخَوارِجُ على بلَدٍ، فأَقاموا فيه الجُمُعَةَ، فنَصَّ أحمدُ على جَوازِ اتِّباعِهم. قالَه ابنُ عَقِيلٍ. قال القاضى: ولو قُلْنا: مِن شَرْطِها

ص: 247