المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل فى الجمع: - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٥

[المرداوي]

الفصل: ‌فصل فى الجمع:

‌فَصْلٌ فِى الْجَمْعِ:

وَيَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ والْعَصْرِ، والْعِشَاءَيْنِ فِى وَقْتِ إِحْدَاهُمَا لِثَلاثَةِ أُمُورٍ؛ السَّفَرِ الطَّوِيلِ،

ــ

يتَرخَّصُون. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: عنه، يتَرخَّصُون، وإنْ لم يتَرخَّص المَلَّاحُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ. وقال: سواءٌ كان معه أهْلُه أولًا؛ لأنَّه مُسافر مشْقوقٌ عليه، بخِلافِ الملَّاحِ. واخْتارَه أيضًا الشَّارِحُ، وأبو المَعالِى، وابنُ مُنَجَّى. وإليه مَيْلُ صاحبِ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . وأطْلَقَهما فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . الثَّانيةُ، الفَيْجُ، بالفَاءِ المفْتوحَةِ واليَاء المُثَنَّاةِ مِن تحتِ السَّاكِنَةِ، والجيمِ، رسُولُ السُّلْطانِ مُطْلَقًا. وقيل: رسولُ السُّلْطانِ إذا كان راجِلًا. وقيل: هو السَّاعِى. قالَه أبو المَعالِي. وقيل: هو البَرِيدُ.

قوله: فَصْلٌ فى الجمعِ: ويجوزُ الجمعُ بينَ الظُّهْرِ والعصْرِ، والعِشاءين فى وقتِ

ص: 84

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إحْداهما لثلَاثةِ أمُورٍ؛ السَّفَرِ الطَّويلِ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه يُشْتَرَطُ لجوازِ الجمْع فى السَّفَرِ، أنْ تكونَ مُدَّتُه مثلَ مُدَّةِ القَصْرِ. وعليه الأصحابُ. وقيل: ويجوزُ أيضًا الجَمْعُ فى السَّفَرِ القَصيرِ. ذكَرَه فى «المُبْهِجِ» . وأطْلَقَهما.

تنبيه: يؤْخَذُ مِن قولِ المُصَنِّفِ: ويجوزُ الجمْعُ. أنَّه ليس بمُسْتَحَبٍّ. وهو كذلك، بل ترْكُه أفْضَلُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قالَه المَجْدُ، وصاحِبُ «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، ونصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» .

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِه. وعنه، الجمْع أفْضَلُ. اخْتارَه أبو محمدٍ الجَوْزِىُّ وغيرُه، كجَمْعَى عَرَفَةَ ومُزْدَلِفَةَ. وعنه، التَّوَقُّفُ.

ص: 86

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: فى وقتِ إحْداهما. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ جوازُ الجمْعِ فى وَقْتِ الأُولَى كالثَّانيةِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الزَّركَشِىُّ: هو المشْهورُ المعْمولُ به فى المذهبِ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : هذا المشْهورُ عن أحمدَ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يجوزُ الجمْعُ للمُسافِرِ إلَّا فى وَقْتِ الثَّانيَة، إذا كان سائِرًا فى وَقْتِ الأُولَى. اخْتارَه الخِرَقِىُّ. وحَكاه ابنُ تَميمٍ وغيرُه رِواية. وحمَلَه بعضُ الأصحابِ على الاسْتِحْباب. قالَه فى «الحَواشِى». وقيل: لا يجوزُ الجمْعُ إلَّا لسائرٍ مُطْلَقًا. وقال ابنُ أَبِى مُوسى:

ص: 87

وَالْمَرَضِ الَّذِى يَلْحَقُهُ [بِتَرْكِ الْجَمْعِ](1) فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ،

ــ

الأظْهَرُ مِن مذهبِه، أنَّ صِفَةَ الجمْع، فِعْلُ الأُولَى آخِرَ وقْتِها وفعْلُ الثَّانيةِ أولَ وَقْتِها. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: الجمْعُ بينَ الصَّلَاتَيْن فى السَّفَرِ يخْتَصُّ بمَحَلِّ الحاجَةِ، لا أنَّه مِن رُخَصِ السَّفَرِ المُطْلَقَةِ كالقَصْرِ. وقال أيضًا: فى جَوازِ الجمْعِ للمَطَرِ فى وقْتِ الثَّانيةِ وَجْهان؛ لأنا لا نَثِقُ بدَوامِ المطَرِ إلى وقْتِها. وقيل: لا يصِحُّ جمعُ المُسْتَحَاضَةِ إلَّا فى وقْتِ الثَّانية فقط. قالَه فى «الرِّعايَةِ» .

تنبيه: ظاهرُ قولِه: السَّفَرِ الطَّويلِ. أنَّه لا يجوزُ الجمْعُ للمَكِّىِّ ومَن قارَبَه بعَرَفَةَ ومُزْدَلفَةَ ومِنًى. وهو صحيح، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ فى «العِبَاداتِ الخَمس» ، والمُصَنِّفُ، والشَّيْخُ تَقِى الدِّينِ، جوازَ الجمع لهم. وتقدَّم ذلك قريبا أوَّلَ البابِ، فى القَصْرِ (2).

قوله: والمرض الذى يلحقُه بتركِ الجمْعِ فيه مَشَقَّةٌ وضَعْفٌ. الصَّحيحُ مِنَ

(1) سقط من: الأصل.

(2)

انظر صفحة 43.

ص: 88

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهب، أنَّه يجوزُ الجمْعُ للمَرضى بشَرْطِه، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يجوزُ له الجمْعُ. ذكَرَها أبو الحُسَيْنِ فى «تَمامِه» ، وابنُ عَقِيلٍ. وقال بعضُهم: إنْ جازَ

ص: 89

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

له ترْكُ القِيامِ، جازَ له الجَمْعُ، وإلَّا فلا.

فوائد؛ منها، يجوزُ الجَمْعُ للمَرَضِ للمَشَقَّةِ بكَثْرةِ النَّجاسَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وذكَر فى «الوَسِيلَةِ» رِوايةً، لا يجوزُ. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه. وقال أبو المَعالِى: هو كمَريضٍ. ومنها، يجوزُ الجَمْعُ أيضًا لعاجزٍ عنِ الطهارَةِ والتَّيَمُّمِ لكُلِّ صلاة. جزَم به فى «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» . ومنها، يجوزُ الجَمْعُ للمُسْتَحاضَةِ ومَن فى مَعْناها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقيل: لا يجوزُ. وعنه، إنِ اغْتسَلتْ لذلك جازَ، وإلَّا فلَا. وتقدَّم وَجْهٌ، أنَّه لا يجوزُ لها الجَمْعُ إلَّا فى وقْتِ الثَّانيةِ. ومنها، يجوزُ الجمْعُ أيضًا للعاجزِ عن معْرِفَةِ الوَقْتِ، كالأعْمَى ونحوِه. قال فى «الرِّعايَةِ»: أوْمأَ اليه. ومنها، ما قالَه فى «الرِّعايَةِ» وغيرِها: يجوزُ الجمْعُ لمَن له شُغْلٌ، أو عُذْرٌ يُبِيحُ ترْكَ الجُمُعَةِ والجماعةِ، كَخَوْفِه على نفْسِه، أو حَرَمِه، أو مالِه، أو غيرِ ذلك. انتهى. وقد قال أحمدُ فى رِوايَةِ محمدِ بنِ مُشَيْشٍ (1): الجمْعُ فى الحضَرِ إذا كان عن ضَرُورةٍ

(1) هو محمد بن موسى بن مشيش تقدمت ترجمته فى الجزء الأول صفحة 62.

ص: 90

وَالْمَطرَ الَّذِى يَبُل الثيابَ، إِلَّا أنَّ جَمْعَ الْمَطَرِ يَخْتَصُّ الْعِشَاءَيْنِ، فى أصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

ــ

مثل مرَضٍ أو شُغْلٍ. قال القاضى: أَرادَ بالشُّغْلِ، ما يجوزُ معه ترْكُ الجُمُعَةِ والجماعةِ مِنَ الخوْفِ على نفْسِه أو مالِه. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وتَبِعَه فى «مَجْمَع البَحْرَيْنْ»: وهذا مِنَ القاضى يدُلُّ على أنَّ أعْذارَ الجُمُعَةِ والجماعةِ كلَّها تُبِيحُ الجمْعَ. وقالَا أَيضًا: الخوْفُ يُبِيحُ الجَمْعَ فى ظاهرِ كلامِ الإِمامِ أحْمدَ، كالمَرَضِ ونحوِه، وأوْلَى؛ للخَوْفِ على ذَهابِ النَّفْسِ والمالِ مِنَ العدُوِّ. قال فى «الفُروعِ» ، و «شَرْحِه» (1): ويتَوَجَّهُ أنَّ مُرادَ القاضى غيرُ غلَبَةِ النُّعاسِ. قلتُ: صرَّح بذلك فى «الوَجيزِ» ، فقال: ويجوزُ الجمْعُ لمَن له شُغْلٌ أو عُذرٌ يُبِيحُ ترْكَ الجُمُعَةِ والجماعةِ، عدَا نُعاسٍ ونحوِه. وقال فى «الفائقِ» ، بعدَ كلامِ القاضى: قلتُ: إلَّا النُّعاسَ. وجزَم فى «التَّسْهيلِ» بالجَوازِ فى كلِّ ما يُبِيحُ ترْكَ الجُمُعَةِ. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، جواز الجَمْع للطَّبَّاخِ، والخَبَّازِ ونحوِهما، ممَّن يخْشَى فَسادَ مالِه ومالِ غيرِه بتَرْكِ الجَمعِ.

قوله: والمَطَرُ الذى يَبُلُّ الثِّيابَ. ومثلُه، الثَّلْجُ والبرَدُ والجَلِيدُ. واعلمْ أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ؛ جوازُ الجَمْع لذلك مِن حيثُ الجُمْلةُ بشَرْطِه. نصَّ عليه،

(1) زيادة من: ا.

ص: 91

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه الأصحابُ. وقيل: لا يجوزُ الجَمْعُ. وهو رِوايةٌ عن أحمدَ.

تنبيه: مُرادُه بقوْلِه: الذى يَبُلُّ الثِّيابَ. أنْ يوجَدَ معه مشَقَّةٌ. قالَه الأصحابُ. ومفهومُ كلامِه، أنَّه إذا لم يَبُلَّ الثِّيابَ، لا يجوزُ الجَمْعُ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جمهورُ الأصحابِ. وقيل: يجوزُ الجَمْعُ للطَّلِّ. قلتُ: وهو بعيدٌ. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ.

قوله: إلَّا أنَّ جَمْعَ المَطرِ يَخْتَصُّ العِشاءَيْن، فى أصحِّ الوَجْهَيْن. وهما

ص: 92

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رِوايَتان، وهذا المذهبُ بلا رَيبٍ، نصَّ عليه، فى رِوايةِ الأَثْرَمِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ منهم أبو الخَطَّابِ فى «رُءُوسِ المَسائلِ» ؛ فإنّه جزَم به فيها. والوَجْهُ الآخَرُ، يجوزُ الجَمْعُ كالعِشاءَيْن. اخْتارَه القاضى، وأبو الخطَّابِ فى «الهِدايةِ» والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وغيرُهم. ولم يذْكُرِ ابنُ هُبَيْرَةَ عنْ أحمدَ غيرَه. وجزَم به فى «نِهايَةِ ابنِ رَزِين» ، و «نَظْمِها» ، و «التَّسْهِيلِ» . وصحَّحَه فى

ص: 93

وَهَلْ يَجُوزُ لأجْلِ الْوَحْلِ، أَو الرِّيِحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ، أَوْ لِمَنْ يُصَلِّى فى بَيْتِهِ، أَو فِى مَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تحْتَ سَابَاطٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

ــ

«المُذْهَبِ» . وقدَّمه فى «الخُلاصَةِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» . وأطْلَقَهما فى «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «خِصَالِ» ابنِ البَنَّا، والطُّوفىُّ فى «شَرْحِ الخِرَقِىِّ» ، و «الحاوِيَيْن» . فعلى الثَّانى، لا يجْمَعُ الجُمُعَةَ مع العَصْرِ فى محَلٍّ يُبِيحُ الجمْعَ. قال القاضى أبو يَعْلى الصَّغِيرُ وغيره: ذكَرُوه فى الجُمُعَةِ. ويأْتى هناك.

قوله: وهل يَجوزُ لأجْلِ الوَحْلِ؟ على وَجْهَيْن. عندَ الأكثر. وهما رِوايَتان عندَ الحَلْوَانِىِّ. وأطْلَقَهُما فى «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرَحِ» ؛ أحدُهما، يجوزُ. وهو المذهبُ. قال القاضى: قال أصحابُنا: الوَحْلُ عُذرٌ يُبِيحُ الجَمْعَ. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : هذا ظاهرُ المذهبِ. قال ابنُ رَزِين: هذا أظْهَرُ وأقْيَسُ. وصحَّحَه ابنُ الجَوْزِىِّ فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، والمُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، وصاحِبُ «التَّلْخِيص» ، و «شَرْحِ المَجْدِ» ، و «النَّظْمِ» ، وابنُ تَميمٍ،

ص: 94

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «التَّصْحيحِ» وغيرُهم. وجزَم به الشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ فى «رُءُوسِ مَسائِلِهما» ، و «المُبْهِجِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الإفاداتِ» ، و «التَّسْهيلِ» وغيرهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الكافِى» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «شَرْحَ ابنِ رَزِينٍ» . والوَجْهُ الثَّانِى، لا يجوزُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ». وهو ظاهرُ كلامِه فى «العُمْدَةِ»؛ فإنَّه قال: ويجوزُ الجَمْعُ فى المطَرِ بينَ العِشاءَيْن خاصَّةً. وقيل: يجوزُ إذا كان معه ظُلْمَةٌ. وهو ظاهرُ كلامِ ابنِ أبِى مُوسى.

فائدتان؛ إحْداهما، لم يُقَيِّدِ الجمهورُ الوَحْلَ بالبَللِ. وذكَر الشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ فى «رُءُوسِ مَسائِلِهِما» وغيرُهما، أنَّ الجوازَ مُخْتَصٌ بالبَلَلِ. الثَّانيةُ، إذا قُلْنا: يجوزُ للوَحْلِ. فمَحَلُّه بينَ المغْرِبِ والعِشاءِ، فلا يجوزُ بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، وإنْ جوَّزْناه للمطَرِ. على الصَّحيحِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وأطْلَقَ بعضُهمُ الجوازَ.

قوله: وهل يَجُوزُ لأجْلِ الرِّيحِ الشَّديدَةِ والبارِدَةِ؟ على وَجْهَيْن عندَ الأكثرِ.

ص: 95

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهما رِوايَتان عندَ الحَلْوَانِىِّ. واعلمْ أنَّ الحُكْمَ هنا كالحُكْمِ فى الوَحْلِ، خِلافًا ومذهبًا، فلا حاجَةَ إلى إعادَتِه.

فائدة: الصَّحيحُ أن ذلك مُخْتَصٌّ بالعِشاءَيْن. ذكَرَه غيرُ واحدٍ. زادَ فى «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، مع ظُلْمَةٍ. وأطْلقَ الخِلافَ، كالمُصَنفِ، فى «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» .

قوله: وهل يَجُوزُ لمَن يُصلِّى فى بَيتِه، أو فى مَسْجدٍ طَرِيقُه تحتَ ساباطٍ؟ على وجْهَيْن. وكذا لو نالَه شئٌ يسيرٌ. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «الخلاصَةِ» ،

ص: 96

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «المحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الحَواشِى» ، و «الفائقِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ؛ أحدُهما، يجوزُ. وهو المذهبُ. قال القاضى: هذا ظاهرُ كلامِ أحمدَ. وصحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» . ونَصَرَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . قال فى «المُنَوِّرِ» : ويجوزُ لمطَرٍ يَبُلُّ الثِّيابَ ليْلًا. وجزَم به فى «النَّظْمِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِين» ، و «إدْرَاكِ الغايَةِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنَ رَزِينٍ» . والوَجْهُ الثَّانِى، لا يجوزُ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وصحَّحَه فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» . وهو ظاهِرُ كلامِه فى «العُمْدَةِ» ، كما تقدَّم. وقيل: يجوزُ الجمْعُ هنا لمَن خافَ فوْتَ مسْجدٍ أو جماعةٍ، جمَع. قال المَجْدُ: هذا أصحُّ. وجزَم به فى «الإفاداتِ» ، و «الحاوِيَيْن» . وقدَّمه فى «الرِّعايَتَيْن» ، مع أنَّهم أطْلَقوا الخِلافَ فى غيرِ هذه الصُّورَةِ كما تقدَّم. وقدَّم أبو المَعالِى، يجْمَعُ الإِمامُ،

ص: 97

وَيَفْعَلُ الْأَرْفَقَ بِهِ؛ مِنْ تَأْخِيرِ الأُولَى إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، أوْ تَقْدِيم الثَّانِيَةِ إِلَيْهَا.

ــ

واحْتَجَّ بفِعْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ.

فائدة: لا يجوزُ الجمْعُ لعُذْرٍ مِنَ الأعْذارِ سوى ما تقدَّم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، جوازَ الجمْع لتَحْصيلِ الجَماعَةِ، وللصَّلاةِ فى حمَّامٍ مع جَوازِها فيه خوْفَ فوْتِ الوقْتِ، ولخوْفٍ يخرجُ فى ترْكِه أىُّ مَشَقةٍ.

قوله: ويَفْعَلُ الأرْفَقَ به؛ مِن تَأْخيرِ الأُولَى إلى وَقْتِ الثَّانية، أو تَقْديمِ الثَّانيةِ إليها. هذا أحَدُ الأقْوالِ مُطْلَقًا. اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وقال: هو ظاهِرُ المذهبِ المنْصوصُ عن أحمدَ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى». وقيل: يفعَلُ المرِيض الأرْفَقَ به، مِنَ التَّقْديمِ

ص: 98

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والتَّأْخيرِ، وهو أفْضَلُ. ذكَرَه ابنُ تَميمٍ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، والمُصَنِّفُ وغيرُهم. زادَ المُصَنِّفُ، فإنِ اسْتَوَيا عندَه، فالأفْضَلُ التَّأخيرُ. وقال ابنُ رَزِين: ويفْعَلُ الأرْفَقَ إلَّا فى جَمْع المطَرِ؛ فإنَّ التَّقْديمَ أفْضَلُ. وعنه، جَمْعُ التَّأخيرِ أفْضَلُ. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «الإفاداتِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَجْريد العِنايَةِ» . وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحَواْشِي». وقال: ذكَرَه جماعةٌ. قال الشَّارِحُ: لأنَّه أحْوَطُ. وفيه خُروجٌ مِنَ الخِلافِ، وعمَلًا بالأحاديثِ كلِّها. قال الزَّرْكَشِىُّ: المنْصوصُ، وعليه الأصحابُ، أنَّ جَمْعَ التَّأخيرِ أفْضَلُ. ذكَرَه فى جَمْعِ السَّفَرِ.

ص: 99

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال فى «رَوْضَةِ الفِقْهِ» : الأفْضَلُ فى جَمْع المطرَ، التَّأْخيرُ. وقيل: جَمْعُ التَّأْخيرِ أفْضَلُ فى السُّفَرِ دُونَ الحضَرِ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ». وقدَّمه ابنُ تَميمٍ فى حقِّ المُسافرِ. وقال: نصَّ عليه. وقال الآمِدِىُّ: إنْ كان سائرًا، فالأفْضَلُ التَّأخِيرُ، وإنْ كان فى المَنْزلِ، فالأفْضلُ التَّقْديمُ. وقال فى «المُذْهَبِ»: الأفْضَلُ فى حقِّ مَن يريدُ الارْتِحالَ فى وَقْتِ الأُولَى، ولا يغْلِبُ على ظَنِّه النُّزولُ فى وَقْتِ الثَّانيةِ، أنْ يُقدِّمَ الثَّانيةَ، وفى غيرِ هذه الحالَةِ، الأفضَلُ تأْخيرُ الأُولَى إلى دُخولِ وقْتِ الثَّانيةِ. انتهى. وقيل: جمْعُ التَّقْدِيمِ أفْضَلُ مُطْلَقًا. وقيل: جَمْعُ التَّقْديمِ أفْضَلُ فى جَمْع المطرَ، نقَلَه الأَثْرَمُ، وجَمْعُ التَّأْخيرِ أفْضَلُ فى غيرِه. وجزَم به فى «الكافِى» ، و «الحاوِيَيْن» . وقدَّمه ابنُ تَميمٍ، و «الرِّعايَتَيْن». وقال الشَّيْحُ تَقِىُّ الدِّينِ: فى جَوازِ الجَمْع للمطَرِ فى وقتِ الثَّانيةِ

ص: 100

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهان؛ لأنَّا لا نَثِقُ بدَوامِه. كما تقدَّم عنه. قلتُ: ذكَر فى «المُبْهِجِ» وَجْهًا؛ بأنَّه لا يجْمَعُ مؤخِّرًا بعُذْرِ المطَرِ. نقَلَه ابنُ تَميمٍ. وقال: هو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. وظاهِرُ «الفُروعِ» ، إطْلاقُ هذه الأقْوالِ. فعلى القوْلِ بأنَّه يفْعَلُ الأرْفَقَ به عندَه، فلوِ اسْتَوَيا؛ فقال فى «الكافِى» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: الأفْضَلُ التَّأْخيرُ فى المَرَضِ، وفى المطَرِ التَّقْديمُ. وتقدَّم كلامُ المُصَنِّفِ فى المرَضِ.

ص: 101

وَلِلْجَمْعِ فى وَقْتِ الأُولَى ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ؛ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ إِحْرَامِهَا،

ــ

قوله: وللجَمْع فى وقتِ الأُولَى ثلاثةُ شُروطٍ؛ نِيَّةُ الجَمع. يعْنِى، أحدُها نِيَّةُ الجَمْع. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: لا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ للجَمْع. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، كما تقدَّم فى كلامِ المُصَنِّفِ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ. وأطْلَقهما ابنُ تَميمٍ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وتقدَّم ذلك.

قوله: عندَ إحْرامِها. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه يُشْترَطُ أنْ يَأْتِىَ بالنِّيَّةِ عندَ

ص: 102

وَيَحْتَمِلُ أنْ تُجْزِئَهُ النِّيَّةُ قَبْلَ سَلَامِهَا، وَأنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِقَدْرِ. الإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ، فَإِنْ صَلَّى السُّنَّةَ بَيْنَهُمَا، بَطَلَ الْجَمْعُ، فى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأنْ يَكُونَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتيْنِ وَسَلَامَ الأُولَى

ــ

إحْرامِ الصَّلاةِ الأُولَى، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ويَحْتَمِلُ أنْ تُجْزِئَه النِّيَّةُ قبلَ سلامِها. وهو وَجْهٌ. اخْتارَه بعضُ الأصحابِ. قال فى «المُذْهَبِ»: وفى وقتِ نِيَّةِ الجَمْع هذه، وَجْهان؛ أصَحُّهما، أنَّه ينْوِى الجَمْعَ فى أىِّ جُزْءٍ كان مِنَ الصَّلاةِ الأُولَى، مِن حينِ تكْبيرَةِ الإحْرامِ إلى أنْ يُسَلِّمَ. وأطْلَقَهما فى «المُسْتَوْعِبِ». وقيل: تُجْزِئُه النِّيَّةُ بعدَ السَّلامِ منها، وقبلَ إحْرامِ الثَّانيةِ. ذكَرَه ابنُ تَميمٍ، عن أبِى الحُسَيْنِ. وقيل: تُجْزِئُه النِّيَّةُ عندَ إحْرامِ الثَّانيةِ. اخْتارَه

ص: 103

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى الفائقِ. وقيل: مَحَلُّ النِّيَّةِ إحْرامُ الثَّانيةِ، لا قبلَه ولا بعدَه. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ. وجزَم فى «التَّرْغِيبِ» ، باشْتِراطِ النِّيَّةِ عندَ إحْرامِ الأُولَى وإحْرامِ الثَّانيةِ أَيضًا. قال ابنُ تَميمٍ: ومتى قُلْنا: مَحَلُّ النِّيَّةِ، الأُولَى. فهل تجِبُ فى الثَّانيةِ؟ على وَجْهَيْن. وقال فى «الحَواشِى»: ومتى قُلْنا: مَحَلُّ النِّيَّةِ، الأُولَى. لم تجِبْ فى الثَّانيةِ. وقيل: تجِبُ.

قوله: وأنْ لا يُفَرِّقَ بينَهما إلَّا بقدْرِ الإِقامَةِ والوضُوءِ. اعلمْ أنَّ الصحيحَ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم؛ أنَّه تُشْتَرَطُ المُوالاةُ فى الجَمْع فى وقتِ الأُولَى. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ عدمَ اشْتِراطِ المُوَالاةِ. وأخذَه مِن روايَةِ أبِى طالِبٍ، والمَرُّوذِىِّ، للمُسافرِ أنْ يصَلِّىَ العِشاءَ قبل مَغيبِ الشَّفَقِ. وعلَّلَه الإِمامُ أحمدُ؛ بأنَّه يجوزُ له الجمْعُ. وأخذَه أَيضًا، مِن نَصِّه فى جَمْعِ المطَرِ، إذا صلَّى إحْداهما فى بَيْتِه، وِالصَّلاةَ الأُخْرى فى المسْجدِ، فلا بأسَ.

تنبيه: قوله: وأنْ لا يُفرِّقَ بينَهما إلَّا بقَدْرِ الإقامةِ والوُضوءِ. هكذا قال

ص: 104

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كثيرٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم صاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. زادَ جماعةٌ، فقالوا: لا يُفَرِّقُ بينَهما، إلَّا بقدْرِ الإقامةِ، والوضُوءِ إذا أحْدَث، والتَّكْبيرِ فى أيَّامِ العيدِ، أو ذِكْرٍ يسيرٍ؛ منهم صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» فيها. وهو قوْلٌ فى «الرِّعايَةِ» . وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (1)، والشَّارِحُ: المرجِعُ فى اليسيرِ والكثيرِ إلى العُرْفِ، لا حد له سوى ذلك. قال: وقدَّره بعضُ أصحابِنا بقدْرِ الإِقامَةِ، والوضُوءِ. والصَّحيحُ؛ أنَّه لا حدَّ له. وقدَّم ما قالَه المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «حَواشِى ابنِ مُفْلحٍ» . قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وتَبِعَه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: والمرجِعُ فى طُولِه إلى العُرْفِ، وإنَّما قرب تحديدَه بالإقامَةِ، والوضُوءِ؛ لأنَّ هذا هو مَحَلُّ الإِقامَةِ، وقد يحتاجُ إلى الوضُوءِ فيه. وهما مِن مصالحِ الصَّلاةِ، ولا تدْعُو الحاجَةُ غالِبًا إلى غيرِ ذلك، ولا إلى أكثرَ مِن زَمَنِه. انْتَهَيا. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابن عَبْدُسٍ». قال ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه»: وهو. أقْيَسُ. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : وإنْ فرَّق بينَهما عُرْفًا، أو أزْيدَ مِن قَدْرِ وضوءٍ مُعْتادٍ، أو إقامَةِ صلاةٍ، بطَل. واعْتبرَ ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصولِ» المُوالاةَ. وقال: مَعْناها أنْ لا يفْصِلَ بينَهما بصلاةٍ ولا كلام؛ لِئَلَّا يزولَ معنى الاسمِ، وهو الجَمْعُ. وقال أَيضًا: إنْ سبَقَه الحَدَثُ فى الثَّانيةِ، وقُلْنا: تبْطُلُ به، فتوضَّأ أوِ اغْتَسَل ولم يُطِلْ، ففى بُطْلانِ جَمْعِه احْتِمالان. وحكَى القاضى فى «شَرْحِه

(1) 3/ 138.

ص: 105

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّغِيرِ» وجْهًا؛ أنَّ الجَمْعَ يُبْطِلُه التَّفْريقُ اليسيرُ. فعلى الأوَّلِ، قال فى «النُّكَتِ»: هذا إذا كان الوُضوءُ خفِيفًا، فأمَّا مَن طالَ وُضوءُه، بأن يكونَ الماءُ منه على بُعْدٍ، بحيثُ يطولُ الزَّمانُ، فإنَّه يَبْطُلُ جَمْعُه. انتهى. وفى كلامِ «الرِّعايَةِ» المُتَقَدِّمِ إيماءٌ إليه. وقطَع به الزَّرْكَشِىُّ وغيرُه.

قوله: فإنْ صلَّى السُّنَّةَ بينَهما، بطَل الجَمْعُ فى إحْدى الرِّوايتَيْن. وهى المذهبُ. صحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «مَجْمعِ البَحْرَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِىّ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الإفاداتِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «حَواشِى ابنِ مُفْلِحٍ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا تبْطُلُ كما لو تَيَمَّم. قال الطُّوفِىُّ فى «شَرْحِ الخِرَقِىِّ»: أظْهرُ القولِ دليلًا على عَدَمِ البُطْلانِ، إلْحاقًا للسُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بجُزْءٍ مِنَ الصَّلاةِ لتأكُّدِها. وأمَّا صلاةُ غيرِ الرَّاتِبَةِ، فيَبْطُلُ الجَمْعُ عندَ الأكثرِ، وقطَعوا به. وقال فى «الانْتِصَارِ»: يجوزُ التَنَفُّلُ أَيضًا بينَهما. ونقلَ أبو طالِبٍ، لا بأسَ أنْ يتطوَّعَ بينَهما. قال القاضى فى «الخِلافَ»: رِوايةُ أبى طالبٍ تدُلُّ على صِحَّةِ الجمْعِ، وإنْ لم تحصُلِ المُوالاةُ. وتقدَّم أنَّ الشَّيْخَ تَقِىَّ الدِّين لا يَشْتَرِطُ المُوالاةَ فى الجمْع. وأطْلَقَ الرِّوايتَيْن فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» .

ص: 106

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا لم يُطِلِ الصَّلاةَ، فإنْ أطالَها، بطَل الجَمْعُ، رِوايةً واحدةً. قالَه الزَّرْكَشِىُّ، وغيرُه. وتقدَّم نظِيرُه فى الوضوءِ.

فائدة: يصلِّى سُنَّةَ الظُّهرِ بعدَ صلاةِ العَصْرِ، مِن غيرِ كراهةٍ. قالَه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: لا يجوزُ. وقيل: إنْ جمَع فى وقتِ العَصْرِ، لم يَجُزْ، وإلَّا جازَ؛ لبَقاءِ الوقْتِ إذَنْ. ويصلِّى فى جَمْع التَّقْديمِ سُنَّةَ العِشاءِ بعدَ سُنَّةِ المغْرِبِ. على الصَّحيحِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: الأشْبَهُ عندى، أنْ يؤخِّرَها إلى دُخولِ وقْتِ العِشاءِ. وذكَر الأوَّلَ احْتِمالًا.

قوله: وأنْ يكونَ العُذْرُ موجودًا عندَ افْتِتاحِ الصَّلاتَيْن، وسلامِ الأُولَى. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،

ص: 107

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الإِفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الفائقِ» ، و «الشَّرَحِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «شَرْحِ المَجْدِ» ، و «مَجمَع البَحْرَيْن» ، و «حَواشِى ابنِ مُفْلحٍ» ، وغيرِهم. قال ابنُ تَميمٍ: وسواءٌ قُلْنا باعْتبارِ نِيَّةِ الجَمْع أم لا. وقيل: لا يُشْتَرَطُ وجودُ العُذْرِ عندَ سلامِ الأُولَى. قال ابنُ عَقِيلٍ: لا أثرَ لانْقطاعِه عندَ سلامِ الأُولَى، إذا عادَ قبلَ طولِ الفَصْلِ. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ. وقيل: يُشْترَطُ وجودُ العُذْرِ فى جميعِ الصَّلاةِ الأُولَى. اخْتارَه صاحِبُ «التَّبْصِرَةِ» .

فوائد؛ منها، لو أحْرَم بالأولَى مع قيامِ المطَرِ، ثم انْقطَع، ولم يَعُدْ، فإنْ لم

ص: 108

وَإنْ جَمَعَ فى وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَاهُ نِيَّةُ الْجَمْعِ فى وَقْتِ الأُولَى، مَا لَمْ يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا، واسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا،

ــ

يحْصُلْ منه وَحْلٌ، بطَل الجَمْعُ، وإنْ حصَل منه وَحْلٌ، وقُلْنا: يجوزُ الجَمْعُ لأجْلِه. لم تبْطُلْ. جزَم به ابنُ تَميمٍ، وابنُ مُفْلحٍ فى «حَواشِيه». وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وإنْ حصَل به وَحْلٌ، فوَجْهان. انتهى. ولو شرَع فى الجَمْع مُسافرٌ لأجْلِ السَّفَرِ، فزالَ سفَرُه، ووُجِدَ وَحْلٌ أو مرَضٌ أو مطَرٌ، بطَل الجَمْعُ. ومنها، يُعْتَبَرُ بقاءُ السَّفرِ والمَرضِ، حتَّى يفرَغَ مِنَ الثَّانيةِ، فلو قَدِمَ فى أثْنائها، أو صحَّ، أو أقامَ، بطَل الجَمْعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كالقَصْرِ. وجزَم به فى «العُمْدَةِ»؛ فقال: واسْتِمْرارُ العُذْرِ، حتَّى يشْرَعَ فى الثَّانيةِ، فيُتِمُّها نفْلًا، وقيل: تبْطُلُ. وقيل: لا يبْطُلُ الجَمْعُ، كانْقِطاعِ المطَرِ فى الأشْهَرِ. والفَرْقُ، أنَّ نتيجةَ المطَرِ وَحْلٌ فتَبِعَه، وهما فى المَعْنَى سَواءٌ. قالَه فى «الفُروعِ». وقال فى «الحَواشِى»: والفرْقُ أنَّه لا يتَحَقَّقُ انْقِطاعُ المطَرِ؛ لاحْتمالِ عَوْدِه فى أثْناءِ الصَّلاةِ، وقد يخلُفُه عُذْرٌ مُبِيحٌ، وهو الوَحْلُ، بخِلافِ مَسْألَتِنا. انتهى. ومنها، ذكَر المُصَنِّفُ ثلاثةَ شُروطٍ، وبَقِيَ شرْطٌ رابعٌ، وهو التَّرتيبُ، لكن ترَكَه لوُضوحِه.

قوله: وإنْ جمَع فى وقتِ الثَّانيةِ كَفاه نِيَّةُ الجَمْعِ فى وقْتِ الأُولَى، ما لم يضِقْ

ص: 109

وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ.

ــ

عن فِعْلِها. هذا المذهبُ، وعليه الأكثرُ. قالَه فى «الفُروعِ». قال فى «مَجْمَع البَحْرَيْن»: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال الشَّارِحُ: متى جمَع فى وقْتِ الثَّانيةِ، فلا بُدَّ مِن نِيَّةِ الجَمْع فى وقْتِ الأُولَى، ومَوْضِعُها فى وقْتِ الأُولَى، مِن أوَّلِه إلى أنْ يَبْقَى منه قَدْرُ ما يُصَلِّيها. هكذا ذكَرَه أصحابُنا. انتهى. وقال المَجْدُ: وإنْ جمَع فى وقْتِ الثَّانيةِ، اشْتُرطَتْ نِيَّةُ الجَمْع قبلَ أنْ يَبْقَى مِن وقْتِ الأُولَى بقَدْرِها؛ لفَواتِ فائدَةِ الجَمعِ، وهو التَّخْفيفُ بالمُقارَنةِ بينَهما. وقالَه غيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقيلَ: يصِحُّ ولو بَقِىَ قدْرُ تَكْبيرةٍ مِن وقْتِهما أو ركْعَةٍ. قال ابنُ البَنَّا فى «العُقودِ» : وقْتُ النِّيَّةِ، إذا أخَّر مِن زَوالِ الشَّمْسِ أو غرُوبِها، إلى أنْ يَبْقَى مِن وقْتِ الأُولَى قَدْرُ ما ينْوِيها فيه؛ لأنَّه به يكونُ مُدْرِكًا لها أداءً.

قوله: واسْتِمْرارُ العُذْرِ إلى دُخولِ وقْتِ الثَّانيةِ منهما. لا أعلمُ فيه خِلافًا.

قوله: ولا يُشْتَرَطُ غيرُ ذلك. مُرادُه، غيرُ التَّرتيبِ، فإنَّه يُشْترَطُ بينَهما

ص: 110

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجعَلَه فى «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «نَهايَةِ أبِى المَعالِى» ، أصْلًا لمَن قال بعدَم سقُوطِ التَّرْتيبِ بالنِّسْيانِ فى قَضاءِ الفَوائتِ. قال فى «النُّكَتِ»: فدَلَّ على أنَّ المذهبَ لا يسْقُطُ بالنِّسْيانِ. وقيل: يسْقُطُ التَّرْتِيبُ بالنِّسْيانِ؛ لأنَّ إحْداهما هنا تبعٌ لاسْتِقرارِهما، كالفَوائتِ. وقدَّمه ابنُ تَميم، و «الفائقِ» . قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وقَبِعَه الزَّرْكَشِىُّ: التَّرتيبُ مُعْتبرٌ هنا، لكن بشَرْطِ الذِّكْرِ، كتَرْتيبِ الفَوائتِ. ووَجَّه فى «الفُروعِ» منها تخْريجًا بالسُّقوطِ مُطلقًا. وقيل: ويسْقُطُ التَّرْتيبُ أَيضًا بضِيقِ وقْتِ الثَّانيةِ، كفائتَةٍ مع مُؤدَّاةٍ، وإنْ كان الوقْتُ لها أداءً. قالَه القاضى فى «المُجَرَّدِ» .

تنبيه: أخرَج بقوْلِه: ولا يُشْتَرَطُ غيرُ ذلك. المُوالاةَ، فلا تُشْتَرَطُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: تُشْتَرَطُ، فيأْثَمُ بالتَّأْخيرِ عَمْدًا، وتكونُ الأُولَى قَضاءً، ولا يَقْصُرُها المُسافِرُ. وقدَّم أبو المَعالى، أنَّه لا يَأْثَمُ به، وأمَّا الصَّلاةُ، فصَحيحَةٌ بكُلِّ حالٍ، كما لو صلَّى الأُولَى فى وقْتِها مع نِيَّةِ الجَمْعِ، ثم ترَكَه. فعلى المذهبِ، لا بأْسَ بالتَّطوعِ بينَهما. نصَّ عليه. وعنه، منْعُه.

ص: 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لا يُشترَطُ اتِّحادُ الإِمامِ ولا المأْمومِ فى صِحَّةِ الجَمْع. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. فلو صلَّى الأُولَى وحدَه، ثم صلَّى الثانيةَ إمامًا أو مأْمومًا، أو تعدَّد الإِمامُ بأن صلَّى بهم الأُولَى، وصلَّى الثَّانيةَ إمامٌ آخَرُ، أو تعدَّدَ

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المأْمومُ فى الجَمْعِ؛ بأن صلَّى معه مأْمُومٌ فى الأُولَى، وصلَّى فى الأُخْرى مأْمومٌ آخَرُ، أو نوَى الجَمْعَ المعْذُورُ مِنَ الإِمامِ والمأْمومِ، كمَن نوَى الجَمْعَ خلفَ مَن لا يجْمَعُ أو بمَن لا يجْمَعُ، صحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الفُروعِ»: صحَّ فى الأشْهَرِ. قال الإِمامُ أحمدُ: إذا صلَّى إحْدى صَلَاتى الجَمْع فى بَيْتِه، والأُخْرى مع الإِمامِ، فلا بأْسَ. وصحَّحه ابنُ تميم. وقدَّمَهُ فى «الرِّعايَةِ» فى عدَمِ اتِّخاذِ الإِمامِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يُعْتبَرُ اتِّخاذُ المأْمومِ. قال فى «الرِّعايَةِ» : يُعْتبَرُ فى الأصَحِّ. وقيل: يُعْتبرُ اتخاذُ الإِمامِ والمأمومِ أَيضًا. ذكَره فى «الرِّعايَةِ» .

ص: 113