المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل فى قصر الصلاة: - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٥

[المرداوي]

الفصل: ‌فصل فى قصر الصلاة:

‌فَصْلٌ فِى قَصْر الصَّلَاةِ:

ــ

فعلى رِوايَةِ عدَمِ الصِّحَّةِ فى السَّفينَةِ، يلْزَمُه الخُروجُ منها للصَّلاةِ. زادَ ابنُ حَمْدانَ وغيرُه، إلَّا أنْ يشُقَّ على أصحابِه. نصَّ عليه. السَّادسةُ، لا يُشْترَطُ كونُ ما يُحاذِى الصَّدْرَ مَقَرًّا، فلو حاذَاه رَوْزَنَةٌ (1) ونحوُها، صحَّتْ، بخِلافِ ما تحتَ الأعْضاءِ، فلو وضَع جَبْهَتَه على قُطْنٍ مُنْتفِشٍ، لم تصِحَّ.

(1) الروزنة: الكوّة.

ص: 26

وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا، يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً إلَى رَكْعَتَيْنِ،

ــ

تنبيه: اشْتَمَل قوْلُ المُصَنِّفِ فى قَصْرِ الصَّلاةِ: ومَن سافَر سفرًا مُباحًا. على منْطوقٍ ومفْهوم؛ والمفْهومُ ينْقسِمُ إلى قِسْمَيْن؛ مفْهومُ مُوافَقَةٍ، ومفْهومُ مُخالفَةٍ. فالمَنْطوقُ، جوازُ القَصْرِ فى السَّفَرِ المُباحِ مُطْلَقًا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ مُباحًا، غيرَ نزهَةٍ ولا فُرْجَةٍ. اخْتارَه أبو المَعالِى؛ لأنَّه لَهْوٌ بلا مصْلحَةٍ ولا حاجَةٍ. وأطْلَقَهما فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «المُذْهَبِ» . ونقَل محمدُ بنُ العَبَّاسِ (1)، يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ سفَرَ طاعَةٍ. وهو ظاهِرُ كلامٍ ابنِ حامِدٍ. وقال فى «المُبْهِجِ»: إذا سافَر للتِّجارَةِ مُكاثِرًا فى الدُّنْيا، فهو سفرُ مَعْصِيَةٍ. قال فى «الرِّعايَةِ» ،

(1) محمد بن العباس بن الفضل المؤدب الطويل، أبو عبد اللَّه. نقل عن الإمام أحمد مسائل. توفى سنة تسعين ومائتين. تاريخ بغداد 3/ 115، طبقات الحنابلة 1/ 315.

ص: 28

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «حَواشِى ابنِ مُفْلِحٍ» : وفيه نظَرٌ. فعلى المذهبِ؛ إنْ كان أكثرُ قصْدِه فى سفَرة مُباحًا، جازَ القَصْرُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به المَجْدُ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، وغيرهما. قال في «الفُروعِ»: هو الأصحُّ. وقيل: لا يجوزُ. ولو تَساوَيا فى قصْدِه، أو غلَب الحَظْرُ، لم يقْصُرْ قولًا واحدًا.

ص: 29

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، لو نقَل سَفَرَه المُباحَ إلى مُحَرَّمٍ، امْتَنَعَ القَصْرُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدمه فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. واخْتاره المَجْدُ، وغيرُه. وصحَّحه فى «مَجْمَع البَحْريْن» ، و «النَّظْمِ» (1) وغيرِهما. قال القاضى، فى «التَّعْلِيقِ»: هو ظاهرُ كلامِ أحمدَ. وقيل: له القَصْرُ. وأطْلَقَهما الزَّرْكَشِىُّ. ولو نقَل سفَرَه المُحَرمَ إلى مُباحٍ، كما لو تابَ، وقد بَقِىَ مَسافَةُ قَصْرٍ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 30

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فلَه القَصْرُ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأكثرُ. وقيل: لا يقْصُرُ. وقيل: يقْصُرُ ولو بَقِىَ أقلُّ مِن مَسافَةِ القَصْرِ. وقطَع به ابنُ الجَوْزِىِّ فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» . الثَّانيةُ، يجوزُ التَّرخصُ للزَّانِى إذا غُرِّبَ، ولقاطعِ الطَّريقِ إذا شُرِّدَ، ونحوِهما. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال ابنُ تَميمٍ: جازَ فى أصَحِّ الوَجْهَيْن. وقدَّمه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» ، و «حَواشِى ابنِ مُفْلِحٍ» ، و «الفُروعِ». وكلامُه فيه بعضُ تعْقيدٍ. وقيل: لا يجوزُ لهم التَّرخُّصُ. وأطْلَقَهما فى «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . الثَّالثةُ، يجوزُ القَصْرُ والتَّرخُّصُ للمُسافرِ مُكْرَهًا. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ؛ كالأسِيرِ. وعنه، لا يقْصُرُ المُكْرَهُ. وقال الخَلَّالُ: إنْ أُكْرِهَ على سفَرٍ فى دارِ الإسْلامِ، قصَر، وفى دارِ الحَرْبِ لا يقْصُرُ، ومتى صارَ الأسيرُ فى بَلَدِ الكُفَّارِ، أتَمَّ. نصَّ عليه. وفيه وَجْهٌ، يقْصُرُ. الرَّابعةُ، تقْصُرُ الزَّوْجةُ والعَبْدُ تبَعًا للزَّوْج والسَّيِّدِ، فى نِيَّتِه

ص: 31

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسفَرِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قلتُ: فيُعايَى بها وفيها وَجْهٌ فى «النَّوادِرِ» ، لا قَصْرَ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، لكنْ قال: الأوَّلُ أقْيَسُ وأشْهَرُ. وذكَر أبو المَعالِى، تُعْتبرُ نِيَّةُ مَن لها أنْ تَمْتنِعَ. قال: والجيْشُ مع الأميرِ، والجُنْدِىُّ مع أميرِه، إنْ كان رِزْقُهم مِن مالِ أنْفُسِهم، ففى أيِّهما تُعْتبرُ نِيَّتُه؟ فيه وَجْهان. وإنْ لم يكُنْ رِزْقُهم فى مالِهم، كالأجيرِ والعَبْدِ لشَرِيكَيْن، تُرجَّحُ نِيَّةُ إقامَةِ أحَدِهما. الخامسةُ، يقْصُرُ مَن حُبِسَ ظُلْمًا، أو حبَسه مرَضٌ، أو مطَر ونحوُه. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ، بخِلافِ الأسيرِ. قال فى «الفُروعِ»: ويَحْتَمِلُ أنْ يبْطُلَ حُكْمُ سفرِه؛ لوُجودِ صُورةِ: الإِقامَةِ. قال أبو المَعالى: كقَصْرِه لوُجودِ صُورةِ

ص: 32

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السَّفَرِ فى التى قبلَها. وأمَّا المفْهومُ؛ فمفْهومُ المُوافقَةِ؛ وهو ما إذا كان سفَرُه مُسْتَحَبًّا أو واجِبًا، كسفَرِ الحَجِّ، والجِهادِ، والهِجْرَةِ، وزِيارَةِ الإخْوانِ، وعِيادَةِ المرْضَى، وزِيارَةِ أحَدِ المَسْجِدَيْن، والوالِدَيْن ونحوِه، فيجوزُ القَصْرُ فيه، بلا نِزاعٍ. ومفْهومُ المُخالفَةِ، يشْمَلُ قِسْمَيْن؛ القِسْمُ الأوَّلُ، سفَرُ المَعْصِيَة، فلا يجوزُ القَصْرُ فيه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جاهيرُ الأصحابِ، وقطَع

ص: 33

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

له كثيرٌ منهم. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِى الدِّينِ جوازَ القَصْرِ فيه. ورَجَّحه ابنُ عَقِيلٍ فى بعض المَواضعِ. وقالَه بعضُ المُتَأخِّرين. فعلى المذهبِ؛ لا يجوزُ له القَصْرُ، ولا أكْلُ المَيْتَةِ، إذا اضْطُرُّ إليه. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهب، ونصَّ عليه. قال فى «التَّلْخيصِ»: وعليه الأصحاب. وقيلَ: يجوزُ له أكْلُ المَيْتَةِ، ولا يُمْنَعُ منه.

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اخْتارَه فى «التَّلْخيص» . وحَكاه فى «الفُروعِ» رِوايةً. وقال: هى أظْهَرُ. فعلى المذهبِ؛ إنْ خاف على نفْسِه، قيل له: تُبْ وكُلْ. ويأْتِى فى أوَّلِ الحَجْرِ، إذا سافَر وعليه دَيْنٌ يحِلُّ فى سفَرِه، أو هو حالٌّ، هل له التَّرخُّصُ أم لا؟

فائدة: قال فى «الرِّعَايَةِ الكُبْرى» : لا يتَرخَّصُ مَن قصَد مَشْهدًا، أو مَسْجِدًا غيرَ المَساجدِ الثَّلَاثةِ، أو قصَد قَبْرًا غيرَ قَبْرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. قلتُ: أو نَبِىٍّ غيرِه. وجزَم بهذا فى «الرِّعَايَةِ الصُّغْرى» . قال فى «التَّلْخيصِ» : قاصِدُ المَشَاهِدِ وزِيارَتها لا يتَرَخَّصُ. انتهى. [وجزَم به فى «النَّظْمِ»](1). والصَّحيحُ مِنَ

(1) زيادة من: ش.

ص: 35

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، جوازُ التَّرَخُّص. قالَه فى «المُغْنِى» وغيرِه. القِسْمُ الثَّانِى، السَّفَرُ المَكْروهُ، فلا يجوزُ القَصْرُ فيه. صرَّح به ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه». وقالَه ابنُ عَقِيل فى السَّفَرِ إلى المَشَاهِدِ. قال فى «الفُروعِ»: وهو ظاهرُ كلامِ الأصحابِ. قلتُ: قال فى «الهِدايَةِ» : إذا سافَر سَفَرًا فى غيرِ مَعْصِيةٍ، فلَه أنْ يقْصُرَ. وكذا فى «الخُلاصَةِ» . فظاهِرُهما، جَوازُ المسْحِ فى السَّفَرِ المَكْروهِ. قال فى «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ»: ويُسَنُّ لمُسافرٍ لغيرِ معْصِيَةٍ. انتهى. ومَن يُجيزُ القَصْرَ فى سفَرِ المَعْصِيَةِ، فهنا بطَريقٍ أوْلَى.

قوله: يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فرْسَخًا. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه يُشْترطُ فى جَوازِ القَصْر،

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنْ تكونَ مَسافَةُ السَّفَرِ سِتَّةَ عَشَرَ فرْسَخًا، برًّا أو بَحْرًا. وعليه جاهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وعنه، يُشْترَطُ أنْ يكونَ عِشْرين فرْسَخًا. حَكاها ابنُ أبِى مُوسى فمَن بعدَه. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ جوازَ القَصْرِ فى مَسَافَةِ فرْسَخٍ. وقال أيضًا: إنْ حُدَّ، فتَحْديدُه ببَرِيدٍ أجْوَدُ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ أيضًا: لا حُجَّةَ للتَّحْديدِ، بلِ الحُجَّةُ مع مَن أباحَ القَصْرَ لكُلِّ مُسافرٍ، إلَّا أنْ ينْعَقِدَ الإجْماعُ على خِلافِه.

فوائد؛ إحْداها، الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّ مِقْدارَ المَسافةِ، تقْريبٌ لا تحْديدٌ. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِهم تقْريبًا. وهو أوْلَى. قلتُ: هذا

ص: 37

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ممَّا لا يُشَكُّ فيه. وقال أبو المَعالِى: المَسافَةُ تحْديدٌ. قال ابنُ رَجَبٍ، فى «شَرْحِ البُخَارِىِّ»: الأمْيَالُ تحْديدٌ. نصَّ عليه الإمامُ أحمدُ. الثَّانيةُ، السِّتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا يوْمان قاصِدَان. وذلك أرْبَعَةُ بُرُدٍ. والبَرِيدُ أربَعَةُ فَراسِخَ. والفَرْسَخُ ثَلَاَثةُ

ص: 38

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أمْيالٍ هاشِمِيَّةٍ، وبأَمْيالِ بَنِى أُمَيَّةَ مِيلَان ونِصْفٌ، والمِيلُ اثنا عشَرَ ألْفَ قَدَمٍ. قالَه القاضى وغيرُه. وقطَع به فى «الفُروعِ» ، وغيرِه. وذلك ستَّةُ آلافِ ذِراعٍ. والذِّراعُ أَرْبَعَةٌ وعِشْرون إصْبَعًا مُعْتَرِضَة مُعْتدِلةً. قطع به فى «الفُروعِ» وغيره. وقال أبو الفَرَجِ ابنُ أبى الفَهْمِ: المِيلُ أرْبعَةُ آلافِ ذِراعٍ بالواسِطِىِّ. انتهى. وقيل: هو ألْفُ خُطوَةٍ بخُطَى الجَمَلِ. وقدَّم فى «الرِّعايَةِ» ، أنَّه ألْفا خُطْوَةٍ، ثم قال: قلتُ: يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ الخِلافُ باخْتِلافِ خُطْوَتَيْه. ثم قال: وقيلَ: المِيلُ ألْفُ باعٍ؛ كلُّ باعٍ أرْبَعَةُ أذْرُعٍ فقط، كلُّ ذِراع أربعَة وعِشْرُون إصْبعًا، كلُّ إصْبَعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ، بطُونُ بعضِها إلى بُطونِ بعضٍ، عرْضُ كلِّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَراتِ بِرْذَوْنٍ. انتهى. وقال الحافِظُ العَلَّامَةُ ابنُ حَجَرٍ، فى «فَتْحِ البَارِى، شَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِىِّ» (1): وقيل: المِيلُ ثَلَاثةُ آلافِ ذِراعٍ. نقَلَه صاحِبُ

(1) 2/ 567.

ص: 39

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«البَيانِ» . وقيل: ثَلَاثَةُ آلافٍ وخَمْسُمِائَةٍ. وصحَّحه ابنُ عَبْدِ البَرِّ، ثم قال: الذِّراعُ الذى ذكَر، قد حُرِّرَ بذِراعِ الحديدِ، المُسْتَعْملِ الآنَ فى مِصْرَ والحِجَازِ فى هذه الأعْصارِ، ينْقُصُ عن ذِراعِ الحديدِ بقَدْرِ الثُّمُنِ. فعلى هذا، فالمِيلُ بذِراعِ الحديدِ على القوْلِ المَشْهورِ، خَمْسَةُ آلافِ ذِراعٍ ومائَتان وخَمْسون ذِراعًا. قال: وهذه فائدةٌ نَفِيسَةٌ قلَّ مَن تَنَبَّهَ إليها (1). انتهى. الثَّالثةُ، قال الجَوهَرِى (2). المِيلُ مِنَ الأرْض، مُنْتَهَى مَدِّ البصَرِ. وقيل: حدُّه أنْ ينْظُرَ إلى الشَّخْص فى أرْضٍ مُسَطحةٍ، فلا يَدْرِى؛ أهو رجُلٌ أوِ امْرأةٌ، أهو ذاهِبٌ أم هو آتٍ؟ الرَّابعةُ، المُعْتَبَرُ نِيَّةُ المَسافَةِ لا حقيقَتُها، فلو رجَع قبلَ اسْتِكْمالِها، فلا إعادةَ عليه. على

(1) فى الفتح: «قل من نبه عليها» .

(2)

انظر: صحاح اللغة 5/ 1823.

ص: 40

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، يُعيدُ مَن لم يبْلُغِ المَسافةَ. حَكاها القاضى، فى «شَرْحِه» ، قال: وهى أصحُّ. وهى مِنَ المُفْرَداتِ. ولو شكَّ فى قَدْرِ المَسافَةِ، لم يقْصُرْ، فلو خرَج لطَلبِ آبِقٍ ونحِوِه، على أنَّه متى وجَدَه رجَعِ، لم يقْصر ولو بلَغ

ص: 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَسافَةَ القَصْرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. واخْتارَ ابنُ أبِى مُوسى، وابنُ عَقيلٍ، القَصْرَ ببُلوغِ المَسافَةِ، وإنْ لم يَنْوِها. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، كنِيَّةِ بلَدٍ بعَيْنِه يجْهَلُ مَسافَتَه ثم عَلِمَها، فإنَّه يقْصُرُ بعدَ علْمِه، كجاهلٍ بجَوازِ القَصْرِ ابْتداءً. ويأتى إذا سافرَ غيرُ مُكَلَّفٍ سفَرًا طويلًا، ثم كُلِّفَ فى أثْنائِه، بعدَ قوله: وإذا أقامَ لقَضاءِ حاجَتِه. الخامسةُ، لا يقْصُرُ سائحٌ ولا هائمٌ لا يقْصِدُ مَكانًا مُعَيَّنًا. جزَم به فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى». قال فى «الكُبْرى»: لا يتَرخَّصُ فى الأصحِّ. وقال: كذا لا يتَرخَّصُ تائهٌ.

ص: 42

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنييه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ أهلَ مكَّةَ، ومَن حولَهم، كغيرِهم إذا ذَهَبُوا الى عرَفَةَ ومُزْدَلِفَةَ ومِنًى، وهو صحيحٌ. فلا يجوزُ لهمُ القَصْرُ ولا الجمْعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقال: اخْتارَه الأكثرُ. وقدَّمه فى «الفائقِ» ، وقال: لا يجْمَعُون ولا يَقْصُرون عندَ جُمْهورِ أصحابِنا. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ فى «العِباداتِ الخَمْسِ» ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، جوازَ القَصْرِ والجَمْعِ

ص: 43

إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ، أَوْ خيَامَ قَوْمِهِ.

ــ

لهم. فيُعايَى بها. واخْتارَ المُصَنِّفُ، جوازَ الجمْعِ فقط. قال فى «الفُروعِ»: وهو الأشْهَرُ عن أحمدَ. فيُعايَى بها.

تنبيهات؛ أحدُها، ظاهرُ قولِه: إذا فارقَ بُيوتَ قَريته. أنه لابدَّ أنْ يُفارِقَ البُيوتَ العامِرةَ، والخَرِبَةَ. وهو وَجْهٌ اخْتارَه القاضى. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ،

ص: 44

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ أنَّه لا يُشْتَرَطُ أنْ يُفارِقَ البُيوتَ الخَرِبَةَ، بل له القَصْرُ إذا فارَقَ البُيوتَ العامِرةَ، سواءٌ ولِيَها بُيوتٌ خَرِبَة، أو البَرِيَّةُ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ هنا. أمَّا إنْ وَلِىَ البُيوتَ الخَرِبَةَ بُيوتٌ عامِرَةٌ، فلا بُدَّ مِن مُفارقَةِ البُيوتِ الخَرِبَةِ، والعامِرَةِ التى تَلِيها. قال أبو المَعالِى: وكذا لو جُعِلَ الخَرابُ مَزارعَ وبَساتينَ، يسْكُنُه أهْلُه، ولو فى فصْلِ النُّزْهَةِ. الثَّانِى، مفْهومُ كلامِه، أنَّه لا يقْصُرُ إلَّا إذا فارَقَ البُيوتَ، سواءٌ كانت داْخِلَ السُّورِ أو خارِجَه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقيل: له القَصْرُ إذا فارقَ سُورَ بلَدِه، ولو لم يُفارِقِ البُيوتَ. قدَّمه فى «الفائقِ» . الثَّالثُ، ظاهرُ كلامِه أيضًا، وكثيرٍ مِنَ الأصحابِ، جوازُ القَصْرِ إذا فارقَ بُيوتَ قرْيَتِه، سواءٌ اتَّصلَ به بلَدٌ آخَرُ أو لا.

ص: 45

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واعْتبَرَ أبو المَعالِى انْفِصالَه ولو بذِراعٍ. موْجودٌ فى كلامِ المَجْدِ وغيرِه؛ لا يتَّصِلُ. وقال فى «الرِّعايةِ الكُبْرى» : وإذا تَقارَبَتْ قرْيَتان أو خِلَّتان، فهما كواحدَةٍ، وإنْ تَباعدَتا فلا.

فائدتان؛ إحْداهما، قال أبو المَعالِى: لو بَرَزُوا بمَكانٍ لقَصْدِ الاجْتِماعِ، ثم

ص: 46

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعْدَ اجْتِماعِهم يُنْشِئون السَّفَرَ مِن ذلك المَكانِ، فلا قصْرَ حتى يُفارِقُوه. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِهم يقْصُرون. وهو مُتَّجَهٌ. انتهى. الثَّانيةُ، يُعْتبرُ فى سُكانِ القُصورِ والبَساتِين، مُفارقَةُ ما نُسِبُوا إليه عُرْفًا. واعْتَبَرَ أبو المَعالِى، وأبو الوَفاءِ مُفارقَةَ مَن صعَد جبَلًا، المَكانَ المُحاذِىَ لرُءوس الحِيطانِ، ومُفارقةَ مَن هبَط، لأساسِها؛ لأنَّه لما اعْتُبِرَ مُفارقَةُ البُيوتِ إذا كانت مُحاذِيَةً، اعْتُبِرَ هنا مُفارقَةُ سَمْتِها.

ص: 47

وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الإِتْمَامِ، وَإِنْ أَتَمَّ جَازَ.

ــ

قوله: وهو أفْضَلُ مِنَ الإِتْمامِ. وهذا المذهبُ بلا رَيْبٍ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقيل: الإِتْمامُ أفضَلُ.

قوله: وإنْ أتَمَّ جازَ. يعْنِى، مِن غيرِ كراهَةٍ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وقيل: لا يجوزُ الإِتْمامُ. قال فى «الفائقِ» : وعنه، التَّوَقُّفُ. وعنه، لا يُعْجِبُنِى الإِتْمامُ. وقيل: يُكْرَهُ الإِتْمامُ. اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. قال فى «الفُروعِ» : وهو أظْهَرُ. قلتُ: ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ. قال

ص: 48

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «القاعِدَةِ الثَّالِثَةِ» (1): وعن أبِى بَكْرٍ، أنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الأخيرَتَيْن تَنَفُّلٌ (2)، لا يصِحُّ اقْتِداءُ المُفْترِض به فيهما. وهو مُتَمَشٍّ على أصْلِه؛ وهو عدَمُ اعْتِبارِ نِيَّةِ القَصْرِ. ويأْتِى عندَ اشْتِراطِ النِّيَّةِ، هل الأصْلُ فى صلاةِ المُسافرِ أرْبَعٌ أو رَكْعتان؟

(1) انظر: القواعد، لابن رجب 5.

(2)

فى القواعد: «نفل» .

ص: 49

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: يُوتِرُ فى السَّفَرِ، ويصَلِّى سُنَّةَ الفَجْرِ أيضًا، ويُخَيَّرُ فى غيرِها. هذا

ص: 50

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّين: يُسَنُّ ترْكُ التَّطَوُّعِ بغيرِ الوِتْرِ، وسُنَّةِ الفَجْرِ. قيل للإمامِ أحمدَ: التَّطَوُّعُ فى السَّفَرِ؛ قاْل: أرجُو أنَّه لا بأْسَ به.

ص: 51

فَإِنْ أَحْرَمَ فِى الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، أوْ فِى السَّفَرِ ثُمَّ أَقامَ،

ــ

وأطْلَقَ أبو المَعالِى التَّخْييرَ فى النَّوافِلِ والسُّنَنِ الرَّاتبةِ. قلتُ: هو فِعْلُ كثيرٍ مِنَ السَّلفِ. ونقَل ابنُ هانِئٍ، يتَطوَّعُ أفْضَلُ. وجزَم به فى «الفُصولِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ فى غيرِ الرَّواتبِ. ونقَله بعضُهم إجْماعًا. قال فى «الفائقِ»: لا بَأْسَ بتَنفُّلِ المُسافرِ. نصَّ عليه.

قوله: فإنْ أحْرَمَ فى الحَضَرِ ثم سافَرْ، أو فى السَّفَر ثم أقامَ، لَزِمَه أنْ يُتِمَّ. هذا المذهبُ بلا رَيْبٍ فيهما. قال فى «الفُروعِ»: ومَن أوْقَعَ بعضَ صلاِته مُقِيمًا، كراكبِ سفِينةٍ، أتَمَّ. وجعَلها القاضى وغيرُه، أصْلًا لمَن ذكَر صلاةَ سفَرٍ فى

ص: 52

أوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِى سَفَرٍ، أوْ صَلَاةَ سَفَرٍ فِى حَضَرٍ، أوِ ائْتَمَّ بِمقِيمٍ، أوْ بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ، أوْ أحْرَمَ بصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُهَا، فَفَسَدَتْ وَأعَادَهَا، أوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ، لَزِمَهُ أنْ يُتمَّ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لَا يَحْتَاجُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ إِلَى نِيَّةٍ.

ــ

حضَرٍ. وقيل: إن نوَى القَصْرَ، مع علْمِه بإقامَته فى أثْنائِها، صحَّ. فعلى المذهبِ، لو كان مسَح فوقَ يومٍ وليْلَةٍ، بَطَلَتْ فى الأشْهَرِ؛ لبُطْلانِ الطَّهارةِ ببُطْلانِ المسْحِ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو دخَل وقْتُ الصَّلاةِ على مُقيمٍ ثم سافرَ، أَتَمَّها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال فى «الحَواشِى»: هو قولُ أصحابِنا، وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، يقصُرُ. اخْتارَه فى «الفائِق» . وحَكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا، كقَضاءِ المريضِ ما ترَكَه فى الصِّحَّةِ ناقِصًا، وكوُجوبِ الجُمُعَةِ على العَبْدِ الذى عتَق بعدَ الزَّوالِ، وكالمَسْحِ على الخُفَّيْن. وقيل: إنْ ضاقَ

ص: 53

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الوقتُ، لم يقْصُرْ. وعنه، إنْ فَعَلَها فى وَقْتِها، قصَر. اخْتارَها ابنُ أبِى مُوسى. الثَّانيةُ، لو قصَر الصَّلاتَيْن فى السَّفَر فى وَقْتِ أُولاهُما، ثم قَدِمَ قبلَ دُخولِ وَقْتِ الثَّانيةِ، أجْزأه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يجْزِئُه. ومِثْلُه لو جمَع بينَ الصَّلَاتيْن فى وَقْتِ أُولاهُما بتَيَمُّمٍ، ثم دخَل وقتُ الثَّانيةِ وهو واجِدٌ للماءِ.

قوله: وإذا ذكَر صلاةَ حَضَرٍ فى سَفَرٍ، أو صَلاةَ سَفَرٍ فى حَضَرٍ، لَزِمَه أنْ يُتِمَّ.

ص: 54

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا المذهبُ فيهما. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع كثيرٌ منهم. وقيل: يقْصُرُ فيما إذا ذكَر صلاةَ سفَرٍ فى حضَرٍ. وحُكِىَ وَجْهٌ، يقْصُرُ أيضًا فى عكْسِها، اعْتِبارًا بحالَةِ أدائها، كصَلاةِ صِحَّةٍ فى مرَضٍ. وهو خِلافُ ما حَكاه الإمامُ أحمدُ، وابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا.

قوله: أوِ ائْتَمَّ بمُقيمٍ، أو بمَن يشُكُّ فيه، لَزِمَه أنْ يُتمَّ. وهذا المذهبُ، وعليه

ص: 55

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ. وعنه، لا يَلْزَمُه الإِتْمامُ إلَّا إذا أدْرَكَ معه ركْعةً فأكثرَ. اخْتارَها فى «الفائقِ» . فعلَيْها يقْصُرُ مَن أدرَك التَّشَهُّدَ فى الجُمُعَةِ. وعلى المذهبِ، يُتِمُّ. نصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ تخْرِيجٌ مِن صلاةِ الخوْفِ، يَقْصُرُ مُطْلَقًا. كما خرَّج بعضُهم إيقاعَها مرَّتَين، على صِحَّةِ اقْتِداءِ مُفْتَرِضٍ بمُتَنَفِّلٍ.

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو نوَى المُسافِرُ القَصْرَ، حيثُ يَحْرُمُ عليه، عالِمًا به، كمَن نَوَى القَصْرَ خلفَ مُقِيمٍ عالِمًا. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ صلَاته لا تنْعَقِدُ، لنِيَّته ترْكَ المُتابعَةِ ابْتِداءً، كنِيَّةِ مُقيم القَصْرَ ونِيَّةِ مُسافرٍ، وعقْدِ الظُّهْرِ خلفَ إمامِ جُمُعَةٍ. نصَّ عليه. وقيل: تنْعَقِدُ؛ لأنَّه لا يُعْتَبَرُ للإِتمامِ تعْيِينُه بنِيَّةٍ، فيُتم تبَعًا، كما لو كان غيرَ عالمٍ، وإنْ صحَّ القَصْرُ بلا نِيةٍ، قصَر. قال فى «الرِّعايَةِ» ، وتابعَه فى «الفُروعِ» وغيرِه: وتتَخَرَّج الصِّحَّةُ فى العَبْدِ إن لم تجِبْ عليه الجُمُعَةُ. وإنْ صلَّى المُسافِرُ خلفَ مَن يصَلِّى الجُمُعَةَ، ونوَى القَصْرَ، لَزِمَه الإِتْمامُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال أبو المَعالِى: يتَّجِهُ أنْ تُجْزِئَه إنْ قُلْنا: الجُمُعَةُ ظُهْرٌ مقْصورةٌ. قال أبو المَعالِى وغيرُه: وإنِ أئتمَّ مَن يَقْصُرُ الظُّهْرَ بمُسافرٍ أو مُقِيمٍ يصَلِّى الصُّبْحَ، أتَمَّ.

فائدة: لوِ اسْتخْلَف الإِمامُ المُسافِرُ مُقِيمًا، لَزِمَ المأْمُومين الإِتْمامُ، لأنَّهم باقْتِدائِهم الْتزَموا حُكْمَ تحْريمَتِه. ولأنَّ قُدومَ السَّفينَةِ بَلَدَه، يُوجِبُ الإِتْمامَ وإنْ لم يَلْتَزِمْه. وتقدَّم إذا اسْتَخْلَفَ مُسافِرٌ مُقِيمًا فى الخوْفِ، وإذا اسْتَخْلَفَ مُقِيمٌ مُسافِرًا لم يكُنْ معه، قصَر.

ص: 57

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: أو أحْرَم بصَلاةٍ يلزمُه إتمامُها ففسَدتْ وأعادَها، لَزِمَه أنْ يُتِمَّ. إذا أحْرَمَ بصلاةٍ يلْزَمُه إتْمامُها ففَسدتْ، إنْ كان فَسادُها عن غيرِ حدَثِ الإِمامِ، لزِمَه إتْمامُها، قولًا واحدًا. وإنْ كان فَسادُها لكونِ الإِمامِ بانَ مُحْدِثًا بعدَ السَّلامِ،

ص: 58

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لزِمه الإِتْمامُ أيضًا. وإنْ بانَ مُحْدِثًا قبلَ السَّلامِ، ففى لُزومِ الإِتْمامِ وَجْهان. وأطْلَقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميم» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، في مَوْضِعٍ آخَرَ: فلَه القَصْرُ فى الأصحِّ. قال أبو المَعالِى: إنْ بانَ مُحْدِثًا مُقِيمًا معًا، قصَر. وكذا إنْ بانَ حدَثُه أوَّلًا، لا عكْسُه.

فائدتان؛ إحْداهما، لو صلَّى مُسافِرٌ خائف بالطَّائفَةِ الأُولَى رَكْعةً، ثم أحْدَث واستخْلَفَ مُقِيمًا، لَزِمَ الطَّائِفَةَ الثَّانيةَ الإِتْمامُ؛ لائْتِمامِهم بمُقيمٍ. وأمَّا الطَّائفةُ

ص: 59

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأُولَى؛ فإنْ نوَوْا مُفارقَةَ الأولِ قصَرُوا، وإنْ لم يَنْووا مُفارقَتَه أتَمُّوا، لائتمامِهم بمُقيمٍ. قالَه في «مَجْمعِ البَحْرَيْن» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما. الثَّانيةُ، لوِ

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أئْتَمَّ مَن له القَصْرُ، جاهِلًا حدَثَ نفْسِه، بمُقيم، ثم عَلِمَ حدَثَ نفْسِه، فله القَصْرُ؛ لأنَّه باطِلٌ لا حُكْمَ له.

ص: 61

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: أو لم يَنْوِ القَصْرَ. يعنى، عند الإِحرامِ. لَزِمَه أنْ يُتِمَّ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُشْترَطُ فى جَوازِ القَصْرِ، أنْ يَنْوِيَه عندَ الإِحْرامِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقال أبو بَكْرٍ: لا يَحْتاجُ القَصْرُ والجمْعُ إلى نِيةٍ. واخْتارَه الشيْخُ تَقِىُّ الدِّينَ. واخْتارَه جماعةٌ مِنَ الأصحابِ فى القَصْرِ. قال ابن رَزِين فى «شَرْحِه» : والنُّصوصُ صريحةٌ فى أنَّ القَصْرَ أصْلٌ، فلا حاجَةَ إلى نِيَّتِه. قال فى «الفُروعِ»: والأشْهَرُ ولو نوَى الإِتْمامَ ابْتِداءً؛ لأنَّه رُخْصَة، فيتَخَيَّرُ مُطْلَقًا كالصَّوْمِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: قلتُ: قد يَنبنِى على ذلك فِعْلُ الأصلِ فى صلاةِ المُسافرِ الأرْبَعَ. وجوَّزَ له ترْكَ رَكْعتَيْن، فإذا لم يَنْوِ القَصْرَ، لَزِمَه الأَصْلُ، ووقَعتِ الأرْبَعُ فرْضًا أو أنَّ الأَصْلَ فى حقِّه رَكْعَتان. وجوز له أنْ يزيدَ رَكْعتَيْن تطَوُّعًا. فإذا لم يَنْوِ

ص: 62

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القَصْرَ، فله فِعْلُ الأصْلِ، وهو رَكْعَتان، فيه رِوايَتان؛ المشْهُور منهما، الأَوَّلُ. والثَّانِى، أظنُّه اخْتِيارَ أبِى بَكْرٍ. ويَنْبَنِى على ذلك إذا ائْتَمَّ به مُقيمٌ؛ هل يصِحُّ بلا خِلافٍ، أو هو كالمُفْتَرِضِ خلفَ المُتَنفِّلِ؟ ويُشْتَرَطُ أيضًا، أنْ يعْلمَ أن إِمامَه إذَنْ مُسافِرٌ، ولو بأمارَةٍ وعلامَةٍ كهَيْئَةِ لِباسٍ؛ لأنَّ إِمامَه نوَى القَصْرَ عمَلًا بالظنِّ؛ لأنَّه يتَعذَّرُ العِلْمُ. ولو قال: إنْ قصَر قصَرْتُ، وإنْ أَتَمَّ أتمَمْتُ، لم يَضُرَّ. ثم فى قَصْرِه إنْ سبَق إِمامَه الحدَثُ قبلَ عِلْمِه بحالِه وَجْهان؛ لتَعَارُض الأَصْلِ والظَّاهرِ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و [«مُخْتَصَرِ ابنِ تَميم»] (1). قال فى «الرِّعايَةِ»: وله القَصْرُ فى الأصحِّ. [وقدَّمه فى «المُغْنِى»، و «الشَّرْحِ»](1).

فوائد؛ منها ، لو شَكَّ فى الصَّلاةِ؛ هل نوَى القَصْرَ أم لا؟ لَزِمَه الإِتْمَامُ. وإنْ ذكَر فيما بعدُ أنَّه كان نَوَى، لوُجودِ ما يُوجِبُ الإِتْمامَ فى بعضِها، فكذا فى جَميعِها. قالَه الأصحابُ. وقال المَجْدُ: يَنْبَغِى عندِى أنْ يُقالَ فيه مِنَ التَّفْصيلِ ما

(1) زيادة من: ش.

ص: 63

وَمَنْ لَهُ طَرِيقَانِ؛ بَعِيدٌ وَقَريبٌ، فَسَلكَ الْبَعِيدَ، أَوْ ذَكَرَ صَلاةَ سَفَرٍ فِى آخَرَ، فَلَهُ الْقَصْرُ.

ــ

يُقال فى مَن شكَّ هل أحْرَم بفَرْضٍ أو نَفْلٍ؟ ومنها، لو ذكَر مَن قامَ إلى ثالِثَةٍ سَهْوًا، قطَع. فلو نوَى الإتْمامَ، أَتَمَّ وأتَى له برَكْعتَيْن سِوَى ما سَها به، فإنَّه يَلْغُو. ولو كان مَن سَها إمامًا بمُسافرٍ، تابَعَه، إلَّا أنْ يعْلَمَ سَهْوَه، فتَبْطُل صلاتُه بمُتابعَتِه. ويتَخَرَّجُ، لا تبْطُلُ. ومنها، لو نوَى القَصْرَ فأتمَّ سَهْوًا، ففَرْضُه الرَّكْعتان، والزِّيادَةُ سَهْوٌ يسْجُدُ لها، على الصحيح مِنَ المذهبِ. وقيل: لا. قلتُ: فيُعايَى بها. ومنها، لو نوَى القصْرَ، ثم رفَضَه ونوَى الإِتْمامَ، جازَ. قال ابنُ عَقَيلٍ: وتكونُ الأُولَيان فْرضًا، وإنْ فعَل ذلك عمْدًا مع بَقاءٍ نيَّةِ القَصْرِ، بَطَلَتْ صلاتُه فى أحَدِ الوَجْهَيْن. وأطْلَقَهما فى «مُخْتَصرِ ابنِ تميم» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى». قلتُ: الصَّوابُ الجوازُ، وفِعْله دلِيلُ بُطلانِ نيَّةِ القَصْدِ.

قوله: ومَن له طريقان؛ طريقٌ بَعيدٌ وطريقٌ قَريبٌ، فسلَك البَعيدَ، فله

ص: 64

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القَصْرُ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطع به كثيرٌ منهم. وقيل: لا يقْصُرُ إلَّا لغرَضٍ. لا فى سلُوكِه سِوَى القَصْرِ. وخرَّجَه ابنُ عَقِيل وغيرُه على سفَرِ النُّزْهَةِ. ورَدَّه فى «الفُروعِ» . قال فى «الرِّعَايَةِ» : وقيل: لا يقْصُرُ، إنْ سلَكَه ليقْصُرَ فقط. ثم قال: وقلتُ: ومثْلُه بقِيَّةُ رُخَصِ السَّفَرِ.

قوله: أو ذكَر صَلاةَ سفَير فى آخَرَ، فله القَصْرُ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وصحَّحَه الزَّرْكَشِىُّ، وغيرُه. ونَصَرَه المَجْدُ وغيرُه. وقيل: يلْزَمُه الإتمامُ. وهو احْتِمالٌ فى «المُغْنِى» وغيرِه. وصحَّحَه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «نَظْمِ نِهاية ابنِ رَزِين» . وأطْلَقَهما «ابنِ تَميمٍ» ، و «المُحَررِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» .

فائدة: قال فى «الفُروعِ» : لو ذكًرها فى إقامَةٍ مُتَخَلِّلَةِ، أتَمَّ. وقيل: يقْصُرُ؛ لأنَّه لم يُوجَدِ ابْتِداءُ وُجُوبِها فيه. انتهى. والذي يظْهَرُ، أنَّ مُرادَه بالإِقامَةِ

ص: 65

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُتَخَلِّلَةِ، التي يُتِمُّ فيها الصَّلاةَ فى أثْناءِ سفَرِه. ومُرادُه أيضًا، إذا كان سفَرًا واحدًا؛ بدَليلِ قولِه قبلَ ذلك: ومَن ذكَر صلاةَ حضَرٍ فى سفَرٍ أو عكْسه. وقال فى «الرِّعايَةِ» : وإنْ نَسِيَها فى سفَرٍ، ثم ذكَرها فى حضَرٍ، ثم قَضاها فى سفَرٍ آخَرَ، أتَمَّها. فيَحْتَمِلُ أن صاحِبَ «الفُروعِ» أرادَ هذا، ويكونُ قولُه: ومَن ذكَر صلاةَ سفَرٍ فى حضَرٍ، وأرادَ قضاءها فى الحضَرِ.

تنبيهان؛ أحدُهما، مفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، وهو مِن مفْهومِ المُوافقَةِ، أنَّه لو ذكَر الصَّلاةَ فى ذلك السَّفرِ، أنَّه يقْصُرُ بطريقٍ أوْلَى. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يلْزَمُه الإتمامُ؛ لأنه مُختَصٌ بالأدَاءِ كالجُمُعَةِ. ونقَل المَرُّوذِىُّ ما يدُلُّ عليه. قالَه المجدُ، وهو مِنَ المُفْرَداتِ. الثَّانِى، ظاهرُ قولِه: أو ذكر صلاةَ سفَر. أنَّه لو تعَمَّد المُسافِرُ ترْكَ الصَّلاةِ حتى خرَج وقْتُها، أو ضاقَ عنها، أنَّه لا يَقْصُرُ. وجزَم به فى «المُحَررِ» ، و «الرِّعايَة الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» . قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الفائقِ» . وقالَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ،

ص: 66

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . قال فى «الفُروعِ» : وأخَذ صاحِبُ «المُحَرَّرِ» مِن تَقْييدِ المسْألَةِ، يعْنِى التى قبلَ هذه، بالنَّاسِى. وممَّا ذكره ابنُ أبِى مُوسى فى التى قبلَها، يعْنِى، إذا سافَر بعدَ وُجوبِها عليه على ما تقدَّم، أنَّه يُتِمُّ مَن تَعَمَّدَ تأخِيرَها بلا عُذْرٍ حتى ضاقَ وقْتُها عنها، وقاسَه على السَّفَرِ المُحَرمِ. وقالَه الحَلْوَانِىُّ؛ فإنَّه اعْتَبَر أنْ تُفْعلَ فى وَقْتِها. وقال القاضى فى «التَّعْليقِ» ، فى وُجوبِ الصَّلاةِ بأوَّلِ الوقْتِ: إنْ سافَر بعدَ خُروج وَقْتِها، لم يَقْصُرْها؛ لأنَّه مُفَرِّطْ، ولا تَثْبُتُ الرُّخْصَةُ مع التَّفْريطِ فى المُرَخَّصِ فيه. انتهى. قال شيْخُنا فى «حَواشِى الفُروعِ»: لا يصْلُحُ أنْ يكونَ ما ذكَرَه الحَلْوَانِى مأخذًا لمسْألةِ «المُحَرَّرِ» ؛ لأنَّه جزَم بعدَمِ قصْرِها، وجزَم بأنَّه إذا نَسِى صلاةً فى سفَرٍ فذكَرَها، أنَّه يَقْصُرُها. فعُلِمَ أنَّه لا يَشْتَرِطُ للقَصْرِ كوْنَها مُؤدَّاةً؛ لأنَّه لوِ اعْتَبَرَه، لم يصِحَّ قَصْرُ المَنْسِيَّة انتهى. قلتُ: فى قوْلِ شيْخِنا نظَرٌ؛ لأنَّه إنَّما اسْتدَلَّ على صاحِبِ «الفُروعِ» بما إذا نَسِيَها، وصاحِبُ «الفُروعِ» إنَّما قال: إذا تَرَكَها عَمْدًا. وأنَّه مُقاسٌ على السَّفَرِ المُحَرَّمِ، وأنَّ الحَلْوَانِىَّ قال ذلك، ولا يَلْزَمُ مِن تجْوِيزِ الحَلْوَانِىِّ قصْرُها إذا نَسِيَها، أنْ يَقْصُرَها إذا ترَكها عمْدًا. قال ابنُ رَجبٍ: ولا يُعْرَفُ فى هذه المسْألةِ كلامٌ للأصحابِ، إلَّا أنَّ بعضَ الأئمَّةِ المُتأخِّرين ذكَر، أنَّه لا يجوزُ القَصْرُ. واسْتَشْهد على ذلك بكلامِ جماعةٍ مِنَ الأصحابِ فى مَسائِلَ. وليس فيما ذكَرَه

ص: 67

وَإِذَا نَوَى الإِقَامَةَ فِى بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ.

ــ

حُجَّةٌ. انتهى. وأرادَ بذلك المَجْدَ. قال فى «النُّكَتِ» : ولم أجِدْ أحدًا ذكَرَها قبلَ صاحِبِ «المُحَرَّرِ» . انتهى. وقيل: له القَصْرُ، ولو تعَمَّدَ التَّأخيرَ. وهو احْتِمال فى «ابنِ تميمٍ». وقال: وهو ظاهِرُ كلامِ الشَّيْخِ، يعْنِى به المُصَنِّفَ، واخْتارَه فى «الفائقِ» . وإليه ميْلُ ابنِ رَجَبٍ، ونصَرَه فى «النُّكَتِ». ورَدَّ ما اسْتدَلَّ به المَجْدُ. قال ابنُ البَنَّا فى «شَرْحِ المَجْدِ»: مَنِ أخَّرَ الصَّلاةَ عمْدًا فى السَّفَرِ وقَضاها فى السَّفَرِ، فله القَصْرُ كالنَّاسِى. قال: فلم يُفرقْ أصحابُنا بينَهما، وإنَّما يخْتَلِفان فى المأْثَمِ. انتهى. قال ابنُ رَجَبٍ: وهو غريبٌ جِدًّا. وذكَر القاضى أبو يَعْلَى الصَّغيرُ فى «شَرْحِ المُذْهَبِ» نحوَه. وقال فى «النُّكَتِ» : وعُمومُ كلامِ الأصحابِ يدُلُّ على جَوازِ القَصْرِ فى هذه المسْألَةِ. وصرَّح به بعضُهم. وذكَرَه فى «الرِّعايَةِ» وجْهًا. وهو ظاهِرُ اخْتِيارِه فى «المُغْنِى» . وذُكِر عنه ما يدُلُّ على ذلك. وجعَل ناظِمُ «المُفْرَداتِ» إتْمامَ الصَّلاةِ إذا ترَكها عمْدًا حتى يخرُجَ وَقْتُها، مِنَ المُفْرَداتِ؛ فقال:

وهكذا فى الحُكْمِ مَن إذا تَرَكْ

صلَاتَه، حتَّى إذا الوقْتُ انْفَرَكْ

وكانَ عمْدًا فرْضُه الإِتْمامُ

وليس كالنَّاسِى يا غُلامُ

وهو قد قال:

هيَّأْتُها على الصَّحيحِ الأَشْهَرِ

وكأنَّه اعْتَمَد على ما فى «المُحَرَّرِ» .

قوله: وإذا نوَى الإِقامَةَ فى بَلَدٍ أكْثرَ مِن إحدَي وعِشْرين صَلاةً أتَمَّ، وإلَّا قصرَ.

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا إحْدى الرِّواياتِ عن أحمدَ. اخْتارَها الخِرَقِىُّ، وأبو بَكْرٍ، والمُصَنِّفُ. قال فى «الكافِى» (1): هى المذهبُ. قال فى «المُغْنِى» (2): هذا المشْهورُ عن أحمدَ. ونصَرَها فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . قال ابنُ رَجَب، فى «شَرْحِ البُخارِىِّ»: هذا مذهبُ

(1) 1/ 200.

(2)

3/ 147.

ص: 69

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحمدَ المشْهورُ عنه، واخْتِيارُ أصحابِه. وجعَلَه أبو حَفْصٍ البَرْمَكِىُّ مذهبَ أحمدَ مِن غيرِ خِلافٍ عنه. وتأوَّلَ كلَّ ما خالَفَه مما رُوِىَ عنه. وجزَم به فى «العُمْدَةِ» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وقدَّمه النَّاظِمُ. وعنه، إنْ نوَى الإِقامَةَ أكْثَرَ مِن عِشْرين صَلاةً، أتَمَّ، وإلَّا قصَر. وهذه الرِّوايَةُ هى المذهبُ. قال ابنُ عَقِيلٍ:

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذه المذهبُ. قال فى «عُمْدَةِ الأدِلَّةِ» ، والقاضى فى «خِلَافِه»: هذه أصحُّ الرِّوايتَيْن. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به فى «الإِيضَاحِ» ،

ص: 71

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الإفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «نِهايَةِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «نَظْمِها» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» . وعنه، إن نوَى الإِقامَةَ أكْثَرَ مِن تِسْعَةَ عشَرَ صلاةً، أتَمَّ، وإلَّا قصَر. قدَّمه فى «الرِّعَايَةِ الكُبْرى». وأطْلَقَهُنَّ فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقال فى «النَّصِيحَةِ»: إنْ نوَى الإِقامَةَ فوقَ ثلَاثةِ أيَّامٍ، أَتَمَّ، وإلَّا قصَر.

فائدتان؛ إحْداهما، يُحْسَبُ يوْمُ الدُّخولِ والخُروجِ مِنَ المُدَّةِ. على

ص: 72

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، لا يُحْسَبَانْ منها. الثَّانيةُ، لو نوَى المُسافِرُ إقامَةً مُطْلَقَةً، أو أقامَ ببادِيةٍ لا يُقامُ بها، أو كانتْ لا تُقامُ فيها الصلاة، لَزِمَه الإِتْمامُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الفائقِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ،

ص: 73

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا يَلْزَمُه الإِتْمامُ إلَّا أنْ يكونَ بمَوْضعٍ تُقامُ فيه الجُمُعَةُ. وقيل: أو غيرُها. ذكَرَه أبو المَعالِى. وقال فى «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ»: إقامَةُ الجَيْش للغَزْوِ لا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ وإنْ طالَتْ، لفِعْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ. قال فى «النُّكَتِ»: يُشْتَرَطُ فى الإِقامَةِ التى لا

ص: 74

وَإِنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ حُبِسَ، وَلَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ، قَصَرَ أَبَدًا.

ــ

تقْطَعُ السَّفَرَ، إذا نَوَاها، الإمْكانُ بأنْ يكونَ موْضِعَ لُبْثٍ وقَرارٍ فى العادةِ. فعلى هذا، لو نوَى الإِقامَةَ بمَوْضِعٍ لا يُمَكَّنُ، لم يَقْصر؛ لأنَّ المانِعَ نِيَّةُ الإِقامَةِ فى بلَدِه، ولم تُوجَدْ. وقال أبو المَعالِى فى «شَرْحِ الهِدايَة»: فإنْ كان لا يُتَصوَّرُ الإقامةُ فيها أصْلًا، كالمَفَازَةِ، ففيه وَجْهان. انتهى. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ وغيرُه: إِنَّ له القَصرَ والفِطْرَ، وإنَّه مُسافِر، ما لم يُجْمِعْ على إقَامةٍ ويَسْتَوْطنْ.

قوله: وإذا أقامَ لقَضَاء حاجَةٍ، قصَر أبدًا. يعْنِى، إذا لم يَنْوِ الإِقامةَ، ولا يعلَمُ فراغَ الحاجَةِ قبلَ فَراغِ مُدَّةِ القَصْرِ. وهذه الصورةُ يجوزُ فيها القَصْرُ بلا خِلافٍ.

ص: 75

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن ظَنَّ أنَّ الحاجَةَ لا تنقَضِى إلَّا بعدَ مُضِى مُدةِ القَصْرِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يجوزُ له القَصْرُ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ». وقيل: له ذلك. جزَم به فى «الكافِى» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ». قال فى «الحَواشِى»: وهو الذى ذكَرَه ابنُ تَميمٍ وغيرُه.

فوائد؛ إحْداها، لو نوَى إقامَةً بِشَرطٍ، مثلَ أنْ يقولَ: إنْ لَقِيتُ فُلانًا فى هذا البلَدِ، أقَمْتُ فيه، وإلَّا فلا. لم يَصِرْ مُقِيمًا بذلك. ثمَّ إنْ لم يلْقَه، فلا كلامَ، وإنْ لَقِيَه، صارَ مُقِيمًا إذا لم يفْسَخْ نِيَّتَه الأُولَى، فإنْ فَسَخَها قبلَ لِقائِه، أو حالَ لِقائِه، فهو مُسافِرٌ، فيَقْصرُ بلا نِزاعٍ، وإن فَسَخَها بعدَ لِقائِه، فهو كمَن نوَى الإِقامَةَ المانِعَةَ مِنَ القَصْرِ، ثمَّ نوَى السَّفَرَ قبلَ تَمامِ الإِقامَةِ، هل له القَصْرُ قبلَ شُروعِه فى السَّفَرِ؟ على وَجْهَين. قالَه ابنُ تَميمٍ، و «الرِّعايَةِ» . وقدَّمه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ؛ أنَّه لا يجوزُ له القَصْرُ حتى يشْرَعَ فى السَّفَرِ، ويكونَ كالمُبْتدِئَ له كما لو تمَّتْ مدَّةُ؛ الإِقامَةِ، وعليه أكثرُ الأَصحابِ. قالَه المَجْدُ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». قال فى «الفُروعِ»: واخْتارَ الأكثرُ، يَقْصُرُ إذا سافَر، كما لو تمَّتْ مدَّةُ الإِقَامَةِ. والوَجْهُ الثَّانِى، ونقَلَه صالِحٌ، أنَّه يقْصُرُ مِن حينِ نوَى السَّفَرَ، فأبطَل النِّيَّةَ الأُولَى بمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لأنَّها تثْبُتُ بها. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لو مَرَّ بوَطنِه أتَمَّ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه. وعنه، يَقْصُرُ، إذا لم يكُنْ له حاجَةٌ سِوَى المُرورِ. ولو مَرَّ ببَلَدٍ له فيه امرأةٌ،

ص: 76

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو تزَوَّجَ فيه، أَتَمَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وعنه، يُتِمُّ أيضًا إذا مَرَّ ببَلَدٍ له فيه أهْلٌ أو ماشِيَةٌ. وهي مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: أو مالٌ. وقال فى «عُمَدِ الأدِلَّةِ» : لا مالٌ مَنْقولٌ. وقيل: إنْ كان له به وَلَدٌ أو والِدٌ أو دارٌ، قصَر. وفى أهلٍ غيرِهما، أو مالٍ، وَجْهان. الثَّالثةُ، لو فارَقَ وَطنَه بِنيَّةِ رُجوعِه بقُرْبٍ لحاجَةٍ، لم يتَرَخَّصْ حتى يرجِعَ ويُفارِقَه. نصَّ عليه. وكذا إنْ رجَع عليه لغرَضِ الاجْتيازِ به

ص: 77

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فقط؛ لكَوْنِه فى طرِيقِ مقْصِدِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال المَجْدُ، و «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» هذا ظاهِرُ مذهبِنا. وأمَّا على قولِنا: يَقْصُرُ المُجْتازُ على وَطنِه. فيَقْصُرُ هنا فى خُروجِه منه أوَّلًا، وعوْدِه إليه واجْتيازِه به. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن»: قلتُ: وهو ظاهِرُ عِبارَةِ «الكافِى» . انتهى. وإذا فارَق أوَّلًا وطنَه بنيَّةِ المُضِىِّ بلا عَوْدٍ، ثم بدا له العَوْدُ لحاجةٍ، فترَخُّصُه قبلَ نيَّةِ عَوْدِه جائزٌ، وبعدَها غيرُ جائزٍ، لا فى عَوْدِه ولا فى بلَدِه حتى يُفارِقَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن». وقال: ذكَرَه القاضى. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وعنه، يترَخَّصُ فى عَوْدِه إليه لا فِيه، كنيَّةٍ طارِئةٍ للإِقامةِ بقرْيةٍ قريبةٍ منه. قال المَجْدُ: ويقْوَى عندِى، أنّه لا يقْصُرُ إذا دخَل وطنَه، ولكنْ يقْصُر فى عَوْدِه إليه. الرَّابعةُ، لا ينْتَهِى حُكْمُ السَّفَرِ ببُلوغِ البلَدِ الذى يقْصِدُه، إلَّا

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا لم ينْوِ الإِقامةَ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. قال فى «مَجْمَعِ البَحْرَيْن» : اخْتارَه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هو المنْصوصُ والمُخْتارُ للأكثرِ. وقيل: بلَى. الخامسةُ، لو سافَر مَن ليس بمُكلَّفٍ، مِن كافرٍ وحائضٍ، سفرًا طويلًا، ثم كُلِّفَ بالصَّلاةِ فى أثْنائِه، فله القَصْرُ مُطْلَقًا فيما بَقِىَ. وقيل: يقْصُرُ إنْ بَقِىَ مسافَةُ القَصْرِ، وإلَّا فلا. واخْتارَه فى «الرِّعايَتَيْن» . السَّادسةُ، لو رجَع إلى بلَدٍ أقامَ به إقامةً مانِعَةً، تَرَخَّصَ مُطْلَقًا حتى فيه. نصَّ عليه؛ لزَوالِ نِيَّةِ إقامَتِه، كعَوْدِه مُخْتارًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: كوَطنِه.

ص: 79

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: كلَّ مَن جازَ له القَصْرُ، جازَ له الفِطْرُ، ولا عكْسَ؛ لأنَّ المرِيضَ ونحوَه

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا مشَقَّةَ عليه فى الصَّلاةِ، بخِلافِ الصَّوْمِ. وقد ينْوِى المُسافرُ مَسِيرةَ يوْمَيْن

ص: 81

وَالْمَلَّاحُ الَّذِى مَعَهُ أَهْلُهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الإِقَامَةِ بِبَلَدٍ، لَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ.

ــ

ويقْطَعُهما مِنَ الفَجْرِ إلى الزَّوالِ، مثلًا، فيُفْطِرُ، وإنْ لم يقْصُرْ. أشارَ إليه ابنُ عَقِيلٍ، لكنَّه لم يذْكُرِ الفِطْرَ. قال فى «الفُروعِ»: فقد يُعايَى بها. وقال أيضًا: ولعَلَّ ظاهِرَ ما سبَق، أنَّ مَن قصَر جمَع؛ لكونِه فى حُكْمِ المُسافرِ. قال: وظاهرُ ما ذكَرُوه فى بابِ الجَمْع، لا يجْمَعُ. وقال القاضى فى «الخِلافِ» ، فى بحْثِ المسْألَةِ: إذا نوَى إقامةَ أربعَةِ أيام، له الجمْعُ، لا ما زادَ. وقيل للقاضى: إذا لم يُجمِعْ إقامَةً لا يقْصُرُ؛ لأنَّه لا يجْمَعُ. فقال: لا يسْلَمُ هذا، بل له الجمْعُ. انتهى. وقال فى «الفُروعِ»: وهل يمْسَحُ مسْحَ مُسافرٍ مَنْ قَصَرَ؟ قال الأصحابُ؛ كالقاضى وغيرِه: هو مُسافِرٌ ما لم يفْسَخْ، أو ينْوِ الإِقامةَ، أو يتَزَوَّجْ، أو يقْدِرْ على أهْلٍ. وقال الأصحابُ؛ منهم ابنُ عَقِيلٍ: الأحْكامُ المُتعلِّقةُ بالسَّفَرِ الطَّويلِ أرْبعَةٌ؛ القَصْرُ، والجَمْعُ، والمَسْحُ ثلاثًا، والفِطْرُ. قال ابنُ عَقِيلٍ: فإنْ نوَى إقامةً تزيدُ على أربْعَةِ أيَّامٍ، صارَ مُقِيمًا، وخرَج عن رُخْصَةِ السَّفَرِ، ويسْتَبِيحُ الرُّخَصَ ولا يخْرُجُ عن حُكْمِ السَّفَرِ إذا نوَى ما دُونَها.

تنبيه: مفْهومُ قولِه: والمَلَّاحُ الذى معه أهْلُه، وليس له نِيَّةُ الإِقامةِ ببَلَدٍ، ليس له التَّرَخُّصُ. أنَّه إذَا لم يكُنْ معه أهْلُه، له التَّرخُّصُ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ،

ص: 82

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. ولم يعْتَبرِ القاضى، فى موْضعٍ مِن كلامِه، فى الملَّاحِ ومَن فى حُكْمِه كِونَ أهلِه معه، فلا يتَرخَّصُ وحدَه. قال فى «الفُروعِ»: وهو خِلافُ نُصوصِه. فعلى قولِ القاضى، وعلى المذهبِ أيضًا، فيما إذا كان معه أهْلُه مع عدَمِ التَّرخُّص، مِنَ المُفْرَداتِ. قال الأصحابُ: لتَفْويتِ رَمضانَ بلا فائدةٍ؛ لأنَّه يقْضِيه فى السَّفَرِ، وكما تقْعُدُ امْرأته مكانَها كمُقِيمٍ.

فائدة: قال فى «الرِّعَايَةِ» : ومثْلُ المَلَّاحِ مَن لا أهْلَ له، ولا وَطنَ، ولا مَنْزِلَ يقْصِدُه، ولا يُقيمُ بمَكانٍ، ولا يأوِى إليه. انتهى. وتقدَّم أنَّ الهائمَ والسَّائحَ والتَّائهَ لا يتَرخَّصُون.

فائدتان؛ إحْداهما، المُكارِىُّ والرَّاعِى والفَيْجُ والبَريدُ ونحوهم، كالمَلَّاحِ فلا

ص: 83