الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن عشر
«باب الفاعل»
«وهو المسند إليه» سواء كان ظاهراً نحو: قام زيد. أو ضميراً نحو الزيدان قاما، وسواء كان صريحاً كما تقدم، أو مؤولاً نحو:
يسر المرء ما ذهب الليالي ................
ثم التأويل لابد أن يكون بحرف سابك كالمثال، أو بغيره في باب التسوية نحو: {إن الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم
…
}، أي: إنذارك وعدمه، إذ جعلنا (سواء) خبر (إن) وما بعده فاعلاً به، هذا مذهب البصريين.
وقال هشام وثعلب وجماعة: يجوز أن يقع الفاعل جملة مطلقاً نحو: يعجبني يقوم [زيد]، وظهر/لي أقام زيد.
وقال الفراء وجماعة: جوازه مشروط بكون المسند إلى الجملة قلبياً، وباقترانها بمعلق [نحو] ظهر لي أقام زيد؟ .
قال ابن هشام: وفيه نظر؛ لأن أداة التعليق بأن تكون مانعة أشبه من أن تكون مجرورة، وكيف يعلق الفعل عما هو كالجزء منه! !
[وبعد] فعندي أن المسألة صحيحة، ولكن مع الاستفهام خاصة دون سائر المعلّقات، وعلى أن الإسناد إلى مضاف محذوف إلى الجملة، ألا ترى أن المعنى: ظهر لي جواب (أقام زيد)؟ ، أي جواب قول القائل ذلك، وهذا لابد من تقديره دفعاً للتناقض، إذ ظهور الشيء مناف للاستفهام المقتضي للجهل به. «فعْل» كما مثلنا، «أو مضمن معناه» «كاسم الفاعل وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل، وأخرج بذلك نحو: خزّ ثوبك، وذهب خاتمك، فإن المسند [فيه] ليس فعلاً ولا مضمنا معناه.
«تام» احترازاً من الناقص، نحو (كان)، فليس المرفوع بها فاعلاً، وتسمية سيبويه له بذلك من باب التوسع «مقدم» قالوا: احترازاً من نحو: زيد قام، أو زيد قائم، فإن (زيداً) في المثالين أسند فعل أو مضمن معناه، ولكن المسند غير مقدم عليه، فلا يكون فاعلاً.
قلت: وفيه نظر: أما أولاً فلا نسلم أن الفعل وما ضمن معناه مسند إلى زيد فيما مثل به، بل الفعل مسند إلى ضمير مستتر فيه، وهو وضميره جميعاً مسندان إلى زيد، إلا أنه اتفق أن الضمير هو زيد، فتوهم أنه وارد، وليس بوارد لأن هذه دلالة عقلية، والتعريف إنما هو باعتبار الدلالة اللغوية، وكذا القول فيما ضمن معنى الفعل،
فإذن لا حاجة إلى القيد، والقول بأنه ذكر لرفع إيهام من يتوهم دخول مثل ذلك كلام ظاهري.
وأما ثانياً فقد نص الأعلم وابن عصفور في قول الشاعر:
صددت فأطولت الصدود، وقلّما وصال على طول الصدود يدوم
على رفع (وصال) بـ (يدوم) وقدم للضرورة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فقد تحقق تقدم الفاعل على رافعه في الجملة، فيلزم من زيادة هذا القيد خروج بعض صور الفاعل، فلا يكون الحد منعكساً، ولا يجدي قولهم:(قدم للضرورة) نفعاً «فارغ» من ضمير.
قال المصنف [رحمه الله]: خرج بذلك المبتدأ إذا قدم خبره وفيه ضمير، نحو: قائم زيد {وأسروا النجوى الذين ظلموا} على القول بأن (الذين) مبتدأ، و (أسروا) خبره.
وأنت خبير بأن هذا القيد لاغ؛ لأن المقدم لم يسند إلى الظاهر، وإنما أسند إلى ضميره، فخرج بقوله أولاً:(المسند إليه فعل أو مضمن معناه).
«غير مصوغ للمفعول» فخرج النائب عن الفاعل، نحو: ضرب اللص، وأمضروب العمران؟ . وأكثر النحاة لايسميه فاعلاً، ومن يسميه فاعلاً يحذف هذا القيد كالزمخشري، والخلاف في ذلك راجع إلى أنه هل يقال: - له
في اصطلاح النحاة- (فاعل) أولا؟ ، وليس خلافاً معنوياً.
«وهو مرفوع بالمسند حقيقة إن خلا من (من) و (الباء) الزائدتين» نحو: قام زيد، وأقائم بكر؟ . «وحكماً إن جرّ بأحدهما» نحو: ما قام من رجل {وكفى بالله شهيدا} . «أو» جر «بإضافة المسند» نحو: {ولولا دفع الله الناس} ، (من قبلة الرجل امرأته الوضوء)«وليس رافعه الإسناد، خلافاً لخلف» ولابن جني، فإنه قال في لمعه: وحقيقة رفعه بإسناد الفعل إليه.
وقد يوجه هذا القول بأن العامل هو ما به يتقوم المعنى المقتضي للإعراب، وهو هنا الفاعلية، وهي تتقوم بالإسناد، فليكن العامل في الفاعل عملاً بهذه القاعدة.
ويعترض بأنا لا نسلم أن مجرد الإسناد تتقوم به الفاعلية، وإنما تتقوم به مع الفعل المسند أو شبهه، فله مدخل في التقوم، ولا استقلال له [به]
فإن قلت: فليزم- حيئذ- أن لا يكون الفعل أو شبهه عاملاً؛ ضرورة أن الفاعلية لا تتقوم به وحده؛ إذ لابد أن ينضم إلى ذلك اعتبار الإسناد.
قلت: الإسناد يعتبر شرطاً للفعل أو شبهه في تقوم الفاعلية به، فلا يضاف العمل إلى الإسناد الذي هو شرط، وإنما يضاف إلى الفعل أو شبهه الذي هو مشروط.
فإن قلت: يمكن أن/ يعارض بمثله، فيقال: الإسناد تتقوم به الفاعلية بشرط وجود فعل أو شبهه، فليضف العمل إلى الإسناد الذي هو مشروط.
قلت الفرق ظاهر، وذلك أن الإسناد أمر معنوي اعتباري، فلا يصار إليه لضعفه إلا عند تعذر جعل اللفظ عاملاً [بما استقر في هذا الفن، وقد أمكن جعله عاملاً] بالطريقة التي ذكرناها، فوجب المصير إليه، دون الآخر.
وبقى على المصنف [رحمه الله] أن يقول: (ولا إحداث الفعل، خلافاً لبعض الكوفيين)، فقد قال بذلك جماعة منهم، وأجابوا عن: تحركت الشجرة، و (أهلكنا الدهر) و (مرض زيد)، بأنه لما صدر من الشجرة ما يشبه حركة المتحرك بالإرادة، وجعل الدهر قائماً مقام المهلك، وتعاطي زيد أسباب المرض، جعلوا كأنهم فاعلون.
«وإن قدّم» المسند إليه «ولم [يل] ما يطلب الفعل» نحو: زيد قام،
فإن (زيداً) قدم ولم يل شيئاً طالباً للفعل. «فهو مبتدأ» وما بعده خبر عنه، كما رأيت في المثال المذكور.
«وإن [وليه» أي]» ولي المسند إليه ما يطلب الفعل على جهة اللزوم كـ (إن) الشرطية، نحو:{وإن أحد من المشركين استجارك} وكان هذا مراد المصف «ففاعل فعل مضمر يفسره الظاهر» والتقدير: وإن استجارك [أحد]. وقد يلي الاسم ما يطلب بالفعل على جهة الأولوية، كهمزة الاستفهام، نحو: أزيد قام؟ فلا يتعين جعل (زيد) فاعلاً، بل يكون أولى، ويجوز جعله مبتدأ. «خلافاً لمن خالف» . في المسألتين، والمخالف في الأولى بعض الكوفيين، فجوزوا: - في (زيد قام) - أن يكون فاعلاً مقدماً. والمخالف في الثانية الأخفش فجوز: - في (إن زيد قام) رفع (زيد) بالابتداء، بعد (إن) قال: والرفع بفعل [مضمر] أقيس الوجهين.
«ويلحق» الفعل الماضي «المسند إلى مؤنث» حقيقي نحو: قامت هند، أو مجازي نحو: طلعت الشمس. «أو» إلى «مؤول به» أي بمؤنث نحو قول بعضهم: ( .... أتته كتابي فاحتقرها). ويحكي أنه أنكر على قائله، فقال. أو ليس الكتاب بصحيفة؟ . وهذا قليل، والأعرف في مثله التذكير. «أو مخبر [به] عنه» يعني أو كان الفعل مسنداً إلى لفظ مخبر عنه بمؤنث، نحو:{ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا} .
قال الزمخشري: إنما أنث الفعل، لأن الخبر مؤنث، فسري التأنيث منه إلى المخبر عنه، مثل: كانت أمك؟ .
وقال أبو حيان: إنما أنث [اسم](كان) على معنى (من) لا لتأنيث الخبر [كما ذكر].
واعتراضه بذلك غير متجه؛ لأنه إنما كان معنى [من] التأنيث للإخبار عنها بمؤنث، وهو (أمك)، فتأنيث الخبر سبب [لتأنيث] من وتأنيث (من) سبب لتأنيث الضمير، فتأنيث الخبر سبب السبب. قيل: وتأنيث الفعل في هذا القسم- وهو ما أسند إلى مخبر عنه بمؤنث- مذهب كوفي، ولا يجيزه البصريون إلا في الضرورة. «أو» إلى [اسم]«مضاف إليه» أي إلى مؤنث. و (إليه) في محل نصب وفي (مضاف) ضمير نائب عن الفاعل عائد إلى الموصوف المقدر، أي: إلى اسم مضاف «مقدر الحذف» كقوله:
مشبن كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مرّ الرياح النواسم
فـ (تسفهت) مسند إلى (مرّ). وهو مضاف إلى مؤنث، وهو (الرياح)، وهذا المضاف مقدر الحذف، فكأن الفعل أسند إلى المضاف إليه المؤنث، وهو (الرياح)، فمن ثم أنث الفعل.
ومعنى تقدير الحذف أن استقامة الكلام بترك المضاف متأتية، ألا ترى إلى صحة قولك هنا: الرياح أعاليها؟ ، وكذا قوله:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
فلو قدرت حذف المضاف الذي هو (صدر) استقام الكلام، فكأنك قلت: كما شرقت القناة من الدم.
واجترز المصنف بهذا القيد من نحو قولك: قام غلام هند، فلا يصح أن يقال فيه: قامت؛ لأن المضاف هنا غير مقدر الحذف «تاء ساكنة» برفع (تاء) على أنه فاعل للفعل المتقدم، وهو قوله:(ويلحق)، و (ساكنة) صفته، وإنما فعلوا هذا الإلحاق للإيذان من أول الأمر بتأنيث الفاعل.
«ولا تحذف غالباً إن كان» الفاعل «ضميراً متصلاً مطلقاً» أي: سواء كان حقيقي التأنيث، نحو: هند قامت، أو مجازي التأنيث/ نحو: الشمس
طلعت. واستظهر بقوله (غالباً) على حذف التاء من [نحو] قوله:
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
وقوله:
فإما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها
وقوله:
إن السماحة والمرؤة ضمنا قبراً بمرو على الطريق الواضح
«أو» [إن] كان الفاعل «ظاهراً متصلاً» بالفعل لا يفصل بينهما شيء «حقيقي التأنيث» نحو: قامت هند «غير» جمع «مكسر» نحو: الجواري والهنود.
«ولا اسم جمع» كقوم. و «لا» اسم «جنس» .
قال المصنف: كنسوة ونعم المرأة، في لغة من لايقول:[قال] فلانة، فيجوز في جميع ذلك لحاق التاء وتركها. وتمثيله لاسم الجنس بالنسوة غير جيد؛ لأنه اسم جمع كالقوم، وأما المرأة فهو اسم جنس، بمعنى أنه يراد به الجنس، ولكن ذكره مع اسم الجمع يوهم أن المراد باب تمر ونخل؛ لأنه الذي يذكر في صحبته في الصرف.
«ولحاقها» أي: لحاق التاء «مع» المؤنث «الحقيقي المقيد» بما تقدم من كونه ظاهراً غير مكسرّ ولا اسم جمع ولا جنس «المفصول بغير (إلا» ) نحو: قامت اليوم هند. «أجود» من تركها، نحو: قام اليوم هند. «وإن فصل بها» أي: بـ (إلا)«فبالعكس» أي: يكون تركها نحو: ما قام إلا هند، أجود من لحاقها كقوله:
ما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم وفي كل من المسألتين خلاف: فقال المبرد: لا يجوز مع الفصل بغير (إلا) غير [التأنيث وقال غير الأخفش من البصريين: لايجوز مع الفصل بـ (إلا) غير] التذكير.
والصحيح جواز التذكير [في الأول] والتأنيث في الثاني قليلاً فيهما، وعبارة المصنف تقتضي الجودة فيهما، وليس [كذلك].
واحترز بقوله: (مع الحقيقي المقيد المفصول
…
) إلى آخره مما إذا كان الظاهر غير حقيقي التأنيث نحو: طلع اليوم الشمس، فترك العلامة أحسن؛ إظهاراً لفضل الحقيقي على غيره، سواء كان بـ (إلا) أو بغيرها، نحو:{فمن جاءه موعظة من ربه} .
وسئلت بـ (كنباية) عن قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدارالآخرة} ، كيف جاء على غير الحسن.
فقلت: يجوز أن يكون في (كانت) ضمير القصة، والجملة الواقعة بعد ذلك مبتدأ وخبر في محل نصب على أنها خبر (كان)، فلا يرد هذا على تسليم ما قالوه من أحسنية ترك العلامة في الصورة المذكورة، والذي يظهر لي خلاف ذلك، فإن الكتاب العزيز
قد كثر فيه الإتيان بالعلامة عند الإسناد إلى ظاهر غير الحقيقي كثرة فاشية، فوقع فيه من ذلك ما ينيف على مائتي كقوله تعالى:{فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} ، [وقوله]:{وضربت عليهم الذلة والمسكنة} ، وقوله:{[الذين] إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه رجعون} ، [وقوله]:{وتقطعت بهم الأسباب} إلى غير ذلك، ووقع فيه مما تركت فيه العلامة [في الصورة المذكورة] نحو خمسين موضعاً، وأكثر أحد الاستعمالين دليل [على] أرجحيته، فينبغي المصير إلى القول بأن الإتيان بالعلامة في ذلك أحسن، فتأمله.
«وحكمها» أي: حكم التاء «مع جمع التكسير» كالرجال، «وشبهه» والمراد به اسم الجمع كنسوة، «وجمع المذكر بالألف والتاء» العاقل وغيره كطلحات دريهمات. «حكمها مع الواحد المجازي التأنيث» فلك إلحاق العلامة وتركها مع كل واحد من هذه الثلاثة، تقول: قامت الرجال، وقام الرجال، وجاءت النسوة، وجاء النسوة، وذهبت الطلحات، وذهب الطلحات، وكسدت الدريهمات، وكسد الدريهمات، كما تقول: طلعت الشمس، طلع الشمس، لكن أنت هنا بالخيار في الإثبات والحذف على حد سواء، و [أما] مع هذه الأمور الثلاثة
فالحذف أحسن لكون تأنيثها بالتأويل. وهو كون كل منها جماعة، ولم يعتبر التأنيث الحقيقي الذي كان في الفرد، نحو: قال النسوة؛ لأن المجاز الطارئ أزال الحكم الحقيقي في (رجال)، وإذا كان اتجهت المناقشة على المصنف فيما يقتضيه ظاهر عبارته من التساوي.
«وحكمها» أي [حكم] التاء «مع جمع التصحيح غير المذكور/ آنقا» وهوما جمع بالواو والنون نحو: الزيدون، وما جمع بالألف والتاء من المؤنث نحو الهندات «حكمها مع واحده» فتقول: قام الزيدون بترك العلامة، كما تقول في واحده: قام زيد، بتركها، وتقول: قامت الهندات بإثبات العلامة، كما تقول في واحده: قامت هند، بإثباتها، وهذا الذي ذكره المصنف مذهب البصريين في المسألة، وأجاز الكوفيون تجريد الفعل مع جمع المؤنث بالألف والتاء كالتكسير، فيذكر على معنى الجمع ويؤنث على معنى الجماعة، واختاره الفارسي، واستدلوا بالآية:{إذا جاءكم المؤمنت} ، وبقول الشاعر:
عشية قام النائحات وشققت جيبوب بأيدي مأتم وخدود والجواب عن الآية: أن حذف التاء فيها اللفصل بالمفعول، عن البيت بأنه على تقدير موصوف محذوف، أي النسوة النائحات، فروعي حال المحذوف.
ويرد على المصنف نحو: نزلت [الوابلون]، فإن هذا من جمع التصحيح غير المذكور آنفاً، مع أن حكمه ليس حكم واحده؛ إذ حكمه جواز لحاق العلامة وحك واحدة امتناع لحاقها، فتأمله.
«وحكمها» أي: حكم التاء «مع البنين والبنات حكمها مع الأنباء والإماء» فيجوز: قام البنون، كما تقول: قام الأنباء، وقامت
الأنباء، قال الشاعر:
قالت بنو عامر: خالوا بني أسد يابؤس للجهل ضراراً لأقوام وتقول: قام البنات وقامت البنات، كما تقول: قام الإماء وقامت الإماء، قال:
فبكى بناتي شأنهن وزوجتي والظاعنون إلى ثم تصدعوا
وذلك لأن لفظ الواحد فيهما قد تغير فألحقا بجمع التكسير.
وإنما ذكر المصنف حكمها دفعاً لوهم من يتوهم أنهما جمعا تصحيح فيحكم للبنين بحكم الزيدين، والبنات بحكم الهندات وإلا فحكمها قد مر.
«ويساويها» أي: يساوي تاء التأنيث الساكنة «في اللزوم وعدمه تاء مضارع الغائبة» فحيث تقول: (قامت) لزوماً [تقول]: (تقوم) بالفوقية لزوماً، نحو: تقوم هند، وحيث انتفى لزوم تاء التأنيث المذكور انتفى هنا لزوم تاء المضارع، فتقول: تطلع الشمس، ويطلع الشمس، بالفوقية والتحتية، وتقوم اليوم هند، [ويقوم اليوم هند] بهما جميعاً، ونظير:
.......................... ولا [أرض] أبقل إبقالها
في المضارع، قوله:
وهل يرجع السليم أو يكشف العمى ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع فإن أحد الفعلين مسند إلى (ثلاث) والأخر إلى ضميرها، والرواية فيهما بالياء التحتية.
وكان الأولى للمصنف [أن] لو قال: (ويساويها في اللحاق وعدمه). على التفصيل المتقدم، أو (ويساويها فيما ذكر)، وإلا فعبارته لا تقتضي المساواة في رتبة الجواز.
ثم الأولى أيضاً أن لو قال: (تاء المضارع)، فإن من جملة ما يشمله ذلك نحو:
تقوم الهندات، ولاتحسن فيه تاء مضارع الغائبة؛ لأن الفعل للغائبات، وأيضاً فإنه يقال: ما تقوم إلا أنتن، [كما يقال: ما قامت إلا أنتن]، وليست التاء في:(ما تقوم) للغيبة؛ إذ ليس ثم تاء للغيبة ألبتة، فالتاء في ذلك للتأنيث لا للخطاب، بدليل الماضي، والمخاطب لا يقال له: غائب.
«ونون التأنيث الحرفية» نحو: خرجن أو يخرجن الهندات، وسيأتي ذكرها، وهذه أعم من العلامتين السابقتين من جهة أنها تكون للماضي والمضارع، بخلاف تينك لاختصاص التاء المختوم بها بالماضي، والمبدؤبها بالمضارع، وأخص منها من جهة أنهما تكونان علامتين لتانيث الواحد والاثنين وما فوقهما وهي خاصة بما فوق الاثنين، فعلى هذا يقال: قمن الهندات، بالنون وجوباً، وقمن الهنود، بالنون جوازاً، وقمن اليوم الهندات، كذلك، وما قام [إلا] الهندات، خير من: ما قمن إلا الهندات.
«وقد تلحق الفعل المسند إلى ما لبيس مفرداً» وهو المثنى والمجموع «من ظاهر» نحو: قاما أخواك، وقاموا أخوتك، وقمن الهندات. «أو ضمير
منفصل» نحو: ما قاما إلا هما، وما قاموا إلا هم، وما قمن إلا هن. «ألف وواو الجمع ونون/ التأنيث الحرفية» كما مثلنا، وهذه اللغة تسميها النحاة:(لغة أكلوني البراغيث).
والمعول عليه أن الألف ولواو والنون عند أصحاب هذه؟ ؟ ؟ ؟ حروف دالة على التثنية والجمع؛ لنقل أئمة العربية أنها لغة قوم من العرب مخصوصين.
فإن قلت: كيف قال المصنف: (وقد تلحق) فأشعر بالتقليل والغرض أن هذا عند أرباب هذه اللغة كثير شائع، بل هو أمر ملتزم قلنا إنما قال ذلك بالنسبة إلى لغة الأكثرين.
ولو أسقط المصنف [لفظ] الفعل وقال: (المسند) لكان أولى؛ ليدخل نحو: (أو مخرجي هم).
وينبغي أن يكون أصحاب هذه اللغة يتركون العلامة إذ قالوا: قام اليوم أخواك جوازاً، وإذا قالوا: ماقام إلا أخواك وجوباً، كما يفعلون هم وغيرهم في علامة المؤنث الحقيقي، وإذا قيل: قام زيد وعمرو، فينبغي لحاقها [عندهم]
كقوله:
................... وقد أسلماه مبعد وحميم
فإن عطفت بـ (أو) فقلت: قام زيد أو عمرو، فينبغي امتناع إثبات العلامة؛ لأن الفاعل واحد لا اثنان، غاية ما فيه أن ذلك الواحد غير معين.
فإن قلت: قام أخواك أو غلامات، فينبغي أن تلحق لأن الفاعل اثنان قطعاً، وإنما فقد التعيين، فإن قلت: قام أخوك، أو غلاماك، أو قام غلامات أو أخوكُ فينبغي أن [لا] تلحق؛ لأنه لم يتحقق كون الفاعل اثنين، والأولى أولى بالمنع لأنك قدمت المفرد.
وأما قول بعضهم: إن قوله تعالى: {إما يبلغان عندك الكبر أحدهما أو كلاهما} ، بتشديد نون (يبلغان) ي قراءة حمزة والكسائي جاء على هذه اللغة فقول مشكل، بل الظاهر أن الألف ضمير، وأن (أحدهما) بدل بعض، وأن (كلاهما) بتقدير: أو يبلغه كلاهما، أو التقدير: يبلغه أحدهما أو كلاهما، وعليهما فالألف عائدة على الوالدين [في]{وبالولدين إحسنا} لا على ما بعدهما، وليس لك أن تقول (أحدهما) بدل بعض، و (كلاهما) بدل كل، وأنه يجوز: أعجبني زيد وجهه وأخوك؛ لأن بدل الكل تقرير للمبدل منه، وإيذان بأنه على ظاهره وحقيقته، وبدل البعض تخصيص لبعض ما تناوله اللفظ، وإعلام بأن الأول ليس مراداً به ظاهره، ففي الجمع بينهما تدافع ظاهر.
وإذا قال أرباب هذه اللغة: قاما وقعدا أخواك، وأعملوا أحدهما، فإنهم يضمرون في الآخر ضمير اثنين، فيتصل بكل من الفعلين ألف، ولكنهما في أحدهما ضمير وفي الآخر علامة.
واعلم أن المصنف رحمه الله [تعالى] يعبر عن هذه اللغة بـ (لغة يتعاقبون فيكم
ملائكة)، يريد ما رواه [الإمام] مالك رحمه الله تعالى في الموطأ، من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار). [الحديث].
وقد أكثر المصنف [رحمه الله تعالى] من الاستدلال بالأحاديث النبوية على إثبات الأحكام النحوية، وشنع أبو حيان عليه، وقال: إن ما استند إليه من ذلك لا يتم له؛ لتطرق احتمال الرواية بالمعنى إلى ما يستدل به من تلك الأحاديث، فلا يوثق بأن ذلك المحتج به لفظه عليه الصلاة والسلام حتى تقوم به الحجة، وقد أجريت ذلك لبعض شيوخنا فصوب رأي ابن مالك فيما فعله من ذلك بناءً على أن اليقين ليس بمطلوب في هذا الباب، وإنما المطلوب غلبة الظن الذي هو مناط الأحكام الشرعية، وكذا ما يتوقف عليه من نقل مفردات الألفاظ وقوانين الإعراب، فالظن في ذلك كله كافٍ، ولا يخفي أنه يغلب على الظن أن ذلك المنقول المحتج به لم يبدل؛ لأن الأصل عدم التبديل، لاسيما والتشديد في الضيط والتحرّي في نقل الأحاديث شائع بين النقلة والمحدّثين، ومن يقول منهم بجواز النقل بالمعنى
إنما هو عنده بمعنى التجويز العقلي الذي لا ينافي وقوع نقيضيه؛ فلذلك تراهم يتحرّون في الضبط ويتشددون مع قولهم بجواز النقل بالمعنى، فيغلب على الظن من هذا كله أنها لم تبدل، ويكون احتمال التبديل فيها مرجوحا فيلغي، ولا يقدح في صحة/ الاستدلال [بها]، ثم [إن] الخلاف في جواز النقل بالمعنى إنما هو فيما لم يدوّن في الكتب، وأماما دُوّن وجعل في بطون الكتب فلا يجوز تبديل ألفاظه من غير خلاف بينهم في ذلك.
قال ابن الصلاح بعد أن ذكر اختلافهم في نقل الحديث بالمعنى- إن هذا الخلاف لا نراه جارياً، ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت فيه [بدله] لفظاً آخر بمعناه،
فإن الرواية بالمعنى رخص [فيها] من رخص لما كان عليهم في ضيط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والتعب، وذلك مفقود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب. انتهى كلام ابن الصلاح.
وتدوين الأحاديث والأخبار، بل وكثير المرويات وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية حين كان كلام أولئك المبدلين- على تقدير تبديلهم- يسوغ الاحتجاج به، وغايته يومئذ تبديل لفظ يصح الاحتجاج به بلفظ يصح الاحتجاج به، فلا فرق بين الجميع في صحة الاستدلال، ثم دُوّن ذلك المبدل- على تقدير التبديل- ومنع من تغييره ونقله بالمعنى كما قال ابن صلاح، فبقى حجة في بابه صحيحة، ولا يضر توهم ذلك الاحتمال السابق في شيء [من] استدلالهم المتأخر، والله تعالى أعلم بالصواب.
ويضمر جوازاً فعل الفاعل المشعر به ما قبله» كقوله:
..................... يكون مزاجها عسلا وماء
فيمن رواه بنصب (عسلا) ورفع (ماء)، فإن التقدير- حينئذ-: وخالطها ماء،
وذلك مفهوم من قوله: (مزاحها)، مثل المصنف للمسألة، وتبعه الشارحون بقراءة شعبة:{يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال} ، بفتح الباء، [أي] يسبحه رجال، وبقول الشاعر:
ليُبك يزيد ضارع لخصومة [ومختبط مما تطيح الطوائح قلت]: وفيه نظر؛ لأن ذلك داخل تحت قوله: - فيما يأتي- (أو استفهام)، فإن
النحاة قسموا الاستفهام الذي يجاب إلى محقق ومقدر، وهذا من قبيل المقدر.
قال الشارح: وشرط المصنف في جواز مثل ذلك، أن لا يلتبس بالنائب عن الفاعل، فلوقيل: يوعظ في المسجد رجال-[على معنى: يعظ رجال- لم يجز، ولو قيل: يوعظ في المسجد رجال] زيد، جاز؛ لعدم اللبس.
قال: وما ذهب إليه المصنف من جواز القياس على ذلك مذهب الجرمي وابن جني، فيجوز عندهم: أكل الطعام زيد، وشرب الماء عمر- يعني بالبناء للمفعول فيهما- والجمهور على عدم اقتياسه.
وخرج صاحب البسيط الآية والبيت على حذف المبتدأ. أي: المسبح رجال، والباكي ضارع. وقيل:(يزيد) منادي و (ضارع) نائب الفاعل. «و» الفعل «المجاب به نفي» ، نحو: بلى زيد، في جواب: لم يقم أحد. «أو استفهام» نحو: نعم زيد، في جواب: هل جاءك أحد؟ .
قال الشارح: والمجاب به في ذلك مرفوع بفعل مقدر؛ لأنه جواب جملة قدم فيها الفعل، وحق الجواب أن يشاكل السؤال.
قال المصنف: والحكم بالابتداء على المجاب به نفي أو استفهام غير ممتنع؛ لأن
مشاكلة الجواب للسؤال في اللفظ غير لازمة. بل قد يكتفي فيه بالمعنى، ومنه قراءة [غير] أبي عمرو:{سيقولون لله} ، جوابا [لقوله]:{من رب السموات} ، و {من بيده ملكوت [كل شيء]} . فإن كانت جملة الاستفهام مؤخراً فيها الفعل؛ فحق الجواب- من جهة القياس- أن يؤخر فيه الفعل، لتشاكل الجملتان، لولا أن الاستعمال بخلافه، فلا يجيء [فيه] مكملا إلا والفعل مقدم على الاسم، نحو:{ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} ، {يسئلونك مذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات} ، {قال من يحيى العظم وهي رميم، قل يحيها الذي أنشأها أول مرة} ، فينبغي إذا اقتصر في الجواب على الاسم أن يقدر الفعل مقدما، لأن المكمل أصل،
والمختصر فرع، فيسلك بالفرع سبيل الأصل؛ ولأن موافقة العرب- بتقدير تقديم الفعل- متيقنة، وموافقتهم- بتقدير تأخيره- مشكوك فيها، فلا عدول عن تقدير التقديم. انتهى.
قلت: جعل تقدير الفعلية غير مشاكل للسؤال، وقد تقدم التنبيه على أنه مشاكل من/ جهة أن الاسمية الواقعة في السؤال فعلية في المعنى، من حيث أنه في معنى: أزيد قام؛ الذي هو جملة فعلية في التأويل، وكون السؤال اسمية إنما هو بحسب الظاهر.
ثم قوله: (إن الجواب لا يحيء مكملاً إلا وهو فعلية) منقوض بقوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمت البر والبحر .... } ، {قل الله ينجيكم منها
…
}، وبذلك يتبين سقوط قوله:(إن موافقة العرب- بتقدير)
تأخر الفعل – مشكوك فيها).
فإن قلت: فما السر في العدول في هذه الآية عن الجملة الفعلية التي هي مطابقة لـ[جملة] السؤال في المعنى؟
قلت: قصد الاختصاص هنا اقتضى تقديم المسند إليه.
وكان ينبغي للمصنف أن يقول: (ووجوباً فعله بما بعده) نحو: {وإن أحد من المشركين استجارك} .
«ولا يحذف الفاعل إلا مع رافعه الدلول عليه» نحو: بلى زايداً، في جواب: لا تكرم أحداً ممن أساء إليك، والكسائي يجيز حذف الفاعل لا مع الرافع له في باب التنازع وغيره، وقد أشار المصنف إلى وجه تأويل ما استدل به بقوله:«ويرفع توهم الحذف- إن خفي الفاعل- جعله مصدراً منوياً» كقوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد مارأوا الأيات ليسجننه} ـ أي بدا لهم البداء، والأولى أن يقال:(ضمير مصدر الفعل المسند)، لأن الظاهر لا ينوي بل
يحذف؛ ولأن المصدر أعم من مصدر الفعل المسند وغيره، وإضمار مصدر الفعل أكثر وأقيس، فيخص أولاً بالذكر ثم يأتي قوله: - بعد هذا- «أو نحو ذلك» . لأعم من مصدر فعل آخر أو غير ذلك مما ليس مصدراً، فهذا أحسن بلا شك، مثال ذلك: قام القوم خلا زيداً، فيجعل (خلا) محتملاً لضمير عائد: أما مصدر غير فعله، وهو مصدر الفعل المتقدم، أي: جانب قيامهم زيدا ً، وأما على القائم أو البعض المفهوم مما تقدم، أي: جانب القائم منهم أو بعضهم زيداً.
قال المصنف: ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، أي: لا يشرب الخمر شاربها.