الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس عشر
ويقال لها: التبرئة، كأنه مأخوذ من [قولك]: برأت فلانا عن كذا، إذا نفيته عنه، فهي مبرئة للجنس، أي: نافية له.
«إذا لم تكرر [لا]، وقصد خلوص العموم باسم نكرة يليها غير معمول لغيرها، عملت عمل (إن)» [وجوبا]، فاشترط لها في عملها [ذلك] أمور:
أحدها: عدم تكرارها؛ لأنها إذا تكررت لا يجب إعمالها، بل يجوز، وسيأتي.
الثاني: أن يقصد خلوص العموم، أي: نفي الجنس على سبيل التنصيص؛ لأنه إذا لم يقصد ذلك لا تعمل عمل (إن)، وإنما تعمل- حينئذ- عمل (ليس)، أو تلغى، فيليها المبتدأ والخبر، ويحتمل- حينئ- نفي الجنس ونفي الواحد، وفي عبارة الشارح: ويحتمل- حينئذ- نفي العموم. وهي معكوسة؛ إذ المحتمل [حينئذ] عموم النفي لا نفي العموم.
الثالث: أن يكون اسمها نكرة؛ لأنها لا تعمل في المعرفة إلا عند تأزيلها بنكرة.
الرابع: أن يليها الاسم؛ لأنه لو فصل بينهما فاصل لم تعمل عمل (إن)، نحو: - {لا فِيهَا غَوْلٌ} -
قال الشارح: وأجاز الرماني أن تعمل مع الفصل النصب، نحو: لا كذلك رجلا.
الخامس: أن يكون الاسم المنصوب غير معمول لغيرها؛ احترازا من نحو: - {لا مَرْحَبًا بِهِمْ} لأن (مرحبا) منصوب بفعل مقدر، وأنت خبير بأن هذا الشرط مستغنى عنه بما قبله، وهو كون الاسم واليا لها ضرورة أنه متى فرض عمل لغيرها في ذلك الاسم حصل الفصل بينهما بذلك العامل.
وقد يقال: إن قوله: (يليها) محتمل لكون الاسم يليها لفظا وإن كان ثم فاصل تقديرا، فلا يكون قوله:(يليها) بمجرده مخرجا لنحو: (لَا مَرحبَاً بِهِم)، فلما قال:(غير معمول لغيرها) علم أن المراد كونه يليها من غير فاصل ألبتة، لا ظاهر ولا مقدر، فقد استفيد/ ثانيا ما لم يستفد أولا، فلا تتجه مناقشته أصلا. «إلا أن الاسم إذا لم يكن مضافا» نحو: لا صاحب جود ممقوت «ولا شبيها به» سواء كان رافعا نحو: لا حسنا فعله مذموم، أو ناصبا نحو: لا طالعا جبلا حاضر. «ركب» الاسم «معها» أي: مع (لا) تركيب خمسة عشر. «وبني» لأجل التركيب.
قال الشارح: وهذا هو علة البناء عند سيبويه والجمهور. انتهى.
قال الرضي: ولم يقم دليل قاطع على أن (لا) مركبة مع النفي، والذي ذهب إليه بعض المحققين أن علة البناء هي تضمن معنى الحرف الذي هو (من) الاستغراقية؛ وذلك لأن قولك:(لا رجل) نص في نفي الجنس بمنزلة: (لا من
رجل)، بخلاف:(لا رجل في الدار) بالرفع كما أن ما جاءني من رجل نص في الاستغراق، بخلاف: ما جاءني رجل، [إذ] يجوز أن يقال: لا رجل في الدار بل رجلان، ولا يجوز: لا رجل في الدار- بالفتح- بل رجلان، ولا ما جاءني من رجل بل رجلان، لما أرادوا التنصيص على الاستغراق ضمنوا الاسم النكرة معنى (من)، فبنوه. «على ما كان ينصب به» فإن كان ينصب بالفتحة بني عليها نحو: لا رجل وإن كان ينصب بالياء بني [عليها] نحو: لا رجلين عندك، ولا مسلمين مخلدون في النار، وهذه العبارة- لشمولها للفتحة- والياء أولى من قولهم: يبنى على الفتح.
ويظهر من كلام بعضهم أن التنصيص على العموم مخصوص بما إذا كان اسمها مبتيا، وكلام المصنف صريح في خلافه كما علمت. «والفتح في نحو» قول الشاعر:
إن الشباب الذي مجد عواقبه *** فيه نلذ «ولا لذات للشيب
أولى من الكسر» وهذا كالاستثناء من القاعدة التي قدمها، وهي أنه يبنى على ما كان ينصب [به]، وإذا ثبت هذا عن العرب- أعني جواز الوجهين مع أولوية أحدهما، وهو الفتح- علم ضعف [قول] من عين الكسر أو الفتح؛ ولهذا قال ابن خروف: لو وقفوا على السماع ما اختلفوا.
«ورفع الخبر إن لم يركب الاسم مع (لا) بها عند الجميع» .
فـ (رفع) مصدر مبتدأ، و (بها) متعلق به، والخبر هو الظرف، أو (بها) خبر، والظرف متعلق به، يعني أن رفع خبر (لا) بها إذا انتفى تركيبها مع الاسم، نحو: لا غلام رجل عندك، ولا طالعا جبلا حاضر، قال به جميع النحاة، وكأنه اعتمد في ذلك قول الشلوبين في رفع الخبر بها عند عدم تركيبها.
قلت: ينبغي أن يكون هذا الاتفاق مخصوصا بطائفة من النحويين، وهم أهل البصرة؛ وذلك لأن الكوفيين يقولون: - في (إن) التي (لا) محمولة عليها- إنها لا عمل
لها في الخبر مطلقا فما ظنك بهذه؟ «وكذا مع التركيب على الأصح» . تكون (لا) عاملة في الخبر؛ لأن ما استحقت به العمل باق، والتركيب لا يبطله، هذا مذهب الأخفش والمازني وجماعة، وهو الأصح عند المصنف، وذهب قوم إلى أنها إذ ذاك- أعني عند التركيب- لا تعمل في الخبر، بل النكرة مع (لا) في موضع رفع بالابتداء، والخبر خبر المبتدأ، فهو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، بدلبيل حمل جميع توابعها على الموضع قبل الخبر، ولولا أنها في موضع رفع بالابتداء لم يجز ذلك.
قال الشارح وهذا ظاهر مذهب سيبويه.
قلت: وبعضهم يبت القول بأنه مذهب سيبويه.
قال ابن هشام: والذي عندي أن سيبويه يرى- في (لا رجل) - أن كلمة (لا) لا عمل لها في الاسم ولا في الخبر، لأنها صارت كجزء كلمة؛ ولهذا جعل النصب- في لا رجل ظريفا كالرفع في (يا زيد الفاضل)، لا على نحل الاسم بعد (لا).
وفرق قوم بين ظهور عمل (لا) وعدم ظهوره، فقالوا: - في نحو: (لا رجل فاضلا) بالنصب- إن الخبر هنا مرفوع بـ (لا)، وذلك أن عامل الصفة عامل الموصوف، فلما انتصب الوصف بـ (لا) علمنا أن (لا) قد نصب الموصوف أيضا، فإن قلت. (لا غلام ظريف) برفع الصفة، فرفع الخبر بالابتداء؛ لا تفاقهم إلا الأخفش/ أن عامل الصفة هو عامل الموصوف.
قلت: وقد عرفت أن قولهم: - في نحو: (لا رجل فاضلا) - إن الوصف قد انتصب بـ (لا) دعوى قابلة للمنع.
وتظهر فائدة الخلاف في نحو قوله:
فلا لغو ولا تأثيم فيها *** .......................
فإن قلنا: بأن الخبر مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول (لا) كان (قفيها) خبرا عنها، إذ (لا) الأولى ملغاة، فما بعدها مرفوع بالابتداء، و (لا) الثانية مع الاسم المركب معها في محل رفع بالابتداء، فلا محذور في جعل (فيها) خبرا من هذين المبتدأين، وخبر الآخر محذوفا.
«وإذا علم» خبر (لا) بقرينه لفظية أو حالية «كثر حذفه عند الحجازيين» نحو: {قَالُوا لا ضَيْرَ} / ومنه: (لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي).
قال ابم الحاجب: وليس (ذو) و (علي) خبرين؛ أنهما مستثنيان من مذكور، والمستثنى كذلك لا يكون خبرا عن المستثنى منه، لأنه لم يذكر إلا ليبين ما قصد
بالمستثنى منه. واحترز بقوله: (من مذكور) من نحو: - {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} «ولم يلفظ به [حينئذ]» أي [حين] إذ علم «عند التميميين» .
وإنما قال: (حينئذ) دفعا لتوهم من يتوهم أن (ولم يلفظ به) مستأنف لا مرتب على شرط العلم، وأما إذا لم [يعلم] الخبر لانتفاء القرينة الدالة عليه لم يجز حذفه عند أحد لا التميميين ولا غيرهم نحو:(لا أحد أغير من الله).
قال الشارح: ومن نسب إلى التميميين التزام الحذف مطلقا كالزمخشري، أو بشرط أن لا يكون ظرفا كالجزولي، فبيس بمصيب. «وربما أبقى» الخبر «وحذف الاسم» كقولهم:(لا عليك)، أي: لا بأس علعيك.
و[قد] خرج بعضهم بيتا على حذف الجزءين معا، وذلك أن الفراء وأصحابه تمسكوا بقول الشاعر:
فخير نحن عند الناس منكم *** إذا الداعي المثوب قال: يالا
على زعمهم أن أصل (يالزيد): يا آل زيد، فقال هذا المخرج: لا دليل فيه، لجواز أن يكون الأصل: يل قوم لا فرار، فحذف المنادى وجزآ (لا)؛ لأن كل واحد منهما ثبت له جواز الحذف، فلا ضير إذا جمع جائز إلى جائز.
«ولا عمل لـ (لا) في لفظ المثنى من نحو: لا رجلين فيها» .
وكذا المجموع على حدة، نحو: لا مسلمين عندك، وكان ينبغي ذكره؛ لأن حكمهما في ذلك واحد. «خلافا للمبرد» فإنه يقول: إن (لا) عاملة (في لفظ المثنى، وكذا) في لفظ المجموع على حده، فهما عنده معربان لا مبنيان.
قال الرضي: فإن قال لأن النون كالتنوين الذي هو دليل الإعراب، فمنقوذ بنحو: يا زيدان، ويازيدون، وهما مبنيان مع وجود النون، إذ لو كانا معربين لقيل: يازيدين، ويازيدين، والنون ليس كالتنوين في الدلالة على التمكن، ونقل عنه أنه قال: لأن المثنى والمجموع في حكم المعطوف والمكعطوف عليه، [والمعطوف عليه] مضارع [للمضاف]، فيجب النصب، ورد بأن النسق الذي يكون التابع والمتبوع فيه كاسم واحد، كما في باب النداء في نحو: يا ثلاثة وثلاثين، ولا شك أن المثنى والمجموع مثل هذا المنسوق، لكنه ينتقض بنحو: يا زيدان، ويازيدون، وقيل: إنما قال ذلك/ ليس شيء من المركبات يثنى فيه
الجزء الثاني أو يجمع، والجواب أنه لم يقم دليل قاطع على أن (لا) مركب، كما مر، ولو سلمنا فليس بناؤه للتركيب كما مر، وإن سلمنا فنحن مقول: حضرموتان، وحضرموتون في المسمى بـ (حضر موت). وهذا كلامه.
«وليست الفتحة في نحو: (لا أحد فيها) إعرابية، خلافا للزجاج والسيرافي» فإنهما ذهبا إلى أن الفتحة في ذلك إعرابية، وإنما وقع الاختلاف بينهم لاحتمال قول سيبويه؛ وذلك لأنه قال:«ولا» تعمل فيما بعدها فتنصبه من غير تنوين. /ثم قال: وإنما ترك التنوين في معمولها؛ لأنها جعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد كخمسة عشر.
فقال الزجاج: مراده أنه معرب، لكنه مع كونه معربا ركب مع عامله لا ينفصل عنه، كما لا ينفصل (عشر) من (خمسة عشر)، فحذف التنوين مع كونه معربا؛ لتثاقله بتركيبه مع عامله.
وقال السيرافي: إنما ركب مع عامله لإفادة (لا) التبرئة الاستغراق، كما أفادته (من) الاستغراقية في نحو: هل من رجل في الدار، [ولا رجل في الدار، جواب: هل من رجل]، فركبوا (لا) مع النكرة، كما أن (من) مركب معها تطبيقا للجواب بالسؤال، ثم حذف التنوين؛ لتثاقل الكلمة بالتركيب مع كونها معربة.
وقال المبرد: مراده أنها نصبته أولا: لكن بني بعد ذلك، فحذف منه التنوين للبناء، كما حذف في (خمسة عشر) للبناء اتفاقا.
قال الرضي: والأولى ما ذهب إليه المبرد وأصحابه؛ لأن حذف التنوين في
حال الوصا من الاسم المنون لغير الإضافة والبناء غير معهود، وأيضا التركيب بين (لا) والمنفس ليس بأشد منه بين المضاف والمضاف إليه والجار والمجرور، ولا يحذف التنوين من الثاني في الموضوعين.
«ودخول الباء على (لا) يمنع التركيب غالبا» . فتقول: جئت بلا مال، وغضبت من لا شيء، بالتنوين، ولا تركب لتعذر تقدير (من) بعدها؛ إذ لا يجوز: بلا من مال، ومن لا من شيء.
وأشار بقوله: (غالبا) إلى قول بعض العرب: جئت بلا شيء- بالفتح- وهذا مما رد به على الزجاج والسيرافي في دعواهما أن الفتحة- في [نحو]: (لا رجل) - إعرابية، فثبت أن الفتحة فيه بنائية، وأنت خبير بأن التعليل المتقدم إنما يأتي عند من جعل علة البناء تقدير (من) لا التركيب.
«وربما ركبت النكرة مع (لا) الزائدة» كقوله:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها *** إذن للام ذوو أحسابها عمرا
قال أبو الفتح بن جني: أنشد أبو الحسن في المعاني هذا البيت مستدلا به على أن الحرف الزائد قد يعمل، فسألت أبا علي فقلت: الزائد العامل (لم) أو (لا)؟ . فقال: لم تأت (لم) زائدة في كلامهم، فيجب أن يكون (لا)، وهي قد عملت النصب في الاسم.
«وقد يعامل غير المضاف معاملته» أي: معاملة المضاف. «في الإعراب ونزع التنوين» نحو: لا أبالك فيها. «و» نزع «النون» نحو: لا غلامي لك فيها. «إن وليه مجرور بلام» كما رأيت في المثالين.
واحترز بقوله: (وليه) من أن يقع فصل كما سيأتي. وقيد الجر باللام احترازا من أن يقع الجر بغيرها فيتعين- حينئذ- حذف الألف وإثبات النون، نحو: لا أب فيها، ولا غلامين فيها، وإن ورد خلاف ذلك فشاذ أو مؤول.
«معلقة بمحذوف غير خبر» كما مر، فلو جر بلام متعلقة بمذكور أو
محذوف هو خبر تعين حذف الألف وإثبات النون، نحو: لا أب بار لك، ونحو: لا أب لك، إذا جعلت (لك) متعلقا بمحذوف هو خبر.
ولم يقيد المصنف غير المضاف بأسماء بعينها، بل عمم في المتن، ومثل في الشرح بلا غلام لك، يعني: فلك تقدير حركته فتحا ونصبا، واقتضى كلام غيره، أن المسموع في ذلك هو الأب والأخ والمثنى والمجموع على حدة، وخص في الارتشاف المثنى باليدين، وعلى التقديرين- في لا غلام لك- يظهر الاختلاف في اللفظ في نحو لا مسلمات لك فإن جعلنا الحركة إعرابية تعين الكسر، وإن جعلناها بنائية فلك الفتح والكسر، والفتح أولى.
ثم أعلم أن ما ذكره المصنف من أن الاسم الواقع بعد (لا) في الضابط الذي ذكره غير مضاف، هو مذهب هشام وابن كيسان، واختاره المصنف وابن الحاجب، وذهب الخليل وسيبويه والجمهور إلى أن هذا المذكور مضاف حقيقة/ باعتبار المعنى.
واعترض بأن اللام لا تظهر بين المضاف والمضاف إليه، بل تقدر، وأجيب بأن اللام ههنا أيضا مقدرة، وهذه الظاهرة تأكيد لتلك المقدرة كـ (تيم) الثاني في:
يا تيم تيم عدى .... *** ...............................
على من قال: إن (تيم) الأول مضاف إلى (عدي) الظاهر، فيكون الفصل بين المضاف والمضاف إليه كلا فصل.
فسئل: ما الحامل على الفصل بينهما باللام المقحمة توكيدا دون سائر الإضافات المقدرة باللام؟ .
فأجيب بأنهم قصدوا نصب هذا المضاف المعرف بـ (لا) من غير تكريرها تخفيفا وحق المعارف المنفية بـ (لا) الرفع مع تكرير (لا)، ففصلوا بين المتضايفين لفظا حتى يصير المضاف بهذا الفصل كأنه ليس بمضاف، فلا يستنكر نصبه وعدم تكرير (لا).
والدليل على قصدهم لهذا الغرض أنهم لا يعاملون بهذه المعاملة المنفي المضاف إلى النكرة، فلا يقولون: لا أبا لرجل حاله كذا، ولا غلامي لشخص نعته كذا،
والدليل على أنه مضاف قوله:
وقد مات شماخ ومات مزرد *** وأي كريم لا أباك مخلد
وقول الآخر:
أبالموت الذي لابد أني *** ملاق لا أباك تخوفيني
فصرح بالإضافة، وهو شاذ لا يقاس عليه، وتخريج المصنف لذلك- على أنه دعا على المخاطب بأن لا يأباه الموت فجعله [فعلا] ماضيا والكاف مفعولا به- يضعفه وروده حيث بم يذكر الموت كقوله:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أما المصنف فاعترض بقولهم: (لا أبالي)، و (لا أخالي)، إذ لو كان الاسم مضافا-كما زعموا- لقالوا:(لا أب لي)، و (لا أخ لي) بكسر الباء والخاء، إشعارا بأنها متصلة بالياء تقديرا، فإن اللام لا اعتداد بها على قولهم.
والجواب: أنه [لم] يكسروا الباء و [لا] الخاء، لأن الياء غير مباشرة للآخر. واللام الجارة هي المباشرة له لفظا.
واعترض أيضا بأن الإضافة إن كانت محضة لزم كزن اسم (لا) معرفة.
وإن كانت غير محضة لزم مخالفة النظائر، لأنها لا تكون إلا فيما عمله عمل الفعل، أو في معطوف على ما لا يكون [إلا] نكرة.
والجواب: أنه منقوض بـ (غيرك) و (شبهك) ونحوهما، فإن الإضافة في ذلك غير محضة، وليست شيئًا مما ذكر.
وأما ابن الحاجب فاعترض: بأنه لو كان المذكور مضافًا حقيقة لكان معرفة فوجب رفعه وتكرير (لا).
والجواب: أنه ترك الرفع والتكرير؛ لكونه في صورة النكرة، والغرض من الفصل باللام أن لايرفع ولا تكرر [لا]، فكيف يرفع وتكرر مع الفصل باللام! ! .
واعترض أيضًا بأن (لا أبالك)، و (لا أب لك) سواء في المعنى اتفاقًا، و (لا أب لك) نكرة بلا خلاف، فيلزم أن يكون (لا أبالك) نكرة؛ إذ المعرفة لا توافق النكرة معنى.
والجواب: أن الاتفاق في المعنى إنما هو بالنسبة إلى الجملتين وهما (لا أبا لك) و (لا أب لك)، ولم يتفقوا أن (أبا لك) و (أب لك) بمعنى واحد، وقد يكون المقصود من الجملتين واحدًا، مع أن المسند إليه في إحداهما معرفة، وفي الأخرى نكرة، والمسند- أي: خبر (لا) في (لا أبا لك) - محذوف، أي:(لا أبا لك موجود)، وأما في (لا أب لك) فالخبر هو (لك)، أي:(لا أب موجود لك)، فالجملة الأولى
بمعنى: لا كان أبوك موجودًا، والثانية بمعنى: لا وجد لك أب. وفحوى الجملتين واحدة مع كون المسند إليه في إحداهما معرفة، وفي الأخرى نكرة. كذا قرره الرضي. «فإن فصلها» أي: فإن فصل النكرة الواقعة بعد (لا) عن المجرور باللام «جار آخر» نحو: (لا يدي بها لك). «أو ظرف» نحو: (لا يدي اليوم [لك]، و (لا غلامي عندي لك). «امتنعت المسألة في الاختيار» لا في الضرورة «خلافًا ليونس» فإنه أجاز ذلك في الاختيار كما مثلنا، وأشار سيبويه إلى جوازه في الضرورة.
- «وقد يقال- في الشعر- لا أباك» كالبيتين اللذين أنشدناهما آنفا. 213
قال المصنف: أصله عنهم (لا أبا لك)، فإن زعموا أن الضمير مخفوض بالإضافة، فكيف يكون اسم (لا) معرفة! ! .
فإن قالوا: الإضافة غير محضة لتقدير اللام، لزم تقدير المحض غير محض.
وإن قالوا: الجر بلام مقدرة، لزم اتصال الضمير المجرور بغير جاره، ولا نظير لذلك، وإنما هذا عندي دعاء. وقد تقدم ذلك وتقدم رده، وأنت خبير بأن هذا الكلام مخالف لما قرره في الأصل.
طالع جبلًا، وهذا مبني على أن الاسم معرب، ولكن ترك تنوينه لشبهه بما يجب ترك تنويه، وهذا مذهب البغداديين، ويقولون: كما حمل [على] المضاف في الإعراب، حمل عليه في ترك التنوين.
فإن قيل: لأي شيء كان إجراؤه مجرى المضاف في ا؟ لإعراب واجبًا وفي ترك التنوين جائزًا؟
قلنا: الأصل في الاسم التمكن. بل الأمكنية، فيكون معربًا منونًا، فحمل على المضاف في الإعراب وجوبًا؛ لأنه حمل يقتضي بقاءه على أصله، وجعل عليه في ترك التنوين جوازًا؛ لأنه حمل يقتضي خروجه عن أصله.
قال ابن هشام: وعلى قولهم يتخرج الحديث: (لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت). وأما قول البصريين فيجب تنوينه، ولكن الرواية إنما جاءت بغير تنوين. هذا كلامه في مغني اللبيب.
قلت: وقد رددناه في الحاشية، وفي مصابيح الجامع الذي [علقته] على البخاري بأن هذا يتخرج أيضًا على قول البصريين، بأن يجعل (مانع) اسم (لا) مفردًا مبنيًا: إما لتركيبه معها تركيب (خمسة عشر)، وإما لتضمنه (معنى)(من) الاستغراقية على الخلاف المتقدم، والخبر محذوف، أي لا مانع مانع لما أعطيت، واللام