المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب العشرون«باب اشتغال العامل» - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٤

[بدر الدين الدماميني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الخامس عشر«باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر»

- ‌«فصل» في المواضع التي تكسر فيها همرزة (إن) أو تفتح

- ‌«فصل»: في الكلام على لام الابتداء الواقعة في هذا الباب، وعلى لامات تزاد في محال مخصوصة

- ‌«فصل»: في الكلام على ما هو ثابت بالوضع لـ (إن) من عدم الإعمال، وما يعرض لها من التخفيف والإعمال والإهمال حينئذ، ودخول لام الفرق، وما يتعلق بذلك، والكلام على (لكن) وتخفيفها، ودخول (ما) الكافة

- ‌«فصل»: في الكلام على شيء من أحوال (أن) المفتوحة و (كأن) و (لعل)

- ‌«فصل»: في التوابع التي تذكر في هذا الباب

- ‌الباب السادس عشر«باب (لا) العاملة عمل (إن)»

- ‌«فصل» في الكلام على بطلان عمل (لا)، وفي فروعٍ تتعلق بها وبتوابع اسمها

- ‌الباب السابع عشر«باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر»

- ‌«فصل»: في/ الكلام على القول وما يتفرع منه من الأفعال وغير ذلك

- ‌«فصل» في الكلام على ما ينصب ثلاثة مفاعيل

- ‌الباب الثامن عشر«باب الفاعل»

- ‌الباب التاسع عشر«باب النائب عن الفاعل»

- ‌«فصل»: في كيفية بناء الفعل لما لم يسم فاعله

- ‌«فصل» فيما يعرض للفاعل وتائبه من وجوب البقاء على الأصل والخروج عنه

- ‌الباب العشرون«باب اشتغال العامل»

الفصل: ‌الباب العشرون«باب اشتغال العامل»

‌الباب العشرون

«باب اشتغال العامل»

فعلاً كان نحو: زيداً ضربته، أو ما يعمل عليه عمله نحو: أزيداً أنت ضاربه؟ .

قال ابن الضائع: ولا يدخل هنا سوى اسم الفاعل واسم المفعول، دون الصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل؛ إذ الصحيح أنه لا يفسر هنا إلا ما يجوز عمله فيما قبله. «عن الاسم السابق بضميره» متعلق بـ (اشتغال)، والمضمر المضاف إليه عائد على الاسم السابق. «أو ملابسه» عطف على المضاف من قوله (بضميره)، أي اشتغال العامل بضمير الاسم السابق أو بملابس ذلك الضمير.

ثم الملابسة إما بدون واسطة نحو: زيد ضربت غلامه، أو بواسطة نحو: زيد ضربت رجلاً يحبه.

«إذا انتصب لفظاً» نحو: زيد ضربته «أو تقديراً» نحو: زيد مررت به «ضمير اسم سابق» كما مثلنا.

وخرج ما إذا كان الضمير لاسم متأخر نحو: ضربته زيداً، فإنه لا يكون من هذا الباب، بل إن نصب (زيد) فهو بدل من الهاء، وإن رفع فهو مبتدأ خبره ما

ص: 275

قبله. «مفتقر لما بعده» صفة ثانية لـ (اسم)، أي يكون ذلك الاسم السابق مفتقراً لما بعده كما تقدم، نحو: زيد ضربته، وزيد مررت به، واحترز بذلك من نحو: في الدار زيد فأكرمه، فإن (زيداً) في هذا التركيب غير مفتقر لما بعده من قولك:(فأكرمه)؛ ولهذا قال سيبويه: في قوله [تعالى]: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} - إنه ليس من هذا الباب لأن التقدير عنده: وفيما ينلى عليكم حكم السارق والسارقة، فلا يكون- حينئذ- السابق مفتقراً لما بعده. «أو» انتصب لفظاً أو تقديراً «ملابس ضميره» أي ضمير الاسم المفتقر لما بعده نحو: زيد ضربت غلامه، وزيد مررت بغلامه.

«بجائز العمل فيما قبله» يتعلق بـ (انتصب)، فخرج نحو: زيد ما أحسنه، ونحو زيد عليكه، وزيد إنه فاضل، وزيد ضربكه قبيح.

«غير صلة» نحو: زيد أنا الضاربه، لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول والظاهر أن هذا استثناء منقطع، لأن ما ذكره من هذا وما بعده لا يشمله قوله أولاً (بجائز العمل فيما قبله) وقول الشارح: الأظهر أنه متصل؛ لأنه جائز العمل فيما لولا المانع. ليس بأظهر، بل ولا ظاهر. «ولا مشبه بها» أي: بالصلة في تتميم ما قبلها، وهو الصفة، ومن ثم امتنع النصب في: {وكل شيء فعلوه في

ص: 276

الزبر}. «ولا شرط مفصول بأداته» نحو: زيد إن رأيته أكرمته، بخلاف نحو: إن زيداً لقيته فأكرمه، فهذا واجب النصب، وذاك واجب- الرفع. «ولا جواب مجزوم» نحو: زيد إن يقم أكرمه، ولو أسقط قوله:(مجزوم) لكان أولى ليعلم أنه كلما لا يجوز النصب في المثال الذي ذكرناه، ولا يجوز نحو: زيد إذ جاء رأس الشهر فأكرمه.

فإن قيل: لو أطلق لدخل تحت المنع نحو: زيد إن جاء رأس الشهر أكرمه، برفع (أكرمه).

قلنا: [لا] فإن المرفوع ليس جواباً بل دليل الجواب، وتسميته جواباً تجوّز من قائله. «ولا مسند إلى ضمير للسابق متصل» نحو: زيداً ظنه ناجياً، (بمعنى: ظن نفسه؛ إذ لا يجوز بإجماع في باب من الأبواب تعدي فعل الضمير المتصل إلى ظاهره، نحو: زيداً ضرب، وهذا إنما امتنع إذا نصبت (زبداً) في قولك: زيداً ظنه ناجياً)؛ لما قلنا، أما [لو] رفع فالتركيب صحيح؛ إذ ليس فيه إلا تعدي فعل الضمير المتصل إلى ضميره المتصل، وذلك جائزة في باب (ظن)، وأما (زيد ضربته) فممتنع رفعت (زيداً) أو نصبته، وهو ظاهر.

ص: 277

واحترز بقوله: (متصل) من أن ينفصل الضمير فتجوز المسألة نحو: زيداً لم يظنه ناجياً إلا هو.

«ولا تالي استثناء» نحو: ما زيد إلا بضربه عمرو، ومن ثم ردَّ قول من زعم: -

في {وإن كلا لما ليوفينهم} .. كون (إن) نافية واللام من (لما بمعنى (إلا) و (وكلاً) منصوباً بمحذوف يفسره (ليوفينهم)، وفيه مانع آخر، وهو لام القسم. «أو» تالي «معلّق» بكسر اللام، أي: شيء يعلق ما قبله عن العمل فيما بعده، نحو: زيد كيف وجدته؟ ولهذا قال سيبويه: في قوله:

آليْتُ حَبّ العراق الدهر أطعمه .................................

ص: 278

#؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟

والصواب الأول. «أو» تالي «حرف ناسخ» نحو: زيد كأني أحبه، أو ليتني ألقاه، أو لعلّي أصادفه. «أو» تالي «كم الخبرية» نحو: زيد كم نهيته، فأما الاستفهامية فداخلة في المعلق، ولو أسقط هذا القيد لكان أولى؛ لئلا يتوهم أن مفهوم الصفة قاض على مفهوم العام هناك، بل لو أسقط [قوله]:(كم الخبرية) أصلاً ورأساً لكان حسناً؛ لأن الظاهر أنها تعلق كالاستفهامية وفي الكشاف في قوله تعالى: {سل بني إسراءيل كم اتينهم من اية بينة} أنه يجوز كون (كم) استفهامية، وكونها خبرية، وأن معنى الاستفهامية هنا التقرير، وإذا كان كذلك فهي داخلة في المعلق فلا حاجة إلى ذكرها ثانياً. «أو» تالي «حرف تحضيض» نحو: زيد هلا أكرمته، «أو عرض» نحو: زيد ألا تكرمه. «أو تمنّ بـ (ألا» ) نحو: العون على

ص: 279

الخير ألا أجده، وأما التمني بغير (ألا)، فلا يليه إلا الاسم، نحو: ليت زيداً [أراه]، ولا يكون الاسم فيه منصوباً على الاشتغال، بل على أنه اسم (ليت).

قال المصنف وإجراء التحضيض والعرض والتمني [بألا] مجرى الاستفهام في منع تأثر ما قبلها بما بعدها هو مذهب المحققين من العارفين بكتاب سيبويه، وقد عكس قوم الأمر فجعلوا توسط التحضيض وأخويه قرينة ترجع نصب الاسم السابق، وممن ذهب إلى هذا أبو موسى الجزويلي، وهو ضد مذهب سيبويه.

«وجب نصب» الاسم «السابق» على العامل الذي هو جائز العمل فيما قبله، وهذا جواب (إذا) في قوله: - أول الباب- (إذا انتصب لفظاً أو تقديراً ضمير اسم سابق .... )، وقوله:«إن تلا» قيد في وجوب نصب السابق، أي [إن] تلا السابق «ما يختص بالفعل» كـ (إذا) الشرطية و (إن) وأخواتها من أدوات الشرط الجازمة و (لولا) الامتناعية والتي بمعنى (إن)، وأدوات التحضيض، تقول: إذا زيداً لقيته فأكرمه، وإن عمراً رأيته فأحسن إليه، وعلى ذلك فقس. «أو» تلا السابق «استفهاماً بغير الهمزة» نحو: هل زيداً ضربته؟ وهذا مقيد بأن يجيء بعدها اسم

ص: 280

وفعل كما مثلنا، وأما إذا كان بعدها جملة اسمية ذات وجه واحد مثل: هل زيد أنا/ ضاربه، فلا يتعين نصب الاسم الذي يليها. ولا إشعار لكلام المصنف بهذا القيد، على أن كلامه أيضاً يقتضي- بحسب الظاهر- أنه لا قبح في مثل: هل زيداً ضربته؟ . وكلام الرضي صريح في خلاف ذلك، فإنه قال:

يقبح دخول (هل) على فعلية مع الفصل بينها وبين الفعل باسم، نحو: هل زيداً ضربت؟ وعلى فعلية مقدر فعلها مفسر بفعل ظاهر، نحو: هل زيداً ضربته؟ والنصب هاهنا أحسن القبيحين. «بعامل» يتعلق بالمصدر [من] قوله: (وجب نصب السابق) أي: يتحتم أن ينصب بعامل «لا يظهر» أي: يجب عدم ظهوره، لكون المفسر المتأخر عوضاً منه، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، هذا مذهب البصريين وعليه المعّول.

وقال المصنف: قلت: (بعامل) لأعمّ الفعل وشبهه، نحو: أزيداً أنت ضاربه؟ ، [التقدير]:[أضارب][زيداً أنت ضاربه]؟ .

قلت: تمثيله بذلك غير جيد؛ لأن كلامه فيما يجب نصبه، والنصب في هذا المثال غير واجب.

ص: 281

قال الشارح: ولم يبين المصنف إعراب هذه المسألة، وأجاز صاحب البسيط فيها أن يكون نصب زيد بإضمار فعل، وأن يكون بتقدير اسم الفاعل، لصحة اعتماده، وهو مبتدأـ، و (أنت) مرتفع به، أو يكون اسم الفاعل المقدر خبراً لـ (أنت) مقدماً، و (ضاربه) على [هذا] التقدير خبر مبتدأ آخر. «موافق للظاهر» لفظاً ومعنى، نحو أزيداً ضربته؟ ، التقدير: أضربت زيداً ضربته؟ . «أو مقارب» نحو: زيداً مررت به، التقدير: جاوزت زيداً، ونحو: زيداً ضربت أخاه، أي: أهنت زيداً، وذلك لأنه لازم عن (ضربت) المذكور، فإن ضرب أخي زيد ملزوم لإهانة زيد.

فإن قلت: أيّ لزوم بينهما مع أنا نقول: ضربت زيداً وأكرمت أخاه، وأنا قد نضرب الأخ ونغفل عن أخيه، ولا نريد بضربه إهانته ولا غير إهانته؟ .

قلت: لم ندّع اللزوم العقلي فيلزمنا ما ذكرت، بل اللزوم العادي العرفي، فإنك تجد أهل العرف ينسبون فاعل ذلك إلى الجهل فيقولون: انظر إلى صنع فلان ما أعجبه، يضرب إنساناً ويكرم أخاه، يقولون: - لمن ضرب شخصاً له أخ- ما ضربه، وإنما ضرب أخاه، وعلى هذا فلو قدرت لـ (زيداً) - في مثال النحويين

ص: 282

- (ضربت) لم يكن بعيداً، ويكون ذلك الضرب كناية عن الإهانة، والضرب المذكور مراداً به الضرب الحقيقي.

«وقد يضمر مطاوع الظاهر فيرفع السابق» . ثم المطاوع المقدر على قسمين: إما لفظي كما في قوله:

لا تجزعي إن منفس أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

ص: 283

أي: إن هلك منفس، وهو مطاوع (أهلكته)، يقال: أهلكه فَهَلكَ، فهذا مطاوع لفظي.

وإما معنوي كما في قوله:

أتجزع إن نفس أتاها حمامها .................................

أي: أن هلكت نفس، فهذا مطاوع بحسب المعنى فقط؛ إذ (أتاها حمامها) في معنى (أهلكت).

ص: 284

«ويرجح نصبه على رفعه بالابتداء إن أجيب به استفهام بمفعول ما يليه» نحو: زيداً ضربته، جواباً لـ (أيهم ضربت؟ ). ولا حاجة إلى قوله:(ما يليه)؛ لأنه لا يكون إلا كذلك، أي: لا يكون المشتغل عنه جواباً لاستفهام بمفعول إلا وذلك المفعول مفعول للفعل الذي يليه المشتغل عنه، وإلا فلا يكون المشتغل عنه جواباً لذلك الاستفهام، وقد فرضنا أنه جواب. «أو بمضاف إليه مفعول ما يليه» نحو: زيداً ضربت غلامه، جواباً [لـ «غلام أيهم ضربت؟ » .

وخرج بذكر المفعول في المسألتين ما يكون جواباً] لقول القائل: أيهم ضربته؟ أو غلام أيهم ضربته؟ بالابتداء فيهما، فالرفع في:(زيد ضربته) المجاب به ذلك [أكثر منه] في: (زيد ضربته) المقول ابتداءً؛ لأن فيه ما في ذلك من عدم مرجح التقدير وأمراً زائداً، وهو قصد تناسب الجواب والسؤال.

وهاهنا نكتة ينبغي التنبيه عليها، وهي أن قولهم:(أيهم ضربته؟ ) دليل على بطلان قول الفارسي: في قول الزباء:

ص: 285

ما للجمال مشيها وئيدا ......................................

لايكون (مشيها) - فيمن رفع- بدلاً من ضمير الظرف؛ لعدم ذكر الهمزة، لأنا نقول: لو أجري على ضمير الاستفهام ما أجري على الاستفهام لامتنع: (أيهم ضربته؟ ) رفعت (أيا) أو نصبتها؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، فكذا يكون ضميره.

وحل شبهته التي عرضت له- وهي أن الظاهر عين المضمر- أنه/ عينه في المعنى الذي هو به اسم، وهو معنى الوضعي لا التضمني الذي هو به شبيه الحرف، وبه امتنع إعرابه؛ لأن الحرف يأتي مجيء الضمير، بدليل أن الحروف لا تفسر الضمائر، «أو ليه فعل أمر» أي: فعل يفهم منه معنى الأمر، فإضافة الفعل إلى الأمر بهذاالاعتبار، فخرج نحو: زيد أسمع به- في التعجب-؛ لأنه ليس

ص: 286

بمفهم معنى الأمر. وشمل كلامه نحو: زيداً اضربه، ونحو: زيداً ليضربه عمرو؛ لأن لام الأمر ليست من أدوات الصدور، ونحو: الأولادَ يرضعن الوالدات، مما صورته صورة الخبر ومعناه الأمر، فالنصب راجح في الصور الثلاث. وشمل كلامه أيضاً الأمر المراد بما قبله الخصوص كبعض ما مر، أو العموم نحو: اللذين يأتيانك اضربهما، هذا مذهب سيبويه.

وزعم ابن بابشاذ وابن السيد أن الأمر الذي يراد بما قبله العموم يختار فيه الرفع استناداً إلى قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقد مَّر أن سيبويه لا يرى ذلك من هذا الباب، وأن الكلام جملتان. «أو» وليه فعل «نهي» نحو: زيداً لا تضربه. «أو دعاء» يشمل ثلاث صور كالأمر، نحو: زيداً رحمه الله، أو ليجزه الله خيرا ً، أو أصلح اللهم شأنه.

وإنما رجح النصب حيث يليه فعل أمر أو نهي أو دعاء؛ لأن وقوع هذه الأشياء خبرا ً لمبتدأ قليل في الاستعمال، وذلك لأن كون الجملة الطلبية فعلية أولى إن أمكن لاختصاص الطلب بالفعل. «أو ولي هو» أي: الاسم المشتغل عنه «همزة استفهام» نحو: أزيداً ضربته؟ لأن الاستفهام في الحقيقة لمضمون الفعل، فإيلاؤه لفظاً أو تقديراً لما يستفهم

ص: 287

عن مضمونه أولى، وقال الشارح: لأن الغالب فيها أن يليها الفعل.

واحترز بقوله: (أو ولي هو)[من] أن تليه الهمزة، فيجب الرفع نحو: زيد أضربته وبالهمزة عن غيرها من أدوات الاستفهام لوجوب النصب بعدها كما سبق.

«أو» ولي هو أيضاً «حرف نفي» لنظير ما قدمناه في تعليل أولوية همزة الاستفهام بالفعل. «لا يختص» صفة لـ (حرف نفي)، فشمل (ما) و (لا) و (ن)، نحو: ما زيداً لقيته، ولا ضربته ولا عمراً، وإن زيداً ضربته، واحترز بذلك عن:(لم) و (لمّا) و (لن)؛ لأن كلاً منها حرف نفي مخنص بالفعل، فلا يليها الاسم إلا في الضرورة كقوله:

ظننت فقيراً ذا غنى ثم نلته

فلمْ ذا رجاء ألقه غير واهب

«أو» ولي [هو] أيضاً «حيث» نحو: حيث زيداً تلقه فأكرمه؛ لأن في

ص: 288

(حيث) معنى المجازاة. «أو» ولي هو أيضاً «عاطفاً على جملة فعلية تحقيقاً أو تشبيهاً» وهذا التقسيم للعاطف، وكان الأولى ذكره إلى جانبه؛ لئلا يتوهم رجوعه إلى قوله:(جملة فعلية) ـ فمثال ما ولي العاطف على الفعلية تحقيقاً: قام زيد وعمراً كلمته، قال تعالى:{فدمرنهم تدميرا، وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقهم} ، ومثال ما ولي العاطف على الفعلية تشبيهاً: أتيت القوم حتى زيداً مررت به، وضربت القوم حتى زيداً ضربت أخاه، وذلك لأن (حتى) إنما يعطف بها المفرد لا الجملة، فهي هنا حرف ابتداء، ولكن لما وليها- في اللفظ- بعض ما قبلها أشبهت العاطفة فأعطي تاليها ما أعطي تالي الواو، وليس الغرض من ترجيح نصب ما بعد العاطف إلا تعادل اللفظ ظاهراً؛ فلذلك ترجح بعد (حتى) هذه.

قال المصنف في الشرح: فإن قلت ضربت القوم حتى زيداً ضربته، فلأجود أن تنصب زيداً بمقتضى العطف، وتجعل (ضربته) تأكيداً انتهى.

فإن قلت: ما هو المؤكد؟ قلت: ضرب زيد الثابت له بقضية العطف، فهو مؤكد لبعض ما أفهمه الكلام السابق.

على أن بعضهم اعترض على المصنف في جعل الجملة تأكيداً بأنه إذا دار

ص: 289

الأمر بين حملها على التأسيس أو التأكيد، كان جعلها للتأسيس أولى/وههنا أمكن كونها تأسيسية بأن تجعل نصب زيد من باب الاشتغال. «[أو] كان الرفع يوهم وصفاً مخلاً» . كما إذا أردت- مثلاً- أن تخبر أن كل واحد من مماليكك اشتريته بعشرين ديناراً وأنك لم تملك أحداً منهم إلا بشرائك أنت بهذا الثمن، فقلت: كل واحد من مماليكي اشتريته [بعشرين] بنصب (كل)، فهو نص في المعنى المقصود؛ لأن التقدير: اشتريت كل واحد من مماليكي بعشرين، فلو رفعت لفظ (كل) احتمال أن يكون (اشتريته) خبراً له، [وقولك:(بعشرين) متعلقاً به، أي كل [واحد] منهم مشترِّي بعشرين، وهو [المعنى] المقصود، واحتمل أن يكون (اشتريته) صفة لكل واحد، وقولك:(بعشرين) هو الخبر، أي كل من اشتريته من مماليكي فهو بعشرين، فرفعه- إذن- مطرق لاحتمال الوجه الثاني الذي هو غير مقصود، ومخالف للوجه الأول؛ إذ ربما يكون لك على الوجه الثاني من اشتراه لك غيرك بعشرين أو بأقل [منها] أو بأكثر، وربما يكون لك منهم جملة بالهبة

ص: 290

والورائة وغير ذلك، وكل هذا خلاف مقصودك، فالنصب- إذن- أولى؛ لكونه نصّا في المعنى المقصود، والرفع محتمل له ولغيره. كذا في شرح الحاجبية للرضي الاستراباذي. ومثل الشارح تبعاً للمصنف وابن الحاجب وغيرهما للمسألة بقوله تعالى:{إنا كل شيء خلقنه بقدر} .

قال الرضي: وهذا المثال المورد من الكتاب العزيز لا يتفاوت فيه المعنى كما يتفاوت في مثالنا، سواء جعلت الفعل خبراً أو صفة، فلا يصح- إذن- التمثيل؛ وذلك لأن مراده تعالى بـ (كل شيء) كل مخلوق، نصبت (كل) أو رفعته، سواء جعلت (خلقناه) صفة مع الرفع أو خبراً عنه، وذلك أن قوله [تعالى] {خلقنا كل شيء بقدر} لا يريد به [تعالى]: خلقنا كل ما يقع عليه اسم (شيء)؛ لأنه تعالى لم يخلق جميع الممكنات غير المتناهية، ويقع على [كل واحد منها] اسم (شيء)، فـ (كل شيء) - في هذه الآية- ليس كما في قوله تعالى:{والله على كل شيء قدير} ؛ لأن معناه أنه قادر على ممكن غير متناه، فإذا تقرر هذا قلنا: إن معنى {كل شيء خلقنه بقدر} - على أن (خلقناه) هو الخبر- كل مخلوق مخلوق بقدر، وعلى

ص: 291

أن (خلقناه) صفة، كل شيء مخلوق كائن بقدر، والمعنيان واحد؛ إذ لفظ (كل شيء) - في الآية- مختص بالمخلوقات، سواء كان (خلقناه) صفة له أو خبراً، وليس مع التقدير الأول أعم منه مع التقدير الثاني، كما كان في مثالنا هذا كلامه.

«وإن ولي العاطف [جملة] ذات وجهين- أي اسمية الصدر، فعلية العجز- استوى الرفع والنصب مطلقاً» وذلك نحو: زيد قام، فهذه جملة ذات وجهين؛ لأنها من قبل تصدرها بالمبتدأ اسمية، ومن قبل كونها مختومة بفعل ومعموله فعلية. قاله في شرح الكافية.

قيل: وإنما احتاج إلى تفسير ذات الوجهين بما ذكره؛ لأنها قد يراد بها الكبرى مع الصغرى التي في ضمنها، والصغرى أعم من أن تكون اسمية: كـ (أبوه قائم) من قولك: (زيد أبوه قائم)، أو فعلية: كـ (قام أبوه) من قولك: (زيد قام أبوه).

فإذا ولي العاطف جملة ذات وجهين بالتفسير الذي ذكره المصنف، ووقع بعد العاطف اسم كما في قولك: زيد قام وعمرا أكرمته، استوى [فيه] الرفع والنصب؛ لأن هذه الجملة- بالنظر إلى صدرها- اسمية، فيترجح الرفع؛ لتشاكل

ص: 292

الجملتين في الاسمية، وبالنظر إلى عجزها فعلية، فيترجح النصب، لتشاكل الجملتين في الفعلية؛ فإن رجحت قرينة الرفع بالأصل الذي هو السلامة من التقدير والحذف، عورض بأن النصب مرجح بقرب قرينته.

واعترض بأن هذه المعارضة غير مستقيمة، فإنا لا نسلم البعد على تقدير الرفع، وإنما يكون كذلك أَن لو عطفت مفردات الجملة الثانية على مفردات الجملة الأولى [فأما إذا كانت الجملة الثانية برأسها معطوفة على الجملة الأولى] فلا يتحقق بعد أصلاً.

قال نجم الدين سعيد: اللهم إلا أن يقال بتقدير النصب يتعين القرب، وبتقدير الرفع لا يتعين؛ لجواز أن يكون- حينئذ- من عطف المفردات.

قلت: فيه نظر.

ومعنى قوله: (مطلقاً) أي: سواء كان ما بعد العاطف لا يصلح جعله خبراً، نحو: زيد قام وعمراً/ أكرمته، كما مر، فإن (أكرمته) لايصلح أن يكون خبراً عن (زيد) لعدم الرابط- أو كان مما يصلح جعله خبراً، نحو: هند قامت وعمراً أكرمته في دارها. «خلافاُ للأخفش [ومن وافقه] في ترجيح الرفع إن لم يصلح جعل ما بعد العاطف خبراً» كما في المثال الأول.

قلت: وهذا ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال: -[في]: - {والشمس تجري لمستقرها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرنه} إن اتنصب مثله في زيد

ص: 293

ضربته). وأما الفارسي فجعله محمولاً على الجملة الصغرى.

وإنما رجح الأخفش ومن وافقه الرفع؛ لأن العطف عندهم على الفعلية ممتنع، فتعين كونه على الأسمية، فلزم تخالف المتعاطفين إن نصبت فضعف النصب وترجح الرفع لوجود المناسبة، وعلى هذا فالرفع [صار] هنا أرجح منه في قولك ابتداء: زيد ضربته، فإنه مطلوب للتناسب؛ ولعدم طالب الفعل. «ولا أثر للعاطف إن وليه (أمّا» ). لأنها من أدوات الصدر فتبطل حكم العاطف، فلا ينظر إلى ما قبلها، بل يكون للاسم بعدها [ماله] مفتتحاً به، فلا يرجح النصب بعد الفعلية، نحو: جاء زيد، وأما عمرو فأكرمته، ولا يستوي الوجهان بعد ذات الوجهين، نحو: زيد أكرمته وأما عمرو فأهنته، بل يترجح الرفع فيهما.

قال ابن هشام في المغني: ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه، لأن (أنا) نائبة عن الفعل، فكأنها فعل، والفعل لا يلي الفعل.

قلت: لا نسلم أنها نائبة عن شيء [أصلاً، ولو سلم كونها نائبة عن شيء كما ذهب إليه بعضهم]، فإنما هي نائبة عن جملة الشرط بأسرها لا عن

ص: 294

فعله فقط، فلم يجاور الفعل فعلاً ولا نائباً عن فعل، نعم: يمتنع أن يقدر الفعل قبل الفاء؛ لأنه لا يفصل بينها وبين (أما) بأكثر من جزء واحد.

«وابتداء المسبوق باستفهام أولى من نصبه إن ولي فصلاً بغير ظرف أو شبهه، خلافاً للأخفش» وذلك نحو: أأنت زيد تضربه؟ فلو قال: (بهمزة استفهام) لكان أحسن، ولو قال:(ولي فاصلاً غير ظرف أو شبهه) لكان أقرب إلى الفهم، وأقرب إلى حقيقة الكلام.

قال في الشرح: فسيبويه أبطل حكم الاستفهام لبعده عن الفعل ولم يبطله الأخفش، وعنده أن (أنت) فاعل بفعل مقدر، تقديره: أتضرب؟ ، و (زيداً) منصوب به. والمسألة مشكلة، وأكثر الناس جعلوها خلافية بين سيبويه والأخفش، كما هو ظاهر كلامهما، وأن سيبويه لا يجيز ما قاله الأخفش من اختيار النصب على الرفع، ثم اختلفوا في وجه الاعتراض على الأخفش:

فقال ابن ولاد: الاشتغال لا يكون بالنظر إلى الاسمين أصلاً، وكلام الأخفش يقتضي أنه بالنظر إليهما.

وقال أبو جعفر بن مضاء: وجه ذلك أن العامل- وهو (تضرب) - يصير طالباً لمعمولين، وهما:(أنت) و (زيداً)، ولا يقوي المفسّر هذه القوة. وهذا هو الأول أو قريب منه.

وقال ابن خروف: وإنما منع سيبويه مما ذهب إليه الأخفش مادام (أنت) مبتدأ،

ص: 295

وكذا يقول الأخفش لو سئل عنه، فأما إذا جعل فاعلاً بالمحذوف الذي يفسره المذكور فلا يمنعه سيبويه أصلاً.

فإذا تحققت هذا علمت أن لا خلاف أصلاً، وبيانه: أن (أنت) يحتمل أن يكون مبتدأ- وهو الوجه الأضعف- ولا ينكر هذا سيبويه ولا الأخفش، فيجوز- حيئنذ- فيما بعده النصب مرجوحاً والرفع راجحاً؛ إذ لا أثر في رفع ذلك لتقدم المبتدأ المتصل بهمزة الاستفهام، ويحتمل أن (أنت) فاعل بفعل مقدر يفسره المذكور، فيجب- حينئذ- نصب (زيد) بذلك الفعل المقدر؛ لأنه مفعوله، وهذا هو الذي قاله الأخفش، وكأن سيبويه أراد التنبيه على أن الاستفهام المفصول بغير ظرف أو شبهه لا أثر له في ترجيح النصب، ففرض المسألة على الوجه الأضعف، ولم يذكر الوجه الأحسن، اعتماداً على ما هو المقرر من أن الهمزة يختار معها الفعل، وكأن الأخفش إنما ذكر الوجه الآخر على جهة التتميم لا على جهة الاعتراض، فلا خلاف بينهما حينئذ.

فإن قيل: الأخفش قال: النصب أجود. وذلك يعطي أن الرفع جائز [على] جعل (أنت) فاعلاً، والفرض أنه ممتنع.

فالجواب: أن معنى قوله: النصب أجود. أن وجه النصب أجود، أي الوجه المؤدي إلى نصب (زيد) على اللزوم أجود من الوجه/ المؤدي إلى رفعه على الاختيار.

كذا أجاب الشلويين، وهو كلام حسن، ولكنه مخالف لما في المتن.

ص: 296

واحترز بقوله: (بغير ظرف أو شبهه) من أن يكون الفصل بأحدهما نحو: أكل يوم زيداً تضربه؟ ، ونحو: أفي الدار عمراً لقيته؟ ، فيكون حكم الاستفهام باقياً فيترجح النصب، لتوسعهم في الظرف والجار والمجرور.

«وكذا ابتداء المتلوّ بـ (لم) أو (لن) أو (لا» ) أولى من نصبه «خلافاً لابن السيد» . البطليوسي، فإنه يقول: إن النصب في: زيداُ لم أضر به، وعمراً لن أهينه، وبكراً لا اكلمه، راجح على الرفع، وهو ضعيف؛ لأن النفي المتأخر لا أثر له، وكان ينبغي لابن السيد أن يزيد (إن) و (لمّا).

«وإن عُدِمَ المانع» من النصب، لأن الكلام فيه «والموجب» للنصب «والمرجح» له «والمسوّي» بينه وبين الرفع «رجح الابتداء» نحو: زيد ضربته؛ لأنه لا إضمار فيه، بخلاف النصب. «خلافاً للكسائي في ترجيح نصب تالي ما هو فاعل في المعنى، نحو: أنا زيد ضربته، وأنت عمرو كلمته» .

وضابط المسألة: أن يقع الاسم بين اسمين لمسمىِّ واحد وثانيهما فاعل الفعل المشغول، فلعل وجه ترجيح النصب [أنه] يقول: إن المتأخر فاعل معنىّ وصناعة والمتقدم فاعل معنى فقط، وهما لمسمى واحد، فينبغي أيضاً أن يكون فاعلاً صناعة، وعلى هذا فيكون المقدر فعلاً [مثله] رافعا ًله، وناصباً لما بعده، وتكون المسألة من الاشتغال عن الاسمين كما قال الأخفش في: أأنت زيداً تضربه؟ وعلى ذلك فالتقدير: ضربت زيداً ضربته ثم حذف (ضرب) وحده فانفصل الضمير، لا

ص: 297

أن التقدير: أنا ضربت زيداً ضربته، فحذف الفعل والفاعل معاً وبقى المفعول، فيكون (أنا) حينئذ مبتدأ.

وقد علم أن مسائل الباب خمسة أقسام: واجب النصب وراجحه وراجح الرفع وما يستوى فيه الأمران، فهذه أربعة أقسام أشار المصتف إليها هنا إجمالاً، والقسم الخامس واجب الرفع وهو ما فصل بينه وبين فعله شيء لا يعمل ما بعده فيما قبله على ما سبق أول الباب.

وذكر المصنف [رحمه الله تعالى] في غير التسهيل أن من المواضع التي يجب فيها الرفع ما يقع بعد (إذا) الفجائية، و (ليتما) كقولك: أتيت فإذا زيد يضربه عمرو، وليتما بشر زرته.

قال: فلو نصبت (زيداً) أو (بشراً) لم يجز؛ لأن (إذا) المفاجأة لا يليها فعل ظاهر ولا مضمر، وإنما يليها مبتدأ أو خبر مبتدأ، أو (أن) المفتوحة المؤولة بمبتدأ أو (إن) المكسورة؛ لأن الكلام معها بمنزلة مبتدأ وخبر، فلو نصب الاسم بعدها لكانت الجملة التي تليها فعلية، وذلك مخالف لاستعمال العرب، وقد غفل عن هذا كثير من النحاة، فأجاز النصب في [نحو]: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، ولا

ص: 298

سبيل إلى جوازه، وكذلك (ليت) المقرونة بـ (ما)، [لا] يليها فعل ولا معمول فعل؛ لأن (ما) حين قرنت بها لم تزل اختصاصها بالأسماء؛ فلهذا ساغ فيها وحدها الإعمال وترك الإعمال، فإعمالها لبقاء اختصاصها، وترك إعمالها لإلحاقها بأخواتها، فلو نصبت الاسم المذكور بعدها بفعل مضمر لكان ذلك تركا لاختصاصها بالأسماء، وهو خلاف كلام العرب انتهى.

[قلت]: النصب على الاشتغال في الاسم الواقع بعد (إذا) الفجائية فيه ثلاثة أقوال.

قيل: يجوز مطلقاً، وهو ظاهر كلام سيبويه، وعليه مشى ابن الحاجب، لكنه- مع اعترافه وتصريحه بأن (إذ) المفاجأة يلزم المبتدأ بعدها- مشكل.

وقيل: يمتنع مطلقاً، وهو الظاهر؛ لأن (إذا) الفجائية لا يليها إلا الجمل الاسمية، وعليه مشي المصنف.

وقال الأخفش: - وتبعه ابن عصفور- يجوز في نحو: فإذا زيد قد ضربه عمرو، ويمتنع بدون (قد).

ووجّهه ابن هشام: بأن التزام الاسمية مع (إذا) هذه إنما كان للفرق بينها وبين الشرطية المختصة بالفعلية، فإذا قرنت بـ (قد) يحصل الفرق بذلك؛ إذ لا

ص: 299

تقترن الشرطية بها.

«وملابسة الضمير بنعت» نحو: زيداً أكرمت رجلاً يحبه، أو عطف بيان نحو: زيداً ضربت عمراً أخاه، على أن يقدر أخاه عطف بيان، فيجوز لك رفع (زيد) ونصبه، فإن قدرته بدلاً بطلت المسألة نصبت أو رفعت، وعلى هذا فكان حق المصنف أن يقول:(أو عطف بيان). «أو معطوف بالواو» نحو: زيداً ضربت عمراً وأخاه./ «غير معاد العامل» كما مثلنا، واحترز من أن يكون العطف بغير الواو نحو: زيد أكرمت عمراً فأخاه، أو ثم أخاه، ومن أن يعاد العامل مع الواو، نحو: زيد ضربت [عمراً] وضربت أخاه، فيمتنع [في] المسائل.

قلت: العطف في هذه المسألة الأخيرة من [باب] عطف الجمل، فلا يصدق أن الاسم- حينئذ- معطوف بالواو، فما هذا الاحتراز! ! . «كملابسته» أي: كملابسة الضمير «بدونهما» أي: بدون النعت وعطف النسق المذكورين [يعني] فيجوز التركيب معهما كما يجوز إذا كان الضمير ملابساً بالإضافة، نحو: زيداً ضربت أخاه.

وإنما اختصت مسألة النسق بالواو؛ لأنها لمطلق الجمع، فالاسمان أو الأسماء معها بمنزلة اسم مثنى أو مجموع فيه ضمير.

ص: 300

وإنما اشترط أن لا يعاد العامل، لأنها ليست للجمع في الجمل، بل في المفردات؛ ولهذا منعوا: الزيدان يقوم ويقعد، وأجازوا قائم وقاعد.

ووقع في القصريات: أن سيبويه يمنع النصب في زيد ضربت عمراً وضربت أخاه وبعض أصحابنا يجيزه إن قدرت الجملة الثانية تأكيداً للأولى، ولم يقدرها سيبويه تأكيداً، بل معطوفة ألبتة، ولا يجوز سيبويه الابتداء؛ لأنه لم يعد إلى المبتدأ ضمير من الجملة المخبر بها عنه. «وكذا الملابسة بالعطف في غير هذا الباب» .

الذي نحن فيه، هو باب الاشتغال، والمراد بغيره [باب] الصفة والحال والخبر والصلة، تقول: مررت برجل قائم زيد وأخيه زيد ضاحكاً عمرو وأخوه، [وزيد قائم عمرو وأخوه]، وجاء الذي قام بكر وأخوه، فلو كررت العامل أو عطفت بغير الواو لم يجز.

«ولا يمتنع نصب» الاسم «المشتغل [عنه] بمجرور حقّق» ذلك المجرور «فاعلية ما علق عليه، خلافاً لابن كيسان» . نحو: زيد ظفرت به على عمرو، فـ (زيد) قد اشتغل عنه بالضمير المجرور، وهذا المجرور محقق لفاعلية (زيد) الذي علق عليه؛ وذلك لأن الباء للسببية، والمعنى ظفرت بسببه، فـ (زيد) هو الذي أظفر، [أي: زيد أظفرني] على عمرو، فهل رعاية هذا المعنى تمنع من نصب زيد المشتغل عنه كما يمتنع نصبه فيما هو بمعناه أوْ لا؟ فابن كيسان قال

ص: 301

بالأول، والجماعة قالوا بالثاني.

قيل: وهذا فرع من أصل كبير اختلف النحاة فيه، وهو أنه هل يشترط انتصاب المشتغل عنه والسببي من جهة واحدة أو لا يشترط ذلك، فيجوز أن يكون المشتغل عنه منصوباً من وجه مخالف للوجه الذي انتصب السببي منه؟ وعدم الاشتراط هو الصحيح، ويعضده نقل الأخفش عن العرب أنهم يقولون: أزيداً جلست عنده؟ فـ (زيداً) منصوب على أنه مفعول به، والسببي منصوب على أنه مفعول فيه، فاختلفت جهتا النصب، ولم يبالوا بالاختلاف، والفرع الذي ذكره المصنف من هذا الأصل:

وبيانه أن الباء في المثال للسببية، فالمجرور بها مفعول من أجله، وانتصاب (زيد) على أنه مفعول به، فاختلفت جهتا الاقتضاء.

«وإن رفع المشغول شاغله لفظاً» نحو: زيد قام، «أو تقديراً» نحو: زيد غضب عليه، ويشمل قوله: شاغله الضمير كما مثلنا، والسببي نحو: زيد قام أبوه، وزيد غُضِبَ على أبيه. «فحكمه في تفسير رافع الاسم [السابق] حكمه في تفسير ناصبه» وكان حقه أن يقول: حكم ناصب الضمير في تفسير ناصب الاسم السابق، وإلا فكلامه يقتضي أن الرافع هو الناصب، وحينئذ فتكون أقسام هذا النوع خمسة:

ص: 302

الأول: ما يجب رفعه على الابتداء، وذلك عند وجود مانع من الموانع المذكورة [أول الباب]، نحو زيد ما قام.

الثاني: ما يجب رفعه بفعل مقدر، وذلك في كل موضع وجب فيه النصب في النوع الأول، نحو: إن زيد قام أكرمه.

الثالث: ما يرجح رفعه بفعل مقدر على رفعه بالابتداء، وذلك في كل موضع ترجح فيه النصب في النوع الأول، نحو: أزيد قام؟ .

الرابع: ما يستوي فيه الأمران، وذلك بعد ذات الوجهين، نحو: زيد قام وعمرو فعد.

الخامس: [ما] يرجح رفعه بالابتداء على رفعه بفعل مقدر، وذلك عند فقد المانع والموجب والمرجح للفاعلية والمسوّي، نحو: زيد قام، كذا مثله المصنف.

قال الشارح: وفيه نظر؛ لأن المعروف أن شرط تقدير الفعل/ في هذا النوع وجود طالب للفعل لزوماً أو اختياراً، وهو مفقود هنا، ولايعلم من أجاز رفعه على

ص: 303

الفاعلية إلا أبو القاسم بن العريف.

قلت: زاد غيره: المبرد، وينبغي أن يزاد الكوفيون؛ لأنهم قائلون بجواز تقديم الفاعل على رافعه، فيكون جواز الاشتغال في ذلك عندهم أقيس من جوازه عند من قال لا يتقدم.

«ولا يجوز- في نحو: أزيد ذُهب به؟ -» وهو من أمثلة سيبويه، ومثله: أزيد غُضِب عليه، وأعمرو انطُلق به؟ . «الاشتغال بمصدر منوي، ونصب صاحب الضمير، خلافاً للسيرافي وابن السراج» . فإنهما أجازا ذلك فجعلا النائب عن الفاعل ضمير مصدر الفعل المذكور، أي أزيداً ذهب الذهاب [به]، فيكون المجرور في محل النصب، فينصب الاسم السابق لحصول الشرائط، وهو ضعيف لعدم الاختصاص في المصدر المدلول عليه بفعله.

وقول المصنف: (الاشتغال) عبارة موهمة في هذا الباب أن الفعل اشتغل بضمير المصدر عن نصب الاسم السابق، وليس كذلك، فصواب العبارة أن يقول: إسناد الفعل إلى ضمير المصدر. فمراده الاشتغال عن الإسناد إلى الضمير المجرور بالإسناد إلى ضمير المصدر.

وقوله: (ونصب صاحب الضمير)، أي: الضمير المجرور.

وقوله: (بمصدر [منوي])، حق العبارة: بضمير المصدر المنوي، لأن المنوي

ص: 304

ضمير المصدر لا المصدر.

«وقد يفسّر عامل الاسم المشغول عنه العامل الظاهر عاملاً فيما قبله إن كان من سببيه، وكان المشغول مسنداً إلى غير ضميريهما» وذلك نحو: أزيد أخوه تضربه، بـ[التاء][المثناة من فوق]، وهو من أمثلة سيبويه، فـ (زيد) مبتدأ [أول][وأخوه مبتدأ] ثان، و (تضربه) خبر [المبتدأ] الثاني، والجملة خبر المبتدأ [الأول]، ويجوز نصب الأخ على الاشتغال بلا خلاف، فتقول: أزيد أخاه نضربه، واختلف في جواز نصب (زيد)، فأجازه سيبويه والأخفش ومن وافقهما، فتقول: أزيداً أخاه تضربه؟ ، وهذه هي المسألة التي ذكرها في المتن، فتنصب (أخاه) بفعل مقدر يدل عليه العامل الظاهر بعده، ويفسر هذا العامل المقدر الذي هو عامل في (أخاه) عاملاً في (زيد) المذكور قبله، والتقدير: أتهين زيداً تضرب أخاه تضربه؟ ، فالثاني مقدر له مثل المذكور لأن الضرب واقع عليه، والأول مقدر له ما يلزم من المذكور، بل الأولى أن يقال: ما يلزم عن المقدر، لأنه المفسر له، والذي يقرب لك المسألة أن المحذوف الثاني مدلول عليه بالمذكور فكأنه مذكور، وكأن الدال عليه هو مذكور، والحاصل أن المفسّر بفتح السين قد يكون مفسراً بكسرها وأن المقدر قد يكون دليلاً على مقدر آخر، وذلك إذا كان في

ص: 305

اللفظ شيء مغنٍ عنه نزّل ذكره منزلة ذكره، ولا يخفي عليك أن المشغول في مثالنا- وهو الفعل من قولك: أزيداً أخاه تضربه؟ - مسند إلى غير ضمير (زيد)، [وأخيه]؛ إذ هو مسند [إلى] ضمير المخاطب، ومثله أزيداً أخاه أضربه أنا، أو يضربه عمرو، أو نضربه نحن.

واحترز بقوله: (من سببيه) من نحو: أزيداً عمراً تضربه؟ ؛ لأن الثاني أجنبي.

«فإن أسند إلى أحدهما» أي: إلى أحد المضيرين، [نحو]: أزيد أخوه يضرب؟ ، بالياء آخر الحروف. «فصاحبه» أي: صاحب الضمير، وهو الاسم الذي يفسره الضمير «مرفوع بمفسر المشغول، وصاحب» الضمير «الآخر منصوب به» . أي: بالمفسر المشار إليه، فتقول: أزيد أخاه يضربه؟ ، برفع زيد إن كان هو الضارب، وأزيداً أخوه يضربه؟ ، بالياء آخر: الحروف بنصب [زيد] إن كان الضارب الأخ، [الأن الضمير الشاغل وما يفسره لا يختلف إعرابهما، والتقدير: - حيث يكون الضارب الأخ] أيضرب زيداً أخوه يضربه؟ ، فالاشتغال في الصورتين وقع، عن اسمين لكن في الثانية قدم المفعول.

ص: 306

وقول المصنف: (فصاحبه مرفوع) يوهم اللزوم، وليس كذلك، بل يجوز رفعهما على ما أسلفناه بإجماع.

ص: 307