الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكى النحاة فيها أقوالاً:
أحدها: أن ذلك يجوز عند أمن اللبس في الضرورة والسعة.
الثاني: أنه لا يجوز إلا للضرورة.
الثالث: أنه لا يجوز إلا للضرورة وتضمن الكلام معنى يصح معه القلب.
الرابع: أنه لايجوز في القرآن. ويجوز في غيره.
وأما البيانيون ففي التلخيص أن السكاكي قبله مطلقاً، وأن غيره رده مطلقاً.
قال صاحب التلخيص: والحق أنه إن تضمن اعتباراً لطيفاً قبل، وإلا فلا، والمسألة مشهورة فلا نطوّل بذكرها.
«فصل» فيما يعرض للفاعل وتائبه من وجوب البقاء على الأصل والخروج عنه
.
«يجب وصل الفعل بمرفوعه» سواء كان فاعلاً أو نائباً عنه أو اسماً لـ (كان) أو إحدى أخواتها، فيجب أن يكون المرفوع تالياً للفعل الرافع له بحيث لا يفصل بينهما فاصل، وهذا هو الأصل لتنزل المرفوع منزلة الجزء منه؛ ولذا سكن آخر الفعل [في] نحو: ضربْتُ، كراهة توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة،
ويجوز أن يفصل بينهما بالمنصوب ما لم يطرأ ما يوجب البقاء على [هذا] الأصل أو الخروج عنه، فيجب العمل بمقتضى هذا الأصل، وهو وصل الفعل بمرفوعه.
«إن خيف التباسه» أي: التباس المرفوع «بالمنصوب» مفعولاً كان أو خبراً، وذلك بأن يكونا مقصورين أو اسمي إشارة أو موصولين أو مضافين إلى [ياء] المتكلم أو نحو ذلك مما لا يظهر فيه إعراب، ولا تقوم قرينة تميّز أحدهما من الآخر، نحو:
ضرب موسى عيسى/ فيتعين في مثل هذه الصورة كون الأول فاعلاً والثاني مفعولاً، كذا قال ابن السراج. و [عليه] أكثر المتأخرين، وخالف في ذلك ابن الحاج، فجوز في كل من الاسمين أن يكون فاعلاً وأن يكون مفعولاً، قال: ولا يضر الإلباس، فقد يكون المتكلم بذلك قاصداً للإبهام لغرض فيلقي الكلام مجملاً، ولا مانع كلامه فإن كان ثم ما يؤمن معه الإلباس من قرينة معنوية نحو ولدت هذه هذه، تشير بالأولى إلى صغيرة، ونحو: أكل الكمثرى موسى. أو قرينة لفظية نحو: ضربت موسى سعدي، وضرب موسى العاقلُ عيسى، جاز التقديم
وفي كلامه مناقشة من حيث إن الضمير في مثل هذا محصور فيه، والمحصور إنما هو ما بين (ما) و (إلا)، أي: الضرب الواقع على زيد محصور في المتكلم. «وكذا الحكم عند غير الكسائي وابن الأنباري في نحو: ما ضرب عمروُ إلا زيداُ» حيث يكون المفعول واقعاً بعد (إلا)، فيجب تقديم الفاعل، لأنك لو أخرته فإما أن تؤخره وتقدم المفعول غير مقرون بـ (إلا) أو مقرون بها، فإن كان الأول بأن يجعل الفاعل واقعاً بعد (إلا)، والمفعول واقعاً قبلها، فتقول: ما ضرب زيداً إلا عمرو، انعكس المعنى؛ لأن الأول حصر مضر وبية عمرو في ريد خاصة، أي لا مضروب لعمرو سوى زيد خاصة، فلو قدر له مضروب آخر لم يستقم. ومعنى الثاني حصر ضاربية عمرو في زيد خاصة، أي لا ضارب لزيد سوى عمرو خاصة، فلو قدر له ضارب آخر لم يستقم.
وإن كان الثاني بأن تؤخر الفاعل وتقدم المفعول مقروناً بـ (إلا)، فتقول: ما ضرب إلا زيداً عمرو، فإن أردت أن عمراً وزيداً مستثنيان معاً، والتقدير: ما ضرب أحداً أحد إلا زيداً عمرو، واختل أيضاً؛ لأن مضروبية زيد في أصل المسألة- أعني: ما ضرب عمرو إلا زيداً- كانت على الاحتمال، وبالتقدير المذكور الآن
صار المعنى: لا ضارب إلا عمرو، ولا مضروب إلا زيد، فصارت ضاربية هذا مقصورة على هذا ومضروبية هذا مقصورة على هذا.
ثم فيه بعد هذا محذور آخر، وذلك أن استثناء شيئين بأداة واحدة بلا عطف غير جائز مطلقاً، كما ستعرفه في باب المستثنى، وإن أردت في أصل المسألة- أعنى:
ما ضرب إلا زيداً عمرو- أنَّ تقدّمه معلوم معنىّ وليس بمستثنى، وأن المراد:
ما ضرب عمرو إلا زيداً، فالمعنى لا ينعكس، ولا يلزم استثناء شيئين بأداة واحدة دون عطف، إلا أنه قد تقرر في [باب]- الاستثناء- كما سيأتي- أنه لا يعمل ما قبل (إلا) فيما بعدها إلا إن كان مستثنىً نحو: ما قام إلا زيد، أو مستثنىً منه نحو:
ما قام إلا زيداً أحد، أو تابعاً له نحو: ما قام أحد إلا زيداً فاضل، فلو قدمت وأخرت في [مثال] الأصل لزم خلاف ذلك.
وأما الكسائي وابن الأنباري فجوزا تقديم المفعول في هذه المسألة مطلقاً ولكن مع (إلا) استدلالاً بقول الشاعر:
تزودت من ليلى بتكليم ساعة فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها وسيأتي فيه كلام باب المستثنى إن شاء الله تعالى.
«فإن كان المرفوع ظاهراً والمنصوب ضميراً لم يسبق الفعل ولم يسبق الفعل ولم يحصر فالبعكس» أي يجب حينئذ تقديم المفعول على الفاعل، نحو: أكرمك زيدـ، والدرهم أعطيه عمرو.
واحترز بقوله: (لم يسبق الفعل) من نحو: إياك يكرم زيد، والدرهم إياه أعطى زيد عمراً وبقوله:(ولم يحصر) من نحو: إنما يكرم زيد إياك، فلا يتصل المفعول في هاتين الصورتين بالفعل، بل يتقدم أو يتأخر. «وكذا الحكم عند غير الكسائي في نحو: ما ضرب عمراً إلا زيد» حيث يقع الفاعل مقروناً بـ (إلا)، فيجب تقديم المفعول حذراً/ من انعكاس المعنى على ما سبق والكسائي أجاز تقديم الفاعل مع (إلا) استدلالاً بقوله:
ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم ولا جفا قط إلا جبأ بطلاً
الجبأ: بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة وفتحها وهمزة، هو الجبان.
وقد استبان لك أنه يتحصل في مسألة حصر المنصوب والمرفوع بالنسبة إلى التقديم ثلاثة أقوال: الجواز مطقاً، وهو قول الكسائي، والمنع مطلقاً، وهو قول الجزولي، والشلوبين، واختيار المصنف، وعليه مشي ابن الحاجب وجماعة، والتنفصيل بين الفاعل- فيجيب تأخيره- والمفعول فيجوز.
قال الشارح وهو مذهب البصريين والفراء وابن الأنباري.
وأهمل المصنف ذكر الحصر بـ (إنما) في بابي اتصال المرفوع وانفصاله وقد يقال: إن قوله (إن خيف التباسه بالمنصوب) مخرج لذلك، وليس بشيء؛ لأن الذي يخاف في تلك المسألة التباس غير المحصور بالمحصور، لا التباس المرفوع بالمنصوب؛ إذ لرفع والنصب ظاهران فيهما، ثم هلا ذكر مثل ذلك في مسألة اتصال المنصوب! ! . ولو أنه قال:(يجب وصل معمول الفعل به إن خيف بفصله منه التباس) لشمل الجميع «و» كذا الحكم «عند الأكثرين في نحو: ضرب غلامه زيد» فيجب تقديم المفعول [عليه] حذراً من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. «والصحيح جوازه على قلة» .
قال المصنف: لوروده في كلام العرب الفصحاء. وتقدم الكلام على ذلك في أول الفصل الرابع من باب المضمر.