المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابع عشر«باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر» - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٤

[بدر الدين الدماميني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الخامس عشر«باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر»

- ‌«فصل» في المواضع التي تكسر فيها همرزة (إن) أو تفتح

- ‌«فصل»: في الكلام على لام الابتداء الواقعة في هذا الباب، وعلى لامات تزاد في محال مخصوصة

- ‌«فصل»: في الكلام على ما هو ثابت بالوضع لـ (إن) من عدم الإعمال، وما يعرض لها من التخفيف والإعمال والإهمال حينئذ، ودخول لام الفرق، وما يتعلق بذلك، والكلام على (لكن) وتخفيفها، ودخول (ما) الكافة

- ‌«فصل»: في الكلام على شيء من أحوال (أن) المفتوحة و (كأن) و (لعل)

- ‌«فصل»: في التوابع التي تذكر في هذا الباب

- ‌الباب السادس عشر«باب (لا) العاملة عمل (إن)»

- ‌«فصل» في الكلام على بطلان عمل (لا)، وفي فروعٍ تتعلق بها وبتوابع اسمها

- ‌الباب السابع عشر«باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر»

- ‌«فصل»: في/ الكلام على القول وما يتفرع منه من الأفعال وغير ذلك

- ‌«فصل» في الكلام على ما ينصب ثلاثة مفاعيل

- ‌الباب الثامن عشر«باب الفاعل»

- ‌الباب التاسع عشر«باب النائب عن الفاعل»

- ‌«فصل»: في كيفية بناء الفعل لما لم يسم فاعله

- ‌«فصل» فيما يعرض للفاعل وتائبه من وجوب البقاء على الأصل والخروج عنه

- ‌الباب العشرون«باب اشتغال العامل»

الفصل: ‌الباب السابع عشر«باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر»

‌الباب السابع عشر

«باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر»

ويشكل على ذلك حسبت أن زيدًا قائم، و .... أن يقوم زيد، كلاهما على مذهب سيبويه، وأفعال التصبير نحو: صيرت الطين خزفًا، ونحو: حسبت زيدًا عمرًا.

«الداخل عليهما (كان)، والممتنع دخولها» أي: دخول (كان)«عليهما؛ لاشتمال المبتدأ على استفهام» وإنما قيد المبتدأ بذلك؛ لأن اشتمال الخبر على استفهام غير مانع في البابين نحو: أين كنت؟ وأين ظننت عمرًا، وأما المبتدأ المشتمل على الاستفهام فيجوز وقوعه في باب (ظن) دون باب (كان)، نحو: أيهم ظننت قائمًا لأنه منصوب فيتقدم، بخلاف اسم (كان). «فتنصبهما/ مفعولين» 219 لأن هذه الأفعال وضعت للدلالة على التعليق بالشيء على صفة، وذلك لا يتأتى إلا بين شيئين، وهذه الأفعال تكون متعلقة بدينك الشيئين فتنصبهما كما ينصب (أعطى) ونحوه المفعولين لتعلقه بهما.

ص: 131

وتكرر في كلام الرضي أن المفعول به في الحقيقة هو ما يتضمنه الجزء الثاني مضافًا إلى الأول؛ إذ معنى (علمت زيدًا قائمًا): علمت قيام زيد.

وقد يقال عليه: إذا كان [هذا هو] معناه الحقيقي فليجز النطق به كذلك، فيقال: علمت قيام زيد، ولا يقدر شيء آخر.

وجوابه: أنه لما كان المضاف إليه غير معتمد لذاته وإنما يؤتي به لغيره، وكانت هذه الأفعال مستدعية في المعنى لشيئين ينعقد منهما ما أريد بها من المعنى، شرطوا استقلال كل منهما بنفسه وأن لا يكون أحدهما كالتتمة للآخر، فتكون كأنها طلبت شيئًَا واحدًا، كما أن (قام) - في [نحو]: قام غلام زيد- إنما طلب شيئًا واحدًا، وجاء الآخر تتمة لذلك الواحد.

«ولا يحذفان معًا أو أحدهما إلا بدليل» . لأنك إذا قلت: علمت أو ظننت- مثلًا- وتركت المفعولين أصلًا ورأسا لم يكن في ذلك فائدة؛ لأن من المعلوم أن الإنسان لا يخلو في الأغلب من علم أو ظن، فلا فائدة في ذكرهما من دون المفعولين وأما مع القرينة الدالة عليهما فحذفهما جائز، نحو (من يسمع يخل)، أي: يخل مسموعة صادقًا، قال الكميت:

بأي كتاب أم بأية سنة*** ترى حبهم عارًا علي وتحسب؟

ص: 132

وأما حذف أحدهما لا لقرينة فيمتنع، لأن أصلهما المبتدأ والخبر، ولا يحذف واحد منهما إلا لقرينه، فإن وجدت القرينة جاز الحذف لكنه قليل، وحذف المبتدأ [والخبر] غير قليل، والسر فيه أن المفعولين كاسم واحد؛ لأن ثانيهما- كما مر قريبًا عن الرضي- متضمن للمفعول الحقيقي، وأولهما ما يضاف إليه [ذلك] المفعول الحقيقي؛ إذ معنى (علمت زيدًا قائمًا): علمت قيام زيد، كما مر، فلو حذفت أحدهما كان كحذف بعض أجزاء الكلمة الواحدة، ومع هذا كله فقد ورد ذلك مع قيام الدليل عليه.

أما حذف المفعول الأول فكما في قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما ءاتهم الله من فضله هو خيرا لهم} على قراءة من قرأ [يحسبن] بالياء التحتية، أي: بخلهم هو خيرًا لهم.

وأما حذف المفعول الثاني فكما في قول عنترة:

ولقد نزلت فلا تظني غيره*** مني بمنزلة المحب المكرم

أي: فلا تظني غيره واقعًا.

ص: 133

قلت: كذا أورده الشارح وغيره شاهدًا على حذف الثاني، ولا يتعين؛ لجواز أن يكون (مني) ظرفًا مستقرًا في محل نصب على أنه المفعول الثاني، أي فلا تظني غيره كائنًا مني، وهم جعلوه ظرفًا لغوًا متعلقًا بـ (نزلت) فالتجئوا إلى جعل الثاني محذوفًا، وليس بقاطع في مطلوبهم كما رأيت.

واعلم أنهم يسمون الحذف لدليل: اختصارًا. ولغير دليل: اقتصارًا، فأما حذفهما اختصارا فلا خلاف فيه، وأما اقتصارًا ففيه مذاهب:

أحدهما: المنع مطلقًا، وهو ما أورده المصنف في المتن. قال في الشرح وهو مذهب سيبويه والمحققين ممن تدبر كلامه.

ص: 134

الثاني: الجواز مطلقًا، وهو مذهب الأكثرين، وصححه ابن عصفور.

الثالث: التفصيل، فيجوز في (ظننت) وما في معناها، ويمتنع في (علمت) وما في معناها.

وأما حذف أحدهما اقتصارًا فممنوع باتفاق، وأما اختصارًا فذكر المصنف أنه جائز كما علمت، وظاهر كلام ابن الحاجب في الكافية المنع؛ لأنه قال: ومن خصائصها أنه إذا ذكر أحدهما ذكر الآخر.

وقال ابن عصفور: حذف أحد المفعولين للدلة عليه قليل، فلا ينبغي أن يقاس عليه. وكأنه اعتد بكلام ابن الحاجب دون المصنف.

«ولهما» أي للمفعولين المذكورين «من التقديم والتأخير ما لهما» من ذلك «مجردين» عن هذه الأفعال فيكون الأصل تقديم/ المفعول الأول؛ لأنه المبتداء، 220

ص: 135

وتأخير الثاني؛ لأنه الخبر، وقد يعرض ما يوجب تقديم الأول، نحو: ما ظننت زيدًا إلا قائمًا، أو تقديم الثاني، نحو: ما ظننت قائمًا إلا زيدًا، وحيث ينتفي الأمران جاز لك التقديم والتأخير على ما تقدم في باب المبتدأ.

«ولثانيهما» أي: ثاني المفعولين «من الأقسام والأحوال ما لخبر (كان)» .

فمن الأحوال أنه لا يكون جملة طلبية، فأما قول أبي الدرداء رضي الله عنه:(وجدت الناس اخبر تقله) فمؤول كما أول:

وكوني بالمكارم ذكريني .........................................

إلا أن تأويل هذا أن لفظه طلب ومعناه خبر، أي: تذكرينني؛ وأما ذاك- أعني قول أبي الدرداء- فعلى إضمار القول، أي: وجدت الناس مقولًا في [حق] كل [واحد] منهم: أخبر تقله، فالطلب هنا معمول للقول لا منصوب بالناسخ [وهناك منصوب بالناسخ] لا بغيره، وهو هنا على معناه وهناك على غير معناه، وسيأتي فيه زيادة كلام إن شاء الله تعالى.

وإنما قال المصنف: (ما لخبر كان)، ولم يقل:(ما لخبر المبتدأ)؛ لأن ذاك لا يصح كونه جملة طلبية؛ وخبر المبتدأ يصح كونه جملة طلبية كما سبق في بابه، وثاني مفعولي هذا لا يكون كذلك كما هو في باب (كان)؛ فلهذا أحال عليه.

ص: 136

«فإن وقع موقعهما» أي: في الموضع الذي يقعان فيه لو ذكرا «ظرف» نحو: ظننت عندك. «أو شبهه» نحو: ظننت لك. «أو ضمير» نحو: ظننته. «أو اسم إشارة» نحو ظننت هذا. «امتنع الاقتصار عليه» أي: على ذلك الشيء الذي وقع في موضع المفعولين من ظرف أو شبهه أو ضمير أو اسم إشارة، والمراد بالاقتصار عليه الاكتفاء به لا الحذف لغير دليل كما هو عند ابن عصفور وغيره لما ستعرفه.

«إن كان» ذلك المقتصر عليه من ظرف وما ذكر معه «أحدهما» أي: أحد المفعولين، فإذا جعلت الظرف- مثلًا من قولك: ظننت عندك- ظرفًا مستقرًا على أنه المفعول الثاني، والأول محذوف امتنع؛ لما تقدم من أن حذف أحدهما لا يجوز إلا لدليل، ولا دليل هنا على الأول فيمتنع الحذف وكذا القول في:(ظننت لك) وكذا: (ظنته) و (ظننت هذا)[يمتنع] إن جعلت الضمير أو اسم الإشارة أحد المفعولين والآخر محذوفًا. «لا إن لم يكنه» بأن يجعل الظرف وشبهه- في ظننت عندك ولك- لغوًا متعلقًا بنفس الفعل، ويجعل الضمير- في قولك: ظننته ضمير المصدر، وكذا اسم الإشارة من قولك:(ظننت هذا) بجعله راجعًا إلى المصدر فتجوز المسألة حينئذٍ؛ وما ذلك إلا لا نتفاء علة الامتناع، ألا ترى أن امتناع نحو:(ظننت) مع الاقتصار إنما كان لعدم الفائدة؛ لأن الإنسان لا يخلو في الأغلب من ظن كما تقدم، فإذا كان الظن مقيدًا بالظرف مثلًا حصلت الفائدة؛ إذ الوجود قد يخلو من ظن يقع منك عند المخاطب، فحيث قيد بذلك تحققت فائدة لم تكن

ص: 137

معلومة فجاز.

قال ابن هشام: فظهر صحة المسألتين [الأوليين] يعني مسألة الظرف، ومسألة شبه الظرف- دون الأخريين- يعني مسألتي الضمير واسم الإشارة- لأن الظرف والمجرور يفيدان تقييد العامل وتجدد الظن أو العلم، وأما الضمير واسم الإشارة فإنهما مفعولان مطلقان فلا يفيدان إلا مجرد التأكيد، فوجودهما كالعدم، فالحق أن المسألة معهما ممتنعة.

قلت: وفيه نظر، لأن قضية كلامه أن مجرد التأكيد هو المستفاد من المفعول المطلق، وليس كذلك، ضرورة انقسامه إلى تأكيدي ونوعي وعددي، وحينئذ فلا نسلم أنهما في ذلك للتأكيد، بل للنوع؛ فمعنى (ظنته):[ظننت] الظن، أي [الظنٍ] المعهود المعروف، وكذا ظننت هذا، فتحقق الفائدة على هذا التقدير، إذ المعلوم الذي لا فائدة فيه هو وقوع ظن في الجملة، أما وقوع ظن مقيد فليس كذلك.

«ولم يعلم المحذوف» . هذا شرط في المسألة الأولى وهي مسألة امتناع الاقتصار على ما ذكر من أحد تلك الأشياء الأربعة إن كان أحد المفعولين، فكان حقه أن 221 يقدمه مذكورًا/ إلى جانب قوله:(إن كان أحدهما).

وإنما حملنا الاقتصار- من قوله: (امتنع الاقتصار عليه) - على مجرد الحذف [لا على

ص: 138

الحذف] لغير دليل؛ لقوله هنا: (ولم يعلم المحذوف)، فإذا كان قيدًا في الأولى- كما قررناه- يصير معناه: امتنع الحذف لغير دليل إن لم يعلم المحذوف. {ولو جعل قيدًا في الثانية صار المعنى: لا يمتنع الحذف لغير دليل إن لم يعلم المحذوف]، وكلاهما خلف من الكلام، وأيضًا فالمصنف لم يعول على هذا الاصطلاح في شيء من كتبه، وإذا تأملت وجدت قوله: (فإن وقع موقعهما ظرف

) إلى آخره تقييدًا لقوله: (ولا يحذفان معًا

إلا بدليل)، ألا ترى أنه إذا وقع التقييد بذلك- لا على أنه على أحد المفعولين- جاز الاقتصار على ذلك من غير ذكر المفعولين مع عدم العلم بالمحذوف، فهو كالاستثناء مما تقدم.

«وفائدة هذه الأفعال» الناصبة للمفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر «في الخبر» متعلق بالفائدة وإن كانت اسما لما يستفاد؛ لما فيها من رائحة الفعل، أي الذي تفيده هذه الأفعال في الخبر «ظن» فقط «أو تيقن» فقط «أو كلاهما أو تحويل» فهذه أربعة أقسام تشترك في نصب المفعولين المذكورين:

ص: 139

«فالأول» من الأقسام الأربعة، وهو ما يفيد الظن فقط «حجا يحجو» أي: ظن يظن كقوله:

قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة*** حتى ألمت بنا يومًا ملمات

«لا لغلبة» في المحاجاة كقولك: حاجيته فحجوته أحجوه، إذا غلبته في ذلك «و [لا] قصد» كقولك: حجوته، أي: قصدته «ولا رد ولا سوق» كقولهم: حجت الريح السفينة أي: ساقتها. «ولا حفظ ولا كتم» فإنه إذا كان بمعنى شيء مما ذكر من الغلبة وما بعدها تعدى إلى مفعول واحد. «ولا إقامة» نحو:

ص: 140

حجوت بالمكان، أي: أقمت به. «ولا بخل» نحو: حجوت بكذا أي: بخلت به، فإنه إذا كان بمعنى أقام أو بخل كان لازمًا.

«وعد» أيضًا، فهو من أفعال هذا القسم على ما ذهب إليه الكوفيون، واختاره ابن أبي الربيع والمصنف واستشهد عليه بقول الشاعر:

فلا تعدد المولى شريكك في الغنى*** ولكنما المولى شريكك في العدم

«لا لحسبان» بضم الحاء مصدر قولك: حسبه- بالفتح- يحسبه بالضم، أي: عده، فيتعدى- حينئذ- إلى مفعول واحد.

«وزعم» كقول الشاعر:

فإن تزعميني كنت أجهل فيكم*** فإني شريت الحلم بعدك بالجهل

ص: 141

«لا لكفالة» يقال: زعمت [به] أزعم زعامة أي: كفلت. «ولا لرئاسة» يقال: زعم فلان إذا صار رئيسًا «ولا سمن ولا هزال» يقال: زعمت الشاة، بمعنى (سمنت)، وبمعنى (هزلت).

«وجعل» الاعتقادية كقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} ، أي: اعتقدوا فيهم الأنوثة. «لا لتصيير» فإنها إذا كانت لهذا المعنى كانت من القسم الرابع، وسيأتي إن شاء الله تعالى. «ولا إيجاد» كقوله تعالى:{وجعل الظلمت والنور} . «ولا إيجاب» كقولهم: جعلت للعامل كذا «ولا ترتيب» كقولك: جعلت بعض متاعي فوق بعض. وعبر عن هذا المعنى

ص: 142

بالإلقاء، أي: ألقيت بعض متاعي.

قلت: ولا مانع أن يجعل في هذا المثال بمعنى (صير). «ولا لمقاربة» كقوله:

وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني*** ثوبي فأنهض نهض الشارب الثمل

وهذه تقدم الكلام عليها في باب أفعال المقاربة.

«و (هب) غير متصرف» أي: مقصورًا على صيغة المخاطب لا يستعمل في غيرها، وكونها من أفعال هذا الباب مذهب كوفي اختاره المصنف وأنشد عليه قول الشلعر:

فقلت: أجرني أبا مالك*** وإلا فهيني امرًأ هالكا

ص: 143

قال في الصحاح: وهبني فعلت ذلك، أي: احسبني واعددني، ولا يقال: هب أني.

«والثاني» من الأقسام الأربعة، وهو ما يفيد العلم فقط.

«(علم) لا لعلمة» احترازًا من: علم فلان علمة، فهو أعلم، إذا كان مشقوق الشفة العليا، فهو إذ ذاك فعل قاصر لا متعد. «ولا عرفان» احترازًا 222 من (علم) بمعنى (عرف)، فإنها إذ ذاك تتعدى إلى مفعول واحد/، وهذا على أن بين العلم والعرفان فرقًا كما ذهب إليه ابن الحاجب وغيره.

قال: فعلمت الشيء بمعنى عرفته لا يقتضي إلا متعلقًا واحدًا؛ لأن معناه عرفت الشيء [في نفسه، يعني: وأما الذي يتعدى إلى اثنين فهو بمعنى: عرفت الشيء] لكن لا في نفسه، بل على صفة.

قال الرضي: ولا يتوهم أن بين (علمت) و (عرفت) فرقًا معنويًا كما قال

ص: 144

بعضهم، فإن معنى (علمت أن زيدًا قائمًا) و (عرفت أن زيدًا قائم) واحد، إلا أن (عرفت) لا ينصب جزئي الاسمية كما ينصبهما (علم)، لا لفرق معنوي بينهما، بل هو موكول إلى اختيسار العرب، فإنهم قد يخصون أحد المتساويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخر.

«ووجد» كقوله [تعالىٍ]: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين]. قال الأخفش: مصدرها الوجدان. وقال السيرافي: مصدرها الوجود. «لا لإصابة» احترازا من نحو: وجد ضالته، إذا أصابها، ومنه قول المتنبي:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد*** ذاعفة فلعلة لا يظلم

ومصدر هذه الوجدان والوجود أيضًا. «ولا استغناء» احترازًا من نحو: وجد زيد [إذا استغنى وصار ذا جدة. «ولا حزن» احترازًا من نحو: وجد زيد]. على محبوبه، أي: حزن عليه.

«ولا حقد» نحو: وجد على عدوه إذا حقد.

ص: 145

«و (ألفي) مرادفتها» أي: مرادفة (وجد) التي تتعدى إلى اثنين كقول الشاعر:

قد جربوه فألفوه المغيث إذا*** ما الروع عم فلا يلوي على أحد

واحترز بقول: (مرادفتها) من (ألفى) التي بمعنى (أصاب)، نحو: ضاع مالي ثم ألفيته، أي: أصبته، فيتعدى إلى واحد.

«ودرى» كقوله:

دريت الوفي العهد ياعرو فاغتبط*** فإن اغتباطًا بالوفاء حميد

قال المصنف: وأكثر ما تستعمل معداة بالباء كقولك: دريت به، فإذا أدخت عليها همزة النقل تعددت إلى واحد بنفسها وإلى ثان بالباء، قال تعالى:{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدرئكم به} قال الشارح: ولم يذكر أكثرهم (درى) فيما يتعدى إلى اثنين، قيل: ولعل قوله:

ص: 146

دريت الوفي ....................................

من باب التضمين، وهو لا يقاس

واحترزت بقوله: «لا لـ (ختل)» من قولهم: درى الذئب الصيد، إذا استخفى له ليفترسه، فيتعدى إلى واحد.

«و (تعلم) بمعنى (اعلم)» كقوله:

تعلم شفاء النفس قهر عدوها*** فبالغ بلطف في التحيل والمكر

«غير متصرف» فلا يستعمل منه غير صيغة الأمر، وهذا الذي قاله المصنف ذهب إليه الأعلم، والصحيح أنها تتصرف، حكي ابن السكيت: تعلمت أن فلانًا خارج، بمعنى (علمت).

«والثالث» من الأقسام الأربعة، وهو ما يفيد كلا الأمرين، أي الظن تارة والعلم أخرى. «ظن» وغالب ما يستعمل في غير المتيقن، نحو: ظننت زيدًا قائمًا، إذا كان قيامه مترجح الوقوع عندك لا متحققة، وقد يستعمل في المتيقن، قال تعالى:{إني ظننت أني ملق جسابيه} ، أي تيقنت

ص: 147

واحترز بقوله «لا لتهمة» من أن يجيء (ظن) بمعنى (اتهم) فينصب مفعولًا واحدًا، ومعنى الاتهام أن تجعل شخصًا موضع الظن السيء تقول:

ظننت زيدًا، أي ظننت به أنه فعل سيئًا، وكذا اتهمته.

«وحسب» وأكثر استعمالها في غير المتيفن، ووقوعها للمتيقن قليل كقوله:

حسبت التقى والجود خير تجارة .................

ص: 148

وفي كتاب معاني القرآن للزجاج في قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} : ولو قرئ (أحياء) بالنصب بتقدير: بل احسبهم أحياءً، لجاز.

ورد عليه أبو علي الفارسي فقال: هذا لا يجوز؛ لأنه لا يؤمر بالشك، ولا يجوز أن يتأول: احسبهم على معنى (أعلمهم)؛ لأن ذلك لم يذهب إليه أحد من أهل اللغة.

قلت: هذا مخالف لنقل المصنف أن (حسب) ترد بمعنى اليقين، والذي ينبغي أن يرد قول الزجاج أن الحسبان المذكور في الآية ظن، أعنى في قوله:{ولا تحسبن} ، / فلا يكون دليلًا على المحذوف الذي هو بمعنى اليقين.

واحترز [بقوله]: «لا للون» من قولهم: حسب الرجل، إذا احمر لونه وابيض كالبرص، وهو فعل لازم.

«وخال يخال» وأكثر استعمالها أيضًا فيما ليس متيقنًا

واحترز بقوله: «لا لعجب» من: خال الرجل، إذا تكبر.

قلت: ووقع في الكشاف في تفسير قوله تعالى: {إذا خوله نعمة} أنه يقال:

خال الرجل يخول إذا اختال وافتخر. فإذا كان المضارع من هذا (يخول) فلا

ص: 149

يحتاج المصنف إلى الاحتراز عنه؛ لأنه لم يدخل تحت قوله: (خال يخال)، نعم: إن ثبت أن مضارعه (يخال حسن التحرز منه، فينبغي أن يحرر.

واحترز بقوله: «ولا ظلع» من قولهم: خال الفرس يخال إذا ظلع.

«ورأى» وقد استعملت بمعنى الظن وبمعنى العلم في قوله تعالى: {إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا} ، أي: يظنونه ونعلمه.

واحترز بقوله: «لا لإبصار» من استعمال (رأى) بمعنى (أبصر)، نحو رأيت الشمس.

وبقوله: «ولا رأي» من استعمالها بمعنى الاعتقاد في مثل قولك: رأيت رأي فلان.

وبقوله: «ولا ضرب» من استعمالها في مثل قولهم: رأيت الصيد، إذا ضربته في رئته، فهي في هذه المعاني الثلاثة متعدية إلى واحد، لكن بعضهم صرح بأن (رأي) الاعتقادية متعدية إلى اثنين.

«والرابع» . من الأقسام الأربعة، وهو ما يفيد التحول. «(صير)

ص: 150

و (أصار)» وهما منقولان من (صار) التي من أخوات (كان)، نقل الأول بالتضعيف والثاني بالهمزة. «وما رادفهما من (جعل)» نحو:{فجعلنه هباء منثورًا} .

«و (وهب) غير متصرف» فلا يستعمل إلا بصيغة الماضي، نحو: وهبني الله فداك، أي: صيرني. «ورد» كقوله:

فرد شعورهن السود بيضا*** ورد وجوههن البيض سودًا

«وترك» كقوله:

وربيته حتى إ|ذا ما تركته*** أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه

ص: 151

«وتخذ» كقولك: تخذت زيدًا خليلًا. «واتخذ» كقوله تعالى {واتخذ الله إبراهيم خليلًا}

«وأكان» المنقولة من (كان) التي بمعنى صار وهو قليل الاستعمال ومعنى (أكان زيدًا عمرًا قائمًا) أصاره قائمًا، فحصل من الهمزة معنى نقل غير الكائن إلى الكون، وهو معنى التصبير، حكاه المصنف عن ابن أفلح قال: وما حكم به جائزا قياسًا، لكن لا أعلمه مسموعًا.

قلت: وسيأتي الخلاف إن شاء الله تعالى في كون النقل بالهمزة في المتعدي قياسًا.

«وألحقوا» أي: العرب «بـ (رأي) العلمية» رأي «الحلمية» كقوله:

أراهم رفقتي حتى إذا ما تجافي الليل وانخزل انخزالا

ص: 152

فعداها إلى مفعولين، وكذا في قوله تعالى:{إني أراني أعصر خمرًا} ، فأعمل مضارع (رأى) الحلمية في ضميرين متصلين لمسمى واحد، وذلك مما يختص به (علم) ذات المفعولين وما جرى مجراها، ونوزع في الاستدلال بالبيت بأن (رفقتي) حال، وإضافته غير محضة لأنه بمعنى مرافقي، وفي الاستدلال بالآية بأن يكون ([إني] أراني أعصر [خمرًا]) - نحو: فقدتني وعدمتني.

«و» ألحقوا أيضًا بذلك «(سمع) المعلقة بعين» نحو: سمعتك تقول، واحترز من أن تعلق بمسموع نحو: سمعت قراءة زيد أو كلامه، فإنها لا تتعدى إلى غيره، قال تعالى {حتى يسمع كلم الله} .

«ولا يخبر بعدها» أي بعد (سمع) المعلقة بعين. «إلا يفعل دال على صوت» كما مثلنا.

ص: 153

قال الرضي: وأنا لا أرى منعًا من نحو: سمعتك تمشي؛ لجواز سمعت أنك تمشي اتفاقًا، قال:

سمعت الناس ينتجعون غيثًا*** فقلت لصيدح انتجعي بلالا

بنصب (الناس)، وقد روى برفعه على حكاية الجملة.

وما ذكره المصنف من أن (سمع) المعلقة بعين متعدية إلى اثنين هو مذهب الأخفش والفارسي وابن بابشاذ،

ص: 154

واختاره [ابن الصائغ و] ابن أبي الربيع وابن عصفور في شرح الإيضاح، ومذهب الجمهور أن (سمع) لا يتعدى إلا إلى واحد، واختاره ابن الحاجب قال: وهو من الأفعال المتعدية إلى واحد في التحقيق كقولك: (سمعت كلامًا) وشبهه، وقد يتوهم أنه متعد إلى مفعولين/ من جهة المعنى والاستعمال:

أما المعنى فلأنه يتوقف على مسموع منه، كما تتوقف السرقة على مسروق منه فالوجه الذي تتعدى به السرقة إلى مفعولين موجود في السماع.

وأما من جهة الاستعمال فلقولهم: سمعت زيدًا يقول ذلك، وسمعته قائلًا، وقوله تعالى:{هل يسمعونكم إذ تدعون} ، فلولا أن الفعل يتعدى إلى مفعولين لم يقل (إذ تدعون)؛ لأن المعنى حينئذ: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون؟ وذلك لا يحسن.

ص: 155

قال في أمالي القرآن: والجواب عن الأول أن السرقة كالسماع من حيث أن السرقة لا تعقل باعتبار معناها الذي وضعت له إلا بمسروق منه، ألا ترى أنك لو قدرت شيئًا موجودًا ليس في يد أحد وأخذته خفية لا يقال: إنك سرقته؛ لفقدان المسروق منه بخلاف السماع، فإنك لو قدرت صوتًا لفهمت معنى السمع بالنسبة إليه، وكذلك لو قدرت غافلًا عن المسروق منه لم يفهم معنى السرقة، ولو قدرت [غافلًا عن المسموع منه لم يتعذر معنى السماع. يعنى أنك لو قدرت][أن] شخصًا يعقل المسروق مع غفلته عن المسروق منه لا يكون المعقول له هو معنى السرقة، ولو قدرت أنه يعقل المسموع مع غفلته عن المسموع منه، لم يتعذر تعقل معنى السماع يعنى يكون ما هو المعقول له هو معنى السماع، ثم قال: وإنما المسموع منه بالنسبة إلى السمع كالمشموم بالنسبة إلى الشم، فكما أن الشم لا يتعدى إلا إلى واحد فكذا السماع.

والجواب عن الثاني أنهم لما حذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه للعلم [به] وجب تقديره باعتبار قرينته لا تكون إلا صوتًا فذكر بعده حال تبين

ص: 156

خصوصية ليست مفهومة من ذكر المتعلق فـ (قائلًا) و (يقول ذلك) منصوبان على الحال، وليس مثل قولك: سمعت قول زيد قائلًا، ولا مثل:[ضربت] زيدًا ضاربًا؛ لأنه ها هنا قدر عين الأول، وثمة قدر مثله أو نوعه فافترقًا لذلك يعني قدر أنه قائل عين القول المضاف إلى زيد، وأما ثمة فإن (قائلًا) و (يقول) مثل القول الأول إن كان التقدير: سمعت قول زيد قائلًا أو يقول (أو نوعه إن كان التقدير: سمعت صوت زيد قائلًا أو يقول) فإن القول نوع من الصوت، ثم قال: ويخرج قوله تعالى: {هل يسمعونكم إذ تدعون} على أن التقدير هل يسمعون أصواتكم إذ تدعون؟ ، وهو أبلغ في المعنى المقصود من (هل يسمعون دعاءكم؟ )؛ لأنه إذا تحقق أنهم لا يدركون هذا الصوت فهم في انتفاء إدراك الدعاء أجدر.

«ولا يلحق» بأفعال هذا الباب، وليس مراده: ولا يلحق بأفعال التصبير، وإن كان القائل بأن (ضرب) الملحقة يقول: إنها بمعنى (صير)؛ لأجل قوله:

(ولا عرف وأبصر)؛ إذ لم يقل أحد إنهما بمعنى (صير)، فتعين أن يكون المراد:

ص: 157

ولا يلحق بأفعال [هذا] الباب «(ضرب) مع المثل» أي: (ضرب) التي أعملت في (المثل) كقوله تعالى: {واضرب لهم مثلًا أصحب القرية إذ جاءها المرسلون} .

«على الأصح» بدليل قوله تعالى: {ضرب مثل فاستمعوا له} ، فبني (ضرب) لما لم يسم فاعله، واكتفت بمرفوعها، ولو كانت من أفعال هذا الباب لم يكن كذلك. قاله المصنف، وفيه نظر؛ لأن غاية ما فيه عدم ذكر المفعول الأول، فقد يكون محذوفًا لدليل، والأصل: ضربنا ما سنذكر مثلًا، ثم حذف المفعول الأول وأقيم الثاني مقام الفاعل عند بناء الفعل [للمفعول]، والظاهر المذهب الآخر الذي لم يرتضه المصنف.

ويسأل لم قدم المثل على المضروب، وهو المفعول الأول؟ وجوابه: أن المضروب مثلًا يوصف بصفة تبين وجه ضرب ذلك الشيء مثلًا لغيره، فلو أخر المثل لطال الفصل بينهما؛ ولهذا قال ابن الحاجب في قصيدته العروضية:

وضرب الزرع في صفاتهم مثلًا .........................

لما كان ذكر الزرع كافيًا.

ص: 158

«ولا» يلحق بأفعال هذا الباب «(عرف) و (أبصر)، خلافًا لهشام، ولا (أصاب) و (صادف) و (غادر)، خلافًا لابن درستويه» لأن هذه الأفعال ثبت تعديتها إلة واحد/، فإن جاء بعده منمصوب فهو منصوب على الحال، والدليل على ذلك التزام تنكيره. كذا قال الشارح.

قلت: هي دعوى لم يقم عليها دليل، بل قام الدليل على خلافها في بعض هذه الأفعال، وهو (غادر)، فقد حكي مجيء منصوبه الثاني بمقتضى شاهد عربي، ولا استحضره الآن.

«وتسمى» الأفعال «المتقدمة على (صير) قلبية» لقيام معناها بالقلب، ولا تختص هذه التسمية بها، بل يسمى بها كل فعل تعلق معناه بالقلب وإن لم يكن ناصبًا لمفعولين نحو: عرف وفكر.

«وتختص متصرفاتها» أي متصرف الأفعال القلبية، وهي ما عدا (هب) و (تعلم)«بقبح الإلغاء» وهو ترك العمل لفظًا ومعنى لغير مانع، فهو أمر اختياري. «في نحو: ظننت زيد قائم» حيث يكون الفعل الملغي مصدرًا، ونسب المصنف في الشرح القول بقبح الإلغاء فيها إلى سيبويه.

وقال الشارح: هي مسألة خلاف، فالبصريون على المنع، والكوفيون

ص: 159

[والأخفش] على الجواز. كذا نقل عنهم، أن الجواز ثابت عندهم من غير قبح، وأما المصنف فجوزه على قبح فيه. «وبضعفه» [أي] بضعف الإلغاء، وهو أخف من القبح. «في نحو: متى ظننت زيد قائم» حيث يتقدم على الفعل الملغي السابق على المعمولين ما يتعلق بثانيهما، فإن (متى)[يتعلق] بقائم، وصرح بعضهم بأنه إذا جعل (متى) معمولًا للظن لم يجز؛ لكون (ظن) لم يقع معترضًا بين أجزاء الجملة، وهو مبنى على مذهب البصريين القائلين. بمنع الإلغاء عند تقدم العامل على الجزئيين.

«و» في نحو قولك: «زيد أظن أبوه قائم» حيث يقع العامل مؤخرًا عن المبتدأ الذي بني عليه الكلام، ويتقدم على المبتدأ والخبر اللذين له تسلط عليهما، [وهما] معه خبر عن المبتدأ الأول، ومنه قول الشاعر:

كذاك أدبت حتى صار من خلقي*** أني وجدت ملاك الشيمة الأدب

ص: 160

وإنما جاز ذلك مع ضعفه، لأن أفعال القلوب ضعيفة؛ إذ ليس تأثيرها بظاهر كالعلاج، وأيضًا معمولها في الحقيقة مضمون الجملة لا الجملة كما مر، وسيبويه لا يحمل ما في البيت على الإلغاء، [بل على التعليق]، ويقول: اللام مقدرة حذفت للضرورة وبعضهم يقول: ضمير الشأن مقدر بعد الفعل [القلبي]، وهذا أقرب؛ لثبوت ذاك ضرورة في غير ذلك من نواسخ الابتداء، كقوله:

إن من يدخل الكنيسة يومًا*** يلق فيها حاذرا وظباء

[فعلى هذا الفعل] عامل لا ملغي ولا معلق. «وبجوازه بلا قبح ولا ضعف في نحو: زيد قائم ظننت» حيث تأخر العامل عن الجزئيين اللذين له تسلط

ص: 161

على نصبهما. «وزيد ظننت قائم» حيث يتوسط بينهما، والإلغاء في المسألة الأولى- وهي مسألة التأخر- أقوى عند الجميع من الإعمال، وأما مسألة التوسط فقيل: هما سواء، وقيل: الإعمال أرجح، وظاهر كلام المصنف الأول.

«وتقدير ضمير الشأن أو اللام المعلقة في نحو: ظننت زيد قائم» حيث يكون العامل مصدرًا «أولى من الإلغاء» . وقد تقدم أنه خرج على ذلك نحو:

........ أني وجدت ملاك الشيمة الأدب

وعلى كل منهما فالجملة الاسمية في محل نصب: أما على تقدير ضمير الشأن فعلى أن تكون المفعول الثاني وأما على تقدير لام التعليق فعلى أن تكون الجملة في محل اللمفعولين.

«وقد يقع» الفعل «الملغي بين معمولي (إن)» كقوله:

إن المحب علمت مصطبر*** ولديه ذنب الحب مغتفر

«وبين (سوف) ومصحوبها» كقول زهير:

ص: 162

وما أردي- وسوف إخال أدري-*** أقوم آل حصن أم نساء؟

قلت: يرد [هذا] على قولهم: [إن] الإلغاء ترك العمل لا المانع؛ ضرورة أن العمل هنا غير ممكن، فتأمله.

«وبين معطوف ومعطوف عليه» كقوله:

فما جنة الفردوس أقبلت تبتغي*** ولكن دعاك أحسب والتمر

«وإلغاء ما بين الفعل ومرفوعه» نحو: قام ظننت زيد، ويقوم ظننت زيد.

«جائز لا واجب، خلافًا للكوفيين» / ورجح الخضراوي وأبو حيان قولهم؛

ص: 163

وذلك لأنه لا ينصب إلا ما كان مبتدأ قبل مجيء (ظننت)، ولا يبتدأ بالاسم إذا تقدمه الفعل، وهي حجة ظاهرة، واستند البصريون إلى السماع استدلالًا بقول الشاعر:

شجاك أظن ربع الظاعنينا ..................................

فإنه يروى برفع (ربع) ونصبه. وإنما يتأتى ذلك على قولهم، وقد نوزع فيه بأنا لا نسلم أن (شجاك) فعل ومفعول، بل هو مضاف ومضاف إليه، فعلى تقدير رفع الربع يكون (شجاك) مبتدأ، و (ربع الظاعنين) خبره، والعامل ملغى لتوسطه بين المفعولين، وهو جائز بلا قبح، وعلى تقدير نصب الربع يكون (شجاك) منصوبًا بفتحة مقدرة على الألف، . على أنه مفعول أول تقدم، و (ربع الظاعنين) مفعول ثان، و (أظن) عامل ولا إلغاء.

[والشجي: الحزن، والمعنى: أن سبب حزنك ربع الأحبة الظاعنين أي المرتحلين باعتباره ما تثير عندك رؤيته خاليًا منهم من لوعة الفراق وتذكر أوقات الأنس الفائتة، وهذا مثل المعنى عند من يرى (شجاك) فعلًا ومفعولًا أي

ص: 164

أحزنك ربع الظاعنين، والإسناد مجاز من قبيل الإسناد إلى السبب، أي أحزنه الله عند رؤية الربع الخالي من الأحبة].

«وتوكيد الملغي بمصدر منصوب قبيح» نحو [زيد] ظننت ظنًا قائم؛ إذا التوكيد دليل الاعتناء بحال ذلك العامل والإلغاء [ظاهر] في ترك الاعتناء به، فبينهما شبه التنافي.

«وبمضاف إلى الياء ضعيف» نحو: زيد ظننت ظني منطلق؛ لأن عدم ظهور النصب بكسر من سورة القبح. «وبضمير أو اسم إشارة أقل ضعفًا. نحو: زيد ظننته قائم، وزيد- أحسب ذلك- قائم؛ وإنما كان ذلك أقل ضعفًا» ، لأن الضمير واسم الإشارة ليسا بصريحين في المصدرية.

والحاصل أن سبب القبح في المسألة الأولى تقوية الفعل بإعادة مصدره صريحًا وظهوره أثره لفظًا وهو النصب صريحًا، وأما الثانية فسقط منها الثاني، [وأما الثالثة فسقط منها الثاني] والأول جميعًا.

ص: 165

«وتؤكد الجملة بمصدر الفعل بدلًا من لفظه منصوبًا» «نحو: زيد قائم ظني أوظنا، وكذا مع التوسط، ويكون مؤكدًا لغيره. «فيلغي» [أي] المصدر المذكور «وجوبًا» «لأنه من جملة أخرى، كما أن المصدر- في (زيد ابني حقًا) - كذلك، وحينئذ فلا تسلط له على ما قبله؛ ولأنه جيء به بعد تمام تلك الجملة لتوكيدها ورفع الاحتمال عنها، والعامل لابد من تصور كونه سابقًا على معموله، وقد يعلل [أيضًا] بأن معمول المصدر لا يتقدمه، ويرد بأنه ليس في تأويل حرف مصدري، ويجاب بأنه لم تنحصر علة المنع في ذلك، بدليل أسماء الأفعال على الأصح.

وقد ذكر المصنف خلافًا في: (ضربًا زيدًا) بالنسبة إلى تحمل الضمير، وجواز تقديم المفعول على المصدر، وصحح الجواز، فلا يكون علة المنع عنده ذلك، «ويقبح تقديمه» أي: تقديم المصدر، فخرج التوسط، فلا قبح فيه، ويدل على ذلك جعله المسألة بعدها قليلة القبح مع التقديم على جميع الجملة، وإنما قبح تقديمه؛ لأن ناصبه فعل تدل عليه الجملة، رفكما يقبح تقديم (حقًا) في قولك:(زيد ابني حقًا) يقبح تقديم هذا.

قال المصنف: ولذلك لم يعمل لأنه لو عمل وهو مؤكد لاستحق التقديم بالعمل، والتأخير بالتأكيد، واستحقاق شيء واحد تقديمًا وتأخيرًا في حالة واحدة محال. «ويقل القبح في نحو: متى ظنك زيد ذاهب» بنصب (ظنك) مفعولًا مطلقًا مؤكدًا، والأصل: متى زيد ذاهب ظنك؟ .

ص: 166

وقد سبق أن القبح- في [نحو]: متى ظننت زيد ذاهب- قليل، فقلته هنا أولى.

«وإن جعل (متى) خبرًا لـ (ظن)» فأخرج المصدر المذكور عن التوكيد، وتقدير كونه مقدمًا من تأخير فجعل مبتدأ والظرف خبره «رفع» المصدر حينئذ، لأنه مبتدأ كما قلنا. «وعمل وجوبًا» فينصب المفعولين لأنه إذ ذاك ليس بمصدر مؤكد ولا بدل من اللفظ بالفعل. ولكنه مقدر بحرف مصدري والفعل كما تقول: متى ضربك زيدًا؟

فإن قيل: هلا جاز إلغاؤه، كما في قولك: متى ظننت زيد قائم؟ إذا قدرت/ 237 (متى) ظرفًا لـ (قائم) أو لـ (ظننت).

فالجواب: أن (ظننت) في المثال المذكور قد تأخرت عن معمول معمولها أو عن معمولها فضعفت، وأما هنا فإنما تأخرت عن معمول عامل أجنبي، وهو الاستقرار.

فإن قيل: بل هو معمول للظن؛ إذ هو خبره.

فالجواب: أن المعتبر هنا العمل الذي هو من جهة أحرف الفعل ومعنى الحدث لا ذلك العمل، فإنه باب آخر، ألا ترى أن خبر المصدر يتقدم عليه، نحو: حسن قيامك، مع قولنا: إن المبتدأ عامل في الخبر، ومع قولنا: إن معمول المصدر لا يتقدم على المصدر؟

«وأجاز الأخفش والفراء إعمال المنصوب في الأمر» نحو: ظنًا زيدًا منطلقًا.

ص: 167

والجار والمجرور ظرف مستقر في محل نصب على الحال من (المنصوب) و (في) للمصاحبة مثلها في: {فخرج على قومه في زينته} ، ولا يكون لغوًا متعلقًا بالإعمال؛ إذ لا معنى له.

والمعنى على الأول: أنهما أجازا إعمال المصدر المنصوب مصاحبًا للأمر، أي: للدلالة على الأمر.

«والاستفهام» نحو: أظنا عمرًا ذاهبًا.

وهذا لا ينبغي أن يكون قول هذين فقط، بل قول الجميع؛ لأن (ظنًا زيدًا قائمًا) بمنزلة (ضربًا [زيدًا])، وهو قياس، وكذا أظنًا، نحو: أقائمًا وأقاعدًا.

«وتختص أيضًا» الأفعال «القلبية المتصرفة» لا غير المتصرفة، ليخرج (تعلم) و (هب) «بتعديها معنىً لا لفظًا إلى ذي استفهام» نحو: علمت أزيد قائم أم عمرو؟

وأطلق المصنف الاستفهام، فشمل الاستفهام بـ (هل) نحو: علمت هل زيد قائم؟ : وفيه خلاف، فأجازه قوم ومنعه آخرون، مع اتفاقهم على جواز: علمت أزيد قائم أم عمرو؟

وقال ابن الحاجب: فالمجيزون نظروا إلى صورة الاستفهام في الموضعين، والمانعون نظروا إلى أن مضمون الاستفهام لا يصح أن يكون متعلقًا للعلم إلا بتأويل، وهو أن يكون ما يقال في جوابه، والذي يقال [في] جواب الاستفهام مع (أم) أحد الشيئين

ص: 168

قيام إلى زيد أو غيره حتى يصح أن يقال: تعلق العلم بذلك حسبما تعلق مع (أم)، وإنما جوابه (نعم أو (لا)، فهو غير متعين، وكيف يصح تعلق العلم بذلك؟ .

والجواب: أن المعنى مع (نعم) زيد قائم، ومع (لا)[ما] زيد قائم، ولولا ذلك لم يستقيم أن يكون (نعم) و (لا) مفيدتين، فجعل المقصود من محكوم عليه ومحكوم به هو الجواب، وهو المصحح للتعليق، فاستقام.

«أو» إلى «مضاف إليه» أي: [إلى] مضاف إلى ذي استفهام، نحو: علمت غلام من عندك؟

وكان المصنف في غنية عن ذكر هذا؛ لأن ذا الاستفهام يشمله، وقد ذكره. «أو» إلى «تالي لام الابتداء» كقوله تعالى:{ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلق} ، [فيندرج فيه نحو: علمت إن زيدًا لقائم]. «أو» [إلى] تالي لام «القسم» كقول الشاعر:

ولقد علمت لتأتين منيتي*** إن المنايا لا تطيش سهامها.

ص: 169

في الغرة أن لام القسم لا تعلق. «أو» إلى تالي «(ما) و (إن) النافيتين»

ص: 170

نحو: {وظنوا ما لهم من محيص} {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} {وتظنون إن لبثتم إلا قليلًا} .

واحترز بـ (النافيتين) من غيرهما كـ (ما) الموصولة و (إن) المخففة من الثقيلة. «أو (لا)» نحو أظن لا يقوم زيد، وهو من أمثلة ابن السراج، ولم يذكرها المغاربة.

«ويسمى» ما ذكرناه من تعدي الأفعال القلبية معنىً لا لفظًا إلى ما ذكر «تعليقًا» أخذًا من قولهم: امرأة معلقة، أي: مفقودة [الزوج]، تكون كالشن المعلق، لامع الزوج لفقدانه، ولا بلا زوج لتجويزها وجوده، فلا تقدر على التزويج، فالفعل المعلق عن العمل ممنوع من العمل لفظًا، عامل معنًى وتقديرًا، وفسره المصنف في الاصطلاح بأنه إبطال العمل لفظًا لا محلًا على سبيل/ 228 الوجوب، وأورد أن من التعليق ما هو على سبيل الجواز، كما سيأتي في مسألة:([علمت] زيدًا أبو من هو).

وقيل: التعليق ترك العمل في اللفظ لا في التقدير لمانع وهو كالأول، أو هو

ص: 171

[هو]، وفيه نظر.

وإنما أثبتوا العمل بحسب المحل والتقدير مع التعليق؛ لأن النصب يبظهر في التابع، تقول: عرفت من زيد وغير ذلك من أموره، واستدل عليه ابن عصفور بقول كثير:

وما كنت أدري قبل عزة ما البكا*** ولا موجعات القلب حتى تولت

بنصب (موجعات)، وليس بقاطع؛ لاحتمال أن تكون (ما) زائدة والبكاء مفعولًا [به]، وأن الأصل: ولا أدري موجعات القلب، فيكون من عطف الجمل، أو أن الواو للحال، و (موجعات) اسم (لا)، أي وما كنت أدري قبل عزة والحالة أنه

ص: 172

لا موجعات [القلب] موجودة [ما] البكاء.

«ويشاركهن» أي الأفعال القلبية «فيه» أي في التعليق. «مع الاستفهام (نظر)» قلبية [كانت] نحو {فانظري ماذا تأمرين} ، أو بصرية نحو {فلينظر أيها أزكى طعامًا} .

قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لم يذهب أحد إلى تعليق (انظر) - يعني البصرية- سوى ابن خروف، وتبعه أبو الحسن- يعني ابن عصفور-، وقد ذكر سيبويه تعليق (انظر)، ثم حمل الناس ذلك على النظر بمعنى التفكر.

«وأبصر» نحو:

ص: 173

تبصر خليلًي هل ترى من ظعائن

ص: 174

والأظهر أنها هنا من الإبصار بالعين، ومثل له المصنف بقوله تعالى:{فستبصر ويبصرون، بأيكم المفتون} ، ويحتمل جعل (أي) موصولة والباء زائدة، وصدر الصلة محذوف، أي: أيكم هو المفتون، فلا تعليق إذن.

«وتفكر» كقوله:

............................. تفكر أئياه يعنون أم قردا

ص: 175

«وسأل» نحو: {يسئل أيان يوم القيمة} {يسئلون أيان يوم الدين} .

«» وما وافقهن.

قال المصنف: أشرت به إلى نحو: أما ترى أي برق ههنا؟ ، بمعنى: أما تبصر؟ ، حكاه سيبويه. وما اختاره من جعل (ترى) هذه بصرية هو رأي المازني، وحملها شراح (الكتاب) على أنها علمية، قال ابن عصفور: وهو أولى. حينئذ فقول المصنف: (بمعنى [أما] تبصر) من كلامه لا من كلام سيبويه.

قال: وأشرت به أيضًا إلى نحو: {ويستنبئونك أحق هو} . يعني لأنه بمعنى (يستعلمونك)، فهو طلب للعلم.

«أوقاربهن» نحو: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} ، قاله المصنف،

ص: 176

يريد: لأن المراد بالبلوى الاختبار، وهو سبب للعلم، فهو قريب منه، وكثيرًا ما يعامل السبب معاملة المسبب.

«لا ما لم يقاربهن، خلافًا ليونس» فإنه جعل من ذلك قوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعٍة أيهم أشد} فـ (أي) استفهامية عنده والضمة إعرابية، و (ننزع) معلق عن العمل، وقد سبق ذلك في باب الموصول.

«وقد تعلق (نسي)» كقوله:

من أنتم إنا نسينا من أنتم*** وريحكم من أي ريح الأعاصر

قال المصنف: لأنه ضد (علم)، والضد قد يحمل على الضد.

واعترض بأن ضد العلم الجهل لا النسيان، وضد النسيان الذكر، ولم يذكر المغاربة تعليق (نسي)

ص: 177

«ونصب مفعول نحو: علمت زيدًا أبو من هو؟ ، أولى من رفعه» لأن عامل النصب تسلط [عليه]، ولا مانع يمنع من عمله، فينصب وهو المختار، لكن يجوز رفعه على الصحيح، وهو مذهب سيبويه، ووجهه أن الاسم المذكور مستفهم عنه من حيث المعنى؛ لأن المعنى: علمت أبو من زيد؟ ، فعومل معاملة ذي الاستفهام لفظًا، وأحسن من هذا أن يقال: زيد هو نفس الأب، والأب هنا له الصدر؛ لإضافته إلى ماله الصدر، فعومل معاملته، وقد ورد السماع بمذهب سيبويه [فمن ذلك] قول الشاعر:

فوالله ما أدري غريم لويته*** أيشتد إن قاضاك أم يتضرع

يروي برفع (غريم)، وإن كان الأولى نصبه.

وزعم ابن عصفور: أن التعليق أولى، [قال]: لأن الاعتناء بالمعاني أولى من الاعتناء بالالفاظ.

229 وأجيب بالمنع/ إذا لم تخل رعاية اللفظ بجهة المعنى كما في مسألتنا [بل] رعاية اللفظ- إذ ذاك- أحق.

ص: 178

[انتهى]

والدليل على أن (أرأيت) بمعنى (أخبرني) أنك تقول: أرأيت زيدًا ما صنع؟ فيقال: سافر، أقام، كتب، قرأ، ولا يقال: لا ولا نعم، ولو كان الاستفهام على ظاهره لقيل ذلك؛ لأنها- حينئذ- لطلب التصديق، كما يقال: أجاءك زيد؟ ، فتقول: نعم أو لا، وكلام سيبويه يشير إلى أن (أرأيت) بمعنى (أخبرني) لا تعلق، وقد صرح به أبو علي في التذكرة، واعترض بورودها معلقة كثيرًا كقوله تعالى: (قل أريتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتاكم الساعة أغير الله تدعون} ونحوه في القرآن كثير، وانفصل ابن عصفور عن ذلك بأن قدر المفعول محذوفًا اختصارًا، والتقدير: قل أرأيتكم عذابه، فلا تعليق.

فإن قلت: أهو معلق عن الجملة الاستفهامية، وهي في موضع المفعول الثاني؟

قلت: قد سبق في باب اسم الإشارة أن جملة الاستفهام لا محل لها، على ما

ص: 179

اختاره الرضي، ولئن سلم أن لها محلًا فلا نسلم أن العامل معلق عنها بناء على قول الزمخشري: إن التعليق هو أن يوقع بعد العامل ما يسد مسد منصوبيه جميعًا، وسيأتي قريبًا، و [من] مثل هذه المسألة قول تعالى:{قل أرئيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض} . أي أخبروني، فـ (شركاؤكم، مفعول بـ (أخبروني)، ورفعه ممتنع، و (ماذا خلقوا): إما لا محل له كما تقدم، أو محله النصب على أنه مفعول ثان، كما رآه جماعة، و (أروني) قال الزمخشري: بدل من (أرأيتم)، ورده أبو حيان بأنه لم يقرن بهمزة الاستفهام كمال قرن الأول [بها]، وبأن البدل في الجمل لم يثبت، وبأن البدل عند النحويين على إعادة العامل، ولا عامل هنا فيعاد. والأوجه الثلاثة مردودة:

أما الأول فمبني على قاعدة لا وجود لها في الخارج، ولو ثبت لم يجز هنا؛ لأن الاستفهام فيه غير حقيقي.

وأما الثاني فالبدل في الجمل ثابت، قال تعالى:{[واتقوا الذي} أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعمٍ وبنين} الآية.

وأما الثالث فالعامل موجود: وهو (قل)، وقد جاء: {قل أروني الذين ألحقتم

ص: 180

[به شركاء]}، على أني أقول: إذا ثبت مجيء البدل في الجمل سقط هذا السؤال؛ إذ الجمل تارة تكون ذات محل من الإعراب، وتارة لا تكون ذات محل، فتكون المبدلة بحسب المبدل منها، ألا ترى إلى مجيء البدل في الآية في جملة الصلة، ولا محل لها من الإعراب قطعًا؟ .

ويحمل قولهم: (البدل على نية تكرار العامل) على أنه مخصوص بالمعربات لفظًا أو تقديرًا أو محلًا.

فإن قلت: البدل من جملة التوابع فيلزم أن يكون له إعراب؛ إذ التابع ما كان ثانيًا [معربًا] بإعراب سابقه من جهة واحدة.

قلت: والعطف أيضًا من جملة التوابع، ولا شك أن الجملة الثانية في قولك:(جاء زيد وأكرمته) معطوفة على الأولى، وهي مستأنفة فلا محل لها، فما كان جوابًا لهم عن مثل هذا فهو جوابنا عما قلت.

وقول أبي حيان: وإنما (أروني) معترض، أو المسألة من باب التنازع. فيه نظر بالنسبة إلى الشق الثاني، إذ ليس بين العاملين ارتباطا فيتنازعا.

«وللاسم المستفهم به والمضاف إليه مما بعدها ما لهما دون الأفعال

ص: 181

المذكرة» وذلك لأن [اسم] الاستفهام المضاف إليه لا يعمل فيهما ما قبلها، فلا تؤثر فيهما العوامل السابقة شيئًا، بل يبقى حالهما على ما كان عليه قبل دخول العوامل السابقة، ويعتبر ما كان لهما بالنسبة إلى ما بعدهما، فيحكم بثبوته لهما مع وجود الأفعال المذكورة، وذلك مثل: علمت أيهم صديقك؟ فلا تنظر إلى (علمت)، وإنما تنظر إلى ما بعد اسم الاستفهام، فتجد بعده خيرًا يقضي أنه 230 هـ مبتدأ فتحكم مع/ وجود (علمت) بأن [اسم] الاستفهام مبتدأ، ما بعده خير عنه كما كان قبل دخول (علمت)، وكذا: علمت أيهم ضربت، فاسم الاستفهام مفعول بما بعده، هو مصدر في قولك: علمت أي قيام قمت، وظروف مكان في [نحو]: علمت أين خالد، وظرف زمان في نحو: علمت متى ضربت زيدًا، وحال في نح علمت كيف ضربت زيدًا؟ ، وعلى ذلك فقس المضاف إلى اسم الاستفهام.

«الجملة بعد» العامل «المعلق» عن العمل «في موضع نصب بإسقاط حرف الجر إن تعدى به» أي بحرف الجر، نحو {أولم يتفكروا ما بصاحبهم

ص: 182

من جنةٍ}، {فلينظر أيها أزكى طعاماً} ، {يسلون أيان يوم الدين}؛ لأنه يقال: فكرت فيه، ونظرت فيه، وسألت عنه، لكنها علقت هنا بالاستفهام عن الوصل في اللفظ إلى المفعول، وهي من حيث المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف.

وزعم ابن عصفور: أنه لا يعلق فعل غير (علم) و (ظن) حتى يضمن معنى أحدهما، فتكن هذه الجملة سادة مسد مفعولين.

واختلف في قوله تعالى: {إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم)، فقيل: التقدير ينظرون أيهم يكفل مريم، وقيل: يتعرفون، وقيل: يقولون. فالجملة على التقدير الأول مما نحن فيه، وعلى الثاني في موضع المفعول به المسرح، وعلى الثالث ليست من باب التعليق [ألبته].

«وفي موضع مفعوله إن تعدى إلى واحد» نحو: عرفت من أبوك؟ ، ومنه- على رأي المازني والمصنف- أما ترى أي برق ههنا؛ لأن الرؤية فيع عندهما بصرية.

«وسادة مسد مفعولية إن تعدى إلى اثنين» نحو: علمت أزيد عندك أم عمرو. «وبدل من المتوسط بينه وبينها إن تعدى إلى واحد» نحو: عرفت زيدًا

ص: 183

أبو من هو، لكن من أي أقسام البدل [هو]، فقيل هو بدل كل، والأصل: عرفت شأن زيد، قاله اين عصفور. وقيل: بدل اشتمال، مثل: عرفت زيدًا خبره، واختاره ابن الصائغ، وذهب جماعة إلى أنه حال، ورد بأن الجملة الإنشائية لا تكون حالًا. وقيل: مفعول ثان، على تضمين (عرف) معنى (علم) حكاه ابن جني عن الفارسي، ورد بأن التضمين لا ينقاس، وهذا التركيب مقيس. «وفي موضع الثاني إن تعدى إلى اثنين ووجد الأول» لا إن لم يوجد فإنها [تكون] سادة مسد المفعولين كما سبق، ومثال هذه المسألة: علمت زيدًا أبو من هو؟ وهل الفعل معلق عن الجملة الاستفهامية في هذه الصورة أو؟ قال جماعة من المغاربة: نعم، هو معلق وهو عامل في محلها النصب، على أنها مفعول ثان كما هو صريح كلام المصنف، وخالف في ذلك بعضهم؛ لأن الجملة حكمها- في مثل هذا- أن تكون في موضع نصب، و [أن] لا يؤثر العامل في لفظها، وإن لم يجد معلق، وذلك نحو: علمت زيدًا أبوه قائم، واضطرب في ذبك كلام الزمخشري، فقال: - في قبه تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} ، في سورة هود- بأن الفعل معلق، وقال في تفسير الآية في سورة الملك: ولا يسمى هذا تعليقًا، وإنما التعليق أن يوقع بعد العامل ما

ص: 184

يسًد مسدً منصوبيه جميعًا، كعلمت أيهما عند، ألا ترى أنه لا يفترق الحال بعد تقدم أحد المفعولين بين مجيء ماله صدر [الكلام] وغيره؟ ، ولو كان تعليقًا لا فترقا كما افترقا في: علمت زيدًا منطلقًا، وعلمت أزيد منطلق.

حاول الطيبي رفع الاضطراب والتوفيق بين كلاميه بما هو مقرر في حاشية المغني فراجعه إن شئت.

ص: 185

فإن قلت: ما الراجح من هذين الرأيين؟ قلت: رأي من ذهب إلى أنه من باب التعليق بدليل [مثل] قوله تعالى: {سل بني إسرائيل كم اتينهم من آية بينةٍ} ، ألا ترى أن (سأل التي يراد بها طلب العلم لا المال، إنما يتعدى إلى الثاني بالجار؟ فلو كان وصول (رسل) إلى (كم) كوصول (ظن) إلى الجملة في نحو: ظننت زيدًا 231 أبوه قائم، لزم تعديه إلى اثنين بنفسه، - وذلك ممتنع، إذا ثبت أنه علق عن الثاني بدليل عدم وجود الجار، لم يكن كون الفعل ناصبًا لأحد المفعولين لفظًا مانعًا من كونه معلقًا عن الأخر، والله [تعالى] أعلم بالصواب.

«وتختص» أيضًا الأفعال «القلية المتصرفة و (رأي) الحلمية والبصرية

ص: 186

بجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متصلين متحدي المعنى». نحو: ظننتني، وعلمتني، ورأيتني، وكذا بقية أفعال القلوب المتصرفة قال الله تعالى {كلا إن الإنسان ليطغي أن رءاه استغني} .

واحترز المتصرفة من (هب) و (تعلم) فلا يقال: هبك محسنًا، ولا: تعلمك صنعت كذا.

قال أبو حيان: وفي منع (هبك محسنًا) نظر. (وما أظنه إلا مسموعًا من كلامهم.

وألحقت بها في ذلك (رأى) الحلمية، كقوله تعالى: - حكاية- {إني أرني أعصر خمرًا} و (رأى) البصرية، كقول عائشة رضي الله [تعالى] عنها: (لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لنا طعام [إلا] الأسودان التمر والماء].

قال المصنف: وهذا في (رأى) البصرية شاذ، ومنه قول قطري:

ص: 187

فلقد أراني للرماح دريئة*** من عن يميني تارة وأمامي

قلت: وكان عليه أن ينبه على الشذوذ في المتن، وكلامه يوهم [المساواة]، على أن ما مثل به من الحديث واليت محتمل لأن تجعل الرؤية فيه قلبية.

وإنما لم يجز ذلك في غير الأفعال المذكورة؛ لأن أصل الفاعل أن يكون مؤثرًا، وأن يكون المفعول به متأثرًا منه، وأصل المؤثر أن يغاير المتأثر، فإن اتفقا معنى كره اتفاقهما لفظًا؛ فلذا لا تقول: ضرب زيد زيدًا، وأنت تريد: ضرب زيد

ص: 188

نفسه، فلم يقولوا: ضربتني، ولا ضربتك، ولا ضربتنا، وإن تخالفا لفظًا لاتحادهما معنى؛ (ولا تفاقهما) من حيث كان كل واحد منهما ضميرًا متصلًا، فقصد مع اتحادهما معنىَّ تغايرهما لفظًا بقدر الإمكان، فمن ثم قالوا: ضرب زيد نفسه، صار النفس بإضافته إلى ضمير زيد كأنه غيره؛ لغلبة مغايرة المضاف للمضاف إليه، فصار الفاعل والمفعول- في (ضرب زيد نفسه) - مظهرين متغايرين في الظاهر.

وأما أفعال القلوب فإن المفعول به فيها ليس المنصوب الأول في الحقيقة، بل هو مضمون الجملة كما مضى، فجاز اتفاقهما لفظًا، لأنهما ليسا في الحقيقة فعلًا ومفعولًا به. كذا قال الرضي، ووجه ابن الحاجب ذلك بطريقة أخرى، فقال:

إنما أبدلوا المفعول بلفظ النفس في غير أفعال القلوب نحو: ضربت نفسي، لما تقرر في المعتاد من أن فعل الفاعل لا يتعلق بنفسه غالبًا، وإنما يتعلق بغيره، فلو قال: ضربتني وضربتك، لسبق إلى الفهم ما هو الغالب من المغايرة بينهما، ولم تقو حركة المضمر رافعة لهذا الإلباس مع قيام هذا الغالب، فأبدلوا المفعول بلفظ النفس إيذانًا العدول عن ذلك الغالب، بخلاف (علمت) و (ظننت) ـ فإنه ليس الغالب فيها المغايرة، بل علم الإنسان بصفات نفسه وظنه إياها أكثر، فكان [ذلك]

ص: 189

الغالب الذي غير الأصل لأجله منتفيًا، فجرت هذه- يعني أفعال القلوب- على أصلها، وهو استعمال المضمرات في محالهًا من غير تغيير لها.

«وقد يعامل بذلك (عدم» ) [كقول جران العود:

لقد كان لي ضرتين- عدمتني-*** وعما ألاقي منهما متزحزح

«وفقد» .] كقول الآخر:

ندمت على ما كان مني- فقدتني-*** كما يندم المغبون حين يبيع

ص: 190