الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا سَبَى حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً كِتَابِيَّةً فَوَطِئَهَا وَأَتَتْ بِأَوْلَادٍ عِنْدَهُ ثُمَّ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الْحَرْبِيَّ وَالْحُرَّةَ وَالْأَوْلَادَ فَإِنَّ الْأَوْلَادَ الصِّغَارَ الَّذِينَ حَدَثُوا مِنْ الْمُسْلِمَةِ أَوْ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ عِنْدَ الْحَرْبِيِّ لَا يَكُونُونَ فَيْئًا عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ أَحْرَارٌ تَبَعًا لِأُمِّهِمْ بِخِلَافِ الْكِبَارِ فَفَيْءٌ.
(ص) وَهَلْ كِبَارُ الْمُسْلِمَةِ فَيْءٌ أَوْ إنْ قَاتَلُوا تَأْوِيلَانِ (ش) الْمَوْضُوعُ بِحَالِهِ يَعْنِي أَنَّ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ إذَا سُبِيَتْ وَأَتَتْ بِأَوْلَادٍ عِنْدَ الْحَرْبِيِّ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَهُمْ بِمَنْزِلَتِهَا كَمَا مَرَّ لَا يَكُونُونَ فَيْئًا. وَأَمَّا الْكِبَارُ فَهُمْ فَيْءٌ أَيْ غَنِيمَةٌ فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَهَلْ هُمْ فَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى حَالٍ يُمْكِنُهُمْ الْقِتَالُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ شَبْلُونٍ أَوْ هُمْ فَيْءٌ إنْ قَاتَلُوا بِالْفِعْلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ تَأْوِيلَانِ وَأَمَّا كِبَارُ الْكِتَابِيَّةِ فَفَيْءٌ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ حَارِثٍ فَحِكَايَةُ الشَّارِحِ الْخِلَافُ فِيهِمْ فِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلٌ لِبَعْضِهِمْ لَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي وَلَقَدْ أَجَادَ الْمُؤَلِّفُ فِي تَخْصِيصِ كَلَامِهِ بِكِبَارِ الْمُسْلِمَةِ رحمه الله وَنَفَّعْنَا بِهِ.
(ص) وَوَلَدُ الْأَمَةِ لِمَالِكِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ إذَا كَانَتْ أَمَةً وَأَتَتْ بِأَوْلَادٍ عِنْدَ الْحَرْبِيِّ ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ لِمَالِكِهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا سَوَاءٌ كَانُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ.
(تَنْبِيهٌ) : الْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَفِي ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُفِيدُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي شَرْحِ س.
[فَصْلٌ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ]
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ أَتْبَعَهُ بِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ جِزْيَةٍ وَمُهَادَنَةٍ وَفَكِّ أَسِيرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَمْرُ الثَّانِي الْمَانِعُ مِنْ الْقِتَالِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَدُعُوا لِلْإِسْلَامِ ثُمَّ جِزْيَةٍ قَالَ فِي التَّنْبِيهِ الْجِزْيَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ وَالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَتَمْكِينِهِمْ مِنْ سُكْنَى دَارِنَا وَقِيلَ إنَّهَا مِنْ جَزَى يَجْزِي إذَا قَضَى قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي} [البقرة: 48] أَيْ لَا تَقْضِي وَجَمْعُهَا الْجِزَى بِكَسْرِ الْجِيمِ مِثْلِ لِحْيَةٍ وَلِحًى انْتَهَى وَشُرِعَتْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَقِيلَ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ ابْنُ عَرَفَةَ الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ مَا لَزِمَ الْكَافِرَ مِنْ مَالِهِ لِأَمْنِهِ بِاسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَصَوْنِهِ انْتَهَى وَلَمَّا تَعَلَّقَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَرْبَعَةِ أَبْحَاثٍ الْعَقْدِ وَالْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يَسْكُنُهُ فَأَشَارَ إلَى الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ سُكْنَى إلَخْ وَإِلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِكَافِرٍ وَإِلَى الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِهِ.
(فَصْلٌ)(ص) عَقْدُ الْجِزْيَةِ إذْنُ الْإِمَامِ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجِزْيَةَ هِيَ إذْنُ الْإِمَامِ (لِكَافِرٍ) ذَكَرٍ، وَلَوْ قُرَشِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي سُكْنَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ مَخْصُوصٍ بِشَرْطِ كَوْنِ الْكَافِرِ عَلَى وَصْفٍ مَخْصُوصٍ وَالْعَاقِدُ الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ فَلَوْ عَقَدَهَا مُسْلِمٌ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ تَصِحَّ لَكِنْ يَمْنَعُ الِاغْتِيَالُ أَيْ مِنْ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا بَذَلُوهُ وَرَآهُ مَصْلَحَةً إلَّا أَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ تَأْوِيلَانِ) أَيْ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَيْ عَلَى قَوْلِهَا إنْ بَلَغَ وَلَدُهَا وَقَاتَلُوا فَفَيْءٌ ثُمَّ قَالَ فِي الذِّمِّيَّةِ وَكَبِيرُ وَلَدِهَا فَيْءٌ فَفَهِمَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْقِتَالُ بِالْفِعْلِ وَفَهِمَهَا ابْنُ شَبْلُونٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الصَّلَاحِيَّةُ لِلْقِتَالِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ قِتَالٌ بِالْفِعْلِ وَكِلَا الشَّيْخَيْنِ خَالَفَ عَادَتَهُ؛ لِأَنَّ عَادَةَ ابْنِ شَبْلُونٍ لَا يَتَأَوَّلُ وَيَحْمِلُ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَعَادَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ يَحْمِلُ عَلَى التَّأْوِيلِ لَا عَلَى الظَّاهِرِ هَذَا وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ رضي الله عنه (قَوْلُهُ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ) أَيْ بِتَخْصِيصِهَا بِأَوْلَادِ الْمُسْلِمَةِ بَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ. .
(بَابُ الْجِزْيَةِ)(قَوْلُهُ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ) أَيْ طَالِبُ قِتَالِ الْكُفَّارِ حَصَلَ قِتَالٌ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا فَظَهَرَ قَوْلُهُ أَتْبَعَهُ (قَوْلُهُ مِنْ الْمُجَازَاةِ) مُفَاعَلَةٌ تَقْتَضِي الْجَزَاءَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنَّا تَأْمِينُهُمْ وَمِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَقَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ أَيْ مَا يُجَازَى بِهِ كَالْجِزْيَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنَّهَا) أَيْ الْجِزْيَةَ (قَوْلُهُ إذَا قَضَى) أَيْ إذَا أَدَّى فَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ أَيْ لَا تُقْضَى) أَيْ تُؤَدَّى (قَوْلُهُ الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ) أَيْ. وَأَمَّا الصُّلْحِيَّةُ فَهِيَ مَا الْتَزَمَ كَافِرٌ مَنَعَ نَفْسَهُ أَدَاءَهُ عَلَى إبْقَائِهِ بِبَلَدِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ مَنَعَ نَفْسَهُ جُمْلَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ وَقَوْلُهُ أَدَاءَهُ مَفْعُولُ الْتَزَمَ وَقَوْلُهُ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ مُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّرَاضِيَ مِنْهُمْ عَلَى تَرْكِ الْمُقَاتَلَةِ بِمَالٍ مَعَ عَدَمِ كَوْنِهِمْ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ جِزْيَةً صُلْحِيَّةً وَسَيَأْتِي فِي تَعْرِيفِ الْمُهَادَنَةِ مَا يُفِيدُهُ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ شب وَقَوْلُهُ لَا مِنْهُ إلَخْ خَرَجَتْ الصُّلْحِيَّةُ كَمَا قَالَ فِي ك لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِنْ تَعْرِيفِ الصُّلْحِيَّةِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي بَقَاءِ الْكَافِرِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَصَوْنُهُ أَيْ حِفْظُهُ تَفْسِيرٌ وَقَوْلُهُ بِاسْتِقْرَارِهِ أَيْ عَلَى الدَّوَامِ لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ (قَوْلُهُ وَالِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ عَاقِدٌ كَالْإِمَامِ. وَأَمَّا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَهُوَ السُّكْنَى وَالْمَالُ نَظِيرُ مَا قِيلَ فِي الْبَيْعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْجِزْيَةَ يَنْتَهِي حُكْمُهَا إلَى نُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى عليه السلام ثُمَّ لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِيمَانُ لِفَيْضِ الْمَالِ وَعَدَمِ النَّفْعِ بِهِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ الْإِيمَانُ (قَوْلُهُ عَقْدُ الْجِزْيَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْجِزْيَةَ قَدْ عُرِّفَتْ أَنَّهَا الْمَالُ الْمَعْرُوفُ فَإِذَنْ يَكُونُ فِي الْكَلَامِ رِكَّةٌ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالذِّمَّةِ بَدَلَ الْجِزْيَةِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ إذْنِ الْإِمَامِ) أَيْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَيْ أَوْ نَائِبِهِ (قَوْلُهُ سُكْنَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ وَقَوْلُهُ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ الْأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَقَوْلُهُ عَلَى وَصْفٍ مَخْصُوصٍ هُوَ كَوْنُهُ يَصِحُّ سِبَاؤُهُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ وَيَجِبُ الْعَقْدُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا بَذَلُوهُ أَيْ طَلَبُوهُ أَوْ بَذَلُوا الْمَالَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمَقَامِ الْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَهَا الْجَوَازُ وَقَدْ يَتَرَجَّحُ لِمَصْلَحَةٍ وَقَدْ تَتَعَيَّنُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي.
يَخَافَ غَائِلَتَهُمْ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَوْلُهُ لِكَافِرٍ أَيْ لِكُلِّ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ قَدْ تَعُمُّ أَيْ عُمُومًا شُمُولِيًّا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِغَرَضِهِ هُنَا وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْجَهْمِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إجْمَاعًا فَإِنَّهُ طَرِيقَةٌ لَهُمَا وَإِنَّمَا أَتَى الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ لِكَافِرٍ تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ وَإِلَّا الْمُسْلِمُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ عَلَيْهِ جِزْيَةً حَتَّى يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ (صَحَّ سِبَاؤُهُ) بِالْمَدِّ أَيْ أَسْرُهُ الْمُعَاهِدَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَهْدِهِ وَالْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى رِدَّتِهِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ سِبَاؤُهُ.
(ص) مُكَلَّفٌ حُرٌّ قَادِرٌ مُخَالِطٌ لَمْ يَعْتِقْهُ مُسْلِمٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ أَخْذِ الْجِزْيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُكَلَّفًا حُرًّا قَادِرًا مُخَالِطًا لِأَهْلِ دِينِهِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مِنْ عَبْدٍ وَلَا مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ قَادِرٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا مِنْ رُهْبَانِ الْأَدْيِرَةِ لَكِنْ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ صَحَّ سِبَاؤُهُ وَلَا مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ أَوْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ تَمَامُ الْحَوْلِ كَمَا فِي الْمَكَافِي وَانْظُرْ هَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَهُ وَالْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ مُخَالِطٌ، وَلَوْ رَاهِبَ كَنِيسَةٍ لَا صَوْمَعَةٍ وَدَيْرٍ وَغَارٍ، وَلَوْ طَرَأَ تَرَهُّبُهُ سَقَطَتْ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِلْأَخَوَيْنِ وَلَعَلَّهُ اسْتَغْنَى بِتَذْكِيرِ الْأَوْصَافِ عَنْ اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ أَيْ الْمُحَقَّقَةِ.
(ص) سُكْنَى غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ وَلَهُمْ الِاجْتِيَازُ (ش) سُكْنَى مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ إذْنُ الْإِمَامِ فِي سُكْنَى كَذَا وَسُكْنَى مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ يَجُوزُ فِيمَا بَعْدَهُ الْجَرُّ عَلَى الْإِضَافَةِ وَالنَّصْبُ وَقَوْلُهُ غَيْرِ مَكَّةَ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَشَمِلَ قَوْلُهُ غَيْرِ إلَخْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَالثُّغُورَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَأَمَّا جَزِيرَةُ الْعَرَبِ وَهِيَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ سُكْنَاهَا لَكِنْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ لِدُخُولِهِمْ أَيَّامَ عُمَرَ بِجَلْبِهِمْ الطَّعَامَ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ وَضَرَبَ لَهُمْ عُمَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَسْتَوْفُونَ وَيَنْظُرُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُمْ الْمُرُورَ، وَلَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَفِي عِبَارَةٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاجْتِيَازِ الْمُرُورَ فَقَطْ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ السُّكْنَى فَيَشْمَلُ دُخُولَهُمْ هَذِهِ الْأَمَاكِنَ لِتَجْرِهِمْ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ (ص) بِمَالٍ (ش) يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِسُكْنَى أَيْ فِي سُكْنَى بِسَبَبٍ
ــ
[حاشية العدوي]
الْجِزْيَةِ وَجَبَتْ، وَإِنْ تَرَجَّحَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا تَرَجَّحَتْ، وَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَيْ الْمَصْلَحَةُ وَعَدَمُهَا جَازَتْ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِهَا حَرُمَتْ، وَإِنْ تَرَجَّحَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِهَا تَرَجَّحَ عَدَمُهَا هَذَا مَا ظَهَرَ فَلَعَلَّهُ يُقْبَلُ (قَوْلُهُ شُمُولِيًّا) أَيْ. وَأَمَّا عُمُومُهَا الْبَدَلِيُّ فَهُوَ الْغَالِبُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ طَرِيقَةٌ لَهُمَا) أَيْ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ (قَوْلُهُ الْمُعَاهِدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَهْدِهِ) فَلَا يَصِحُّ سِبَاؤُهُ، وَلَوْ طَالَ مَقَامُهُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَضْرِبَهَا الْإِمَامُ عَلَيْهِ حِينَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِهَا وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَحَلُّهُمَا بَعْدَ الْوُقُوعِ. وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ بِأَمَانٍ.
(قَوْلُهُ وَلَا مِنْ غَيْرِ قَادِرٍ عَلَى شَيْءٍ) أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي وَقْتِ أَخْذِهَا مِمَّنْ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَلَعَلَّ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ فَلَا تُضْرَبُ عَلَى عَاجِزٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَادِرٍ عَلَى الدَّفْعِ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ فَتُضْرَبُ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ ثُمَّ حِينَ الْأَخْذِ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ (قَوْلُهُ وَلَا مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ) وَظَاهِرُ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَحَلِّ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ بِمَحَلٍّ آخَرَ وَيَبْقَى النِّظْرُ فِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا هَلْ يُبَعَّضُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نِظْرُ الْعِتْقِ الْمُسْلِمِ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ نِظْرُ الْعِتْقِ الْكَافِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِتْقُ الْمُسْلِمِ الْغَالِبَ أَوْ النِّصْفَ لَا يُؤْخَذُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعَلَّى عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ فَهَلْ كَذَلِكَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ إلَخْ) لَعَلَّهُ مُرَاعَاةٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ لِمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ أَخْذِهَا مِنْهُ عِنْدَ بُلُوغِهِ إذَا تَقَدَّمَ لِضَرْبِهَا عَلَى كِبَارِهِ الْأَحْرَارِ حَوْلٌ فَأَكْثَرُ وَتَقَدَّمَ لَهُ حَوْلٌ عِنْدَنَا صَبِيًّا وَإِلَّا فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ الْأَخْذِ (قَوْلُهُ وَانْظُرْ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَالصَّبِيِّ وَإِذَا أُخِذَتْ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِفَاقَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ ثَانِيًا بِمُرُورِ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهَا. وَأَمَّا الْفَقِيرُ إذَا اسْتَغْنَى فَلَا يُطَالَبُ بِمَا مَضَى قَبْلَ غِنَاهُ بَلْ يُبْتَدَأُ لَهُ حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ غِنَاهُ كَمَا فِي شَرْحِ عب (أَقُولُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُ الصَّبِيِّ بَلْ أَوْلَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ اسْتَغْنَى إلَخْ) يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ.
(قَوْلُهُ سُكْنَى) مَصْدَرُ سَكَنَ الدَّارَ إذَا أَقَامَ فِيهَا (قَوْلُهُ غَيْرَ مَكَّةَ إلَخْ) أَيْ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ أَيْ، وَلَوْ صَبِيًّا وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُؤَلِّفُ الْمُكَلَّفَ وَمَا مَعَهُ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ) مَقْصُورٌ عَلَى سَمَاعٍ (قَوْلُهُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) مِنْ الْجَزْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ مِنْ وَسَطِهَا لِإِجْنَابِهَا بَحْرَ الْقُلْزُمِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ وَبَحْرَ فَارِسَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ وَبَحْرَ الْهِنْدِ مِنْ الْجَنُوبِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ مَا بَيْنَ أَقْصَى عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا وَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا (قَوْلُهُ وَهِيَ مَكَّةُ إلَخْ) أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِذَلِكَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ (قَوْلُهُ وَضَرَبَ لَهُمْ عُمَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الثَّلَاثَةِ كَانَتْ إذْ ذَاكَ مَظِنَّةً لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ الْحَاجَةُ تَقْتَضِي أَكْثَرَ لَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ يَسْتَوْفُونَ) أَيْ يُحَصِّلُونَ حَوَائِجَهُمْ (قَوْلُهُ يَصِحُّ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْبَاءَ إمَّا لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ بِمَعْنَى مَعَ.
مَالٍ وَبِعَقْدٍ أَيْ الْعَقْدُ عَلَى مَالٍ وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ أَيْ إذْنِ الْإِمَامِ مَعَ مَالٍ أَيْ مَصْحُوبًا بِمَالٍ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ.
(ص) لِلْعَنَوِيِّ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فِي سَنَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمِقْدَارَ الَّذِي يُضْرَبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ هِيَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُمَّ يُنْظَرُ عِنْدَ أَخْذِهَا فَمَنْ كَانَ غَنِيًّا بِذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُ وَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى بَعْضِهِ أُخِذَ مِنْهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى شَيْءٍ سَقَطَتْ عَنْهُ وَلَا يُطْلَبُ بِهَا بَعْدَ غِنَاهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ حُكْمُ أَهْلِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونَ عَلَى نَقْلِ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ إبِلٍ فَمَا رَاضَاهُمْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ اهـ مَا رَاضَاهُمْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ عِنْدَ الْأَخْذِ وَأَهْلُ الْمَعَزِ وَالضَّأْنِ وَالْعُرُوضِ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ.
(ص) وَالظَّاهِرُ آخِرُهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِمَّنْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ آخِرَ الْحَوْلِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَالزَّكَاةِ وَمِثْلُهُ لِلْبَاجِيِّ ابْنُ رُشْدٍ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحِيَّةُ إذَا وَقَعَتْ مُبْهَمَةً وَآخِرُهَا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إنَّهَا تُؤْخَذُ آخِرُهَا.
(ص) وَنَقَصَ الْفَقِيرُ بِوُسْعِهِ وَلَا يُزَادُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْفَقِيرِ بِقَدْرِ حَالِهِ، وَلَوْ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَلَا يُزَادُ الْغَنِيُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدَّمِ ذِكْرُهُ.
(ص) وَلِلصُّلْحِيِّ مَا شَرَطَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَالْأَوَّلِ (ش) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الْجِزْيَةِ الصُّلْحِيَّةِ وَهِيَ عَلَى مَا شَرَطَ إنْ رَضِيَ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِمَا شَرَطَ وَيُقَاتِلُهُ، وَلَوْ بَذَلَ أَضْعَافَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَا يَأْتِي ضَعِيفٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ فِي صُلْحِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَدْرًا فَعَلَيْهِ مَا يَلْزَمُ الْعَنْوِيَّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
(ص) وَالظَّاهِرُ إنْ بَذَلَ الْأَوَّلُ حَرُمَ قِتَالُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ اسْتَظْهَرَ أَنَّ الصُّلْحِيَّ إذَا بَذَلَ الْقَدْرَ الَّذِي عَلَى الْعَنْوِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَحَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ ابْنِ رُشْدٍ لَا مِنْ الْخِلَافِ.
(ص) مَعَ الْإِهَانَةِ عِنْدَ أَخْذِهَا (ش) أَيْ وَتُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ الْجِزْيَتَيْنِ مَعَ الْإِهَانَةِ وُجُوبًا أَيْ الْإِذْلَالُ وَالشِّدَّةُ لَهُمْ عِنْدَ أَخْذِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَدَمُ قَبُولِ التَّائِبِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ لِكُلِّ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ.
(ص) وَسَقَطَتَا بِالْإِسْلَامِ (ش) أَيْ الْجِزْيَةُ وَالْإِهَانَةُ وَالْمُرَادُ بِالْجِزْيَةِ الْمُطْلَقَةُ الشَّامِلَةُ لِلْعَنَوِيَّةِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ) أَيْ الْمَالُ شَرْطٌ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا رُكْنٌ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّهُمْ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ أَخْطَأَ وَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَالرَّدِّ لِمَأْمَنِهِمْ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ إمَّا رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَلَا يَفْتَرِقُ شَرْطُ الصِّحَّةِ مَعَ الرُّكْنِ إلَّا فِي الدُّخُولِ خَارِجَ الْمَاهِيَّةِ وَعَدَمِهِ.
(قَوْلُهُ لِلْعَنَوِيِّ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وَأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ أَنْتِ ذَكَرْت الْمَالَ فَمَا مِقْدَارُهُ فَقَالَ عَلَى الْعَنْوِيِّ كَذَا وَالصُّلْحِيِّ مَا شَرَطَ وَالْعَنَوِيُّ مَنْسُوبٌ لِلْعَنْوَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهِيَ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ (قَوْلُهُ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ) شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ دَنَانِيرِ مِصْرَ وَقَوْلُهُ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ دَرَاهِمِ مِصْرَ (قَوْلُهُ فِي سَنَةٍ) أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَيْ قَمَرِيَّةٍ أَيْ لِئَلَّا يَضِيعَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَنَةٌ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَذَلِكَ يَعُمُّ الْعَنْوِيَّ وَالصُّلْحِيَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْظُرُ عِنْدَ أَخْذِهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَيْهِ مَتَى كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاكْتِسَابِ ثُمَّ يُنْظَرُ عِنْدَ الْأَخْذِ.
(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ آخِرُهَا) وَمَنْ اُجْتُمِعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سَنَتَيْنِ أَخَذَ بِهِمَا إنْ كَانَ لِفِرَارٍ لَا لِعُسْرٍ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ غِنَاهُ وَلَا تَثْبُتُ لِمُدَّعِيهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ دَلِيلٍ وَتَعْبِيرُهُ بِالِاسْمِ لَا يُوَافِقُ مُصْطَلَحَهُ وَالْمُوَافِقُ التَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ لِلْبَاجِيِّ) أَيْ فَهَذَا الِاسْتِظْهَارُ مِنْ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِلْبَاجِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ مَفْعُولٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ يُؤْخَذُ فِي آخِرِهَا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ الْيَسَارُ فِي الْآخِرِ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْيَسَارُ فِي الْأَوَّلِ أُخِذَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَأَخُّرَهَا لِآخِرِهَا يُؤَدِّي لِسُقُوطِهَا.
(قَوْلُهُ وَنَقَصَ الْفَقِيرُ) أَيْ عِنْدَ الْأَخْذِ لَا عِنْدَ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ كَامِلَةً كَمَا فِي ك وَقَوْلُهُ بِوُسْعِهِ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَأُخِذَ مِنْهُ بِوُسْعِهِ أَوْ ضَمِنَ مَعْنَى اُعْتُبِرَ أَيْ اُعْتُبِرَ الْفَقِيرُ بِوُسْعِهِ أَيْ طَاقَتِهِ.
(قَوْلُهُ وَلِلصُّلْحِيِّ مَا شَرَطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَقَوْلُهُ إنْ رَضِيَ إشَارَةً إلَى أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَذْفًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَمَا قُلْنَا وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَيَكُونُ الشَّرْطُ إمَّا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا عَلَى كُلٍّ وَقَوْلُهُ مَا يَأْتِي ضَعِيفٌ أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ أَيْ الْإِذْلَالِ وَالشِّدَّةِ إلَخْ) وَحَدُّ مَا قِيلَ فِي إهَانَتِهِ أَنْ يُجْمَعُوا يَوْمَ أَخْذِهَا بِمَكَانٍ مَشْهُورٍ كَسُوقٍ وَيَحْضُرُوا فِيهِ قَائِمِينَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَعْوَانُ الشَّرِيعَةِ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ يُخَوِّفُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ أَنْ مَقْصِدَنَا مِنْهُمْ إظْهَارُ ذُلِّهِمْ لَا أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ لَنَا الْفَضْلَ فِي قَبُولِهَا مِنْهُمْ وَتَرْكِهِمْ ثُمَّ يُجْذَبُ كَافِرٌ بَعْدَ كَافِرٍ لِقَبْضِهَا وَيُصْفَعُ عَلَى عُنُقِهِ وَيُدْفَعُ دَفْعًا كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ تَحْتِ السَّيْفِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَنْبَغِي اسْتِحْضَارُ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ بُغْضِهِمْ لَنَا وَتَكْذِيبِ نَبِيِّنَا وَأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَيْنَا لَاسْتَأْصَلُونَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَاسْتَوْلَوْا عَلَى دِمَائِنَا
وَالصُّلْحِيَّةِ وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الْإِهَانَةِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ وَعَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْجِزْيَتَيْنِ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الْإِهَانَةِ إلَّا بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَسَقَطَتَا بِالْإِسْلَامِ، وَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُ التَّحَيُّلُ عَلَى إسْقَاطِ الْجِزْيَةِ فِي السِّنِينَ الْمُنْكَسِرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ (ص) كَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِضَافَةِ الْمُجْتَازِ ثَلَاثًا لِلظُّلْمِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمْ لِأَجْلِ الظُّلْمِ مَا قَرَّرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَعَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَهُوَ مِنْ الْحِنْطَةِ مُدَّانِ وَثَلَاثَةُ أَقْسَاطِ زَيْتٍ عَلَى مَنْ كَانَ بِالشَّامِ وَالْحِيرَةِ وَقَرَّرَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ بِمِصْرَ إرْدَبًّا مِنْ الْحِنْطَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَلَا أَدْرِي كَمْ مِنْ الْوَدَكِ وَالْعَسَلِ وَالْكِسْوَةِ وَقَرَّرَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَرَّرَ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ التَّمْرِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مَعَ كِسْوَةٍ مَعْرُوفَةٍ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَكْسُوهَا النَّاسَ لَا أَدْرِي قَدْرَهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَقَوْلُهُ لِلظُّلْمِ عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ.
(ص) وَالْعَنَوِيُّ حُرٌّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَنْوِيَّ بَعْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ حُرٌّ فَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي الْأَرْضِ لِعِمَارَتِهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَنِّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا} [محمد: 4] وَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ هِبَةِ أَمْوَالِهِمْ وَالصَّدَقَةِ بِهَا وَأَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَكَانَ مِيرَاثُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ إذَا أَسْلَمُوا كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَمْ تُنْزَعْ مِنْهُمْ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (ص) ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ فَالْأَرْضُ فَقَطْ لِلْمُسْلِمِينَ (ش) أَيْ الْأَرْضُ الْمَعْهُودَةُ فِي قَوْلِهِ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ وَهِيَ الَّتِي أُقِرَّتْ بِيَدِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ إذْ لَمْ تُقَرَّ بِيَدِهِ إلَّا لِيَعْمَلَ فِيهَا إعَانَةً عَلَى الْجِزْيَةِ ابْنُ زَرْقُونٍ. وَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي اشْتَرَاهَا بَعْدَ الْعَنْوَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِ حُكْمُهَا حُكْمُ مَالِهِ عِنْدِي وَلَمْ أَرَ نَصًّا فِيهَا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّعَ قَوْلَهُ، وَإِنْ مَاتَ إلَخْ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّ مَالَهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ لَكِنْ عَلَى تَفْصِيلٍ وَهُوَ أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ مِنْ الْمَالِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ أَيْضًا وَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ مَا هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْفَرَائِضِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَالُ الْكِتَابِيِّ الْحُرِّ الْمُؤَدِّي لِلْجِزْيَةِ لِأَهْلِ دِينِهِ مِنْ كَوَرَثَتِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَاكَ فِي غَيْرِ الْعَنْوِيِّ جَمْعًا بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ.
(ص) وَفِي الصُّلْحِيِّ إنْ أُجْمِلَتْ فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ وَالْوَصِيَّةُ بِمَالِهِمْ وَوَرِثُوهَا (ش) الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ أَيْ وَالْحُكْمُ فِي الصُّلْحِيِّ وَقَوْلُهُ فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْمُقَدَّرِ فَإِذَا أُجْمِلَتْ جِزْيَتُهُمْ عَلَى الْبَلَدِ بِمَا حَوَتْ مِنْ أَرْضٍ وَرِقَابٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ مَا يَخُصُّ شَخْصًا وَلَا مَا يَخُصُّ الرِّقَابَ مِنْ الْأَرْضِ فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ إنْ أَسْلَمُوا ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَبِيعُونَهَا الْبَاجِيُّ وَلَا يُزَادُ فِي الْجِزْيَةِ بِزِيَادَتِهِمْ وَلَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَإِضَافَةِ الْمُجْتَازِ ثَلَاثًا) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ ك (قَوْلُهُ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ أَيَّامٍ وَحَذْفُ التَّاءِ مَعَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا (قَوْلُهُ لِلظُّلْمِ) أَيْ بِأَكْثَرَ مِمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ مُدَّانِ) الَّذِي فِي تت صَاعٌ وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّاقِ مُدَّانِ تَثْنِيَةُ مُدٍّ مِكْيَالٌ يَسَعُ سَبْعَةَ عَشَرَ صَاعًا (قَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَقْسَاطِ زَيْتٍ) كُلُّ قِسْطٍ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ بِالشَّامِّي لَا بِالْمِصْرِيِّ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَزْنُ كُلِّ قِسْطٍ تِسْعَةُ أَرْطَالٍ (قَوْلُهُ وَالْحِيرَةِ) نُسْخَةُ ك وَالْجَزِيرَةُ قَالَ وَاَلَّذِي فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ وَالْحِيرَةِ بِالْكَسْرِ بَلَدٌ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوفَةِ بَدَلَ الْجَزِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْجَزِيرَةَ يُمْنَعُونَ مِنْ سُكْنَاهُمْ فِيهَا (قَوْلُهُ وَلَا أَدْرِي كَمْ إلَخْ) اسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ وَالْعَنَوِيُّ حُرٌّ) أَيْ وَالصُّلْحِيُّ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَكَانَ مِيرَاثُهُمْ) عَطْفُ مُسَبِّبٍ عَلَى سَبَبٍ أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ فَمِيرَاثُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ إنَّهُ عَبْدٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى شُعُورِ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا صُدُورِهِنَّ وَعَلَى أَنَّهُنَّ إمَاءٌ فَيَجُوزُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ إلَّا لِيَعْمَلَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ وَلَدَهُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا تُورَثُ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فَالْأَرْضُ لِلْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ وَارِثٌ أَمْ لَا (قَوْلُهُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الشِّرَاءُ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ أَرْضَ مَوَاتٍ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّهَا وَقْفٌ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا (قَوْلُهُ إنَّ مَا اكْتَسَبَهُ مِنْ الْمَالِ قَبْلَ الْفَتْحِ إلَخْ) ، فَإِنْ قُلْت إنَّهُ قَبْلَ الْفَتْحِ غَنِيمَةٌ قُلْت إنَّهُ إذَا أَقَرَّ فِي الْبِلَادِ لَا بُدَّ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ شَيْءٌ يَتَعَيَّشُ بِهِ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ فِي بَيْتِ الْمَالِ هَذَا وَأَفَادَ بَعْضُ شُيُوخِنَا قَائِلًا وَاَلَّذِي فِي عج أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ هَذَا التَّفْصِيلِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ فَإِنَّ مَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سَوَاءٌ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ أَوْ قَبْلَهُ اهـ (أَقُولُ) وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ نُخْبِرُك بِنَصِّ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَهُوَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْأَرْضِ مِنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُهُ وَلَا أَرْضُهُ وَلَا دَارُهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ يُرِيدُ مَالَهُ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ. وَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ فَهُوَ لَهُ اهـ فَمَفْهُومُ الْأَرْضِ فَقَطْ فِيهِ تَفْصِيلٌ عَلَى مَا عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فَمَالُهُ لِوَارِثِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَيْ مَالُهُ الَّذِي بِيَدِهِ حِينَ الْمَوْتِ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَقِيَ بِيَدِهِ (وَأَقُولُ) ظَهَرَ لَك أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ غَنِيمَةٌ وَقَدْ أَجَبْنَا بِمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قُلْت يُسْتَبْعَدُ كَوْنُهُ إذَا لَمْ يُسْلِمْ يَبْقَى ذَلِكَ الْمَالُ بِيَدِهِ وَإِذَا أَسْلَمَ يُنْتَزَعُ مِنْهُ قُلْت لَا بَعْدَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ يَصِيرُ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ (أَقُولُ) وَيُمْكِنُ جَوَابٌ آخَرُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ لَمْ يَظْهَرْ حِينَ فَتْحِ الْبِلَادِ حَتَّى يُقْسَمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَمَا ظَهَرَ إلَّا بَعْدَ تَفَرُّقِ الْجَيْشِ فَصَارَ لَا مَوْضِعَ لَهُ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ هَذَا مَا ظَهَرَ وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ فِي الْمَقَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ إنْ أَسْلَمُوا) وَأَوْلَى
يَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِمْ وَلَا يَبْرَأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ حُمَلَاءُ وَالْوَصِيَّةُ بِمَالِهِمْ بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَوَرِثُوهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ فَلِأَهْلِ مُوَادَّتِهِمْ إذْ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْجِزْيَةِ شَيْءٌ بِمَوْتِ بَعْضِهِمْ وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى أَنَّ الْأَرْضَ مَوْقُوفَةٌ لِلْجِزْيَةِ لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَلَيْسَتْ لَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا.
(ص) وَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَى الرِّقَابِ فَهِيَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بِلَا وَارِثٍ فَلِلْمُسْلِمِينَ وَوَصِيَّتُهُمْ فِي الثُّلُثِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْجِزْيَةَ الصُّلْحِيَّةَ إذَا وَقَعَتْ مُفَرَّقَةً عَلَى الرِّقَابِ كَعَلَى كُلِّ رَقَبَةٍ كَذَا وَأُجْمِلَتْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ سَكَتَ عَنْهَا فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ وَإِلَيْهَا يَعُودُ الضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ فَهِيَ لَهُمْ أَيْ فَالْأَرْضُ لَهُمْ يَرِثُونَهَا وَيَبِيعُونَهَا وَتَكُونُ لَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا وَتُورَثُ عَنْهُمْ مَعَ مَالِهِمْ إنْ مَاتُوا، فَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَمَالُهُ وَأَرْضُهُ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِأَهْلِ مَوَدَّتِهِ وَوَصِيَّتُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الثُّلُثِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ مَالِهِمْ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَزِيدُ الْجِزْيَةُ بِزِيَادَتِهِمْ وَتَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِمْ وَحُكْمُ مَا إذَا فُرِّقَتْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَيْهِمَا حُكْمُ مَا إذَا فُرِّقَتْ عَلَى الرِّقَابِ.
(ص) ، وَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِمَا فَلَهُمْ بَيْعُهَا وَخَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْجِزْيَةَ الصُّلْحِيَّةَ إذَا وَقَعَتْ مُفَرَّقَةً عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ أَيْ وَأُجْمِلَتْ عَلَى الرِّقَابِ أَوْ سَكَتَ عَنْهَا كَعَلَى كُلِّ شَجَرَةٍ كَذَا أَوْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَةً عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الْجَمَاجِمِ مَعًا كَعَلَى كُلِّ شَجَرَةٍ كَذَا وَعَلَى كُلِّ رَأْسٍ كَذَا فَأَرْضُهُمْ لَهُمْ يَبِيعُونَهَا لِمَنْ شَاءُوا وَخَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَانْظُرْ إذَا مَاتَ الْبَائِعُ هَلْ يُتْبَعُ الْمُشْتَرِيَ بِخَرَاجِ الْأَرْضِ دَائِمًا أَوْ وَرَثَةُ الْبَائِعِ وَبِعِبَارَةٍ، وَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَيْهَا أَيْ الْأَرْضُ أَوْ عَلَيْهِمَا أَيْ الْأَرْضُ وَالرِّقَابُ فَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَهُوَ أَنَّ أَرْضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا وَلِوَرَثَتِهِمْ إنْ مَاتُوا إلَّا أَنْ يَمُوتُوا بِلَا وَارِثٍ فَلِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَيُرَادُ هُنَا قَوْلُهُ وَلَهُمْ بَيْعُهَا وَخَرَاجُهَا الْمَضْرُوبُ عَلَيْهَا عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُسْلِمَ وَسَكَتَ عَنْ الْمَالِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْأَرْضُ لَهُمْ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا بَاعُوهَا فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَا يَكُونُ خَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ وَفِي هَذَا الْقِسْمِ خَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُرَادُ بِخَرَاجِهَا مَا ضُرِبَ عَلَيْهَا.
وَسَكَتَ الْمُؤَلِّفُ عَمَّا إذَا فُصِّلَتْ عَلَى الرِّقَابِ وَأُجْمِلَتْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ سُكِتَ عَنْهَا هَلْ يَكُونُ عَلَى مَنْ بَاعَ الْأَرْضَ خَرَاجُهَا أَوْ لَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَرَاجُهَا عَلَى مَنْ بَاعَهَا بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ جَمِيعِهِمْ كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ
ــ
[حاشية العدوي]
وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ إشَارَةً لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَنْوِيِّ (قَوْلُهُ فَلِأَهْلِ مُوَادَّتِهِمْ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ كَاتِبًا عَلَيْهَا أَيْ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ عَنْهُمْ الْجِزْيَةَ كَذَا ضَبَطَهُ تت بِخَطِّهِ اهـ وَفِي شَرْحِ شب خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْمُرَادُ بِمُوَادَّتِهِمْ مَنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمْ انْتَهَى قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَوَادَدْته مُوَادَّةً وَوِدَادًا وَذَكَرَ قَبْلُ أَنَّ الِاسْمَ الْمَوَدَّةُ.
(تَنْبِيهٌ) : فِي شَرْحِ شب كَمَا أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ لَهُمْ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ وَمَالُهُمْ وَالْوَصِيَّةُ بِهِمَا وَوُرِثَا عَنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ فَلِمُوَادَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ لَأَفَادَ الْمُرَادَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَخَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ بِأَنَّ خَرَاجَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَوْ ابْتَاعَهَا الْمُسْلِمُ عَلَى أَنَّ خَرَاجَهَا عَلَيْهِ كَانَ الْبَيْعُ حَرَامًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُسْلِمَ) تَقَدَّمَ مَفْهُومُ يَمُوتُ وَأَنَّ فِيهِ نَظَرًا وَكَذَا يُقَالُ فِي مَفْهُومِ يُسْلِمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ تَسْقُطُ عَنْهُ رَأْسًا فَلَا يُطَالَبُ بِهَا بَائِعٌ وَلَا مُشْتَرٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخَرَاجُ وَالْأَرْضُ لَهُ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمِثْلُهُ إذَا بَاعَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا يُطَالَبُ بِهَا الْمُشْتَرِي وَلَا الْبَائِعُ (أَقُولُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْبَائِعُ يُتْبَعُ وَرَثَةُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّارِعُ بِأَنَّ الْمَتْبُوعَ الْبَائِعُ يَظْهَرُ أَنَّ التَّعَلُّقَ يَكُونُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَارِثُهُ لَا الْمُشْتَرِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ إذَا أَسْلَمُوا تَسْقُطُ عَنْهُمْ وَعَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ لَهُمْ إذَا أَسْلَمُوا وَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ عَنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَقَدْ تَمَلَّكَهَا مِنْهُمْ الْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ هَذَا هُوَ الَّذِي أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَهُوَ أَنَّ أَرْضَهُمْ لَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا إلَخْ (قَوْلُهُ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ) الْأَوَّلُ هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَفِي الصُّلْحِيِّ إنْ أُجْمِلَتْ إلَخْ وَالثَّانِي مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَى الرِّقَابِ إلَخْ وَالثَّالِثُ هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ فُرِّقَتْ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ إلَخْ) فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ إذَا بَاعَهَا فَخَرَاجُهَا عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ جَمِيعِهِمْ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَفِي الثَّالِثِ عَلَى الْبَائِعِ فَافْتَرَقَ الْحُكْمُ فِي الْخَرَاجِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَإِنْ سَاوَى الثَّالِثُ الثَّانِيَ فِي شَيْءٍ آخَرَ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
(تَنْبِيهٌ) : فِي ابْنِ يُونُسَ وَجْهٌ خَامِسٌ وَهُوَ مَا إذَا أُجْمِلَتْ عَلَى الرِّقَابِ دُونَ الْبَلَدِ قَالَ فَلَهُمْ بَيْعُ الْأَرْضِ وَتُورَثُ عَنْهُمْ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُفَصَّلَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ انْتَهَى (أَقُولُ) قَدْ عَلِمْت مَا قَالَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا إذَا فُرِّقَتْ عَلَى الرِّقَابِ وَأُجْمِلَتْ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَرْضِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلرِّقَابِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَيَبْقَى مَا إذَا قُسِمَتْ عَلَى الرِّقَابِ وَسَكَتَ عَنْ الْأَرْضِ وَبَاعَ أَحَدٌ أَرْضِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ خَرَاجٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا الَّذِي هُوَ مَضْرُوبٌ عَلَى بَائِعِهَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَفِي شَرْحِ عب وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ مَسْأَلَةِ كَوْنِ أَرْضِ الصُّلْحِيِّ وَمَالِهِ لَهُ وَمَسْأَلَةِ وَصِيَّتِهِ بِهِمَا وَمَسْأَلَةِ خَرَاجِ الْأَرْضِ تَجْرِي فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَهِيَ كَوْنُ الْجِزْيَةِ مُفَرَّقَةً عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ أَوْ عَلَى الرِّقَابِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِمَا أَوْ مُجْمَلَةً وَسَكَتَ عَنْهَا إذَا أَسْلَمَ فَيَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ وَمَالُهُ سَوَاءٌ أُجْمِلَتْ الْجِزْيَةُ عَلَيْهِ أَوْ فُصِّلَتْ عَلَى الرِّقَابِ أَوْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَيْهِمَا انْتَهَى وَتَأَمَّلْ فِي الْمَقَامِ تَجِدُ الصُّوَرَ تَزِيدُ.
إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الرِّقَابِ وَالْأَرْضِ مُجْمَلًا لَكِنْ ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ.
(ص) وَلِلْعَنَوِيِّ إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ إنْ شَرَطَ وَإِلَّا فَلَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَنْوِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ كَنِيسَةً فِي بَلَدِ الْعَنْوَةِ الْمُقِرُّ بِهَا أَهْلُهَا وَفِيمَا يَخْتَطُّهُ الْمُسْلِمُونَ يَسْكُنُوهُ مَعَهُمْ إذَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ عِنْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَيُوَفَّى لَهُ بِشَرْطِهِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنِيسَةِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ، وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ.
(ص) كَرَمِّ الْمُنْهَدِمَ (ش) يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ التَّامَّ فَيَجُوزُ مَعَ الشَّرْطِ لَا مَعَ عَدَمِهِ وَيَحْتَمِلُ النَّاقِصَ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَلَوْ مَعَ الشَّرْطِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِحْدَاثِ وَالتَّرْمِيمِ فَيُقَالُ إنَّ التَّرْمِيمَ فِيهِ بَقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَتَجْوِيزُهُ يُوَصِّلُ لَهُمْ إلَى أَغْرَاضِهِمْ مِنْ بَقَاءِ الْكَنِيسَةِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِحْدَاثِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ كَأَنَّهُمْ الْمُنْشِئُونَ لَهَا وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ تَصْرِيحُهُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَرَّحُ بِهِ إلَّا لِنُكْتَةٍ وَهِيَ ذِكْرُهُ لِيُشَبِّهَ بِهِ.
(ص) وَلِلصُّلْحِيِّ الْإِحْدَاثُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصُّلْحِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ كَنِيسَةً فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجُوزُ بِهِ أَيْضًا أَنْ يَرُمَّ مَا انْهَدَمَ مِنْ الْكَنَائِسِ الْقَدِيمَةِ وَسَوَاءٌ شُرِطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ أَمْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ.
(ص) وَبَيْعُ عَرْصَتُهَا أَوْ حَائِطٌ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصُّلْحِيِّ أَنْ يَبِيعَ عَرْصَةَ الْكَنِيسَةِ أَوْ حَائِطَهَا بِخِلَافِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهَا فَيْءٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحَائِطٌ بِالْجَرِّ أَوْ بِالنَّصْبِ إمَّا عَطْفٌ عَلَى لَفْظِ عَرْصَتِهَا أَوْ عَلَى مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ (ص) لَا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ (ش) أَيْ الَّتِي بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ أَيْ الَّتِي انْفَرَدَ بِاخْتِطَاطِهَا الْمُسْلِمُونَ أَيْ الَّتِي كَانَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ فَتْحِ أَرْضِهِ لَا الْبَلَدِ الَّتِي اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ مَفْسَدَةٌ فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْ الْمَنْعِ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ ارْتَكَبَ أَخَفَّ الْمَفْسَدَتَيْنِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (إلَّا لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ) .
(ص) وَمُنِعَ رُكُوبَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالسُّرُوجِ وَجَادَّةِ الطَّرِيقِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الذِّمِّيَّ عَنَوِيًّا أَوْ صُلْحًا يُمْنَعُ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ النَّفِيسَةِ وَمِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ النَّفِيسَةِ وَيُمْنَعُ مِنْ الرُّكُوبِ فِي السُّرُوجِ، وَلَوْ عَلَى الْحَمِيرِ بَلْ يَرْكَبُونَ عَلَى الْأَكُفِّ عَرْضًا بِأَنْ يَجْعَلَ رِجْلَيْهِ مَعًا فِي جَانِبِ الدَّابَّةِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى وَالْأَكُفُّ الْبَرْذعَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي تُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذعَةِ الْكَبِيرَةِ. وَأَمَّا الْجِمَالُ فَهِيَ فِي عُرْفِ قَوْمٍ كَالْخَيْلِ وَفِي عُرْفِ آخَرِينَ كَالْحَمِيرِ بَلْ دُونَهَا فَتَجْرِي عَلَى هَذَا وَيُمْنَعُ مِنْ جَادَّةِ الطَّرِيقِ أَيْ وَسَطَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ خَالِيًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَادَّةُ الطَّرِيقِ مُعْظَمُهَا وَالْجَمْعُ جَوَادُّ.
(ص) وَأُلْزِمَ بِلُبْسٍ يُمَيِّزُهُ وَعُزِّرَ لِتَرْكِ الزُّنَّارِ وَظُهُورِ السُّكْرِ وَمُعْتَقَدِهِ وَبَسْطُ لِسَانِهِ وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ وَكُسِرَ النَّاقُوسُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الذِّمِّيَّ يَلْزَمُهُ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا يُمَيِّزُهُ عَنْ زِيِّ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَتَشَبَّهَ بِهِمْ وَلِهَذَا إذَا تَرَكَ لُبْسَ الزُّنَّارِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ وَالزُّنَّارُ بِضَمِّ الزَّاي هُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ عَلَامَةً عَلَى الذُّلِّ، وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ إذَا أَظْهَرَ السُّكْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ إذَا أَظْهَرَ مُعْتَقَدَهُ فِي الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ إذَا بَسَطَ لِسَانَهُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ بِحَضْرَتِهِ وَالْمُرَادُ بِبَسْطِ لِسَانِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَلَا يَحْتَرِمَ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبًّا وَلَا شَتْمًا، وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ إذَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ إنْ شَرَطَ) أَيْ إنْ طَاعَ الْإِمَامُ لَهُ بِذَلِكَ أَيْ إنْ سَأَلَ وَأَجَابَهُ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْعَنَوِيُّ مَقْهُورٌ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ شَرْطٌ (قَوْلُهُ يَسْكُنُوهُ مَعَهُمْ) كَذَا بِخَطِّهِ بِحَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ أَيْ لَا بَلَدَ يَسْبِقُ الْمُسْلِمُونَ بِاخْتِطَاطِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَتَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ الْعَنْوِيُّ مِنْ الْإِحْدَاثِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ شَرَطَ أَمْ لَا.
(تَنْبِيهٌ) : لَوْ أَكَلَ الْبَحْرُ كَنِيسَتَهُمْ فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي ك أَنَّ لَهُمْ الْإِحْدَاثَ بِالشَّرْطِ أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُمْ الْمُنْشِئُونَ لَهَا) لَا يَخْفَى مَا فِي بُعْدِ هَذَا إذْ فِي الْإِحْدَاثِ إظْهَارُ شَوْكَةِ الْكُفْرِ بِخِلَافِ التَّرْمِيمِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ لَا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْعَنْوِيِّ وَالصُّلْحِيِّ الْإِحْدَاثُ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ الَّتِي يَعْلُو عَلَيْهَا (قَوْلُهُ اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ) أَيْ نَزَلَهَا الْمُسْلِمُونَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْخِطَّةُ بِالْكَسْرِ الْأَرْضُ يَخْتَطُّهَا الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يُعَلِّمَ عَلَيْهَا عَلَامَةً وَيَخُطُّ عَلَيْهَا خَطًّا لِيَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ احْتَازَهَا وَبِهِ سُمِّيَتْ خُطَطَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةَ انْتَهَى (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْ الْمَنْعِ) أَيْ مَنْعِ الْإِحْدَاثِ سُئِلَ النَّاصِرُ عَنْ اكْتِرَاءِ الْيَهُودِ دَارًا لِأَجْلِ جَعْلِهَا مَعْبَدًا لَهُمْ فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ دَارٍ لَهُمْ يَجْعَلُونَهَا كَنِيسَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي الْبَلَدِ مُسْلِمٌ وَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي الْكِرَاءِ وَبِالزَّائِدِ فِي الْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ الْخَيْلُ النَّفِيسَةُ) الْمُعْتَمَدُ يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ نَفِيسَةٍ أَمْ لَا (قَوْلُهُ الْأُكُفُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ أَكَافٍ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْبَرْذعَةُ الصَّغِيرَةُ تَفْسِيرٌ لِلْمُفْرَدِ وَهُوَ أَكَافٍ لَا لِلْجَمْعِ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ الْبَرْذعَةُ الصَّغِيرَةُ) أَيْ كَالْعَرَاقَةِ الَّتِي تُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذعَةِ.
(قَوْلُهُ وَظُهُورُ السُّكْرِ) أَيْ فِي مَجْلِسٍ غَيْرِ خَاصٍّ بِهِمْ فَيَشْمَلُ الْأَسْوَاقَ وَحَوَارِيَّهُمْ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْمُسْلِمُونَ، وَلَوْ لِبَيْعٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَأَمَّا لَوْ أَظْهَرُوهُ فِي بُيُوتِهِمْ وَعَلِمْنَا ذَلِكَ بِرَفْعِ صَوْتِهِمْ أَوْ بِرُؤْيَتِهِمْ مِنْ دَارِنَا الْمُقَابِلَةِ لَهُمْ فَلَا (قَوْلُهُ وَمُعْتَقِدُهُ) مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَتَنْفِيرِهِمْ عَنْ اعْتِقَادِهِمْ فَيُنْقَضُ عَهْدُهُ (قَوْلُهُ وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْحَاكِمِ قَالَهُ تت (قَوْلُهُ هُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ) هُوَ خُيُوطٌ كَثِيرَةٌ مُلَوَّنَةٌ بِأَلْوَانٍ شَتَّى تُشَدُّ فِي الْوَسَطِ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ الْبُرْنِيطَةَ وَالطُّرْطُورَ لَا يُعَزَّرُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى لَبِسَ مَا فِيهِ عَلَامَةٌ عَلَى
أَظْهَرَ الْخَمْرَ وَيُرِيقُهَا وَلَا يَضْمَنُ لَهُمْ شَيْئًا فِيهَا. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ الْخَمْرُ وَأَرَاقَهَا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ وَلَمْ يَقُلْ وَكُسِرَتْ أَوَانِيهَا؛ لِأَنَّ أَوَانِيهَا مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إتْلَافُهُ، وَكَذَلِكَ يُعَزَّرُ إذَا حَمَلَ الْخَمْرَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَإِذَا أَظْهَرَ ضَرْبَ النَّاقُوسِ وَهُوَ خَشَبَةٌ لَهَا حِسٌّ يَضْرِبُونَهَا لِأَجْلِ اجْتِمَاعِهِمْ لِصَلَاتِهِمْ فَإِنَّهُ يُكْسَرُ وَيُعَزَّرُ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ كَسَرَهُ وَمِثْلُهُ الصَّلِيبُ إذَا أَظْهَرُوهُ فِي أَعْيَادِهِمْ وَاسْتِسْقَائِهِمْ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الزِّنَا وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الزَّوَاجِ بِالْبَنَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ إنْ اسْتَحَلُّوهُ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْحَمِيرِ، وَلَوْ نَفِيسَةً وَلَا يُكَنُّونَ وَلَا تُشَيَّعُ جَنَائِزُهُمْ؛ لِأَنَّ الْكُنَى تَعْظِيمٌ وَإِكْرَامٌ، وَكَذَلِكَ تَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إكْرَامٌ، وَلَوْ قَرِيبًا.
(ص) وَيُنْتَقَضُ بِقِتَالٍ وَمَنْعِ جِزْيَةٍ وَتَمَرُّدٍ عَلَى الْأَحْكَامِ وَغَصْبِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَغُرُورِهَا وَتَطَلُّعٍ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ (ش) لَمَّا ذَكَرَ الْأُمُورَ الْمَمْنُوعَ مِنْهَا أَهْلُ الذِّمَّة وَلَيْسَتْ نَقْضًا لِعَهْدِهِ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأُمُورِ الَّتِي يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِأَحَدِهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا سَبْعَةٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ عَهْدُ الذِّمِّيِّ يَصِيرُ كَالْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ فِي النَّظَرِ فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا فِي الْأَسْرِ الَّتِي أَحَدُهَا إبَاحَةُ اسْتِرْقَاقِهِ مِنْهَا قِتَالُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِينَ لَا عَنْ ظُلْمٍ رَكِبَهُ لِمُنَافَاتِهِ الْأَمَانَ وَالتَّأْمِينَ فَيَسْقُطُ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحِمَايَةِ وَالذَّبِّ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ ظُلْمٍ رَكِبَهُ فَلَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَمْتَنِعَ الذِّمِّيُّ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ الَّتِي قُرِّرَتْ عَلَيْهِ عِوَضًا مِنْ حَقْنِ دَمِهِ فَيَسْقُطُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْأَمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالصُّلْحِ يَنْعَقِدُ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى شُرُوطٍ، فَإِنْ لَمْ يُوفُوا بِهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ وَمِنْهَا أَنْ يَتَمَرَّدَ الذِّمِّيُّ عَلَى أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يُظْهِرَ عَدَمَ الْمُبَالَاةِ بِهَا وَيَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِجَاهٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ ذِي جَرَاءَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَخْشَاهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عَرْضِهِ فَيَسْقُطُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْأَمَانِ عِنْدَهُمْ وَمِنْهَا إذَا غَصَبَ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَلَى الزِّنَا أَيْ وَوَطِئَهَا بِالْفِعْلِ.
وَاحْتُرِزَ بِغَصْبِ الْحُرَّةِ مَا إذَا طَاوَعَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَاحْتُرِزَ بِالْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ فَإِنَّهُ إذَا زَنَى بِهَا طَوْعًا أَوْ كُرْهًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ مَا لَمْ يُعَاهِدْ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ فَيَنْتَقِضُ، وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى بِالْحُرَّةِ الْكَافِرَةِ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَمِنْهَا إذَا غَرَّ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ وَقَالَ لَهَا إنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَتْ بِهِ وَوَطِئَهَا فَإِذَا هُوَ كَافِرٌ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا عَلِمَتْ بِأَنَّهُ كَافِرٌ فَإِنَّ تَزْوِيجَهُ بِهَا لَا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَمِنْهَا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ وَالْمُرَادُ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُطْلِعَ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِكُتُبٍ يَكْتُبُهَا لَهُمْ وَالْعَوْرَةُ الْمَوْضِعُ الْمُنْكَشِفُ الَّذِي لَا حَارِسَ عَلَيْهِ وَعَوْرَةُ الْعَدُوِّ مَا انْكَشَفَ لَهُ مِنْ حَالِهِ الَّذِي يَتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَوْرَةِ الْإِنْسَانِ الْمُنْكَشِفَةِ.
(ص) وَسَبِّ نَبِيٍّ بِمَا لَمْ يُكَفَّرْ بِهِ قَالُوا كَلَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ تَقَوَّلَهُ أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا أَوْ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَالَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ (ش) أَيْ وَمِمَّا يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِ الذِّمِّيِّ سَبُّهُ لِمَنْ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ عِنْدَنَا بِلَفْظٍ لَمْ يَكْفُرْ السَّابُّ بِهِ كَقَوْلِهِ مَثَلًا مُحَمَّدٌ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ اخْتَلَقَ الْقُرْآنَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا عليه الصلاة والسلام وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا كَفَرَ السَّابُّ بِهِ كَقَوْلِهِ لَمْ يُرْسَلْ إلَيْنَا إنَّمَا أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ وَكَالشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ نَقْضًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَقَرَّهُمْ عَلَى مِثْلِهِ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ وَالْمُرَادُ بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ مَا لَمْ يُقِرَّ عَلَيْهِ وَبِمَا كَفَرَ بِهِ مَا أَقْرَرْنَاهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ كَلَيْسَ إلَخْ مِثَالٌ
ــ
[حاشية العدوي]
ذُلِّهِ لَا يُعَزَّرُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ وَكُسِرَتْ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تُكْسَرُ كَمَا يُفِيدُهُ مُحَشِّي تت وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ لَهَا حِسٌّ) أَيْ فِي وَقْتِ الضَّرْبِ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ تَشْيِيعُ جَنَائِزِهِمْ) أَيْ إكْرَامٌ وَتَعْظِيمٌ فَإِذَنْ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَامٌ.
(قَوْلُهُ وَتَطَلُّعٌ) الْأَوْلَى الِاطِّلَاعُ كَمَا يُفِيدُهُ حَلُّ الشَّارِحِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّطَلُّعَ التَّتَبُّعُ وَشَأْنُهُ الِاطِّلَاعُ (قَوْلُهُ وَالتَّأْمِينُ) عَطْفُ مُرَادِفٍ (قَوْلُهُ وَالذَّبُّ) أَيْ الدَّفْعُ (قَوْلُهُ وَاسْتِمَالَةُ) السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ أَيْ إمَالَةٌ أَيْ اسْتِنَادٌ لِذِي جَرَاءَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَاهِ (قَوْلُهُ يَخْشَاهُ الْحَاكِمُ) أَيْ الْقَاضِي وَخَشْيَةُ الْقُضَاةِ مِنْ أَصْحَابِ الْجَاهِ حَاصِلٌ فِي عُصُورِنَا هَذِهِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا إذَا غَصَبَ حُرَّةً مُسْلِمَةً) وَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحَلَةِ وَلَهَا الصَّدَاقُ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدُهَا مِنْهُ عَلَى دِينِهَا أَيْ مُسْلِمٌ لَا أَبَ لَهُ وَكَذَا إذَا زَنَى بِهَا طَائِعَةً فَوَلَدُهَا عَلَى دِينِهَا وَقَوْلُهُمْ الْوَلَدُ تَابِعٌ لِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَنْسُوبِ لِأَبِيهِ (قَوْلُهُ الَّذِي لَا حَارِسَ) تَفْسِيرٌ لِلِانْكِشَافِ أَيْ انْكِشَافِهِ كَوْنِهِ لَا حَارِسَ لَهُ أَيْ وَيَخَافُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَوْرَةُ الْعَدُوِّ) أَيْ وَعَوْرَةُ الْمُسْلِمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَدُوِّ مَا انْكَشَفَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَتَوَصَّلُ مِنْهُ أَيْ مِنْ أَجْلِهِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ تَقَوَّلَهُ) أَيْ اخْتَلَقَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا لَفْظًا لَكِنَّهُ مِمَّا كَفَرُوا بِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي التَّبَرِّي إذْ لَا شَكَّ فِي قَصْدِ التَّنْقِيصِ (قَوْلُهُ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ نَصْرَانِيٍّ بِمِصْرَ شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَالَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ لَوْ قَتَلُوهُ اسْتَرَاحَ النَّاسُ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ أَمْرُهُ آيِلٌ إلَى الْجَنَّةِ وَقَوْلُهُ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ أَيْ أَكَلَتْ سَاقَهُ أَيْ قَصَبَةَ سَاقِهِ (قَوْلُهُ سَبُّهُ لِمَنْ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ عِنْدَنَا) سَوَاءٌ ثَبَتَتْ عِنْدَهُمْ أَوْ لَا فَإِذَا سَبَّ يَهُودِيٌّ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ نُقِضَ وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ عِنْدِي اُحْتُرِزَ عَمَّا اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَالْخَضِرِ
لِمَا لَمْ يَكْفُرُوا بِهِ وَذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرِّي؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ مِمَّا كَفَرُوا بِهِ كَقَوْلِهِمْ إنَّهُ تَقَوَّلَ الْقُرْآنَ وَالضَّمِيرُ فِي قَالُوا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ.
وَقَوْلُهُ (وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) لَك أَنْ تُرْجِعَهُ لِلسَّابِّ خَاصَّةً. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ مَسَائِلِ النَّقْضِ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ كَالنَّظَرِ فِي الْأَسْرَى مِنْ قَتْلٍ أَوْ مَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ ضَرْبِ جِزْيَةٍ وَلَك أَنْ تُرْجِعَهُ لِجَمِيعِ مَسَائِلِ النَّقْضِ لَكِنْ فِي السَّابِّ يَتَعَيَّنُ الْقَتْلُ وَفِي غَيْرِهِ إنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتَلَهُ.
(ص) ، وَإِنْ خَرَجَ لِدَارِ الْحَرْبِ وَأُخِذَ اُسْتُرِقَّ إنْ لَمْ يُظْلَمْ وَإِلَّا فَلَا كَمُحَارَبَتِهِ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ لِدَارِ الْحَرْبِ لِغَيْرِ مَظْلِمَةٍ لَحِقَتْهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ وَأَخَذْنَاهُ فَإِنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُخَيَّرُ فِيهِ فِي بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْأَسِيرِ لِرَدِّ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَعُودُ إلَى الرِّقِّ أَبَدًا وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ بِعَتَاقَةِ مِنْ رِقٍّ مُتَقَدِّمٍ فَلَا تُنْقَضُ وَإِنَّمَا تُرِكَ عَلَى حَالِهِ مِنْ الْجِزْيَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ آمِنًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُسْلِمِينَ لِمَا بَذَلَهُ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْغَرَضُ وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ الرُّجُوعُ فِيهِ وَكَانَ كَالصُّلْحِ يَنْعَقِدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى شُرُوطٍ، فَإِنْ لَمْ يُوَفُّوا بِهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ. وَأَمَّا إنْ خَرَجَ لِأَجْلِ الظُّلْمِ الَّذِي لَحِقَهُ، وَلَوْ بِشَكٍّ ثُمَّ أُخِذَ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ كَمَا إذَا حَارَبَنَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الذِّمَّةِ، فَإِنْ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْمُحَارِبِ وَلَيْسَ فِي هَذَا مُعَارَضَةٌ لِحَدِّ ابْنِ عَرَفَةَ لِلْجِهَادِ وَلَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ أَظْهَرَ الْقِتَالَ وَهُوَ هُنَا مُتَلَصِّصٌ وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لَيُشَبِّهَ بِهِ قَوْلَهُ كَمُحَارَبَتِهِ.
(ص) ، وَإِنْ ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ وَحَارَبُوا فَكَالْمُرْتَدِّينَ (ش) صُورَتُهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا إلَى الْكُفْرِ ثُمَّ حَارَبُوا الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا بِحُكْمِ الْكُفَّارِ النَّاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَيُسْتَتَابُ كِبَارُهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا وَيُجْبَرُ صِغَارُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ وَلَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ وَلَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قِتَالِ الْحَرْبِيِّ أَمَانًا وَاسْتِئْمَانًا وَمُهَادَنَةً وَصُلْحًا وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ الْكَلَامَ عَلَى مَا عَدَا الْمُهَادَنَةِ خَتَمَ أَبْوَابَ الْجِهَادِ بِهَا مُسْتَغْنِيًا بِذِكْرِ شُرُوطِهَا الْأَرْبَعَةِ عَنْ حَدِّهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُهَادَنَةُ وَهِيَ الصُّلْحُ عَقْدُ الْمُسْلِمِ مَعَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسَالَمَةِ أَيْ الْمُتَارَكَةِ مُدَّةً لَيْسَ هُوَ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَيَخْرُجُ الْأَمَانُ وَالِاسْتِئْمَانُ فَقَالَ (ص) وَلِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ لِمَصْلَحَةٍ إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ، وَإِنْ بِمَالٍ إلَّا لِخَوْفٍ (ش) أَشَارَ بِهَذَا إلَى شُرُوطِهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ لَهَا الْإِمَامُ وَيَنْبَغِي أَوْ نَائِبُهُ لَا غَيْرُهُ بِخِلَافِ التَّأْمِينِ فَيَصِحُّ، وَلَوْ مِنْ آحَادِ النَّاسِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ كَالْعَجْزِ عَنْ الْقِتَالِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْوَقْتِ مَجَّانًا أَوْ بِعِوَضٍ عَلَى وَفْقِ الرَّأْيِ السَّدِيدِ لِلْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ الْمَصْلَحَةُ بِأَنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ الثَّالِثُ أَنْ يَخْلُوَ عَقْدُهَا عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ أَسِيرًا بِأَيْدِيهِمْ أَوْ بَقَاءِ قَرْيَةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرِّي) هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَمْ يَنْسُبْهُ لِغَيْرِهِ لِقَصْدِ التَّبَرِّي مِنْهُ بَلْ لِكَوْنِهِ كَلَامًا قَبِيحًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْسُبَهُ إلَى نَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ وَنَحْوُهُ قَالَهُ اللَّقَانِيِّ، وَلَوْ قَالَ كَقَوْلِهِمْ لَكَانَ أَوْلَى.
(فَائِدَةٌ) نَصَّ عِيَاضٍ عَلَى أَنَّ مَنْ تَهَافَتَ فِي سَبِّهِ صلى الله عليه وسلم يَجُوزُ حَرْقُهُ حَيًّا وَأَوْلَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا كَتَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِإِذْنِ مَالِكٍ جَوَابُ سُؤَالٍ وَرَدَ مِنْ مِصْرَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) أَيْ غَيْرَ فَارٍّ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا يُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ (قَوْلُهُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ إلَخْ) فِي عب خِلَافُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ وَقُتِلَ وُجُوبًا فِي السَّبِّ وَغَصْبِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَغُرُورِهَا إنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَأَمَّا فِي التَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ. وَأَمَّا فِي قِتَالِهِ فَيَنْظُرُ فِيهِ كَالْأَسْرَى بِالْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَذَا فِي النَّقْلِ وَيَنْبَغِي قِيَاسُ مَنْعِ الْجِزْيَةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقِتَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ نَقْتُلُهُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ بَاطِنَهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِهِ فَلَمَّا وَجَدْنَاهُ خَالَفَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ بِخِلَافِ الْكَافِرِ نَعْرِفُ أَنَّ بَاطِنَهُ التَّنْقِيصُ لَكِنَّنَا مَنَعْنَاهُ مِنْ إظْهَارِهِ فَإِذَا خَالَفَ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ مَا لَمْ يُسْلِمْ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْمُحَارِبِ) أَيْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ صَلْبٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ نَفْيٍ.
(قَوْلُهُ وَحَارَبُوا) أَيْ كَمُحَارَبَةِ الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا إذَا حَارَبُوا كَمُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُخَيَّرُ فِيهِمْ لِلْحِرَابَةِ ثُمَّ يَنْظُرُ فِيهِمْ كَمَا يَنْظُرُ فِي الْمُرْتَدِّينَ (قَوْلُهُ فَكَالْمُرْتَدِّينَ) فِي الْمَالِ وَالدَّمِ (قَوْلُهُ وَلَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ إلَخْ) أَيْ بَلْ تُوقَفُ، فَإِنْ قُتِلُوا فَيَصِيرُ مَالُهُمْ فَيْئًا (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَصْبَغَ مِنْ أَنَّهُمْ كَالْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ يُسْتَرَقُّونَ وَأَوْلَادَهُمْ وَعِيَالَهُمْ.
(قَوْلُهُ وَصُلْحًا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ الْأَمَانُ وَالِاسْتِئْمَانُ) فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ فِيهِمَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ لِمَصْلَحَةٍ) مُسْتَوِيَةٌ فِيهَا وَفِي عَدَمِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا فَقَطْ تَعَيَّنَتْ وَفِي عَدَمِهَا امْتَنَعَتْ وَيُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِهِ لِلْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِجَعْلِ اللَّامِ مُسْتَعْمَلَةً فِي حَقِيقَتِهَا وَهُوَ التَّخْيِيرُ فِي الْأَوَّلِ وَمَجَازُهَا فِي الثَّانِي وَهِيَ بِمَعْنَى عَلَى أَوْ تُجْعَلُ لِلِاخْتِصَاصِ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ وَيُرَادُ شَأْنُ الْمُهَادَنَةِ الشَّامِلُ لِتَرْكِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهَادَنَةَ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (قَوْلُهُ إنْ خَلَا) وَلَمْ يُعْطَفْ هَذَا الشَّرْطُ الثَّالِثُ بِالْوَاوِ فِيهِ لِجَعْلِ الشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَعْنِي الْإِمَامَ وَالْمَصْلَحَةَ كَالْمَوْضُوعِ لِلْمُهَادَنَةِ وَقَوْلُهُ إنْ خَلَا أَيْ الْمُهَادَنَةُ بِمَعْنَى الصُّلْحِ أَوْ عَقْدِهَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) دَلِيلٌ لِلْعُمُومِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الْإِطْلَاقُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ
لِلْمُسْلِمِينَ خَالِيَةً مِنْهُمْ أَوْ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أَوْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَّا مَالًا إلَّا لِخَوْفٍ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ كُلُّ مَا مُنِعَ وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ (وَلَا حَدَّ) لِمُدَّةِ الْمُهَادَنَةِ بِطُولٍ أَوْ قِصَرٍ بَلْ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا يُطِيلُ لِمَا قَدْ يَحْدُثُ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَفِي عَدِّ هَذَا شَرْطًا نَظَرٌ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ وَلَا حَدَّ مُسْتَأْنَفَةٌ أَتَى بِهَا لِبَيَانِ الْحُكْمِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْمُهَادَنَةِ خِلَافًا لتت؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَنُدِبَ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) إلَى أَنَّهُ يَنْدُبُ عِنْدَ أَبِي عِمْرَانَ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ زِيَادَةِ قُوَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ نَحْوِهَا أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ وَبِعِبَارَةٍ يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ بِمَالٍ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ أَيْ، فَإِنْ تَضَمَّنَ عَقْدُ الْمُهَادَنَةِ شَرْطًا فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ كَانَ الْفَسَادُ بِسَبَبِ الْتِزَامِ مَالٍ نَدْفَعُهُ لَهُمْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَهُوَ أَمَسُّ بِقَوْلِهِ إلَّا لِخَوْفٍ وَيَحْتَمِلُ رُجُوعُهُ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لِمَصْلَحَةٍ أَيْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ لَمْ تَجُزْ الْمُهَادَنَةُ، وَإِنْ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْعَدُوُّ لَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] .
(ص) ، وَإِنْ اسْتَشْعَرَ خِيَانَتَهُمْ نَبَذَهُ وَأَنْذَرَهُمْ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُنَا أَنْ نُوَفِّيَ لَهُمْ بِمَا اشْتَرَطُوا عَلَيْنَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إلَّا أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْإِمَامُ مِنْهُمْ الْخَوَنَةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ عَهْدَهُمْ أَيْ يَطْرَحُهُ وَيَنْقُضُهُ وَيُنْذِرُهُمْ وَيُعْلِمُهُمْ بِأَنَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ وَأَنَّهُ مُقَاتِلُهُمْ إنْ قِيلَ كَيْفَ يُنْقَضُ الْعَهْدُ الْمُتَيَقَّنُ بِالْخَوْفِ وَهُوَ ظَنِّيٌّ قِيلَ إذَا ظَهَرَتْ آثَارُ الْخِيَانَةِ وَدَلَائِلُهَا وَجَبَ نَبْذُهُ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمَهْلَكَةِ بِالتَّمَادِي وَسَقَطَ الْيَقِينُ هُنَا بِالظَّنِّ لِلضَّرُورَةِ.
(ص) وَوَجَبَ الْوَفَاءُ، وَإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِشُرُوطِهِمْ الصَّحِيحَةِ الَّتِي اشْتَرَطُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَطُوا أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا مِنْ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُوَفِّي لَهُمْ بِذَلِكَ وَفَاءً بِالْعَهْدِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُنَّ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فَقَوْلُهُ وَوَجَبَ أَيْ وَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِمَا أَجَزْنَاهُمْ وَشَارَطْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِرَدِّ رَهَائِنَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا حَيْثُ وَقَعَ اشْتِرَاطُ رَدِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الرَّدِّ إنْ أَسْلَمُوا وَقَوْلُهُ، وَلَوْ أَسْلَمُوا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَنَا عِنْدَهُمْ رَهَائِنُ وَتَمَسَّكُوا بِهِمْ نُرَدُّ إلَيْهِمْ رَهَائِنُهُمْ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا عِنْدَهُمْ رَهَائِنُ أَوْ لَنَا عِنْدَهُمْ وَلَمْ يَحْبِسُوهُمْ لِرَدِّ رَهَائِنِهِمْ فَلَا تُرَدُّ لَهُمْ رَهَائِنُهُمْ حَيْثُ أَسْلَمُوا ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ، وَلَوْ أَسْلَمُوا لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِيمَا سَبَقَ سَابِقٌ عَلَى الشَّرْطِ وَهُنَا بَعْدَهُ أَيْ، وَلَوْ أَسْلَمُوا فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ لَوْ لِلْمُسْتَقْبَلِ أَوْ مَا سَبَقَ فِي الْبَقَاءِ وَهَذَا فِي الرَّدِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ الْبَقَاءُ لِجَوَازِ فِرَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ فِدَائِهِ وَقَوْلُهُ (كَمَنْ أَسْلَمَ) أَيْ كَشَرْطِ رَدِّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَيْسَ رَهْنًا فَإِنَّهُ يُوَفَّى بِهِ كَانَ إسْلَامُهُ سَابِقًا عَلَى الشَّرْطِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يُعَارَضُ قَوْلُهُ إنْ خَلَا إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ فِي الْبَقَاءِ وَهَذَا فِي الرَّدِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ الْبَقَاءُ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَوَجَبَ الْوَفَاءُ، وَإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا وَأَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَأَنَّ رَسُولًا) نَشَأَ عَنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِنَّمَا بَالَغَ عَلَى الرَّسُولِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الشَّرْطِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ خَالِيَةٌ مِنْهُمْ إلَخْ) أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ أَيْ إذَا كَانَتْ قَرْيَةً خَالِيَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا تَحْتَ يَدِ الْكُفَّارِ أَيْ بِحَيْثُ يَسْكُنُونَ فِيهَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فَاسِدًا (قَوْلُهُ إلَّا لِخَوْفٍ مِنْهُمْ إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا لِخَوْفٍ مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ خَلَا إلَخْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ وَلِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ أَيْ إلَّا لِتَوَقُّعِ خَوْفٍ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا مَعَ حُصُولِ الْأَمْنِ الْآنَ (قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ) أَيْ وَاجِبٌ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَنُدِبَ أَنْ لَا تَزِيدَ (قَوْلُهُ وَفِي عَدِّ هَذَا شَرْطِ اُنْظُرْ) وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا بُدَّ مِنْ تَبْيِينِ مُدَّةٍ وَلَا حَدَّ فِيمَا يُعَيَّنُ فَتَظْهَرُ الشَّرْطِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْفَسَادُ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُمْ عَلَيْنَا دَفْعَ الْمَالِ شَرْطًا فَاسِدًا (أَقُولُ) وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَيَصِحُّ أَنْ تَقُولَ إنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَنْطُوقِ وَالْمَعْنَى إنْ خَلَا عَنْ كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ أَوْ دَفْعِ مَالٍ مِنَّا لَهُمْ وَيَصِحُّ أَنْ تَقُولَ إنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَفْهُومِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَالْمَعْنَى فَإِنْ لَمْ تَخْلُ عَنْ كَشَرْطٍ فَسَدَتْ، وَلَوْ مَعَ مَالٍ يَدْفَعُهُ الْعَدُوُّ لَنَا (قَوْلُهُ وَهُوَ أَمَسُّ بِقَوْلِهِ إلَّا لِخَوْفٍ) بِخِلَافِ رُجُوعِهِ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِمَصْلَحَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَمَسَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةٌ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ يَدْفَعُهُ الْعَدُوُّ إلَيْنَا إلَّا لِخَوْفٍ مَعَ أَنَّ الْخَوْفَ مَصْلَحَةٌ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَشْعَرَ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ تُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ ظَنَّ، وَلَوْ غَيْرَ قَوِيٍّ وَعِبَارَةُ عب تَبَعًا لعج أَيْ ظَنَّ ظَنًّا قَوِيًّا قَائِلًا، فَإِنْ تَحَقَّقَ خِيَانَتُهُمْ نَبَذَهُ مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ فَكُلٌّ مِنْ النَّبْذِ وَالْإِنْذَارِ وَاجِبٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ شَارِحِنَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِشْعَارِ مُطْلَقُ الظَّنِّ وَكَلَامُ عج يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا فَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَلَمَّا ذَكَرَ وُجُوبَ رَدِّ الْمُسْلِمِ إلَيْهِمْ بِالْوُجُوهِ السَّابِقَةِ كَانَ مُظَنَّةَ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ فَمَا يَفْعَلُ فِيهِ أَيُتْرَكُ فِي أَيْدِيهِمْ فَذَكَرَ جَوَابَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْلَمُوا) هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمُبَالَغَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ شب وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمُبَالَغَةُ أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ، وَإِنْ بِرَدِّ رَهَائِنَ غَيْرَ مُفِيدَةٍ لِلْخِلَافِ أَتَى بِلَوْ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ أَسْلَمُوا اهـ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَنَّ لِلْخِلَافِ غَيْرِ الْمَذْهَبِيِّ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ لِلْخِلَافِ الْمَذْهَبِيِّ رَدًّا عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ وَرَهَائِنُ جَمْعُ رَهِينٍ أَوْ رَهِينَةٍ اهـ (قَوْلُهُ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَنَا) الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي حَبْسِ الرَّهَائِنِ لَا فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ (قَوْلُهُ مُقَيَّدٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا تَقْيِيدٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ كَمَنْ أَسْلَمَ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُوفِي بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا عِنْدَهُمْ رَهَائِنُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ إنْ اشْتَرَطُوا عَلَيْنَا أَنْ نَرُدَّ لَهُمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَنُوفِي بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَنَرُدُّ كُلَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا، وَلَوْ كَانَ رَسُولًا مِنْهُمْ
جَاءَ بِاخْتِيَارِهِ وَأَشَارَ إلَى شَرْطِ الرَّدِّ بِقَوْلِهِ (إنْ كَانَ ذَكَرًا) أَيْ إنْ كَانَ مَنْ أَسْلَمَ ذَكَرًا وَهَذَا شَامِلٌ لِلرَّهَائِنِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُرَدُّ، وَلَوْ وَقَعَ شَرْطُ رَدِّهَا صَرِيحًا إلَّا لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ.
(وَفُدِيَ بِالْفَيْءِ ثُمَّ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ بِمَالِهِ) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَسِيرَ الْمُسْلِمَ مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ هَرَبَ إلَيْهِمْ طَوْعًا مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ يَجِبُ فِدَاؤُهُ وَيُبْدَأُ فِي فِدَائِهِ بِالْفَيْءِ وَهُوَ بَيْتُ الْمَالِ عَلَى طَرِيقِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ رُشْدٍ ثُمَّ إنْ عَجَزَ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ لَمْ يُوصَلْ إلَيْهِ أَوْ كَانَ وَقَصَرَ عَنْ الْفِدَاءِ فُدِيَ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَا قَصَرَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَوْ اسْتَغْرَقَهَا مَا لَمْ يُخْشَ اسْتِيلَاءُ الْعَدُوِّ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْأَسِيرُ كَأَحَدِهِمْ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ثُمَّ إنْ مَنَعَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ فُدِيَ بِمَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِنَّمَا قُدِّمَ مَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَعَلُّقِ الْفِدَاءِ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ أَشَدُّ مِنْهَا فِي تَعَلُّقِهِ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ لِلْكُفَّارِ مَعَ أَنَّ تَيَسُّرَهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَشَدُّ مِنْ تَيَسُّرِهِ مِنْ مَالِهِ وَقَوْلُنَا الْمُسْلِمُ احْتِرَازًا مِنْ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ فَلَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ.
(وَ) إذَا فَدَاهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ جَمَاعَةٌ مَعَ عِلْمِ الْفَادِي أَوْ ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَفْدِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَجِدُ مَا يَفْدِيهِ بِهِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَفْدَاهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ (رَجَعَ بِمِثْلِ الْمُثْلَى وَقِيمَةِ غَيْرِهِ) وَهُوَ الْمُقَوِّمُ (عَلَى الْمَلِيءِ وَالْمُعْدِمِ بِأَنْ يَتْبَعَ) ذِمَّتَهُ. وَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَوْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْدِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَجْبِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا يَفْدِيهِ بِهِ وَفْدَاهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ لِحَمْلِهِ عَلَى التَّبَرُّعِ وَتَفْرِيطِهِ وَإِذَا جَهِلَ أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْدِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَجْبِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا يَفْدِيهِ بِهِ أَوْ يَفْدِيهِ مِنْ مَالِهِ وَفْدَاهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلْفِهِ كَمَا يُرْشِدُ لَهُ قَوْلُهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَحَلَفَ الْمُخْطِئُ الرَّاهِنُ أَنَّهُ ظَنَّ لُزُومَ الدِّيَةِ وَرَجَعَ وَبِهَذَا الْحَمْلِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ بَيْنَ جَعْلِهِ الْفِدَاءَ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْمُفْدِي.
(ص) إنْ لَمْ يَقْصِدْ صَدَقَةً وَلَمْ يُمْكِنْ الْخَلَاصُ بِدُونِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ الرُّجُوعِ بِالْفِدَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْفَادِي بَيْتَ الْمَالِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْفَادِي صَدَقَةً عَلَى الْأَسِيرِ بِالْفِدَاءِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْخَلَاصُ بِدُونِ ذَلِكَ الْقَدْرِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْفِدَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ قَصَدَ الْفَادِي بِالْفِدَاءِ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمَفْدِيِّ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا لَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْدَى بِهِ عَادَةً كَمَا إذَا أَمْكَنَ فِدَاؤُهُ مَجَّانًا فَإِنَّ الْفَادِيَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى الْأَسِيرِ مِمَّا دَفَعَهُ عَنْهُ لِلْعَدُوِّ (ص) إلَّا مَحْرَمًا أَوْ زَوْجًا إنْ عَرَفَهُ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ وَيَلْتَزِمَهُ (ش) هَذَا مُخْرَجٌ مِنْ قَوْلِهِ وَرَجَعَ بِمِثْلِ الْمُثْلَى وَقِيمَةِ غَيْرِهِ يَعْنِي أَنَّ الْمَفْدِيَّ
ــ
[حاشية العدوي]
أَرْسَلُوهُ لَنَا وَقَوْلُهُ أَيْضًا إلَخْ لَعَلَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ دُخُولِهِ تَحْتَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَنَا بِاخْتِيَارِهِمْ فَيَذْكُرُهُ فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِ، وَإِنْ رَسُولًا حَيْثُ قَالُوا فِي شَرْطِهِمْ مَنْ جَاءَكُمْ، فَإِنْ قَالُوا مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ هَارِبًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ الرَّسُولِ.
(تَنْبِيهٌ) : يُمَكَّنُ الرَّسُولُ بِقَدْرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَإِنْ أَبْطَأَ أَمَرَ الْإِمَامُ بِإِخْرَاجِهِ وَلَا يَبِيعُ شَيْئًا لِأَجَلٍ، وَلَوْ ظَهَرَ عَلَى الرَّسُولِ دَيْنٌ أَوْ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ أَوْ زِنًا أَوْ شُرْبٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُرَدُّ إلَخْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] إلَخْ وَيَنْبَغِي لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلَوْ كَانَ لَنَا عِنْدَهُمْ مُسْلِمَةٌ سَافَرَتْ فِي جَيْشِ أَمْنٍ وَأَسَرُّوهَا وَتَوَقَّفَ تَحْصِيلُهَا عَلَى رَدِّ الَّتِي أَسْلَمَتْ.
(قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ بَشِيرٍ) وَطَرِيقَةُ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونَ يَبْدَأُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ فَدَى بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مَنْ يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ قُطْرِهِ لَا مَا بَعُدَ جِدًّا وَأَعَادَهُ مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي الْجِهَادِ لِبَيَانِ تَأْخِيرِهِ عَنْ الْفَيْءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ بِأَنْ يَجْبِي مِنْ النَّاسِ وَيُخَلِّصُ الْأَسَارَى وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ دَفَعَ شَيْئًا عَلَى الْأَسِيرِ، وَلَوْ قَصَدَ الرُّجُوعَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ تَيَسُّرَهُ إلَخْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُجْبَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَسْهُلُ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْفَعُ شَيْئًا لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَافِ فِدَائِهِ بِمَالِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِدُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَفْدِيهِ (قَوْلُهُ رَجَعَ بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ) يَدْفَعُهُ لِلْفَادِي فِي مَحَلِّ الْفِدَاءِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقِيمَتُهُ بِمَحَلِّ الْفِدَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ بِمَكَانِ دَفْعِهِ وَمَكَانِ قَضَائِهِ (قَوْلُهُ وَقِيمَةُ غَيْرِهِ) بُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ الْفِدَاءَ فَرْضٌ وَفِيهِ الْمِثْلُ مُطْلَقًا قَالَهُ الْبَدْرُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَلِيءِ وَالْمُعْدِمِ) ، وَلَوْ فَدَاهُ عَالِمًا بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا جَهِلَ) هَذِهِ غَيْرُ صُورَةِ الشَّكِّ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الشَّكِّ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لَكِنْ يَشُكُّ فِي كَوْنِهِ هَلْ الْإِمَامُ يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلْفِهِ) أَيْ فِي صُوَرِ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ إلَخْ) أَيْ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ فَقِيرٌ بِخِلَافِ الْمُنْفِقِ عَلَى صَغِيرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّبَرُّعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَبِيرَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ قَالَهُ الْبَدْرُ (قُلْت) يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْفَادِي وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ وَلَهُ الثَّمَنُ إنْ وَجَدَ قَالَهُ الْبَدْرُ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا الْحَمْلِ) أَيْ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ وَإِذَا فَدَاهُ وَاحِدٌ إلَخْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ صَدَقَةً) أَيْ بِأَنْ قَصْدَ الرُّجُوعَ أَوْ لَا قَصَدَ لَهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَصْدِ الصَّدَقَةِ وَعَدَمِهِ إذْ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ كَذَا قَالَ عج (قَوْلُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ الْخَلَاصُ بِدُونِهِ) هَذَا وَجِيهٌ وَلَكِنْ النَّقْلُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْقَيْدُ فَيَرْجِعُ، وَلَوْ أَمْكَنَ الْخَلَاصُ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ أَوْ زَوْجًا) وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَفْتَكَ رَقَبَتَهَا (قَوْلُهُ إنْ عَرَفَهُ) وَانْظُرْ هَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ إلَخْ) حَلُّ الشَّارِحِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَأَمَّا جَعْلُ الْوَاوِ فِي الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى أَوْ وَأَنَّ الْأَمْرَ كَافٍ
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ إذَا كَانَ مَحْرَمًا عَلَى الْفَادِي يَحْرُمُ نِكَاحُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَوْ كَانَ زَوْجًا فَإِنَّ الْفَادِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ لِلْعَدُوِّ فِي فِدَائِهِ إنْ كَانَ الْفَادِي عَالِمًا حِينَ الْفِدَاءِ بِأَنَّهُ زَوْجٌ لَهُ أَوْ بِأَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهُ أَوْ كَانَ الْقَرِيبُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَالْأُصُولِ وَالْفُصُولِ وَالْحَاشِيَةِ الْقَرِيبَةِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْفِدَاءِ حَالَ كَوْنِ الْمَفْدِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُلْتَزِمًا لِلْفِدَاءِ فَإِنَّ الْفَادِيَ حِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ فِي فِدَائِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَرِيبُهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ زَوْجٌ لَهُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إلَّا مَحْرَمًا أَيْ مِنْ الْأَقَارِبِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ الْمَحْرَمُ مِنْ الصِّهْرِ وَالرَّضَاعِ.
(ص) وَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَدَى أَسِيرًا مِنْ الْعَدُوِّ وَعَلَى الْأَسِيرِ دَيْنٌ لِغَيْرِ الْفَادِي فَإِنَّ الْفَادِيَ يُقَدَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ آكَدُ مِنْ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَسِيرَ يُفَدَّى بِغَيْرِ رِضَاهُ وَبِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَالِ الْأَسِيرِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ وَمَالِهِ الَّذِي بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ الْفَادِيَ يُقَدَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الدُّيُونِ فِي الْجَمِيعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ فِي غَيْرِ مَا بِيَدِهِ) وَأَشَارَ بِلَوْ لِمُخَالَفَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا فِي يَدِهِ بِمَبْلَغِ دَيْنِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَا بِيَدِهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.
(ص) عَلَى الْعَدَدَانِ جَهِلُوا قَدْرَهُمْ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَدَى جَمَاعَةً بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ كَخَمْسِينَ أَسِيرًا بِأَلْفٍ وَفِيهِمْ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ قُسِّمَ فِدَاؤُهُمْ عَلَى الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِ تَفَاضُلٍ بَيْنَهُمْ إنْ جَهِلَ الْعَدُوُّ قَدْرَ الْأَسْرَى مِنْ غِنًى وَفَقْرٍ وَغَيْرِهِمَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي الْمِثَالِ عِشْرُونَ وَيُخَيَّرُ سَيِّدُ الْعَبْدِ بَيْنَ فِدَائِهِ وَإِسْلَامِهِ، وَإِنْ عَلِمُوا قَدْرَهُمْ وَشَحُّوا بِسَبَبِهِ قُسِّمَ عَلَى تَفَاوُتِهِ.
(ص) وَالْقَوْلُ لِلْأَسِيرِ فِي الْفِدَاءِ أَوْ بَعْضِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْأَسِيرُ وَالْفَادِي فِي أَصْلِ الْفِدَاءِ فَقَالَ الْأَسِيرُ قَدْ فَدَيْتنِي بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْ لَمْ تَفْدِنِي أَصْلًا أَوْ فِي قَدْرِهِ فَقَالَ الْفَادِي فَدَيْتُك بِكَثِيرٍ وَقَالَ الْأَسِيرُ بِدُونِهِ، وَلَوْ يَسِيرًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْأَسِيرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ بِيَمِينِهِ فِي الْفِدَاءِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَلَوْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَادِي بَيِّنَةٌ ابْنُ رُشْدٍ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى أُصُولِهِمْ وَالْأَشْبَهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَبْلَغِ الْفِدَاءِ أَنْ يُصَدَّقَ الْأَسِيرُ إنْ أَشْبَهَ وَإِلَّا فَالْفَادِي إنْ أَشْبَهَ وَإِلَّا حَلَفَا وَلَزِمَهُ مَا يُفْدَى بِهِ مِثْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَكَذَا إنْ نَكَلَا وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ وَحَقُّ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ) أَنْ يُقَالَ، وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ أَيْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَسِيرِ فِي أَصْلِ الْفِدَاءِ، وَلَوْ كَانَ بِيَدِ الْفَادِي وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لِمَا كَانَ بِيَدِ الْفَادِي أَشْبَهَ الرَّهْنَ فَيَكُونُ الْفَادِي أَحَقَّ بِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّهْنَ يُبَاعُ وَالْأَسِيرَ حُرٌّ لَا يُبَاعُ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ، وَلَوْ كَانَ مَالُ الْأَسِيرِ بِيَدِ الْفَادِي وَعَلَى هَذَا الضَّمِيرِ فِي يَكُنْ يَرْجِعُ لِمَالِ الْأَسِيرِ لَا لِلْأَسِيرِ نَفْسِهِ وَهُنَا كَلَامٌ طَوِيلٌ اُنْظُرْهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ.
(ص) وَجَازَ بِالْأَسْرَى الْمُقَاتَلَةِ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ بِالْأَسْرَى الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الْقِتَالُ الَّذِينَ عِنْدَنَا مِنْ الْعَدُوِّ إذَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ مُتَرَقَّبٌ وَخَلَاصُ الْأَسَارَى مُحَقَّقٌ.
(ص) وَبِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْأَحْسَنِ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْأَسْرَى أَيْ وَيَجُوزُ أَيْضًا الْفِدَاءُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيِّتَةِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصِفَةُ مَا يُفْعَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ إلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ يُحَاسِبُ الْإِمَامُ أَهْلَ الذِّمَّةِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَبَوْا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بَأْسٌ بِابْتِيَاعِ ذَلِكَ لَهُمْ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفِدَاءُ بِمَا ذَكَرَ، وَلَوْ أَمْكَنَ الْخَلَاصُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ (ص) وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مُسْلِمٍ
ــ
[حاشية العدوي]
فَضَعِيفٌ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْفَادِيَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَسِيرِ إذَا أَمَرَهُ بِالْفِدَاءِ يُقَيَّدُ بِغَيْرِ الْأَبِ الْمُعْدَمِ. وَأَمَّا الْأَبُ الْمُعْدَمُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ الْفَادِي لَهُ، وَلَوْ فَدَاهُ بِأَمْرِهِ وَكَذَا لَوْ أَشْهَدَ وَمِثْلُ الْأَبِ الْأُمُّ بَلْ يُقَالُ وَكُلُّ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ وَلَدِهِ كَذَلِكَ أَفَادَهُ عج.
(قَوْلُهُ يُقَدَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الدُّيُونِ) وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ لَكِنْ يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ وَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَقَوْلُهُ يَخْرُجُ مِنْ التَّرِكَةِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ وَعَبْدٍ جَنَى وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مَا إذَا افْتَدَى وَالدَّيْنُ مُحِيطٌ بِمَالِهِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْعَدَدِ) أَيْ قُسِّمَ عَلَى الْعَدَدِ أَوْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ إنْ جَهِلُوا قَدْرَهُمْ) ثُمَّ إنْ عَلِمُوا قَدْرَهُمْ أَوْ جَهِلُوهُ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ عَمِلَ بِذَلِكَ وَإِلَّا حَمَلُوا عَلَى الْجَهْلِ بِقَدْرِهِمْ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) مِنْ شَرَفٍ فَفِي الْمَوَّاقِ مَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْقَدْرِ بِالشَّرَفِ وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الشَّرَفُ مَنْظُورًا لَهُ بِحَيْثُ يَشِحُّونَ بِسَبَبِهِ وَإِلَّا فَلَا يُعْتَبَرُ.
(قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَالْمُرَادُ بِالْيَمِينِ، وَإِنْ قَالُوا صُدِّقَ فَبِغَيْرِ يَمِينٍ (قَوْلُهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى أُصُولِهِمْ) أَيْ قَوَاعِدِهِمْ وَحَلُّ عَبَّ يَقْتَضِي ضَعْفَهُ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ (قَوْلُهُ يُصَدَّقُ الْأَسِيرُ إنْ أَشْبَهَ) ظَاهِرُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا الْفَادِي إنْ أَشْبَهَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْفَادِي) أَيْ رَدًّا عَلَى سَحْنُونَ الْقَائِلُ الْقَوْلُ لِلْفَادِي إنْ كَانَ الْأَسِيرُ بِيَدِهِ كَالرَّهْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ الْقَوْلُ لِلْأَسِيرِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْفَادِي وَسَحْنُونٍ جَعَلَ الْقَوْلَ لِلْفَادِي إنْ كَانَ الْأَسِيرُ بِيَدِهِ.
(قَوْلُهُ بِالْأَسْرَى الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الْقِتَالُ) قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يُخْشَ الظُّهُورُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى عَدَمِ الْقِتَالِ وَيَرَى أَنَّهُمْ يُوفُونَ بِذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِالْفِدَاءِ بِصِغَارِ أَطْفَالِهِمْ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا وَبِالذِّمِّيِّ إذَا رَضِيَ وَكَانُوا لَا يُسْتَرَقُّونَ مِنْ ك.
(قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ) أَقُولُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَصْلَحَةٍ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلشِّرَاءِ مَعْنًى إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْجَوَازِ أَيْ وَيُفْهَمُ مِنْهُ الْفِدَاءُ