الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احْتِمَالُ التَّعْلِيمِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَى كَبِيرٍ، وَلَا لِكَبِيرٍ بَلْ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضِهِمْ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْهُمْ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ، وَإِذَا شَهِدُوا وَهُمْ مُسْتَوْفُونَ لِلشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فِي حَالِ صِغَرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُمْ، وَالْعِبْرَةُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا، وَسَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ تَجْرِيحُ غَيْرِهِمْ لَهُمْ، وَلَا تَجْرِيحُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ الَّذِي هُوَ رَأْسُ أَوْصَافِ الْعَدَالَةِ، وَأَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِبُلُوغِهِمْ، وَعَدَلُوا لَقُبِلَ رُجُوعُهُمْ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ الضَّمِيرِ فِي رُجُوعِهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الصِّبْيَانِ، وَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ لَيْسُوا صِبْيَانًا، وَتَجْرِيحُهُمْ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَجْرِيحُهُمْ أَيْ إلَّا فِي كَثِيرِ كَذِبٍ.
(ص) وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ (ش) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الشَّهَادَةِ وَمَوَانِعِهَا شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيَانِ مَرَاتِبِهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ أَوْ عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ امْرَأَتَانِ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى الْبَيِّنَاتِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا وَعَلَى فِعْلِ اللِّوَاطِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ عُدُولٍ لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِيمَا يُدْفَعُ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَقَوْلُنَا عَلَى فِعْلِ الزِّنَا إلَخْ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ فَيَكْفِي فِيمَا ذُكِرَ اثْنَانِ عَلَى الرَّاجِحِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالزِّنَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ كَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ اخْتَصَّتْ شَهَادَةُ الزِّنَا بِالْأَرْبَعَةِ قِيلَ لِقَصْدِ السَّتْرِ وَدَفْعِ الْعَارِ لِلزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهَا وَأَهْلِهَا؛ وَلِهَذَا لَمَّا لَمْ يَلْحَقْهُ ذَلِكَ فِي الْقَتْلِ اُكْتُفِيَ بِاثْنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ الزِّنَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ اُشْتُرِطَ أَرْبَعَةٌ لِيَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ الشُّهُودُ مَأْمُورِينَ بِالسَّتْرِ، وَلَمْ يَفْعَلُوا غُلِّظَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ سَتْرًا مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ التَّدَلِّي؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا، وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ ثَنَّى بِمَا يَلِيهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا آيِلٍ إلَيْهِ عَدْلَانِ، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَخْ، وَفِي الرَّابِعَةِ وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ إلَخْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ:
مَرَاتِبُ الشَّهَادَةِ
ثَلَاثَةٌ فِيهِ نَظَرٌ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ بِأَنَّهَا مَرْتَبَةٌ رَابِعَةٌ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ مَرَاتِبَ الشَّهَادَةِ خَمْسَةٌ، وَهِيَ شَهَادَةُ وَاحِدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَهِيَ مَسْأَلَةُ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْيَمِينِ.
(ص) بِوَقْتٍ وَرُؤْيَا اتَّحَدَا (ش) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى شَرْطِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الزِّنَا، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدُوا بِزِنًا وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَقَوْلُهُ: بِوَقْتٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ صِفَةٍ لِأَرْبَعَةٍ أَيْ يَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ أَيْ وَقْتِ
ــ
[حاشية العدوي]
بِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا مُطْلَقًا أَوْ وَاحِدًا وَالشَّهَادَةُ فِي جَرْحٍ أَيْ فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي قَتْلٍ فَلَا يَضُرُّ حُضُورُ ذَلِكَ الْوَاحِدِ فِي شَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَقَوْلَانِ جَوَازُ شَهَادَتِهِمْ وَعَدَمُ جَوَازِ شَهَادَتِهِمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَانَ عَدْلًا وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا، فَتَمَسَّكْ بِهَذَا وَاتْرُكْ خِلَافَهُ
(تَنْبِيهٌ) : بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُ الشَّاهِدِ مِنْهُمْ لَا مَارًّا عَلَى الرَّاجِحِ أَيْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ مُجْتَمِعِينَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَتِيلِ حَاضِرًا قَالَهُ الْبَدْرُ.
[مَرَاتِب الشَّهَادَة]
(قَوْلُهُ: أَوْ عَدْلَانِ) الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ بَيَانِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ الزِّنَا) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ اللِّوَاطِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشُّهَدَاءَ لَا تَكُونُ إلَّا أَرْبَعَةً أَيْ وَيُقَاسُ اللِّوَاطُ عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَخْ) أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إنْكَارَهُ) أَيْ: وَهُوَ رُجُوعُهُ، وَقَوْلُهُ: كَتَكْذِيبِ نَفْسِهِ أَيْ كَقَوْلِهِ: كَذَبْت عَلَى نَفْسِي فَحَاصِلُهُ أَنَّ رُجُوعَهُ أَيْ قَوْلَهُ: مَا زَنَيْت بَعْدَ إقْرَارِهِ إنْكَارٌ لِلزِّنَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ كَذَبْت عَلَى نَفْسِي، وَهُوَ إذَا قَالَ كَذَبْت عَلَى نَفْسِي يُقْبَلُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الزِّنَا مِنْ أَصْلِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ يُقْبَلُ ثُمَّ يُقَالُ إنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِ الرُّجُوعِ أَنْ يَقُولَ: كَذَبْت عَلَى نَفْسِي، وَكَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: قِيلَ لِقَصْدِ السَّتْرِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنَ الْأَقْوَالِ قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لِأَنَّهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ كَالْقَتْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّانِي وَالْمَزْنِيِّ بِهَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ الْحُكْمُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالْقَتْلِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ شَهَادَةُ الْخُلْطَةِ) أَيْ الْمُتَمِّمُ لِلْخَمْسَةِ شَهَادَةُ الْخُلْطَةِ أَيْ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينٌ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي الْخُلْطَةَ بِشَاهِدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِزِنَا وَاحِدٍ) هَذَا لَمْ يُشِرْ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا قَوْلُهُ: فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَمْ يُشِرْ لَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمَعْنَى كَوْنِ الزِّنَا وَاحِدًا أَنْ يَشْهَدُوا كُلُّهُمْ أَنَّهُ زَنَى بِهَا طَائِعَةً فَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: زَنَى بِهَا طَائِعَةً، وَقَالَ الْآخَرُ: زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً لَمْ يَكُنْ الزِّنَا وَاحِدًا (قَوْلُهُ: أَيْ يَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ) أَيْ وَقْتِ الْأَدَاءِ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِوَقْتٍ، وَقَوْلُهُ: وَوَقْتِ الرُّؤْيَا إشَارَةٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرُؤْيَا أَيْ وَوَقْتِ رُؤْيَا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ: وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الرُّؤْيَا، وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يُؤَدُّوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: أَيْ يَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ إشَارَةٌ إلَى الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِهِ وَقَوْلُهُ وَيَذْكُرُوا اتِّحَادَ وَقْتِ الرُّؤْيَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَوَقْتِ الرُّؤْيَا الَّذِي مَعْنَاهُ وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الرُّؤْيَا أَيْ أَنَّ
الْأَدَاءِ وَوَقْتِ الرُّؤْيَا بِأَنْ يُؤَدُّوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيَذْكُرُوا اتِّحَادَ وَقْتِ الرُّؤْيَا لِلْقَاضِي، وَإِنْ أَدَّوْا فِي أَوْقَاتٍ أَوْ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الرُّؤْيَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي أَمَاكِنِ الرُّؤْيَا أَوْ فِي الطَّوْعِ وَالْإِكْرَاهِ أَوْ فِي الزِّنَا وَالشُّبْهَةِ أَوْ فِي الزِّنَا بِهَا قَائِمَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ وَهِيَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ هُوَ أَعْلَاهَا أَوْ أَسْفَلَهَا، أَوْ كَانَتْ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ الْغَرْبِيِّ أَوْ الشَّرْقِيِّ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَوَقْتُ الرُّؤْيَا هُوَ وَقْتُ التَّحَمُّلِ فَقَوْلُهُ: وَرُؤْيَا مَعْطُوفٌ عَلَى وَقْتٍ، وَالْبَاءُ فِي الْأَوَّلِ بِمَعْنَى فِي حَقِيقَةً، وَفِي الثَّانِي بِمَعْنَى فِي مَجَازًا فَاسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ كَلَامِ الزَّرْقَانِيِّ.
(ص) وَفَرَّقُوا فَقَطْ (ش) يَعْنِي أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا يُفَرَّقُونَ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا وُجُوبًا سَوَاءٌ حَصَلَتْ رِيبَةٌ، أَمْ لَا بِخِلَافِ غَيْرِ الزِّنَا لَا يُفَرَّقُونَ.
(ص) وَأَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدُوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِزِنًا وَاحِدٍ بِرُؤْيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي مَدَارِ الشَّرْعِ عَلَى السَّتْرِ فَضَيَّقَ الْأَمْرَ فِيهِ حَتَّى لَا يُوجَدَ عَلَى هَذَا النَّمَطِ إلَّا الْقَلِيلُ جِدًّا، وَلَا مَفْهُومَ لِأَدْخَلَ بَلْ أَوْ أَوْلَجَ أَوْ رَأَيْنَا فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا، وَالْمَدَارُ عَلَى التَّيَقُّنِ.
(ص) وَلِكُلٍّ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الزِّنَا أَنَّهُ يَنْظُرُ لِلْعَوْرَةِ قَصْدًا لِيَعْلَمَ كَيْفَ يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ، وَلَمْ يُجِيزُوا رُؤْيَةَ النِّسَاءِ لِعُيُوبِ الْفَرْجِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ حَيْثُ جَعَلُوا الْمَرْأَةَ مُصَدَّقَةً، وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ فَالْفَرْقُ مُشْكِلٌ، وَكَذَلِكَ يَشْكُلُ الْفَرْقُ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْإِصَابَةِ، وَهِيَ بِكْرٌ حَيْثُ قَالُوا: تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ، وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُ: وَلِكُلٍّ النَّظَرُ إلَخْ بِمَا إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الرُّؤْيَا، وَقَدْ يَتَلَمَّحُ ذَلِكَ الْقَيْدُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِكُلٍّ إلَخْ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ.
(ص) وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ كَالسَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ أُخِذَتْ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ شُهُودَ الزِّنَا كَيْفَ رَأَيْتُمُوهُ يَفْعَلُ بِهَا، وَهَلْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِهَا، أَوْ عَلَى بَطْنِهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَلْ كَانَ ذَكَرُهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، أَمْ لَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يُنْدَبُ لِلْقَاضِي سُؤَالُهُمْ فِي السَّرِقَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقَصْدُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الرُّؤْيَا أَنْ يَذْكُرُوا اتِّحَادَ وَقْتِ الرُّؤْيَا بِأَنْ يَقُولُوا: رَأَيْنَاهُمَا عَقِبَ الْعَصْرِ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّوْا فِي أَوْقَاتٍ مُحْتَرَزُ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الرُّؤْيَا رَاجِعٌ لِلثَّانِي فَلَوْ اجْتَمَعُوا، وَنَظَرَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَطْءِ وَالْأَفْعَالُ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي أَمَاكِنِ الرُّؤْيَا) بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْتهَا تَزْنِي فِي الْجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَالْآخَرُ يَقُولُ: فِي الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي الطَّوْعِ وَالْإِكْرَاهِ هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ بِزِنًا وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ وَرُؤْيَا مَعْطُوفٌ عَلَى وَقْتٍ، وَالْبَاءُ فِي الْأَوَّلِ بِمَعْنَى فِي حَقِيقَةً) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَيْ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَاحِدًا فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ يَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ ظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي بِمَعْنَى فِي مَجَازًا، وَوَجْهُ الْمَجَازِيَّةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَيْسَتْ زَمَانًا، وَلَا مَكَانًا أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتِ الرُّؤْيَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ أَيْ يَشْهَدُونَ شَهَادَةً مُلْتَبِسَةً بِرُؤْيَا مُتَّحِدَةٍ وَأَرَادَ بِهَا التَّحَمُّلَ أَيْ يَتَحَمَّلُونَ تَحَمُّلًا مُلْتَبِسًا بِرُؤْيَا مُتَّحِدَةٍ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ أَيْ؛ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ الَّتِي هِيَ مَدْلُولٌ فِي مُلَابَسَةٍ مُقَيَّدَةٍ أُطْلِقَتْ وَأُرِيدَ بِهَا مُطْلَقُ الْمُلَابَسَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْنَى يُؤَدُّونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيَتَحَمَّلُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَالشَّهَادَةُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى التَّأْدِيَةِ، وَفِي الْمَعْطُوفِ بِمَعْنَى التَّحَمُّلِ.
(قَوْلُهُ: وَفُرِّقُوا) وُجُوبًا عِنْدَ الْأَدَاءِ بَعْدَ إتْيَانِهِمْ جَمِيعًا فَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ يُؤَدُّونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَيْ أَنْ يَكُونَ إتْيَانُهُمْ جَمِيعًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ يُفَرَّقُونَ حِينَ التَّأْدِيَةِ بِالْفِعْلِ أَوْ أَنَّ التَّفْرِيقَ الْوَاقِعَ فِي أَزْمِنَةٍ قَرِيبَةٍ كَالزَّمَنِ الْوَاحِدِ، وَقَوْلُهُ: وُجُوبًا كَذَا فِي عب تَبَعًا لتت وَرَدَّهُ اللَّقَانِيِّ بِأَنَّ التَّفْرِقَةَ مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الزِّنَا إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِتَفْسِيرِ فَقَطْ
(قَوْلُهُ: لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدُوا) أَيْ يُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ، وَقَوْلُهُ: بِزِنًا وَاحِدٍ أَيْ كَأَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى الطَّوْعِ (قَوْلُهُ: كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ) زِيَادَةُ هَذَا مَنْدُوبٌ، وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ، وَمُفَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الزِّنَا، وَأَمَّا فِي اللِّوَاطِ فَيَقُولُونَ رَأَيْنَا ذَكَرَهُ فِي دُبُرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمَدَارُ عَلَى التَّيَقُّنِ) أَيْ تَيَقُّنِ دُخُولِ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَلَيْسَ التَّصْرِيحُ بِ أَدْخَلَ شَرْطًا.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِفَةِ الشَّهَادَةِ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ نَظَرٍ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى أَنَّهُ جَائِزٌ قُلْنَا: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " وَلِكُلٍّ النَّظَرُ " قَصْدَ النَّظَرِ وَيَجُوزُ لِكُلٍّ تَرْكُ قَصْدِهِ وَتَرْكُ الشَّهَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا تَنَاقُضٌ) أَيْ تَخَالُفٌ فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: فَالْفَرْقُ مُشْكِلٌ)، وَقَدْ يُقَالُ: لَا إشْكَالَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِرْسَالَ عَلَى الزِّنَا مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمُكْثِ مَعَ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ مَعَ وُجُودِهِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ النَّظَرُ لِلْفَرْجِ لِلْعَيْبِ بِخِلَافِ النَّظَرِ لِلْفَرْجِ لِلتَّحَمُّلِ فَإِنَّ فِيهِ رَفْعَ مُنْكَرٍ فَلَا يَضُرُّ قَصْدُ النَّظَرِ بَلْ يَجُوزُ قَصْدُ النَّظَرِ، وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْ الزِّنَا ابْتِدَاءً خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الزَّانِيَ صَارَ مُتَجَاهِرًا بِذَلِكَ حَيْثُ يَقْدَمُ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ وُجُودِ الْغَيْرِ، وَلَا يُبَالِي بِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُتَلَمَّحُ) أَيْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ الْقَيْدُ أَيْ فَلَا حَاجَةَ لِلْقَيْدِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَنْبَغِي إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ إلَخْ) اسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ الْوُجُوبَ وَأَصْلُ النَّصِّ يَنْبَغِي فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ النَّدْبَ وَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ الْوُجُوبَ (قَوْلُهُ: كَالسَّرِقَةِ) يُنْدَبُ سُؤَالُ شَاهِدَيْهَا عَنْ كَيْفِيَّةِ تَوَصُّلِهِمَا لِمَا شَهِدُوا بِهِ، وَقَوْلُهُ: مَا هِيَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَفَادَهُ التَّشْبِيهُ أَيْ مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ هِيَ، وَقَوْلُهُ: وَكَيْفَ أُخِذَتْ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَأَيْنَ ذَهَبُوا هَذَا مُفَادُ التَّشْبِيهِ فَذِكْرُهُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ (قَوْلُهُ: وَهَلْ كَانَ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ زِيَادَةَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ مَنْدُوبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُمَا قَوْلَانِ (قَوْلُهُ أَمْ لَا)
كَيْفَ أَخَذُوهَا، وَإِلَى أَيْنَ ذَهَبُوا بِهَا، وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَمِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ هِيَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَيْ وَنُدِبَ سُؤَالُهُمْ عَمَّا لَيْسَ شَرْطًا فِي الشَّهَادَةِ كَمَا يُنْدَبُ سُؤَالُهُمْ فِي السَّرِقَةِ عَمَّا لَيْسَ شَرْطًا فِي الشَّهَادَةِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا ذُكِرَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحُدُّوا وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ مَنْدُوبًا وَتَنْظِيرُ الزَّرْقَانِيِّ فِي الْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ قُصُورٌ مِنْهُ. (ص) وَلِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا آيِلٍ لَهُ كَعِتْقٍ وَرَجْعَةٍ وَكِتَابَةٍ عَدْلَانِ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ: وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ، وَعَطَفَ هَذَا عَلَيْهِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَيْهِ لَا يَكْفِي فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ مِنْ ذَلِكَ الْعِتْقُ، وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَاقِدَيْنِ، وَفِيهِ إخْرَاجٌ
وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ، وَالطَّلَاقُ غَيْرُ الْخُلْعِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَالِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَاءُ وَالتَّدْبِيرُ، وَمِنْ ذَلِكَ الرَّجْعَةُ، وَهِيَ كَالْعِتْقِ إلَّا أَنَّ فِيهِ إدْخَالًا، وَمِثْلُهُ الِاسْتِلْحَاقُ وَالْإِسْلَامُ وَالرِّدَّةُ، وَيُنَاسِبُهُ الْإِحْلَالُ وَالْإِحْصَانُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْكِتَابَةُ، وَهِيَ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ لِعَاقِدَيْنِ، وَمِثْلُهُ النِّكَاحُ وَالْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَالْخُلْعِ، وَتَلْحَقُ بِهِ الْعِدَّةُ أَيْ تَارِيخُ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ لَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فَظَهَرَ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ بِأَنْ أَدْخَلَهُ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ وَيَكُونُ إطْلَاقُ الْإِدْخَالِ عَلَيْهِ تَسَمُّحًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ السُّؤَالُ عَنْ إدْخَالِ فَرْجِهِ فِي فَرْجِهَا وَهَذَا مُحْتَمِلٌ لِلْإِدْخَالِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ تَعْيِينِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَمَا يُنْدَبُ سُؤَالُهُمْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّعْبِيرِ أَنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ (قَوْلُهُ: قُصُورٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إخْرَاجٌ) أَيْ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ) هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُثْبِتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْوَقْفِ إخْرَاجَ الْمَنْفَعَةِ عَنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَالذَّاتُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ، وَالْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: وَالطَّلَاقُ غَيْرُ الْخُلْعِ) أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ، وَفِيهِ إخْرَاجُ الْمَرْأَةِ عَنْ الْعِصْمَةِ أَيْ، وَأَمَّا الْخُلْعُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ) أَيْ ادَّعَى الْجَانِي عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ، وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ، وَفِيهِ إخْرَاجٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ دَمَهُ فَكَأَنَّهُ مَلَكَهُ فَالْعَفْوُ عَنْهُ مُخْرِجٌ لَهُ، وَقَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَالِ كَمَا إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا عَلَى نِكَاحِ بَنَاتِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ تُوقَفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَيْرِ الْمَالِ إخْرَاجُ النَّظَرِ عَنْ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا بِالْمَالِ فَيَكْفِي فِيهَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَفِي الْوَصِيَّةِ إخْرَاجٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ فَبِالْوَصِيَّةِ أَخْرَجَهُ عَنْهُ إلَّا أَنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْوَصِيِّ تِلْكَ الْوِصَايَةَ فَقَدْ تَوَقَّفَ عَلَى عَاقِدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَاءُ وَالتَّدْبِيرُ) أَيْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ وَلَاءٌ عَلَى فُلَانٍ لِكَوْنِهِ أَعْتَقَهُ أَوْ ابْنَهُ أَعْتَقَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ ادَّعَى الْمُدَبَّرُ أَنَّ سَيِّدَهُ دَبَّرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِ يَلْحَقُ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَمَثَّلَهُ لِكَوْنِهِ لَا عَقْدَ فِيهِ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَهُوَ عَقْدٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ، وَفِيهِ إخْرَاجٌ فَلَا يُنَاسِبُهُ أَنْ يَذْكُرَهُ مَعَ الْوَلَاءِ بَلْ يَعْطِفُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ الرَّجْعَةُ) ادَّعَتْ زَوْجَةٌ عَلَى زَوْجٍ مُنْكِرٍ لِرَجْعَتِهَا أَنَّهُ رَاجَعَهَا فَتُقِيمُ شَاهِدَيْنِ، وَكَذَا دَعْوَاهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا يَخْلُو حَالُهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْعِدَّةِ فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِحْبَابُ إلَّا بِإِشْهَادِ عَدْلَيْنِ، وَإِنْ ادَّعَى بَعْدَهَا أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ عَدْلَيْنِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ كَالْعِتْقِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ، وَهُوَ الرَّجْعَةُ وَمِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ مَا ذُكِرَ مِنْ الرَّجْعَةِ الِاسْتِلْحَاقُ بِأَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ أَنَّ عَمْرًا الْمَشْهُورَ النَّسَبِ أَخُوهُ فَيُنْكِرُ الْأَخُ الثَّانِي كَوْنَهُ أَخَاهُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الِاسْتِلْحَاقِ إدْخَالًا، وَقَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ مَثَلًا زَيْدٌ كَافِرٌ وَلَهُ ابْنَانِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَفِي الْإِسْلَامِ إدْخَالٌ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَالرِّدَّةُ مَاتَ زَيْدٌ، وَلَهُ وَلَدَانِ فَادَّعَى أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ أَنَّهُ كَانَ حِينَ مَاتَ الْأَبُ ارْتَدَّ أَخُوهُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الدَّعْوَى آلَتْ إلَى مَالٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ إلَّا أَنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الِارْتِدَادَ إخْرَاجٌ، وَقَوْلُهُ: وَيُنَاسِبُهُ أَيْ الرَّجْعَةُ، وَذَكَرَ بِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرَ الْإِحْلَالَ، وَالْمُنَاسَبَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِحْلَالَ إدْخَالٌ لِلزَّوْجَةِ فِي حَوْزِ الزَّوْجِ عَبَّرَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَقْدَيْنِ، وَصُورَتُهُ زَيْدٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَادَّعَتْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ فَحَلَّتْ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَالْإِحْصَانُ صُورَتُهُ زَيْدٌ زَنَى وَادَّعَى عَلَيْهِ عَمْرٌو أَنَّهُ مُحْصَنٌ لِيَرْجُمَهُ وَأَنْكَرَ زَيْدٌ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَفِيهِ إدْخَالٌ أَيْ فِي الْإِحْصَانِ إدْخَالٌ مِنْ جِهَةِ الْكَمَالِ
قَوْلُهُ: (وَهِيَ عَقْدٌ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ كَاتَبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ النِّكَاحُ أَيْ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا زَوْجُ بِنْتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَالْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْمَالِ أَيْ بِأَنْ وَكَّلَهُ عَلَى عَقْدِ نِكَاحِ ابْنَتِهِ أَيْ وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فِي الْمَالِ فَتَثْبُتُ بِعَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا تَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ يَكْفِي فِيهَا عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَقَوْلُهُ: وَالْخُلْعُ أَيْ بِأَنْ تَدَّعِيَ أَنَّ زَوْجَهَا خَالَعَهَا، وَهِيَ بَائِنٌ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَالْخُلْعُ يَفْتَقِرُ لِعَاقِدَيْنِ الزَّوْجُ وَمُعْطِي الْعِوَضِ (قَوْلُهُ: أَيْ تَارِيخِ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ) فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا مَاتَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَعِدَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ وَخَالَفَهَا غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا، وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: لَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الْمُرَادُ عِدَّةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَهِيَ عِدَّةُ الْقُرْءِ وَالْوَضْعِ لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ فِي الْمَوْتِ لِكَوْنِ النِّكَاحِ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ وَادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَالْحَالُ أَنْ يَوْمَ الْوَفَاةِ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا قَالَ: وَيَلْحَقُ بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَمْ يَعْطِفْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ عَقْدًا
هَذَا تَغَايُرُ الْأَمْثِلَةِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا الْمُؤَلِّفُ وَمَا فِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِ الْمَوْتِ، وَيَرِثُ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى فِي مَالٍ، وَمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ إلَخْ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ، أَوْ مَبْنِيًّا عَلَى كَوْنِ الْوَقْفِ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ.
(ص) وَإِلَّا فَعَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ (ش) هَذِهِ هِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ الْمَالَ أَوْ مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْعَدْلُ وَالْمَرْأَتَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ فَالْبَاءُ فِي بِيَمِينٍ بِمَعْنَى مَعَ ثُمَّ مَثَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَأَجَلٍ وَخِيَارٍ وَشُفْعَةٍ وَإِجَارَةٍ وَجَرْحٍ خَطَأٍ أَوْ مَالٍ وَأَدَاءِ كِتَابَةٍ وَإِيصَاءٍ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ) مِنْهَا الْأَجَلُ بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْت عَلَى النَّقْدِ، وَيَقُولَ الْمُشْتَرِي: بَلْ اشْتَرَيْت إلَى أَجَلٍ، وَسَوَاءٌ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي ابْتِدَائِهِ وَدَوَامِهِ أَوْ انْقِضَائِهِ وَانْصِرَامِهِ، وَمِنْهَا الْخِيَارُ بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْت عَلَى الْبَتِّ، وَيَقُولَ الْمُشْتَرِي: إنَّمَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَئُولُ إلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ بِالْبَتِّ وَالْخِيَارِ، وَمِنْهَا الشُّفْعَةُ بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّرِيكِ: أَسْقَطْت شُفْعَتَك، وَيَقُولَ الشَّفِيعُ: لَمْ أُسْقِطْهَا وَكَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَخْذٍ وَتَرْكٍ وَغَيْبَةِ الشَّفِيعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا الْإِجَارَةُ بِأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْجِرُ: آجَرْتنِي بِكَذَا مُدَّةَ كَذَا، وَيَقُولُ الْمَالِكُ: لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنِّي، وَمِنْهَا جُرْحُ الْخَطَأِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَجْرُوحُ لِشَخْصٍ مُكَلَّفٍ: أَنْتَ جَرَحْتنِي، وَيُنْكِرَ الْآخَرُ، أَوْ جُرْحُ الْعَمْدِ الَّذِي فِيهِ مَالٌ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ الَّتِي لَا يُقْتَصُّ فِيهَا لِكَوْنِهَا مِنْ الْمَتَالِفِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَمِنْهَا أَدَاءُ الْكِتَابَةِ بِأَنْ قَالَ السَّيِّدُ مَا وَصَلَ إلَيَّ شَيْءٌ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ
وَقَالَ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ: بَلْ أَدَّيْت نُجُومَ الْكِتَابَةِ إلَيْك بِتَمَامِهَا، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي حَتَّى فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْعِتْقِ، وَمِنْهَا الْإِيصَاءُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ سَوَاءٌ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَكِنْ قَبْلَ وَفَاتِهِ يَكُونُ وَكَالَةً وَبَعْدَهُ وَصِيَّةً، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ لِيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ، وَأُجِيبَتْ بِأَنَّ هَذَا إذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ لِلْوَصِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ أَوْ الْوَصَايَا بِأُجْرَةٍ أَوْ رَهْنٍ مَثَلًا كَأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى قَبْضِ سِلْعَةٍ لِيَجْعَلَهَا رَهْنًا عِنْدَهُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ نَفْعٌ، فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَتْ الْوَصَايَا أَوْ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمُوصِي إنْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا بَطَلَتْ بِنُكُولِ الْوَصِيِّ وَأَمَّا مُطْلَقُ وَصِيٍّ أَيْ أَنَّهُ وَصِيٌّ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ مِثْلَ مُطْلَقِ وَكِيلٍ فَإِذَا كَانَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: مَعَ شَاهِدِ الْمَوْتِ) ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى الْمَوْتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ مَوْتِ رَجُلٍ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا فَتَحْلِفُ مَعَهُ وَتَرِثُ (قَوْلُهُ: أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْوَقْفِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ حِكْمَةُ تَعْدَادِ الْمُصَنِّفِ الْأَمْثِلَةَ.
(قَوْلُهُ: فَالْبَاءُ فِي بِيَمِينٍ بِمَعْنَى مَعَ) ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاحِدِ وَلِذَا شَهِدَتَا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَتِهِمَا فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وَإِنْ طَالَ دَيْنٌ فَفَائِدَةُ حَلِفِهِ عَدَمُ سَجْنِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ (قَوْلُهُ: كَأَجَلٍ إلَخْ) دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الْبَيْعِ، وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ مَعَ الشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي بَلْ اشْتَرَيْت إلَى أَجَلٍ) أَيْ فَهُوَ الْمُدَّعِي فَتَثْبُتُ دَعْوَاهُ بِعَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينٍ فَالْأَصْلُ النَّقْدُ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي أُسْلُوبٍ آخَرَ كَأَنْ يَقُولَ: وَكَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّأْجِيلِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقُولُ: إنَّ مَبْدَأَهَا الْقَعْدَةُ فَالْأَجَلُ بَاقٍ لَمْ يَنْقَضِ، وَيَقُولُ الْبَائِعُ: إنَّ مَبْدَأَهَا شَوَّالٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى بَقَاءَ الْأَجَلِ فَيَقْبَلُ دَعْوَى خَصْمِهِ الْمُدَّعِي الِانْقِضَاءَ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا مَعَ يَمِينٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ انْقِضَائِهِ الْمُنَاسِبُ الْوَاوُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَدَّعِي الِانْقِضَاءَ وَالثَّانِي يَدَّعِي الْبَقَاءَ
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْت عَلَى الْبَتِّ إلَخْ) أَيْ فَالْمُتَمَسِّكُ بِالْأَصْلِ هُوَ الْبَائِعُ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا مَعَ يَمِينٍ (قَوْلُهُ: أَسْقَطْت شُفْعَتَك إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْإِسْقَاطِ فَإِذَنْ مَنْ ادَّعَى الْإِسْقَاطَ هُوَ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيِّنَةٍ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينٍ (قَوْلُهُ: مِنْ أَخْذٍ وَتَرْكٍ) أَيْ فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ فَادَّعَى الشَّفِيعُ بَعْدَهَا أَنَّهُ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الشَّفِيعِ الْبَيِّنَةُ إمَّا شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينٍ (قَوْلُهُ: وَغَيْبَةِ الشَّفِيعِ) يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا غَابَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: أَنْتِ عَلِمْت بِالْبَيْعِ وَغِبْت غَيْبَةً بَعِيدَةً فَلَا شُفْعَةَ لَك، وَقَالَ الشَّفِيعُ: مَا عَلِمْت بِالْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ إمَّا شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينٍ (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ الْمَالِكُ إلَخْ) فَالْمُتَمَسِّكُ بِالْأَصْلِ هُوَ الْمَالِكُ فَيُثْبِتُ دَعْوَى غَيْرِهِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا مَعَ يَمِينٍ (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ الْمَالِكُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: فَهُوَ الْمُتَمَسِّكُ بِالْأَصْلِ فَخَصْمُهُ لَا يُثْبِتُ دَعْوَاهُ إلَّا بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينٍ (قَوْلُهُ: جُرْحُ الْخَطَأِ) وَمِثْلُهُ قَتْلُ الْخَطَأِ، وَقَوْلُهُ: وَيُنْكِرُ الْآخَرُ، هَذَا الْمُنْكِرُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَخَصْمُهُ لَا تَثْبُتُ دَعْوَاهُ إلَّا بِمَا قُلْنَا وَقَوْلُهُ بَلْ أَدَّيْت إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ السَّيِّدِ كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ نَفْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدَيْنِ، وَلَا يَكْفِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَيَمِينٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مُطْلَقُ وَصِيٍّ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: الْإِيصَاءُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ أَيْ فَالْوَصِيَّةُ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ وَصِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ وَوَصِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ فَالْمُقَيَّدَةُ مَا تَقَدَّمَ وَهَذِهِ الَّتِي يَشْرَعُ فِيهَا مُطْلَقَةٌ، وَقَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ إلَخْ رَاجِعٌ لِلْمُطْلَقَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلشَّاهِدِ نَفْعٌ فَيُكْتَفَى بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينٍ لَا فَرْقَ فِي
لِلْوَكِيلِ أَوْ الْوَصِيِّ نَفْعٌ فِي الْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ كَفَى الشَّاهِدُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ (ص) أَوْ بِأَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ كَالشَّهَادَةِ بِأَجَلٍ، أَوْ بِأَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ أَيْ بِالْمَالِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَرَادَ طَلَبَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ، وَعِنْدَهُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ يَشْهَدُونَ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِي.
(ص) كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ وَتَقَدُّمِ دَيْنٍ عَتَقَا وَقِصَاصٍ فِي جُرْحٍ (ش) هَذَا تَشْبِيهٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَأَنْكَرَ سَيِّدُهَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْفِي الشَّاهِدُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ تَقَدُّمُ الدَّيْنِ عَلَى الْعِتْقِ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَيُرَدُّ الْعِتْقُ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي الْغُرَمَاءُ أَرْبَابُ الدَّيْنِ وَأَمَّا الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ إذَا أَرَادَ رَدَّ الْعِتْقِ وَأَقَامَ شَاهِدًا عَلَى تَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْمُعْتَقُ بِالْفَتْحِ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ فِي جُرْحِ الْعَمْدِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْيَمِينِ، وَهَذِهِ إحْدَى مَسَائِلِ الِاسْتِحْسَانِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَلَا آيِلٍ إلَيْهِ.
(ص) وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ كَوِلَادَةٍ وَعَيْبِ فَرْجٍ وَاسْتِهْلَالٍ وَحَيْضٍ (ش) هَذِهِ هِيَ الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ مِنْ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي لَا تَظْهَرُ لِلرِّجَالِ، وَإِنَّمَا عَدَّ الشَّارِحُ الْمَرَاتِبَ أَوَّلًا ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّ الْمَرْتَبَةَ الثَّالِثَةَ تَحْتَهَا مَرْتَبَتَانِ مِنْهَا الْوِلَادَةُ يَكْفِي فِيهَا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ عَدْلَتَيْنِ وَسَوَاءٌ حَضَرَ شَخْصُ الْمَوْلُودِ أَوْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْبَدَنِ مَقْتُولًا، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: كَوِلَادَةٍ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي ثُبُوتِ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الْأُمُومَةِ وَعَدَمِهَا فَشَيْءٌ آخَرُ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ، وَمِنْهَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي عَيْبِ فَرْجِ الْأَمَةِ فَإِنَّ النِّسَاءَ يَنْظُرْنَ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْحُرَّةِ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ فِي عَيْبِ فَرْجِهَا، وَلَا يَنْظُرُ النِّسَاءُ لَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَمِنْهَا الِاسْتِهْلَالُ بِأَنَّ الْوَلَدَ نَزَلَ مُسْتَهِلًّا صَارِخًا أَوْ غَيْرَ صَارِخٍ، وَسَوَاءٌ الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ عَدْلَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ إذَا قُلْنَ إنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَمِنْهَا الْحَيْضُ فِي الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْوَصِيَّةِ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ، وَأَمَّا إذَا انْتَفَى النَّفْعُ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ فِي الْمُطْلَقَةِ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدَةُ فَيَكْفِي شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ قُلْت: الْمُطْلَقُ شَامِلٌ لِإِنْكَاحِ بَنَاتِهِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُطْلَقُ شَامِلًا لِلْإِنْكَاحِ وَغَيْرِهِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ مَعَ النَّفْعِ يَكْفِي الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَلَوْ كَانَ الْوَصِيُّ الْمَذْكُورُ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِ بَنَاتِ الْمُوصِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نَفْعٌ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَاَلَّذِي فِي عج مَا نَصُّهُ، وَأَمَّا مُطْلَقُ وَصِيٍّ أَيْ أَنَّهُ وَصِيٌّ أَوْ أَنَّهُ وَكِيلٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَأَطْلَقَ بِدُونِ تَقْيِيدٍ بِهَذَا الْقَيْدِ الَّذِي ذَكَرَهُ شَارِحُنَا.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْمُعْتَقُ بِالْفَتْحِ) تَقَدُّمَ الدَّيْنِ لَيُبْطِلَ عِتْقَهُ لِكَوْنِهِ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الرِّقِّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لعب وشب فِي قَوْلِهِمَا: إنَّ الْعَبْدَ ادَّعَى الْعِتْقَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْقِصَاصُ فِي جُرْحِ الْعَمْدِ) ادَّعَى أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا، وَفِيهِ الْقِصَاصُ فَهُوَ غَيْرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَالٌ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُرْحِ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَرْتَبَةَ الثَّالِثَةَ إلَخْ) الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى مِنْ الْمَرْتَبَتَيْنِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ، وَالثَّانِيَةُ: الْمَرْأَتَانِ فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَنْ يَقُولُ: الْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ وَبَيْنَ مَنْ يَقُولُ: الْمَرَاتِبُ أَرْبَعَةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ يَقُولُ: الْمَرَاتِبُ أَرْبَعَةٌ تَعْدَادُهَا يَقُولُ: أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ عَدْلَانِ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينٍ امْرَأَتَانِ، وَمَنْ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ يَقُولُ الْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ عَدْلَانِ، الثَّالِثَةُ إمَّا عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينٍ امْرَأَتَانِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ حَضَرَ شَخْصُ الْمَوْلُودِ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ) بِأَنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْكَلْبَ أَكَلَهُ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ سَحْنُونَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِاشْتِرَاطِ حُضُورِهِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ) ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ جَاءَتْ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَا كَذَلِكَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ (قَوْلُهُ: كَوِلَادَةٍ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ) فَيَحْصُلُ بِوِلَادَةِ الْحُرَّةِ الْخُرُوجُ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ، وَيَحْصُلُ بِوِلَادَةِ الْأَمَةِ صَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي ثُبُوتِ الْأُمُومَةِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا مَثَلًا وَادَّعَتْ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلسَّيِّدِ فَلَا تُبَاعُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُثْبِتَ ذَلِكَ بِعَدْلَيْنِ، وَلَا يُكْتَفَى بِمَا عَدَاهُمَا، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ لَا أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَيَكْفِي فِيهَا امْرَأَتَانِ، وَتَثْبُتُ أُمُومَةُ الْوَلَدِ تَبَعًا فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي مَوْضُوعٍ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْمَوْضُوعُ لَهُمَا حَتَّى يَأْتِيَ التَّعَارُضُ
قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْظُرُ النِّسَاءُ لَهَا) لَكِنْ إنْ مُكِّنَتْ النِّسَاءُ كَفَى فِي ذَلِكَ الْمَرْأَتَانِ كَمَا إذَا ادَّعَى الرَّجُلُ أَنَّ بِفَرْجِهَا بَرَصًا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) فِيهَا شَيْءٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَيْبَ الْحُرَّةِ يُفَصَّلُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِوَجْهِهَا أَوْ يَدَيْهَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَمَا كَانَ بِفَرْجِهَا تُصَدَّقُ فِيهِ، وَمَا كَانَ بِغَيْرِ فَرْجِهَا وَأَطْرَافِهَا مِنْ بَاقِي جَسَدِهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْوَلَدَ اسْتَهَلَّ صَارِخًا إلَخْ) إذْ الْأَصْلُ اسْتِهْلَالُهُ غَيْرَ صَارِخٍ فَمُدَّعِيهِ لَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتٍ فَاَلَّذِي يَحْتَاجُ لِلْإِثْبَاتِ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اسْتَهَلَّ صَارِخًا أَيْ وَإِثْبَاتُ أَنَّهُ اسْتَهَلَّ صَارِخًا يَكُونُ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَهَلَّ صَارِخًا الْإِرْثُ، وَعَلَى عَدَمِهِ عَدَمُ الْإِرْثِ (قَوْلُهُ: صَارِخًا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُسْتَهِلًّا وَظَهَرَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ حَذْفُ قَوْلِهِ أَوْ غَيْرَ صَارِخٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَهَلَّ هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتٍ وَاَلَّذِي يَدَّعِي عَدَمَهُ لَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتٍ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْحَيْضُ فِي الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ) فَيَكْفِي فِي ذَلِكَ امْرَأَتَانِ فَتَخْرُجُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِذَلِكَ قَالَ فِي ك: وَلَا يُصَدَّقُ السَّيِّدُ فِي رُؤْيَةِ الْحَيْضِ
؛ لِأَنَّهُنَّ يُصَدَّقْنَ كَمَا مَرَّ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (ص) وَنِكَاحٍ بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ سَبْقِيَّتِهِ أَوْ مَوْتٍ وَلَا زَوْجَةَ وَلَا مُدَبَّرَ وَنَحْوُهُ (ش) فَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى قَوْلِهِ وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ مُنْخَرِطًا فِي سِلْكِ مَا يُقْبَلُ فِيهِ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ بَعْدَ مَوْتِ رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِصَدَاقٍ مَعْلُومٍ وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَحَلَفَتْ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْمَالُ دُونَ النِّكَاحِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَقَوْلُهُ: بَعْدَ مَوْتٍ ظَرْفٌ لِمُقَدَّرٍ أَيْ شَهِدَ بِهِ بَعْدَ مَوْتٍ وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِأَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَيُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ أَوْ وَقَعَتْ عَلَى مَوْتِ رَجُلٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ زَوْجَةٌ، وَلَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ وَلَا مُدَبَّرٌ، وَلَا نَحْوُهُ وَلَيْسَ إلَّا قَسْمُ الْمَالِ فَقَوْلُهُ، وَلَا زَوْجَةٌ إلَخْ خَاصٌّ بِقَوْلِهِ وَمَوْتٍ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِلسَّبْقِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَوْتَهُمَا ثَابِتٌ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ الشَّهَادَةِ الْمَالُ وَالْوَاوُ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَا زَوْجَةٌ، وَلَا مُدَبَّرٌ بِمَعْنَى أَوْ.
(ص) وَثَبَتَ الْإِرْثُ وَالنَّسَبُ لَهُ وَعَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ (ش) يَجِبُ أَنْ يُوصِلَ بِقَوْلِهِ وَلِمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ امْرَأَتَانِ كَوِلَادَةٍ فَإِنَّ النَّسَبَ وَالْمِيرَاثَ يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ بِالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ لِلْمَوْلُودِ وَعَلَيْهِ فَإِنْ شَهِدَتَا أَنَّهُ اسْتَهَلَّ وَمَاتَ بَعْدَ أُمِّهِ وَرِثَهَا وَوَرِثَهُ وَارِثُهُ وَبِعِبَارَةٍ ثَبَتَ الْإِرْثُ لَهُ أَيْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ أَيْ لِمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَأَمَّا النَّسَبُ فَظَاهِرٌ فَقَوْلُهُ: لَهُ وَعَلَيْهِ رَاجِعَانِ لِلْإِرْثِ لَا لِلنَّسَبِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَهُ وَعَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ لَهُ فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الْإِرْثِ لَكَانَ أَوْلَى. (ص) وَالْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ (ش) يَعْنِي إذَا شَهِدَ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ بِسَرِقَةِ شَخْصٍ رُبُعَ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ السَّارِقُ الْمَالَ
ضَمَانَ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمْ تَثْبُتْ؛ إذْ شَرْطُهَا شَاهِدَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ وَالْمُتَخَلِّفُ شَرْطُ الْقَطْعِ. (ص) وَكَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ (ش) تَشْبِيهٌ فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمَالُ دُونَ الْقَتْلِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ يَمِينِ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدٍ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدَ رَجُلٍ فَإِنَّ الْمَالَ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ الْجَانِي إنْ لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ يَثْبُتُ دُونَ الْقَتْلِ إذْ لَا يُقْتَلُ عَبْدٌ بِمُمَاثِلِهِ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ كَمَا يَأْتِي.
وَلَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ الْأَرْبَعِ إذَا تَمَّتْ ذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا قَبْلَ تَمَامِهَا، وَهُوَ مُنْخَرِطٌ فِي سِلْكِ مَا يُوجِبُ حُكْمًا غَيْرَ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْحَيْلُولَةِ وَيُقَالُ لَهَا الْعُقْلَةُ وَيُقَالُ لَهَا الْإِيقَافُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (ص) وَحِيلَتْ أَمَةٌ مُطْلَقًا كَغَيْرِهَا إنْ طَلَبَتْ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ أَمَةٌ فَنَازَعَهُ إنْسَانٌ فِيهَا وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا عَدْلًا أَوْ أَقَامَ اثْنَيْنِ يَحْتَاجَانِ إلَى مَنْ يُزْكِيهِمَا فَإِنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمَةُ رَائِعَةً أَوْ لَا كَانَ الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ مَأْمُونًا عَلَيْهَا أَوْ لَا طَلَبَتْ الْحَيْلُولَةَ أَمْ لَا
ــ
[حاشية العدوي]
لِأَمَتِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِمَادِهِ عَلَى امْرَأَتَيْنِ إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا فَتَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ: دُونَ النِّكَاحِ أَيْ فَلَا يَطْلُبُ بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ: لَا يَصِحُّ الْمِيرَاثُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ مَاتَ إلَخْ) أَيْ أَنَّ وَرَثَةَ الزَّوْجَةِ ادَّعَوْا سَبْقَ مَوْتِ الزَّوْجِ، وَقَدْ وَرِثَتْهُ زَوْجَتُهُ وَوَرَثَةُ الزَّوْجِ يَقُولُونَ: إنَّهُمَا مَاتَا سَوَاءٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا فَالْبَيِّنَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى السَّبْقِيَّةَ (قَوْلُهُ: أَوْ وَقَعَتْ عَلَى مَوْتِ رَجُلٍ) صُورَتُهُ ادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ مَاتَ وَقَصَدَ أَخْذَ الْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ زَوْجَةٌ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ لِمَا يَلْزَمُ عِنْدَ فَقْدِهِمَا مِنْ ثُبُوتِ عِدَّةِ الْمَوْتِ بِدُونِ شَاهِدَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ) وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا مُدَبَّرٍ يَخْرُجُ حُرًّا بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مُدَبَّرٌ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ شَهَادَةُ الْعَدْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ أَيْ كَأُمِّ وَلَدٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ خُرُوجَ الْمُدَبَّرِ مِنْ الثُّلُثِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنَّمَا يَكُونُ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ.
(قَوْلُهُ: بِلَا يَمِينٍ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَسَائِلِ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ امْرَأَتَانِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَقَوْلُهُ: يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ إلَخْ أَيْ فَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: أَوْ عَيْبِ فَرْجٍ، وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ لِوِلَادَةٍ فَقَطْ (قَوْلُهُ: لَا يَرْجِعُ لِلنَّسَبِ) أَقُولُ: بَلْ يَصِحُّ رُجُوعُهُ لَهُ، وَذَلِكَ فِي الْمَوْلُودِ الْمَيِّتِ يُقَالُ: ثَبَتَ النَّسَبُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَثَبَتَ الْإِرْثُ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ قَوْلَهُ، وَعَلَيْهِ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْإِرْثِ وَالنَّسَبِ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ لَهُ وَعَلَيْهِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ وَيُجْعَلَانِ رَاجِعَيْنِ لِقَوْلِهِ: النَّسَبُ، وَيَخُصُّ، قَوْلُهُ وَثَبَتَ الْإِرْثُ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: ضَمَانَ الْغَاصِبِ) أَيْ مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا (قَوْلُهُ: ضَمَانَ السَّارِقِ) أَيْ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَيْسَرَ مِنْ يَوْمِ الْأَخْذِ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ بِالْغُرْمِ (قَوْلُهُ: وَكَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ) أَيْ وَكَقَتْلِ عَبْدٍ عَبْدًا آخَرَ (قَوْلُهُ: عَلَى عَبْدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: شَهِدَ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدَ رَجُلٍ) الْمُرَادُ بِالرَّجُلِ سَيِّدُ الْعَبْدِ الَّذِي أَقَامَ الشَّاهِدَ أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَ حُكْمَ مَرَاتِبِ) أَيْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: وَثَبَتَ الْإِرْثُ إلَخْ أَيْ ذَكَرَ حُكْمَ بَعْضِ الْمَرَاتِبِ، وَقَوْلُهُ: ذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَتَمَامُهَا تَزْكِيَةُ الْعُدُولِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْخَرِطٌ) أَيْ أَنَّ مَا يَتَرَتَّبُ دَاخِلٌ فِي سِلْكِ مَا يُوجِبُ حُكْمًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ حُكْمًا غَيْرُ الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْمِلْكِيَّةُ كَمَا أَنَّ الْمَالَ فِي قَوْلِهِ وَكَقَتْلِ عَبْدٍ آخَرَ غَيْرَ الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْقَتْلُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ، وَالْمَالُ غَيْرُهُ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى الشَّهَادَةِ حُكْمًا غَيْرَ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي السَّرِقَةِ: إنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعَدْلَيْنِ، وَالضَّمَانُ الثَّابِتُ ضَمَانُ الْغَصْبِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعِي الْعُسْرَ وَالْيُسْرَ كَمَا يَأْتِي كَانَ الثَّابِتُ حُكْمًا غَيْرَ الْمَشْهُودِ بِهِ (قَوْلُهُ: مَا يُوجِبُ حُكْمًا) أَيْ الَّذِي هُوَ الْحَيْلُولَةُ (قَوْلُهُ: كَغَيْرِهَا إنْ طَلَبَتْ) أَيْ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِغَلْقٍ كَالدَّارِ وَمَنْعِ الْمُكْتَرِي مِنْ حَرْثِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: طَلَبَتْ الْحَيْلُولَةَ أَمْ لَا)
ادَّعَتْ الْأَمَةُ الْحُرِّيَّةَ أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ مِلْكَهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَالشَّامِلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مَأْمُونًا فَلَا حَيْلُولَةَ وَعَلَيْهِ قَرَّرَهُ شَمْسُ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا غَيْرَ الْأَمَةِ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ عَدْلًا أَوْ أَقَامَ اثْنَيْنِ يُزَكَّيَانِ فَإِنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إنْ طُلِبَتْ الْحَيْلُولَةُ، وَإِلَّا فَلَا فَضَمِيرُ طَلَبَتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ عَائِدٌ عَلَى الْحَيْلُولَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ حِيلَتْ، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ ضَمِيرٌ مُؤَنَّثٌ مُتَّصِلٌ فَالتَّأْنِيثُ وَاجِبٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ طُلِبَ بِتَرْكِ التَّاءِ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ مُذَكَّرًا عَائِدًا عَلَى الْمَنْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْحَيْلُولَةِ أَوْ رَاجِعًا لِلْمُدَّعَى لَكِنَّهُ يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَقَوْلُهُ:(بِعَدْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ يُزَكَّيَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِحِيلَتْ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ وَحِيلَتْ أَمَةٌ إلَخْ بِسَبَبِ إقَامَةِ عَدْلٍ يَشْهَدُ لِمُدَّعِي مَا ذُكِرَ أَوْ اثْنَيْنِ مَجْهُولَيْنِ يُزَكَّيَانِ بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ يَحْتَاجَانِ لِلتَّزْكِيَةِ.
(ص) وَبِيعَ مَا يَفْسُدُ وَوُقِفَ ثَمَنُهُ مَعَهُمَا (ش) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَرْجِعُ لِلشَّاهِدَيْنِ الْمَجْهُولَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْتَاجَانِ لِلتَّزْكِيَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا فِي شَيْءٍ مِمَّا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ وَرَطْبِ الْفَوَاكِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنْ ضَاعَ أَوْ تَلِفَ كَانَتْ مُصِيبَتُهُ مِمَّنْ قَضَى لَهُ بِهِ وَبِعِبَارَةٍ مُتَعَلِّقُ وُقِفَ مَحْذُوفٌ، وَقَوْلُهُ: مَعَهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِ " بَيْعُ "، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَبِيعَ مَعَ شَهَادَتِهِمَا وَوُقِفَ ثَمَنُهُ بِيَدِ عَدْلٍ
(ص) بِخِلَافِ الْعَدْلِ فَيَحْلِفُ وَيَبْقَى بِيَدِهِ (ش) يَعْنِي لَوْ أَقَامَ عَدْلًا يَشْهَدُ فِي شَيْءٍ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الْعَدْلِ لِأَجْلِ إقَامَةِ ثَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ تَرَكَ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَبْقَى الشَّيْءُ الْمُدَّعَى فِيهِ بِيَدِهِ فَإِنْ نَكَلَ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِالنُّكُولِ وَالشَّاهِدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ يَبْقَى بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِيَّةِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَيَضْمَنُهُ لِلْمُدَّعِي إنْ أَتَى بِالشَّاهِدِ الثَّانِي وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُتْرَكُ بِيَدِهِ حَوْزًا فَيَضْمَنُهُ، وَلَوْ هَلَكَ بِسَمَاوِيٍّ وَيَبْقَى بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ تَقْرِيرٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُبَعْ، وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ كَمَا فِي الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْتَاجَانِ لِتَزْكِيَةٍ بَلْ جُعِلَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ حَلِفِهِ؛ لِأَنَّ مُقِيمَ الْعَدْلِ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا صَارَ كَأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ يَحْتَاجَانِ لِتَزْكِيَةٍ وَمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ أَنَّ مَوْضُوعَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ إلَخْ هُوَ مَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَأَبُو حَفْصٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا إنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ الْآنَ لِأَنِّي أَرْجُو شَاهِدًا ثَانِيًا، وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ حَلَفْت فَإِنَّ الْمُدَّعَى فِيهِ يُبَاعُ وَيُوقَفُ ثَمَنُهُ بِيَدِ عَدْلٍ كَمَا فِي الْأُولَى.
(ص) وَإِنْ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ أَوْ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ، وَإِنْ لَمْ تَقْطَعْ وَضَعَ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى بَلَدٍ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى عَيْنِهِ أُجِيبَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا بِيَدِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ دَابَّةً أَوْ عَبْدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا عَدْلًا وَأَبَى مِنْ الْحَلِفِ مَعَهُ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ تَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ، وَالْحَالُ أَنَّهَا لَمْ تَقْطَعْ بِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ حَقُّهُ بِأَنْ قَالَتْ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ ذَهَبَ لَهُ عَبْدٌ مَثَلًا مِثْلُ هَذَا وَسَأَلَ الْمُدَّعِي وَضْعَ قِيمَةِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ لِيَذْهَبَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ إلَى بَلَدٍ لَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
هَذَا مَعْنَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِظَاهِرِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: ادَّعَتْ الْأَمَةُ الْحُرِّيَّةَ) أَيْ عَلَى تَقْرِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ مِلْكَهَا عَلَى تَقْرِيرِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ تَقْرِيرُهُ مَعَ تَقْرِيرِ تِلْمِيذِهِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ) وَكَذَلِكَ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَدَمُ حَيْلُولَةِ الْمَأْمُونِ، وَلَوْ سَافَرَ بِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَاعِلَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ نَائِبُ الْفَاعِلِ أَيْ إنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي الْحَيْلُولَةَ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعِي، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَنْعِ فَهُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: أَوْ اثْنَيْنِ) وَمِثْلُهُمَا بَيِّنَةُ سَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ ثِقَاتٍ (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِحِيلَتْ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ يُقَدِّمْهُ عَلَى التَّشْبِيهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ قَصْرُ الْعَدْلِ، وَمَا بَعْدَهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْكَافِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي التَّشْبِيهِ التَّمَامَ لَكِنَّ تَأْخِيرَهُ عَنْهَا يَقْتَضِي رُجُوعَهُ لِمَا بَعْدَهَا عَلَى قَاعِدَتِهِ الْأَغْلَبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَوُقِفَ ثَمَنُهُ مَعَهُمَا) أَقُولُ: وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا يَحْتَاجُ لِلتَّزْكِيَةِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ) أَيْ قَبْلَ تَزْكِيَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْمُقَامَيْنِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْقَاضِي) أَيْ وَالْقَاضِي إمَّا أَنْ يَضَعَهُ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ تَحْتَ يَدِ عَدْلٍ يَنْظُرُهُ فَلَا تُخَالِفْ الْعِبَارَةَ الْآتِيَةَ.
(قَوْلُهُ: يَشْهَدُ فِي شَيْءٍ) أَيْ مِمَّا يَسْرُعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ (قَوْلُهُ: وَيَضْمَنُهُ لِلْمُدَّعِي) أَيْ، وَلَوْ هَلَكَ بِسَمَاوِيٍّ (قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُتْرَكُ بِيَدِهِ حَوْزًا إلَخْ) أَقُولُ: كَيْفَ يُعْقَلُ هَذَا، وَالْفَرْضُ أَنَّ ذَلِكَ يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ؛ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَ عج أَنَّهُ يَبْقَى بِيَدِهِ مِلْكًا لَا حَوْزًا (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) كَانَ الْأَوْلَى الْإِضْمَارَ، وَيَبْقَى بِيَدِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ) هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَبِعْ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى إشْكَالٍ وَجَوَابُهُ: وَنَصُّ الْإِشْكَالِ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ لَمَّا وُقِفَ مَعَ الْوَاحِدِ وُقِفَ مَعَ الِاثْنَيْنِ فَمَا الْفَرْقُ فَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ مُقِيمَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ قَادِرٌ عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ بِيَمِينِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ سَأَلَ ذُو الْعَدْلِ) وَمِثْلُهُ مُقِيمٌ مَجْهُولَيْنِ يَحْتَاجَانِ لِتَزْكِيَةٍ (قَوْلُهُ: أُجِيبَ) أَيْ وُجُوبًا أَيْ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ لِئَلَّا يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي مِنْهُ الْبَيِّنَةُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ ذَهَبَ لَهُ عَبْدٌ) أَيْ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ هَذَا وَاَلَّتِي قَطَعَتْ هِيَ الَّتِي تَقُولُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا عَبْدُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ نَائِبِهِ) أَيْ أَوْ بِيَدِ عَدْلٍ بِإِذْنِ
فِيهَا بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ لَهُ عَلَى عَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى سُؤَالِهِ، وَيُمَكَّنُ مِنْ الذَّهَابِ بِهِ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي طَلَبَهُ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ تَقْطَعْ وَاوُ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا إذَا قَطَعَتْ بِأَنْ قَالَتْ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا عَبْدُهُ فَيَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ وَيُمْكِنُ إبْقَاءُ الْوَاوِ عَلَى حَالِهَا لِلْمُبَالَغَةِ، وَيَكُونُ مَا قَبْلَهَا حَيْثُ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ حَائِزٍ أَوْ بِيَدِهِ، وَلَمْ يَحْلِفْ الطَّالِبُ مَعَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ بِهِ أَيْ سَمَاعًا فَاشِيًا بِشَرْطِهِ بِأَنْ يَكُونَ سَمَاعًا فَاشِيًا، وَلَمْ يَكُنْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ حَائِزٍ وَحَلَفَ مَعَهَا.
(ص) لَا إنْ انْتَفَيَا وَطَلَبَ إيقَافَهُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ بِكَيَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ بَيِّنَةً حَاضِرَةً أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ بِهِ فَيُوقَفُ وَيُوَكَّلُ بِهِ فِي كَيَوْمٍ (ش) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَرْجِعُ لِلْعَدْلِ وَلِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ أَيْ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي عَدْلًا، وَلَا شَهَادَةَ سَمَاعٍ وَطَلَبَ إيقَافَ الْعَبْدِ أَوْ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَطَلَبَ وَضْعَ قِيمَتِهِ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إضْرَارَ الْمَالِكِ وَإِبْطَالَ مَنْفَعَةِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ تَشْهَدُ لِي بِمَا ادَّعَيْت بِهِ أَوْ قَالَ: عِنْدِي بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ وَيُوَكِّلُ الرَّسُولَ بِحِفْظِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ جَاءَ الْمُدَّعِي بِمَا قَالَ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا قَالَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُحَلِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ مِنْ غَيْرِ كَفِيلٍ.
(ص) وَالْغَلَّةُ لِلْقَضَاءِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْغَلَّةَ تَكُونُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ مِنْهُ وَأَمَّا النَّفَقَةُ عَلَى الْمُدَّعَى فِيهِ مِنْ يَوْمِ الدَّعْوَى إلَى يَوْمِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَ كَشَفَ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقَاضِي (قَوْلُهُ: فَيَكْفِي) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَاجُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ) أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا عَيَّنَتْهُ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ مَا قَبْلَهَا) أَيْ هَذَا إذَا قَطَعَتْ بِأَنْ قَالَتْ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا عَبْدُهُ بَلْ، وَإِنْ لَمْ تَقْطَعْ أَيْ وَيُحْمَلُ مَا قَبْلَهَا عَلَى مَا إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ السَّمَاعِ وَهُمَا الْحَلِفُ وَأَنْ لَا يَكُونَ بِيَدِ حَائِزٍ (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ حَائِزٍ) ، وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا قَطَعَتْ بِأَنْ قَالَتْ: إنَّهُ عَبْدُ زَيْدٍ، وَالْحَالُ أَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ خَالِدٍ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ أَمَّا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِ رَبِّهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدٍ وَقَطَعَتْ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ، وَحَلَفَ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ هَذَا حَاصِلُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ الْجَزْمُ بِالْمَشْهُودِ بِهِ، وَعَدَمُ الْقَطْعِ هُوَ غَلَبَةُ ظَنِّهِمْ بِذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُهُ عَيَّنَهُ أَوْ مَثَّلَهُ فَلَا تَعَلُّقَ لَنَا بِهِ بَلْ الْمَوْضُوعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهَا لَمْ تُعَيِّنْهُ لَكِنْ تَارَةً تَجْزِمُ بِذَهَابِ عَبْدٍ لَهُ وَتَارَةً لَا، وَلَوْ عَيَّنَتْهُ قُبِلَتْ فِي كِلَا الْقِسْمَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَفَادَ ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: بِيَدِ حَائِزٍ) أَيْ غَيْرِ الْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِيَدِهِ أَيْ بِيَدِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ الطَّالِبُ فَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْلِفْ أَيْ الطَّالِبُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ حَائِزٍ) وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ لَا يُنْزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى لَوْ طَلَبَ وَضْعَ قِيمَتِهِ وَيَذْهَبُ بِهِ لِبَلَدٍ لِيَشْهَدَ لَهُ عَلَى عَيْنِهِ لَا يُجَابُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُجَابُ مَعَ الْعَدْلِ أَوْ بَيِّنَةِ السَّمَاعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِمَا) الْمُرَادُ أَوْ نَحْوِهِمَا كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ، وَصَرَّحَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ، وَأَقُولُ: إذَا كَانَ الْحَالُ كَذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لِلْكَافِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُجَابُ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ فَأَوْلَى الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ: بَيِّنَةً حَاضِرَةً إلَخْ) أَيْ بِالْبَلَدِ كَمَا فِي شَرْحِ عب (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ عِنْدِي بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ) أَيْ السَّمَاعِ الْحَاضِرِ كَمَا أَفَادَهُ عج صَرِيحًا وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ شُيُوخِنَا وَغَيْرِهِمْ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ ابْنُ فُجْلَةَ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً وَسَلَّمَهُ لَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَيُوَكِّلُ الرَّسُولَ بِحِفْظِهِ) أَيْ بِحِفْظِ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ فَقَدْ قَالَ اللَّقَانِيِّ: وَيُوَكِّلُ بِهِ أَيْ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِالْمُدَّعَى فِيهِ أَيْ يُوَكِّلُ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُدَّعِيَ بِبَيِّنَةٍ أَقُولُ: حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْإِتْيَانُ بِالْعَدْلِ وَالسَّمَاعِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَشْهَدْ عَلَى عَيْنِهِ وَطَلَبَ إيقَافَهُ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَتِهِ الَّتِي عَلَى يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى بَيِّنَةً حَاضِرَةً بِالْبَلَدِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى الْإِيقَافِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ قَوْلُهُ: وَيُوَكِّلُ بِهِ فِي كَيَوْمٍ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ سَمَاعًا حَاضِرًا، وَمَعْنَى يَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِأَنْ تَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ بِأَنْ تَقُولَ هَذَا عَبْدُ فُلَانٍ فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ سَمَاعًا حَاضِرًا فَلَا يَأْتِي قَوْلُهُ: وَيُوَكِّلُ بِهِ فِي كَيَوْمٍ كَمَا لَمْ يَأْتِ فِي قَوْلِهِ بَيِّنَةً حَاضِرَةً وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ ذَكَرَ خِلَافَهُ فَقَالَ: وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً وَسَلَّمَهُ قَائِلًا فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى بَيِّنَةً عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ وَجَعَلُوهُ هُنَا يُجَابُ مَعَ أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الْبَيِّنَةِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَحْتَاجُ لِتَزْكِيَةٍ، وَقَدْ يُجَرَّحُ فِيهَا بِخِلَافِ السَّمَاعِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ؛ فَلِذَلِكَ أُجِيبَ فِي السَّمَاعِ، وَلَمْ يُجَبْ فِي الْبَيِّنَةِ اهـ.
ثُمَّ أَقُولُ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً يَتَّكِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي كَيَوْمٍ فَإِنَّ غَايَةَ مَا تُدْخِلُ الْكَافُ يَوْمًا فَالْجُمْلَةُ يَوْمَانِ فَلَا بُعْدَ وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ وَيَزُولُ بِهِ التَّعَبُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ: حَاضِرَةً وَمِثْلُهَا مَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِنْ بِكَيَوْمَيْنِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ سَمَاعًا أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لَكِنْ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ كَيَوْمَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُوَكِّلُ بِهِ فِي كَيَوْمٍ، وَيَكُونُ مُرْتَبِطًا بِقَوْلِهِ أَوْ سَمَاعًا يَثْبُتُ بِهِ فَقَطْ وَيَسْأَلُ حِينَئِذٍ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيِّنَةِ وَالسَّمَاعِ فَقَدْ قُلْتُمْ إنَّ السَّمَاعَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ يُجَابُ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَلَا يُغْتَفَرُ إلَّا مَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ
مِنْ يَوْمِ الْإِيقَافِ وَأَمَّا النَّفَقَةُ فِي ذَهَابِهِ إلَى مَوْضِعِ الْبَيِّنَةِ فَعَلَى الذَّاهِبِ بِهِ وَبِعِبَارَةٍ: وَالنَّفَقَةُ أَيْ فِي زَمَنِ الْإِيقَافِ، وَمِنْهُ زَمَنُ الذَّهَابِ بِالْعَبْدِ لِبَلَدٍ يَشْهَدُ فِيهِ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَأَمَّا قَبْلَ الْإِيقَافِ فَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ كَمَا أَنَّ لَهُ الْغَلَّةَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَالنَّفَقَةُ إلَخْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ غَلَّةٌ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(ص) وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ بِلَا يَمِينٍ (ش) الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تَارَةً تَكُونُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ وَتَارَةً تَكُونُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ غَيْبَةً بَعِيدَةً وَتَارَةً تَكُونُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ وَبَدَأَ بِالْأُولَى وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ جَائِزَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ كِتَابَتُهُ فَإِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى خَطِّ شَخْصٍ فِي وَرَقَةٍ مَكْتُوبَةٍ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ كَالشَّهَادَةِ عَلَى اللَّفْظِ وَلَوْ شَهِدَ عَدْلٌ وَاحِدٌ حَلَفَ الطَّالِبُ وَاسْتَحَقَّ فَالضَّمِيرُ فِي جَازَتْ لِلشَّهَادَةِ أَيْ أَدَاؤُهَا، وَقَوْلُهُ: عَلَى خَطِّ مُقِرٍّ أَيْ مَنْ كَانَ مُقِرًّا وَأَمَّا الْآنَ فَهُوَ مُنْكِرٌ أَوْ سَمَّاهُ مُقِرًّا بِاعْتِبَارِ خَطِّهِ إذْ فِيهِ أَقَرَّ فُلَانٌ أَنَّ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ كَذَا مَثَلًا، وَقَوْلُهُ: بِلَا يَمِينٍ أَيْ مُتَمِّمَةٍ لِلنِّصَابِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ وَأَمَّا مَعَ الشَّاهِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ مُتَمِّمَةٍ لِلنِّصَابِ وَأَمَّا يَمِينُ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ وَلَا أَبْرَأَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ إلَّا عَدْلَانِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الْوَاحِدِ كَالنَّقْلِ عَنْهُ، وَلَا يَنْقُلُ عَنْهُ إلَّا اثْنَانِ، وَلَوْ فِي الْمَالِ كَمَا صَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ ثَابِتًا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ الَّتِي هِيَ أَقْوَى فَأَوْلَى أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ الَّتِي هِيَ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ لَكِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى خَطِّ كُلِّ شَاهِدٍ شَاهِدَانِ كَمَا يَأْتِي فِي شَهَادَةِ النَّقْلِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ بِلَا يَمِينٍ أَيْ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَحْلِفُ يَمِينَ الْقَضَاءِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ بِخَطِّهِ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا فِي بَعْضِ صُوَرِهِ، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إلَّا مِنْ الْفَطِنِ الْعَارِفِ بِالْخُطُوطِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ قَدْ أَدْرَكَ ذَا الْخَطِّ.
(ص) وَخَطِّ شَاهِدٍ مَاتَ أَوْ غَابَ بِبُعْدٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْمَيِّتِ جَائِزَةٌ بِشُرُوطِهَا الْآتِيَةِ وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ جَائِزَةٌ بِشَرْطِ بُعْدِ الْغَيْبَةِ فَلَا تَجُوزُ فِي قُرْبِ الْغَيْبَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
يَوْمٍ فَقَطْ، وَيُقَالُ فِيهِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي أَبْدَاهُ عَلَى فَهْمِهِ وَظَهَرَ أَنَّ السَّمَاعَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ بِأَنْ تَقُولَ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا عَبْدُهُ، وَالسَّمَاعُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ بَيِّنَةٌ سَمِعْت سَمَاعًا لَا يَثْبُتُ بِهِ بِأَنْ تَقُولَ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ هَرَبَ لَهُ عَبْدٌ مِثْلُ هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ لَا مَحِيصَ عَنْهُ فَاحْفَظْهُ فَإِنْ قُلْت لَا حَاجَةَ لِوَضْعِ الْقِيمَةِ مَعَ كَوْنِ الْعَبْدِ بَاقِيًا عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَمْ يَأْخُذْهُ قُلْت إنَّمَا اُحْتِيجَ لِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ هُرُوبِ الْعَبْدِ، وَلَا يَأْتِي بِبَيِّنَةٍ فَيَضِيعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الرَّسُولُ يُوَكِّلُهُ بِحِفْظِهِ فِي الْيَوْمِ وَنَحْوِهِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَيِّنَةِ حَاضِرَةً بِالْبَلَدِ بَلْ مَتَى كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَدَارُ عَلَى الْبَيِّنَةِ كَانَتْ حَاضِرَةً أَمْ لَا قُلْت: غَيْبَةُ الْبَيِّنَةِ مَظِنَّةُ الطُّولِ فَيَحْصُلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الضَّرَرُ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَى الذَّاهِبِ بِهِ) وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِهِ إلَّا الْمُدَّعِي أَيْ فَالنَّفَقَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْمُدَّعِي وَقَعَ الْقَضَاءُ لَهُ أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَظْهَرُ بِذَلِكَ مُغَايَرَةُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِمَا بَعْدَهَا، وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْآتِيَةُ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُهُمْ، وَقَوْلُهُ: أَيْ فِي زَمَنِ الْإِيقَافِ، وَهُوَ مِنْ يَوْمِ الدَّعْوَى إلَى يَوْمِ الْقَضَاءِ فَالتَّخَالُفُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي نَفَقَةِ الذَّهَابِ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ تَلَامِذَةِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي الْإِيقَافِ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِهِ أَيْ، وَأَمَّا قَبْلَ الْإِيقَافِ فَالْغَلَّةُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا فِيهِ حَيْلُولَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَالْغَلَّةُ أَبَدًا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ بِهَا لِلطَّالِبِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: النَّفَقَةُ وَالْغَلَّةُ لِمَنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ، وَقِيلَ لِمَنْ يُقْضَى لَهُ بِهِ، وَالتَّفْصِيلُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ قَالَ: وَمَذْهَبُ الْكِتَابِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْغُنْمُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ جَوَابًا عَنْ الْإِشْكَالِ وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الْعَبْدَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فِيهَا اهـ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا أَنَّ لَهُ الْغَلَّةَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَيْ قَبْلَ الْإِيقَافِ.
(قَوْلُهُ: وَجَازَتْ عَلَى خَطِّ إلَخْ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْخَطِّ (قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حُكِمَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَهَلْ ذَلِكَ بِيَمِينٍ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا: يُحْكَمُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ مَعَهَا، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يُنَزَّلُ الشَّاهِدَانِ عَلَى خَطِّهِ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدِ فَقَطْ لِضَعْفِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ (قَوْلُهُ: حَلَفَ الطَّالِبُ وَاسْتَحَقَّ) سَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا إذَا شَهِدَ عَلَى الْخَطِّ شَاهِدَانِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا مَعَ يَمِينٍ فَيُكَرَّرُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْأَخِيرَةِ.
(تَنْبِيهٌ) : الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ يُنْتَزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ فَهِيَ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ) أَيْ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ الشَّاهِدَيْنِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْغَائِبِ) أَيْ غَيْبَةً بَعِيدَةً، وَقَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الصُّوَرِ) ، وَهُوَ مَا إذَا غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً، وَالْقَرِيبَةُ كَالْحَاضِرِ.
(قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ فِي قُرْبِ الْغَيْبَةِ إلَخْ) فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْغَيْبَةُ قِسْمَانِ فَقَطْ قَرِيبَةٌ، وَهِيَ مَا لَا يَنَالُ الشَّاهِدَ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَالْبَعِيدَةُ بِخِلَافِهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْبَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ، وَجَهْلُ الْمَوْضِعِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَعِيدَةِ كَمَا اُسْتُظْهِرَ.
وَهُوَ مَا لَا يَنَالُ الشَّاهِدَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَجَهْلُ الْمَكَانِ بِمَنْزِلَةِ الْبُعْدِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا بُعْدُ الْغَيْبَةِ وَلَيْسَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ كَالنَّقْلِ عَنْ الْمَرْأَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْقُلُ عَنْهَا وَلَوْ لَمْ تَغِبْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ ضَعِيفَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهَا.
(ص) وَإِنْ بِغَيْرِ مَالٍ فِيهِمَا (ش) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَرْجِعُ لِمَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ وَالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا.
(ص) إنْ عَرَفْته كَالْمُعَيَّنِ وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ مَشْهَدَهُ وَتَحَمَّلَهَا عَدْلًا (ش) هَذَا شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ شُرُوطِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ أَيْ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ الْغَائِبِ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ الْمَيِّتِ مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمُسْتَنَدِ رِيبَةٌ مِنْ مَحْوٍ أَوْ كَشْطٍ، وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمِنْهَا أَنْ تَعْرِفَ الشُّهُودُ الْخَطَّ مَعْرِفَةً تَامَّةً لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا رِيبَةَ أَيْ تَعْرِفُهُ كَالْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ ثِيَابٍ وَغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَطْعِ، وَمِنْهَا أَنْ تَعْرِفَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَطِّ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَيْ يَعْرِفُ نَسَبَهُ أَوْ عَيْنَهُ فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تَشْهَدْ عَلَى خَطِّهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ، وَمِنْهَا أَنْ تَعْرِفَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْخَطِّ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خَطِّهِ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَوَضَعَ خَطَّهُ، وَهُوَ عَدْلٌ وَاسْتَمَرَّ عَدْلًا لِمَوْتِهِ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: إنْ عَرَفْته بِاعْتِبَارِ الْخَطِّ، وَقَوْلُهُ: كَالْمُعَيَّنِ أَيْ مَعْرِفَةً لَا شَكَّ فِيهَا حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهَا كَالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ الْمَوْجُودِ الْآنَ بِأَنْ تَتَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّ فُلَانٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى الْهَاءِ فِي عَرَفْته.
(ص) لَا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ (ش) هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ عَرَفَهُ حَتَّى يَذْكُرَ الْقَضِيَّةَ كُلَّهَا أَوْ حَتَّى يَذْكُرَ بَعْضَهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْهُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا عَلَى مَا عَلِمَ وَلَا يَنْتَفِعُ الطَّالِبُ بِهَا بِأَنْ يَقُولَ لِلْحَاكِمِ هَذِهِ شَهَادَتِي بِيَدِي، وَلَا أَذْكُرُهَا فَقَوْلُهُ: لَا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ الْمَعْطُوفِ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ أَيْ لَا تَنْفَعُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ وَلَمَّا حَذَفَ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ أَتَى مَكَانَ الضَّمِيرِ بِظَاهِرٍ، وَفَائِدَةُ التَّأْدِيَةِ احْتِمَالُ كَوْنِ الْقَاضِي يَرَى الْقَوْلَ بِأَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا إنْ وَجَدَ.
(ص) ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَخْصٍ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى خَطِّ الْمُقِرِّ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا خَطُّ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ فِي مَالٍ وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَشْهَدُ عَلَى خَطِّهِ، وَهُوَ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى.
(قَوْلُهُ أَيْ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ) لَا مَفْهُومَ لِلشَّاهِدِ بَلْ الْمُقِرُّ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ يَقُولُ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَذِرًا عَنْهُ فَلَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ تَعْرِفَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْخَطِّ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَرَفَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْخَطِّ كَانَ لَا يَضَعُ خَطَّهُ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَهُ بِالْعَيْنِ أَوْ النَّسَبِ فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ تَشْهَدْ عَلَى خَطِّهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ وَاعْتُرِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ لَا تَجُوزُ؛ إذْ هِيَ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَهَذَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَهَذَا فِيهِ تَضْيِيقٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِذَلِكَ، وَيُحْمَلُ الْعَدْلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ شَهَادَتَهُ إلَّا عَنْ مَعْرِفَةٍ، وَإِلَّا كَانَ شَاهِدًا بِزُورٍ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَدْلٌ، وَبِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِقَفْصَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ.
وَكَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَوَضَعَ خَطَّهُ) أَيْ وَتَعْرِفُ أَنَّهُ وَضَعَ خَطَّهُ، وَهُوَ عَدْلٌ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ كَلَامٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ) أَيْ الشَّهَادَةُ بِمَا تَضَمَّنَهُ خَطُّ نَفْسِهِ مُعْتَمِدًا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ فَالْمَشْهُودُ بِهِ إنَّمَا هُوَ مَا تَضَمَّنَهُ خَطُّهُ لَا أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى أَنَّ هَذَا خَطُّهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَذْكُرَ الْقَضِيَّةَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا بِتَمَامِهَا خِلَافًا لِلشَّارِحِ فَإِنَّهُ تَبِعَ اللَّخْمِيَّ ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: إنْ عَرَفَ خَطَّهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ، وَلَا شَيْئًا مِنْهَا، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَحْوٌ، وَلَا رِيبَةٌ فَلْيَشْهَدْ، وَبِهِ أَخَذَ مُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ فِي نَوَازِلِهِ مُطَرِّفٌ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ؛ إذْ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ نِسْيَانِ الشَّاهِدِ الْمُنْتَصِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَذْكُرَهَا لَمَا كَانَ لِوَضْعِ شَهَادَتِهِ فَائِدَةٌ اهـ أَقُولُ: وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ خُصُوصًا فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي كَثُرَ فِيهَا شَغْلُ الْبَالِ، وَكَثْرَةُ النِّسْيَانِ مِنْ كَثْرَةِ الْهُمُومِ، وَإِلَّا ضَاعَتْ الْحُقُوقُ (قَوْلُهُ: وَلَمَّا حَذَفَ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الشَّهَادَةُ (قَوْلُهُ: أَتَى مَكَانَ الضَّمِيرِ بِظَاهِرٍ) ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَأَدَّى الشَّهَادَةَ أَيْ، وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَذْكُورِ وَارْتَكَبَ ذَلِكَ التَّكَلُّفَ لِصِحَّةِ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: يَرَى الْقَوْلَ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا لِإِمَامٍ يَرَى النَّفْعَ دَائِمًا أَوْ يَكُونُ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا لَمْ يَرَ النَّفْعَ ثُمَّ يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إلَى النَّفْعِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا وَيَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَا يَرَى النَّفْعَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الطَّرَفِ الْأَوَّلِ كَفَى؛ لِأَنَّ هَذَا الرَّأْيَ صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى عَيْنِهِ) تَفْرِيغٌ فِي الْأَحْوَالِ أَيْ لَا يَعْرِفُهُ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ تَعَيُّنِهِ بِشَخْصِهِ وَحِلْيَتِهِ فَلَيْسَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى حَالًا مِنْ ذَاتٍ (تَنْبِيهٌ) : وَمِثْلُ مَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ مَنْ يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَتَعَدَّدَ، وَأُرِيدَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَدِّدِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ غَيْرِهِ فَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّ لِزَيْدٍ بِنْتَيْنِ إحْدَاهُمَا فَاطِمَةُ وَالْأُخْرَى زَيْنَبُ وَأَرَادَ الشَّهَادَةَ عَلَى إحْدَاهُمَا وَكَانَ
لَا يَعْرِفُ نَسَبَهُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ الْمُعَيَّنَةِ بِصِفَةِ شَخْصِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اسْمَ غَيْرِهِ عَلَى اسْمِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْحِلْيَةُ بِحَيْثُ يَبْقَى الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ.
(ص) وَلْيُسَجِّلْ مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا ابْنَةُ فُلَانٍ (ش) أَيْ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى عَيْنِ امْرَأَةٍ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ نَسَبِهَا بِدَيْنٍ، وَقَالَتْ: إنَّهَا ابْنَةُ فُلَانٍ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُسَجِّلَ أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ، وَإِنَّمَا يُسَجِّلُ مَنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الرَّجُلِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الصِّفَةِ فِي ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْعَيْنِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ زَعَمَتْ وَكَذَلِكَ مَنْ ذَكَرَتْ مَنْ قَالَتْ أَوْ مَنْ زَعَمَ مَنْ قَالَ وَإِنَّمَا خَصَّ النِّسَاءَ؛ لِأَنَّهُنَّ اللَّاتِي يَغْلِبُ فِيهِنَّ ذَلِكَ.
(ص) وَلَا عَلَى مُنْتَقِبَةٍ لِتَتَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُنْتَقِبَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْ وَجْهِهَا وَيَعْرِفَهَا الشُّهُودُ مَعْرِفَةً تَامَّةً لِأَجْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا فَقَوْلُهُ، وَلَا عَلَى مُنْتَقِبَةٍ تَحَمُّلًا أَوْ أَدَاءً قَوْلُهُ: لِتَتَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْيِ لَا بِمُنْتَقِبَةٍ أَيْ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُنْتَقِبَةِ لِأَجْلِ أَنْ تَتَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ وَبِعِبَارَةِ التَّعْلِيلِ لِلنَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157]{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158] أَيْ انْتَفَى جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُنْتَقِبَةِ لِأَجْلِ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ لِلْأَدَاءِ وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يُعْرَفْ نَسَبُهَا، وَمَنْ فِي حُكْمِهَا كَمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ الَّتِي لَهَا أُخْتٌ فَأَكْثَرُ إذَا لَمْ تَتَمَيَّزْ عِنْدَ الشَّاهِدِ مِنْ مُشَارِكِهَا.
(ص) وَإِنْ قَالُوا: أَشْهَدَتْنَا مُنْتَقِبَةٌ وَكَذَلِكَ نَعْرِفُهَا قُلِّدُوا (ش) يَعْنِي أَنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا: شَهِدْنَا عَلَيْهَا فِي حَالِ انْتِقَابِهَا، وَلَا نَعْرِفُهَا إلَّا كَذَلِكَ، وَإِنْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا لَا نَعْرِفُهَا وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ يُقَلَّدُونَ فِي شَهَادَتِهِمْ إنْ كَانُوا عُدُولًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ فِي هَذَا فَقَوْلُهُ: قُلِّدُوا أَيْ وُكِلُوا إلَى دِينِهِمْ فِي تَعَيُّنِهَا، وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْأُولَى فَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِي الْأُولَى إذَا كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهَا مُنْتَقِبَةً، وَإِلَّا جَازَتْ، وَهِيَ هَذِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ (وَعَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا إنْ قِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا) أَنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ مَا قَبْلَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ قَدْ حُكِمَ فِيمَا قَبْلَهَا بِأَنَّهُمْ يُقَلَّدُونَ وَإِنَّمَا هِيَ إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ عَلَى عَيْنِ امْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَ نَسَبَهَا وَأَنْكَرَتْ وَكُلِّفُوا بِإِخْرَاجِهَا مِنْ بَيْنِ نِسْوَةٍ فَعَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا بِأَنْ يَقُولُوا هَذِهِ هِيَ الَّتِي أَشْهَدَتْنَا وَانْظُرْ نَصَّ الْمَوَّاقِ مَعَ تَأْوِيلِ عِبَارَتِهِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَعَلَيْهِمْ الضَّمَانُ إذَا لَمْ يُخْرِجُوهَا؛ لِأَنَّ عَلَى تُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
لَا يَعْرِفُ أَهِيَ فَاطِمَةُ أَمْ زَيْنَبُ فَإِنَّهُ لَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا إلَّا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا فَاطِمَةُ مَثَلًا، وَإِنْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ زَيْدٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهَا؛ وَلِذَا ذَكَرَ الْمَوَّاقُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا ابْنَةَ رَجُلٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُهَا شَهِدُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ فِيهَا ظَاهِرٌ بِالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اسْمَ غَيْرِهِ عَلَى اسْمِهِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَنَا زَيْدٌ، وَيَكُونُ فِي الْوَاقِعِ أَنَّهُ عَمْرٌو لَا زَيْدٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالْعَكْسِ مَعْنَاهُ أَوْ يَضَعُ اسْمَهُ بَدَلَ اسْمِ غَيْرِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ يَضَعُ اسْمَهُ بَدَلَ اسْمِ غَيْرِهِ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ تِلْكَ اللَّفْظَةِ ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ حِينَ التَّحَمُّلِ إذَا أَرَدْنَا بِالْوَضْعِ الْكَتْبَ، وَإِنْ أَرَدْنَا بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفِعْلَ وَالْكَتْبَ يَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ.
وَقَالَ عج ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَوَّاقِ أَنَّ هَذَا حِينَ الْأَدَاءِ وَيَحْتَمِلُ حِينَ التَّحَمُّلِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: بَعْدَهُ وَلْيُسَجِّلْ مَنْ زَعَمَتْ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَتِهَا حِينَ الْأَدَاءِ يَتَضَمَّنُ عَدَمَ مَعْرِفَتِهَا حِينَ التَّحَمُّلِ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهَا أَدَاءً وَتَحَمُّلًا، وَأَمَّا عَدَمُ مَعْرِفَتِهَا حِينَ التَّحَمُّلِ فَلَا يَتَضَمَّنُ عَدَمَ مَعْرِفَتِهَا حِينَ الْأَدَاءِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ مَعْرِفَةٌ بَعْدَ التَّحَمُّلِ.
(قَوْلُهُ: وَلْيُسَجِّلْ مَنْ زَعَمَتْ) وَفَائِدَةُ التَّسْجِيلِ الْمَذْكُورِ عَدَمُ ثُبُوتِ نَسَبِهَا بِذَلِكَ بَلْ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِ زَعَمَ، وَلَا مَنْ قَالَ فَذَلِكَ لَا يَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ بَلْ، وَلَا غَيْرِهِ فَإِذَا شَهِدَتْ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْعَالِمَ الْعَلَّامَةَ زَيْدَ بْنَ أَحْمَدَ الْمِصْرِيَّ اشْتَرَى كَذَا وَكَذَا فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا شَهَادَةً بِالشِّرَاءِ لَا بِالْعِلْمِ، وَلَا بِالنَّسَبِ، وَأَرَادَ بِالزَّعْمِ مُجَرَّدَ الْقَوْلِ كَانَ فِي الْوَاقِعِ مُحِقًّا أَوْ مُبْطِلًا (قَوْلُهُ: وَالشَّهَادَةُ عَلَى الصِّفَةِ) الْمُعْتَمَدُ فِيهَا عَلَى الصِّفَةِ بِأَنْ يَصِفَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى صِفَةَ امْرَأَةٍ ثَبَتَ عَلَيْهَا حَقٌّ فَيَعْتَمِدُ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْمَرْأَةِ) أَيْ تَحَمُّلًا فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: تَحَمُّلًا أَوْ أَدَاءً لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: تَتَعَيَّنُ لِلْأَدَاءِ يُفِيدُ قَصْرَهُ عَلَى التَّحَمُّلِ (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْيِ) أَيْ: وَهُوَ لَا؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الْمَعَانِي يَجُوزُ تَعَلُّقُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بِهَا (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ أَنْ تَتَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّهَا تَطْلُبُ أَنْ تَتَعَيَّنَ وَتَتَمَيَّزَ لِلْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِزَوَالِ النِّقَابِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ فِي حُكْمِهَا كَمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ) الْحَاصِلُ أَنَّهَا مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ أَيْ أَنَّهَا بِنْتُ عَمْرٍو، وَلَكِنْ لَا يَدْرِي هَلْ هِيَ زَيْنَبُ أَوْ فَاطِمَةُ، وَالْحَالُ أَنَّهَا تَقُولُ: أَنَا زَيْنَبُ لَكِنْ يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا وَكَذِبُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهَا.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْأُولَى) أَيْ أَوْ أَنَّك تَقُولُ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ أُمِرُوا أَوَّلًا أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَى الْمُنْتَقِبَةِ فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ قَلَّدُوا فِي ذَلِكَ، وَقُبِلَ قَوْلُهُمْ (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ نَصَّ الْمَوَّاقِ) عِبَارَتُهُ فِي ك وَفِي شَرْحِ هـ مَا نَصُّهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ مَا قَبْلَهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ حُكِمَ فِيمَا قَبْلَهَا بِأَنَّهُمْ يُقَلِّدُونَ، وَإِنَّمَا هِيَ إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ عَلَى عَيْنِ امْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَ نَسَبَهَا وَأَنْكَرَتْ وَكُلِّفُوا بِإِخْرَاجِهَا مِنْ بَيْنِ نِسْوَةٍ فَعَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا بِأَنْ يَقُولُوا هَذِهِ هِيَ الَّتِي أَشْهَدَتْنَا وَفَرَضَهَا الشَّارِحُ وَالْمَوَّاقُ فِيمَنْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا عَنْ مَعْرِفَتِهِمْ بِعَيْنِهَا وَنَسَبِهَا، وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ مَنْ شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ عَنْ مَعْرِفَةِ نَسَبِهَا بِأَنْ يَعْرِفُوا أَبَاهَا وَيَحْصُلَ لَهُمْ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا بِنْتُهُ بِخَبَرِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُمْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا قَوْلُهُ وَعَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا إنْ قِيلَ لَهُمْ أَخْرِجُوهَا نَعَمْ إنْ انْضَمَّ إلَى شَهَادَتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْتَاجُ لِلشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَشْهُودِ عَلَى
إلَّا الضَّمَانُ خِلَافًا لِبَعْضِ شُيُوخِ الزَّرْقَانِيِّ (تَذْنِيبٌ) أَشْعَرَ فَرْضُهَا فِي الْمَرْأَةِ أَنَّ الدَّابَّةَ وَالرَّقِيقَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ وَالرَّقِيقُ عَلَى مِثْلِهِ وَيُكَلَّفُ الشَّاهِدُ إخْرَاجَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ وَلَكِنْ إنْ كَانُوا عُدُولًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ.
(ص) وَجَازَ الْأَدَاءُ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ، وَإِنْ بِامْرَأَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا حَصَلَ لَهُ عِلْمٌ بِأَنَّهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ حِينَ التَّحَمُّلِ عَرَفَ نَسَبَهَا ثُمَّ نَسِيَهُ حِينَ الْأَدَاءِ فَيُؤَدِّي حَيْثُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِإِخْبَارِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَدْلَةٍ أَوْ لَفِيفٍ مِنْ النِّسَاءِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا حِينَ التَّحَمُّلِ فَهُوَ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ، وَلَا عَلَى مُنْتَقِبَةٍ لِتَتَعَيَّنَ لِلْأَدَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْأَدَاءَ عَلَى التَّحَمُّلِ، وَبِعِبَارَةٍ وَجَازَ الْأَدَاءُ إلَخْ وَكَذَلِكَ التَّحَمُّلُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ ذَاكَ فِيمَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهَا وَهَذَا فِيمَنْ يُعْرَفُ نَسَبُهَا ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ يَعْرِفُ نَسَبَهَا حِينَ الْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ حِينَ التَّحَمُّلِ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ لَهُ، فَمَنْ شَهِدَ عَلَى عَيْنِ امْرَأَةٍ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ نَسَبِهَا ثُمَّ عَرَفَهُ حِينَ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ لَهُ بِهَا، وَإِنْ بِامْرَأَةٍ (ص) لَا بِشَاهِدَيْنِ إلَّا نَقْلًا (ش) الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ إنْ حَصَلَ أَيْ إنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِشَاهِدَيْنِ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَا يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ إلَّا نَقْلًا عَنْهُمَا فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ فِي شَهَادَتِهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةِ النَّقْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ شَاهِدٍ آخَرَ إلَيْهِ، وَأَنْ يَقُولَا أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِنَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ أَدَائِهَا وَهَذَا حَيْثُ شَارَكَاهُ فِي عِلْمِ مَا يَشْهَدُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ نَقْلُهُ عَنْهُمَا.
(ص)
ــ
[حاشية العدوي]
ابْنَتِهِ بِحَقٍّ عَنْ مَعْرِفَةِ نَسَبِهَا إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ أَوْ مُتَعَدِّدَةٌ وَعَيَّنَتْ الْمَقْصُودَةَ بِاسْمِهَا وَلَيْسَ مِنْ أَخَوَاتِهَا مَنْ يُشَارِكُهَا فِي اسْمِهَا وَشَهِدُوا ذَلِكَ عَلَى عَيْنِهَا فَإِنَّهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا إنْ قِيلَ لَهُمْ عَيِّنُوهَا أَيْ لَا يُكَلَّفُونَ بِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً، وَلَمْ تَتَعَيَّنْ بِالِاسْمِ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ إخْرَاجَهَا، وَبِهِ يَصِحُّ كَلَامُ الْمَوَّاقِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِ شُيُوخِ الزَّرْقَانِيِّ) نَذْكُرُ لَك نَصَّ الزَّرْقَانِيِّ اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يُخْرِجُوهَا هَلْ عَلَيْهِمْ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي تَضْيِيعِ الْحَقِّ أَوْ لَا وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَدَمَ الضَّمَانِ قَالَ: لِأَنَّهُمْ بِمَثَابَةِ فَسَقَةٍ يَعْلَمُونَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهِدُوا بِحَقٍّ، وَلَمْ يَقْبَلْهُمْ الْحَاكِمُ عِنْدَ الْأَدَاءِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ فَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ الدَّابَّةُ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، وَلَا تُخْلَطُ بِغَيْرِهَا وَيُؤْمَرُوا بِإِخْرَاجِهَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَعَلَّ الْفَرْقَ إمْكَانُ التَّحْلِيلِ الْمُؤَدِّي لِلْخَفَاءِ فِي حَقِّ الْعَاقِلِ خَفَاءً تَامًّا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، وَالرَّقِيقُ مِثْلُهَا لَا يَأْتِي ذَلِكَ فِيهِمَا فَتَكْفِي الصِّفَةُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْمَجْمُوعَةِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ مَنْ ادَّعَى دَابَّةً أَوْ رَأْسًا مِنْ رَقِيقٍ لَا يُجْمَعُ لَهُ دَوَابُّ وَرَقِيقٌ وَيَدْخُلَانِ وَيُكَلَّفُ الشُّهُودُ إخْرَاجَهُمَا، وَحَاصِلُ كَلَامِ شَارِحِنَا أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِتَكْلِيفِ إخْرَاجِ الْمَرْأَةِ لَا يَقُولُ بِتَكْلِيفِ إخْرَاجِ الدَّابَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت بَلْ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ يَقُولُ كَذَلِكَ لَا يُكَلَّفُ فِي الْمَرْأَةِ وَاَلَّذِي يَقُولُ بِأَنَّهُ يُكَلَّفُ فِي الْمَرْأَةِ يَقُولُ كَذَلِكَ يُكَلَّفُ فِي الدَّابَّةِ.
(قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ) أَيْ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ صَبِيٍّ فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ فَلَا يَشْهَدُ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَدْلَانِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِلْمٌ بِإِخْبَارِهِمَا فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى إخْبَارِهِمَا حَتَّى يَعْلَمَ (قَوْلُهُ: أَوْ لَفِيفٍ) أَيْ جُمْلَةٍ مِنْ النِّسَاءِ لَمْ يَعْلَمْ عَدَالَتَهُنَّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ فَهُوَ مَا مَرَّ) فَلَا تَكْرَارَ أَقُولُ: وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَجَازَ الْأَدَاءُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهَا حِينَ التَّحَمُّلِ لَصَحَّ، وَلَا يَكُونُ تَكْرَارًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ وَجَازَ الْأَدَاءُ أَيْ وَكَذَا التَّحَمُّلُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَجَازَ الْأَدَاءُ هَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى التَّحَمُّلِ، وَلَا تَقْدِيرَ فِي الْعِبَارَةِ أَوْ يَبْقَى عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْعِبَارَةُ فِيهَا حَذْفٌ وَهَذِهِ هِيَ الْأَحْسَنُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) هَذَا السُّؤَالُ لَا حَاجَةَ لِإِيرَادِهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ حِينَ التَّحَمُّلِ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ قَرِيبًا، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْعِلْمُ بِنَسَبِهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا أَدَاءً أَوْ تَحَمُّلًا، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رُؤْيَةِ وَجْهِهَا وَمُرَاقَبَةِ صِفَتِهَا
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ يَحْصُلُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا إمَّا بِالتَّعْرِيفِ حَيْثُ حَصَلَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ أَوْ عَلَى عَيْنِهَا، وَأَمَّا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ حِينَ التَّحَمُّلِ حَصَلَ بِالتَّعْرِيفِ فَيُؤَدَّى بِهِ حَيْثُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُؤَدَّى عَلَى عَيْنِهَا، وَإِنْ حَصَلَ التَّحَمُّلُ عَلَى عَيْنِهَا فَإِنَّهُ يُؤَدَّى عَلَى عَيْنِهَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ عِلْمُهَا لَهُ بِالتَّعْرِيفِ، وَأَمَّا مَجْهُولَةُ النَّسَبِ فَلَا يَكُونُ التَّحَمُّلُ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا، وَأَمَّا الْأَدَاءُ فَيَكُونُ عَلَى عَيْنِهَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِلْمُهَا بِالتَّعْرِيفِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِشَاهِدَيْنِ إلَخْ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ بِتَعْرِيفِ شَاهِدَيْنِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَدَاءُ عَلَيْهِمَا عَلَى جِهَةِ النَّقْلِ بِتَعْرِيفِ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوَابَ فِي مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ حَصَلَ الْعِلْمُ أَيْ الثِّقَةُ بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ أَيْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الشَّهَادَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنْ اثْنَيْنِ ذَوَيْ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدَةٍ، وَاحْتُرِزَ عَمَّا إذَا كَانَتْ بِالْبَيِّنَةِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ نَقْلًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ لَا بِشَاهِدَيْنِ أَيْ أَتَى بِهِمَا الْمَشْهُودُ لَهُ يَشْهَدَانِ بِتَعْرِيفِهِمَا؛ وَلِذَا عَبَّرَ بِالشَّاهِدَيْنِ، وَإِلَّا لَقَالَ: لَا بِرَجُلَيْنِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَسْأَلَ هُوَ عَنْ ذَلِكَ فَيَحْصُلَ لَهُ الثِّقَةُ بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ فَيُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ لَا عَلَى جِهَةِ النَّقْلِ، وَبَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ أَيْ بِأَنْ أَتَى الْمَشْهُودُ لَهُ بِالشَّاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ بِتَعْرِيفِهِمَا، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مَا كَانَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَهِيَ الشَّهَادَةُ وَيَكْتَفِي بِهِ فِي التَّعْرِيفِ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّقْلِ
وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا عَنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ (ش) لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ شَرَعَ الْآنَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى السَّمَاعِ، وَلَمْ يُعَرِّفْهَا الْمُؤَلِّفُ، وَقَدْ حَدَّهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا لَقَبٌ لِمَا صَرَّحَ الشَّاهِدُ فِيهِ بِإِسْنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ فَالْبَتُّ بِقَوْلِهِ بِإِسْنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ وَالنَّقْلُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ جَائِزَةٌ، وَقَدْ تَجِبُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ كَذَا أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: السَّمَاعُ مِنْ غَيْرِ الْعُدُولِ سَمَاعًا فَاشِيًا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَيْ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مَظِنَّةُ الدَّفْعِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَبِهِ الْعَمَلُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ فَتُّوحٍ وَلَكِنَّ الْأَشْهُرَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَأَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ لَا لِمَنْعِ الْجَمْعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ إنَّمَا جَازَتْ لِلضَّرُورَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَشْهَدُ بِمَا تُدْرِكُهُ حَوَاسُّهُ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فَقَوْلُهُ: وَجَازَتْ أَيْ الشَّهَادَةُ، وَالْبَاءُ فِي بِسَمَاعٍ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ وَجَازَتْ الشَّهَادَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ سَمَاعٍ، وَلَا تَقُلْ وَجَازَتْ شَهَادَةُ السَّمَاعِ بِسَمَاعٍ لِئَلَّا يَكُونَ فِي الْكَلَامِ رَكَّةٌ.
(ص) بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ مُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا (ش) أَيْ تَجُوزُ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ بِالْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ حَائِزٌ مُدَّةً طَوِيلَةً مَعَ التَّصَرُّفِ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالطُّولِ هُنَا الطُّولَ الْآتِي، وَهُوَ عِشْرُونَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعُونَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ شُرُوطَ الْمِلْكِ الْخَاصَّةَ ثُمَّ إنَّهُ ذَكَرَ الشُّرُوطَ الْعَامَّةَ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية العدوي]
إلَّا أَنْ يَحْصُلَ بِهِ الْعِلْمُ بِأَنْ بَلَغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ فَلَا يَكُونُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِ النَّقْلِ.
(قَوْلُهُ: وَجَازَتْ بِسَمَاعٍ فَشَا) سَيَأْتِي إنْ طَالَ الزَّمَانُ، وَحَلَفَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَلَا رِيبَةَ وَشَهِدَ اثْنَانِ فَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ، وَلَا الْمَرْأَتَانِ (قَوْلُهُ: بِمَا صَرَّحَ الشَّاهِدُ) أَيْ صَرَّحَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا مَعًا بِأَنْ يَقُولَ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَّا أَنَّ عج صَرَفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَقَالَ: الْمُرَادُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يُصَرِّحُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ قَالُوا أَيْ فَلَا يَكْتَفِي بِالسَّمَاعِ مِنْ الْعُدُولِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ مِنْ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ فَقَوْلُهُ: السَّمَاعُ مِنْ غَيْرِ الْعُدُولِ أَيْ مَضْمُومًا لِلسَّمَاعِ مِنْ الْعُدُولِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَثْرَةَ الْحَاصِلَةَ بِانْضِمَامِ غَيْرِ الْعُدُولِ لِلْعُدُولِ، وَقَوْلُهُ: وَلَكِنَّ الْأَشْهَرَ إلَخْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا فِي اللَّفْظِ أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ أَوْ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ مِنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُتَبَادَرُ بِمُرَادٍ لَهُ بَلْ مُرَادُهُ عَلَى مَا قُلْنَا سَابِقًا أَنَّهُ يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَى أَحَدِهِمْ إمَّا الثِّقَاتِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظُوا
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي التَّرْجِيحِ فَذَكَرَ الْحَطَّابُ أَنَّ الرَّاجِحَ الِاكْتِفَاءُ بِالسَّمَاعِ مِنْ الثِّقَاتِ فَقَطْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَقَطْ وَذَكَرَ حُلُولُو أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ حَاصِلُ مَا فِي عج وَجَعَلَ اللَّقَانِيِّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ ضَعِيفًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ، وَلَا ذِكْرَ أَحَدِهِمَا فِي اللَّفْظِ بَلْ الْمُرَادُ الِاعْتِمَادُ إمَّا عَلَى السَّمَاعِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا أَوْ يُكْتَفَى بِالسَّمَاعِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُ عج رَاجِحًا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. الثَّانِي الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا مَعًا، وَأَمَّا اللَّقَانِيِّ فَضَعَّفَ ذَلِكَ وَجَعَلَ الرَّاجِحَ الِاكْتِفَاءَ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِمَادُ وَالذِّكْرُ بِاللَّفْظِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ عَلِمْت ذَلِكَ نَذْكُرُ لَكُمَا هُوَ الرَّاجِحُ وَالرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ النُّقُولُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِاللَّفْظِ بِأَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَيْطِيُّ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ تَصِحَّ، وَبِهِ الْعَمَلُ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: وَلَا تَقُلْ وَجَازَتْ شَهَادَةُ السَّمَاعِ بِسَمَاعٍ لِئَلَّا يَكُونَ فِي الْكَلَامِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْنَى صَحِيحٌ أَقُولُ: وَهُوَ كَذَلِكَ بِجَعْلِ الْبَاءِ سَبَبِيَّةً أَيْ وَجَازَتْ شَهَادَةُ السَّمَاعِ أَيْ جَازَ أَدَاؤُهَا بِسَبَبِ سَمَاعٍ، وَلَوْ جُعِلَتْ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ لَكَانَ الْمَعْنَى فَاسِدًا لَا أَنَّهُ رَكِيكٌ فَقَطْ فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرْته مِنْ جَعْلِ الْبَاءِ سَبَبِيَّةً صَحِيحٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ الرَّكَّةِ فِيهِ، قُلْت: لَعَلَّ وَجْهَ الرَّكَّةِ، وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْ ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّعْدِيَةِ فَتَأَمَّلْ وَكُنْت قَرَّرْت سَابِقًا أَنَّ الرَّكَّةَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ الْحَاصِلِ مِنْ تَكْرَارِ اللَّفْظِ.
(قَوْلُهُ: لِمَنْ هُوَ حَائِزٌ مُدَّةً طَوِيلَةً) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ طَوِيلًا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ حَائِزٌ فَيَكُونُ مُصَرِّحًا بِأَنَّ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ عَشَرَةٌ اهـ.
وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالطُّولِ هُنَا الطُّولَ الْآتِي إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّ الطُّولَ الْآتِيَ الْمُفَسَّرَ بِالْعِشْرِينِ سَنَةً طُولُ زَمَنِ السَّمَاعِ، وَهُنَا طُولُ الْحَوْزِ فَلَا تَكْرَارَ صَرَّحَ بِذَلِكَ شب فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لعج فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُهُ: أَيْ الْمُصَنِّفِ إنْ طَالَ أَيْ طَالَ الزَّمَنُ أَيْ زَمَانُ السَّمَاعِ فَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ طَوِيلًا؛ لِأَنَّ ذَاكَ طُولُ الْحَوْزِ اهـ.
وَعِبَارَةُ عب مُضْطَرِبَةٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ طَوِيلًا رَاجِعًا لِحَائِزٍ أَيْ حَائِزًا حَوْزًا طَوِيلًا، وَهُوَ كَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ عِشْرِينَ عَلَى مَا يَأْتِي وَالْحَالُ أَنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ طَالَ الزَّمَانُ بِقَوْلِهِ إنْ طَالَ الزَّمَانُ لِلسَّمَاعِ أَرْبَعُونَ سَنَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ عِشْرُونَ، وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ مَا قَالَهُ عج وَتَبِعَهُ شب مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّولِ الْمُفَسَّرِ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ طُولُ الْحَوْزِ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ طَالَ الزَّمَانُ أَيْ زَمَنُ السَّمَاعِ كَلَامٌ لَا يَظْهَرُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ نَعَمْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ عج فِيمَا بَعْدُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَشْهُرٍ لَيْسَتْ ظَرْفًا لِلْحَوْزِ فَقَطْ بَلْ لِمَجْمُوعِ الْحَوْزِ وَالتَّصَرُّفِ أَيْ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْعَشَرَةَ الْأَشْهُرِ ظَرْفٌ لِلتَّصَرُّفِ وَأَمَّا السَّمَاعُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَطُولَ
مُتَصَرِّفٍ أَيْ بِالْهَدْمِ وَالزَّرْعِ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَيْ تَصَرُّفًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا الْمَالِكُ، وَقَوْلُهُ: لِحَائِزٍ فَلَا يُنْزَعُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ مِنْ يَدِ حَائِزٍ سَوَاءٌ أَشَهِدَتْ بِمِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ.
(ص) وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ بَتًّا تُقَدَّمُ عَلَى الَّتِي شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ سَمَاعًا إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ اشْتَرَاهُ مِنْ جَدٍّ أَوْ أَبٍ هَذَا الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِالْمِلْكِ بَتًّا فَتُقَدَّمُ حِينَئِذٍ عَلَى بَيِّنَةِ الْبَتِّ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ وَلَيْسَتْ مُعَارِضَةً، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (إلَّا بِسَمَاعِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ كَأَبِي الْقَائِمِ) أَيْ اشْتَرَى الذَّاتَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا، وَلَا مَفْهُومَ لِلشِّرَاءِ بَلْ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا كَذَلِكَ فَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ شَهِدَتَا بِالْمِلْكِ لَا أَنَّ إحْدَاهُمَا شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَالْأُخْرَى شَهِدَتْ بِالْحَوْزِ كَمَا فَهِمَ تت وَمَنْ تَبِعَهُ.
(ص) وَوَقْفٍ وَمَوْتٍ بِبُعْدٍ (ش) عَطْفٌ عَلَى مِلْكٍ يَعْنِي إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ وَقْفٌ عَلَى الْحَائِزِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ، وَلَيْسَتْ الذَّاتُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا بِيَدِ أَحَدٍ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَزِعُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ مِنْ يَدِ حَائِزٍ، وَنَحْوُهُ فِي الشَّارِحِ وتت وَالْبِسَاطِيِّ وَنَحْوُهُ لِلَّخْمِيِّ وَالتَّوْضِيحِ، وَظَاهِرُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ كَظَاهِرِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَنْتَزِعُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ مَا شَهِدَتْ بِوَقْفِيَّتِهِ لِغَيْرِ حَائِزِهِ مِنْ يَدِ الْحَائِزِ لَهُ وَكَذَا كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ يُونُسَ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ عَلَى الْمَوْتِ جَائِزَةٌ فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ وَقَصُرَ زَمَانُ السَّمَاعِ بِهِ، وَأَمَّا الْبِلَادُ الْقَرِيبَةُ أَوْ فِي بَلَدِ الْمَوْتِ فَإِنَّمَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْبَتِّ وَمِثْلُهُ لَوْ طَالَ زَمَانُ السَّمَاعِ بِهِ.
(ص) إنْ طَالَ الزَّمَانُ بِلَا رِيبَةٍ وَحَلَفَ وَشَهِدَ اثْنَانِ (ش) هَذِهِ شُرُوطٌ لِشَهَادَةِ السَّمَاعِ مِنْهَا طُولُ الزَّمَانِ، وَأَقَلُّهُ عِشْرُونَ سَنَةً، فَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ إلَّا عَلَى الْبَتِّ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَوْتِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالسَّمَاعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا قِصَرُ الزَّمَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمِنْهَا انْتِفَاءُ الرِّيبَةِ فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فَقَطْ بِمَوْتِ رَجُلٍ مِنْ بَلَدٍ، وَفِيهَا جَمٌّ غَفِيرٌ مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمَا لَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِلْمُ ذَلِكَ فَاشِيًا فِيهِمْ أَوْ لَيْسَ فِي الْقَبِيلِ أَسَنُّ مِنْهُمَا، وَمِنْهَا أَنْ يَحْلِفَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
كَأَرْبَعِينَ أَوْ عِشْرِينَ عَلَى الْخِلَافِ وَيَكُونُ سَاكِتًا عَنْ بَيَانِ مُدَّةِ الْحَوْزِ كَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِبَيَانِهَا، وَأَنَّهُ مَتَى طَالَ زَمَنُ السَّمَاعِ كَالْأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ الْعِشْرِينَ وَطَالَ زَمَنُ التَّصَرُّفِ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ صَحَّ شَهَادَةُ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي اشْتِرَاطِ التَّصَرُّفِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَرُّفِ أَيْ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ طُولُ مُدَّةِ السَّمَاعِ فَقَطْ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْهَدْمِ وَالزَّرْعِ إلَخْ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ الْهَدْمِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ نَحْوِهِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِسَمَاعٍ إلَخْ) وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ حَائِزًا لِلْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَإِلَّا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ النَّاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَزِعُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالْمِلْكِ) أَيْ إلَّا أَنَّ وَاحِدَةً شَهِدَتْ عَلَى الْبَتِّ وَالْأُخْرَى بِالسَّمَاعِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ: كَمَا فَهِمَ تت) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ الْحَوْزِ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ الْحَائِزِ أَوْ ذِي الْحَوْزِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ إحْدَاهُمَا شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَالْأُخْرَى الَّتِي هِيَ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا، وَلَا تَدْرِي مِمَّنْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَيْ فَلَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ وَإِنَّمَا شَهِدُوا بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ شَخْصٍ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَلَامُ تت ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَوَقْفٌ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُعْمَلُ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي مَصْرِفِ الْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَالَهُ فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَكَذَا لَا يَلْزَمُ تَسْمِيَةُ الْوَاقِفِ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ (قَوْلُهُ: وَمَوْتٌ بِبُعْدٍ) أَيْ بِبَلَدِ ذِي بُعْدٍ (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ الذَّاتُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا بِيَدِ أَحَدٍ) أَيْ غَيْرِهِ وَجَوَابُ إذَا مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُعْمَلُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ ابْنِ عَرَفَةَ إلَخْ) وَبِهِ أَفْتَى عج أَيْ فَيَكُونُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَا شَهِدَتْ بِوَقْفِيَّتِهِ لِغَيْرِ حَائِزَةٍ) أَيْ وَيَكُونُ النَّزْعُ بِهَا مِنْ يَدِ الْحَائِزِ مُخْتَصًّا بِالْوَقْفِ فَلَا يُنَافِي مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ بِهَا مِنْ يَدِ الْحَائِزِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ لِحَائِزٍ، وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ فِي الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَادِ) أَيْ كَأَرْبَعِينَ يَوْمًا كَبَرْقَةَ مِنْ تُونُسَ وَجَهْلُ مَوْضِعِهِ كَبُعْدِهِ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْبَتِّ) أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِالْبَتِّ وَأَمَّا الشَّاهِدَةُ بِالسَّمَاعِ فَلَا تُعْتَبَرُ، وَقَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ لَوْ طَالَ زَمَنُ السَّمَاعِ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَتِّ وَلَا تَكْفِي الشَّهَادَةُ مُسْتَنِدَةً لِلسَّمَاعِ ثُمَّ أَقُولُ مَا وَجْهُ تَعَيُّنِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَتِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُسْتَنَدٌ إلَّا السَّمَاعُ وَإِذَا كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى السَّمَاعِ فَإِذَنْ يُقَالُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَنَدِ عَلَيْهِ فَمَا وَجْهُ تَعَيُّنِ الْمُسْتَنَدِ فَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الطُّولَ مَظِنَّةُ الْقَطْعِ فَإِنْ لَمْ يُقْدِمُوا عَلَى الْقَطْعِ دَلَّ عَلَى تَسَاهُلٍ فِي دَعْوَى السَّمَاعِ.
(قَوْلُهُ: إنْ طَالَ الزَّمَانُ إلَخْ) هَذِهِ شُرُوطٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِ الْمَشْهُودِ لَهُ حَائِزًا وَمُتَصَرِّفًا مُدَّةً أَقَلُّهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: لِشَهَادَةِ السَّمَاعِ) أَيْ لِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَنِدَةِ فِي شَهَادَتِهَا لِلسَّمَاعِ لَا أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ هُوَ السَّمَاعُ (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ عِشْرُونَ سَنَةً) هَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ رُشْدٍ وَبِهِ الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ وَمُقَابِلُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ (تَنْبِيهٌ) : ضَرَرُ الزَّوْجَيْنِ يَثْبُتُ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ، وَلَوْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ (قَوْلُهُ: فَيُشْتَرَطُ قِصَرُ الزَّمَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي فِي الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ وَالْمَوْتِ لِلضَّرُورَةِ بِشَرْطِ طُولِ الزَّمَانِ بِلَا رِيبَةٍ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا جَمٌّ غَفِيرٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَقَوْلُهُ: غَفِيرٌ مِنْ الْغَفْرِ، وَهُوَ السَّتْرُ فَهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ سَاتِرُونَ الْأَرْضَ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ فَشَأْنُهُمْ إذَا جَلَسُوا فِي مَوْضِعٍ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَرِقِينَ فَلَا يَقَعُ مِنْهُمْ سَتْرٌ لِلْأَرْضِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عِلْمُ ذَلِكَ فَاشِيًا) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَا يَشْمَلُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ لَيْسَ فِي الْقَبِيلِ) الْقَبِيلُ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِلَا تَاءِ الْجَمَاعَةِ يَكُونُونَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا
شَهَادَةُ السَّمَاعِ ضَعِيفَةٌ فَطَلَبَ فِيهَا الْحَلِفَ، وَمِنْهَا أَنْ يَشْهَدَ بِالسَّمَاعِ اثْنَانِ وَيَكْتَفِي بِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى السَّمَاعِ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالْمَالِ، وَإِنْ حَلَفَ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَكْفِي نَقْلُ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ اهـ.
وَيُشْكِلُ عَلَى مَا ذُكِرَ مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَبِيَمِينِهَا مَعَ شَاهِدٍ أَيْ، وَلَوْ شَاهِدَ سَمَاعٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَكِنْ فِي الشَّامِلِ أَنَّ فِي رَدِّ الْمَالِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِالسَّمَاعِ مَعَ الْيَمِينِ قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَلَمَّا كَانَتْ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَا مَدْخَلَ لِلْإِنَاثِ فِيهَا عَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِمَا هُوَ خَاصٌّ بِمُثَنَّى الذُّكُورِ، وَهُوَ اثْنَانِ وَدَعْوَى التَّغْلِيبِ لَا يَنْبَغِي سَمَاعُهُ هُنَا.
(ص) كَعَزْلٍ وَجَرْحٍ وَكُفْرٍ وَسَفَهٍ وَنِكَاحٍ وَضِدِّهَا، وَإِنْ بِخُلْعٍ وَضَرَرِ زَوْجٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَوِلَادَةٍ وَحِرَابَةٍ وَإِبَاقٍ وَعَدَمٍ وَأَسْرٍ وَعِتْقٍ وَلَوْثٍ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ، وَهِيَ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً فِيمَا عَدَّدَ الْمُؤَلِّفُ مَعَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، مِنْهَا الْعَزْلُ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ بِعَزْلِ الْقَاضِي الْفُلَانِيِّ أَوْ الْوَكِيلِ الْفُلَانِيِّ، وَمِنْهَا التَّجْرِيحُ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي بِتَجْرِيحِ فُلَانٍ، وَمِنْهَا الْكُفْرُ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي بِكُفْرِ فُلَانٍ، وَمِنْهَا السَّفَهُ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي بِسَفَهِ فُلَانٍ، وَمِنْهَا النِّكَاحُ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا، وَمِنْهَا ضِدُّ مَا مَرَّ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي بِتَوْلِيَةِ فُلَانٍ أَوْ بِتَعْدِيلِهِ أَوْ بِإِسْلَامِهِ أَوْ بِرُشْدِهِ أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ، وَمِنْهَا الْخُلْعُ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ فُلَانًا خَالَعَ زَوْجَتَهُ فَيَثْبُتُ الطَّلَاقُ لَا دَفْعُ الْعِوَضِ وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ يَثْبُتُ الْعَقْدُ لَا دَفْعُ الثَّمَنِ، وَلَا نَقْدُ الصَّدَاقِ، وَمِنْهَا ضَرَرُ الزَّوْجَيْنِ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي أَنَّ فُلَانًا ضَرَّ بِزَوْجَتِهِ بِالْإِسَاءَةِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَيُطَلِّقُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَمِنْهَا الْهِبَةُ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي أَنَّ فُلَانًا وَهَبَ كَذَا لِفُلَانٍ، وَمِنْهَا الْوَصِيَّةُ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ فُلَانًا أَقَامَ فُلَانًا وَصِيًّا أَوْ أَنَّ فُلَانًا كَانَ فِي وِلَايَةِ فُلَانٍ يَتَوَلَّى النَّظَرَ وَالْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ بِإِيصَاءِ أَبِيهِ بِهِ إلَيْهِ أَوْ بِتَقْدِيمِ قَاضٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمْ أَبُوهُ بِالْإِيصَاءِ، وَلَا الْقَاضِي الْمُقَدَّمِ، وَلَكِنْ عَلِمَ ذَلِكَ بِالِاسْتِفَاضَةِ مِنْ أَهْلِ الْعُدُولِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَيَصِحُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ تَسْفِيهُهُ كَمَا هُوَ نَصُّ الْكَافِي، وَمِنْهَا الْوِلَايَةُ وَالْحِرَابَةُ وَالْإِبَاقُ وَالْعَدَمُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُثْبِتُ لِلْعَدَمِ الْمَدِينَ أَوْ الْغُرَمَاءَ، وَمِنْهَا الْأَسْرُ، وَمِنْهَا الْعِتْقُ، وَمِنْهَا اللَّوْثُ بِأَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا فَشَهَادَةُ السَّمَاعِ لَوْثٌ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَوَّاقِ وَابْنِ مَرْزُوقٍ لَا أَنَّهَا يَثْبُتُ بِهَا اللَّوْثُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَحَلَّهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ: اللَّوْثُ اللَّطْخُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي بَابِ الْجِرَاحِ وَالْقَسَامَةِ سَبَبُهَا: قَتْلُ الْحَرِّ الْمُسْلِمِ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ، وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولُوا: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فُلَانًا قَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ اهـ.
وَيَحْتَاجُ لِنَقْلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهَا النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ فَقَوْلُهُ: كَعَزْلِ إلَخْ مُشَبَّهٌ فِي إفَادَةِ السَّمَاعِ لَا بِقَيْدِ الطُّولِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالْكَافِّ لِيَرْجِعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَضِدِّهَا لِمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ: وَطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ بَدَلَ قَوْلِهِ وَنِكَاحٍ؟ وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّهَا فِي ضِدِّهَا؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهِ الطَّلَاقَ.
(ص) وَالتَّحَمُّلُ - إنْ اُفْتُقِرَ إلَيْهِ - فَرْضُ كِفَايَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ - إذَا اُفْتُقِرَ إلَيْهِ - فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَجْلِ حِفْظِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ؛ إذْ لَوْ تَرَكَهُ الْجَمِيعُ لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ، وَقَدْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: عَبْدُ الْمَلِكِ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَاهِدَ سَمَاعٍ) أَيْ فَعُمِلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَدَّدَ الشَّاهِدُ (قَوْلُهُ قَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ) أَيْ فَيَكُونُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلْعِ مَاشِيًا عَلَى قَوْلٍ وَمَا هُنَا عَلَى قَوْلٍ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: وَدَعْوَى التَّغْلِيبِ) بِأَنْ يَكُونَ غَلَّبَ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى بِأَنْ يَكُونَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِ اثْنَانِ الْمَوْضُوعَةِ لِلذَّكَرَيْنِ تَغْلِيبًا.
(قَوْلُهُ كَعَزْلٍ وَجَرْحٍ إلَخْ) وَمِمَّا يُعْمَلُ فِيهِ بِبَيِّنَةِ السَّمَاعِ زِيَادَةً عَلَى الْمُصَنِّفِ الْبَيْعُ وَالصَّدَقَةُ وَالرَّضَاعُ وَالنَّسَبُ وَالْوَلَاءُ وَالْقِسْمَةُ وَالْمَشْهُورُ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ بِذَلِكَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا عَدَّدَ الْمُؤَلِّفُ إشَارَةٌ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِنْهَا الْعَزْلُ) أَيْ مِنْ مَسَائِلِ السَّمَاعِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا عِشْرِينَ (قَوْلُهُ: بِتَجْرِيحِ فُلَانٍ) أَيْ بِمُعَيَّنٍ أَمْ لَا كَلَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ يُجَرَّحُ، وَلَا يَكُونَانِ قَاذِفَيْنِ (قَوْلُهُ: وَيُطَلِّقُهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ) لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْخُلْعِ وَرَدَّ الْمَالَ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ عَلَى الضَّرَرِ وَظَاهِرُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّهُ بِيَمِينٍ لِجَعْلِهِ الْحَلِفَ هُنَا مِنْ شُرُوطِهَا (أَقُولُ) وَالظَّاهِرُ الْعَمَلُ بِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ بَابُهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْغُرَمَاءَ) اُنْظُرْ كَيْفَ يَتَأَتَّى أَنَّ الْغُرَمَاءَ يُثْبِتُونَ الْعَدَمَ مَعَ أَنَّ غَرَضَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي أَخْذِ حَقِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ مَعَ دَعْوَى الْعَدَمِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا ضَمِنَهُ شَخْصٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ الْعَزْلُ وَالْجَرْحُ وَالْكُفْرُ وَالسَّفَهُ، وَهِيَ مُبْعَدَةٌ، وَكَذَا الطَّلَاقُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَلَيْسَ بِمُبْعَدٍ بَلْ مُدْخَلٌ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ) أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ بِخُلْعٍ فَإِنَّهَا فِي ضِدِّ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَبَالَغَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي الطَّلَاقِ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ الْبَيْعَ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَهَذَا يَكْفِي فِي النُّكْتَةِ.
(قَوْلُهُ: إنْ افْتَقَرَ إلَيْهِ) هَذَا إذَا تَعَيَّنَتْ الشَّهَادَةُ، وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَطْلُبْ مَعَ عِلْمِهِ بِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ هَلْ يُخَاطَبُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَاطَبَ بِذَلِكَ قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ: وَقَوْلُهُ: إنْ افْتَقَرَ إلَيْهِ كَانَ الْمَشْهُودُ فِيهِ جَائِزًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ التَّحَمُّلُ مَكْرُوهًا، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ حَرَامًا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ
عَلِمْت أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ، وَيَتَعَيَّنُ بِمَا يَتَعَيَّنُ بِهِ فَرْضُ الْعَيْنِ كَمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَى التَّحَمُّلِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ انْتَفَعَ كَانَ ذَلِكَ جُرْحَهُ فِي حَقِّهِ قَالَ مَالِكٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يُدْعَى إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ إذَا كَانَ مَنْ يَشْهَدُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْطُلَ الْحَقُّ إنْ لَمْ يَشْهَدْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا؛ إذْ قَدْ يَحْسُنُ حَالُهُ وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إنْ اُفْتُقِرَ إلَيْهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُفْتَقَرْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ كَأَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَى أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ وَالتَّحَمُّلُ لُغَةً يُطْلَقُ عَلَى الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ مَا عَلِمَهُ، وَفِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلِمَ مَا يَشْهَدُ بِهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ اخْتِيَارِيٍّ مَا عَلِمَهُ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ كَمَنْ قَرَعَ سَمْعَهُ صَوْتُ مُطَلِّقٍ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا.
(ص) وَتَعَيَّنَ الْأَدَاءُ مِنْ كَبَرِ يَدَيْنِ وَعَلَى ثَالِثٍ إنْ لَمْ يَجْتَزْ بِهِمَا (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحَمُّلَ لِلشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَنَّ أَدَاءَهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ إنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَهَا أَنْ يُؤَدِّيَهَا إذَا كَانَ بَيْنَ مَحَلِّ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَبَيْنَ أَدَائِهَا بَرِيدَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَوَّاقِ أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ، وَظَاهِرُ مُقَابَلَةِ الْمُؤَلِّفِ لَهُ بِقَوْلِهِ: لَا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ أَنَّ مَا دُونَهَا يَتَعَيَّنُ الْأَدَاءُ مِنْهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى بَرِيدَيْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْتَفِي فِي الْأَدَاءِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَدَاءَ بِقَوْلِهِ: الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ قَوْلُهُ: بِشَهَادَتِهِ يَتَعَلَّقُ بِ " إعْلَامُ " وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَقَوْلُهُ: بِمَا يَحْصُلُ إلَخْ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ مَعْنَاهُ إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْحَاكِمِ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ يَتَعَيَّنُ عَوْدُهُ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَوْ شَهِدَ بِالْحَقِّ الْمَالِيِّ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْهُمْ اثْنَانِ، وَلَمْ يَجْتَزْ بِهِمَا لِعَدَمِ عَدَالَتِهِمَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى ثَالِثٍ مِنْ الشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدَ فَإِنْ لَمْ يَجْتَزْ بِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى رَابِعٍ وَعَلَى خَامِسٍ إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ.
(ص) وَإِنْ انْتَفَعَ فَجَرْحٌ إلَّا رُكُوبَهُ لِعُسْرِ مَشْيِهِ وَعَدَمِ دَابَّتِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ بَرِيدَيْنِ فَمَا دُونَ ذَلِكَ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَإِنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى أَدَاءِ شَهَادَتِهِ يَكُونُ ذَلِكَ رِشْوَةً قَادِحَةً فِي عَدَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ أَجْرًا عَلَى أَدَاءِ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ أَجْرًا عَلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَمَّا إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَدَفَعَ لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَيْسَ بِجَرْحٍ وَيَجُوزُ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ أَدَاؤُهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ، وَإِضَافَةُ الدَّابَّةِ لَهُ مُخْرِجٌ لِدَابَّةِ قَرِيبِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِعَارَتُهَا وَوُجُودُ الْكِرَاءِ كَالدَّابَّةِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا رُكُوبَهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ تَعَمُّقٌ فِي الْفِقْهِ.
(ص) لَا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِدَابَّةٍ وَنَفَقَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
حُرْمَتُهُ فِي مَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَبَعْضٌ يَقُولُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إنْ افْتَقَرَ إلَيْهِ عَنْ نَحْوِ تَحَمُّلِ شَهَادَةِ الرَّجْعَةِ (قَوْلُهُ: وَيَتَعَيَّنُ بِمَا يَتَعَيَّنُ بِهِ فَرْضُ الْعَيْنِ) أَيْ وَيَتَعَيَّنُ بِشَيْءٍ يَتَعَيَّنُ بِهِ فَرْضُ الْعَيْنِ (أَقُولُ) فَرْضُ الْعَيْنِ مُتَعَيِّنٌ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَيَتَعَيَّنُ إذَا لَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ) كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَهَلْ الشُّرُوعُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَشْرَعَ الْمَشْهُودُ لَهُ فِي قَوْلِهِ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِضِمْنٍ لِكَذَا لَا قَبْلُ أَوْ بِمُجَرَّدِ إجَابَتِهِمْ لِذَلِكَ أَوْ لِحُضُورِهِمْ مَجْلِسَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَى التَّحْمِيلِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْضَ عَيْنِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ عَلَى الْأَدَاءِ أَيْ إذَا تَعَيَّنَ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا تُنَاسِبُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةَ؛ لِأَنَّ الْحَالَ اتَّحَدَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَقُولَ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَثُبُوتِ شَهْرِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: مُطَلِّقٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا) أَيْ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَوَّاقِ (أَقُولُ) الظَّاهِرُ قِيَاسًا عَلَى مَا قِيلَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْبَرِيدَيْنِ يُعْطَى حُكْمَهُمَا وَمَا عَدَاهُمَا يَلْحَقُ بِالْبَعِيدِ (قَوْلُهُ: بِشَهَادَتِهِ) الْمُرَادُ بِهَا الْحَقُّ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: بِمَا الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ مُصَوِّرًا ذَلِكَ بِإِخْبَارٍ يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ عَدَالَتِهِمَا) أَيْ انْتَفَتْ الْعَدَالَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الثَّالِثِ أَيْ وَيَحْلِفُ مَعَهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَعَدَاوَةٍ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ قَرَابَتِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ وَاضِحَةٌ وَنَصُّهُ: وَهُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا عَلَى مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى عَدَدِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَشْهُودُ وَكِفَايَةً عَلَى مَنْ زَادَ عَدَدُهُ عَلَيْهِ حَاضِرًا كَوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعَيُّنَ مَنُوطٌ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ إذَا امْتَنَعَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ فَلَا بَأْسَ، وَقَدْ تَبِعَ تت فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُعْتَرِضٌ بِأَنَّ ظَاهِرَ النُّقُولِ الْإِطْلَاقُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِامْتِنَاعُ فِي صُورَةِ سُؤَالٍ وَقَعَ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ قُوَّتَهُ عَلَى الْمَشْيِ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الدَّابَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَرِيبَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ قِسْمَانِ قَرِيبٌ جِدًّا تَقِلُّ فِيهِ النَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ الرُّكُوبِ، وَهَذَا لَا يَضُرُّ الشَّاهِدَ الرُّكُوبُ أَيْ رُكُوبُ دَابَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَابَّةٌ أَوْ أَكَلَ طَعَامَهُ وَغَيْرُ قَرِيبٍ جِدًّا يَكْثُرُ فِيهِ النَّفَقَةُ وَمُؤْنَةُ الرُّكُوبِ هَذَا تَبْطُلُ بِهِ شَهَادَتُهُ إنْ رَكِبَ دَابَّةَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَلَهُ دَابَّةٌ
مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَسِيرَ إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَلْ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ فِي بَلَدِهِ، وَيَكْتُبُ بِهَا إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي الَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَبِنَفَقَةٍ لَهُ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
(ص) وَحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وَإِنْ طَالَ دِينَ (ش) هَذَا رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا أَيْ فَإِنْ لَمْ تَتَجَرَّدْ فَبَعْضُهَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ، وَبَعْضُهَا لَا تَتَوَجَّهُ وَالْبَاءُ فِي بِشَاهِدٍ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَامَتْ شَاهِدًا عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ أَقَامَتْ امْرَأَتَيْنِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَى الزَّوْجِ بِيَمِينٍ أَنَّهُ مَا طَلَّقَ فَإِنْ حَلَفَ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ نَكَلَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ كَسَنَةٍ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ أَيْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ وَمِثْلُهُ إذَا أَقَامَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ شَاهِدًا أَنَّهُ قَذَفَهُ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ، وَإِنْ طَالَ دُيِّنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ زَوْجٌ لِلْآخَرِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لِشُهْرَتِهِ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى الْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ فَالْعَجْزُ عَنْ إقَامَةِ شَاهِدَيْنِ بِهِ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِ مُدَّعِيهِ وَأَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَثْبُتُ، وَلَا يَلْزَمُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَقَوْلُهُ: لَا نِكَاحَ أَيْ فِي غَيْرِ الطَّارِئَيْنِ وَأَمَّا فِيهِمَا فَتَتَوَجَّهُ عَلَى مُنْكِرِ النِّكَاحِ مِنْهُمَا بِالشَّاهِدِ لَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.
(ص) وَحَلَفَ عَبْدٌ وَسَفِيهٌ مَعَ شَاهِدِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَمْ لَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ مَالِيٍّ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ الْعَبْدُ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ حَلَفَ سَيِّدُهُ وَاسْتَحَقَّ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ مَالِيٍّ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْآنَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ لَكِنْ يَقْبِضُهُ النَّاظِرُ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَحَلَفَ إلَخْ أَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ فَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى الْحُرِّيَّةُ، وَلَا الرُّشْدُ وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ، وَلَا الْبُلُوغُ.
(ص) لَا صَبِيٌّ وَأَبُوهُ، وَإِنْ أَنْفَقَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا أَقَامَ لَهُ شَاهِدًا بِحَقٍّ مَالِيٍّ وَرِثَهُ مِنْ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ أَوْ اسْتَحَقَّهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَالْيَمِينُ جُزْءُ نِصَابٍ لَا تَتْمِيمٌ وَكَذَلِكَ لَا يَحْلِفُ أَبُوهُ عَنْهُ مَعَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَحْلِفُ لِيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ يُنْفِقُ عَلَى الِابْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ لِيَمِينِهِ فَائِدَةٌ، وَهِيَ سُقُوطُ النَّفَقَةِ عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَيَّدَ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَلِ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ فِيهِ الْمُعَامَلَةَ فَأَمَّا مَا وَلِيَهُ أَحَدُهُمَا فَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْلِفْ غَرِمَ، وَالْوَاوُ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَبُوهُ بِمَعْنَى أَوْ لَا بِمَعْنَى مَعَ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْفَقَ أَيْ إنْفَاقًا وَاجِبًا، وَأَمَّا إنْفَاقًا تَطَوُّعًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ.
(ص) وَحَلَفَ مَطْلُوبٌ لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَوْ أَكَلَ طَعَامَهُ عِنْدَ سَحْنُونَ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ، وَلَا عَلَى اكْتِرَاءِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ رَاجِلًا لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ أَنْفَقَ لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ اكْتَرَى لَهُ دَابَّةً، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مِنْ الْبُعْدِ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَلَا يَضُرُّ لَهُ أَكْلُ طَعَامِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَا رُكُوبُ دَابَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ دَابَّةٌ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: إلَّا رُكُوبَهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ أُجْرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَرْكَبْ بَلْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَأَخَذَ أُجْرَةً وَمَشَى فَيَكُونُ جُرْحَةً فِيمَا يَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ: وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ يَقُولَ: الْمُرَادُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ فِي الذَّهَابِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: بَلْ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْقَاضِي) لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ سَحْنُونَ إنْ كَانَ الشُّهُودُ عَلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَأَكْثَرَ لَمْ يُشَخَّصُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ وَيَشْهَدُونَ عِنْدَ مَنْ يَأْمُرُهُمْ الْقَاضِي بِهِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ وَيَكْتُبُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ عِنْدَهُ إلَى الْقَاضِي. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَلْزَمُهُ) أَيْ فَمُدَّعِيهِ مُدَّعٍ أَمْرًا مُسْتَبْعَدًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَاقِدَيْنِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ) وَأَيْضًا الْأَصْلُ عَدَمُ النِّكَاحِ فَمَنْ ادَّعَاهُ ادَّعَى خِلَافَ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَاهُمَا ادَّعَى الْأَصْلَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الْعِصْمَةِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ) فَإِنْ نَكَلَ السَّفِيهُ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَبْرَأُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَامَ لِلصَّبِيِّ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَرِثَهُ مِنْ أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَهُ قَوْلَانِ وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْإِنْفَاقُ وَاجِبًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ يَكُونَ الِابْنُ فَقِيرًا، وَقَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ رِوَايَاتِهِ وَالْمَعْلُومُ مِنْ أَقْوَالِهِ وَرِوَايَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْخِلَافَ إلَخْ) وَكَذَا الْقَيْدُ يَجْرِي فِي السَّفِيهِ فَيُقَالُ وَحَلَفَ السَّفِيهُ مَعَ شَاهِدِهِ فِيمَا لَمْ يَتَوَلَّ وَلِيُّهُ الْمُبَايَعَةَ عَلَيْهِ أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَوَلَّاهَا وَلِيُّهُ فَإِنَّهُ الَّذِي يَحْلِفُ مَعَ إقَامَةِ الشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَوْ) أَيْ وَأَوْ إذَا دَخَلَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ يَكُونُ النَّفْيُ مُنْصَبًّا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ.
(قَوْلُهُ: لِيُتْرَكَ بِيَدِهِ) وَلَهُ غَلَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ بِيَدِهِ حَوْزًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَالْغَلَّةُ لِلْقَضَاءِ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَأَمَّا لَوْ قَامَ لَهُ شَاهِدَانِ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ، وَلَا يُتْرَكُ بِيَدِ الْمَطْلُوبِ وَلَكِنْ تُؤَخَّرُ يَمِينُ
وَأَسْجَلَ لِيَحْلِفَ إذَا بَلَغَ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَبْقَى الشَّيْءُ الْمُدَّعَى بِهِ بِيَدِهِ حَوْزًا إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَحَلَفَ أَخَذَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ قِيمَتَهُ إنْ فَاتَ أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الْيَمِينِ أَخَذَهُ الصَّبِيُّ مِلْكًا اتِّفَاقًا لَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا يَمِينَ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فَقَوْلُهُ: لِيَتْرُكَ بِيَدِهِ أَيْ حَوْزًا فَيَضْمَنُهُ إذَا تَلِفَ، وَلَوْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَإِذَا حَلَّفَ الْمَطْلُوبَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَكْتُبُ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ وَيُسَجِّلُهَا عِنْدَهُ فِي سِجِلِّهِ لِيَحْلِفَ الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ صَوْنًا لِحِفْظِ مَالِ الصَّبِيِّ وَخَوْفًا مِنْ مَوْتِ الشَّاهِدِ أَوْ تَغَيُّرِ حَالِهِ عَنْ الْعَدَالَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فَلَوْ نَكَلَ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا يُحَلِّفُ الْمَطْلُوبَ ثَانِيَةً فَقَوْلُهُ: وَأَسْجَلَ أَيْ أَمَرَ بِإِسْجَالِهِ أَيْ إسْجَالِ التَّنَازُعِ وَالدَّعْوَى وَمَا عَلَيْهِ الِانْفِصَالُ فِي الْخُصُومَةِ لِأَجْلِ أَنْ يَحْلِفَ إذَا بَلَغَ.
(ص) كَوَارِثِهِ قَبْلَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَإِنَّ وَارِثَهُ يَحْلِفُ الْآنَ، وَيَأْخُذُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ فَالتَّشْبِيهُ فِي الْحَلِفِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يُشْعِرُ بِهِ الْكَلَامُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَيَحْلِفُ إذَا بَلَغَ مَعْنَاهُ وَيَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ اسْتَحَقَّ فَالضَّمِيرُ فِي " وَارِثِهِ " لِلصَّبِيِّ، وَفِي " قَبْلَهُ " يَعُودُ عَلَى الْبُلُوغِ الْمَفْهُومِ مِنْ بَلَغَ.
(ص) إلَّا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلًا فَفِي حَلِفِهِ قَوْلَانِ (ش) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ الَّذِي مَعَ الصَّغِيرِ نَكَلَ أَوَّلًا عَنْ الْيَمِينِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ فِي نَصِيبِهِ وَصُورَتُهَا أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ بِحَقٍّ لِصَغِيرٍ وَلِأَخِيهِ الْكَبِيرِ فَيَنْكَلُ الْكَبِيرُ وَاسْتُؤْنِيَ لِلصَّغِيرِ فَمَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَوَرِثَهُ أَخُوهُ الْكَبِيرُ فَفِي حَلِفِ الْكَبِيرِ عَنْ نَصِيبِ أَخِيهِ الصَّغِيرِ الَّذِي وَرِثَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَكَلَ أَوَّلًا عَنْ حِصَّتِهِ ابْنُ يُونُسَ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَوَّلًا، وَأَخَذَ حِصَّتَهُ ثُمَّ إنَّهُ وَرِثَ الصَّغِيرُ لَمْ يَأْخُذْ حِصَّتَهُ إلَّا بِيَمِينٍ ثَانِيَةٍ وَعَدَمُ حَلِفِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَكَلَ أَوَّلًا فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ قَوْلَانِ قَالَ الْمَازِرِيُّ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا نَصَّ فِيهَا لِلْمُتَقَدِّمِينَ (تَنْكِيتٌ) كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ تَرَدُّدٌ عَلَى عَادَتِهِ اهـ. تت.
(ص) وَإِنْ نَكَلَ اكْتَفَى بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الْأُولَى (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ نَكَلَ وَارِثُ الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ الْأُولَى أَيْ فَلَا تُعَادُ عَلَيْهِ ثَانِيَةً عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَلَ أَيْ مَنْ اسْتَحَقَّ عِنْدَ التَّأْخِيرِ، وَهُوَ الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ، وَوَارِثُهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ.
(ص) وَإِنْ حَلَّفَ الْمَطْلُوبَ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلَا ضَمَّ وَفِي حَلِفِهِ مَعَهُ وَتَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا مَالِيًّا وَأَقَامَ شَاهِدًا، وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَتَى الْمُدَّعِي بِشَاهِدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ بَطَلَتْ بِنُكُولِ الْمُدَّعِي وَحَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَإِذَا بَطَلَتْ شَهَادَةُ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَ هَذَا الشَّاهِدِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ نَكَلَ أَوَّلًا فَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ الْآنَ مَا يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْيَمِينِ أَوْ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَكَلَ أَوَّلًا فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّالِبَ يَحْلِفُ مَعَ الثَّانِي لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ هَلْ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ بِيَمِينِهِ الْأُولَى سِوَى رَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ فَيَحْلِفُ ثَانِيًا لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الثَّانِي وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الْيَمِينِ أَخَذَ الطَّالِبُ الْحَقَّ بِغَيْرِ يَمِينٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ أَوْ لَا يَحْلِفُ ثَانِيًا وَيَسْقُطُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ قَدْ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقَضَاءِ لِلْبُلُوغِ أَيْ فِيمَا فِيهِ يَمِينُ قَضَاءٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ دَعْوَى عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ لَا حَاضِرٍ وَقَامَ لِلصَّبِيِّ شَاهِدَانِ فَيَأْخُذُهُ الْآنَ فَإِنْ حَلَفَ بَعْدَهُ تَمَّ الْحُكْمُ لَهُ بِهِ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّ إلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِيَحْلِفَ إذَا بَلَغَ) وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ، وَقَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَوْ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ (قَوْلُهُ: أَوْ تَغَيَّرَ حَالُهُ عَنْ الْعَدَالَةِ) فِيهِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا طَرَأَ لَهُ الْفِسْقُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ يَكُونُ قَادِحًا وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مُخَصِّصَةٌ لِذَلِكَ أَوْ؛ لِأَنَّهُ نَزَّلَ فِسْقَهُ بَعْدَ التَّسْجِيلِ مَنْزِلَةَ فِسْقِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْقَاقِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْحَلِفِ، وَقَوْلُهُ: يُشْعِرُ أَيْ إنَّمَا قُلْنَا تَشْبِيهٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَيْ وَالْحَلِفِ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِهِ الْكَلَامُ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ بَيْتَ مَالٍ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ غَيْرَ مَرْجُوبَيْ الْإِفَاقَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيَسْتَحِقُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ حَلَفَ أَوَّلًا، وَإِلَّا اكْتَفَى بِيَمِينِهِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ لَهَا، وَلَا حَقَّ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا لِلْمَجْنُونِ وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ الْمَرْجُوُّ كُلّ الْإِفَاقَةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنْتَظَرُ، وَلَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلًا) فَإِنْ مَاتَ الْكَبِيرُ النَّاكِلُ أَوَّلًا فِي حِصَّتِهِ عَنْ ابْنٍ ثُمَّ مَاتَ الصَّبِيُّ وَوَرِثَهُ ابْنُ أَخِيهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ حِصَّةَ عَمِّهِ فَقَطْ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْكُلْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَتَوَهَّمُ رُجُوعَ حِصَّةِ أَبِيهِ لَهُ (قَوْلُهُ: كَانَ يَنْبَغِي إلَخْ) وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَبِالتَّرَدُّدِ أَيْ إذَا عَبَّرْت بِالتَّرَدُّدِ فَإِنَّمَا هُوَ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كُلَّمَا تَرَدَّدَ فِي النَّقْلِ عَبَّرَ عَنْهُ بِتَرَدُّدٍ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْبَيَانِ يَحْلِفُ ثَانِيًا.
(قَوْلُهُ وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ وَرُدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ، وَإِنْ نَكَلَ أَوَّلًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ حِينَ حَلَّفَ الْمَطْلُوبَ عَالِمًا بِذَلِكَ الْآخَرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا حَلَّفَ الطَّالِبُ الْمَطْلُوبَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَوْ كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ فَهَذَا يُخَالِفُهُ فَإِنْ حَمَلَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ أَوْ كَانَ بَعِيدًا أَزْيَدَ مِنْ كَالْجُمُعَةِ زَالَ الْإِشْكَالُ إلَّا أَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَحْلِفُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ) هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ) وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ
تَقَدَّمَتْ فَلَا تُعَادُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مُيَسَّرٍ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ آخَرَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَهُ مَفْهُومٌ عَلَى كَلَامِهِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ قَضَى لَهُ بِهِمَا، وَقَوْلُهُ: فَلَا ضَمَّ وَهَذَا لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ أَوَّلًا أَوْ وُجِدَ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ لَمْ يَحْلِفْ فِيهَا الْمَطْلُوبُ.
(ص) وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ كَشَاهِدٍ بِوَقْفٍ عَلَى بَنِيهِ وَعَقِبِهِمْ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَلَفَ، وَإِلَّا فَحُبِسَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ إمَّا أَنْ تَتَعَذَّرَ مِنْ الْبَعْضِ، وَإِمَّا مِنْ الْكُلِّ فَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ فَالْيَمِينُ مُتَعَذِّرَةٌ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ وَمُتَيَسِّرَةٌ مِنْ الْبَنِينَ الْمَوْجُودِينَ، وَالْحُكْمُ أَنَّ الْبَعْضَ الْمَوْجُودَ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ وَيَثْبُتُ الْوَقْفُ، وَإِنْ نَكَلَ بَطَلَ الْوَقْفُ لَكِنْ إنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ حَقٌّ، وَإِنْ نَكَلَ الْبَعْضُ ثَبَتَ نَصِيبُ مَنْ حَلَفَ، وَمِثْلُ الشَّاهِدِ الْمَرْأَتَانِ، وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ وَقَفَ دَارِهِ مَثَلًا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْيَمِينُ هُنَا مُتَعَذِّرَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ، وَالْحُكْمُ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَحْلِفُ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَيَبْرَأُ مِنْ الْوَقْفِ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْوَقْفُ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَذَّرَ يَمِينُ بَعْضٍ أَيْ أَوْ كُلٍّ فَهُنَا حَذْفَ أَوْ وَمَا عُطِفَتْ، وَقَوْلُهُ: كَشَاهِدٍ إلَخْ مِثَالٌ لِلْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِثَالٌ لِلْمُقَدَّرِ، وَفَاعِلُ حَلَفَ يَرْجِعُ لِمَنْ يُخَاطَبُ بِالْيَمِينِ، وَهُوَ الْبَعْضُ الْمَوْجُودُ مِنْ الْعَقِبِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ بِالْوَقْفِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلَهُ فَإِنْ مَاتَ إلَخْ بَعْدَ أَنْ فَرَّعَ عَلَى الثَّانِي، وَإِلَّا فَحُبِسَ فَسَلَكَ صَنْعَةَ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، وَقَرِينَةُ امْتِنَاعِ رُجُوعٍ وَإِلَّا فَحُبِسَ لِلْأَوَّلِ عَدَمُ صِحَّةِ الْمَعْنَى أَوْ لُزُومُ الْعَبَثِ فِي التَّفْرِيعِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَلَفَ بَطَلَ الْحَبْسُ، وَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ، وَلَا الثَّانِي وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ نَحْوُهُ لِلشَّارِحِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
(ص) فَإِنْ مَاتَ فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِينَ أَوْ الْبَطْنِ الثَّانِي تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى وَقْفِيَّةِ دَارٍ مَثَلًا عَلَى جَمَاعَةٍ وَعَقِبِهِمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَحَلَفَ مَعَهُ وَنَكَلَ الْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِ طَبَقَتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَرْجِعُ نَصِيبُهُ إلَى إخْوَتِهِ مِنْ أَهْلِ طَبَقَتِهِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُمْ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مُيَسَّرٍ) بِفَتْحِ السِّينِ (قَوْلُهُ: وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ آخَرَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ بَلْ وَلَوْ أَتَى بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ الْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا ضَمَّ.
(قَوْلُهُ: عَلَى بَنِيهِ) أَيْ الْوَاقِفِ أَوْ بَنِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَعَقِبِهِمْ) أَيْ قَالَ: طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ فَقَوْلُهُ: وَعَقِبِهِمْ أَيْ ثُمَّ عَقِبِهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فَإِنْ مَاتَ فَفِي تَعْيِينِ مُسْتَحَقِّهِ إلَخْ أَيْ: وَأَوْ تُحْذَفُ مَعَ مَعْطُوفِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مِنْ الْكُلِّ) هَذَا تَمْهِيدٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا، وَالتَّقْدِيرُ أَوْ مِنْ كُلٍّ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَا دَاعِيَ لِهَذَا التَّقْدِيرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الْفُقَرَاءِ التَّعَذُّرُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْكُلِّ، وَالْبَعْضُ تَيَسَّرَ فَكَمَا أَنَّ التَّعَذُّرَ حَصَلَ مِنْ كُلِّ الْبَنِينَ وَحَصَلَ التَّيَسُّرُ مِنْ الْبَعْضِ يُقَالُ: التَّعَذُّرُ حَصَلَ مِنْ الْجَمِيعِ، وَحَصَلَ التَّيَسُّرُ مِنْ الْبَعْضِ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ: بَعْدُ فَالْيَمِينُ هُنَا مُتَعَذِّرَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ مُفَادُهُ وَمُتَيَسِّرَةٌ مِنْ بَعْضِهِمْ قَطْعًا نَعَمْ يُقَالُ تَوَجَّهَ الْحَلِفُ عَلَى الْبَعْضِ، وَإِنْ أَمْكَنَ لَكِنْ فِيهِ الْحَلِفُ لِيَسْتَحِقَّ الْغَيْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ اسْتِحْقَاقٌ؛ إذْ لَيْسَ ثَمَّ وَاحِدٌ إلَّا وَيُمْكِنُ صَرْفُهُ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ نَكَلَ جَمِيعُهُمْ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ الْبَطْنُ الثَّانِي فَمَنْ قَالَ أَخْذُ الْبَطْنِ الثَّانِي كَأَخْذِ الْإِرْث مِنْ آبَائِهِمْ لَمْ يُمَكَّنُوا فِي الْحَلِفِ لِبُطْلَانِ حَقِّهِمْ بِنُكُولِ آبَائِهِمْ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ أَخْذَهُمْ إنَّمَا هُوَ بِعَقْدِ الْحَبْسِ يُمَكَّنُونَ مِنْ الْيَمِينِ، وَلَمْ يَضُرَّهُمْ نُكُولُ آبَائِهِمْ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ حَقٌّ) أَيْ وَبَطَلَ الْوَقْفُ إنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْمَعْنَى) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ النُّكُولِ حَبْسًا بَلْ يَرْجِعُ مِلْكًا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ حَبْسًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ لُزُومُ الْعَبَثِ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ: أَوْ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْمَعْنَى بَلْ الْمَعْنَى صَحِيحٌ وَلَكِنْ يَلْزَمُ الْعَبَثُ فِي التَّفْرِيعِ أَيْ تَعَقُّبُ الْكَلَامِ بِمَا لَمْ يُنَاسِبْ مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَى مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى فَاسِدٌ قَطْعًا فَالْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّوَابُ) لَا يَخْفَى أَنَّ مُحَصَّلَ مَا قَالَهُ أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ النُّكُولُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْبَعْضِ الْمَوْجُودِ يَبْطُلُ الْوَقْفُ مِنْ غَيْرِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ عج خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ الْبَعْضُ الْمَوْجُودُ فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ يَصِحُّ الْوَقْفُ، وَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَلَفَ رَاجِعٌ لِلْبَعْضِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَكِنْ فِي الْأُولَى بَعْدَ نُكُولِ الْبَعْضِ الْمَوْجُودِ، وَفِي الثَّانِيَةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، وَحَاصِلُ الْمُصَنِّفِ حِينَئِذٍ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ مَاتَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا كَلَامَ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَحُبِسَ مُفَرَّعٌ عَلَى النُّكُولِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَكِنْ فِي الْأُولَى بَعْدَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ تَوَجُّهِهَا ابْتِدَاءً، وَاعْلَمْ أَنَّ خِلَافَ الصَّوَابِ مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فَإِنَّهُ جَعَلَ فَاعِلَ حَلَفَ ضَمِيرَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَيْ حَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ الْيَمِينِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَبْسُ فِي الْفَرْعَيْنِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ مَاتَ تَفْرِيعًا عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَذَلِكَ إذَا نَكَلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حَبْسًا عَلَى الْكُلِّ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ أَنْ لَا يُطَالِبَ الْبَعْضُ الْمَوْجُودُ بِالْحَلِفِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ حَلَفَ جَوَابُ إنْ مَعَ أَنَّ حَلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ نُكُولِ الْبَعْضِ الْمَوْجُودِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ اتَّحَدَ الْحَالِفُ أَوْ تَعَدَّدَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّاكِلُ وَسَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فَالْمُنَاسِبُ لِمَا يَأْتِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ أَيْ جِنْسُهُ الصَّادِقُ بِمَوْتِ بَعْضِ الْحَالِفِينَ وَبَقَاءِ الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَهَذَا أَحَدُ تَقْرِيرَيْنِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ
نَصِيبِهِمْ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ نَصِيبِ الْحَالِفِ الْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ فِي تَأْخِيرِ الصَّبِيِّ إذَا نَكَلَ أَخُوهُ الْكَبِيرُ ثُمَّ مَاتَ الصَّغِيرُ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ لَا يَرْجِعُ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي لِبُطْلَانِ حَقِّ بَقِيَّةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِنُكُولِهِمْ، وَأَهْلُ الْبَطْنِ الثَّانِي إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَهُ عَنْ جَدِّهِمْ الْمُحَبِّسِ فَقَوْلُهُ مُسْتَحِقِّهِ أَيْ مُسْتَحِقِّ نَصِيبِ الْحَالِفِ الَّذِي مَاتَ الْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاقِ، وَقَوْلُهُ: مُسْتَحِقِّهِ الْإِضَافَةُ جِنْسِيَّةٌ وَمِنْ بَيَانِيَّةٌ لَا تَبْعِيضِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ هُنَا أَيْ جِنْسُ مُسْتَحَقِّهِ الَّذِي هُوَ بَقِيَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ الْبَطْنِ الثَّانِي فَلَا اعْتِرَاضَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ الْبَطْنِ الثَّانِي مَعْطُوفٌ عَلَى بَقِيَّةِ، وَكُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَهُنَا مُكِّنَ مِنْ الْيَمِينِ بَعْدَ مَا نَكَلَ عَنْهَا وَسَيَأْتِي، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ وَتَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَكَلَ أَوَّلًا فَفِي حَلِفِهِ قَوْلَانِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لَهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَوَّلِينَ يَسْتَحِقُّونَ بَعْدَ الْحَلِفِ ظَاهِرٌ فِي النَّاكِلِ عَلَى مَا فِيهِ وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ فَفِيهِ قَوْلَانِ هَلْ يَحْلِفُ ثَانِيًا أَوْ لَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْبَطْنِ الثَّانِي فَبَعْدَ الْحَلِفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ غَيْرُ وَلَدِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْوِرَاثَةِ.
(ص) وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى حَاكِمٍ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي إلَّا بِإِشْهَادٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي لِفُلَانٍ عَلَى لِفُلَانٍ كَذَا أَوْ فِي أَمْرٍ عَامٍّ فَإِنَّهُ لَا يَشْهَدُ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَى حُكْمِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ ثَبَتَ عِنْدِي مَا إذَا سَمِعَهُ يَقُولُ حَكَمْت بِكَذَا فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِشْهَادٍ، وَقَوْلُهُ: بِإِشْهَادٍ أَيْ وَيَكُونُ حُكْمًا، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَكُونُ تَعْدِيلًا لِلشَّاهِدَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ تَجْرِيحُهُمَا.
(ص) كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا (ش) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَهَادَةِ النَّقْلِ وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: النَّقْلُ عُرْفًا إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَنْ سَمَاعِهِ شَهَادَةَ غَيْرِهِ أَوْ سَمَاعِهِ إيَّاهُ لِقَاضٍ فَيَدْخُلُ نَقْلُ النَّقْلِ، وَيَخْرُجُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِغَيْرِ قَاضٍ اهـ. قَوْلُهُ: الشَّاهِدِ أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِشَاهِدٍ إذَا أَخْبَرَ بِمَا سَمِعَ لَا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَطْلَقَ الشَّاهِدَ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ قَوْلُهُ: عَنْ سَمَاعِهِ شَهَادَةَ غَيْرِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الَّذِي سَمِعَهُ يَذْكُرُ شَهَادَةً عِنْدَهُ وَعَنْ سَمَاعِهِ مُتَعَلِّقٌ بِإِخْبَارٍ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَضُرُّ هُنَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَسْتَحِقُّ كُلَّ الْبَقِيَّةِ بَلْ بَعْضَ الْبَقِيَّةِ، وَيَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَى الثَّانِي لَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ الْبَطْنِ الثَّانِي بَلْ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا هَذَا وَجْهُ الِاعْتِرَاضِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِالنَّظَرِ لِلْمُتَبَادَرِ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ أَنَّهَا تَبْعِيضِيَّةٌ، وَبِجَعْلِهَا بَيَانِيَّةً انْدَفَعَ ذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ لَا بِشَاهِدَيْنِ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْوَقْفَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (قَوْلُهُ: فَهَذَا مُخَالِفٌ لَهُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ بِدُونِ ذِكْرِ قَوْلَيْنِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا هُنَا الْحَقُّ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ ثَانِيًا غَيْرُ الْحَقِّ الَّذِي نَكَلَ عَنْهُ أَوَّلًا بِخِلَافِ مَا فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ؛ إذْ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ ثَانِيًا غَيْرُ الَّذِي نَكَلَ عَنْهُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي النَّاكِلِ عَلَى مَا فِيهِ) أَيْ مِنْ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: هَلْ يَحْلِفُ ثَانِيًا أَوْ لَا) فَالْحَلِفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ عَنْ الْجَدِّ بِطَرِيقِ الْحَبْسِ وَعَدَمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَالْوَرَثَةِ هَكَذَا الْمُنَاسِبُ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا خِلَافًا لِمَا فِي عب مِنْ الْعَكْسِ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ إنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ النَّاكِلِينَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَسْتَحِقُّونَ مَعَ بَقِيَّةِ الْحَالِفِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمْ مَوْتٌ، وَهُوَ أَحَدُ تَقْرِيرَيْنِ، وَالتَّقْرِيرُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ بَعْضٌ مِنْ الْحَالِفِينَ أَوَّلًا فَإِنَّهُمْ يَخْتَصُّونَ بِهِ، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ نَكَلَ مَعَ مَنْ حَلَفَ إنَّمَا يَأْخُذُ النَّاكِلُ إذَا مَاتَ كُلُّ الْحَالِفِينَ أَقُولُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ
(تَنْبِيهٌ) :
مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مُعَارِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْهِبَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَمِثْلُهَا الْحَبْسُ لَا يُقْضَى بِهِ؛ إذْ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ فَرْعُ الْقَضَاءِ فَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ مِنْ عَدَمِ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْفُقَرَاءِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ طَالِبٍ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْبَطْنِ الثَّانِي) أَيْ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(قَوْلُهُ:، وَلَمْ يَشْهَدْ) شُرُوعٌ فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَبَدَأَ بِذِكْرِ الشَّهَادَةِ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي لِشَبَهِهَا لَهُ لِكَوْنِهَا نَقْلًا لِحُكْمِهِ فَقَالَ: وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى حَاكِمٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: اشْهَدُوا عَلَى حُكْمِي) أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَبَتَ عِنْدِي حُكْمٌ (قَوْلُهُ: فِي الطَّلَاقِ) أَيْ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِشْهَادٍ أَيْ بِأَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَى حُكْمِي فَلَوْ حَضَرَ الثُّبُوتُ، وَلَمْ يَشْهَدْهُ فَلَا يَنْقُلُهُ هَذَا الَّذِي حَضَرَ عِنْدَهُ كَمَا فِي شب وَذُكِرَ فِي ك مَا نَصُّهُ: ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي مَبْحَثِ الْأَدَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَفَادَ - إنْ أَشْهَدَهُمَا - أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْهِدْهُمَا وَسَمِعَا قَوْلَهُ مَا فِيهِ حُكْمِي فَإِنَّهُمَا لَا يَشْهَدَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَلَكِنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُمَا يَشْهَدَانِ حَيْثُ سَمِعَاهُ يَقُولُ مَا فِيهِ حُكْمِي، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا انْتَهَى، وَقَوْلُهُ: وَيَكُونُ حُكْمًا أَيْ بِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يُقْبَلُ تَجْرِيحُهُمَا أَيْ بَلْ ذَلِكَ تَعْدِيلٌ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ كَاشْهَدْ إلَخْ) هَذَا مِثَالٌ لِمَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى حَاكِمٍ أَيْ أَوْ شَاهِدٍ يَشْهَدُ بِشَهَادَةٍ إلَّا بِإِشْهَادٍ وَمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فَقَوْلُهُ: كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي مِثَالٌ لِلْإِشْهَادِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا مِثَالٌ لِمَا كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ (قَوْلُهُ: لِقَاضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: إخْبَارُ الشَّاهِدِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَيَخْرُجُ الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِغَيْرِ قَاضٍ، وَاللَّامُ زَائِدَةٌ لِتَقْوِيَةِ الْعَامِلِ ثُمَّ وَجَدْت مَا يُقَوِّي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ إلَخْ) أَيْ احْتَرَزَ عَمَّا إذَا أَخْبَرَ زَيْدٌ الْقَاضِيَ بِأَنَّهُ سَمِعَ عَمْرًا يَذْكُرُ شَهَادَةً عِنْدَهُ لَكِنَّ إخْبَارَ زَيْدٍ الْقَاضِيَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْلًا فَقَوْلُهُ: لَا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ إذَا أَخْبَرَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَطْلَقَ الشَّاهِدُ أَيْ فِي قَوْلِهِ: إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ أَيْ لَا عَلَى مَنْ أَدَّى إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ كَمَا تَبَيَّنَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَخْبَرَ عَنْ الَّذِي سَمِعَهُ يَذْكُرُ شَهَادَةً عِنْدَهُ) أَيْ لَا عِنْدَ الْقَاضِي أَيْ تَحَمُّلُهَا، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ أَيْ بِأَنْ سَمِعَ زَيْدًا يَقُولُ أَشْهَدُ عَلَى عَمْرٍو بِكَذَا وَأَشْهَدُ عَلَى
الشَّاهِدِ وَ " شَهَادَةَ " مَفْعُولٌ لِسَمَاعِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ سَمَاعِهِ إيَّاهُ عَطْفٌ عَلَى السَّمَاعِ وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَعُودُ عَلَى الشَّاهِدِ وَإِيَّاهُ عَائِدٌ عَلَى الْإِخْبَارِ وَذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِيُدْخِلَ نَقْلَ النَّقْلِ وَفِي نُسْخَةٍ إيَّاهَا فَضَمِيرُ سَمَاعِهِ يَعُودُ عَلَى غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ شَهَادَةَ غَيْرِهِ وَضَمِيرُ إيَّاهَا يَعُودُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدْخَلَ بِهَا أَيْضًا نَقْلَ النَّقْلِ، وَقَوْلُهُ: كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي وَلَوْ تَسَلْسَلَ وَلَا يُطْلَبُ بِتَارِيخِ النَّقْلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا مِثَالٌ لِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ سَمَاعَهُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي.
(ص) إنْ غَابَ الْأَصْلُ، وَهُوَ رَجُلٌ بِمَكَانٍ لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ مِنْهُ (ش) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ النَّقْلِ أَنْ يَتَعَذَّرَ حُضُورُ شَاهِدِ الْأَصْلِ أَوْ يَتَعَسَّرَ حَيْثُ كَانَ رَجُلًا فَالْحَاضِرُ الْقَادِرُ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَجُوزُ النَّقْلُ عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَصْلُ امْرَأَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ عَنْهَا مَعَ حُضُورِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ غِيَابُهَا كَالرَّجُلِ، وَالْغَيْبَةُ الَّتِي يَسُوغُ النَّقْلُ مَعَهَا هِيَ مَا فَوْقَ الْبَرِيدَيْنِ فَقَوْلُهُ: بِمَكَانٍ مُتَعَلِّقٌ بِ غَابَ أَيْ غَابَ فِي مَكَان لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ الْأَدَاءُ مِنْهُ، وَهُوَ مَا فَوْقَ الْبَرِيدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الْمَشْهُودُ فِيهِ مَالًا أَوْ حَدًّا وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ النَّقْلِ فِي الْحُدُودِ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ الْأَصْلِيُّ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً فَوْقَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَكْفِي فِي الْحُدُودِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ أَوْ مَاتَ أَوْ مَرِضَ) مَعْطُوفٌ عَلَى غَابَ أَيْ وَكَذَلِكَ يَصِحُّ النَّقْلُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ قَدْ مَاتَ أَوْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضًا شَدِيدًا يَتَعَسَّرُ مَعَهُ الْحُضُورُ إلَى مَحَلِّ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ.
(ص) وَلَمْ يَطْرَأْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ بِخِلَافِ جُنَّ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ النَّقْلِ أَيْضًا أَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَى الشَّاهِدِ الْأَصْلِيِّ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَوْ زَالَ الْفِسْقُ عَنْ الْأَصْلِ فَهَلْ يُنْقَلُ عَنْهُ بِالسَّمَاعِ
ــ
[حاشية العدوي]
شَهَادَتِي فَيَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ فَيَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ شَهَادَةٌ عِنْدَهُ أَيْ أَدَاءً وَالْأَوْلَى قَصْرُهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَيَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، وَيَقُولُ: لَوْ تَسَلْسَلَ فَيَدْخُلُ نَقْلُ النَّقْلِ فِي هَذَا (قَوْلُهُ: وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَعُودُ عَلَى الشَّاهِدِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَوْ إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَنْ سَمَاعِهِ الْإِخْبَارَ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُصَوَّرُ بِمَا إذَا سَمِعَ إخْبَارَ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي فَيَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْلَ نَقْلٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْمُتَبَادَرُ وَنَقْلُ النَّقْلِ دَخَلَ فِي الْأَوَّلِ وَيُصَوَّرُ بِمَا إذَا سَمِعَ الْإِخْبَارَ لِغَيْرِ قَاضٍ كَمَا إذَا سَمِعَ زَيْدٌ عَمْرًا يَقُولُ أَنَا سَمِعْت خَالِدًا يَقُولُ أَنَا أَشْهَدُ بِكَذَا قَائِلًا لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي وَأَنْتَ يَا زَيْدُ تَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي فَهَذَا نَقْلُ نَقْلٍ، وَهِيَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِيُدْخِلَ نَقْلَ النَّقْلِ يُصَوَّرُ بِهَذِهِ مَعَ أَنَّ نَقْلَ النَّقْلِ دَخَلَ بِالطَّرَفِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ فَلَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَلْ سَمَاعُهُ الْإِخْبَارَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ نَقْلُ النَّقْلِ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا سَمِعْت زَيْدًا يُخْبِرُ قَائِلًا: أَنَا أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا لِفُلَانٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي فَهَذِهِ نَقْلٌ فَقَطْ لَا نَقْلُ نَقْلٍ، وَقَوْلُهُ: يَعُودُ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَوْ إخْبَارُ الشَّاهِدِ عَنْ سَمَاعِ الْغَيْرِ الشَّهَادَةَ أَيْ أَدَاءَهَا أَيْ إخْبَارُ الشَّاهِدِ أَيْ كَزَيْدٍ يُخْبِرُ الْقَاضِيَ إخْبَارًا نَاشِئًا عَنْ سَمَاعِ عَمْرٍو الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي أَيْ أَدَاءَهَا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ سَمِعَ عَمْرٌو خَالِدًا يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي فَيُخْبِرُ زَيْدٌ الشَّاهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَالَةَ كَوْنِ عَمْرٍو يَقُولُ لِزَيْدٍ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي فَزَيْدٌ نَاقِلٌ عَنْ عَمْرٍو، وَعَمْرٌو نَاقِلٌ عَنْ خَالِدٍ فَكَأَنَّ خَالِدًا يَقُولُ لِعَمْرٍو: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِالْقُوَّةِ وَعَمْرًا يَقُولُ لِزَيْدٍ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِالْفِعْلِ فَقَدْ نَقَلَ زَيْدٌ لِلْقَاضِي عَنْ عَمْرٍو وَعَمْرٌو نَاقِلٌ عَنْ خَالِدٍ وَيَحْتَمِلُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ أَمَّا الْأَدَاءُ فَقَدْ عَلِمْته.
أَمَّا التَّحَمُّلُ فَبِأَنْ يُخْبِرَ زَيْدٌ الْقَاضِيَ إخْبَارًا نَاشِئًا عَنْ سَمَاعِ عَمْرٍو شَهَادَةً مِنْ خَالِدٍ تَحَمُّلًا أَيْ بِأَنْ يُخْبِرَ خَالِدٌ عَمْرًا بِمَا شَهِدَ بِهِ تَحَمُّلًا قَائِلًا لَهُ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي وَيُخْبِرُ عَمْرٌو زَيْدًا بِذَلِكَ قَائِلًا لَهُ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ نَقْلُ نَقْلٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ أَشَارَ إلَى الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا فَقَوْلُهُ: أَوْ عَنْ سَمَاعِهِ الْإِخْبَارَ أَيْ لِقَاضٍ وَيَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ رَآهُ يُؤَدِّيهَا، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَنْ سَمَاعِهِ شَهَادَةً غَيْرُ رَاجِعٍ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَيْ سَمِعَ زَيْدٌ عَمْرًا يَذْكُرُ شَهَادَةً عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي قَائِلًا لَهُ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي كَانَ ذَلِكَ الذَّاكِرُ شَهَادَةً عِنْدَهُ مُبَاشِرًا أَوْ بِوَاسِطَةٍ فَيَدْخُلُ نَقْلُ النَّقْلِ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُصَنِّفِ نَقْلُ النَّقْلِ إلَّا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: كَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَيْ: وَلَوْ تَسَلْسَلَ ثُمَّ إنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَرْجِيعُ نُسْخَةِ إيَّاهَا لِنُسْخَةِ إيَّاهُ وَيُرَادُ بِالشَّهَادَةِ أَدَاؤُهَا وَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ لِلشَّاهِدِ وَتَرْجِيعُ الضَّمِيرِ لِلْغَيْرِ خُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ.
(قَوْلُهُ هِيَ مَا فَوْقَ الْبَرِيدَيْنِ) هَذَا يُعَيِّنُ الِالْتِفَاتَ إلَى ذَلِكَ دُونَ مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُشْتَرَطُ إلَخْ) كَلَامُ هَذَا الشَّارِحِ كَكَلَامِ بَهْرَامَ يُفِيدُ ضَعْفَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَكْفِي فِي الْحُدُودِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ وَلَكِنَّ كَلَامَ الْمَوَّاقِ يُفِيدُ اعْتِمَادَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَطْرَأْ فِسْقٌ) مَعْطُوفٌ مِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ عَلَى غَابَ الْأَصْلُ أَيْ وَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ جُنَّ) أَيْ طُرُوِّ جُنُونٍ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَلَمْ يَقُلْ لَا جُنَّ مَعَ كَوْنِهِ أَخْصَرَ؛ لِأَنَّ لَا لَا تَعْطِفُ بَعْدَ النَّفْيِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَدَاوَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ عَدَاوَةٌ بَيْنَ الشَّاهِدِ الْأَصْلِ وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَاهِدًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا سَيَأْتِي لَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ وَهُمَا تَقْرِيرَانِ، وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَطْرَأَ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ
الْأَوَّلِ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ ثَانِيًا فِيهِ خِلَافٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ جُنُونٌ عَلَى الشَّاهِدِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ، وَلَمْ يَكْتَفِ الْمُؤَلِّفُ بِالْمَرَضِ عَنْ الْجُنُونِ مَعَ أَنَّهُ مُشْبِهٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مَنْعُ النَّقْلِ عَمَّنْ حَصَلَ لَهُ.
(ص)، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَصْلُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ (ش) يَعْنِي وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ النَّقْلِ أَيْضًا أَنْ لَا يُكَذِّبَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّ تَكْذِيبَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ وَشَكُّ الْأَصْلِ مَعَ جَزْمِ الْفَرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْكَارِ فَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْحُكْمِ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَمُرَادُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ النَّقْلِ.
(ص) وَإِلَّا مَضَى بِلَا غُرْمٍ (ش) أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ كَذَّبَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَمْضِي، وَلَا غَرَامَةَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِكَذِبِهِمْ، وَالْحُكْمُ صَدَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلَا يُنْقَضُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا طَرَأَ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ بَعْدَ الْحُكْمِ.
(ص) وَنَقَلَ - عَنْ كُلٍّ - اثْنَانِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا، وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ عَنْ كُلٍّ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ النَّقْلِ فِي غَيْرِ الزِّنَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ اثْنَانِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ صَارَ الْحَقُّ كَأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَفِي الزِّنَا أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ فَلَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ، وَوَاحِدٌ عَنْ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَتِمَّ الْحُكْمُ؛ إذْ الرَّابِعُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِهِ اثْنَانِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ شُهُودُ الزِّنَا لِمَنْ يَنْقُلُ عَنْهُمْ: اشْهَدُوا عَنَّا أَنَّا رَأَيْنَا فُلَانًا يَزْنِي، وَهُوَ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَلَا تَجِبُ التَّفْرِقَةُ فِي النَّاقِلِ بِخِلَافِ الْأُصُولِ، وَقَوْلُهُ:(أَوْ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ اثْنَانِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: عَنْ كُلٍّ إلَخْ أَيْ أَوْ أَرْبَعَةٌ عَنْ كُلّ اثْنَيْنِ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَأُخْرَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ، وَأَمَّا إذَا نَقَلَ اثْنَانِ عَنْ الثَّلَاثَةِ، وَاثْنَانِ عَنْ وَاحِدٍ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَدْخُلُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اهـ.
وَتَأَمَّلْ وَجْهَهَا قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ عَنْ كُلٍّ اثْنَانِ اثْنَانِ اهـ. أَيْ فَعِنْدَ الْمُؤَلِّفِ الْمَشْهُورُ لَا يَشْهَدُ اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّهُ يَكْفِي عِنْدَهُ ذَلِكَ، وَبِعِبَارَةٍ: أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ أَيْ لَا يَخْلُو الْحَالُ عَنْ هَذَا أَوْ عَنْ هَذَا فَيَصِيرُ الْعِنَادُ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيًّا فَتَخْرُجُ صُورَةُ التَّوْضِيحِ لَا مَانِعَةُ جَمْعٍ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِهَا.
(ص) وَلَفْقُ نَقْلٍ بِأَصْلٍ وَجَازَ تَزْكِيَةُ نَاقِلٍ أَصْلَهُ (ش) يُرِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَلْفِيقُ النَّاقِلِ مَعَ شُهُودِ الْأَصْلِ فَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ بِالرُّؤْيَةِ بِالزِّنَا وَنَقَلَ اثْنَانِ عَنْ اثْنَيْنِ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالرُّؤْيَةِ وَاثْنَانِ نَقْلًا عَنْ وَاحِدٍ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُزَكِّيَ رَجُلًا، وَيَنْقُلَ عَنْهُ شَهَادَتَهُ بِخِلَافِ تَزْكِيَةِ أَحَدِ
ــ
[حاشية العدوي]
فَإِنْ طَرَأَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا ضَرَرَ فِي الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ طَرَأَ وَاحِدٌ بَعْدَ التَّحَمُّلِ وَقَبْلَ الْأَدَاءِ ضَرَّ، وَإِنْ طَرَأَ وَاحِدٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يَقُولُ بِبُطْلَانِ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْحُكْمِ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ
وَالثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ رَاجِعٌ لِلْأَخِيرِ أَعْنِي التَّكْذِيبَ، وَأَمَّا الْفِسْقُ وَالْعَدَاوَةُ فَطُرُّوهُمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ مُشْبِهٌ بِهِ) أَيْ مَعَ أَنَّ اُلْجُنَّ مُشْبِهٌ لِلْمَرَضِ فَمُشْبِهٌ مِنْ أَشْبَهَ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ.
(قَوْلُهُ: شَكُّ الْأَصْلِ) وَأَوْلَى الظَّنُّ أَيْ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَكَّ هَلْ أَوْدَعَهُ الشَّهَادَةَ أَوْ لَا.
(قَوْلُهُ: وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ اثْنَانِ) أَيْ يَنْقُلُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ اثْنَانِ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ يَنْقُلُونَ عَنْ الِاثْنَيْنِ فِي غَيْرِ الزِّنَا بَلْ اثْنَانِ يَكْفِيَانِ فِي النَّقْلِ عَنْ اثْنَيْنِ لَكِنْ يَأْتِيَانِ لِكُلِّ شَخْصٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَيَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَقَوْلُهُ: وَفِي الزِّنَا صُورَةُ نَقْلِ الْأَرْبَعَةِ فِي الزِّنَا أَنْ تَتَوَجَّهَ الْأَرْبَعَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّهُودِ الْأَصْلِيَّةِ وَيَنْقُلُونَ عَنْهُمْ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ وَاحِدَةً وَفِي الزِّنَا إذَا نَقَلَ اثْنَانِ عَنْ وَاحِدٍ وَنَقَلَ عَنْ الثَّانِي وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَآخَرُ مِنْ غَيْرِهِمَا فَإِنَّ النَّقْلَ صَحِيحٌ وَفِي بَهْرَامَ مَا يُوَافِقُهُ وَفِي الْمَوَّاقِ لَا تَجُوزُ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ أَحَدِ النَّاقِلَيْنِ الشَّهَادَةَ مَعَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ أَوَّلًا عَنْ الْآخَرِ رِيبَةٌ، وَقَوْلُهُ: فِي الزِّنَا مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ وَنَقَلَ عَنْ كُلٍّ اثْنَانِ فِيمَا عَدَا الزِّنَا، وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ فَقَدْ عَطَفَ مَعْمُولَيْنِ عَلَى مَعْمُولَيْنِ لِعَامِلٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: إذْ الرَّابِعُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِهِ اثْنَانِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَرْبَعَةٌ، وَعَلَى وَاحِدٍ اثْنَانِ أَنَّهُ يَكْفِي لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَوْنِهَا مَانِعَةَ خُلُوٍّ عَلَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَقَوْلُهُ: وَأَحْرَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ قَضِيَّةُ كَوْنِهَا مَانِعَةَ خُلُوٍّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَا مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ كُلٍّ) فِيهِ تَسَامُحٌ بَلْ قَوْلُهُ: اثْنَانِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَرْبَعَةٌ وَالتَّقْدِيرُ وَفِي الزِّنَا إمَّا أَرْبَعَةٌ عَنْ كُلٍّ وَإِمَّا اثْنَانِ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ (قَوْلُهُ: وَتَأَمَّلْ وَجْهَهَا) أَيْ جَوَازَهَا وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ أَوْ وَجْهَ مَنْعِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْمَنْعِ أَنَّ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعَا مِنْ الْوَاحِدِ يَنْزِلَانِ مَنْزِلَتَهُ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ لَوْ أَدَّى مَعَ الِاثْنَيْنِ النَّاقِلَيْنِ عَنْ الثَّلَاثِ لَمَا تَمَّتْ لِعَدَمِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ الْعِنَادُ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيًّا) التَّفْرِيعُ لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ أَيْ لَا يَخْلُو الْحَالُ عَنْ هَذَا أَوْ هَذَا إمَّا أَنْ يَشْهَدَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ أَوْ يَشْهَدَ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ اثْنَانِ فَمَتَى خَلَا مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا.
(قَوْلُهُ: بِأَصْلٍ) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ مَعَ أَصْلٍ، وَقَوْلُهُ: وَالْإِضَافَةُ أَيْ إضَافَةُ أَصْلٍ، وَقَوْلُهُ: بَلْ أَحْرَى غَيْرُهُ أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ وَاحِدًا مِنْ الشُّهُودِ غَيْرَ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ بِالْأَوْلَى
الشَّاهِدَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالْإِضَافَةُ لَيْسَتْ لِلتَّقْيِيدِ بَلْ أَحْرَى غَيْرُهُ ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّزْكِيَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ النَّقْلِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِلتُّهْمَةِ فِي تَرْوِيجِ نَقْلِهِ؛ لِأَنَّهُ خُفِّفَ فِيهَا مَا لَا يُخَفَّفُ فِي الشَّهَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَعَكْسُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي هَذِهِ أَقْوَى مِنْهَا فِيمَا قَبْلَهَا.
(ص) وَنَقْلُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي بَابِ شَهَادَتِهِنَّ (ش) أَيْ وَجَازَ نَقْلُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ نَاقِلٍ عَنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ مَا يَئُولُ إلَيْهَا أَوْ كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَعَيْبِ الْفَرْجِ أَمَّا نَقْلُ النِّسَاءِ مَعَ رَجُلٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا فَالْمُرَادُ بِبَابِ شَهَادَتِهِنَّ مَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ اسْتِقْلَالًا أَوْ مَعَ يَمِينٍ أَوْ مَعَ رَجُلٍ أَمَّا مَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُنَّ فِيهِ انْفَرَدْنَ أَوْ كُنَّ مَعَ رَجُلٍ.
(ص) وَإِنْ قَالَا: وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا سَقَطَتَا لَا رُجُوعُهُمْ، وَغَرِمَا مَالًا وَدِيَةً، وَلَوْ تَعَمَّدَا (ش) هَذَا افْتِتَاحٌ لِبَابِ رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ الشَّهَادَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ: لَا رُجُوعُهُمْ بِأَنْ يَقُولَ: لَا رُجُوعُهُمْ كَقَوْلِهِمْ: وَهِمْنَا بَلْ هُوَ هَذَا، وَيُتْرَكُ قَوْلُهُ: سَقَطَتَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا بِحَقٍّ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهِمَا: وَهِمْنَا بَلْ الْحَقُّ إنَّمَا هُوَ عَلَى هَذَا الشَّخْصِ لِآخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ تَسْقُطُ لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الْوَهْمِ وَالشَّكِّ، وَأَمَّا لَوْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يُنْقَضُ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ بِمَالٍ أَوْ بِنَفْسٍ تَعَمَّدَا الزُّورَ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا رَجَعَا فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْمُعْتَقِ وَفِي الطَّلَاقِ إنْ دَخَلَ بِالزَّوْجَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ضَمِنَا نِصْفَ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ وَيَضْمَنَانِ الدَّيْنَ وَيَضْمَنَانِ الْعَقْلَ فِي الْقِصَاصِ فِي أَمْوَالِهِمَا اهـ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْعَمْدِ وَاسْتَقْرَبَهُ الْمُؤَلِّفُ كَأَنَّهُمْ قَتَلُوا نَفْسًا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ.
(ص) وَنُقِضَ إنْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ كَحَيَاةِ مَنْ قُتِلَ أَوْ جَبَّهُ قَبْلَ الزِّنَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الشُّهُودَ إذَا ثَبَتَ كَذِبُهُمْ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ قَدِمَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا أَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ الزِّنَا، وَفَائِدَةُ نَقْضِ الْحُكْمِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ الْغُرْمُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَغَرِمَا مَالًا وَدِيَةً وَبِعِبَارَةٍ وَنُقِضَ الْحُكْمُ أَيْ حَيْثُ الْإِمْكَانُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَغَرِمَا مُتَعَلِّقٌ بِمَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنْ مَعَ غَرَامَةِ الدِّيَةِ يُوجَعَانِ أَدَبًا وَيُسْجَنَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً كَمَا فِي الْمَوَّاقِ.
(ص) وَلَا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدَا الْإِحْصَانِ كَرُجُوعِ الْمُزَكِّي (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شُهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَاثْنَانِ بِالْإِحْصَانِ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعُوا كُلُّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى شَاهِدَيْ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُضِيفَا عَيْبًا لِلزَّوْجِ، وَالْغَرَامَةُ كُلُّهَا عَلَى شُهُودِ الزِّنَا كَمَا أَنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى الْمُزَكِّي إذَا رَجَعَ فَقَطْ أَوْ رَجَعَ هُوَ وَشُهُودُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بِغَيْرِهِ أُخِذَ، وَإِنَّمَا الْغَرَامَةُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ بِهِمَا قَامَ الْحَقُّ.
(ص) وَأُدِّبَا فِي كَقَذْفٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُمَا إذَا
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: نَاقِلٍ عَنْ رَجُلٍ) أَيْ فَالْمَرْأَتَانِ وَالرَّجُلُ نَاقِلَانِ عَنْ الرَّجُلِ وَقَوْلُهُ أَوْ امْرَأَةٍ إلَخْ فَإِذَا شَهِدَ امْرَأَتَانِ فِي مَالٍ أَيْ مَعَ الْيَمِينِ وَأُرِيدَ النَّقْلُ عَنْهُمَا فَيَنْقُلُ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ يَنْقُلَانِ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَنْقُلَانِ عَنْ الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَمُّدًا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا أَوْ مَصْدَرًا خَبَرًا لِكَانَ مَحْذُوفَةً وَيُوجَعَانِ أَدَبًا وَيُسْجَنَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً (قَوْلُهُ: لَا رُجُوعُهُمْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ وَاعْتُبِرَ التَّلْفِيقُ لَا رُجُوعُهُمْ أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالِاسْتِيفَاءِ كَمَا هُوَ مُفَادُ شَارِحِنَا وَكَذَا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْمَالِ فَلَا يُنْقَضُ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي الدَّمِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَيُسْتَوْفَى (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ) هَذَا حَلُّ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا قَالَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدُ: أَمَّا لَوْ رَجَعَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا رُجُوعُهُمَا (قَوْلُهُ لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي سُقُوطِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِاعْتِرَافِهِمَا بِعَدَمِ عَدَالَتِهِمَا حَيْثُ شَهِدَا عَلَى شَكٍّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَشْهَبُ) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَعَمُّدًا، وَقَوْلُهُ بِقَرِينَةٍ إلَخْ أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غُرْمَ الدِّيَةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ وَنُقِضَ الْحُكْمُ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مُقَابِلَةٌ لِلْعِبَارَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَيْثُ الْإِمْكَانُ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِيفَاءُ، وَالْعِبَارَةُ الْأُولَى حَمَلَتْ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَالْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى عَبَّرَتْ بِالنَّقْضِ عَنْ ثَمَرَتِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْقَتْلِ عَمْدًا وَاقْتُصَّ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَدِمَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الشَّاهِدِينَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَإِنْ أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ رَجَعَتْ الْعَاقِلَةُ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُمْ وَهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلدِّيَةِ فَإِنْ كَانُوا مُعْدِمِينَ رَجَعُوا عَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُمْ السَّبَبُ فِي أَخْذِهَا، وَلَا رُجُوعَ لِلْغَارِمِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ عَلَى الْآخَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ إلَخْ) يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ النَّقْضُ حَيْثُ الْإِمْكَانُ، وَهُوَ عَدَمُ حُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَأْتِي غُرْمٌ فَمَا وَجْهُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَغَرِمَا، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَغَرِمَا إلَخْ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الرُّجُوعِ بَلْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: لَا رُجُوعُهُمْ إذَا حَصَلَ حُكْمٌ ثُمَّ حَصَلَ الرُّجُوعُ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ اسْتِيفَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ أَيْ إذَا ثَبَتَ الْكَذِبُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَا وَاجِبَ إذْ ذَاكَ إلَّا الْغُرْمُ فَقَطْ، وَهِيَ غَيْرُ صُورَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ، وَصُورَةُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى.
شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَاعْتَرَفَا بِالزُّورِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدَّبَانِ إذْ لَمْ يُتْلِفَا مَالًا فَيَغْرَمَانِهِ، وَلَا نَفْسًا فَيُطْلَبَانِ بِدِيَتِهَا، وَمِثْلُ الْقَذْفِ الضَّرْبُ وَالشَّتْمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(ص) وَحُدَّ شُهُودُ الزِّنَا مُطْلَقًا (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (ص) كَرُجُوعِ أَحَدِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ (ش) تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ حَدِّ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الشُّهُودَ الْأَرْبَعَةَ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ أَمَّا لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّمَا يُحَدُّ الرَّاجِعُ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ لِاعْتِرَافِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَذْفِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْحُكْمُ نَافِذٌ تَامٌّ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ فَيُسْتَوْفَى مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَإِنَّ الْحَدَّ عَلَى الْجَمِيعِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمْ فَاسِقٌ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْقَاضِي، وَأَلْحَقُوا بِالْعَبْدِ الْكَافِرَ وَالْأَعْمَى أَيْ فِيمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهِ، وَوَلَدُ الزِّنَا كَذَلِكَ، وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ اُنْظُرْ تت فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَغَرِمَا فَقَطْ رُبُعَ الدِّيَةِ.
(ص) وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ فَلَا غُرْمَ، وَلَا حَدَّ إلَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ فَيُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَالْعَبْدُ (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ عَلَى شَخْصٍ بِالزِّنَا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمَا، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَقَاذِفَيْنِ شَهِدَ لَهُمَا أَرْبَعَةٌ أَنَّ الْمَقْذُوفَ قَدْ زَنَى، وَلَكِنْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْأَدَبُ الشَّدِيدُ بِالِاجْتِهَادِ فَلَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَ رُجُوعِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ عَبْدٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ الرَّاجِعَانِ وَالْعَبْدُ وَحْدَهُ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَعُلِّلَ حَدُّ الثَّلَاثَةِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ أُقِيمَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بَطَلَ أَحَدُهُمْ لِكَوْنِهِ عَبْدًا، وَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ، وَلَا غَرَامَةَ فَإِنْ قُلْت: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ يُحَدُّ الْجَمِيعُ وَهُنَا جَعَلْتُمْ الْحَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَيْنِ فَقَطْ قُلْت؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمْ يَبْقَ أَرْبَعَةٌ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ بَقِيَ خَمْسَةٌ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّاجِعَيْنِ مَعْمُولٌ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهَا لَا يُنْقَضُ (ص) وَغَرِمَا فَقَطْ رُبُعَ الدِّيَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الرَّاجِعَيْنِ يَغْرَمَانِ فَقَطْ رُبُعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَثُرُوا فِي حُكْمِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ تَكْمِلَةَ النِّصَابِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ الشَّهَادَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا غَرَامَةَ، وَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ إذَا شَهِدَ مَعَهُمْ اثْنَانِ، وَلَا عِبْرَةَ فِي حَقِّهِمْ بِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ.
(ص) ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: فَحُدَّ إلَخْ) كَذَا النَّقْلُ عَنْ سَحْنُونَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا لَوْ رَجَعَا قَبْلَهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِكَوْنِ الِاسْتِيفَاءِ مُسْتَنِدًا إلَى شَهَادَتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْقَذْفِ الضَّرْبُ) أَيْ دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ مَا أَوْجَبَ التَّعْزِيرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَالضَّرْبُ وَالشَّتْمُ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُدْخَلَ الْكَافِ مَا لَيْسَ فِيهِ مَالٌ، وَلَا دِيَةٌ وَيُفَوِّتُ الْمُصَنِّفُ حِينَئِذٍ أَدَبَهُمَا فِيمَا فِيهِ غُرْمٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَإِنْ جُعِلَ مَدْخُولُ الْكَافِ شَامِلًا لِمَا فِيهِ غُرْمٌ كَغَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ ثُمَّ لَمَّا رَجَعَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَغَرِمَا الْمَالَ وَدِيَةَ الْيَدِ فَيُؤَدَّبَانِ أَيْضًا، وَيُقَيَّدُ الْأَدَبُ فِيمَا مَرَّ فِي النَّفْسِ بِالْأَوْلَى، وَمَحَلُّ أَدَبِهِمَا فِي رُجُوعِهِمَا فِي كَقَذْفٍ حَيْثُ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمَا تَعَمُّدًا فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِمَا فَلَا أَدَبَ وَإِنْ أَشْكَلَ فَقَوْلَانِ.
(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ حُدَّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ لِاعْتِرَافِهِ إلَخْ) مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يُحَدُّونَ كُلُّهُمْ (قَوْلُهُ: تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْقَاضِي) وَإِنَّمَا تَمَّتْ الشَّهَادَةُ مَعَ تَبَيُّنِ فِسْقِ الْبَعْضِ دُونَ تَبَيُّنِ رِقِّهِ أَوْ كُفْرِهِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ قَدْ يَخْفَى فَالْقَاضِي مَعْذُورٌ فَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ، وَأَمَّا الرِّقُّ وَالْكُفْرُ فَالْغَالِبُ ظُهُورُهُمَا فَالْقَاضِي قَدْ حَكَمَ مُقَصِّرًا فَيُنْقَضُ حُكْمُهُ ثُمَّ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ إذَا ظَهَرَ أَنَّ أَحَدَ الشُّهُودِ فَاسِقٌ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُطَابِقَ لِلْفِقْهِ أَنَّ الْفَاسِقَ كَالْعَبْدِ فِي حَدِّ الْجَمِيعِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ يُفَارِقُ الْعَبْدَ فِي عَدَمِ حَدِّ الْجَمِيعِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَهُوَ مَحَلُّ مُفَارَقَتِهِمَا، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ عَلِمَ بَعْدَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَبْدٌ حُدَّ الشُّهُودُ أَجْمَعُ، وَإِنْ كَانَ مَسْخُوطًا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي عَدَمِ التُّهَمِ، وَلَمْ تَتِمَّ فِي الْعَبْدِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الزِّنَا كَذَلِكَ) أَيْ يَلْحَقُ وَلَدُ الزِّنَا بِالْعَبْدِ فِيمَا لَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَتُهُ، وَقَوْلُهُ: وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَيْ مُلْحَقٌ بِالْعَبْدِ أَيْ فِي جَمِيعِ الْحَدِّيَّاتِ لَا فِي خُصُوصِ شَيْءٍ كَمَا قِيلَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: اُنْظُرْ تت وَعِبَارَةُ تت وَكَذَا أَلْحَقُوا بِالْعَبْدِ الْأَعْمَى وَوَلَدَ الزِّنَا وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَالْكَافِرَ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ عَبْدٌ) أَيْ أَوْ كَافِرٌ لَا فَاسِقٌ (قَوْلُهُ: بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُقَامُ بِأَكْثَرَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ أَقَلُّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْحَدُّ الْأَرْبَعَةَ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ: بَطَلَ أَحَدُهُمْ لِكَوْنِهِ عَبْدًا لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي حَدَّ الْعَبْدِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشِيرُ إلَى عِلَّةِ حَدِّ الرَّاجِعِينَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ الشَّهَادَةِ) الْأَوْلَى مَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ مِنْ أَنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ، وَأَمَّا تَعْلِيلُهُ الْمَذْكُورُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَغَرِمَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ رُجُوعًا، وَإِنْ رَجَعَ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ رَجَعَ ثَالِثٌ) أَيْ بَعْدَ رُجُوعِ اثْنَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْمَسْأَلَةِ عَبْدٌ، وَلَيْسَ رَاجِعًا لِمَا يَلِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: حُدَّ هُوَ وَالسَّابِقَانِ، وَلَوْ كَانَ رَاجِعًا لِمَا يَلِيهِ لَقَالَ هُوَ وَالسَّابِقُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَيْضًا إنَّمَا أَتَى بِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ فَهِيَ بِحَسَبِ التَّبَعِ، وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ مَا قَبْلَهَا.
حُدَّ هُوَ وَالسَّابِقَانِ وَغَرِمُوا رُبُعَ الدِّيَةِ وَرَابِعٌ فَنِصْفَهَا (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ بِالزِّنَا عَلَى رَجُلٍ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَلَا غُرْمَ، وَلَا حَدَّ كَمَا مَرَّ فَإِنْ رَجَعَ ثَالِثٌ فَإِنَّ حَدَّ الْقَذْفِ وَاجِبٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ ثَلَاثَةٌ؛ وَلِذَا حُدَّ السَّابِقَانِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا انْتَفَى عَنْهُمَا لِبَقَاءِ أَرْبَعَةٍ بَعْدَهُمَا، وَقَدْ زَالَ بِرُجُوعِ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِمْ غَرَامَةُ رُبُعِ الدِّيَةِ فَقَطْ أَثْلَاثًا، فَإِنْ رَجَعَ رَابِعٌ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ، وَعَلَى الْأَرْبَعَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ أَرْبَاعًا فَإِنْ رَجَعَ خَامِسٌ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا فَإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ فَجَمِيعُهُمَا بَيْنَهُمْ أَسْدَاسًا، وَسَكَتَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ هَذَا لِوُضُوحِهِ.
(ص) وَإِنْ رَجَعَ سَادِسٌ بَعْدَ فَقْءِ عَيْنِهِ، وَخَامِسٌ بَعْدَ مُوضِحَتِهِ، وَرَابِعٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَلَى الثَّانِي خُمُسُ الْمُوضِحَةِ مَعَ سُدُسِ الْعَيْنِ كَالْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّالِثِ رُبُعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ سِتَّةٌ عَلَى مُحْصَنٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِرَجْمِهِ فَلَمَّا شَرَعُوا فِي رَجْمِهِ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فَرَجَعَ سَادِسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي ثُمَّ أَصَابَتْهُ مُوضِحَةٌ فَرَجَعَ خَامِسٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي ثُمَّ ذَهَبَتْ رُوحُهُ فَرَجَعَ رَابِعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدُسُ دِيَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِشَهَادَةِ سِتَّةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْخَامِسُ خُمُسُ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِشَهَادَةِ خَمْسَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ وَعَلَيْهِ أَيْضًا سُدُسُ دِيَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِشَهَادَةِ سِتَّةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ، وَعَلَى الثَّالِثِ وَهُوَ الرَّابِعُ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَاقِي رُبُعُ دِيَةِ النَّفْسِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَيْنِ، وَلَا مِنْ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي النَّفْسِ كَمَا يَأْتِي وَانْدَرَجَ طَرَفٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَوْجَبَ الْغُرْمَ عَلَى هَذَا السَّادِسِ وَالْخَامِسِ إلَّا رُجُوعُ هَذَا الرَّابِعِ فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ فَلَا غُرْمَ فَإِذَا رَجَعَ غَيْرُهُ فَالْجَمِيعُ، وَهَذَا الْفَرْعُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ وَعَزَاهُ لَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَمَّا شَرَحَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الرُّجُوعَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ يُسْتَوْفَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الرَّاجِعِينَ رُبُعُ دِيَةِ النَّفْسِ دُونَ دِيَةِ الْعَيْنِ وَالْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قُتِلَ بِشَهَادَةِ السِّتَّةِ، وَدِيَةُ الْأَعْضَاءِ تَنْدَرِجُ كَمَا مَرَّ.
(ص) وَمُكِّنَ مُدَّعٍ رُجُوعًا مِنْ بَيِّنَةٍ كَيَمِينٍ إنْ أَتَى بِلَطْخٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى أَنَّ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ قَدْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ، وَطَلَبَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ، وَيُمَكَّنُ مِنْهُ كَمَا إذَا الْتَمَسَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَمِينَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، فَإِنْ حَلَفَا بَرِئَا مِنْ الْغَرَامَةِ، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُمَا رَجَعَا وَأَغْرَمَهُمَا مَا أَتْلَفَا فَإِنْ نَكَلَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِمَا، وَمَحَلُّ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِدَعْوَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رُجُوعُهُمَا عَمَّا شَهِدَا بِهِ إنْ أَتَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِلَطْخٍ أَيْ بِشُبْهَةٍ فِي دَعْوَى الرُّجُوعِ كَأَنْ يُشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا.
(ص) وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُمَا عَنْ الرُّجُوعِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا بِحَقٍّ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ رُجُوعِهِمَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا وَيَغْرَمَانِ مَا أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا كَالرَّاجِعِ الْمُتَمَادِي.
(ص) وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِكَذِبِهِمْ وَحَكَمَ فَالْقِصَاصُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا عَلِمَ بِأَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِالْجَوْرِ وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ لَا مِنْ الشُّهُودِ وَسَوَاءٌ بَاشَرَ الْقَتْلَ أَمْ لَا كَذَا يُقْتَصُّ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ حَيْثُ عَلِمَ بِكَذِبِهِمْ وَتَعَمُّدِهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي وَالْوَلِيُّ بِالْكَذِبِ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِكَذِبِهِمْ بَلْ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْقَوَادِحِ.
(ص) وَإِنْ رَجَعَ عَنْ طَلَاقٍ فَلَا غُرْمَ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ (ش) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الدِّمَاءِ شَرَعَ الْآنَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْفُرُوجِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمَا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ، وَهُوَ لَا قِيمَةَ لَهُ هَذَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (إنْ دَخَلَ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ) هُوَ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ: وَدِيَةُ الْأَعْضَاءِ تَنْدَرِجُ) أَيْ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ عَزَاهُ لِمُحَمَّدٍ وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَلَمْ يَعْزُهُ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا لِبِنَائِهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ هَذَا حَاصِلُ الشَّارِحِ إلَّا أَنَّ عج قَالَ فِي تَقْرِيرِهِ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَابَةَ فِي بِنَاءِ مَشْهُورٍ عَلَى ضَعِيفٍ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ وَيُمَكَّنُ مِنْهُ) وَفَائِدَةُ تَمْكِينِهِ غُرْمُهُمَا لَهُ وَظَاهِرُهُ تَمْكِينُهُ مِنْ إقَامَتِهَا، وَلَوْ عَجَّزَهُ الْقَاضِي عَنْ إقَامَتِهَا حَيْثُ نَسِيَهَا وَقْتَ غُرْمِهِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ، وَأَمَّا إنْ عَجَّزَهُ، وَهُوَ يَدَّعِي حُجَّةً فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ يَحْلِفُ عَلَى النِّسْيَانِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا الْتَمَسَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَجَّزَ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يُشَاعَ) أَيْ وَكَإِقَامَتِهِ عَلَى رُجُوعِهِمَا شَاهِدًا غَيْرَ عَدْلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا آيِلٍ إلَيْهِ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ إلَخْ) وَمِثْلُ الْحَاكِمِ الْمُحَكَّمُ أَيْ وَيَكُونُ عِلْمُهُ بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ فَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْأَوْلَى لَوْ حَكَمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ لِبَيِّنَةٍ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ الشُّهُودِ) وَسَوَاءٌ تَعَمَّدُوا أَمْ لَا فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَاتَ بِحُكْمِ الْقَاضِي لَا بِشَهَادَتِهِمْ. (قَوْلُهُ: اُقْتُصَّ مِنْهُمَا) أَيْ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالشَّرْعِ
لَهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ الَّذِي غَرِمَهُ لِلزَّوْجَةِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:(وَإِلَّا فَنِصْفٌ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ، وَعَلَيْهِ فَلَا غُرْمَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ اسْتَحَقَّتْ النِّصْفَ بِالْعَقْدِ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا لَا غُرْمَ عَلَى مَنْ شَهِدَا بِأَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ قَدْ عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ تُفَوِّتَا عَلَى الْوَلِيِّ إلَّا اسْتِحْقَاقَ الدَّمِ، وَهُوَ لَا يُقَوَّمُ، وَيُجْلَدُ الْقَاتِلُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً وَيُؤَدَّبُ الشَّاهِدَانِ فَقَوْلُهُ: كَعَفْوِ الْقِصَاصِ مُشَبَّهٌ فِي قَوْلِهِ: فَلَا غُرْمَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَخِّرْهُ عَنْ قَوْلِهِ فَنِصْفٌ لِئَلَّا يَفْسُدَ التَّشْبِيهُ قَوْلُهُ: إنْ دَخَلَ شَرْطٌ فِي قَوْلِهِ فَلَا غُرْمَ، وَلَا يُقَالُ: الْقَاعِدَةُ الْأَغْلَبِيَّةُ أَنَّ الشَّرْطَ رَاجِعٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ، وَهُنَا رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِمَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَحَلُّ الْقَاعِدَةِ فِي الْكَافِ التَّمْثِيلِيَّةِ لَا التَّشْبِيهِيَّةِ كَمَا هُنَا (ص) كَرُجُوعِهِمَا عَنْ دُخُولِ مُطَلَّقَةٍ (ش) التَّشْبِيهُ فِي غَرَامَةِ نِصْفِ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَكَمَالِ الصَّدَاقِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِالدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلزَّوْجِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَ رُبُعَ الصَّدَاقِ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي نِكَاحِ الْمُسَمَّى، وَإِلَّا غَرِمَا جَمِيعَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ التَّفْوِيضِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ الصَّدَاقُ بِالْوَطْءِ لَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا بِالْمَوْتِ.
(ص) وَاخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ بِدُخُولٍ عَنْ الطَّلَاقِ (ش) صُورَتُهُمَا امْرَأَةٌ فِي عِصْمَةِ رَجُلٍ نِكَاحُهَا ثَابِتٌ شَهِدَ اثْنَانِ بِطَلَاقِهَا، وَشَهِدَ اثْنَانِ آخَرَانِ بِأَنَّ زَوْجَهَا قَدْ دَخَلَ بِهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَجَمِيعِ الصَّدَاقِ ثُمَّ رَجَعَ الْأَرْبَعَةُ فَإِنَّ الْغُرْمَ لِجَمِيعِ الصَّدَاقِ مُخْتَصٌّ بِشَاهِدَيْ الدُّخُولِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إنَّمَا دُفِعَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَا غَرَامَةَ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِمَا عَنْ طَلَاقِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَقَدْ مَرَّ عَدَمُ الْغُرْمِ فِي ذَلِكَ أَيْ وَاخْتَصَّ الرَّاجِعَانِ عَنْ شَهَادَةِ الدُّخُولِ بِغُرْمِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا عَنْ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ الرَّاجِعَيْنِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِالطَّلَاقِ.
(ص) وَرَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ إنْ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ (ش) الْمَوْضُوعُ بِحَالِهِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَةَ مَاتَتْ، وَهُوَ مُنْكِرٌ لِطَلَاقِهَا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِشَاهِدَيْ الدُّخُولِ مَا غَرِمَاهُ لَهُ، وَهُوَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ طَلَاقَهَا وَالْبِنَاءَ بِهَا يُوجِبُ أَنَّ مَوْتَهَا فِي عِصْمَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِ كُلَّ الصَّدَاقِ، وَقَوْلُهُ: وَرَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ مِنْ إقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ، وَلَوْ قَالَ: وَرَجَعَا عَلَى الزَّوْجِ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَقَوْلُهُ: إنْ أَنْكَرَ الطَّلَاقَ أَيْ اسْتَمَرَّ عَلَى إنْكَارِهِ هُوَ شَرْطٌ فِي رُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَشَهِدَا عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ إنْكَارِهِ الطَّلَاقَ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لَأَدَّى الْكَلَامُ إلَى أَنَّ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ يَرْجِعَانِ عَلَى الزَّوْجِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ أَمْ لَا لِإِطْلَاقِهِ مَعَ تَقَدُّمِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَذَا فَهِمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
(ص) وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إرْثٍ دُونَ مَا غَرِمَ (ش) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ: عَلَيْهِمَا يَرْجِعُ لِشَاهِدَيْ الطَّلَاقِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجَةِ بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إرْثِهَا؛ إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا بِطَلَاقِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ لَكَانَ يَرِثُهَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِشَيْءٍ مِنْ نِصْفِ صَدَاقِهَا لَهَا لِاعْتِرَافِهِ بِكَمَالِ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ؛ إذْ هُوَ مُنْكِرٌ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُثَنَّى رَاجِعٌ لِشَاهِدَيْ الطَّلَاقِ كَمَا قَرَّرْنَا قَوْلُهُ: بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إرْثٍ؛ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ لَا يُفَوِّتَانِ عَلَيْهِ إرْثًا لَكِنْ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِمَا قَبْلَهَا بَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَاتَتْ الزَّوْجَةُ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهُ مِنْ إرْثٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ) أَيْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلزَّوْجِ نِصْفَ الصَّدَاقِ) أَيْ فَقَطْ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُقِرٌّ بِالطَّلَاقِ
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا) وَفِي تت وَحُلُولُو: يَغْرَمَانِ لَهُ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ أَوْ الْجَمِيعَ، وَالطَّلَاقُ يَشْطُرُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ
(قَوْلُهُ: وَرَجَعَ إلَخْ) هَذَا فِي نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ، وَإِلَّا فَالتَّفْوِيضُ لَا يُوجِبُ بِالْعَقْدِ شَيْئًا، وَلَوْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ. (قَوْلُهُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ) وَمِثْلُ مَوْتِ الزَّوْجَةِ مَوْتُ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُحْتَرَزَ اسْتَمَرَّ إنَّمَا مُحْتَرَزُهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ اسْتِمْرَارِهِ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَا أَيْ وَغَرِمَا أَيْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ (قَوْلُهُ: مَعَ تَقَدُّمِ الْمَسْأَلَتَيْنِ) مَسْأَلَةُ إنْكَارِهِ، وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ قَرِيبًا، وَمَسْأَلَةُ إقْرَارِهِ أَيْ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِهِ كَرُجُوعِهِمَا عَنْ دُخُولِ مُطَلَّقَةٍ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِهِ أَيْ اسْتَمَرَّ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ إنْكَارِهِ الطَّلَاقَ.
(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَهُ يَقْتَضِي خُصُوصَهُ بِاَلَّتِي قَبْلَهَا.
يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ هُنَاكَ شَاهِدَا دُخُولٍ أَمْ لَا.
(ص) وَرَجَعَتْ عَلَيْهِمَا بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ إرْثٍ وَصَدَاقٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَةَ تَرْجِعُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ بِمَا فَوَّتَاهَا مِنْ إرْثِهَا مِنْهُ وَمِنْ نِصْفِ صَدَاقِهَا إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا بِالطَّلَاقِ لَكَانَتْ تَرِثُهُ وَلْتُكْمِلْ صَدَاقَهَا فَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمَوْضُوعَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ إلَّا شُهُودُ طَلَاقٍ فَقَطْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ إذْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ شُهُودُ دُخُولٍ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا رُجُوعٌ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِمَا صَدَاقًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُسَمَّى لَهَا كَمَا مَرَّ.
(ص) وَإِنْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحِ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلَاقِ أَمَةٍ غَرِمَا لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ بِزَوْجِيَّتِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِطَلَاقِ أَمَةٍ مِنْ عِصْمَةِ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَالْحَالُ أَنَّ سَيِّدَهَا مُصَدَّقٌ عَلَى الطَّلَاقِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِالْفِرَاقِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا بِتَجْرِيحِ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّجْرِيحِ عَلَى مَا مَرَّ، أَوْ شَهِدَا بِتَغْلِيطِهِمَا بِأَنْ قَالَا: غَلِطْتُمَا فِي شَهَادَتِكُمَا، وَإِنَّمَا الَّتِي شَهِدْتُمَا بِطَلَاقِهَا غَيْرُ هَذِهِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِرَدِّ الْأَمَةِ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا ثُمَّ إنَّ شَاهِدَيْ التَّغْلِيطِ أَوْ التَّجْرِيحِ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَتْهُ الْأَمَةُ بِسَبَبِ زَوْجِيَّتِهَا أَيْ بِسَبَبِ بَقَائِهَا وَعَوْدِهَا لِعِصْمَةِ زَوْجِهَا فَإِنَّ عَوْدَهَا ثَانِيًا عَيْبٌ فَتُقَوَّمُ الْأَمَةُ بِلَا زَوْجٍ وَتُقَوَّمُ مُتَزَوِّجَةً وَيَغْرَمَانِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَقَوْلُنَا وَالْحَالُ أَنَّ سَيِّدَهَا مُصَدَّقٌ عَلَى الطَّلَاقِ احْتِرَازٌ مِمَّا لَوْ كَانَ مُنْكِرًا لَهُ فَلَا يَغْرَمَانِ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْخِلَا عَلَى أَمَتِهِ عَيْبًا وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَغْلِيطِ شَاهِدَيْ طَلَاقِ حُرَّةٍ لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا قِيمَةَ لَهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَبْدَ كَالْأَمَةِ.
(ص) وَلَوْ كَانَ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ لَمْ تَطِبْ أَوْ بِآبِقٍ فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَالْإِتْلَافِ بِلَا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ فَتَغْرَمَ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الْأَحْسَنِ (ش) أَيْ وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ وَاقِعَةٍ بِخُلْعٍ بِثَمَرَةٍ إلَخْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا خَالَعَتْ زَوْجَهَا بِثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا أَوْ بِعَبْدٍ أَبَقَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِصِحَّةِ الْخُلْعِ وَلُزُومِهِ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلْمَرْأَةِ قِيمَةَ الثَّمَرَةِ أَوْ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَمَا مَعَهُ حِينَ الشَّهَادَةِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِالْأَحْسَنِ كَمَنْ أَتْلَفَ ثَمَرَةً لَمْ تَطِبْ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا حِينَ الْإِتْلَافِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَلَا يُسْتَأْنَى بِمَا ذُكِرَ إلَى حُصُولِ الطِّيبِ وَالْآبِقِ فَتَغْرَمُ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ فَالْقِيمَةُ الْأُولَى حِينَ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ مُثْبَتَةٌ وَالثَّانِيَةُ حِينَ الْحُصُولِ، وَهِيَ مَنْفِيَّةٌ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَلَا حُكْمٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَحْسَنِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُثْبَتِ، وَإِنَّمَا أَتَى الْمُؤَلِّفُ فِي الْبَعْضِ بِعَنْ وَفِي الْبَعْضِ بِالْبَاءِ لِلتَّفَنُّنِ وَلِيُفِيدَ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَنْ وَقَوْلُهُ بِثَمَرَةٍ لَمْ تَطِبْ الْمُرَادُ بِمَا فِيهِ غَرَرٌ لَا بِمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُخَالَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِهِ.
(ص) وَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ، وَوَلَاؤُهُ لَهُ (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِتْقًا نَاجِزًا فَحَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِسَيِّدِهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ لِاعْتِرَافِهِمَا بِذَلِكَ، وَالسَّيِّدُ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى مُقْتَضَى إنْكَارِهِ لِلْعِتْقِ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ يَأْخُذُ مَالَهُ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَالْبَاءُ فِي بِعِتْقٍ بِمَعْنَى عَنْ.
(ص) وَهَلْ إنْ كَانَ لِأَجَلٍ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ، وَالْمَنْفَعَةُ إلَيْهِ لَهُمَا، أَوْ تَسْقُطُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ، أَوْ يُخَيَّرُ فِيهِمَا؟ أَقْوَالٌ (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ شَخْصَانِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ إلَى أَجَلٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ أَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ قِيمَةَ الْعَبْدِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: شَاهِدَيْ إلَخْ) تَنَازَعَهُ تَجْرِيحٌ وَتَغْلِيطٌ فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ الْعَرَبِ بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الْأَسَدِ وَقَوْلِ النُّحَاةِ قَطِعَ اللَّهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَا غَلِطْتُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّا سَمِعْنَا مِنْكُمَا أَنَّكُمَا قُلْتُمَا غَلِطْتُمَا وَهُمَا يُنْكِرَانِ ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّاهِدَانِ حَاضِرَيْنِ وَمِثْلُ الْحَاضِرَيْنِ مَا إذَا كَانَا غَائِبَيْنِ أَوْ مَيِّتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَيَغْرَمَانِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ) أَيْ، وَلَا أَرْشَ لِلْبَكَارَةِ لِانْدِرَاجِهَا فِي الصَّدَاقِ، ثُمَّ غُرْمُهُمَا مَا نَقَصَتْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَيْبَ التَّزْوِيجِ يَرْتَفِعُ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ، وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ فَوُجُودُهُ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْعِصْمَةِ أَشَدُّ مِنْهُ مَعَ خُرُوجِهَا مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ مُعْتَبَرَةٌ، وَقَوْلُهُ: فَتَغْرَمَ بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى تَأْخِيرٍ (قَوْلُهُ: بِلَا تَأْخِيرٍ لِلْحُصُولِ) الْمَنْفِيِّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ يُؤَخَّرُ التَّقْوِيمُ لِلْحُصُولِ فَيَغْرَمُ الشُّهُودُ الْقِيمَةَ حِينَ الْحُصُولِ (قَوْلُهُ: حِينَ الشَّهَادَةِ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْقِيمَةَ مُقَدَّرَةٌ حِينَ الشَّهَادَةِ أَيْ: وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّهَادَةِ بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ حِينَ الْخُلْعِ (قَوْلُهُ: الْقَفْصِيُّ) نِسْبَةٌ لِقَفْصَةَ بَلْدَةٌ بِالْمَغْرِبِ، وَهُوَ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا إلَّا ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ (قَوْلُهُ: حِينَ الْإِتْلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقِيمَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ رَائِحَةِ الْفِعْلِ وَالْأَحْسَنُ جَعْلُهُ حَالًا، وَالتَّقْدِيرُ حَالَ كَوْنِ الْقِيمَةِ مُعْتَبَرَةً حِينَ الْإِتْلَافِ (قَوْلُهُ: فَتَغْرَمَ الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ) لَفْظُ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ) أَيْ: وَهُوَ حِينَ الشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَا حُكْمٍ وَاحِدٍ أَيْ، وَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ بَلْ عَلَى حُكْمَيْنِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَقَامِ حِينَ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ حُكْمٌ فَقَدْ تَسَمَّحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ) وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرْنَا قُلْنَا أَنْ تَغْرَمَ بِالنَّصْبِ أَيْ وَأَمَّا لَوْ قُرِئَ بِالرَّفْعِ لَكَانَ قَوْلُهُ: فَتَغْرَمُ الْقِيمَةَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ فَالْقِيمَةُ حِينَئِذٍ.
(قَوْلُهُ: يَوْمَ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِ) حَالٌ مِنْ الْقِيمَةِ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْقِيمَةِ مُعْتَبَرَةً يَوْمَ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِ يَغْرَمَ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ يَوْمَ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ) فَإِذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِعِتْقِهِ أَمَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَطَأَهَا حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ، وَلَوْ قَبَضَ مِنْهُمْ الْقِيمَةَ، وَأَمَّا هِيَ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُبِيحَ فَرْجَهَا لِلْأَزْوَاجِ حَيْثُ عَلِمَتْ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالْعِتْقِ زُورٌ، وَإِلَّا جَازَ لَهَا ذَلِكَ.
الْآنَ لِسَيِّدِهِ وَيَسْتَوْفِيَانِ خِدْمَتَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنْ زَادَتْ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْقِيمَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يَأْخُذَانِ مِنْ الزِّيَادَةِ شَيْئًا
، الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ إلَى الْأَجَلِ تُقَوَّمُ عَلَى غَرَرِهَا، وَتَسْقُطُ مِنْ الْقِيمَةِ وَبَاقِي الْقِيمَةِ يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ الْآنَ، وَيَتَسَلَّمُ مَنَافِعَ الْعَبْدِ إلَى الْأَجَلِ فَتُقَوَّمُ مَنَافِعُهُ عَلَى غَرَرِهَا وَتَجْوِيزِ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ يَعِيشَ إلَيْهِ فَيَخْرُجَ حُرًّا فَتُحَطَّ الْقِيمَةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيمَةِ الَّتِي يَغْرَمَانِهَا، وَتَبْقَى مَنَافِعُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا، الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ السَّيِّدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ إلَى الشَّاهِدَيْنِ إلَى الْأَجَلِ وَيَأْخُذَ مِنْهُمَا قِيمَتَهُ الْآنَ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ الْآنَ مِنْهُمَا، وَيَتَمَسَّكَ بِالْمَنَافِعِ إلَى الْأَجَلِ، وَيَدْفَعَ قِيمَتَهَا إلَيْهِمَا وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ فَقَوْلُهُ: وَهَلْ إنْ كَانَ لِأَجَلٍ أَيْ وَهَلْ إنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ عِتْقٍ لِأَجَلٍ أَيْ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِعِتْقٍ لِأَجَلٍ أَوْ وَهَلْ إنْ كَانَ الْعِتْقُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ لِأَجَلٍ وَهَذَا أَسْلَسُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحُوجُ إلَى تَقْدِيرٍ، وَالْأَوَّلُ أَجْرَى عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ جَرَيَانِ مَرْجِعِ الضَّمَائِرِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَدَمِ تَشَتُّتِهِ، وَالْمَرْجِعُ هُنَا الرُّجُوعُ، قَوْلُهُ: وَالْمَنْفَعَةُ إلَيْهِ لَهُمَا مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى مَا غَرِمَا، وَإِلَّا فَالْبَاقِي يَرْجِعُ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ قَتَلَهُ السَّيِّدُ رَجَعَا عَلَيْهِ بِبَقِيَّةِ قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِبَقِيَّةِ مَا لَهُمَا إنْ زَادَتْ قِيمَةُ بَاقِي الْمَنْفَعَةِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ فَقَالَ تت فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ السَّيِّدِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَتَرَكَ مَالًا أَوْ قُتِلَ فَأَخَذَ لَهُ قِيمَةً أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْخِدْمَةِ وَتَرَكَ مَالًا فَإِنَّهُمَا يَأْخُذَانِ مَا بَقِيَ لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ: أَوْ تَسْقُطُ إلَخْ فَإِنْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَخَذَا قِيمَتَهَا عَلَى غَرَرِهَا فَقَوْلُهُ: أَوْ تَسْقُطُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ مَعْطُوفٌ عَلَى يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ، وَهَذَا يُفِيدُ الْخِلَافَ فِي الْقِيمَةِ أَيْ أَوْ لَا يَغْرَمَانِ جَمِيعَ الْقِيمَةِ بَلْ تَسْقُطُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ فَالْخِلَافُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ غُرْمِ جَمِيعِهَا وَعَدَمِ غُرْمِ جَمِيعِهَا قَوْلُهُ: أَوْ يُخَيَّرُ فِيهَا بِضَمِيرِ الْإِفْرَادِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ أَمَّا النُّسْخَةُ الْأُولَى فَالضَّمِيرُ فِيهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ أَيْ أَوْ يُخَيَّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ وَأَمَّا النُّسْخَةُ الثَّانِيَةُ فَالضَّمِيرُ فِيهَا عَائِدٌ عَلَى الْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ أَيْ بَيْنَ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَيُسَلِّمَهَا لِلشَّاهِدَيْنِ، وَفِي عَدَمِ الْإِسْقَاطِ بِأَنْ يَأْخُذَهَا وَيَدْفَعَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَكَلَامُ الشَّارِحِ خِلَافُ النَّقْلِ.
(ص) وَإِنْ كَانَ بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ فَالْقِيمَةُ وَاسْتَوْفَيَا مِنْ خِدْمَتِهِ فَإِنْ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِمَا وَهُمَا أَوْلَى إنْ رَدَّهُ دَيْنٌ أَوْ بَعْضُهُ (ش) أَيْ وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ وَقَعَتْ بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَى السَّيِّدِ أَنَّهُ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلسَّيِّدِ قِيمَتَهُ الْآنَ، وَيَسْتَوْفِيَانِهَا مِنْ خِدْمَتِهِ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهِمَا غَيْرُ الْخِدْمَةِ ثُمَّ إذَا مَاتَ سَيِّدُهُ وَعَتَقَ بِأَنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَا اسْتَوْفَيَا مَا غَرِمَاهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ لَهُمَا مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ ضَاعَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ أَوْ حَمَلَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُمَا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ الدُّيُونِ بِمَا رُقَّ مِنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَا مَا بَقِيَ لَهُمَا مِنْ الَّذِي غَرِمَاهُ، وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ (كَالْجِنَايَةِ) فِي الْأَوْلَوِيَّةِ أَيْ كَمَا أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَوْلَى بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي مِنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُدَبَّرًا، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَالْعَبْدُ الْجَانِي عَلَى مُسْتَحَقِّهَا فَقَوْلُهُ: فَعَلَيْهِمَا أَيْ فَاَلَّذِي بَقِيَ ضَاعَ عَلَيْهِمَا.
(ص) وَإِنْ كَانَ بِكِتَابَةٍ فَالْقِيمَةُ وَاسْتَوْفَيَا مِنْ نُجُومِهِ، وَإِنْ رُقَّ فَمِنْ رَقَبَتِهِ (ش) يَعْنِي، وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ وَقَعَتْ بِكِتَابَةِ عَبْدٍ إلَخْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ قِيمَتَهُ لِلسَّيِّدِ عَاجِلًا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَانِهَا مِنْ نُجُومِهِ ثُمَّ يَتَأَدَّى السَّيِّدُ مَا بَقِيَ فَإِنْ أَدَّاهَا كُلَّهَا عَتَقَ، وَلَوْ عَجَزَ وَلَوْ عَنْ الْبَعْضِ وَرُقَّ فَإِنَّهُمَا يَأْخُذَانِ مَا بَقِيَ لَهُمَا مِنْ رَقَبَتِهِ فَإِنْ لَمْ تُوَفِّ فَلَا
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: الْآنَ لِسَيِّدِهِ) ظَرْفٌ لِلْغُرْمِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ زَادَتْ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْقِيمَةِ) أَيْ بِأَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَجَلِ بَقِيَّةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمَا أَنْ يُسَلَّمَ الْعَبْدُ لَهُمَا بَلْ يَخْدُمُهُمَا، أَوْ يَأْخُذَا أُجْرَةَ عَمَلِهِ وَيَبِيتُ عِنْدَ سَيِّدِهِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ مِنْهُمَا قِيمَتَهُ الْآنَ) أَيْ يَوْمَ الرُّجُوعِ فَالْآنَ ظَرْفٌ لِلْأَخْذِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْحُكْمِ كَمَا قَدَّمْنَا (قَوْلُهُ: وَالْمَرْجِعُ هُنَا الرُّجُوعُ) أَيْ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْخِدْمَةِ) أَيْ مَعَ نَقْصِهَا عَنْ مَالِهِمَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ حَيًّا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ لَضَاعَتْ عَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ اسْتِيفَاءِ الْقِيمَةِ لَهُ (قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَقِيمَةُ ذَاتِ الْعَبْدِ أَخَذَهَا فَلَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا أَخَذَا قِيمَتَهَا عَلَى غَرَرِهَا) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا أَخَذَا قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ قُوِّمَتْ عَلَى غَرَرِهَا، وَأُسْقِطَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْمَنَافِعِ مِنْ جُمْلَةِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَأَخَذَ السَّيِّدُ بَاقِيَ الْقِيمَةِ، وَأَخَذَ الْمَنَافِعَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الشَّارِحِ خِلَافُ النَّقْلِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: أَوْ يُخَيَّرُ فِيهِمَا أَيْ فِي إسْقَاطِ الْمَنْفَعَةِ وَعَدَمِ إسْقَاطِهَا أَيْ فَقَرَّرَ الشَّارِحُ الْمُصَنِّفَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشِّقَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَوَّلُ كَلَامُ بَهْرَامَ بِمَا يَرْجِعُ لِمَا حَلَّ بِهِ شَارِحُنَا.
(قَوْلُهُ بِعِتْقِ تَدْبِيرٍ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ عِتْقِ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ: وَاسْتَوْفَيَا مِنْ خِدْمَتِهِ أَيْ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَا يَمْلِكَانِ جَمِيعَهَا، وَالْمُرَادُ: إنْ شَاءَ سَيِّدُهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَدَفَعَ لَهُمَا قِيمَتَهَا أَيْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِحَسَبِ مَا يَسْتَوْفِيهَا وَأَفَادَ قَوْلُهُ: وَاسْتَوْفَيَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا خِدْمَةَ لَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنَجِّزُ عِتْقَهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَنْجِيزِهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَا مِنْ خِدْمَتِهِ وَالْأُنْثَى كَالذَّكَرِ (قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَوْلَى بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ قِيمَتَهُ) أَيْ قِنًّا، وَقَوْلُهُ: عَاجِلًا
شَيْءَ لَهُمَا فِيمَا بَقِيَ لَهُمَا فَالْبَاءُ فِي بِكِتَابَةٍ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ كِتَابَةٍ.
(ص) وَإِنْ كَانَ بِاسْتِيلَادٍ فَالْقِيمَةُ وَأَخَذَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا وَفِيمَا اسْتَفَادَتْهُ قَوْلَانِ (ش) أَيْ، وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ وَقَعَتْ بِاسْتِيلَادٍ إلَخْ فَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلسَّيِّدِ قِيمَتَهَا الْآنَ عَاجِلًا ثُمَّ يَأْخُذَانِهَا مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا مِنْ طَرَفٍ أَوْ نَفْسٍ، وَمَا فَضَلَ لِسَيِّدِهَا، وَأَمَّا لَوْ اسْتَفَادَتْ شَيْئًا مِنْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَهَلْ يَأْخُذَانِ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَرْشِ أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا قَوْلَانِ فَالْبَاءُ فِي بِاسْتِيلَادٍ بِمَعْنَى عَنْ.
(ص) ، وَإِنْ كَانَ بِعِتْقِهَا فَلَا غُرْمَ (ش) يَعْنِي أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عَلَى السَّيِّدِ أَنَّهُ نَجَّزَ عِتْقَ أُمِّ وَلَدِهِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَهُوَ لَا يُتَقَوَّمُ كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَالْبَاءُ فِي بِعِتْقِهَا بِمَعْنَى عَنْ أَيْ: وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ عِتْقِهَا أَيْ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِعِتْقِهَا.
(ص) أَوْ بِعِتْقِ مُكَاتَبٍ فَالْكِتَابَةُ (ش) يَعْنِي أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عَلَى السَّيِّد أَنَّهُ نَجَّزَ عِتْقَ مُكَاتَبِهِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلسَّيِّدِ مَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا وَيُؤَدِّيَانِهِ عَلَى النُّجُومِ، وَلَا يَغْرَمَانِ قِيمَةَ الْكِتَابَةِ كَمَا يُوهِمُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ غَرِمَا قِيمَةَ كِتَابَتِهِ وَلِذَا عَدَلَ الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ، وَالْبَاءُ فِي بِعِتْقِ مُكَاتَبٍ بِمَعْنَى عَنْ وَسَكَتَ الْمُؤَلِّفُ عَمَّا إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِعِتْقِ مُدَبَّرٍ أَوْ بِتَنْجِيزِ عِتْقِ الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ اُنْظُرْ الْكَبِيرَ.
(ص) وَإِنْ كَانَ بِبُنُوَّةٍ فَلَا غُرْمَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ بِإِرْثٍ (ش) أَيْ: وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَةٍ وَقَعَتْ بِبُنُوَّةٍ إلَخْ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَشَهِدَ لِلِابْنِ شَاهِدَانِ عَلَى إقْرَارِ فُلَانٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ وَلَدِي فَحَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَى الْأَبِ مَالًا فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ فَأَخَذَ هَذَا الْوَلَدُ الْمَالَ فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلْعَصَبَةِ إنْ كَانُوا أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ قَدْرَ مَا أَخَذَ الْوَلَدُ مِنْ الْإِرْثِ وَالْبَاءُ فِي بِبُنُوَّةٍ بِمَعْنَى عَنْ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ أَيْ فَلَا غُرْمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِإِرْثٍ عَمَّا إذَا أَخَذَ الْمَالَ بِغَيْرِهِ كَدَيْنٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَى مَنْ شَهِدَ (ص) إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَقِيمَتُهُ أَوَّلًا (ش) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِبُنُوَّتِهِ عَبْدَ الشَّخْصِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِحُرِّيَّتِهِ وَثُبُوتِ نَسَبِهِ ثُمَّ إنَّهُمَا رَجَعَا وَاعْتَرَفَا بِالزُّورِ فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلسَّيِّدِ قِيمَةَ الْعَبْدِ أَوَّلًا نَاجِزًا ثُمَّ يَغْرَمَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا فَوَّتَاهُ مِنْ الْمِيرَاثِ فَقَوْلُهُ: أَوَّلًا أَيْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ مَوْتٌ فَيُؤْخَذَ الْمَالُ بِالْإِرْثِ وَلَوْ حَصَلَ الْمَوْتُ بِأَثَرِ الرُّجُوعِ بُدِئَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ وُرِّثَ الْبَاقِي.
(ص) ثُمَّ إنْ مَاتَ وَتَرَكَ آخَرَ فَالْقِيمَةُ لِلْآخَرِ وَغَرِمَا لَهُ نِصْفَ الْبَاقِي (ش) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَوْتِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ غُرْمُ الْقِيمَةِ أَيْ ثُمَّ إنْ مَاتَ الْأَبُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ، وَتَرَكَ وَلَدًا آخَرَ ثَابِتَ النَّسَبِ فَإِنَّ الْقِيمَةَ الَّتِي أَغْرَمَاهَا لِلْآخَرِ أَيْ لِلْوَلَدِ الثَّابِتِ النَّسَبِ، وَلَا يَأْخُذُ الْوَلَدُ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ وَأَنَّ أَبَاهُ قَدْ ظَلَمَ الشُّهُودَ فِي أَخْذِهَا مِنْهُمْ وَأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ نِصْفَيْنِ فَمَا خَصَّ الْوَلَدَ الْمَشْهُودَ لَهُ يَغْرَمَانِ مِثْلَهُ لِلْوَلَدِ الثَّابِتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا.
(ص)
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ: غَرَامُ الْقِيمَةِ يَكُونُ عَاجِلًا، وَلَكِنْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لِلسَّيِّدِ قِيمَتَهَا الْآنَ عَاجِلًا) أَيْ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْحُكْمِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ. (قَوْلُهُ فَهَلْ يَأْخُذَانِ إلَخْ) الرَّاجِحُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُمَا لَا يَأْخُذَانِ شَيْئًا مِمَّا لَوْ اسْتَفَادَتْهُ، وَأَمَّا مَا اسْتَفَادَهُ وَلَدُهَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَلَوْ بِالتَّزْوِيجِ حَتَّى يَبِتَّ عِتْقُهَا فَإِنْ قُلْت هَذَا مُعَارِضٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ بَعْدَ رُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ حَيْثُ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا وَأُجِيبَ بِقُوَّةِ الْمِلْكِ فِي الْقِنَّةِ الْمَحْضَةِ وَضَعْفِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ بِدَلِيلِ جَبْرِ الْأَوَّلِ عَلَى النِّكَاحِ وَجَوَازِ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فِي الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يُتَقَوَّمُ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ الْحُكْمَ فِيمَنْ قَتَلَهَا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى السَّيِّدِ الْأَرْشَ بِتَقْدِيرِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، وَقَدْ يُقَالُ: مَنْ شَهِدَ بِعِتْقِهَا فَوَّتَ الْأَرْشَ إلَخْ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَاتِلَ تَجَرَّأَ عَلَى نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ بِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ فَإِنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ.
(قَوْلُهُ: اُنْظُرْ الْكَبِيرَ) حَاصِلُهُ أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِتَنْجِيزِ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِقِيمَتِهِ أَيْ عَلَى أَنَّهُ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِتَنْجِيزِ عِتْقِ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ قِيمَةَ رَقَبَتِهِ أَيْ عَلَى أَنَّهُ مُعْتَقٌ لِأَجَلٍ لَا خِدْمَتِهِ، وَلَوْ كَانَ إلَى مَوْتِ فُلَانٍ غَرِمَا قِيمَتَهُ إلَى أَقْصَى الْعُمْرَيْنِ عُمْرِ الْعَبْدِ وَعُمْرِ الَّذِي يَعْتِقُ إلَى مَوْتِهِ.
(قَوْلُهُ: عَبْدَ الشَّخْصِ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: مَا فَوَّتَاهُ) أَيْ مَا فَوَّتَا وِرْثَتَهُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ مَوْتٌ) أَيْ لِلسَّيِّدِ، وَقَوْلُهُ: فَيُؤْخَذَ الْمَالُ بِالْإِرْثِ مَنْصُوبٌ - مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَوْتٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَصَلَ الْمَوْتُ) أَيْ مَوْتُ السَّيِّدِ هَكَذَا الصَّوَابُ لَا مَوْتُ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا فِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ الْأَبَ قَبَضَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْقِيمَةَ وَخَلَطَهَا بِمَالِهِ مَثَلًا ثُمَّ تُوُفِّيَ ثُمَّ إنَّ ثَابِتَ النَّسَبِ وَمَنْ حُكِمَ لَهُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ أَرَادَا قَسْمَ الْمَالِ فَإِنَّ ثَابِتَ النَّسَبِ يَبْدَأُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ يَخْتَصُّ بِهَا وَالْبَاقِي بَعْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ ثُمَّ إنْ مَاتَ إلَخْ فَإِذَنْ لَا حَاجَةَ لَهَا مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
وَإِنْ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَكَمَّلَ بِالْقِيمَةِ وَرَجَعَا عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا عَرَفَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ (ش) الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا إلَّا أَنَّهُ ظَهَرَ دَيْنٌ عَلَى الْمَيِّتِ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَلَدَيْنِ النِّصْفُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ التَّرِكَةِ تَبْدِئَةً لِلْمَالِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَيَكْمُلُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا ثَابِتُ النَّسَبِ ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْوَلَدِ الثَّابِتِ النَّسَبِ بِقَدْرِ مَا غَرِمَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا غَرِمَاهُ لَهُ بِسَبَبِ إتْلَافِهِ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا فَلَمَّا ثَبَتَتْ التَّرِكَةُ لِلدَّيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمَا وَاَلَّذِي أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ هُوَ النِّصْفُ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُسْتَلْحِقُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْعَبْدِ فَقَوْلُهُ: بِمَا غَرِمَهُ الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ أَيْ بِمِثْلِ مَا غَرِمَهُ مَنْ كَانَ عَبْدًا لِرَبِّ الدَّيْنِ فَإِذَا كَانَ غُرْمُهُ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ رَجَعَا عَلَى الثَّابِتِ النَّسَبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا لَمْ يُضَيِّعَا عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ.
(ص) وَإِنْ كَانَ بِرِقٍّ لِحُرٍّ فَلَا غُرْمَ إلَّا لِكُلِّ مَا اُسْتُعْمِلَ وَمَالٌ اُنْتُزِعَ، وَلَا يَأْخُذُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَوَرِثَ عَنْهُ وَلَهُ عَطِيَّتُهُ لَا تَزَوُّجٌ (ش) يَعْنِي فَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ وَقَعَتْ بِرِقٍّ لِحُرٍّ إلَخْ فَإِذَا شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ، وَهُوَ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِرِقِّهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمَا فِي الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ، وَالْحُرُّ لَا قِيمَةَ لَهُ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ السَّيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدَ فِي شَيْءٍ مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لَهُ نَظِيرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ انْتَزَعَ مِنْهُ مَالًا فَإِنَّهُمَا يَغْرَمَانِ لَهُ نَظِيرَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَالَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْهُ وَبِعِبَارَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَشْهُودُ لَهُ الْمَالَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ بِحَسَبِ شَهَادَتِهِمَا الْمَرْجُوعِ عَنْهَا ظُلْمٌ؛ إذْ هُوَ مُعْتَقِدٌ رِقِّيَّتَهُ فَلَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ مَا ظَلَمَهُمَا بِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ عَنْهُ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يَرِثُهُ سَيِّدُهُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَخَذَ الْمَالَ عَلَى تَقْدِيرِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ حُرٌّ فَبَيْتُ الْمَالِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِمَنْ شَاءَ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فِي ثُلُثٍ أَوْ عِتْقٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يُنْقِصُ رَقَبَتَهُ، وَاللَّامُ فِي لِحُرٍّ بِمَعْنَى عَلَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِحُرٍّ صِفَةً لِرِقٍّ أَيْ بِرِقٍّ كَائِنٍ لِحُرٍّ أَيْ حُرٍّ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَبِعِبَارَةٍ الْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ: وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ رِقٍّ أَيْ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِرِقٍّ، وَقَوْلُهُ: لِحُرٍّ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِرِقٍّ أَنَّهُ لِحُرٍّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَفُلَانٌ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ فِيهِ نَظَرٌ، وَعِبَارَةُ الْمَوَّاقِ، وَهُوَ أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ.
(ص) وَإِنْ كَانَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ قَالَا لِزَيْدٍ غَرِمَا خَمْسِينَ لِعَمْرٍو فَقَطْ (ش) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَةٍ وَقَعَتْ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو أَيْ: وَإِذَا شَهِدَ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا عَلَى بَكْرٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَقَالَا بَلْ الْمِائَةُ كُلُّهَا لِزَيْدٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَيَغْرَمَانِ لِبَكْرٍ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَخَذَهَا عَمْرٌو مِنْ الْمِائَةِ، وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ مِنْ الْمِائَةِ سِوَى خَمْسِينَ فَقَطْ فَاللَّامُ فِي لِعَمْرٍو لِلْعِلَّةِ أَيْ يَغْرَمَانِ خَمْسِينَ لِبَكْرٍ لِأَجْلِ رُجُوعِهِمَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِعَمْرٍو، وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ دَعْوَى الْخَطَأِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْغَرِيمِ، وَهُوَ الْمُقْتَضَى عَلَيْهِ أَيْ غَرِمَا خَمْسِينَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ عَمْرٍو.
(ص) وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا غَرِمَا نِصْفَ الْحَقِّ (ش) يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِهِ لِصَاحِبِهِ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ نِصْفَ ذَلِكَ الْحَقِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الرُّجُوعِ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِمَسْأَلَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَعَلَّهُ إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْكُلَّ لِكَوْنِ الرُّجُوعِ عَنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: وَكَمَّلَ بِالْقِيمَةِ) إنَّمَا كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا مِيرَاثًا غَيْرُ مُحَقَّقٍ؛ إذْ الْمُسْتَلْحَقُ بِالْفَتْحِ يَدَّعِي أَنَّهَا لَيْسَتْ لِأَبِيهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الثَّابِتِ النَّسَبِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ وُجُودُهُ عَمَّنْ شَهِدَ بِبُنُوَّتِهِ، وَقَوْلُهُ: كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ مُسْتَغْرِقٌ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ عَلِمْت هَذَا كُلَّهُ مِنْ أَنَّ الْقِيمَةَ يُبْدَأُ بِهَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَأْخُوذَةُ بَاقِيَةً وَحْدَهَا لَا أَنَّهَا تَلِفَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: فَلَا غُرْمَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالرِّقِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ وَثَبَتَتْ دَعْوَاهُ الْحُرِّيَّةَ لَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ، وَالْحُرُّ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَكَمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّقِّيَّةِ يُحْكَمُ بِالرِّقِّيَّةِ عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ أَمَتِهِ، وَأَنْ يَجْرِيَ فِيهِمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِكُلِّ مَا اسْتَعْمَلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَّا لِكُلِّ مَا اسْتَعْمَلَ إلَخْ) وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ أَحْرَارٌ فَيَرْجِعُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالنَّفَقَةِ الَّتِي فَوَّتَاهَا عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَتَرَكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ) فِي زِيَادَةِ أَوْ غَيْرِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَجْرِي، وَقَدْ أَسْقَطَهَا بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ حَسَنٌ وَحَيْثُ قُلْتُمْ لَيْسَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَخْذُهُ إلَخْ يُعَايَا بِهَا فَيُقَالُ: عَبْدٌ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ كِتَابَةٌ، وَلَا تَدْبِيرٌ، وَلَا عِتْقٌ لِأَجَلٍ، وَلَهُ أَنْ يَهَبَ وَيَتَصَدَّقَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَيْبٌ يُنْقِصُ رَقَبَتَهُ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ لَهُ التَّزَوُّجَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَانْظُرْ التَّسَرِّيَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَالْقِنِّ أَوْ كَالْمُكَاتَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ نَظَرًا لِلْمِلْكِيَّةِ، وَلَهُ وَطْؤُهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً إنْ عَلِمَ صِدْقَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ بِالرِّقِّيَّةِ لَا إنْ عَلِمَ عَدَمَهَا فَالْحُرْمَةُ وَكَذَا مَعَ الشَّكِّ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الشَّارِحِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ يُرِيدُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ.
(قَوْلُهُ: وَيَغْرَمَانِ لِبَكْرٍ) أَيْ وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ، وَهُوَ أَنَّ زَيْدًا يَبْقَى بِيَدِهِ خَمْسُونَ وَعَمْرًا كَذَلِكَ تَبْقَى بِيَدِهِ الْخَمْسُونَ الْأُخْرَى، وَلَا يُزَادُ زَيْدٌ شَيْئًا بِسَبَبِ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ: سِوَى خَمْسِينَ فَقَطْ) أَيْ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَهُ هَذِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِتَجْرِيحِهِمَا بِرُجُوعِهِمَا.
الْحَقِّ وَاخْتُلِفَ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ هَلْ يَغْرَمُ الْجَمِيعَ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ يَغْرَمُ النِّصْفَ، وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ لِلِاسْتِظْهَارِ، وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا كَالشَّاهِدِ.
(ص) كَرَجُلٍ مَعَ نِسَاءٍ (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَنِسَاءٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ فَقَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ فَإِنَّ الْغَرَامَةَ عَلَى الرَّجُلِ شَطْرُهَا وَعَلَى النِّسَاءِ وَإِنْ كَثُرْنَ نِصْفُهَا؛ لِأَنَّهُنَّ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ فَهُوَ تَشْبِيهٌ فِي أَنَّ الرَّجُلَ فَقَطْ عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ سَوَاءٌ رَجَعَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ بَعْضِ النِّسَاءِ حَيْثُ بَقِيَ مِنْهُنَّ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْحَقِّ وَعَلَى مَنْ رَجَعَ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ رُبُعُ الْحَقِّ، وَإِنْ كَثُرْنَ.
(ص) وَهُوَ مَعَهُنَّ فِي الرَّضَاعِ كَاثْنَتَيْنِ (ش) يَعْنِي إذَا شَهِدَ رَجُلٌ مَعَ نِسَاءٍ بِرَضَاعِ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَالنِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ الْقَاضِي بِالْفِرَاقِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ فَإِنَّ عَلَى الرَّجُلِ مِثْلَ غَرَامَةِ امْرَأَتَيْنِ مِنْ النِّسَاءِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمُرْتَضَى وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الرَّجُلَ مَعَ النِّسَاءِ كَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَمَا شَابَهَهُ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهِ امْرَأَتَانِ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ مَعَهُنَّ فِيهَا كَامْرَأَتَيْنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّجُلَ فِي شَهَادَةِ الْمَالِ مَعَ النِّسَاءِ كَامْرَأَتَيْنِ فَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَمِائَةُ امْرَأَةٍ بِمَالٍ وَرَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ رَجَعَ مَعَهُ بَعْضُ النِّسَاءِ بِحَيْثُ بَقِيَ مِنْهُنَّ امْرَأَتَانِ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى النِّسَاءِ الرَّاجِعَاتِ إذْ لَا تُضَمُّ النِّسَاءُ لِلرَّجُلِ فِي شَهَادَةِ الْأَمْوَالِ فَإِذَا رَجَعَتْ الْمَرْأَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ كَانَ نِصْفُ الْغَرَامَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَنِصْفُهَا عَلَى النِّسَاءِ كُلِّهِنَّ وَإِذَا رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْبَاقِيَتَيْنِ يَكُونُ رُبُعُ الْغَرَامَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى بَقِيَّةِ النِّسَاءِ وَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُهَا هَكَذَا يَنْبَغِي وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ فَهَلْ هُوَ كَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي الرَّضَاعِ وَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَبِامْرَأَتَيْنِ أَوْ كَامْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ هُنَا تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ فَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ بِرَضَاعٍ وَرَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْحُكْمُ، وَهُوَ امْرَأَتَانِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ فُشُوٌّ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْبَاقِيَتَيْنِ كَانَ نِصْفُ الْغَرَامَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَى النِّسْوَةِ التُّسْعُ، وَهَلْ يُجْعَلُ الرَّجُلُ كَامْرَأَةٍ أَوْ كَامْرَأَتَيْنِ فِيهِ مَا مَرَّ فَإِنْ رَجَعَتْ الْبَاقِيَةُ كَانَ الْغُرْمُ عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَيْهِنَّ وَهَلْ يُجْعَلُ الرَّجُلُ كَامْرَأَةٍ أَوْ كَامْرَأَتَيْنِ فِيهِ مَا مَرَّ أَيْضًا فَقَدْ بَانَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ النِّسَاءَ تُضَمُّ لِلرَّجُلِ فِي الْغَرَامَةِ فِي شَهَادَةِ الرَّضَاعِ فِي الْحَالَتَيْنِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْأَمْوَالِ فَلَا تُضَمُّ النِّسَاءُ لِلرَّجُلِ فِي الْحَالَتَيْنِ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْغُرْمُ فِي الرَّضَاعِ عَلَى شَاهِدَيْ الرُّجُوعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ شَهِدَا بِالرَّضَاعِ قَبْلَ الدُّخُولِ نَفْسَخُ النِّكَاحَ بِلَا مَهْرٍ، وَإِنْ شَهِدَا بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْمَهْرُ لِلْوَطْءِ وَإِنَّمَا فَوَّتَا بِشَهَادَتِهِمَا الْعِصْمَةَ، وَهِيَ لَا قِيمَةَ لَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ فَيَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ لِلْبَاقِي مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَا فَوَّتَاهُ مِنْ الْإِرْثِ وَيَغْرَمَانِ لِلْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ مَا فَوَّتَاهُ مِنْ الصَّدَاقِ إنْ شَهِدَا بِالرَّضَاعِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
(ص) وَعَنْ بَعْضِهِ غَرِمَ نِصْفَ الْبَعْضِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا رَجَعَ عَنْ بَعْضِ مَا شَهِدَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ نِصْفَ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ نِصْفِ مَا شَهِدَ بِهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ رُبُعَ الْحَقِّ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ سُدُسَ الْحَقِّ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ رُبُعِهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ ثُمُنَ الْحَقِّ.
(ص) وَإِنْ رَجَعَ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ فَلَا غُرْمَ فَإِذَا رَجَعَ غَيْرُهُ فَالْجَمِيعُ (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى الرَّاجِعِ فَإِذَا رَجَعَ غَيْرُهُ وَكَانَ الْبَاقِي لَا يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِهِ فَإِنَّ الرَّاجِعِينَ يَدْخُلُونَ فِي الْغَرَامَةِ عَلَى السَّوَاءِ فَقَوْلُهُ: فَالْجَمِيعُ أَيْ فَجَمِيعُ الرَّاجِعِينَ يَغْرَمُونَ مَا رَجَعُوا عَنْهُ مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ وَغَيْرُهُ وَمَا هُنَا يُضْعِفُ قَوْلَهُ أَوَّلًا كَاثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَوَّلَ هُنَا عَلَى مَنْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِعَدَمِهِ وَالْحُكْمُ فِي الرَّضَاعِ يَسْتَقِلُّ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَلَوْ قُلْنَا: إنَّ الرَّجُلَ مَعَهُنَّ كَاثْنَتَيْنِ مَا كَانَ الْحُكْمُ يَسْتَقِلُّ إلَّا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(ص)
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ) أَيْ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الْيَمِينَ لِلِاسْتِظْهَارِ.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ تَشْبِيهٌ) لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا قَبْلَهُ (فَإِنْ بَقِيَ إلَخْ) وَمُفَادُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ جَارٍ فِي كُلِّ الصُّوَرِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ رَجَعَ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ رَجَعَتْ الْبَاقِيَةُ قَالَ عب فَعَلَيْهَا رُبُعُ الْحَقِّ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَثْبُتَ غُرْمُ النِّصْفِ الْبَاقِي عَلَى الْجَمِيعِ
(قَوْلُهُ: تُضَمُّ فِي الْحَالَتَيْنِ) أَيْ حَالَةِ مَا إذَا بَقِيَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَمَا إذَا لَمْ يَبْقَى شَيْءٌ (قَوْلُهُ: فَلَا تُضَمُّ فِي الْحَالَتَيْنِ) الْأَوْلَى فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ
الْأُولَى: مَا إذَا رَجَعَ الرَّجُلُ وَرَجَعَ النِّسْوَةُ كُلُّهُنَّ
الثَّانِيَةُ: مَا إذَا رَجَعَ الرَّجُلُ وَبَقِيَ مِنْهُنَّ اثْنَانِ فَقَطْ، وَلَمْ يَرْجِعَا
الثَّالِثَةُ: إذَا رَجَعَ الْمَرْأَتَانِ بَعْدَ ذَلِكَ
الرَّابِعَةُ: مَا إذَا رَجَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْبَقِيَّتَيْنِ
الْخَامِسَةُ: مَا إذَا رَجَعَتْ الْأَخِيرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَيَغْرَمَانِ إلَخْ) فِيهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: بَلْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَوْتُ أَحَدِهِمَا فَيَغْرَمَانِ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ حَيْثُ فُسِخَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهَا أَنْ تَقُولَ فَوَّتُّمَا عَلَيَّ بِشَهَادَتِكُمَا ثُمَّ رُجُوعِكُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ نِصْفَ الصَّدَاقِ لَوْ طَلَّقَنِي قَبْلَهُ فَلَهَا النِّصْفُ.
(قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ فِي الرَّضَاعِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْحُكْمُ فِي الرَّضَاعِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِامْرَأَتَيْنِ كَمَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَلَوْ جَعَلَ الرَّجُلَ كَامْرَأَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِامْرَأَتَيْنِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ ثَالِثَةٍ لَهُمَا، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لَا يَظْهَرُ.
وَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُمَا بِالدَّفْعِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ (ش) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ " غَرِيمُ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ " وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا عَلَى شَخْصٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ ثُمَّ رَجَعَا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْمَالَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ فَلِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَهُمَا بِالْمَالِ لِيَدْفَعَاهُ عَنْهُ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا بِالْمَالِ إذَا تَعَذَّرَ طَلَبُهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ أَوْ هَرَبَ؛ لِأَنَّهُمَا غَرِيمَا غَرِيمِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ إنَّمَا يَكُونُ غَرِيمًا إذَا تَعَذَّرَ مِنْ الْغَرِيمِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ فِي بَابِ الصَّدَاقِ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِلَّا فَالْمَرْأَةُ، وَإِنْ قَبَضَ أَتْبَعَتْهُ أَوْ الزَّوْجُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ وَظَاهِرَ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ لَهُمَا التَّخْيِيرَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَوْجُودًا مَلِيًّا لِلتَّعَدِّي عَلَيْهَا.
(ص) وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ جُمِعَ (ش) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى رُجُوعِ الشُّهُودِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَعَرَّفُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ اشْتِمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُنَافِي الْأُخْرَى وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلٍّ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ شَهِدَتْ لِلْمُسْلِمِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ هَذَا الثَّوْبَ فِي مِائَةِ إرْدَبٍّ وَشَهِدَتْ أُخْرَى لِلْآخَرِ أَنَّهُ أَسْلَمَهُ ثَوْبَيْنِ غَيْرَهُ فِي مِائَةٍ لَزِمَهُ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ فِي الْمِائَتَيْنِ وَيُحْمَلَانِ عَلَى أَنَّهُمَا سَلَمَانِ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَمْكَنَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ عَقْلًا جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: جَمْعٌ أَيْ الْجَمْعُ أَيْ عُمِلَ بِهِ وَصِيرَ إلَيْهِ وَكَلَامُ الزَّرْقَانِيِّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ نَحْوُ إنْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ زَيْدٌ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا اخْتِلَافُهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَمْكَنَ وَالْجَزَاءُ جُمِعَ فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.
(ص) وَإِلَّا رُجِّحَ بِسَبَبِ مِلْكٍ (ش) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ مِلْكٍ أَيْ بِذِكْرِ سَبَبِ مِلْكٍ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ لَكِنَّ إحْدَاهُمَا زَادَتْ ذِكْرَ السَّبَبِ فَإِنَّ مَنْ زَادَتْ ذِكْرَ السَّبَبِ تُقَدَّمُ عَلَى مَنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي حَلِّ الشَّارِحِ لِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ حَلًّا لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ. (ص) كَنَسْجٍ وَنِتَاجٍ (ش) هَذَانِ مِثَالَانِ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ مِلْكٌ لِزَيْدٍ وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّهُ مِلْكٌ لِعَمْرٍو نَسَجَهُ أَوْ نَتَجَ عِنْدَهُ أَوْ نَسَخَهُ أَوْ اصْطَادَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهَا بَيَّنَتْ سَبَبَ الْمِلْكِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ مِلْكٍ قَوْلَهُ (إلَّا بِمِلْكٍ مِنْ الْمَقَاسِمِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْمِلْكِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ) أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ أَيْ طَلَبَ الدَّفْعَ أَيْ لَهُ فَفِي الْعِبَارَةِ تَجْرِيدٌ، وَقَوْلُهُ: إنْ تَعَذَّرَ ظَاهِرُهُ الطَّلَبُ مَعَ أَنَّ الطَّلَبَ لَا يَتَعَذَّرُ فَيَرْجِعُ الضَّمِيرُ لِلْأَخْذِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: غَرِيمُ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ لِلْغَرِيمِ فَالْغَرِيمُ الْأَوَّلُ مَصْدُوقُهُ الشُّهُودُ وَالْغَرِيمُ الثَّانِي مَصْدُوقُهُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَالْغَرِيمُ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ مَصْدُوقُهُ رَبُّ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: وَلِلْمَقْضِيِّ لَهُ) قَدْ نَظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ لَا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ إذْ لَوْ نَظَرَ لَهُ لَوَرَدَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ إنْ عَلِمَ صِدْقَ الْبَيِّنَةِ فِي رُجُوعِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ كَذِبَهَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا بَلْ مِنْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافٌ) أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالتَّعَذُّرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّأْنَ أَنَّ التَّوَجُّهَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوَجُّهُ لِلشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ إلَخْ) لَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مَا لَمْ يَدَّعِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ إرْثٍ، وَلَا هِبَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَرَّ إلَيْهِ الْحَالُ فَكَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا ادَّعَاهُ، أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَعْمُولًا بِهَا فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ادَّعَى مَا أَنْكَرَهُ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الزَّرْقَانِيِّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ) أَقُولُ: إنَّ عِبَارَةَ الزَّرْقَانِيِّ جَمْعٌ أَيْ الْمُمْكِنُ جَمْعُهُ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ أَمْكَنَ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَهُوَ حَلٌّ لِلْعِبَارَةِ بِمَا قَدْ يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ حَلُّ الْعِبَارَةِ بِحَسَبِ مَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ رَكِيكٌ حَيْثُ قَالَ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْتِفَاتٌ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ مُتَّحِدَانِ أَوْ لَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى ز، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ الَّذِي وَرَدَ عَلَى ز اعْتِرَاضُ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ فِي تَقْرِيرِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ضَمِيرَ رُجِّحَ رَاجِعٌ لِلتَّرْجِيحِ أَيْ رُجِّحَ التَّرْجِيحُ أَيْ عُمِلَ بِهِ وَصِيرَ إلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي رُجِّحَ عَائِدًا عَلَى إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ أَوْ عَلَى مَعْنَى الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ مَنْ زَادَتْ ذِكْرَ السَّبَبِ) حَاصِلُهُ أَنَّ ذَاكِرَةَ السَّبَبِ تُقَدَّمُ عَلَى مَنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْدَلَ مِنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إذَا أُرِّخَتْ أَوْ كَانَتْ أَقْدَمَ تَارِيخًا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي حَلِّ الشَّارِحِ) أَيْ فَإِنَّ الشَّارِحَ قَالَ بِأَنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْأُخْرَى الشَّاهِدَةِ بِسَبَبِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: إنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْمِلْكِ تُقَدَّمُ عَلَى الشَّاهِدِ بِالسَّبَبِ فَقَطْ لَا بِالْمِلْكِ مَذْهَبُ أَشْهَبَ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالسَّبَبِ فَقَطْ تُقَدَّمُ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَيُحْمَلُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فَقَوْلُ شَارِحِنَا: وَكِلَاهُمَا شَهِدَ بِالْمِلْكِ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بَلْ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ مَاشِيًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بَيَّنَتْ سَبَبَ الْمِلْكِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَنَسْجٍ أَوْ نَسْخٍ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ تُقَدَّمُ وَسَوَاءٌ كَانَ نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلنَّسْجِ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَتْ بِالنَّسْجِ فَقَطْ وَالْأُخْرَى فَقَطْ فَالْأُولَى تُقَدَّمُ وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَاصِبًا نَفْسَهُ، وَإِلَّا قُدِّمَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ النَّسْجِ بَعْدَ حَلِفِ الْآخَرِ أَنَّهُ مَا عَمِلَ بَاطِلًا
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَثْنَى إلَخْ) لَا يَظْهَرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَحْذُوفٍ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: كَنَسْجٍ
أَوْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْمَقَاسِمِ فَإِذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وُلِدَتْ عِنْدَهُ أَوْ نَتَجَتْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ اشْتَرَاهَا أَوْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْمَقَاسِمِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَقَاسِمِ أَحَقُّ وَلَوْ قَالَ مِنْ كَالْمَقَاسِمِ كَانَ أَوْلَى أَيْ مِنْ كُلِّ سَبَبٍ يُجَامِعُ السَّبَبَ الْأَوَّلَ ثُمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إلَّا بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ كَالْمَقَاسِمِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ مِنْ الْمَقَاسِمِ لَا تُشْتَرَطُ، قَوْلُهُ: مِنْ الْمَقَاسِمِ أَيْ لَا مِنْ السُّوقِ أَوْ وُهِبَتْ أَوْ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَالْوَاهِبَ وَالْمُتَصَدِّقَ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَالِكٍ.
(ص) أَوْ تَارِيخٍ أَوْ تَقَدَّمَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي وُرِّخَتْ تُقَدَّمُ عَلَى مَنْ لَمْ تُوَرَّخْ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ سَابِقَةً فِي التَّارِيخِ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَأَخِّرَةِ تَارِيخًا وَلَوْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلَ مِنْهَا وَبِعِبَارَةِ اللَّخْمِيِّ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَإِنْ وُرِّخَتَا قُضِيَ بِالْأَقْدَمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَعْدَلَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ تَحْتَ يَدِ ثَالِثٍ أَوْ لَا يَدَ عَلَيْهِ اهـ.
وَنَقَلَهُ وَلَدُ ابْنِ عَاصِمٍ فِي شَرْحِ الْعَاصِمِيَّةِ فِي الْمُوَرَّخَةِ وَلَعَلَّ تَقَدُّمَ التَّارِيخِ كَذَلِكَ اهـ.
(ص) أَوْ بِمَزِيدِ عَدَالَةٍ لَا عَدَدٍ (ش) يَعْنِي وَمِنْ الْمُرَجِّحَاتِ مَزِيدُ الْعَدَالَةِ يُرِيدُ فِي الْبَيِّنَةِ وَأَمَّا مَزِيدُ الْعَدَالَةِ فِي الْمُزَكِّينَ لِلْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَإِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ وَزَادَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْعَدَالَةِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا وَيَحْلِفُ صَاحِبُهَا الْيَمِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَزِيدَ الْعَدَالَةِ كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَحْتَاجُ لِيَمِينٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَزِيدَ الْعَدَالَةِ كَشَاهِدَيْنِ وَأَمَّا مَزِيدُ الْعَدَدِ لَا يُعْتَبَرُ قَالَ فِيهَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَالْأُخْرَى مِائَةً لَا تَرْجَحُ، وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ لِلْمَشْهُورِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ قَطْعُ النِّزَاعِ، وَمَزِيدُ الْعَدَالَةِ أَقْوَى فِي التَّعَذُّرِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ يُمْكِنُهُ زِيَادَةُ الْعَدَدِ فِي الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ ثُمَّ إنَّ زِيَادَةَ الْعَدَالَةِ إنَّمَا تَنْفَعُ فِي الْأَمْوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ النِّكَاحِ: وَأَعْدَلِيَّةُ مُتَنَاقِضَتَيْنِ مُلْغَاةٌ، وَلَوْ صَدَّقَتْهَا الْمَرْأَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَقِيَّةُ الْمُرَجِّحَاتِ كَذَلِكَ.
(ص) وَبِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ (ش) يَعْنِي لَوْ كَانَ مِنْ جَانِبٍ شَاهِدَانِ، وَمِنْ الْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنَّهُ يَرْجَحُ بِالشَّاهِدَيْنِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ أَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْمِلْكِ مَعَ ذِكْرِ النَّسْجِ تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا فِي كُلِّ صُورَةٍ إلَّا فِي صُورَةِ مَا إذَا شَهِدَتْ لِلْآخَرِ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمَقَاسِمِ (قَوْلُهُ: أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَدَتْ عِنْدَهُ) أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ أَوْ أُرِّخَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْ تَقَدَّمَتْ تَارِيخًا فَإِنَّ خَصْمَهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَحَقُّ) أَيْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ تَمْلِكُ مَا غَنِمُوهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ كُلِّ سَبَبٍ يُجَامِعُ إلَخْ) كَمَا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي إلَخْ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ نَاقِلَةٍ عَلَى مُسْتَصْحِبَةٍ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرَى مِنْ الْمَقَاسِمِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ أَيْ التَّصْرِيحُ بِالْمِلْكِ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ السُّوقِ) أَيْ بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا مِلْكُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ) أَيْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ حَرْبِيًّا وَهَبَهَا لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فِي بِلَادِهِمْ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَهُ أَخْذُ مَا وَهَبُوهُ بِدَارِهِمْ مَجَّانًا، وَأَمَّا لَوْ وَهَبُوهُ بَعْدَ مَا قَدِمُوا بِهِ بِأَمَانٍ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ تَقَدَّمَهُ) أَيْ التَّارِيخُ أَيْ أَوْ تَقَدَّمَ الْمِلْكَ، وَالْمَالُ وَاحِدٌ قَالَ عج: وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الَّتِي لَمْ تُؤَرَّخْ أَوْ الَّتِي تَأَخَّرَ تَارِيخُهَا شَاهِدَةً لِمَنْ هُوَ حَائِزٌ لِلْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَبِيَدٍ إنْ لَمْ تَرْجَحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَاكِرَةَ السَّبَبِ تُقَدَّمُ مُطْلَقًا إلَّا عَلَى الشَّاهِدَةِ بِالْمِلْكِ مِنْ الْمَقَاسِمِ، وَيَلِيهَا الْمُؤَرَّخَةُ، وَمُقَدَّمَةُ التَّارِيخِ، وَيَلِي ذَلِكَ زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ، وَلَا يَخْفَى تَقَدُّمُ كُلِّ مُرَجَّحٍ عَلَى الْيَدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِيَدٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ اللَّقَانِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَرْجَحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ أَقْوَى الْمُرَجِّحَاتِ الْعَدَالَةُ (قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةِ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصْلُهَا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ، وَقَوْلُهُ: آخَرَ اهـ. أَيْ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ وَلَيْسَ فِي الشَّيْخِ أَحْمَدَ لَفْظُ الْمُؤَرَّخَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْعَاصِمِيَّةِ بَلْ الْوَاقِعُ أَنَّ وَلَدَ ابْنِ عَاصِمٍ إنَّمَا نَقَلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ هَذَا بِالْحَرْفِ لَا زِيَادَةَ فَقَوْلُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ وَلَعَلَّ إلَخْ لَا يَظْهَرُ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ فِي الْمُتَقَدِّمَةِ تَارِيخًا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَلَا يُنَاسِبُ هَذَا التَّرَجِّي فَلَعَلَّ الشَّيْخَ أَحْمَدَ سَبَقَهُ قَلَمُهُ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ وَلَعَلَّ الْمُؤَرَّخَةَ كَذَلِكَ أَيْ الْمُقَابَلَةَ بِغَيْرِ الْمُؤَرَّخَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَزِيدُ الْعَدَالَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ زُكَّتْ وَبَيِّنَةٌ جُرِّحَتْ، وَالْمُزَكُّونَ أَكْثَرُ عَدَالَةً فَلَا يُرَجَّحُ بِهَا، وَقَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ أَيْ: وَهُوَ الرَّاجِحُ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمُرَجِّحَاتِ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: وَالْأُخْرَى مِائَةٌ) أَيْ مَا لَمْ يَقُمْ بِهَا وَصْفٌ يَجْعَلُهَا مِنْ الْمُتَوَاتِرِ فَتُقَدَّمُ (قَوْلُهُ: لِلْمَشْهُورِ) مُقَابِلُهُ مَا لِمُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ (قَوْلُهُ: أَقْوَى فِي التَّعَذُّرِ) أَيْ فَكُلٌّ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْعَدَالَةِ مُتَعَذِّرٌ إلَّا أَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَالَةِ أَقْوَى (قَوْلُهُ: إذْ كُلُّ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَنْ رَجَّحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ مَعَ قَيْدِ الْعَدَالَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَدِ بِهَذَا الْقَيْدِ سَهْلُ الْوُجُودِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَصْفَ مَهْمَا كَانَ أَدْخَلَ تَحْتَ الِانْضِبَاطِ وَأَبْعَدَ عَنْ النَّقْضِ وَالْعَكْسِ كَانَ أَرْجَحَ وَزِيَادَةُ الْعَدَدِ وَصْفٌ مُنْضَبِطٌ مَحْسُوسٌ لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ قُيُودٍ فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَشَدَّ مُحَافَظَةً عَلَى تَوَقِّي الصَّغَائِرِ وَالْآخَرُ أَشَدَّ مُحَافَظَةً عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا مَعًا فِي الْمُحَافَظَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا فَضَبْطُ زِيَادَةِ الْعَدَدِ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي التَّرْجِيحِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ) أَيْ أَنَّ بَقِيَّةَ الْمُرَجِّحَاتِ لَا تَنْفَعُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ مِثْلَ الْمَالِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ كَقِصَاصٍ فِي جُرْحٍ، وَقَوْلُهُ: وَبِشَاهِدَيْنِ إلَخْ وَكَذَا يُقَدَّمُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ
عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ؛ إذْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَعَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَجَعَلَ مَرْتَبَتَهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ الَّذِي مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ أَعْدَلَ فَيُقَدَّمُ هُوَ وَالْمَرْأَتَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ.
(ص) وَبِ يَدٍ إنْ لَمْ تَرْجَحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ فَيَحْلِفُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْيَدَ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ فِيمَا لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُهُ عِنْدَ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ وَيَبْقَى الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ حِينَئِذٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِي بِالْيَدِ دَارًا أَوْ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ هَذَا إنْ لَمْ تَرْجَحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِ الْيَدِ فَإِنْ رَجَحَتْ بِأَيِّ مُرَجِّحٍ كَانَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِمُقَابِلِ الْيَدِ، وَيَحْلِفُ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ فَفَاعِلُ يَحْلِفُ هُوَ صَاحِبُ الْيَدِ عِنْدَ التَّسَاوِي، وَمَنْ رَجَحَتْ بَيِّنَتُهُ فِي الْعَدَالَةِ فَقَوْلُهُ: وَبِيَدٍ أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِ يَدٍ أَيْ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي حَوْزِهِ مَعَ تَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ وَقَوْلُنَا فِيمَا لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُهُ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا عُرِفَ أَصْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَ ذِي الْيَدِ، وَمُقَابِلِهِ فَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَأَخَذَ مَالَهُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ وَارِثُهُ أَوْ مَوْلَاهُ وَأَقَامَ غَيْرُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَوْ وَارِثُهُ، وَأَقَامَ مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ بَيِّنَةً أَيْضًا تَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَتَعَادَلَتَا فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.
(ص) وَبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ (ش) يَعْنِي أَنَّ التَّرْجِيحَ يَكُونُ بِالْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالْمِلْكِ عَلَى الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالْحَوْزِ وَلَوْ كَانَ تَارِيخُ الْحَوْزِ سَابِقًا؛ لِأَنَّ الْحَوْزَ قَدْ يَكُونُ عَنْ مِلْكٍ وَعَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ، وَالْمِلْكُ أَخَصُّ وَالْأَعَمُّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ.
(ص) وَبِنَقْلٍ عَنْ مُسْتَصْحِبَةٍ (ش) فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: وَبِنَقْلٍ عَنْ أَصْلٍ عَلَى مُسْتَصْحِبَةٍ لَهُ أَيْ لِذَلِكَ الْأَصْلِ فَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا لِزَيْدٍ أَنْشَأَهَا مِنْ مَالِهِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ إلَى تَارِيخِهِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ عَمْرًا اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ النَّاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ مَا لَمْ تَعْلَمْهُ الْأُخْرَى وَمَنْ عَلِمَ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ.
(ص) وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَعَدَمِ مُنَازِعٍ وَحَوْزٍ طَالَ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بِمِلْكِ شَخْصٍ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَنْ يَعْتَمِدُوا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا الْأَمْرَ الْأَخِيرَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: التَّصَرُّفُ التَّامُّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ
الثَّانِي: عَدَمُ الْمُنَازِعِ لَهُ فِي ذَلِكَ
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْحِيَازَةُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ حِيَازَةً طَوِيلَةً كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ
الْأَمْرُ الرَّابِعُ: أَنْ تَذْكُرَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَى الْآنَ فَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ قَطْعًا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ فَإِنْ أَطْلَقُوا فَفِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا: مَا عَلِمُوهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَقِيلَ: شَرْطُ كَمَالٍ كَمَا فِي عَارِيَّةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَ. وَلَا وَهَبَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَتَمَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الْأَخِيرِ) وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَفِي نُسْخَةٍ فِي الْأَخِيرَةِ أَيْ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ وَالْمَرْأَتَيْنِ مَعْمُولٌ بِهِمَا اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.
(قَوْلُهُ: أَعْدَلَ) وَأَوْلَى إذَا كَانَتْ الْمَرْأَتَانِ أَعْدَلَ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَتَانِ أَعْدَلَ فَقَطْ فَلَا يَحْصُلُ بِهَا تَقَدُّمٌ.
(قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَمَّا إذَا عُرِفَ أَصْلُهُ) أَيْ: وَهُوَ أَنَّهُ مَالٌ مَوْرُوثٌ عَنْ الْمَيِّتِ الْفُلَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَبِالْمِلْكِ عَلَى الْحَوْزِ) أَيْ مَعَ اعْتِمَادِهَا عَلَى حَوْزٍ سَابِقٍ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي: وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَعَدَّهُ مُنَازِعٌ وَحَوْزٍ طَالَ كَعَشَرَةٍ اهـ.، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْحَوْزِ أَيْ الْآنَ أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَائِزَ يَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ أَيْ مَا لَمْ تَحْصُلْ الْحِيَازَةُ الْمُعْتَبَرَةُ، وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ بِقُيُودِهَا الْآتِيَةِ ثُمَّ كَوْنُ هَذَا مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ التَّرْجِيحُ تَجَوُّزٌ؛ إذْ التَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَاطِعٍ وَظَنِّيٍّ وَلَكِنْ مَا يُشْبِهُ الْقَاطِعَ كَالْقَاطِعِ.
(قَوْلُهُ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ عَمْرًا اشْتَرَاهَا) أَيْ: وَلَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عَلِمَتْ إلَخْ) ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّعَارُضِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَ إحْدَاهُمَا لَا يَعْلَمُونَهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الْعِلْمِ بِالْخُرُوجِ لَا نَفْيَ الْخُرُوجِ نَعَمْ لَوْ شَهِدَتْ الْمُسْتَصْحِبَةُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي مِلْكِهِ إلَى الْآنَ فَالْمُعَارَضَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاقِلَةِ ظَاهِرَةٌ وَلَا يَكُونُ التَّرْجِيحُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ لَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا الرَّجُلَانِ الشَّاهِدَانِ بِالِاسْتِصْحَابِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ آخَرَ كَمَزِيدِ عَدَالَةٍ وَانْظُرْ التَّرْجِيحَ بِالتَّارِيخِ، ثُمَّ النَّاقِلَةُ تُقَدَّمُ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ، وَلَوْ كَانَتْ النَّاقِلَةُ سَمَاعًا.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَعْتَمِدُوا إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاعْتِمَادُ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ تَعْتَمِدُ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِالْمِلْكِ عَلَى تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، وَقَوْلُهُ: أَنْ تَذْكُرَ الْبَيِّنَةُ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الذِّكْرِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقُوا) أَيْ لَمْ يَقُولُوا قَطْعًا، وَلَمْ يَقُولُوا فِي عِلْمِنَا أَيْ بَلْ قَالُوا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَسَكَتُوا فَإِنْ قَالُوا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ ظَنًّا أَيْ نَعْتَقِدُ ذَلِكَ، وَلَا نَقْطَعُ فَلَا يَضُرُّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تَارَةً تُصَرِّحُ بِقَوْلِهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ أَوْ تَقُولَ فِي عِلْمِنَا، وَمِثْلُهُ إذَا قَالَتْ: فِي ظَنِّنَا، وَأَمَّا إنْ سَكَتَتْ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ ذَلِكَ وَتَارَةً لَمْ تُصَرِّحْ بِقَوْلِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى الْكَمَالِ فِي الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا إلَخْ) الْمُرَادُ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ أَيْ أَبَوْا عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ، الْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا بَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا أَوْ يَقُولُوا فِي عِلْمِنَا أَوْ يَسْكُتُوا وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَوْا مَعْنَاهُ أَبَوْا عَنْ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِأَوْجُهِهِ الثَّلَاثَةِ فَالْمَقَامُ مُخْتَلِفٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا) الْمُنَاسِبُ الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ
وَبِعِبَارَةٍ: وَصِحَّةُ الْمِلْكِ أَيْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ شَهَادَةِ الْمِلْكِ إذَا شَهِدُوا عَلَى الْبَتِّ أَنْ يَعْتَمِدَ الشَّاهِدُ فِي بَتِّهِ عَلَى مُشَاهَدَةِ التَّصَرُّفِ وَعَدَمِ مُنَازِعٍ إلَخْ وَيَذْكُرُوا ذَلِكَ لِلْقَاضِي إنْ سَأَلَهُمْ عَنْهُ، وَإِلَّا كَفَى اعْتِمَادُهُمْ عَلَيْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِلَّا فَالْعِبَارَةُ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَصِحُّ بِدُونِ التَّصَرُّفِ، وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ تَقَدَّمَتْ، وَقَوْلُهُ:(لَا بِالِاشْتِرَاءِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالتَّصَرُّفِ أَيْ: وَصِحَّةُ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ وَعَدَمِ مُنَازِعٍ وَحَوْزٍ طَالَ لَا بِمُجَرَّدِ الِاشْتِرَاءِ وَبِعِبَارَةِ لَا بِالِاشْتِرَاءِ أَيْ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَبِنَقْلٍ عَلَى مُسْتَصْحِبَةٍ فَقَدْ عَيَّنَتْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ فَلَا تَكْرَارَ.
(ص) وَإِنْ شَهِدَ بِإِقْرَارٍ اُسْتُصْحِبَ (ش) أَيْ ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِنْكَارِ وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي شَيْءٍ بِأَنَّ الْآخَرَ أَقَرَّ بِهِ لِمَنْ يُنَازِعُهُ فِيهِ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَسْتَصْحِبُ هَذَا الْإِقْرَارَ، وَلَا تَحْتَاجُ الْبَيِّنَةُ أَنْ تَزِيدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِنَا؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَمَّا أَقَرَّ لِخَصْمِهِ ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ لِلْمُقِرِّ دَعْوَى الْمِلْكِ فِيهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ انْتِقَالِهِ إلَيْهِ ثَانِيَةً.
(ص) وَإِنْ تَعَذَّرَ تَرْجِيحٌ سَقَطَتَا وَبَقِيَ بِيَدِ حَائِزِهِ (ش) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ بِيَدِ شَخْصٍ يَدَّعِيهِ كَدَارٍ مَثَلًا فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ وَتَكَافَأَتْ بَيِّنَتُهُمَا فَإِنَّ الدَّارَ تَبْقَى فِي يَدِ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الشَّيْءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ بِيَدِ شَخْصٍ أَيْ غَيْرِ الْمُتَنَازِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَأَتَّ قَوْلُهُ تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ لِحُصُولِهِ بِالْيَدِ فَفِي تَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا عَلَى مَا فَهِمَهُ الشَّارِحَانِ مِنْ أَنَّ الْحَائِزَ هُوَ أَحَدُهُمَا فَيَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ قَبْلُ وَبِيَدٍ إنْ لَمْ تَرْجَحْ بَيِّنَةُ مُقَابِلِهِ وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ بَعِيدٌ لِعَدَمِ تَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ حِينَئِذٍ لِحُصُولِهِ بِالْيَدِ كَمَا مَرَّ.
(ص) أَوْ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى بِيَدِ حَائِزِهِ أَيْ وَبَقِيَ لِمَنْ يُقِرُّ الْحَائِزُ لَهُ وَبَقِيَ هُنَا بِمَعْنَى صَارَ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَيَيْنِ أَيْ صَارَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لِمَنْ يُقِرُّ الْحَائِزُ لَهُ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِمَا فَلَا يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ هَذَا فِيمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَتَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ وَأَمَّا إنْ تَجَرَّدَتْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ لِغَيْرِهِمَا فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُهُ حَيْثُ تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَإِذَا أَقَرَّ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: إذَا شَهِدُوا عَلَى الْبَتِّ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ بَيِّنَةِ السَّمَاعِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَقُولُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَتِّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَطْعِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُشَارُ لَهُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ لَا بُدَّ مِنْ طُولِ الْحِيَازَةِ كَعِشْرِينَ سَنَةً فَهِيَ مُغَايِرَةٌ لِشَهَادَةِ الْبَتِّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْعِبَارَةُ مُشْكِلَةٌ) أَيْ: وَإِلَّا تُحْمَلُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ الِاعْتِمَادُ فَلَا يَصِحُّ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَصَرُّفٌ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ مَتَى اشْتَرَى شَيْئًا أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ وَقَبِلَ ذَلِكَ مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالتَّصَرُّفِ) حَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ بِالْمِلْكِ تَعْتَمِدُ عَلَى مَا ذُكِرَ أَيْ: وَلَا تَعْتَمِدُ عَلَى مُجَرَّدِ الشِّرَاءِ أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ تَعْرِفُ الْمُشْتَرَى مِنْهُ فَلَيْسَ هُنَاكَ تَصْرِيحٌ بِالشِّرَاءِ إنَّمَا ذَلِكَ مُجَرَّدُ اعْتِمَادٍ، وَقَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ بَيِّنَةً شَهِدَتْ لِزَيْدٍ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ السُّوقِ، وَلَمْ تُعَيِّنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَشَهِدَتْ أُخْرَى لِعَمْرٍو بِأَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ فَتُقَدَّمُ الثَّانِيَةُ فَهَذَا تَصْوِيرُهُ، وَعَلَى هَذَا الْحَلِّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَا بِالِاشْتِرَاءِ عَطْفًا عَلَى التَّصَرُّفِ بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ مِلْكٍ أَيْ: وَالْأَرْجَحُ بِسَبَبِ مِلْكٍ لَا بِمُجَرَّدِ الِاشْتِرَاءِ الْمُطْلَقِ أَيْ أَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الشِّرَاءِ الْمُطْلَقِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُشْتَرَى مِنْهُ صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ شَخْصًا آخَرَ غَيْرَ الشَّخْصِ الْمُنَازِعِ لَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَرْجِيحًا وَمُفَادُهُ أَنَّهُ تَرْجِيحٌ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: وَأَنَّهَا إلَخْ) أَيْ أَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْمِلْكِ لَا بُدَّ أَنْ تُصَرِّحَ بِقَوْلِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ تَشْهَدْ بِالْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ مِلْكُهُ، وَيُنَازِعُهُ عَمْرٌو ثُمَّ أَتَى زَيْدٌ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِأَنَّ عَمْرًا أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَهُ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا، وَلَا تَحْتَاجُ أَنْ تَقُولَ: وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ زَيْدٍ فِي عِلْمِنَا.
(قَوْلُهُ: بِيَدِ شَخْصٍ يَدَّعِيهِ) أَيْ: وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ لَكَانَ هُوَ الْمُرَجَّحَ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الدَّارَ تَبْقَى فِي يَدِ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ) أَيْ مِلْكًا (قَوْلُهُ: الشَّارِحَانِ) بَهْرَامُ وَالْبِسَاطِيُّ (قَوْلُهُ: يَتَكَرَّرُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ يُنَافِي، وَقَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ مَعَ بَهْرَامَ ذَكَرَهُ جَوَابًا عَنْ التَّكْرَارِ أَيْ فَقَدْ سَلَّمَ التَّكْرَارَ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ خَبَرَ قَوْلِهِ، وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْبُعْدِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً لَهُ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ التَّكْرَارِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْمُنَافَاةَ فَلَا يُعْقَلُ تَكْرَارٌ.
(قَوْلُهُ: بَقِيَ هُنَا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ بَقِيَ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ بِيَدِ حَائِزِهِ الَّذِي هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ عَلَى أَصْلِهَا وَبِالنَّظَرِ لِلْمَعْطُوفِ بِمَعْنَى صَارَ عَلَى مَعْنَى النَّقْلِ أَيْ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا بِيَدِ الْمُقِرِّ ثُمَّ صَارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ (قَوْلُهُ: الْمُتَنَازِعَيْنِ) أَيْ الَّذِي أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِمَا أَيْ الَّذِي تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ الْبَيِّنَةِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِغَيْرِهِمَا) أَيْ الْمُتَجَرِّدِ دَعْوَاهُ عَنْ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ الْبَيِّنَةِ) أَيْ وَتَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُمَا عَنْ الْبَيِّنَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَائِزِ وَالْمُتَنَازِعِينَ تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ الْبَيِّنَةِ، وَلَكِنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ، وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَيَبْقَى بِيَدِهِ مِلْكًا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ لِسُقُوطِ بَيِّنَتِهِمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ الْحَلِفِ عِنْدَ تَجَرُّدِ دَعْوَى كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ إقَامَةِ كُلِّ الْبَيِّنَةِ قُلْت:
لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِلَا يَمِينٍ فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ بَيِّنَةٌ وَتَسَاوَيَا أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينٍ.
(ص) وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ بِأَيْدِيهِمَا مَعًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدٍ كَمَا إذَا تَنَازَعَا فِي عَفَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ بِيَدِ ثَالِثٍ غَيْرِهِمَا، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْهُمَا، وَلَا يُثْبِتُهُ لَهُمَا، وَلَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُ عَنْهُمَا أَوْ أَثْبَتَهُ لَهُمَا أَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: أَوْ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ، وَإِذَا قُسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الدَّعْوَى فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ طَعَامًا فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِي بِهِ قَلِيلًا لَعَلَّ أَحَدَهُمَا أَنْ يَأْتِيَ بِأَثْبَتَ مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ وَخِيفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَلَا يُقْسَمُ الْآنَ بَلْ يُتْرَكُ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمَا بِأَعْدَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ صَاحِبُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ غَيْرِ مَا أَتَى بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ (كَالْعَوْلِ) بِقَوْلِهِ وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ عَلَى الدَّعْوَى يَصْدُقُ بِمَا إذَا قُسِمَ عَلَى التَّنَازُعِ وَالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قُسِمَ بِالنَّظَرِ إلَى دَعْوَاهُ حَيْثُ أَخَذَ مُدَّعِي الْكُلِّ مَا سَلَّمَهُ لَهُ مُدَّعِي النِّصْفِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُ: فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: مَا كَيْفِيَّةُ قَسْمِهِ عَلَى الدَّعْوَى فَقَالَ كَالْعَوْلِ أَيْ عَلَى صِفَتِهِ فِي الْفَرَائِضِ أَيْ كَفَرِيضَةٍ زَادَتْ سِهَامُهَا عَلَى أَصْلِهَا فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ قُسِمَ عَلَى حُكْمِ الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ، وَكَيْفِيَّةُ الْعَمَلِ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْكُلِّ النِّصْفُ، وَنِسْبَةُ النِّصْفِ لِلْكُلِّ ثُلُثٌ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ يُعْطَى لِمُدَّعِي الْكُلِّ اثْنَانِ وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ وَاحِدٌ وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ، وَآخَرُ النِّصْفَ، وَآخَرُ الثُّلُثَ يَحْصُلُ أَقَلُّ عَدَدٍ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ الْمَخَارِجِ، وَهُوَ سِتَّةٌ فَتُجْعَلُ لِمُدَّعِي الْكُلِّ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا فَيُعْطَى لِمُدَّعِي الْكُلِّ سِتَّةٌ وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِمُدَّعِي الثُّلُثِ اثْنَانِ، وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَالُ لِمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ بِمِثْلِ ثُلُثَيْ ثَلَاثَةٍ وَذَلِكَ اثْنَانِ فَيُقْسَمُ الْمُدَّعَى فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ لِمُدَّعِي الْكُلِّ ثَلَاثَةٌ وَلِمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ اثْنَانِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ.
(ص) ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِ فُلَانٍ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ لَهُ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْحَائِزِ لَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ بِيَدِ الْمَشْهُودِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَالِكُهُ، وَلَا أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأَعَمُّ لَا يُشْعِرُ بِالْأَخَصِّ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُطْلَقُ الْحَوْزِ، وَهُوَ مَحُوزٌ بِيَدِ غَيْرِهِ مَا لَمْ تَزِدْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْهُ غَلَبَةً.
(ص) وَإِنْ ادَّعَى أَخٌ أَسْلَمَ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ فَالْقَوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ (ش) مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّ الْأَبَ أَصْلُهُ نَصْرَانِيٌّ
ــ
[حاشية العدوي]
إنَّهُمَا ادَّعَيَا التَّقْوِيَةَ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يُعْمَلْ بِهَا انْخَفَضَا فَلِذَلِكَ قُبِلَتْ دَعْوَى الْحَائِزِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ حَالَةِ التَّجَرُّدِ فَلَمْ يَدَّعِيَا ارْتِفَاعًا بِشَيْءٍ فَلَمْ يَنْخَفِضَا؛ فَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ إلَى الْيَمِينِ مِنْهُ، وَوَجْهُ تَقْدِيمِهِ مَعَ الْيَمِينِ دُونَ غَيْرِهِ كَوْنُهُ وَاضِعَ الْيَدِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ بَيِّنَةٌ وَتَسَاوَيَا أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينٍ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُمَا لَمَّا تَعَادَلَتَا تَسَاقَطَتَا فَصَارَتَا بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِدُونِ يَمِينٍ
قُلْت: يُمْكِنُ أَنَّ وُجُودَ الْبَيِّنَةِ لِكُلٍّ قَوَّى فِي حَدِّ ذَاتِهِ جَانِبَ الْمُدَّعِي؛ فَلِذَلِكَ قُلْنَا: لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِيَمِينٍ (تَنْبِيهٌ) : الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَدَدَ الزَّائِدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي كَوْنِهِ مُرَجَّحًا بَلْ مِنْ بَابِ الْإِخْبَار
(قَوْلُهُ: فَهُوَ دَاخِلٌ إلَخْ) غَيْرُ ظَاهِرٍ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ أَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا أَخْرَجَهُ عَنْهُمَا بِالنَّظَرِ لِحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ
قِيلَ: يُقْسَمُ نِصْفَيْنِ، وَقِيلَ: عَلَى الدَّعْوَى، وَعَلَى الثَّانِي اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ عَلَى التَّنَازُعِ وَالتَّسْلِيمِ أَوْ عَلَى الْعَوْلِ فَرَدَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقُسِمَ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبِقَوْلِهِ كَالْعَوْلِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ إلَخْ) أَيْ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْ غَيْرِهِمَا ادِّعَاءٌ (قَوْلُهُ: عَلَى التَّنَازُعِ وَالتَّسْلِيمِ) أَيْ فَإِذَا ادَّعَى شَخْصٌ الْكُلَّ وَآخَرُ النِّصْفَ فَيُخَصُّ مُدَّعِي الْكُلِّ بِالنِّصْفِ؛ إذْ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَدَّعِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا كُلَّ الدَّارِ، وَالْآخَرُ النِّصْفَ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مُدَّعِيَ النِّصْفِ سَلَّمَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذُ مُدَّعِي الْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدَّارِ، وَيَأْخُذُ مُدَّعِي النِّصْفِ رُبُعَ الدَّارِ، فَقَوْلُهُ: عَلَى التَّنَازُعِ أَيْ مِنْ النِّصْفِ، وَقَوْلُهُ: وَالتَّسْلِيمُ أَيْ تَسْلِيمُ النِّصْفِ الَّذِي سَلَّمَهُ مُدَّعِي النِّصْفِ لِمُدَّعِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ: قُسِمَ عَلَى حُكْمِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ مِنْ اثْنَيْنِ فَالِاثْنَانِ هُمَا الْمَسْأَلَةُ فَيُزَادُ عَلَيْهَا بِمِثْلِ نِصْفِهَا فَيَحْصُلُ ثَلَاثَةٌ فَالْمَسْأَلَةُ بِعَوْلِهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ اثْنَانِ لِمُدَّعِي الْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِمُدَّعِي النِّصْفِ (قَوْلُهُ: يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ الْمَخَارِجِ) الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَادَّعَى آخَرُونَ كُسُورًا مُتَبَايِنَةً كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ أَوْ نِصْفٍ وَرُبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ أَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ تِلْكَ الْكُسُورُ وَيَشْتَمِلُ عَلَى تِلْكَ الْمَخَارِجِ وَيُجْعَلُ لِمُدَّعِي الْكُلِّ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا مِثْلُ تِلْكَ الْكُسُورِ فَإِنْ كَانَتْ نِصْفًا وَرُبُعًا يُزَادُ مِثْلُ نِصْفِ وَرُبُعِ ذَلِكَ الْعَدَدِ الْمُحَصَّلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سِتَّةٌ) أَيْ مِنْ ضَرْبِ مَخْرَجِ النِّصْفِ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ فَالْمُرَادُ بِالْمَخَارِجِ النِّصْفُ وَالثُّلُثُ (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ عَلَيْهَا نِصْفُهَا إلَخْ) أَيْ فَهِيَ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: فَيُعْطَى لِمُدَّعِي الْكُلِّ إلَخْ) فَالْجُمْلَةُ أَحَدَ عَشَرَ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ عَالَتْ لِأَحَدَ عَشَرَ، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا هُنَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي بَابِ الْعَوْلِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَكُونُ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ لِأَحَدَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ اثْنَانِ) أَيْ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ خَمْسَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْخُذْهُ إلَخْ) يَجُوزُ أَنْ يُصَوَّرَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ادَّعَى مِلْكِيَّةَ السِّلْعَةِ وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِذَلِكَ، وَالْحَالُ أَنَّ السِّلْعَةَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ شَهِدَتْ لِلْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَاضِعًا يَدَهُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا لَا تُرَجَّحُ عَلَى الْحَائِزِ.
(قَوْلُهُ: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا إلَخْ)
إلَّا أَنَّ الْأَخَ الَّذِي أَسْلَمَ ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا، وَقَالَ الْأَخُ النَّصْرَانِيُّ: بَلْ مَاتَ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّصْرَانِيِّ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: فَالْقَوْلُ لِلْكَافِرِ كَانَ أَخْصَرَ لَكِنَّهُ تَبِعَ غَيْرَهُ فِي التَّعْبِيرِ، وَلَوْ أَبْدَلَ الْأَخَ بِالْوَلَدِ كَانَ أَحْسَنَ وَلَكِنَّهُ سَمَّاهُ أَخًا نَظَرًا لِلْمُنَازِعِ الْآخَرِ.
(ص) وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ (ش) يَعْنِي لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ وَمَاتَ مُسْلِمًا وَشَهِدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ أَنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا عَلَى أَصْلِ دِينِهِ أَوْ أَنَّهُ نَطَقَ بِالنَّصْرَانِيَّةَ وَمَاتَ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْمُسْلِمِ تُقَدَّمُ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ أَعْدَلَ، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ إذْ لَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَقُدِّمَتْ إلَخْ فِي مَعْلُومِ النَّصْرَانِيَّةِ.
(ص) إلَّا بِأَنَّهُ تَنَصَّرَ وَمَاتَ إنْ جَهِلَ أَصْلَهُ فَيُقْسَمُ (ش) الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مَعْلُومُ النَّصْرَانِيَّةِ وَهَذَا مَجْهُولُ الْأَصْلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمَاتَ مُسْلِمًا وَأَقَامَ النَّصْرَانِيُّ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ نَطَقَ بِالنَّصْرَانِيَّةَ وَمَاتَ نَصْرَانِيًّا فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ مُتَعَارِضَتَانِ وَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرْجِيحٌ قُسِمَ الْمَالَ بَيْنَهُمَا؛ إذْ لَا تَرْجِيحَ لِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا إذَا تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَتَانِ قُضِيَ بِالْمَالِ لِلْمُسْلِمِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى دَعْوَى النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ زَادَتْ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ جُهِلَ أَصْلُهُ، وَإِذَا جُهِلَ فَلَيْسَ ثَمَّ زِيَادَةٌ، وَلَا أَمْرٌ يُرَدُّ إلَيْهِ فَوَجَبَ قِسْمَةُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَمُقْتَضَى هَذَا، وَهُوَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ، وَمَوْضُوعُ الشَّهَادَةِ بِحَالِهِ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِأَحَدِ الدِّينَيْنِ أَوْ أَقَرَّ الْوَلَدَانِ بِذَلِكَ فَفِي كَوْنِ ذَلِكَ تَكَاذُبًا، أَوْ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي نَقَلَتْهُ عَنْ الْحَالَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا زَادَتْ حُكْمًا قَوْلَانِ وَعَلَى الثَّانِي إنْ كَانَتْ الْحَالَةُ الْأُولَى كُفْرًا فَالْإِرْثُ لِلْمُسْلِمِ، وَفِي الْعَكْسِ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ (ص) كَمَجْهُولِ الدِّينِ وَقُسِّمَ عَلَى (ش) مُشَبَّهٌ بِمَا قَبْلَهُ فِي حُكْمِهِ مِنْ الْقَسْمِ، وَلَمَّا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ فِيمَا إذَا أَقَامَا بَيِّنَةً ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا بَيِّنَةَ فِيهَا وَعَبَّرَ هُنَاكَ بِالْأَصْلِ، وَهُنَا بِالدَّيْنِ تَفَنُّنًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَبَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَمَاتَ وَتَدَاعَيَاهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: هُوَ مُسْلِمٌ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّ مَالَهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ تَنَازَعَهُ اثْنَانِ، وَهَلْ بَعْدَ حَلِفِهِمَا أَمْ لَا؟ وَبِهَذَا لَا تَكْرَارَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا، وَلَا تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قُسِمَ مَالُ الْأَبِ الْمَجْهُولِ الدِّينِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الْجِهَاتِ (بِالسَّوِيَّةِ) وَلَوْ زَادَ عَدَدُ الْجِهَةِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِذَا ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَادَّعَى النَّصْرَانِيُّ أَنَّ أَبَوْهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَادَّعَى الْيَهُودِيُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ يَهُودِيًّا وَلَا تَرْجِيحَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الْمَالُ أَثْلَاثًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بِأَيْدِيهِمْ أَوْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ لَا يَدَ عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ عُلِمَ أَصْلُهُ فَلَا أَثَرَ لِلْحَوْزِ فِيهِ فَلَوْ كَانَ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ
(تَنْبِيهٌ) :
وَإِذَا قُسِمَ عَلَى الْجِهَاتِ بِالسَّوِيَّةِ فَهَلْ يُقْسَمُ مَا يَنُوبُ كُلَّ جِهَةٍ عَلَى أَفْرَادِهَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى حُكْمِ الْمِيرَاثِ بِهَا وَيُرَاعَى فِي كُلِّ جِهَةٍ مَا فِي شَرِيعَتِهِمْ.
(ص) وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا طِفْلٌ فَهَلْ يَحْلِفَانِ، وَيُوقَفُ الثُّلُثُ فَمَنْ وَافَقَهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ مَاتَ حَلَفَا وَقُسِمَ أَوْ لِلصَّغِيرِ النِّصْفُ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي فَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ دِينِ أَبِيهِمَا طِفْلٌ فَهَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ وَيُوقَفُ لِلصَّغِيرِ ثُلُثُ التَّرِكَةِ أَيْ يُوقَفُ لَهُ ثُلُثُ مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ السُّدُسُ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ فَمَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمَا أَيْ ادَّعَى دَعْوَاهُ أَخَذَ حِصَّتَهُ، وَهِيَ سُدُسُ التَّرِكَةِ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ مَا وُقِفَ مِنْ نَصِيبِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الطِّفْلَ يَنُوبُهُ سُدُسُ التَّرِكَةِ، وَيَنُوبُ الَّذِي وَافَقَهُ الطِّفْلُ ثُلُثُهَا، وَيَنُوبُ الَّذِي لَمْ يُوَافِقْهُ الطِّفْلُ نِصْفُهَا وَإِنَّمَا وُقِفَ لِلطِّفْلِ ثُلُثُ التَّرِكَةِ أَوَّلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ إذَا بَلَغَ جِهَةً غَيْرَ الْجِهَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ادَّعَاهُمَا أَخَوَاهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ وَقُسِمَ نَصِيبُ الطِّفْلِ -
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ مَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْأَبَ مُسْلِمٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ ثُمَّ تَنَازَعَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: إنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنَّهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْأَصْلَ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ) أَيْ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ أَنَّ أَبَاهُ فَإِنَّ الَّذِي يُنَاسِبُ الْأَبَ هُوَ الْوَلَدُ لَا الْأَخُ، وَقَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ) وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى التَّعْلِيلِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ إلَخْ، وَهُوَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ: وَمَوْضُوعُ الشَّهَادَةِ بِحَالِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمَ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا، وَالنَّصْرَانِيُّ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ أَبَاهُ نَصْرَانِيًّا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِأَحَدِ الدِّينَيْنِ) أَيْ عِنْدَ النَّاسِ أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا وَلَكِنْ أَقَرَّ الْوَلَدَانِ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فَفِي كَوْنِ ذَلِكَ تَكَاذُبًا أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ كَذَّبَتْ الْأُخْرَى فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِمَا أَيْ: وَيُرْجَعُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ ادَّعَى أَخٌ أَسْلَمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ) أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْعَكْسِ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ (قَوْلُهُ: وَقُسِمَ عَلَى الْجِهَاتِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ: وَالْجِهَاتُ أَرْبَعٌ إسْلَامٌ وَيَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ وَسِوَاهُمَا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى حُكْمِ الْمِيرَاثِ إلَخْ) الصَّوَابُ الطَّرَفُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى حُكْمِ الْمِيرَاثِ.
(قَوْلُهُ: فَهَلْ يَحْلِفُ إلَخْ) وَيَنْبَغِي التَّبْدِئَةُ بِالْقُرْعَةِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِأَنْ تَدَيَّنَ بِجِهَةٍ ثَالِثَةٍ أَخَذَ الْمَوْقُوفَ كُلَّهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ بُلُوغِ الطِّفْلِ وَلَهُ
بَيْنَهُمَا أَوْ لِلصَّغِيرِ نِصْفُ التَّرِكَةِ مِنْ الْآنَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّهُ أَخُوهُ، وَيُجْبَرُ الطِّفْلُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَصْبَغَ قَوْلَانِ أَيْ: وَيُقْسَمُ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنَّمَا حَلَفَا ثَانِيًا إذَا مَاتَ بَعْدَ مَا حَلَفَا أَوَّلًا عَلَى أَنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ عَلَى الدِّينِ الَّذِي ذَكَرَاهُ لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّا مَا وُقِفَ وَإِنَّمَا لَمْ يُشَارِكْ مَنْ وَافَقَهُ مَعَ أَنَّهُ مُسَاوٍ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْمَوْتِ قَدْ اسْتَحَقَّ كُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْجِهَتَيْنِ الثُّلُثَ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي انْتَفَى فِيهِ مُسَاوَاةُ أَصْحَابِ الْجِهَةِ فَمَنْ وَاقِعَةٌ عَلَى أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ، وَضَمِيرُ وَافَقَهُ الْبَارِزُ عَائِدٌ عَلَى مَنْ وَالْمُسْتَتِرُ رَاجِعٌ إلَى الطِّفْلِ وَضَمِيرُ أَخَذَ عَائِدٌ عَلَيْهِ وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى مَنْ أَيْضًا وَالتَّقْدِيرُ فَأَيُّ وَلَدٍ وَافَقَهُ الطِّفْلُ أَخَذَ ذَلِكَ الطِّفْلُ حِصَّتَهُ أَيْ الَّتِي وُقِفَتْ لَهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا حُكِمَ لِلطِّفْلِ بِمَا ذُكِرَ هُنَا؛ لِأَنَّ أَبَاهُ لَمْ يُعْلَمْ دِينُهُ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي الرِّدَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ كَإِنْ مَيَّزَ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ تَحَقَّقَ إسْلَامُ الْأَبِ وَالطِّفْلُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ.
(ص) وَإِنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ، وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً (ش) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ الظَّفَرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ عِنْدَ غَيْرِهِ وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ أَخْذِ مَا يُسَاوِي قَدْرَهُ مِنْ مَالِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ شَيْئِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَوَاءٌ عَلِمَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ، وَجَوَازُ الْأَخْذِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ حَقُّهُ عُقُوبَةً، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ لَا يَتَوَلَّاهَا إلَّا الْحَاكِمُ وَالثَّانِي أَنْ يَأْمَنَ الْفِتْنَةَ بِسَبَبِ أَخْذِ حَقِّهِ كَقِتَالٍ أَوْ إرَاقَةِ دَمٍ وَأَنْ يَأْمَنَ مِنْ الرَّذِيلَةِ أَيْ أَنْ يَنْسُبَ إلَيْهَا كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ قَدَرَ أَيْ مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: شَيْئِهِ وَكَذَا غَيْرُ شَيْئِهِ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَمْ لَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهَا وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَخْذُ مِثْلِهَا فَلَوْ أَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِشَيْئِهِ عَيْنَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ: إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ لِعَدَمِ شُمُولِ عَيْنِ شَيْئِهِ لَهُ فَيُرَادُ بِشَيْئِهِ حَقُّهُ الشَّامِلُ لِعَيْنِ شَيْئِهِ وَعِوَضُهُ فَاحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِ الْعُقُوبَةِ مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْئِهِ حَقُّهُ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ مِنْ وَدِيعَةٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا مَرَّ لِلْمُؤَلِّفِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ.
(ص) وَإِنْ قَالَ أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك الْغَائِبُ اُنْظُرْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ عَنْ رَجُلٍ غَائِبٍ إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ حَاضِرٍ أَنَّ مُوَكِّلَهُ يَسْتَحِقُّ فِي ذِمَّةِ هَذَا الْحَاضِرِ كَذَا وَكَذَا فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالِاعْتِرَافِ وَادَّعَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ الْمَذْكُورَ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ قَضَاهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُوَكِّلُ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ وَسَوَاءٌ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ أَوْ بَعُدَتْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَبُولُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَهُ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِمَا يَدَّعِيهِ الْغَرِيمُ؛ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْيَمِينِ وَانْظُرْ اعْتِرَاضَ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَعَلَى قَبُولِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَى تت.
(ص) وَمَنْ اُسْتُمْهِلَ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ أُمْهِلَ بِالِاجْتِهَادِ كَحِسَابٍ وَشِبْهِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ لِشَخْصٍ فَطَلَبَ الْمُهْلَةَ لِدَفْعِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَرَثَةٌ يُعْرَفُونَ فَهُمْ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ وُقِفَ فَإِذَا كَبِرَ الصَّغِيرُ وَادَّعَاهُ كَانَ لَهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِلصَّغِيرِ النِّصْفُ أَيْ مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُقِرٌّ بِأَنَّهُ أَخُوهُ، وَقَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ الطِّفْلُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْكَلَ حَالُ الْأَبِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: التَّعْلِيلُ) هُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ يَدَّعِي جِهَةً أُخْرَى؛ إذْ ذَاكَ صَادِقٌ بِكَوْنِ الطِّفْلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.
(قَوْلُهُ: إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: شَيْئِهِ دَيْنَهُ عَلَى مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَائِهِ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِهِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيمُهُ مَدِينًا أَخَذَ قَدْرَ حِصَّتِهِ فِي الْحِصَاصِ فَقَطْ وَإِذَا كَانَ شَخْصَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَى الْآخَرِ فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا حَقَّ صَاحِبِهِ فَلِلْآخَرِ جَحْدُ مَا يُعَادِلُهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ عَيْنَ شَيْئِهِ يَأْخُذُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا وَجَدَ غَيْرَهُ فَأَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ ثَالِثُهَا إذَا كَانَ جِنْسَهُ جَازَ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ عَلِمَ غَرِيمُهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ غَرِيمُهُ فَاعِلٌ لِقَوْلِهِ عَلِمَ أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ غَرِيمُهُ أَيْ فِي حَالِ الْأَخْذِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فِي حَالِ الْأَخْذِ لَكِنْ إذَا عَلِمَ يَكُونُ الْأَخْذُ غَصْبًا (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِشَيْئِهِ حَقُّهُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّجَوُّزِ فَيُخَالِفُ قَوْلَهُ سَابِقًا وَكَذَلِكَ غَيْرُ شَيْئِهِ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ) أَيْ كَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعُدَتْ كَالْعَشَرَةِ وَمَا قَارَبَ كُلًّا يُعْطَى حُكْمَهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ اعْتِرَاضَ ابْنِ عَرَفَةَ) أَيْ فَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَزْوِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْقَوْلَ بِالْإِنْظَارِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ أَوْ بَعُدَتْ أَيْ بَلْ إنَّمَا يُنْظَرُ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ إنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ الْمُوَكِّلِ فَإِنْ بَعُدَتْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ يَمِينِ الْوَكِيلِ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأَ أَوْ اقْتَضَى، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْمَوَّازِ ثُمَّ إنْ قَدِمَ الْمُوَكِّلُ مِنْ الْبَعِيدَةِ حَلَفَ وَتَمَّ الْأَخْذُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْغَرِيمُ ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: فَطَلَبَ الْمُهْلَةَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَطَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ بِأَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ أَوْ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مَثَلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ طَلَبَ دَفْعَهَا لِعَدَاوَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْظَرَهُ لَهَا بِاجْتِهَادِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ قَرُبَتْ بَيِّنَتُهُ كَالْجُمُعَةِ، وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ، وَبَقِيَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا أَحْضَرَهَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالدَّفْعِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِإِقَامَتِهَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ أَيْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ أَوْ لِإِقَامَتِهَا (أَقُولُ) : لَا يَخْفَى
أَوْ لِإِقَامَتِهَا فَإِنَّهُ يُمْهَلُ لِأَجَلِ انْقِطَاعِ حُجَّتِهِ، وَالْمُهْمَلَةُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَلَا تَحْدِيدَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ لَكِنْ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُهْمَلَةَ كَحِسَابٍ يُظْهِرُهُ أَوْ لِشَيْءٍ مَكْتُوبٍ عِنْدَهُ لِيُحَرِّرَهُ لِيَكُونَ فِي جَوَابِهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فِي ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ فَإِنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ فَقَوْلُهُ:(بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ) قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ وَفِي قَوْلِهِ (كَأَنْ أَرَادَ إقَامَةَ ثَانٍ) فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ تَامًّا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُدَّعِي إذَا أَقَامَ شَاهِدًا بِالْحَقِّ وَطَلَبَ الْمُهْلَةَ حَتَّى يُقِيمَ الشَّاهِدَ الثَّانِيَ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيُثْبِتَ الْحَقَّ.
(ص) أَوْ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَأَنْ أَرَادَ إقَامَةَ ثَانٍ يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا طَلَبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا بِالْمَالِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ فَفِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ كَمَا هُنَا، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الضَّمَانِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا.
(ص) وَفِيهَا أَيْضًا نَفْيُهُ، وَهَلْ خِلَافٌ أَوْ الْمُرَادُ وَكِيلٌ يُلَازِمُهُ أَوْ إنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُ تَأْوِيلَاتٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا طَلَبَ حَمِيلًا بِالْوَجْهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: أَوْ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَبِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَفِي كِتَابِ الْحِمَالَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَقِيلَ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ وَقِيلَ لَا بَلْ وِفَاقٌ، وَهُوَ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَبِي عِمْرَانَ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْكَفِيلِ الَّذِي فِي الشَّهَادَاتِ الْوَكِيلُ الَّذِي يُلَازِمُهُ وَيَحْرُسُهُ خَوْفًا مِنْ هُرُوبِهِ لَا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ فَوَافَقَ مَا فِي كِتَابِ الْحِمَالَةِ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْحِمَالَةِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا فَلِلطَّالِبِ عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِوَجْهِهِ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفِيلٌ؛ لِأَنَّا نَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَيْسَ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ خِلَافٌ.
(ص) وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ وَعَنْ الْأَرْشِ السَّيِّدُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَتْ بِقِصَاصٍ أَوْ بِحَدِّ قَذْفٍ أَوْ بِأَدَبٍ فَإِنَّ الَّذِي يُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ هُوَ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِمَا يُوجِبُ الْأَرْشَ فَإِنَّ الَّذِي يُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ هُوَ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِلدَّفْعِ فَقَدْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا فَهُوَ تَنْوِيعٌ فِي الْعِبَارَةِ، وَالْمَآلُ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَحْدِيدَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ) وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: جُمُعَةٌ (قَوْلُهُ: كَحِسَابٍ يُظْهِرُهُ) أَيْ فَهُوَ غَيْرُ مُنْكِرٍ بَلْ أَتَى بِمَا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ، وَلَا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى إلَّا بِشَاهِدٍ لِحَمْلِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمُنْكِرِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِشَيْءٍ مَكْتُوبٍ) تَفْسِيرٌ لِلْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَحِسَابٍ (قَوْلُهُ: كَفِيلٍ بِالْمَالِ) أَيْ يَكْفُلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يُحْضِرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً (قَوْلُهُ: قَيَّدَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ أُولَاهُمَا قَوْلُهُ: وَمَنْ اُسْتُمْهِلَ ثَانِيَتُهُمَا قَوْلُهُ كَحِسَابٍ إلَخْ إلَّا أَنَّ فِي عب أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ فَقَطْ وَأَوْلَى لِقَوْلِهِ اُنْظُرْ وَأَمَّا مَا بَعْدَهَا فَبِكَفِيلٍ بِالْوَجْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ طَلَبُ حِسَابٍ وَشِبْهِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَيَفُوتُ الْمُصَنِّفَ حِينَئِذٍ مَا إذَا كَانَ طَلَبُهُ لِلْحِسَابِ وَشِبْهِهِ قَبْلَ إقَامَتِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ مُحَشِّي تت مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْقُولَ بِكَفِيلٍ بِالْوَجْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِسَابِ وَأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ عَائِدٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْكَافِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ لِيُشَبِّهَ بِهِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ أَيْ بِكَفِيلٍ بِالْمَالِ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَأَنْ أَرَادَ إلَخْ) أَيْ وَيَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَيْ أَوْ كَأَنْ ادَّعَى بِحَقٍّ مُلْتَبِسًا بِإِرَادَةِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ فَيُجَابُ بِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ لَا بِالْمَالِ أَيْ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى إقَامَةِ ثَانٍ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ إلَّا أَنَّ الْعَطْفَ فِيهِ قَلَقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ الْحَمِيلُ فِيهِ بِالْمَالِ، وَالْمَعْطُوفُ الْحَمِيلُ فِيهِ بِالْوَجْهِ فَالْأَحْسَنُ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ: لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ أَيْ: وَإِذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي إمْهَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ لَكِنْ مَعَ كَوْنِهِ يَأْخُذُ مِنْهُ حَمِيلًا بِالْوَجْهِ لَا بِالْمَالِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ وَعَلَيْهَا يَكُونُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِدَفْعِ بَيِّنَةٍ (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ الْحَلِفُ فِيهَا عَلَى الْخُلْطَةِ حَيْثُ كَانَتْ هُنَاكَ خُلْطَةٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ تُوجَدْ خَلْطَةٌ فَلَا يُطْلَبُ بِحَمِيلٍ بِالْوَجْهِ، وَلَا بِكَفِيلٍ يُلَازِمُهُ سَوَاءٌ عُرِفَ نَسَبُهُ أَمْ لَا وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الَّتِي تَتَوَجَّهُ فِيهَا الْيَمِينُ لِغَيْرِ خُلْطَةٍ كَدَعْوَى الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ فَإِمَّا حَلَفَ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ حَمِيلًا (الثَّانِي) أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدَّعِ بَيِّنَةً بِكَالسُّوقِ، وَإِلَّا أَوْقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي كِتَابِ الْحِمَالَةِ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: يُلَازِمُهُ وَيَحْرُسُهُ إلَخْ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْوَجْهِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَضْمُونِ يَضْمَنُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا فَالشَّأْنُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيُمْكِنُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إنَّمَا شَهِدَا عَلَى ذَاتِهِ وَحِلْيَتِهِ لَا عَلَى اسْمِهِ فَلَا تَكُونُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا بِحُضُورِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الَّذِي يُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ هُوَ الْعَبْدُ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْجَوَابُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ سَيِّدِهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَا يَدَّعِي بِمَالٍ فَيُجِيبُ عَنْهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا، وَإِلَّا وُقِفَ الْأَمْرُ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ الْعِلْمِ لَزِمَهُ وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةٍ لَزِمَهُ الْقَطْعُ بِلَا غُرْمٍ، وَإِقْرَارُ السَّيِّدِ عَلَيْهِ بِالْعَكْسِ
إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْمُجِيبُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَيَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يُؤَاخَذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ فَيُجِيبُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ دُونَ غَيْرِهِ، قَوْلُهُ: وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ حَيْثُ لَمْ يُتَّهَمْ فَإِنْ اُتُّهِمَ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ مَنْ يُقْتَلُ بِهِ ثُمَّ إنَّ وَلِيَ الْمَقْتُولِ اسْتَحْيَاهُ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْوَلِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِلْقِصَاصِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ جَهِلَ. قَوْلُهُ: وَعَنْ الْأَرْشِ السَّيِّدُ إلَّا أَنْ تَقُومَ قَرِينَةٌ تُوجِبُ قَبُولَ إقْرَارِ الْعَبْدِ فِيهَا بِالْمَالِ فَفِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي عَبْدٍ عَلَى بِرْذَوْنٍ مَشَى عَلَى أُصْبُعٍ صَغِيرٍ فَقَطَعَهَا فَتَعَلَّقَ بِهِ الصَّغِيرُ، وَهِيَ تُدْمِي، وَيَقُولُ: فَعَلَ بِي هَذَا وَصَدَّقَهُ الْعَبْدُ أَنَّ الْأَرْشَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ.
(ص) وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ (ش) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يُوَجِّهُهَا إلَّا حَاكِمٌ أَوْ مُحَكَّمٌ، وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَيْ لَيْسَ لِخَصْمِهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَإِذَا حَلَفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي يَمِينِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَهَذَا مَا عَدَا اللِّعَانَ وَالْقَسَامَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا لِزِيَادَةِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ بَلْ يَقُولُ فِي اللِّعَانِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي فَقَطْ كَمَا مَرَّ وَيَقُولُ فِي الْقَسَامَةِ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي فَقَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ أَيْ وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ الْقَاطِعَةِ لِلنِّزَاعِ بَيْنَ الْخُصُومِ بِاَللَّهِ إلَخْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالِاسْمِ وَالْوَصْفِ، وَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ كَافِيًا فِي كَوْنِهِ يَمِينًا تُكَفَّرُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا زِيَادَةُ التَّخْوِيفِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ الْوَاوَ مِثْلُ الْبَاءِ قَالَ ح: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَانْظُرْ الْهَاءَ الْمُبْدَلَةَ مِنْ الْهَمْزَةِ.
(ص) وَلَوْ كِتَابِيًّا وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ: بِاَللَّهِ فَقَطْ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْكِتَابِيَّ يَقُولُ فِي يَمِينِهِ هَذَا اللَّفْظَ كَالْمُسْلِمِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إيمَانًا مِنْهُ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَلَا عَلَى النَّصْرَانِيِّ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَتَأَوَّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ فِي حَلِفِهِ فِي اللِّعَانِ وَغَيْرِهِ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَمَامُ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَمَامَهُ وَأَمَّا الْيَهُودِيُّ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي حَلِفِهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالتَّوْحِيدِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِزِيَادَةٍ أَيْضًا وَعَلَى إسْقَاطِهَا لَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ تَأْوِيلٌ، وَإِنْ كَانُوا يُطْلِقُونَ التَّأْوِيلَ عَلَى حَمْلِهَا عَلَى ظَاهِرِهَا حَيْثُ صَحِبَهُ تَأْوِيلٌ آخَرُ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ تَأْوِيلًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَقَطْ.
(ص) وَغُلِّظَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ بِجَامِعٍ كَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ وَبِالْقِيَامِ لَا بِالِاسْتِقْبَالِ وَبِمِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام (ش) يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَلِيلٍ أَوْ حَقِيرٍ لَكِنْ لَا تُغَلَّظُ عَلَى الْحَالِفِ إلَّا فِي الْحَقِّ الَّذِي لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ وَأَقَلُّهُ رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ عَرْضٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَغْلِيظَ عَلَيْهِ فِيهِ وَالتَّغْلِيظُ وَاجِبٌ فَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُ عُدَّ نَاكِلًا، وَهُوَ مِنْ حَقِّ الْخَصْمِ وَيَكُونُ التَّغْلِيظُ فِي الْجَامِعِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَيَكُونُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّ الْمِنْبَرَ وَسَطُ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِحْرَابِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُقْتَدَى بِهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَعْرِفُ مَالِكٌ الْيَمِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ وَفِي الْكَنِيسَةِ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ -
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْوَلِيِّ إلَخْ) أَيْ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: وَيُجِيبُ عَنْ الْقِصَاصِ الْعَبْدُ حَيْثُ لَمْ يُتَّهَمْ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَهُ أَيْ: وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِلْقِصَاصِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ جَهِلَ
(قَوْلُهُ: لَا يُوَجِّهُهَا إلَّا حَاكِمٌ إلَخْ) أَيْ لَا يَقْضِي بِهَا إلَّا حَاكِمٌ، وَإِلَّا فَلَوْ أَطَاعَ وَحَلَفَ عِنْدَ غَيْرِهِ لَصَحَّ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: لِزِيَادَةِ بِاَللَّهِ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فِي قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ (قَوْلُهُ: أَيْ وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ إلَخْ) أَيْ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِاَللَّهِ إلَخْ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ مُصَوَّرَةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: الْهَاءُ الْمُبْدَلَةُ مِنْ الْهَمْزَةِ) أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُبْدَلَ مِنْ الْهَمْزَةِ أَيْ بِحَيْثُ يَقُولُ هَاللَّهِ بِدُونِ هَمْزَةٍ
(قَوْلُهُ: وَغُلِّظَتْ) أَيْ ثَقُلَتْ (قَوْلُهُ: فِي رُبُعِ دِينَارٍ) وَالْمُرَادُ بِالدِّينَارِ هُنَا دِينَارُ الدَّمِ، وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُلْحَقَةٌ بِالْحُدُودِ فَهِيَ مُلْحَقَةٌ بِالسَّرِقَةِ لَا دِينَارُ الزَّكَاةِ، وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ (قَوْلُهُ: بِجَامِعٍ) الْبَاءُ لِلْآلَةِ لَا لِلظَّرْفِيَّةِ خِلَافًا لِمَا أَفَادَهُ شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ: وَيَكُونُ التَّغْلِيظُ فِي الْجَامِعِ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ تَغْلِيظَ زِيَادَةٍ عَلَى الْكَوْنِ فِي الْجَامِعِ
(قَوْلُهُ: فَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَلَى اثْنَيْنِ مُتَضَامِنَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا وَكِيلٌ عَنْ الْآخَرِ لَا لِشَخْصٍ، وَلَوْ مُتَفَاوِضَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَوْ وَجَبَ دَفْعُهُ وَكَانَ تَافِهًا وَادَّعَى بِهِ وَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ فِيهِ بِدُونِ تَغْلِيظٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِحْرَابِ) أَيْ لَا عِنْدَ الْمِنْبَرِ لِأَنَّ الْمِنْبَرَ إذَا كَانَ وَسَطَ الْمَسْجِدِ كَانَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِيهِ فَيَرْجِعُ لِمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ حُرْمَتَهُ، وَهُوَ الْمِحْرَابُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُقْتَدَى بِهِ) كَذَا فِي عج يُقْتَدَى بِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ أَيْ يُقْتَدَى بِالْحَالِّ فِيهِ، وَهُوَ الْإِمَامُ أَيْ فَصَارَ لَهُ حُرْمَةٌ بِذَلِكَ وَفِي نُسْخَةِ بَعْضِ الشُّيُوخِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَيْ يَعْتَقِدُ أَنَّ حُرْمَتَهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ عَامَّةٌ مَعَ أَنَّهُ خَصَّصَ مِنْبَرَ مَسْجِدِهِ عليه السلام (قَوْلُهُ: إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ إلَخْ) أَيْ فَقَوْلُهُ: فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَكُونُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ أَيْ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا مُطْلَقَ مِنْبَرٍ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَنِيسَةِ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ) أَيْ فَلِلْمُسْلِمِ الذَّهَابُ لِتَحْلِيفِهِمْ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَةً فِي نَظَرِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ صَرْفُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْبَاطِلِ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى جَوَازُ تَحْلِيفِ الْمُسْلِمِ عَلَى بَرَاءَةٍ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ أَضْرِحَةِ الْمَشَايِخِ أَوْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَنْكَفُّ عَنْ الْبَاطِلِ إلَّا بِذَلِكَ فَإِذَا حَلَفَ خَصْمُهُ بِطَلَاقٍ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى تَحْلِيفِهِ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ فَلَهُ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ لَا بِالْبُعْدِ فَلَوْ حَلَفَ لَهُ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَادِ الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ وَفِي عب أَنَّ الْكَنِيسَةَ لِلْيَهُودِيِّ وَالْبِيعَةَ
وَفِي الْبِيعَةِ فِي حَقِّ الْيَهُودِيِّ وَفِي بَيْتِ النَّارِ فِي حَقِّ الْمَجُوسِيِّ وَيُغَلَّظُ أَيْضًا بِالْقِيَامِ لَا بِالِاسْتِقْبَالِ لِلْقِبْلَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ فَيَحْلِفُ عِنْدَ مِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَلَا تُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ كَكَوْنِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ.
(ص) وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ فِيمَا ادَّعَتْ أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهَا إلَّا الَّتِي لَا تَخْرُجُ نَهَارًا، وَإِنْ مُسْتَوْلَدَةً قَلِيلًا، وَتَحْلِفُ فِي أَقَلَّ بِبَيْتِهَا (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ، وَهِيَ الْمُسْتَتِرَةُ فِي بَيْتِهَا تَخْرُجُ لِلْيَمِينِ فِيمَا ادَّعَتْ بِهِ وَأَقَامَتْ شَاهِدًا فَتَحْلِفُ مَعَهُ، وَهُوَ رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ، وَكَذَلِكَ تَخْرُجُ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ وَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا بِأَنْ رُدَّتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ إلَّا الَّتِي لَا عَادَةَ لَهَا بِالْخُرُوجِ نَهَارًا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ لَيْلًا لِتَحْلِفَ كَنِسَاءِ الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ وَنَحْوِهِمَا، وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْحُرَّةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ تَخْرُجُ لَيْلًا، وَإِلَّا فَتَحْلِفُ بِبَيْتِهَا كَمَا إذَا اُدُّعِيَ عَلَى الْمُخَدَّرَةِ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَإِنَّهَا تَحْلِفُ بِبَيْتِهَا بِأَنْ يُرْسِلَ الْقَاضِي لَهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا، وَلَا تَخْرُجَ لِلْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُخَدَّرَةِ.
(ص) وَإِنْ ادَّعَيْت قَضَاءً عَلَى مَيِّتٍ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ وَرَثَتِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ مَاتَ صَاحِبُهُ وَطَلَبَتْ الْوَرَثَةُ دَيْنَ أَبِيهِمْ فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَضَيْتُهُ لِمُوَرِّثِكُمْ، وَلَمْ تُصَدِّقْهُ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يُحَلِّفَ مِنْ الْوَرَثَةِ مَنْ يَظُنُّ بِهِ عِلْمَ ذَلِكَ مِثْلَ أَخِيهِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يُخَالِطُهُ وَيَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَيْ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَحَالَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ قَوْلُهُ: مِنْ وَرَثَتِهِ أَيْ مِنْ الْبَالِغِينَ حِينَ الْمَوْتِ فَإِنْ حَلَفَ الْبَالِغُ ثَبَتَ الْحَقُّ لِجَمِيعِهِمْ، وَإِنْ نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ فَقَطْ، وَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ قَضَى، وَيَسْقُطُ حَقُّ الْبَالِغِ فَقَطْ.
(ص)
ــ
[حاشية العدوي]
لِلنَّصْرَانِيِّ وَالصَّوَابُ مَا فِي شَارِحِنَا كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ ابْنِهِ (قَوْلُهُ: فَيَحْلِفُ عِنْدَ مِنْبَرِهِ عليه السلام أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ إلَخْ) أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَغْلِيظَ بِالزَّمَانِ) أَيْ فِي الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ اللِّعَانِ وَالدِّمَاءِ فَتُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَقَوْلُهُ كَكَوْنِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَيْ لِكَوْنِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْأَعْمَالَ يَنْزِلُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُمْ يَنْزِلُونَ عِنْدَ الصُّبْحِ فَلَعَلَّ تَخْصِيصَ وَقْتِ الْعَصْرِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ وَقْتُ نَوْمٍ وَاشْتِغَالٍ.
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَتْ الْمُخَدَّرَةُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مُسْتَوْلَدَةً) اعْلَمْ أَنَّ مَنْ تَخْرُجُ غَيْرَ مُشْتَهِرَةٍ حُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ لَا تَخْرُجُ وَقَوْلُهُ، وَهِيَ الْمُسْتَتِرَةُ فِي بَيْتِهَا تَفْسِيرٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ هُوَ لَهُ أَيْ الَّتِي خَدَّرَهَا أَهْلُهَا أَيْ سَتَرَهَا أَهْلُهَا (قَوْلُهُ: تَخْرُجُ لِلْيَمِينِ إلَخْ) أَيْ وَتَحْلِفُ بِحَضْرَةِ رَبِّ الْحَقِّ فَإِنْ أَبَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا مِنْ حُضُورِهِ خَشْيَةَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا فَحَكَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ عَنْهَا أَقْصَى مَا يَسْمَعُ لَفْظَ يَمِينِهَا فَإِنْ ادَّعَى صَاحِبُ الْحَقِّ عَدَمَ مَعْرِفَتِهَا فَهَلْ إثْبَاتُ مَنْ يَعْرِفُهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا قَوْلَانِ فَإِنْ أُرِيدَ التَّغْلِيظُ فَادَّعَتْ حَيْضَهَا حَلَفَتْ عَلَى مَا ادَّعَتْ وَأُخِّرَتْ (قَوْلَهُ بِأَنْ رُدَّتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَصْوِيرَهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ ادَّعَى عَلَيْهَا إنْسَانٌ بِحَقٍّ فَتُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ أَصْلِيَّةٌ عَلَيْهَا وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَتَحْلِفُ بِبَيْتِهَا) أَيْ وَيُرْسِلُ إلَيْهَا الْقَاضِي مَنْ يُحَلِّفُهَا، وَالْوَاحِدُ مُجْزٍ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الطَّالِبِ لِلْيَمِينِ، وَإِلَّا أُعِيدَتْ بِحُضُورِهِ، وَأَمَّا مَنْ تَحْلِفُ بِغَيْرِ بَيْتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: قَضَيْتُهُ لِمُورِثِكُمْ) الْمُرَادُ بِهِ إسْقَاطٌ مِنْ جَانِبِ الْمَيِّتِ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ إسْقَاطًا أَوْ إبْرَاءً أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَنْ يَحْلِفَ مِنْ الْوَرَثَةِ) أَيْ مِنْ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ يَرِثُونَ بِالْفِعْلِ يَوْمَ الْمَوْتِ كَقَرِيبِ الْقَرَابَةِ لَا بِعِيدِهَا وَقَدْ يَكُونُ الْبَعِيدُ مِنْ الْوَرَثَةِ مُخَالِطًا لِلْمَيِّتِ، وَالْقَرِيبُ بِضِدِّهَا فَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَحْلِفُ غَيْرُ الْوَارِثِ لِيَسْتَحِقَّ الْوَارِثُ (قَوْلُهُ: مَنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ) أَيْ وَدَعْوَى الْمَدِينِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ هَذَا مَا فِي شب وَاَلَّذِي فِي عب أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْإِطْلَاقُ وَمُفَادُ عج تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ق وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي الزَّوْجَةِ فَقِيلَ: إنَّهَا مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ وَقِيلَ لَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فِي حَالٍ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الْبَالِغِينَ حِينَ الْمَوْتِ) فَلَا يَمِينَ عَلَى مَنْ بَلَغَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ الْبَالِغُ) أَرَادَ جِنْسَ الْبَالِغِ الصَّادِقِ بِالْمُتَعَدِّدِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُطْلَبُ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ مِنْ الْبَالِغِينَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ حِينَ الْمَوْتِ صَبِيًّا أَوْ كَانَ لَا يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ فَإِنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لَا يُطْلَبُ بِيَمِينٍ لَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَهُ، وَكَذَا الْبَالِغُ الَّذِي لَا يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ لَا يُطَالَبُ بِيَمِينٍ مِنْ أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ
وَأَمَّا الَّذِي يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ إذَا كَانَ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا فَإِنَّ لِلْمَطْلُوبِ تَحْلِيفَهُ فَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ الْحَلِفَ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ مِنْ أَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ، وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الْحَلِفَ، وَكَانَ وَاحِدًا وَحَلَفَ اسْتَحَقَّ، وَإِلَّا رُدَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا وَطَلَبَ الْحَلِفَ مِنْ وَاحِدٍ فَقَطْ دُونَ الْبَاقِي اسْتَحَقَّ الْبَاقِيَ بِدُونِ يَمِينٍ، وَأَمَّا ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَمَّا لَوْ طَلَبَ مِنْ الْكُلِّ وَحَلَفُوا دَفْعَةً اسْتَحَقُّوا، وَإِنْ نَكَلُوا كَذَلِكَ وَرَدُّوا الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِلَّا غَرِمَ، وَإِنْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ بِالْحَلِفِ وَاكْتَفَى بِهِ، وَلَمْ يُنْظَرْ لِلْبَاقِي فَاسْتَحَقَّ الْكُلَّ فَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ وَطَلَبَ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ وَحَلَفَ فَكَذَلِكَ، وَكَذَا إذَا كَانَ الَّذِي يَلِيهِ حَلَفَ وَهَكَذَا، وَأَمَّا إنْ نَكَلَ الَّذِي يَلِي الْحَالِفَ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ، وَيُنْظَرُ لِلثَّالِثِ، فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ، وَإِلَّا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَهَكَذَا فَلَوْ أَنَّ
وَحَلَفَ فِي نَقْصٍ بَتًّا وَغِشٍّ عِلْمًا (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ صَارَفَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ وَقَبَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقَّهُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ وَجَدَ أَحَدُهُمَا فِي دَرَاهِمِهِ أَوْ دَنَانِيرِهِ نَقْصًا أَوْ غِشًّا فَعَادَ لِصَاحِبِهِ وَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي حَالَةِ النَّقْصِ عَلَى الْبَتِّ أَيْ أَنَّهُ مَا دَفَعَ إلَّا كَامِلًا؛ لِأَنَّ النَّقْصَ يُمْكِنُ فِيهِ حُصُولُ الْقَطْعِ وَلَا يَتَعَذَّرُ الْجَزْمُ بِهِ أَوْ بِعَدَمِهِ، وَيَحْلِفُ فِي حَالَةِ الْغِشِّ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَيْ أَنَّهُ مَا دَفَعَ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَالضَّمِيرُ فِي حَلَفَ لِلدَّافِعِ صَيْرَفِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.
(ص) وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّ أَبِيهِ أَوْ قَرِينَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْبَتِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ كَخَطِّ أَبِي الْحَالِفِ أَوْ خَطِّهِ هُوَ أَوْ قَرِينَةٍ مِنْ خَصْمِهِ كَنُكُولِهِ أَوْ سُؤَالِهِ الصُّلْحَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى مَثَلًا، وَهَذَا رَاجِعٌ لِجَمِيعِ الْبَابِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ قَوْلِهِ: وَغَمُوسٌ بِأَنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ هُنَاكَ مُطْلَقُ الظَّنِّ وَهَذَا ظَنٌّ قَوِيٌّ أَوْ أَنَّ الْغَمُوسَ مُتَبَرِّعٌ بِهَا وَهَذِهِ مُجْبَرٌ عَلَيْهَا.
(ص) وَيَمِينُ الْمَطْلُوبِ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَطْلُوبِ فَمِنْ شَرْطِهَا مُطَابَقَتُهَا لِإِنْكَارِهِ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ مِنْ قَرْضٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ مِنْ قَرْضٍ، وَلَا بَعْضُهَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِالْعَشَرَةِ مُدَّعٍ بِكُلِّ آحَادِهَا فَحَقُّ الْيَمِينِ نَفْيُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْمَعْقُولِ أَنَّ إثْبَاتَ الْكُلِّ إثْبَاتٌ لِكُلِّ أَجْزَائِهِ، وَنَفْيُ الْكُلِّ لَيْسَ نَفْيًا لِكُلِّ أَجْزَائِهِ وَبِعِبَارَةٍ: مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ لَازِمًا، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجُزْءِ بَعْدَ نَفْيِ الْكُلِّ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُبَرِّئُهُ مِمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ الْعَشَرَةِ أَوْ لَيْسَ لَهُ فِي ذِمَّتِي شَيْءٌ وَإِذَا حَلَفَ مَا لَهُ عِنْدِي كَذَا، وَلَمْ يَزِدْ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا تَرَكَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ مِنْهُ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ادَّعَاهُ فَإِنْ قِيلَ: لَا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ نِيَّةُ الْحَلِفِ، وَهُوَ نِيَّتُهُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْعَشَرَةِ قُلْت؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ادَّعَى بِأَكْثَرَ نِسْيَانًا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ يُحْتَمَلُ نِسْيَانُ السَّبَبِ وَذِكْرُ غَيْرِهِ.
(ص) وَنَفَى سَبَبًا إنْ عَيَّنَ وَغَيْرَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ فَإِنَّهُ يَنْفِي سَبَبَ الدَّيْنِ إنْ عَيَّنَهُ الْمُدَّعِي وَيَنْفِي غَيْرَهُ أَيْضًا كَمَا لَوْ أَسْلَفَهُ عَشَرَةً فَيَقُولُ فِي يَمِينِهِ: مَا لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ مِنْ سَلَفٍ، وَلَا غَيْرِهِ وَيَأْتِي السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ الْمُتَقَدِّمُ.
(ص) فَإِنْ قَضَى نَوَى سَلَفًا يَجِبُ رَدُّهُ (ش) هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَسَلَّفَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا وَقَضَاهُ لَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ قَامَ صَاحِبُ الْمَالِ وَطَالَبَ الْمُقْرَضَ بِالْمَالِ فَأَنْكَرَهُ وَطَلَبَ أَنْ يُحَلِّفَهُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لَهُ مَا تَسَلَّفَ مِنْهُ مَالًا وَيَنْوِي فِي قَلْبِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْآنَ رَدُّهُ وَيَبْرَأُ مِنْ الْإِثْمِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَلَا يُقَالُ هَذِهِ النِّيَّةُ لَا تَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هِيَ هُنَا لَيْسَتْ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ
ــ
[حاشية العدوي]
الثَّانِيَ نَكَلَ بَعْدَ حَلِفِ الْأَوَّلِ وَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَنَكَلَ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ وَكَذَا يَغْرَمُ لِلْبَاقِي إنْ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يَغْرَمُ نَظَرًا لِنُكُولِهِ قَبْلُ أَوْ لَا يَغْرَمُ نَظَرًا لِنُكُولِ ذَلِكَ الْبَاقِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْبَاقِي تَحْلِيفُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ لِنُكُولِهِ أَوَّلًا.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ صَارَفَ) لَا مَفْهُومَ لِصَارَفَ أَيْ أَوْ أَقْرَضَ أَوْ قَبَضَ قَرْضًا أَوْ قَضَى دَيْنًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ فِي الْجَمِيعِ بِيَمِينٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ آخِرًا فَالضَّمِيرُ فِي حَلَفَ لِلدَّافِعِ صَيْرَفِيًّا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي حَالِ النَّقْصِ) أَيْ نَقْصِ الْعَدَدِ وَأَمَّا نَقْصُ الْوَزْنِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَالْغِشِّ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا يُتَعَامَلُ بِهِ عَدَدًا أَوْ عَدَدًا وَوَزْنًا كَدَنَانِيرَ مِصْرَ، وَأَمَّا مَا يُتَعَامَلُ بِهِ وَزْنًا فَقَطْ فَيَحْلِفُ فِي نَقْصِهِ عَلَى الْبَتِّ كَنَقْصِ الْعَدَدِ أَفَادَهُ عج (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) مُقَابِلُهُ حَلَفَ الصَّيْرَفِيُّ بَتًّا وَغَيْرُهُ عِلْمًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ح أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَيْعِ مَا يُفِيدُهُ.
(قَوْلُهُ: وَحَلَفَ الْبَاتُّ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْبَاتِّ مِمَّنْ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ يَعْتَمِدُ عَلَى الظَّنِّ، وَإِنْ لَمْ يَقْوَ وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى الْعِلْمِ إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ كَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ، وَإِلَّا مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَاعْتَمَدَ فِي إعْسَارِهِ بِصُحْبَةٍ وَقَرِينَةِ صَبْرٍ ضَرَّ وَكَشَهَادَةِ السَّمَاعِ (وَقَوْلُهُ: مِنْ خَصْمِهِ) إشَارَةٌ إلَى مُغَايَرَةِ الْعَطْفِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ خَطَّ الْأَبِ قَرِينَةٌ، وَعَطْفُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَا يَكُونُ بِأَوْ وَجَوَّزَهُ الدَّمَامِينِيُّ مُحْتَجًّا بِالْحَدِيثِ أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: كَنُكُولِهِ) أَيْ أَوْ شَاهِدٍ لِأَبِيهِ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَخْ أَيْ أَوْ يُقَالُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوْ يُقَالُ الْأَمْوَالُ لَيْسَتْ كَغَيْرِهَا.
(قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ لَا يَنْفَعُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَنْفَعُ بِالنَّظَرِ لِمَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: إنْ عَيَّنَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَعَيُّنُهُ فِي الدَّعْوَى، وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَعَيُّنِهِ كَوْنُ الْمُدَّعَى بِهِ غَيْرَ مَعْلُومٍ أَيْ فَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى كَوْنُهُ مَعْلُومًا مَجْزُومًا بِهِ نَعَمْ إنْ سَأَلَ عَنْ السَّبَبِ وَجَبَ بَيَانُهُ مَا لَمْ يَدَّعِ نِسْيَانَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَسْلَفَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى فِي الْعِبَارَةِ أَنْ لَوْ قَالَ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَشَرَةٌ مِنْ سَلَفٍ كَمَا فِي تت وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ أَسْلَفَهُ يُوقِعُ فِي الْوَهْمِ أَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَتَدَبَّرْ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ السَّبَبَ كَفَى مَا لَهُ عِنْدِي حَقٌّ أَوْ شَيْءٌ وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَإِلَّا أُعِيدَتْ الْيَمِينُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى نِيَّةِ الْحَاكِمِ) الْمُنَاسِبُ لِمَا بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ فِي ك وَيُمْكِنُ
الْأَمْرِ ثُمَّ كَانَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَزِيدَ الْآنَ، وَإِلَّا فَهُوَ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَلَفَ مِنْهُ سَلَفًا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ.
(ص) وَإِنْ قَالَ وَقْفٌ أَوْ لِوَلَدِي لَمْ يُمْنَعْ مُدَّعٍ مِنْ بَيِّنَتِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا مُعَيَّنًا بِيَدِ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ وَقْفٌ أَوْ هُوَ لِوَلَدِي فَقَدْ سَقَطَتْ مُنَازَعَةُ هَذَا الْمَطْلُوبِ وَتَصِيرُ بَيْنَ الطَّالِبِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّ الصَّغِيرِ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ، وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا.
(ص) وَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ فَإِنْ حَضَرَ ادَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَغَرِمَ مَا فَوَّتَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى مَا بِيَدِ غَيْرِهِ مِنْ دَارِ أَوْ غَيْرِهَا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ لِفُلَانٍ، وَلَا حَقَّ لِي فِيهِ فَإِنَّ الْخُصُومَةَ حِينَئِذٍ تَتَوَجَّهُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُقَرِّ لَهُ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى غَيْبَتِهِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ عَلَى حُضُورِهِ وَتَصْدِيقِهِ، وَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ حَلَفَ وَأَخَذَ الشَّيْءَ الْمُقَرَّ لَهُ بِهِ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَهِيَ يَمِينُ تُهْمَةٍ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَغَرِمَ الْمُقِرُّ مَا فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ مِنْ قِيمَةِ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلِ الْمِثْلِيِّ فَإِنْ نَكَلَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ أَوَّلًا، وَهُوَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ وَيُثْبِتُ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ وَالْحَلِفِ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ تَحْلِيفُ الْمُقِرِّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
(ص) أَوْ غَابَ لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ وَانْتَقَلَتْ الْحُكُومَةُ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ (ش) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ سَابِقًا: فَإِنْ حَضَرَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً لَا يَلْزَمُ الْإِعْذَارُ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ أَنَّ إقْرَارَهُ حَقٌّ لِاتِّهَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ إبْطَالَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ مِلْكٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَحِينَئِذٍ تَنْتَقِلُ الْحُكُومَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ إذَا حَضَرَ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً، وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَيَصِيرُ تَحْتَ يَدِهِ حَائِزًا لَهُ إلَى حُضُورِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَإِنْ غَابَ إلَخْ ظَهَرَتْ الْمُقَابَلَةُ لِقَوْلِهِ حَضَرَ، وَقَوْلُهُ: وَانْتَقَلَتْ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ قَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَلَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ لَزِمَهُ يَمِينٌ وَكَأَنَّهُ قَالَ لَزِمَهُ يَمِينٌ فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ بِيَدِهِ فَإِنْ نَكَلَ إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: (ص) فَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ أَخَذَهُ (ش) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَزِمَهُ يَمِينٌ أَوْ بَيِّنَةٌ وَعَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ وَعَلَى هَذَا فَالْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ صَدَّقَ الْمُقِرَّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُقِرِّ حَيْثُ حَلَفَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَنَكَلَ، وَأَخَذَهُ الْمُدَّعِي، وَهَلْ يَأْخُذُهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ح أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْمُقِرُّ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَأْخُذُهُ بِلَا يَمِينٍ وَأَمَّا إنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ، وَأَخَذَهُ الْمُدَّعِي فَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينِهِ عَلَى مَا يَظْهَرُ، وَمَفْهُومُ صَدَّقَ الْمُقِرَّ أَنَّهُ لَوْ كَذَّبَهُ سَقَطَ حَقُّهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَمَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ الْمَازِرِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ عِنْدَنَا أَوْ يُسَلَّمُ لِمُدَّعِيهِ؛ إذْ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ وَبَيْتُ الْمَالِ لَمْ يَحُزْ حَتَّى يُدَافِعَ الْإِمَامُ عَنْهُ الْمُدَّعِيَ كَمَا قِيلَ فِيمَا أَخَذَهُ السَّلَّابَةُ فَأَخَذَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِمُدَّعِيهِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَالْإِيَاسِ مِمَّنْ يَطْلُبُهُ أَوْ يَبْقَى بِيَدِ حَائِزِهِ أَقْوَالٌ انْتَهَى تت وَأَصْلُهُ لِلشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ دَائِرٌ بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ وَالْمُدَّعِي فِيمَا يَظْهَرُ فَإِذَا انْتَفَى مِلْكُ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ بَقِيَ لِلْمُدَّعِي.
(ص) وَإِنْ اسْتَحْلَفَ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَوْ كَالْجُمُعَةِ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ كَالثَّمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَهُوَ عَالِمٌ بِهَا، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى نِيَّةِ الْحَاكِمِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ: وَالْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَاكِمِ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْيَمِينِ أَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلَّفِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ الْمُحَلِّفُ هُوَ الْحَاكِمَ ذَكَرَهُ الْبَدْرُ، وَأَجَابَ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّهُ يَحْلِفُ مَا لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ مِنْ سَلَفٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا ضَرُورَةَ تُلْجِئُهُ إلَى أَنْ يَقُولَ مَا أَسْلَفَنِي اهـ. لَكِنَّ الَّذِي فِي النَّصِّ مَا لِلْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى أَسْلَفَنِي، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الْمُعْسِرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذَا خَافَ أَنْ يُحْبَسَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ كَذَلِكَ، وَإِعْسَارُهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَحْلِفُ) أَيْ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ، وَأَنَّهُ حَقِّي
(قَوْلُهُ: مِلْكٌ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ أَيْ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَعَارَهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ح) وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ بَعْضُ شُيُوخِ عج أَنَّهُ بِيَمِينٍ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ لَهُ وَيَمِينَهُ أَنَّهُ لَهُ كَشَاهِدٍ حَيْثُ كَانَ عَدْلًا وَالْبَيِّنَةُ الَّتِي أَقَامَهَا فِي غَيْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ تَشْهَدْ بِالْمِلْكِيَّةِ بَلْ بِالْإِعَارَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الرَّهْنِ كَذَلِكَ فَإِنْ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِيَّةِ أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِلَا يَمِينٍ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى هَذَا كَمَا قَالُوا (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ فِيمَا أَخَذَهُ السَّلَّابَةُ) قَدْحٌ فِي الْقِيَاسِ عَلَى السَّلَّابَةِ أَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ لِغَيْرِ مَنْ يَدَّعِيهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَّابَةِ أَقْوَى مِنْ احْتِمَالِ كَوْنِهِ لِغَيْرِ الْمُدَّعِي مِنْ مَسْأَلَتِنَا، وَانْظُرْ هَلْ تَجْرِي تِلْكَ الْأَقْوَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ أَيْضًا حَيْثُ نَكَلَ الْمُقَرُّ لَهُ وَالْمُدَّعِي أَمْ لَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَيَقْدَحُ فِي الْقِيَاسِ الْقَدْحُ الْمَذْكُورُ، وَأَرَادَ أَنَّ قَيْدَ أَخَذَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالِاسْتِثْنَاءِ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ السَّلَّابَةِ فَحِينَئِذٍ يَقْدَحُ فِيهِ إلَخْ، وَإِنْ أُرِيدَ الْقِيَاسُ فِي مُجَرَّدِ أَخْذِهِ بِغَيْرِ اسْتِينَاءٍ فِي الْمَقِيسِ فَلَا قَدْحَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَالْجُمُعَةِ) أَيْ مَعَ الْأَمْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَالْجُمُعَةِ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعَ عَامِلِهِ عَلَى حَذْفِهَا قَوْلُهُ: حَاضِرَةٌ تَقْدِيرُهُ أَوْ غَائِبَةٌ غَيْبَةً مِثْلَ الْجُمُعَةِ وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً بَعِيدَةً سُمِعَتْ عَلِمَ بِهَا أَمْ لَا قَالَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْجُمُعَةِ يَقُومُ بِهَا، وَلَوْ حَلَّفَهُ عَالِمًا بِهَا وَانْظُرْ مَا الَّذِي يُوَافِقُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ وَفِي أَبِي الْحَسَنِ شَارِحِ الْمُدَوَّنَةِ: التَّنْظِيرُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: ذَهَابًا وَإِيَابًا) الْمُنَاسِبُ ذَهَابًا فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: تَفْصِيلًا أَيْ الَّذِي أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ حَاضِرَةٌ أَوْ
بَيِّنَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا حَضَرَتْ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ إلَّا عَلَى إسْقَاطِهَا؛ فَلِذَا سَقَطَتْ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِسْقَاطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَهُوَ حَمْلُ الْأَكْثَرِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي نَفْيِ الْعِلْمِ مَعَ يَمِينِهِ قَالَهُ سَحْنُونَ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَحْلَفَ أَيْ وَحَلَفَ بِالْفِعْلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مُجَرَّدَ الطَّلَبِ مُسْقِطٌ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، وَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ فَلَا بَيِّنَةَ لَهُ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ قُلْت: لَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَفَادَ تَفْصِيلًا لَمْ يُفِدْهُ هُنَاكَ.
(ص) وَإِنْ نَكَلَ فِي مَالٍ وَحَقِّهِ اسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إنْ حَقَّقَ (ش) فَاعِلُ نَكَلَ هُوَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي مَالٍ أَوْ حَقٍّ مَالِيٍّ كَأَجَلٍ وَخِيَارٍ وَنَكَلَ عَنْهَا اسْتَحَقَّ الطَّالِبُ الْحَقَّ بِالنُّكُولِ مَعَ الْيَمِينِ، فَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ يَرْجِعُ لِلنُّكُولِ، وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ اسْتَحَقَّ الْحَالِفُ الْمَالَ بِالنُّكُولِ مَعَ الْيَمِينِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَ النُّكُولِ سَقَطَ حَقُّهُ، وَمَحَلُّ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ بَعْدَ نُكُولِ الْمَطْلُوبِ حَيْثُ حَقَّقَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى أَمَّا إنْ كَانَ مُوجِبُ الْيَمِينِ التُّهْمَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِيَمِينِ الطَّالِبِ بَلْ يَغْرَمُ الْمَطْلُوبَ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ تَوَجُّهُهَا وَعَدَمُ انْقِلَابِهَا.
(ص) وَلْيُبَيِّنْ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ (ش) الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ " حُكْمَ " يَرْجِعُ لِلنُّكُولِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ النُّكُولِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ إنْ نَكَلْت حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ كَالْإِعْذَارِ فِي مَحَلِّهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
(ص) وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ نَكَلَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ كَانَ مُدَّعِيًا، أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَنَكَلَ عَنْهَا ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَهَا فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ خَصْمِهِ، وَيَتِمُّ نُكُولُهُ بِقَوْلِهِ: لَا أَحْلِفُ أَوْ بِقَوْلِهِ لِخَصْمِهِ: احْلِفْ أَنْتَ أَوْ يَتَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْحَلِفِ قَوْلُهُ: إنْ نَكَلَ: عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ.
(ص) بِخِلَافِ مُدَّعٍ الْتَزَمَهَا ثُمَّ رَجَعَ (ش) أَيْ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيُمَكَّنُ مِنْهَا قِيلَ: الصَّوَابُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ؛ إذْ رُبَّمَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَهَا تَعَلَّقَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ فَبِرُجُوعِهِ يَغْرَمُ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي إذَا أَقَامَ شَاهِدًا، وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ قَبُولِ رُجُوعِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ نُسْخَةَ مُدَّعٍ صَوَابٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمَّا أَرَادَ الْحَلِفَ ثُمَّ رَجَعَ كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ لَهُ يَمِينٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَيْضًا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا غَيْرَ مُتَوَهَّمَةٍ - حَيْثُ سُلِّمَ ذَلِكَ - أَنْ تَكُونَ خَطَأً وَعَلَّلَ الشَّارِحُ عَدَمَ لُزُومِ الْيَمِينِ بِالْتِزَامِهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الْتِزَامَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
غَائِبَةٌ أَيْ قَرِيبَةٌ أَوْ بَعِيدَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَحَقِّهِ) الْمُرَادُ بِحَقِّهِ مَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ لِلنُّكُولِ (قَوْلُهُ: بِيَمِينٍ إنْ حَقَّقَ) تَفْرِيعٌ عَلَى تَوَجُّهِ يَمِينِ التُّهْمَةِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْقَضَاءِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ إلَخْ يَقْتَضِي عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى التُّهْمَةِ فَضْلًا عَنْ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْقَوْلَانِ بِالتَّوَجُّهِ وَعَدَمِهِ وَسَاقَ مُحَشِّي تت النَّقْلَ الدَّالَّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ آخِرًا إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْأُجْهُورِيِّ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ: إنْ حَقَّقَ سَمَاعَ دَعْوَى التُّهْمَةِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ، وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ فَهُوَ فِي غَيْرِ دَعْوَى الِاتِّهَامِ وَأَمَّا فِيهَا فَتُسْمَعُ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا مَعْنَى لَهُ إذْ كُلُّ مَا خَالَفَ التَّحْقِيقَ فَهُوَ تُهْمَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ كَلَامُهُ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّهَامِ كَوْنُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الِاتِّهَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ أَعْنِي الْمُقَابِلَةَ لِلْمُحَقَّقَةِ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ نَعَمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ لِمُوجَبٍ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلْيُبَيِّنْ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ) سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَى تَحْقِيقٍ أَوْ دَعْوَى اتِّهَامٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ نَكَلْت حَلَفَ غَرِيمُك وَاسْتَحَقَّ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ نَكَلْت غَرِمْت بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ فَقَوْلُ شَارِحِنَا حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ هَذَا فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ وَسَكَتَ عَنْ دَعْوَى الِاتِّهَامِ، وَقَدْ عَرَفْتهَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ظَاهِرُهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَهَذَا فِيمَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي أَوْ يَعْرِفُهُ، وَيَعْرِفُ مِنْهُ الْجَهْلَ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْتِزَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ مُصَاحِبٌ لِإِلْزَامِ اللَّهِ لَهُ الْيَمِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ الْتَزَمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْيَمِينُ.
(قَوْلُهُ: كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ) مِثَالُ الثَّانِي ظَاهِرٌ وَمِثَالُ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ فِيهَا فِيمَنْ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو عِمْرَانَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ) أَيْ بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ وَيَسْتَمِرَّ سَاكِتًا.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مُدَّعٍ) وَمِثْلُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْتَزَمَهَا أَيْ الْيَمِينَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ بِخِلَافِ مَنْ الْتَزَمَهَا ثُمَّ رَجَعَ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ: لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي الْتَزَمَهَا، وَقَوْلُهُ: وَيُمَكَّنُ مِنْهَا الْمُنَاسِبُ مِنْهُ أَيْ الرُّجُوعِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَامَ شَاهِدًا وَالْتَزَمَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ ثُمَّ عَنَّ لَهُ عَدَمُ الْحَلِفِ، وَأَرَادَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ فَلَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: قِيلَ الصَّوَابُ مُدَّعًى عَلَيْهِ) أَيْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَالْتَزَمَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ قَبُولِ رُجُوعِهِ) أَيْ بَلْ يُجْزَمُ بِقَبُولِ الرُّجُوعِ أَيْ بِحَيْثُ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْحَلِفِ مَعَ شَاهِدِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ ثَابِتٍ) أَيْ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ مَعَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ يَمِينٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ سُلِّمَ ذَلِكَ) أَيْ سُلِّمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَهَّمَةٍ
لَا يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ إلْزَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَهُ أَيْ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُدَّعِي مَعَ إلْزَامِ اللَّهِ لَهُ الْيَمِينَ فَأَحْرَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بِالْتِزَامِهِ هُوَ.
(ص) وَإِنْ رُدَّتْ عَلَى مُدَّعٍ وَسَكَتَ زَمَنًا فَلَهُ الْحَلِفُ (ش) وَلَوْ قَالَ: وَإِنْ سَكَتَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ زَمَنًا فَلَهُ الْحَلِفُ لَكَانَ أَحْسَنَ لِشُمُولِهِ لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَغَيْرِهَا.
(ص) وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ، وَلَا بَيِّنَةَ (ش) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِمَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا أَلْحَقُوهَا بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهَا مَا تُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ، وَفِي بَعْضِهَا مَا لَا تُسْمَعُ فِيهِ، وَرُبَّمَا يَذْكُرُونَهَا مَعَ الْأَقْضِيَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا يَقَعُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرَ الشَّرِيكِ إذَا حَازَ شَيْئًا عَلَى صَاحِبِهِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَلَوْ بِغَيْرِ هَدْمٍ وَبِنَاءٍ كَالْإِسْكَانِ وَالْإِجَارَةِ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ، وَصَاحِبُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ طُولَ الْمُدَّةِ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْهُ فَإِذَا قَامَ صَاحِبُهُ الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ يَطْلُبُ مَتَاعَهُ فَإِنَّ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ لِذَلِكَ لَا تُسْمَعُ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ وَاسْتَحَقَّهُ الْحَائِزُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ احْتَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» فَقَوْلُهُ: وَتَصَرَّفَ أَيْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ اغْتِلَالٍ إلَّا أَنَّ الْهَدْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَيْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ غَيْرِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَطْءِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى طُولِ الزَّمَانِ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ وَاَلَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا كَالْأَصْهَارِ وَالْمَوَالِي، وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فَقَطْ مَخْصُوصٌ بِمَسْأَلَةِ الشَّرِيكِ الْأَجْنَبِيِّ قَوْلُهُ: عَشْرَ سِنِينَ ظَرْفٌ لِحَاضِرٍ سَاكِتٍ بِلَا مَانِعٍ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ كَوْنَ الْحِيَازَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَلَيْسَ ظَرْفًا لِ تَصَرَّفَ؛ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي التَّصَرُّفِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَمِرًّا فِي الْعَشْرِ سِنِينَ بَلْ يَكْفِي حُصُولُهُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا كَذَا قُرِّرَ، وَفِي ابْنِ مَرْزُوقٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ: عَشْرَ سِنِينَ يَصِحُّ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ حَازَ أَوْ تَصَرَّفَ أَوْ حَاضِرٌ أَوْ سَاكِتٌ فَيَعْمَلُ فِيهِ أَحَدُهَا وَبَاقِيهَا فِي ضَمِيرِهِ إنْ جَازَ تَنَازُعٌ مِثْلَ هَذَا الْعَدَدِ، وَإِلَّا فَيُقَدَّرُ مَعْمُولٌ لِمَا زَادَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي مَعَ إلْزَامِ اللَّهِ لَهُ الْيَمِينَ) أَيْ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَلْزَمَهُ الْيَمِينَ وَرَجَعَ عَنْهَا إلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي، وَقُلْنَا: لَهُ ذَلِكَ الرُّجُوعُ بِحَيْثُ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي فَأَوْلَى إذَا كَانَ الْتَزَمَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا إلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عِنْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِإِلْزَامِ اللَّهِ ذَلِكَ الْيَمِينَ، وَقَدْ جَوَّزْنَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَأَوْلَى إذَا الْتَزَمَهَا هُوَ بِأَنْ قَالَ: احْلِفْ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ قَالَ: احْلِفْ، قَالَ: أَنْتِ يَا مُدَّعٍ تَحْلِفُ.
(قَوْلُهُ: لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْيَمِينِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَعَلَّلَ الشَّارِحُ عَدَمَ لُزُومِ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْتِزَامِهَا أَيْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا الْتَزَمَ الْيَمِينَ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي أَيْ أَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ لَكِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ الْتَزَمَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ الِالْتِزَامِ.
(قَوْلُهُ: حَاضِرٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا فَلَهُ الْقِيَامُ مَتَى قَدِمَ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ كَالسَّبْعَةِ الْأَيَّامِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَرُبَتْ كَالْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَثَبَتَ عُذْرُهُ عَنْ الْقُدُومِ لِعَجْزٍ وَنَحْوِهِ وَعَجَزَ عَنْ التَّوْكِيلِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: يَسْقُطُ حَقُّهُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ عُذْرَهُ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ فَجَعَلَ تت مَحَلَّ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ فِيمَا قَرُبَ كَالْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ مَعَ الْعُذْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ سَقَطَ حَقُّهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْبَتَهُ إذَا كَانَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِ عب فِي قَوْلِهِ " حَاضِرٌ ": وَمِثْلُهُ الْغَائِبُ عَلَى يَوْمَيْنِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ قَالَهُ ابْنُ عَاصِمٍ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: سَاكِتٌ أَنَّهُ عَالِمٌ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُخَاصِمِ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ، وَالْخِصَامُ عِنْدَ غَيْرِهِ لَا عِبْرَةَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْحِيَازَةِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَكَادُ يَخْفَى، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالتَّصَرُّفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْحِيَازَةُ دَالَّةٌ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ لَا نَاقِلَةٌ لَهُ (قَوْلُهُ: لَمْ تُسْمَعْ) أَيْ دَعْوَاهُ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، أَوْ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فِي غَيْرِ وَثَائِقِ الْحُقُوقِ، وَإِلَّا فَلَهُ الْقِيَامُ بِمَا فِيهَا، وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْحَبْسُ لَا تَنْفَعُ فِيهِ الْحِيَازَةُ بَلْ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الطُّرُقُ وَالْمَسَاجِدُ لَا حِيَازَةَ فِيهَا بَلْ تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ، وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَعْضَهَا يَقَعُ فِيهِ الْقَضَاءُ) أَيْ وَهُوَ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ، وَالْبَعْضُ الثَّانِي مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ مَا لَا تُسْمَعُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الْمُؤَلِّفُ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَرُبَّمَا يَذْكُرُونَهَا (قَوْلُهُ كَالْإِسْكَانِ) أَيْ لِلْغَيْرِ وَكَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ يَسِيرًا وَأَوْلَى إذَا كَانَ كَثِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ حِيَازَةٌ مُطْلَقًا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ، وَطَرِيقَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ ظَاهِرُ أَبِي الْحَسَنِ وَالتَّوْضِيحِ أَنَّ الْهَدْمَ وَالْبِنَاءَ لِلْإِصْلَاحِ مُطْلَقًا وَلِغَيْرِهِ إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْحِيَازَةُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ فَلَيْسَ كَالسُّكْنَى (قَوْلُهُ: فَإِنَّ هَذِهِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى طُولِ الزَّمَانِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَتَى أُخْبِرَ بِأَنَّ سِلْعَتَهُ بَاعَهَا فُلَانٌ وَسَكَتَ، وَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ وَادَّعَى الْبَائِعُ مِلْكِيَّتَهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْ: وَأَمَّا الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فَعَمَّمُوا فِي التَّصَرُّفِ فَجَعَلُوهُ شَامِلًا لِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي ابْنِ مَرْزُوقٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ عَشْرَ سِنِينَ خِلَافًا لِابْنِ مَرْزُوقٍ (قَوْلُهُ: إنْ جَازَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ أَبَا حَيَّانَ قَالَ لَا يَقَعُ التَّنَازُعُ
عَلَى الْعَوَامِلِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ فِي ضَمِيرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ انْتَهَى، وَانْظُرْ أَيَّ الْأَرْبَعَةِ أَوْ أَكْثَرَ يُعْتَبَرُ زَائِدًا.
(ص) إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ (ش) أَيْ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِإِسْكَانٍ مِنْهُ لِلْحَائِزِ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ إرْفَاقٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْحَائِزِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعِي مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّبْصِرَةِ وَأَبِي الْحَسَنِ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْحِيَازَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَائِزُ مِلْكِيَّةَ الْمَوْضِعِ الْمُحَازِ أَيْ: وَلَوْ مَرَّةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ إلَّا مُجَرَّدَ الْحَوْزِ فَلَا تَنْفَعُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ ثُمَّ إنَّ مُدَّةَ الْعَشْرِ سِنِينَ تُلَفَّقُ مِنْ حِيَازَةِ الْوَارِثِ وَمُوَرِّثِهِ وَكَذَا مُوَرِّثُ مُوَرِّثِهِ.
(ص) كَشَرِيكٍ أَجْنَبِيٍّ حَازَ فِيهَا إنْ هَدَمَ وَبَنَى (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّرِيكَ الْأَجْنَبِيَّ إذَا حَازَ شَيْئًا عَنْ صَاحِبِهِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ، وَصَاحِبُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ طُولَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ فَإِنَّ الْحَائِزَ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَلَا بَيِّنَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الشَّرِيكَ يُحَابِي شَرِيكَهُ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَنَفَى ذَلِكَ التَّوَهُّمَ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا هَدَمَ وَبَنَى مَا لَا يُخْشَى سُقُوطُهُ، وَأَمَّا إذَا هَدَمَ وَبَنَى مَا يُخْشَى سُقُوطُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ ثُمَّ إنَّ الْهَدْمَ وَحْدَهُ يَكْفِي كَمَا أَنَّ الْبِنَاءَ كَذَلِكَ.
(ص) وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَهُمَا قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّرِيكَ الْقَرِيبَ إذَا حَازَ شَيْئًا عَلَى شَرِيكِهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ، وَإِلَيْهِمَا يَعُودُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ فَهَلْ ذَلِكَ حِيَازَةٌ أَوْ لَا يَكُونُ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ أَمَدُهَا كَالْأَرْبَعِينَ أَيْ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَوَالِيَ وَالْأَصْهَارَ أَيْ الَّذِينَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ كَالْأَجَانِبِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ أَيْ فَتَكْفِي الْعَشَرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ، وَلَا بِنَاءٌ، وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا مَعَ الطُّولِ جِدًّا أَيْ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالطُّولُ جِدًّا يَحْصُلُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ عَامًا أَيْ: وَلَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ، وَأَمَّا الْمَوَالِي وَالْأَصْهَارُ الشُّرَكَاءُ فَكَالْأَجَانِبِ الشُّرَكَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأُولَى وَهَذَا فِي الْمَوَالِي وَالْأَصْهَارِ الَّذِينَ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمْ، وَإِلَّا فَيَجْرِي بَيْنَهُمْ مَا جَرَى فِي الْأَقَارِبِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَوَالٍ، وَلَا أَصْهَارٍ (ص) لَا بَيْنَ أَبٍ وَابْنِهِ إلَّا بِكَهِبَةٍ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَعَهُمَا مَا تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ، وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ: وَالْحِيَازَةُ بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ لَا بَيْنَ أَبٍ، وَإِنْ عَلَا وَابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ حَوْزُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ فِي الْفَوْتِ بِالْبَيْعِ، وَمَا مَعَهُ كَمَا مَرَّ إلَّا أَنْ يَجُوزَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ مُدَّةً تَهْلَكُ فِيهَا الْبَيِّنَاتُ، وَيَنْقَطِعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَهُوَ يَهْدِمُ وَيَبْنِي، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ طُولَ الْمُدَّةِ بِلَا مَانِعٍ فَلَيْسَ لِلْأَبِ، وَلَا لِلِابْنِ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ وَإِذَا قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِالْمِلْكِ، وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي تَهْلَكُ فِيهَا الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ فِيهَا الْعِلْمُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سِنِّ الشُّهُودِ، وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِ: مَعَهُمَا يَرْجِعُ لِلْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: إلَّا أَنْ يَطُولَ إلَخْ مُسْتَثْنًى مِنْ مُقَدَّرٍ أَيْ لَا بِغَيْرِ هِبَةٍ.
(ص) وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ
ــ
[حاشية العدوي]
إلَّا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ أَيُّ الْأَرْبَعَةِ يُعْتَبَرُ زَائِدًا) الظَّاهِرُ كَمَا فِي شَرْحِ عب أَنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ زَائِدًا مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ.
(قَوْلُهُ: مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ) أَيْ كَأَنْ يَرَاهُ يَهْدِمُ أَوْ يَبْنِي فِيهِ أَوْ يَبِيعُهُ أَوْ يُوصِي بِهِ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَدَّعِيَ الْحَائِزُ مِلْكِيَّتَهُ) أَيْ، وَلَا يُطَالَبُ الْحَائِزُ بِبَيَانِ وَجْهِ مِلْكِهِ وَقِيلَ يُطَالَبُ وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْعَطَّارِ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِطَالَةِ وَالْقُدْرَةِ طُولِبَ، وَإِلَّا فَلَا، وَظَاهِرُ شَارِحِنَا اعْتِمَادُ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّتُهُ إلَّا مُجَرَّدَ الْحَوْزِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْحُجَّةَ فِي دَعْوَاهُ الْمِلْكِيَّةَ إنْ كَانَتْ الشِّرَاءَ مِنْهُ مَثَلًا صَحَّتْ الْحِيَازَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْحُجَّةُ فِي دَعْوَاهُ الْمِلْكِيَّةَ مُجَرَّدَ دَعْوَاهُ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ حِيَازَةِ الْوَارِثِ إلَخْ) فَإِذَا حَازَهَا الْمُوَرِّثُ خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ وَحَازَهَا وَارِثُهُ خَمْسَ سِنِينَ أَيْضًا فَقَدْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْحَائِزَ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَائِزُ يَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْهَدْمِ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ كَالِاغْتِلَالِ وَالِازْدِرَاعِ فَلَا أَثَرَ لَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّرَكَاءِ. (قَوْلُهُ: كَالْأَرْبَعِينَ إلَخْ) فِي ح أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْقَرِيبَ الشَّرِيكَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ مُدَّةِ حِيَازَتِهِ عَلَى أَرْبَعِينَ عَامًا مَعَ الْهَدْمِ أَوْ الْبِنَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ سَوَاءٌ الشُّرَكَاءُ وَغَيْرُهُمْ لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ الْأَمَدَ الطَّوِيلَ الزَّائِدَ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الرَّاجِحِ وَهَذَا فِي الْأَقَارِبِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ تَشَاجُرٌ، وَإِلَّا فَكَالْأَجَانِبِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَوْلَى) وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَلَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ، وَأَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الثَّالِثِ فَكَالْمَوَالِي وَالْأَصْهَارِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فَيَكُونُونَ كَالْأَقَارِبِ سَوَاءً
(تَنْبِيهٌ) :
قَالَ فِي ك: وَالْمُرَادُ بِالْمَوَالِي أَعْلَى أَوْ أَسَافِلَ انْتَهَى ثُمَّ رَأَيْت بَهْرَامَ أَفَادَ أَنَّ الْأَصْهَارَ وَالْمَوَالِيَ الشُّرَكَاءَ فِيهِمْ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ كَالْأَجَانِبِ أَيْ فَيَكْفِي الْعَشْرُ سِنِينَ، وَالثَّانِي لَا تَكُونُ حِيَازَةً إلَّا أَنْ يَطُولَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى أَرْبَعِينَ عَامًا (قَوْلُهُ: بِالْبَيْعِ وَمَا مَعَهُ) كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ أَيْ كَأَنْ يَهَبَهَا أَحَدُهُمَا مَعَ عِلْمِ مَنْ هِيَ لَهُ أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاهِبَ حَائِزٌ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا قَامَ بَعْدَ الْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ حَيْثُ عَلِمَ بِذَلِكَ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْقِيَامِ وَسَكَتَ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَهْلَكُ فِيهَا الْبَيِّنَاتُ) أَيْ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَصْلِ الْحَوْزِ، وَقَوْلُهُ: وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ أَيْ بِأَصْلِ الْحَوْزِ (قَوْلُهُ: تَخْتَلِفُ سِنُّ الشُّهُودِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَأْتِي إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ شُهُودٌ بِأَعْيُنِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَفِي الدَّابَّةِ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ السَّنَتَانِ وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ وَعَرَضٍ (ش) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّ أَمَدَ الْحِيَازَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَقَارِبِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَقَارُ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ الْأُصُولُ، وَالْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حِيَازَةِ الْأَجَانِبِ، فَإِذَا رَكِبَ أَجْنَبِيٌّ دَابَّةً لِأَجْنَبِيٍّ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ فَقَدْ تَمَّتْ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ، وَمِثْلُ الدَّابَّةِ أَمَةُ الْخِدْمَةِ إذَا اسْتَخْدَمَ، وَإِذَا حَازَ أَجْنَبِيٌّ عَلَى أَجْنَبِيٍّ عَبْدًا أَوْ عَرْضًا مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا فَقَدْ تَمَّتْ الْحِيَازَةُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَا بَيِّنَتُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مُدَّعِيهِ حَاضِرًا سَاكِتًا طُولَ الْمُدَّةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ لَكِنْ نَظِيرُ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأَرْضِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ الْإِجَارَةُ فِي الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ فِي الْقَرِيبِ فَحِيَازَتُهَا عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَنَظِيرُ السُّكْنَى فِي الدَّارِ وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأَرْضِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَرُكُوبُ الدَّوَابِّ، وَلِبَاسُ الثِّيَابِ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ فَلَا يَكْفِي إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ طُولًا تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ، وَيَنْقَطِعُ فِيهِ الْعِلْمُ فِي الْأَجْنَبِيِّ أَيْ غَيْرِ الشَّرِيكِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: الْعَقَارُ، وَقَوْلُهُ: وَيُزَادُ الزِّيَادَةُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْعُرُوضِ ثَوْبُ اللِّبَاسِ فَإِنَّ السَّنَةَ فِيهِ فَوْتٌ. -
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ (: فَفِي الدَّابَّةِ) إذَا كَانَتْ تُرْكَبُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِ الرُّكُوبِ كَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ وَقَوْلُهُ وَأَمَةِ الْخِدْمَةِ إذَا كَانَتْ تُسْتَخْدَمُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُرْكَبْ الدَّابَّةُ وَتُسْتَخْدَمْ الْأَمَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْعَرْضِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ فِي عَبْدٍ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسْتَخْدَمَ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرُوا (قَوْلُهُ: بَلْ الْأُصُولُ إلَخْ) أَيْ مِنْ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُدَّةً طَوِيلَةً زَائِدَةً عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً سَوَاءٌ الشُّرَكَاءُ وَغَيْرُهُمْ، وَهَذَا فِي الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْأَبِ وَابْنِهِ وَأَمَّا هُمَا فَلَا حِيَازَةَ إلَّا بِنَحْوِ الْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الزَّمَانِ الطَّوِيلِ الَّذِي تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ هَكَذَا قَالَ عج وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الصَّوَابَ مَا جَاءَ فِي النَّقْلِ عَنْ أَصْبَغَ وَمُطَرِّفٍ مِنْ أَنَّ حِيَازَةَ الشَّرِيكِ الْوَارِثِ عَمَّنْ وَرِثَ مَعَهُ فِي الْعُرُوضِ وَالْعَبِيدِ بِالِاسْتِخْدَامِ وَاللُّبْسِ وَالِامْتِهَانِ مُنْفَرِدًا بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ فَالْقَضَاءُ فِيهِ أَنَّ الْحِيَازَةَ فِي ذَلِكَ فَوْقَ الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ عِنْدَ نُزُولِ ذَلِكَ انْتَهَى وَهَذَا فِي غَيْرِ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَأَمَّا فِيهَا بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ فَأَزْيَدُ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَظَهَرَ الْفَرْقُ حَتَّى فِي الْأَقَارِبِ، وَمَا فِي ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَصْبَغَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالثِّيَابِ وَمَا مَعَهَا فِي الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ، وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ نَظِيرَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْرِيرُ الشَّيْخِ سَالِمٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي ك ثُمَّ إنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنَّ الْحِيَازَةَ فِي الْأَجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فِي الْأُصُولِ لَا بُدَّ مِنْ هَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ إذْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الِاعْتِمَارُ وَالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: الْإِجَارَةُ فِي الْعَبِيدِ) أَيْ إجَارَةُ الْحَائِزِ، وَقَوْلُهُ: وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَبِيدِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي خُصُوصِ الْإِجَارَةِ وَلَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ عَامًا فَيَكُونُ هُوَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَأْتِي إلَّا فِي الْعَقَارِ وَالنُّحَاسِ لَا فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ فَلَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِيَازَةُ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُدَّةَ فَوْقَ عَشْرِ سِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُ السُّكْنَى فِي الدُّورِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْحِيَازَةِ فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ بِالسُّكْنَى فِي الدُّورِ وَالِازْدِرَاعِ فِي الْأَرْضِ عَشْرُ سِنِينَ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي مَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ أَعْوَامٍ (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرَ الشَّرِيكِ) أَقُولُ وَسَكَتَ عَنْ الشَّرِيكِ فَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهُ، وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِتَقْرِيرِ اللَّقَانِيِّ وَاَلَّذِي فِي عج شَرِيكًا أَوْ لَا وَفِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ الْمُعْتَبَرَةِ مَا يُفِيدُ قُوَّتَهُ (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ الزِّيَادَةُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ) هَذَا تَقْرِيرٌ آخَرُ لِلَّقَانِيِّ مُغَايِرٌ لِلتَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: ثَلَاثُ سِنِينَ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي فِي النَّقْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ.