الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَبْدُ مَنْ يَعْرِفُهُ ثُمَّ جَاءَ مَنْ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّكْرَارُ مَعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ الْتَقَطَ عَبْدًا لَا يَعْرِفُ سَيِّدَهُ فَإِنَّهُ يُرْفَعُ لِلْإِمَامِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ تَكْرَارٌ مَعَ مَا مَرَّ أَعَادَهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَخَفْ ظُلْمَهُ) أَيْ فَإِنْ خَافَهُ فَلَا يَرْفَعُهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَاسْتَحَقَّهُ سَيِّدُهُ إلَخْ كَمَا أَنَّهُ يَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَفَعَهُ لِلْإِمَامِ حَيْثُ لَمْ يَخَفْ ظُلْمَهُ.
(ص) وَإِنْ أَتَى رَجُلٌ بِكِتَابِ قَاضٍ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ صَاحِبَ كِتَابِي هَذَا فُلَانٌ هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ وَوَصَفَهُ فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ بِذَلِكَ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ مِنْ قُطْرٍ إلَى آخَرَ فَأَقَامَ صَاحِبُ الْعَبْدِ بَيِّنَةً عِنْدَ قَاضِي قُطْرِهِ شَهِدَتْ لَهُ أَنَّهُ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ وَوَصَفَتْهُ الْبَيِّنَةُ وَحَلَّتْهُ وَصْفًا يُطَابِقُ الْعَبْدَ الَّذِي عِنْدَ الْقَاضِي الْمُرْسَلِ إلَيْهِ الْكِتَابُ الْمُتَضَمِّنُ لِلشَّهَادَةِ الْمَزْبُورَةِ فَإِذَا جَاءَ هَذَا الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَوَجَدَ فِيهِ مَا يُطَابِقُ الْعَبْدَ الَّذِي عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْعَبْدَ إلَى صَاحِبِهِ بِذَلِكَ فَقَوْلُهُ بِكِتَابٍ أَيْ مَكْتُوبِ قَاضٍ، وَالْمَكْتُوبُ هُوَ مَا فِي الْكَاغَدِ فَقَوْلُهُ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ عِنْدِي إلَخْ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، وَقَوْلُهُ فُلَانٌ بَدَلٌ مِنْ مَحَلِّ اسْمِ إنَّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ هَرَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابٌ) ذُكِرَ فِيهِ الْقَضَاءُ وَشُرُوطُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْجَعَالَةِ وَالْقِرَاضِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْمُغَارَسَةِ وَالتَّحْكِيمِ وَالْوَكَالَةِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْقَضَاءُ الْحُكْمُ وَأَصْلُهُ قَضَايٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت إلَّا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الْأَلِفِ هُمِزَتْ وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ وَالْقَضِيَّةُ مِثْلُهُ وَالْجَمْعُ الْقَضَايَا وَقَضَى أَيْ حَكَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ تَقُولُ قَضَيْت حَاجَتِي وَضَرَبَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ قَتَلَهُ كَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ وَقَضَى نَحْبَهُ قَضَاءً أَيْ مَاتَ إلَخْ وَعَرَّفَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: أَعَادَهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ الْحَالُ كَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا هُنَاكَ
. (قَوْلُهُ: وَوَصَفَهُ) أَيْ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ بِوَصْفِ الشُّهُودِ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ) أَيْ وُجُوبًا وَلَا يُبْحَثُ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهَا إلَيْهِ وَلَكِنْ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ يَمِينِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ لِاحْتِمَالِ تَقْيِيدِ تِلْكَ بِهَذِهِ أَوْ أَشَارَ لِقَوْلَيْنِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ إشَارَةٌ لِقَوْلَيْنِ فَهَلْ هُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ أَوْ يَكُونُ الثَّانِي أَرْجَحَ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ بَابُهُ قَالَ مُحَشِّي تت بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا قُبِلَ هُنَا وَحْدَهُ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ إذْ لَهُ أَخْذُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَذَكَرَ نَصَّهَا فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: الْمَزْبُورَةِ) أَيْ الْمَكْتُوبَةِ وَقَوْلُهُ: فِي الْكَاغَدِ نُسْخَةُ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا ظَاءٌ مُشَالَةٌ لَا ضَادٌ إلَّا أَنَّ الَّذِي قَالَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ الْكَاغَدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. (قَوْلُهُ: بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ كِتَابًا بِمَعْنَى مَكْتُوبٍ وَإِنْ شِئْت قُلْت بَدَلُ اشْتِمَالٍ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كِتَابًا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَتْبَ بِمَعْنَاهُ الْمَصْدَرِيِّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِأَنَّهُ مَا أَتَى بِهِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: بَدَلٌ مِنْ اسْمِ أَنَّ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ النَّاسِخِ عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ وُجُودَ الْمُحْرِزِ وَهُمْ الْكُوفِيُّونَ.
(قَوْلُهُ: وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ: هَرَبَ) وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ قَوْلُهُ: فُلَانٌ وَمَحَطُّ الْفَائِدَةِ قَوْلُهُ: هَرَبَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ مُفِيدٌ إمَّا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ أَوْ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ وَذَلِكَ إنْ هَرَبَ مِنْهُ عَبْدٌ حَالٌ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَدْ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْعِلْمِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فُلَانٌ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَرَبَ لَكَفَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَالْأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هَرَبَ خَبَرًا ثَانِيًا وَذَلِكَ أَنَّ الْفَائِدَةَ حِينَئِذٍ تَمَّتْ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا
[بَاب الْقَضَاءُ وَشُرُوطُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
. (بَابُ الْقَضَاءِ) . (قَوْلُهُ: ذَكَرَ فِيهِ بَابَ الْقَضَاءِ وَشُرُوطِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ذَكَرَ تَعْرِيفَ الْقَضَاءِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُعَرِّفْهُ وَالْمُخَلِّصُ أَنْ يَجْعَلَ عَطْفَ وَشُرُوطِهِ عَلَى قَوْلِهِ الْقَضَاءِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَيْ فَلِلْقَاضِي عَزْلُ نَفْسِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَضَاءِ شَدِيدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ إلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحُكِيَ أَنَّ سُلْطَانًا أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَ شَخْصًا الْقَضَاءَ، فَأَخَذَ ذَلِكَ الشَّخْصُ جَرِيدَةً وَصَارَ يَغْرِسُهَا فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ فَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ فَجَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ أَقُولُ أَيُّهَا الْمَأْكُولَاتُ اللَّذِيذَةُ الَّتِي يَتَشَاحَنُ النَّاسُ وَيَتَنَازَعُونَ فِي اكْتِسَابِهَا لِمَ صِرْتِي لِتِلْكَ الْحَالَةِ الْقَذِرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَأَجَابَتْنِي بِقَوْلِهَا سَبَبُ ذَلِكَ مُجَاوَزَتِي جَوْفَ بَنِي آدَمَ فَعَفَا عَنْهُ. (قَوْلُهُ: كَالْجَعَالَةِ إلَخْ) أَيْ فَالتَّنْظِيرُ فِي الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُغَارَسَةِ) أَيْ فَهِيَ لَازِمَةٌ قَبْلُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّحْكِيمِ وَالْوَكَالَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَزْلُ نَفْسِهِ قَبْلَ وَبَعْدَ التَّحْكِيمِ وَالْوَكَالَةِ.
(قَوْلُهُ: الْقَضَاءُ الْحُكْمُ) جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ فَتَقْتَضِي الْحَصْرَ مَعَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي هَذَا الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: وَالْقَضِيَّةُ مِثْلُهُ) أَيْ الْقَضَاءُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: وَقَضَى أَيْ حَكَمَ) أَقُولُ فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ لَا يَتَخَلَّفُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا رَاجِعٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا عَلَى مُطْلَقِ الْمُكَلَّفِينَ حَتَّى يُرَدَّ الْإِشْكَالُ، وَالْأَحْسَنُ تَفْسِيرُ الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ الْجَازِمِ الْأَكِيدِ. (قَوْلُهُ: قَضَيْت حَاجَتِي) أَيْ فَرَغْت مِنْهَا. (فَقَوْلُهُ: أَيْ قَتَلَهُ) تَفْسِيرٌ لِلْقَضَاءِ أَيْ إنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْقَتْلُ فَنَقُولُ حَاصِلُ الْمَعْنَى ضَرَبْته فَقَتَلْته أَيْ أَزْهَقْت رُوحَهُ وَقَوْلُهُ: كَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ أَيْ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صَارَ كَأَنَّهُ حَاجَةً فَرَغَ مِنْهَا فَلِذَا عَبَّرَ بِكَأَنْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّحْقِيقِ أَيْ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ فَقَدْ فَرَغَ مِنْ شَأْنِهِ أَيْ حَالِهِ فَصَارَ لَا يُعَانِي بَعْدَ مُوَارَاتِهِ فِي التُّرَابِ كَمَا لَا تُعَانِي الْحَاجَةُ الْمَفْرُوغُ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَقَضَى نَحْبَهُ) وَالنَّحْبُ فِي الْأَصْلِ
ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ وَوِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتِهَا وَالْإِمَامَةُ الْعُظْمَى، وَلَمَّا رَأَى الشَّيْخُ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الشَّرْعِ مَعْنًى حُكْمِيٌّ أَتَى بِقَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَرَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ لِقِصَرِهِ عَلَى الْفَصْلِ الْفِعْلِيِّ، وَالْقَضَاءُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَهُ مَعْنًى يُوجِبُ لَهُ نُفُوذَ الْفَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ عُرْفًا مَنْ كَانَ فِيهِ مَعْنًى اخْتَصَّ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ شَرْعًا فَصَلَ أَوْ لَمْ يَفْصِلْ، وَقَوْلُهُ نُفُوذَ أَيْ إمْضَاءَهُ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى الْإِمْضَاءِ وَبِالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ قَالَ تَعَالَى {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف: 109] ، قَوْلُهُ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ يُوجِبُ نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ وَلَوْ كَانَ بِتَعْدِيلٍ إلَخْ لِيَصِيرَ التَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَخْرَجَ بِهِ الْإِمَامَةَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَلَا تَفْرِيقُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا تَرْتِيبُ الْجُيُوشِ وَلَا قَتْلُ الْبُغَاةِ وَلَا الْإِقْطَاعَاتُ وَلَمَّا كَانَ مُسْتَحِقَّ الْقَضَاءِ هُوَ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْصَافٍ قَالَ الْمُؤَلِّفُ.
(ص) أَهْلُ الْقَضَاءِ عَدْلٌ (ش) أَيْ الْمُتَأَهِّلُ لِلْقَضَاءِ وَمُسْتَحِقُّهُ عَدْلٌ أَيْ عَدْلُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ عِتْقًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَنْ سَحْنُونَ الْمَنْعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْتَحِقَّ فَيُرَدُّ أَحْكَامُهُ وَالْعَدْلُ وَصْفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْصَافٍ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ
ــ
[حاشية العدوي]
النَّذْرُ أَيْ قَضَى نَذْرَهُ وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَازِمُ الْحُصُولِ كَالْمَوْتِ فَقَوْلُهُ: أَيْ مَاتَ تَفْسِيرٌ لِقَضَى نَحْبَهُ. (قَوْلُهُ: فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ) إنَّمَا خَرَجَ التَّحْكِيمُ مِنْ تَعْرِيفِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَحْكُمُ فِي الْقِصَاصِ وَالطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ قَالَ الْحَطَّابُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ التَّحْكِيمُ يَخْرُجُ مِنْ تَعْرِيفِهِ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ خُرُوجِهِ فَإِنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَحْكُمُ ابْتِدَاءً إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْحُكْمَيْنِ فَلَا يَحْكُمُ فِي النَّسَبِ وَالْقِصَاصِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِمَا قَالُوا فَإِنْ حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ جَوْرٍ نَفَدَ حُكْمُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْدِيلَ وَالتَّجْرِيحَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ خُرُوجُ التَّحْكِيمِ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَ مَضَى إنْ كَانَ صَوَابًا. (قَوْلُهُ: وَأَخَوَاتُهَا) وُلَاةُ الْمَاءِ وَجُبَاةُ الزَّكَاةِ وَنَحْوُهُمَا.
(قَوْلُهُ: مَعْنًى حُكْمِيٌّ) أَيْ لَا حِسِّيٌّ. (قَوْلُهُ: لِقَصْرِهِ عَلَى الْفَصْلِ الْفِعْلِيِّ) أَيْ الْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أَعَمُّ وُجُودًا إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ تُحْمَلُ عَلَى الْفَصْلِ الْفِعْلِيِّ وَالْفَصْلِ بِالْإِمْكَانِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَهُ مَعْنًى) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ لَهُ وَكَانَ يَقُولُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَعْنًى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ هُنَا وَلَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ عب أَنَّهُ هُنَا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ نُفُوذُ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ إمْضَاءٌ لَا بِمُهْمَلَةٍ بِمَعْنَى فَرَغَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف: 109] انْتَهَى لَكِنْ الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ لِلدَّالِ الْمُهْمَلَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا نَفَذَ فَقَدْ فَرَغَ أَيْ تَمَّ أَمْرُهُ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ) أَيْ فَحُكْمٌ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ؛ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ اسْتَظْهَرَ أَنْ لَا يُقَدَّرَ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ عَامًّا لِئَلَّا يُنَاقِضَ قَوْلَهُ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ قُدِّرَ لَفْظٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكَانَ أَظْهَرَ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ الْمَعْنَى بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ أَيْ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتٍ لَا فِي عُمُومٍ فَقَوْلُهُ: لَا فِي عُمُومٍ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ حَكَمَ بِهِ بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ بِتَعْدِيلٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِتَعْدِيلٍ وَمِثْلُ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ الْحُدُودُ خِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ أَيْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا عُدِّلَا وَلَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ الْقَاضِي حَكَمْت بِتَعْدِيلِهِمَا أَيْ بِصِحَّةِ تَعْدِيلِهِمَا فَيَنْفُذُ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي التَّجْرِيحِ وَدُفِعَ بِالْمُبَالَغَةِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا لَا بِالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ.
(فَائِدَةٌ) يَجِبُ قَبُولُ الْقَضَاءِ فَوْرًا إنْ كَانَتْ تَوْلِيَةٌ مِنْ السُّلْطَانِ مُبَاشَرَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْقَبُولُ فَوْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِهِ بَلْ يَكْفِي الشُّرُوعُ فِي الْأَحْكَامِ وَيَكْفِي فِي الْوِلَايَةِ مَعْرِفَةُ خَطِّ الْمُوَلَّى دُونَ إشْهَادٍ، وَيَكْفِي فِيهَا الشِّيَاعُ فَلَوْ حَكَمَ مِنْ غَيْرِ شِيَاعٍ مَضَى وَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ حُكْمِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ لِمَنْ يَسْأَلُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا بِشُرُوطِ الْقَضَاءِ فَإِنْ وُلِّيَ مَضَى وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَأَلَ التَّوْلِيَةَ بِدَفْعِ مَالٍ فَلَا تَمْضِي وِلَايَتُهُ وَلَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَا تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ وَلَوْ وَافَقَتْ الْحَقَّ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا عَلَى عَزْلِ قَاضٍ آخَرَ لِيَتَوَلَّى مَوْضِعَهُ فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْمَعْزُولُ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَوَلَّى مِنْ الْإِمَامِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيًا لَا يَرَى مَذْهَبَهُ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْقَاضِيَ اسْتَنَابَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِثْبَاتُ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ النَّاسَ الْعَمَلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا ادَّعَاهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي مَعْرِفَةُ الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ وَالْمَحَلِّ الَّذِي وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالنَّوْعِ الَّذِي وُلِّيَ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْقَضَاءِ الْإِيجَابُ أَوْ التَّحْرِيمُ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ فَحُكْمُ الْقُضَاةِ الْآنَ بِالْمُتْعَةِ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ جَهْلٌ مِنْهُمْ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْقَضَاءُ بِالْمُبَاحِ كَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا ثُمَّ تَرَكَهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِإِبَاحَتِهَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ بَيْنَ النَّاسِ وَيَصِيرُ الْأَوَّلُ وَاحِدًا مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا الْإِقْطَاعَاتُ) تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْإِقْطَاعِ.
. (قَوْلُهُ: وَعَنْ سَحْنُونَ) هَذَا مُقَابِلُ الْجُمْهُورِ وَقَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَيُرَدُّ أَيْضًا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ لِلْإِمَامِ مَنْدُوحَةً عَنْ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ قَبُولِهِ شَهَادَتَهُ فِي أَمْرٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ: وَالْعَدْلُ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَالْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَلْ الْمُرَكَّبُ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الْعَدَالَةُ (قَوْلُهُ: خَمْسَةُ أَوْصَافٍ) وَهَلْ يُعْزَلُ بِمُجَرَّدِ طُرُوِّ الْفِسْقِ أَوْ يَجِبُ عَزْلُهُ خِلَافٌ وَقَالَ أَصْبَغُ تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ
وَالْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الْفِسْقِ، وَلَا يُغْنِي عَنْ الْعَدْلِ قَوْلُهُ مُجْتَهِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ عَلَى الصَّحِيحِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَصِفَاتُ الْقَضَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ شَرْطٌ وَوَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ وَمُسْتَحَبٌّ، فَمِنْ قَوْلِهِ عَدْلٌ إلَى قَوْلِهِ وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى إلَخْ وَاجِبٌ شَرْطٌ، وَمِنْ قَوْلِهِ وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى إلَى قَوْلِهِ وَوَجَبَ عَزْلُهُ عَدَمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ كَوَرَعٍ إلَخْ مُسْتَحَبٌّ، وَقَوْلُهُ (ص) ذَكَرٌ (ش) أَيْ مُحَقَّقٌ فَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ (ص) فَطِنٌ (ش) أَيْ ذُو فَطَانَةٍ فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَفَطُّنٌ لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَخَدْعِهِمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْفَطَانَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَزَائِدٌ فِي الدَّهَاءِ أَيْ وَبِلَا وَصْفٍ أَوْ عَقْلٍ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ أَيْ فِي الْفَطَانَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ النَّسَبِ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ لَبَنٌ أَيْ صَاحِبُ لَبَنٍ، وَفُلَانٌ تَمْرٌ أَيْ صَاحِبُ تَمْرٍ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ أَوْ أَنَّ فَطِنَ بِمَعْنَى فَاطِنٌ وَالْفِطْنَةُ جَوْدَةُ الذِّهْنِ وَجَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ جَوْدَةِ الْعَقْلِ مَا يَرُدُّ بِهِ الْمُتَّحِدَ مُتَعَدِّدًا وَمَا يَرُدُّ بِهِ الْمُتَعَدِّدَ مُتَّحِدًا وَمَا يَرُدُّ بِهِ الصَّحِيحَ فَاسِدًا أَوْ مَا يَرُدُّ بِهِ الْفَاسِدَ صَحِيحًا كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ مُتَّحِدَ الْبَلَاهَةِ وَالْبَلَادَةِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ هُوَ مُتَعَدِّدًا أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِهِ صَحِيحًا وَعِنْدَهُ هُوَ فَاسِدًا وَبِالْعَكْسِ (ص) مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ (ش) أَيْ فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْمُقَلِّدِ حَيْثُ وُجِدَ الْمُجْتَهِدُ وَالْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُطْلَقِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ (ص) وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ (ش) أَيْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدًا فَأَمْثَلُ الْمُقَلِّدِينَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الَّذِي لَهُ فِقْهٌ نَفِيسٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ إنْ وُجِدَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ
وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ (ص) وَزِيدَ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ قُرَشِيٌّ (ش) الْأَصَحُّ أَنَّ قُرَيْشًا وَلَدُ فِهْرٍ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ وَفِهْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ ثُمَّ إنَّ كَوْنَهُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ أَوْلَى أَيْ أَفْضَلُ لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ يُشْتَرَطُ
ــ
[حاشية العدوي]
جَوْرًا بَيِّنًا وَأَمَّا تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْعَدْلِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَلَيْسَ لِكَوْنِهِ أَهْلًا بَلْ لِلضَّرُورَةِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ إنْ لَمْ يُوجَدْ الْعَدْلُ وُلِّيَ أَمْثَلُ الْمَوْجُودِينَ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ لِلتُّونِسِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى خِصَالَ الْقَضَاءِ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ مِنْهَا خَصْلَتَانِ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ وُلِّيَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عِلْمٌ وَكَانَ مَعَهُ عَقْلٌ وَوَرَعٌ فَذَلِكَ يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْلِ يَسْأَلُ وَبِهِ خِصَالُ الْخَيْرِ كُلُّهَا وَبِالْوَرَعِ يَقِفُ فَإِنْ طَلَبَ الْعِلْمَ وَجَدَهُ وَإِنْ طَلَبَ الْعَقْلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَمْ يَجِدْهُ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ. (قَوْلُهُ: لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَخَدْعِهِمْ) وَلِحِجَاجِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَخَدْعِهِمْ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَبِلَا وَصْفٍ أَوْ عَقْلٍ) الْأَحْسَنُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: عَقْلٍ أَيْ إنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاضِي زَائِدًا فِي الْفَطَانَةِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ إلَخْ) أَيْ إذَا عَلِمْت مَا ذَكَرَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَطِنٌ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ النَّسَبِ وَقَوْلُهُ: كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ لَبِنٌ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ فَلَيْسَ لَبِنٌ صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ بَلْ صِيغَةُ نَسَبٍ وَقَوْلُهُ: أَيْ صَاحِبَ لَبَنٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْبَاءِ. (قَوْلُهُ: أَوْ إنَّ فَطِنٌ بِمَعْنَى فَاطِنٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ بَابِ النَّسَبِ وَهُوَ جَوَابٌ ثَانٍ وَالْمَعْنَى أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ النَّسَبِ بَلْ هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهُ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ اسْمَ فَاعِلٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَى عِبَارَتِهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهَا بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: جَوْدَةُ الذِّهْنِ وَجَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ) وَالذِّهْنُ وَالْقَرِيحَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَقْلُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ جَوْدَةِ الْعَقْلِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالذِّهْنِ وَالْقَرِيحَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَقْلُ ثُمَّ إنَّ الْمُدْرِكَ حَقِيقَةُ النَّفْسِ وَالْعَقْلُ سَبَبٌ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ مُتَّحِدًا) بِأَنْ يَكُونَ قَضِيَّتَانِ حُكْمُهُمَا عِنْدَ ذَلِكَ الْغَيْرِ مُتَّحِدٌ لِبَلَادَتِهِ وَعِنْدَهُ مُتَعَدِّدٌ لِذَكَائِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالْعَكْسِ كَمَا إذَا كَانَ حُكْمُهُمَا عِنْدَ غَيْرِهِ مُخْتَلِفًا لِبَلَادَتِهِ وَعِنْدَهُ مُتَّحِدًا لِذَكَائِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِهِ صَحِيحًا أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي نَازِلَةٍ عِنْدَ غَيْرِهِ صَحِيحًا لِبَلَادَتِهِ وَعِنْدَهُ فَاسِدًا لِذَكَائِهِ وَبِالْعَكْسِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ النَّازِلَةِ عِنْدَ غَيْرِهِ فَاسِدًا لِبَلَادَتِهِ وَعِنْدَهُ صَحِيحًا لِذَكَائِهِ
1 -
. (قَوْلُهُ: مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ) الْمُجْتَهِدُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَمُجْتَهِدُ مَذْهَبٍ وَمُجْتَهِدُ فَتْوَى وَهُمَا الْمُشَارُ لَهُمَا بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُطْلَقِ فَهُوَ دَاخِلٌ إلَخْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ أَيْ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَمُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إقَامِهِ الْأَدِلَّةِ وَمُجْتَهِدُ الْفَتْوَى هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى التَّرْجِيحِ وَمُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي لَهُ فِقْهٌ نَفِيسٌ) أَيْ لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَقَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إلَخْ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْجَوَازِ وَإِلَّا لَأَتَى بِإِذَا؛ لِأَنَّ إنْ لِلْمُحَالِ وَإِذَا لِلْمُحَقَّقِ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَوْلِيَةَ أَمْثَلِ مُقَلِّدٍ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ بَاطِلَةٌ وَهَذَا قَوْلٌ وَعَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ طَائِفَةٌ أَيْضًا كَالْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي زَمَنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ مَعْكُوسٌ أَيْ مُقَلِّدُ أَمْثَلَ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وِلَايَةُ غَيْرِ الْأَمْثَلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ.
(أَقُولُ) وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْرِي عَلَى مَا بِهِ الْعَمَلُ الْمُتَقَدِّمُ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا تَوْلِيَةُ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ إذَا شَاوَرَ مَضَى حُكْمُهُ، وَإِمْضَاءُ الْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَوْلِيَتَهُ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَمْضِيَ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَلٍّ قَبْلُ وَإِنَّمَا مَضَى حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَاوَرَ اسْتَنَدَ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ فَلَمْ يَكُنْ جَاهِلًا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا يَأْتِي مِنْ الْإِمْضَاءِ حَيْثُ تَوَلَّى مَعَ عَدَمِ وُجُودِ مَنْ يَصْلُحُ فَلَا إشْكَالَ. (قَوْلُهُ: أَوْلَى أَيْ أَفْضَلُ) فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَّاحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ
فِي حَقِّهِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ إنْ وُجِدَ فَإِنْ قِيلَ مِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَاحِدٌ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ الْعَبَّاسِيُّ وَهُنَا ذُكِرَ أَنَّهُ قُرَشِيٌّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقُرَشِيَّ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَمِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي وِلَايَةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الدَّوَامِ أَيْضًا فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ فِسْقٌ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ كَأَخْذِ الْأَمْوَالِ.
(ص) فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلِّدِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ مَذْهَبِ إمَامِهِ بَلْ يَحْكُمُ بِفَتْوَى مُقَلِّدِهِ بِنَصِّ النَّازِلَةِ فَإِنْ قَاسَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ قَالَ يَجِيءُ مِنْهُ كَذَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ فِي أُصُولِ إمَامِهِ
(ص) وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى وَأَبْكَمَ وَأَصَمَّ وَوَجَبَ عَزْلُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ حَيْثُ كَانَ صَوَابًا وَسَوَاءٌ تَوَلَّى وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَزْلُهُ لِتَعَذُّرِ غَالِبِ الْأَحْكَامِ مِنْهُ وَالْأُمِّيُّ كَالْأَعْمَى وَتَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ لِلْفَتْوَى
(ص) وَلَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَوْ الْخَائِفَ فِتْنَةً إنْ لَمْ يَتَوَلَّ أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ وَأُجْبِرُوا وَإِنْ بِضَرْبٍ (ش) أَيْ لَزِمَ الْمُتَعَيِّنَ أَيْ الْمُنْفَرِدَ بِشُرُوطِهِ أَوْ الْخَائِفَ فِتْنَةً عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ إنْ لَمْ يَتَوَلَّ أَوْ الْخَائِفَ ضَيَاعَ الْحَقِّ عَلَى أَرْبَابِهِ بِسَبَبِ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ لِلْقَضَاءِ فَحَذَفَ الْقَبُولَ وَالطَّلَبَ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِدَلَالَةِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ وَإِذَا امْتَنَعَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَبُولِ أُجْبِرَ وَإِنْ بِضَرْبٍ وَسَجْنٍ فَقَدْ أَقَامَ الْإِمَامُ حَوْلًا يُجْبِرُ سَحْنُونًا عَلَى الْقَبُولِ لِلْقَضَاءِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَلَمَّا تَخَوَّفَ مِنْهُ قَبِلَهُ وَلَمَّا وُلِّيَ سَحْنُونَ الْقَضَاءَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَقَوْلُهُ: إنْ وُجِدَ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَنِي الْعَبَّاسِ كَغَيْرِهِمْ فَلَا مَزِيَّةَ لِبَنِي الْعَبَّاسِ وَكَوْنُهُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ فِي زَمَنِ مَالِكٍ اتِّفَاقِيٌّ وَقَوْلُهُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقُرَشِيَّ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ إنْ وُجِدَ فَيَأْتِي الِاعْتِرَاضُ الْمُتَقَدِّمُ هُنَا
. (قَوْلُهُ: بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ بِالْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ مِنْ مَذْهَبِهِ كَرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِيهَا عَنْ الْإِمَامِ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا، وَأَوْلَى غَيْرُهَا وَعَلَى رِوَايَتِهِ فِي غَيْرِهَا عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْ الْإِمَامِ فِيهَا أَحَدٌ شَيْئًا قُدِّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي غَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا هَكَذَا شَرْحُ عب. (أَقُولُ) وَيَبْقَى قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا وَرِوَايَتُهُ فِي غَيْرِهَا فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ مَا هُوَ الْمُقَدَّمُ وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ وَلَا الْحُكْمُ وَلَا الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ وَلَا الْحُكْمُ بِغَيْرِ قَوْلِ مُقَلَّدِهِ وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الْعَمَلُ بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الضَّعِيفِ فِي مَذْهَبِهِ ثُمَّ إنَّ الْمَشْهُورَ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ أَوْ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ أَوْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْ رِوَايَتُهُ فِيهَا عَنْ مَالِكٍ كَمَا أَفَادَهُ عج أَيْ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ قُوَّةُ دَلِيلِهِ أَقُولُ ثَلَاثَةٌ وَالرَّاجِحُ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ فَعَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمَشْهُورِ يَتَرَادَفُ الرَّاجِحُ مَعَ الْمَشْهُورِ فَإِنْ قُلْت إذَا تَعَارَضَ الْمَشْهُورُ وَالرَّاجِحُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فَمَا الْمُقَدَّمُ قُلْت عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّلْكِ يُقَدَّمُ الْمَشْهُورُ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَلَى مَا قَالَهُ عج فِيهَا يُقَدَّمُ الرَّاجِحُ الَّذِي هُوَ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَيُقَوِّيهِ مَا نُقِلَ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى فَإِنَّهُ قَالَ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي فَإِنْ وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوهُ وَمَا لَمْ يُوَافِقْهُمَا فَاتْرُكُوهُ انْتَهَى، وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ مُعَلَّى فِي مَنَاسِكِهِ فَلَوْ حَكَمَ بِالضَّعِيفِ فَيَمْضِي مَا لَمْ يَنُصَّ لَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَحْكُمَ بِالرَّاجِحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ يَجِيءُ إلَخْ) هَذَا يَرْجِعُ لِلْقِيَاسِ
. (قَوْلُهُ: وَنَفَذَ حُكْمُ أَعْمَى إلَخْ) الْحَاصِلُ إنَّمَا نَفَذَ حُكْمُهُمْ؛ لِأَنَّ عَدَمَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَلَا فِي صِحَّةِ دَوَامِهَا وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي جَوَازِ وِلَايَتِهِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَوَجَبَ عَزْلُهُ. (قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ غَالِبِ الْأَحْكَامِ) أَيْ مِنْ الْأَعْمَى أَوْ الْأَبْكَمِ أَوْ الْأَصَمِّ اُنْظُرْ مَا وَجْهُ تَعَذُّرِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. (قَوْلُهُ: وَالْأُمِّيُّ كَالْأَعْمَى) الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَيْسَ بِكَاتِبٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ قَالَ الْبَاجِيُّ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِ وِلَايَةِ الْأَعْمَى وَلَا نَصَّ لِأَصْحَابِنَا فِي الْأُمِّيِّ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَظْهَرُ جَرَى تَوْلِيَتُهُ عَلَى وِلَايَةِ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّ فِي الْكَتْبِ كَحَالِ الْأَعْمَى.
وَقَالَ عج الْمُتَّصِفُ بِصِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الْعَمَى وَالصَّمَمُ وَالْبَكَمُ أَوْ بِاثْنَيْنِ مِنْهَا هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَّصِفِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ حُكْمُ مَنْ فُقِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ اهـ. قَالَ عب وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضُرُّ وُجُودُ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا أَوْ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ عج قَائِلًا فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ مُعَامَلَةِ الْأَعْمَى الْأَصَمِّ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ) أَيْ الْأَعْمَى.
. (قَوْلُهُ: الْقَبُولُ) فَاعِلُ لَزِمَ فَوْرًا إنْ شَافَهَهُ بِهِ الْإِمَامُ فَإِنْ أَرْسَلَ لَهُ بِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ فَوْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظُ قَبِلْت بَلْ يَكْفِي شُرُوعُهُ فِي الْأَحْكَامِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ) أَيْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: أَوْ الْخَائِفُ ضَيَاعَ الْحَقِّ إلَخْ) وَلَوْ أَزْيَدَ مِنْهُ فِقْهًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ الْخَائِفُ فِتْنَةً أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ أَيْ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِشُرُوطِ الْقَضَاءِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْعَطْفِ. (قَوْلُهُ: فَحَذَفَ الْقَبُولَ وَالطَّلَبَ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمَحَلَّاتِ الَّتِي يُحْذَفُ فِيهَا الْفَاعِلُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا امْتَنَعَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَبُولِ إلَخْ) أَيْ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ خَافَ الْفِتْنَةَ أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ فَلَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّهِ غَيْرُ الطَّلَبِ وَالْقَبُولِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْخَوْفُ مِنْ الْإِمَامِ لَتَأَتَّى الْجَبْرُ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا عَلَّقَ الْخَوْفَ بِغَيْرِ الْإِمَامِ وَأَقُولُ إذَا أُجْبِرَ بِالْخَوْفِ مَنْ ذُكِرَ وَوَقَعَ صِدْقُهُ فَيُعْقَلُ تَعَلُّقُ الْجَبْرِ بِهِ أَيْضًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَأُجْبِرَ إلَخْ أَيْ مَنْ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ لَا خُصُوصُ الْمُتَعَيِّنِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْقَبُولِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بِضَرْبٍ وَسَجْنٍ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بِالْوَاوِ هِيَ بِمَعْنَى أَوْ بَلْ إذَا اقْتَضَى
وَدِدْنَا وَاَللَّهِ أَنْ نَرَاك فَوْقَ أَعْوَادِ نَعْشِك وَلَا نَرَاك قَاضِيًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِأَنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِشَرَائِطِ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا بَلْ هُنَاكَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَلَا ضَيَاعَ الْحَقِّ عَلَى أَرْبَابِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَلَا الطَّلَبُ فَلَوْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ انْتَفَى كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَلَهُ الْهَرَبُ وَإِنْ عَيَّنَ) وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ إلَّا الْقَضَاءَ فَفَاعِلُ لَزِمَ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ وَالْمُتَعَيِّنُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْخَائِفَ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَفِتْنَةً مَفْعُولُ خَائِفٍ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ شَرْطٌ فِي الْخَائِفِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ عَطْفٌ عَلَى " فِتْنَةً " وَفِيهِ الْحَذْفُ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ أَوْ الْخَائِفَ ضَيَاعَ الْحَقِّ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ، وَقَوْلُهُ أَوْ ضَيَاعَ الْحَقِّ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ الطَّلَبُ مَا لَمْ يَكُنْ بِدَفْعِ مَالٍ
(ص) وَحَرُمَ الْجَاهِلُ وَقَاصِدُ دُنْيَا (ش) أَيْ أَنَّ الْجَاهِلَ حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُ الْقَضَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ جَهْلُهُ إلَى مُخَالَفَةِ الْأُمُورِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَهُ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ قَبُولُ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ قَصَدَ بِهِ تَحْصِيلَ الدُّنْيَا مَخَافَةَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ غَرَضُهُ الدُّنْيَوِيُّ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَلَوْ قَالَ وَحَرُمَ تَوْلِيَةُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لَهُ لَكَانَ أَشْمَلَ
(ص) وَنُدِبَ لِيُشْهَرَ عِلْمَهُ (ش) لَمَّا ذَكَرَ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ وَثَنَّى بِمُقَابِلِهِ وَهُوَ الْحَرَامُ ثَلَّثَ بِالْمَنْدُوبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ عَالِمًا خَفَى عِلْمُهُ عَلَى النَّاسِ فَأَرَادَ أَنْ يُشْهِرَهُ بِالْقَضَاءِ لِيُعَلِّمَ الْجَاهِلَ وَيُرْشِدَ الْمُسْتَفْتِيَ، وَمِنْ أَقْسَامِ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ إلَّا بِرِزْقِ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ وَالْمُرَادُ بِرِزْقِ الْقَاضِي الْمَجْعُولُ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى الْقَضَاءِ لَا مِنْ مَالِ مَنْ حَكَمَ لَهُ بِالْحَقِّ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْإِجَارَةِ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ
(ص) كَوَرِعٍ غَنِيٍّ حَلِيمٍ نَزِهٍ نَسِيبٍ مُسْتَشِيرٍ بِلَا دَيْنٍ وَحَدٍّ وَزَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ وَبِطَانَةِ سُوءٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ وَرِعًا أَيْ تَارِكًا لِلشُّبُهَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بَلَدِيًّا لِعِلْمِهِ بِأَحْوَالِ الشُّهُودِ عَلَى الرَّاجِحِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مَقَالَةُ السُّوءِ وَالْغَنِيَّ مَظِنَّةُ التَّنَزُّهِ عَنْ الطَّمَعِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ فَضِيلَةً؛ لِأَنَّ الْمَالَ عِنْدَ ذَوِي الدِّينِ زِيَادَةٌ لَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ لَا سِيَّمَا مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَفْتَقِرْ فَهُوَ سَارِقٌ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ حَلِيمًا عَلَى الْأَخْصَامِ مَا لَمْ تُنْتَهَكْ حُرْمَةُ الشَّرْعِ أَوْ يُوصِي أَحَدٌ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ نَزِهًا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَنْ يَكُونَ ذَا نَزَاهَةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
الْحَالُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُجْمَعُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ) أَيْ لِعِظَمِ الْأَمْرِ وَقُوَّةِ الْخَطَرِ وَحَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَحْرُمُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ لِأَجْلِ تَوْلِيَتِهِ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ وَتُرَدُّ أَحْكَامُهُ، وَلَوْ قَضَى بِالْحَقِّ وَالْحَيُّ الْمَعْزُولُ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَافِعَ الرِّشْوَةِ تُرَدُّ أَحْكَامُهُ وَلَوْ بِالْحَقِّ فَهُوَ أَشَرُّ حَالًا مِنْ قُضَاةِ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَإِنَّ أَحْكَامَهُمْ نَافِذَةٌ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ بِدَفْعِ مَالٍ) أَقُولُ وَلَوْ بِمَالٍ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ حَيْثُ كَانَتْ مَفْسَدَةُ عَدَمِ تَوْلِيَتِهِ أَشَدَّ مِنْ دَفْعِهِ مَالًا عَلَى تَوْلِيَتِهِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فَإِنْ قُلْت الْجِهَادُ فِيهِ تَعْرِيضُ النَّفْسِ لِلتَّلَفِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ بِتَعَيُّنِ الْإِمَامِ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّلَفَ فِي الْجِهَادِ تَعْقُبُهُ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ وَفِي الْقَضَاءِ ضَرَرٌ دَائِمٌ لِعُسْرِ التَّخَلُّفِ مِنْهُ
. (قَوْلُهُ: وَقَاصِدِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ قَصَدَ بِهِ تَحْصِيلَ الدُّنْيَا) أَيْ مِنْ مُتَدَاعِيَيْنِ لِتَأْدِيَتِهِ إلَى أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ لَا مِمَّا لَا هُوَ لِلْقَاضِي فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مُرَتَّبٌ وُقِفَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَشْمَلَ) لِأَنَّهُ يَشْمَلُ غَيْرَ الِاثْنَيْنِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ
. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ لِيُشْهَرَ عِلْمَهُ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ أَشْهَرَ وَبِفَتْحِهَا مِنْ شَهَرَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ الْآتِي إنْ شُهِرَ عَدْلًا. (قَوْلُهُ: لِيُعَلِّمَ الْجَاهِلَ) أَيْ لَا الشُّهْرَةَ لِرِفْعَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَكَذَا يُنْدَبُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَنْهَضُ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ نِظَامَ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَيُنْدَبُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا يُنْتِجُ الْوُجُوبَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِعَجْزِهِ حُصُولُ مَشَقَّةٍ مِنْ تَحْصِيلِهِ لَا تَصِلُ لِحَدِّ الْوُجُوبِ. (تَنْبِيهٌ) : الْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ الْإِبَاحَةُ وَرُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَهُ الْهَرَبُ وَذَكَرَ الْوَاجِبَ وَالْحَرَامَ وَتَرَكَ الْمَكْرُوهَ وَهُوَ إرَادَتُهُ لِلْجَاهِ وَالِاسْتِعْلَاءِ عَلَى النَّاسِ أَيْ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ عَالِيًا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا حَرُمَ قَطْعًا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَيُبَاحُ لِمَنْ يَدْفَعُ بِهِ ضَرَرًا عَنْ نَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَهُ عِيَالٌ وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْفَعَ النَّاسَ وَيَخْشَى بِهِ الِانْقِطَاعَ ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي كَوَرِعٍ غَنِيٍّ أَوْ يُقَالُ إنَّ مَا يَأْتِي الِاسْتِحْبَابُ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَلِيفَةِ لَا بِالْقَاضِي. (قَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْإِجَارَةِ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي مُرَاجَعَةُ الْجَوَاهِرِ
. (قَوْلُهُ: تَارِكًا لِلشُّبُهَاتِ إلَخْ) أَيْ أَوْ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَمَّا الْأَوْرَعُ فَهُوَ الَّذِي يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ اللَّقَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ بَلَدِيًّا لِعِلْمِهِ بِأَحْوَالِ الشُّهُودِ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ لِيَعْرِفَ الْمَقْبُولِينَ وَالْمَسْخُوطِينَ مِنْ الشُّهُودِ وَيَعْرِفَ حَالَ الْمُحَقِّقِ وَالْمُبْطِلِ مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُ الْبَلَدِيِّ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْأَوْلَى غَيْرُ الْبَلَدِيِّ عَلَى الْبَلَدِيِّ أَيْ لِئَلَّا يَفْرِضَ لِبَعْضِهِمْ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَلَدِيًّا لَا يَخْلُو عَنْ أَعْدَاءٍ وَأَصْدِقَاءٍ. (قَوْلُهُ: مَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَفْتَقِرْ) أَيْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ أَثَرُ الْفَقْرِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ
عَنْ الطَّمَعِ مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ أَيْ يُدِيرُ الْحَقَّ عَلَى مَنْ دَارَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِي بِمَنْ لَامَهُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا مَعْنَى نَزِهٍ تَأَمَّلْ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي نَسِيبًا وَهَذَا مِنْ أَلْفَاظِ الْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهَا مَعْرُوفُ النَّسَبِ لِئَلَّا يَتَسَارَعَ إلَيْهِ أَلْسُنُ النَّاسِ بِالطَّعْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَوْلِيَةَ غَيْرِ النَّسِيبِ جَائِزَةٌ سَوَاءٌ كَانَ انْتِفَاءُ نَسَبِهِ مُحَقَّقًا أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَتَجْوِيزُ سَحْنُونَ وِلَايَةَ وَلَدِ الزِّنَا مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ زَادَ وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ فِي الزِّنَا لِعَدَمِ شَهَادَتِهِ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ اسْتِقْلَالًا لَا عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ فَقَالَ
وَأَمَّا الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا فَعِنْدَ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ وَلَا يَشْهَدُ فِيهِ وَعِنْدَ سَحْنُونَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ كَوَلَدِ الزِّنَا وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَشِيرًا لِأَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعِينُهُ وَيُوصِلُهُ إلَى حُصُولِ الصَّوَابِ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ كَثِيرَ الِاسْتِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ أَمْثَلَ مُقَلِّدٍ مَا تَقَيَّدَ الصَّوَابُ بِهِ بِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ عِنْدَ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَدِينٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَحُطُّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ وَلَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ غَنِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَهُوَ مَدِينٌ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْدُودٍ فِي زِنًا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَضَى فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَيُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ وَصْفٌ زَائِدٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِهِ وَاسْتِنَادُ الْقَاضِي لِلْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَبَعُدَتْ التُّهْمَةُ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي حُدَّ فِيهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِالْمَدِّ وَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْيَاءِ لَا عَنْ الْوَاوِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْفِطْنَةُ وَالْحَذْقَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْفِرَاسَةِ وَيُعَطِّلَ أَبْوَابَ الشَّرِيعَةِ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ بِطَانَةِ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - السُّوءِ فَإِنَّهَا تُسْرِعُ بِالضَّرَرِ لِمَنْ هِيَ حَوْلَهُ فَإِنَّ السَّلَامَةَ مِنْهَا رَأْسُ كُلِّ خَيْرٍ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ الْبِطَانَةُ الَّتِي يُتَّهَمُ مِنْهَا السُّوءُ وَإِلَّا فَالسَّلَامَةُ مِنْ بِطَانَةِ السُّوءِ وَاجِبَةٌ.
(ص) وَمَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ وَالْمُصَاحِبِينَ وَتَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ (ش) هُوَ مَرْفُوعٌ عَطْفٌ عَلَى نَائِبِ فَاعِلِ نُدِبَ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَيَجُوزُ زَجْرُهُ عَطْفًا عَلَى مَدْخُولِ الْكَافِ أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي مَنْعُ مَنْ ذُكِرَ مِنْ رُكُوبِهِمْ مَعَهُ وَمِنْ مُصَاحَبَتِهِمْ
ــ
[حاشية العدوي]
لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ لِيَسْتَعِيرَ بِمُرَتَّبِهِ مِنْ نَحْوِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُبَاحِ وَمَا هُنَا فِي الْمَنْدُوبِ. (قَوْلُهُ: مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ) الْمُرَادُ بِالْأَئِمَّةِ وُلَاةُ الْأُمُورِ كَالسَّلَاطِينِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُدِيرُ الْحَقَّ) أَيْ وَلَا يُبَجِّلُهُمْ بِحَيْثُ يُحَابِي فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِخْفَافِ تَحْقِيرُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: هَذَا مَعْنَى نَزِهٍ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ أَدْخَلَ فِي تَعْرِيفِ النَّزِهِ كَوْنَهُ مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ، وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهُ وَأَنَّهُ مَعْنًى آخَرُ مَطْلُوبٌ فِي حَقِّ الْقَاضِي وَلِذَلِكَ عَطَفَهُ فَقَالَ ذَا نَزَاهَةٍ عَنْ الطَّمَعِ مُسْتَخِفًّا فَذَكَرَهُ فِي مَقَامِ مَا يُطْلَبُ فِي حَقِّ الْقَاضِي لَا فِي مَقَامِ تَفْسِيرِ نَزِهٍ فَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ غَازِيٍّ نَزِهًا بِكَامِلِ الْمُرُوءَةِ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَتَشَوَّفُ لِمَا بِيَدِ النَّاسِ وَقَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَاَلَّذِي لَا يَتَشَوَّفُ لِمَا بِأَيْدِي النَّاسِ هُوَ الْكَامِلُ الْمُرُوءَةِ وَقَالَ اللَّقَانِيِّ النَّزِهُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَعَاطَى مَا يَتَعَاطَاهُ أَمْثَالُهُ بِأَنْ لَا يُعَاشِرَ الْأَرَاذِلَ وَلَا غَيْرَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَلَا السُّفَهَاءَ وَلَا الْخُفَرَاءَ وَلَا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ لِإِرْشَادِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ النَّزِهِ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِطُهُمْ فَالنَّزَاهَةُ كَمَالُ الْمُرُوءَةِ، وَقَوْلُهُ: تَأَمَّلْ أَقُولُ تَأَمَّلْنَاهُ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ مُسْتَخِفًّا بِالْأَئِمَّةِ لَيْسَ مِنْ مَدْلُولِ نَزِهٍ لِوُجُودِ الْعَطْفِ نَعَمْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ نَزِهًا أَنْ يَسْتَخِفَّ بِالْأَئِمَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْ أَلْفَاظِ الْمُبَالَغَةِ) أَيْ الْأَصْلُ فَلَا يُنَافِي فِي أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ هُنَا وَلِذَا قَالَ وَمَعْنَاهَا مَعْرُوفُ النَّسَبِ. (قَوْلُهُ: كَوَلَدِ الزِّنَا) أَيْ لَا يَحْكُمُ فِي الزِّنَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُهُ قَاضِيًا وَالْمُعْتَمَدُ قَوْلُ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ وَلَا يَشْهَدُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْتَشِيرًا) أَيْ فِي الْمَسَائِلِ الْغَامِضَةِ أَوْ الدَّقِيقَةِ أَوْ الْمُشْكِلَةِ أَوْ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا، وَأَمَّا الَّتِي فِيهَا النَّصُّ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَحَكَمَ بِقَوْلِ مُقَلَّدِهِ قَالَ اللَّقَانِيِّ قَوْلُهُ: مُسْتَشِيرًا هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْعُلَمَاءِ لِلِاسْتِشَارَةِ مَنْدُوبٌ وَأَصْلُهُ مُسْتَشْوِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَشُورَةِ انْتَهَى. (أَقُولُ) فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُهُ: أَوْ شَاوَرَهُمْ فِيمَا يَتَأَتَّى تَكْرَارًا أَيْ بَلْ يُقَالُ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِشَارَةِ فَيُفْهَمُ أَنَّ النَّدْبَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَقَطْ وَكَلَامُهُ الْآتِي يُفِيدُ أَنَّ النَّدْبَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا أَوْ بِالْحُضُورِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّيْنَ يَحُطُّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ) مِنْ زَائِدَةٌ أَوْ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ شَيْئًا مِنْ مَرْتَبَتِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْقَضَاءَ وَصْفٌ زَائِدٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَنْ اُعْتُبِرَ فِي الْقَاضِي مِنْ الْأَوْصَافِ مَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الذُّكُورِيَّةُ وَالِاجْتِهَادُ وَقَوْلُهُ: وَاسْتِنَادُ فَرْقٍ ثَانٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَصْفٌ زَائِدٌ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ اسْتِنَادُ الْقَاضِي فِيهِ لِلْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ وَقَوْلُهُ: وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي حُدَّ فِيهِ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُحَدَّ وَتَابَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (قَوْلُهُ: الْفِطْنَةُ إلَخْ) هِيَ شِدَّةُ الْفِكْرِ وَجَوْدَتُهُ وَالْمَعْنَى يُنْدَبُ فِي حَقِّ الْقَاضِي أَنْ لَا يَكُونَ شَدِيدَ الْفِطْنَةِ وَالْحَذْقَةِ وَالْفِرَاسَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمِيرِ لِوُسْعِ عَمَلِهِ. (قَوْلُهُ: خَالِيًا عَنْ بِطَانَةِ السُّوءِ) أَيْ خَالِيًا عَنْ الْجَمَاعَةِ الْمُصَاحِبِينَ لَهُ أَهْلُ السُّوءِ لِاكْتِسَابِهِ السُّوءَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِطَانَةِ أَصْحَابُ الشَّخْصِ الْمُطَّلِعُونَ عَلَى أَحْوَالِهِ سُمُّوا بِهَا تَشْبِيهًا بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ وَهُوَ خِلَافُ ظِهَارَتِهِ لِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى بَاطِنِ حَالِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْبِطَانَةَ الَّتِي يُتَّهَمُ مِنْهَا السُّوءُ) أَيْ فَلَيْسَ السُّوءُ مِنْهَا مُحَقَّقًا بَلْ مَشْكُوكٌ، وَأَمَّا إذَا تَحَقَّقَ مِنْهَا السُّوءُ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْهَا السُّوءُ فَالسَّلَامَةُ مِنْهَا وَاجِبَةٌ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَالسَّلَامَةُ إلَخْ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ مِنْهَا الْمُتَّهَمُ بَلْ أُرِيدَ الْمُحَقَّقُ أَوْ الَّتِي غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالنَّدْبِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ
. (قَوْلُهُ: وَمُنِعَ إلَخْ) أَيْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ لِلرَّاكِبِينَ فِي رَفْعِ مَظْلِمَةٍ أَوْ خُصُومَةٍ أَوْ يَكُونَ الْمُصَاحِبُونَ لَهُ أَهْلَ أَمَانَةٍ وَنَصِيحَةٍ وَفَضْلٍ
لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي عَلَيْهِمْ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُخَفِّفَ الْأَعْوَانَ مِنْ عِنْدِهِ مَا أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعِيشُونَ غَالِبًا إلَّا مِنْ تَعْلِيمِ الْخُصُومِ وَقَلْبِ الْأَحْكَامِ وَكَانَ رِزْقُهُمْ سَابِقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالْأَعْوَانُ هُمْ الرُّسُلُ وَالْوُكَلَاءُ الَّتِي فِي الْمَحَاكِمِ كَمَا هُوَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ الْآنَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبْعِدَ عَنْهُ مَنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ يَزْدَادُ سُوءُهُمْ بِالنَّاسِ
(ص) وَاِتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وَحُكْمِهِ وَشُهُودِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ عِنْدَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وَبِمَا يُقَالُ فِي حُكْمِهِ وَبِمَا يُقَالُ فِي شُهُودِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَفْعَلَ بِمُقْتَضَى الْأَخْبَارِ مِنْ إبْقَاءٍ وَعَزْلٍ
(ص) وَتَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ إلَّا فِي مِثْلِ اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي فَلْيَرْفُقْ بِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَسَاءَ عَلَى الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهُ مُسْتَنِدًا فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ لَا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ آذَاهُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَيْسَ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَيَرْفَعُهُ لِغَيْرِهِ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَحَدُ الْأَخْصَامِ لِلْقَاضِي اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِي أَوْ قَالَ لَهُ اُذْكُرْ وُقُوفَك لِلْحِسَابِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَرْفُقُ بِهِ وَيُشْفِقُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ رَزَقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ تَقْوَاهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
(ص) وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ مِنْ عِلْمِ مَا اُسْتُخْلِفَ فِيهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي إقْلِيمِهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إنْسَانًا قَاضِيًا يَنْظُرُ لِلنَّاسِ وَيُرِيحُ نَفْسَهُ إلَّا إذَا كَانَ قُطْرُهُ وَاسِعًا وَأَقْطَارُ مِصْرِهِ مُتَبَاعِدَةً فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَخْلِفَ شَخْصًا يَكُونُ عَالِمًا بِالْأَمْرِ الَّذِي اُسْتُخْلِفَ فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِغَيْرِهِ وَإِذَا اُسْتُخْلِفَ لِوُجُودِ شَرْطِهِ يَكُونُ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ لَا فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ، وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ وَقَعَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْإِذْنِ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا لَوْ نُصَّ لَهُ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِخْلَافِ فَلَيْسَ لَهُ اتَّسَعَ عَمَلُهُ أَمْ لَا قَرُبَتْ الْجِهَةُ أَوْ بَعُدَتْ أَوْ نُصَّ لَهُ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ اُسْتُخْلِفَ مُطْلَقًا وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَإِلَّا فَلَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَلَوْ فِي الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ عِنْدَ الْأَخَوَيْنِ وَعِنْدَ سَحْنُونَ لَيْسَ لَهُ وَلَوْ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَعَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْخَلِيفَةِ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهُ الْقَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ.
(ص) وَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ لَا هُوَ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ وَلَوْ الْخَلِيفَةَ (ش) يَعْنِي أَنَّ نَائِبَ الْقَاضِي يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي) أَيْ فَيَمْتَنِعُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقٌّ مِنْ طَلَبِهِ. (قَوْلُهُ: لَا يَعِيشُونَ غَالِبًا) أَيْ لَا يَعِيشُونَ غَالِبًا إلَّا بِمَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْخُصُومِ وَقَوْلُهُ: وَقَلْبِ الْأَحْكَامِ أَيْ وَتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ أَيْ يُغَيِّرُونَ الْحَالَةَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهَا وُقُوعُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهٍ. (قَوْلُهُ: وَالْوُكَلَاءُ إلَخْ) الْوُكَلَاءُ هُمْ نَفْسُ الرُّسُلِ الَّذِينَ يُرْسِلُهُمْ الْقَاضِي لِحُضُورِ الْخَصْمِ وَسَمَّاهُمْ وُكَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُمْ فِي حُضُورِ الْخَصْمِ
. (قَوْلُهُ: فِي سِيرَتِهِ) أَيْ غَيْرِ حُكْمِهِ وَإِلَّا فَحُكْمُهُ مِنْ جُمْلَةِ سِيرَتِهِ وَإِنَّمَا نُدِبَ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَجَنَّبَ مَا يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: وَشُهُودِهِ) أَيْ الْجَمَاعَةِ الْمُلَازِمِينَ لِلشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْخُصُومِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَأْتِي بِهِمْ الْمُدَّعِي
. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهُ) وَإِنْ لَزِمَهُ الْحُكْمُ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ وَمُرَاعَاةُ حُرْمَةِ الشَّرْعِ إمَّا مَنْدُوبَةٌ كَمَا هُنَا أَوْ وَاجِبَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْ بِخِلَافِ مَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ فَإِنَّ تَأْدِيبَهُ وَاجِبٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَرْفُقُ بِهِ) وَتَرْكُ أَدَبِهِ وَاجِبٌ.
. (قَوْلُهُ: فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وُسْعِ عَمَلِهِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ فَيَسْتَخْلِفُ فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ.
(تَنْبِيهٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لِوُسْعِ عَمَلِهِ لَيْسَ هُوَ مُسْتَثْنًى وَإِنَّمَا الْمُسْتَثْنَى قَوْلُهُ: مَنْ عَلِمَ أَيْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ إلَّا مَنْ عَلِمَ أَيْ إلَّا الشَّخْصَ الَّذِي عَلِمَ الْحُكْمَ الَّذِي اُسْتُخْلِفَ فِيهِ لِوُسْعِ عَمَلِهِ غَايَةُ مَا فِيهِ تَقْدِيمُ مَعْمُولِ الصِّلَةِ وَهُوَ لِوُسْعِ عَمَلِهِ عَلَى الْمَوْصُولِ وَهُوَ مَا، وَهُوَ جَائِزٌ سَلَّمْنَا أَنَّ فِيهِ اسْتِثْنَاءَ شَيْئَيْنِ بِأَدَاةٍ فَقَطْ وَالتَّقْدِيرُ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ إلَّا لِوُسْعِ عَمَلِهِ فَلِوُسْعِ مُسْتَثْنًى مِنْ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَمَنْ عَلِمَ مُسْتَثْنًى مِنْ شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ فَهُوَ كَقَوْلِك مَا ضَرَبَ إلَّا زَيْدٌ عُمْرًا أَيْ مَا ضَرَبَ أَحَدٌ أَحَدًا إلَّا زَيْدٌ عُمْرًا لَكِنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَقَطْ وَقَوْلُهُ: بَعُدَتْ أَيْ بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ عِنْدَ الْمُتَيْطِيِّ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي وَجَلَبَ الْخَصْمَ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَا أَكْثَرَ كَسِتِّينَ مِيلًا فَيَسْتَخْلِفُ إلَّا بِشَاهِدٍ فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُتَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَاهِدٌ لَمْ يُخَالِفْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ يَسْتَخْلِفُ وَلَا يَجْلِبُ الْخَصْمَ مَا لَمْ يَكُنْ الدَّعْوَى أُقِيمَ عَلَيْهَا شَاهِدٌ فَيَجْلِبُهُ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ قُطْرُهُ وَاسِعًا) أَيْ دَائِرَةُ عَمَلِهِ الْمُحْتَوِيَةُ عَلَى أَقْطَارٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَأَقْطَارُ مِصْرِهِ مُتَبَاعِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَقْطَارُ مِصْرِهِ) أَيْ وَنَوَاحِي قُطْرِهِ مُتَبَاعِدَةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُطْرَ وَاحِدٌ وَنَوَاحِيهِ مُتَعَدِّدَةٌ. (قَوْلُهُ: فِي جِهَةٍ بَعُدَتْ) الَّذِي يُفِيدُهُ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّ الْبُعْدَ مَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَيْ الْقَصْرِ أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الِاسْتِخْلَافِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ نَصَّ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ فِي الْأَمْرَيْنِ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَخَوَيْنِ) أَيْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَوْلُهُمَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ سَحْنُونَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْصُلْ اضْطِرَارٌ وَإِلَّا جَازَ اتِّفَاقًا
. (قَوْلُهُ: لَا هُوَ بِمَوْتِ الْأَمِيرِ إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْأَمِيرِ لَهُ أَوْ الْخَلِيفَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ حَكَمَ بِشَيْءٍ قَبْلَ بُلُوغِ عَزْلِهِ نَفَذَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِضَرُورَةِ النَّاسِ وَانْظُرْ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْقَاضِي مَعْلُومَ الْقَضَاءِ مِنْ يَوْمِ وِلَايَتِهِ إذَا وُلِّيَ بِبَلَدٍ يَحْتَاجُ لِسَفَرٍ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ فَالْمَعْلُومُ لِلْمَعْزُولِ إلَى يَوْمِ بُلُوغِهِ انْتَهَى وَاسْتَظْهَرَ الْبَدْرُ ذَلِكَ لَهُ. (أَقُولُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ
مُنِيبِهِ أَوْ بِعَزْلِهِ كَالْوَكِيلِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ، وَأَمَّا مُقَدَّمُ الْقَاضِي عَلَى يَتِيمٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَلَا بِعَزْلِهِ، وَإِنَّمَا نَصَّ الْمُؤَلِّفُ عَلَى الْمَوْتِ مَعَ أَنَّ الْعَزْلَ كَذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ يَأْتِي بَغْتَةً لَا يَنْعَزِلُ بِهِ وَاعْلَمْ أَنْ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِذَلِكَ وَاسْتَخْلَفَ فَلَا يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ بِمَوْتِهِ وَلَا بِعَزْلِهِ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ الْمُسْتَخْلِفِ بِالْكَسْرِ يَقْتَضِي عَزْلَ نَائِبِهِ بِذَلِكَ وَالْعِبْرَةُ بِمَذْهَبِ النَّائِبِ فَالْحَنَفِيُّ إذَا اسْتَنَابَ مَالِكِيًّا بِإِذْنٍ مِمَّنْ وَلَّاهُ أَوْ جَرَى الْعُرْفُ بِذَلِكَ وَمَاتَ لَمْ يُعْزَلْ الْمَالِكِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ، وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ لِمَصْلَحَةِ الْخَلِيفَةِ وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَالْمُرَادُ بِالْأَمِيرِ مَنْ لَهُ إمَارَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ وَلِهَذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَلَوْ الْخَلِيفَةَ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَمِيرُ الْخَلِيفَةَ وَلَوْ فَسَّرَ الْأَمِيرَ بِمَا دُونَ السُّلْطَانِ لَمْ تَصِحَّ الْمُبَالَغَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا صَادِقًا عَلَيْهَا
(ص) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَهُ أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا شَهِدَ بَعْدَ عَزْلِهِ عَلَى حُكْمٍ كَأَنْ حَكَمَ بِهِ قَبْلُ فَإِنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ يُرِيدُ وَلَوْ شَهِدَ مَعَهُ شَخْصٌ آخَرُ وَعَلَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْبُطْلَانَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي الْبُطْلَانِ إذَا قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ شَهِدَ عِنْدِي شَاهِدَانِ بِكَذَا وَقَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَلِلطَّالِبِ حِينَئِذٍ تَحْلِيفُ الْمَطْلُوبِ أَنَّ الشَّهَادَةَ الَّتِي بِدِيوَانِ الْقَاضِي مَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِهَا أَحَدٌ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ لَهُ الطَّالِبُ وَثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْعَزْلِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَأَمَّا الْإِخْبَارُ فَيُقْبَلُ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُحَكَّمِ فِيمَا حَكَمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْقَضِيَّةِ صَارَ مَعْزُولًا وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ أَوْ يَعْزِلَ وَهُوَ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ حُكْمِهِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ.
(ص) وَجَازَ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كُلُّ قَاضٍ يَسْتَقِلُّ بِمَمْلَكَةٍ يَحْكُمُ فِيهَا أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ إنْفَاذُ حُكْمِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْمَمْلَكَةِ يَحْكُمُ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ أَوْ يُنَصِّبُ فِي مَمْلَكَتِهِ قَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ يَحْكُمُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِقْهِ كَقَاضِي الْأَنْكِحَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَقَاضِي الشُّرْطَةِ وَقَاضِي الْمِيَاهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَنْعَقِدُ عَامَّةً وَخَاصَّةً خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا عَامَّةً وَإِذَا قِيلَ تَنْعَقِدُ عَامَّةً وَخَاصَّةً يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لَا يَحْكُمَ فِي قَضِيَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ لَا يَحْكُمَ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مُسْتَقِلٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ كُلٍّ مِنْهَا فِيهَا عَلَى رِضَا صَاحِبِهِ لِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ لَا يَكُونُ الْحَاكِمُ نِصْفَ حَاكِمٍ انْتَهَى ابْنُ عَرَفَةَ مَنْعُ ابْنِ شَعْبَانَ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِي نَازِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا أَظُنُّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا أَيْ فِي الْجَوَازِ، وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ فِي تَحْكِيمِهِمَا أَبَا مُوسَى وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ انْتَهَى، قَوْلُهُ أَوْ خَاصٍّ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرٍ أَشْعَرَ بِهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ إلَخْ) هَذَا لَا يُخَالِفُ الْمُصَنِّفَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْ وَلَّاهُ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ أَوْ عَدَمِهِ وَلَا جَرَى عُرْفٌ بِذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَوْ جَرَى عُرْفٌ بِذَلِكَ.
(فَائِدَةٌ) لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوصِيَ بِالْقَضَاءِ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمْرًا لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَلِيفَةِ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ
. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْعَزْلِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ بِأَنَّهُ قَضَى بِكَذَا أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ كَذَا لَا تُقْبَلُ لَا قَبْلَ الْعَزْلِ وَلَا بَعْدَهُ وَأَمَّا إخْبَارُهُ فَيُقْبَلُ قَبْلُ لَا بَعْدُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍ بِحَقٍّ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ مَثَلًا وَأَنَّ قَاضِيَ الشَّامِ مَثَلًا حَكَمَ لَهُ بِهِ فَيَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَذْهَبُ الْمُدَّعِي لِقَاضِي الشَّامِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُكَاتِبَ قَاضِيَ مِصْرَ يُخْبِرَهُ بِمَا حَصَلَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَيْ أَوْ جَاءَ قَاضِي الشَّامِ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ فَهَذَا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ عَزْلِ قَاضِي الشَّامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا إذَا جَاءَ الْمُدَّعِي لِقَاضِي الشَّامِ ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يَتَدَاعَيَا عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ طَالِبًا مِنْهُ مَكْتُوبًا لِقَاضِي مِصْرَ بِمَا حَكَمَ بِهِ لَهُ عَلَى فُلَانٍ فَهَذَا يُقْبَلُ قَبْلَ عَزْلِ قَاضِي الشَّامِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا.
لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ تَعَدُّدُ إلَخْ) أَشْعَرَ فَرْضُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ تَعَدُّدِ الْقَاضِي بِمَنْعِ تَعَدُّدِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ تَنَاءَتْ الْأَقْطَارُ جِدًّا لِإِمْكَانِ النِّيَابَةِ وَقِيلَ إلَّا أَنْ لَا تُمْكِنَ النِّيَابَةُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَحْوُهُ لِلْأُصُولِيِّينَ. (أَقُولُ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحَلَّ خِلَافٍ. (قَوْلُهُ: كُلُّ قَاضٍ يَسْتَقِلُّ بِمَمْلَكَةٍ) كَأَنْ يَكُونَ قَاضٍ بِمَمْلَكَةِ مِصْرَ وَقَاضٍ بِمَمْلَكَةِ الشَّامِ وَقَوْلُهُ: أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ الْمَمْلَكَةِ كَأَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ فِي الْقَاهِرَةِ وَوَاحِدٌ فِي رَشِيدٍ مَثَلًا كَمَا هُوَ الْآنَ فَإِنَّك تَجِدُ فِي مَمْلَكَةِ مِصْرَ قُضَاةً كَثِيرِينَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ أَيْ وَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْ يُنَصَّبُ فِي مَمْلَكَةٍ إلَخْ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَقَاضِي الشُّرْطَةِ وَقَاضِي الْمِيَاهِ) الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قُضَاةِ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَامَّةٌ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ لَا تَقْضِي فِي الْأَمْوَالِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي نَازِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ لَيْسَتْ مَعَ الْقُضَاةِ بَلْ مَعَ الْحَكَمِينَ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ تَوْضِيحُ ذَلِكَ.
أَيْ تَعَدُّدُ مُسْتَقِلٍّ عَامٍّ أَوْ خَاصٍّ لَا بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى تَعَدُّدٍ وَلَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مُسْتَقِلٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ فِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ.
(ص) وَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ ثُمَّ مَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ وَإِلَّا أَقُرِعَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْخَصْمَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا التَّنَازُعَ عِنْدَ قَاضٍ وَاخْتَارَ الْآخَرُ التَّنَازُعَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مِنْهُمَا وَالْمُرَادُ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَالْقَوْلُ لِمَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَاهُمَا مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً فَلَوْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِيَّةِ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ الْمُدَّعِي وَحُكْمُ تَنَازُعِهِمَا فِي تَقْدِيمِ مَنْ يَدَّعِي مِنْهُمَا يَجْرِي عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَأَمْرُ مُدَّعٍ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلَامِ وَإِلَّا فَالْجَالِبُ وَإِلَّا أُقْرِعَ، وَعَلَى هَذَا فَمَا يُوجَدُ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَالِادِّعَاءِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا يَأْتِي
(ص) وَتَحْكِيمُ غَيْرِ خَصْمٍ وَجَاهِلٍ وَكَافِرٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ فِي مَالٍ وَجُرْحٍ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَجَازَ تَعَدُّدٌ إلَخْ وَعَطَفَ هَذَا عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْخَصْمَيْنِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يُحَكِّمَا شَخْصًا لَيْسَ مُوَلًّى مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي غَيْرَ خَصْمٍ لِأَحَدِهِمَا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْجِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَوْ عَظُمَ كَقَطْعِ يَدٍ لَا فِي غَيْرِهِمَا كَحَدٍّ كَمَا يَأْتِي فَلَوْ حَكَّمَا خَصْمًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ كَمَا إذَا حَكَّمَا جَاهِلًا أَوْ كَافِرًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَالْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُنَا مَنْ ثَبَتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ خُصُومَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْعَدَاوَةِ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الشَّاهِدِ، وَلَوْ شَاوَرَ الْجَاهِلُ الْعُلَمَاءَ فِيمَا حَكَّمَ فِيهِ وَعَلِمَ الْحُكْمَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ حُكْمَ جَاهِلٍ، وَلَوْ حَكَمَ الْجَاهِلُ أَوْ الْخَصْمُ أَوْ الْكَافِرُ كَانَ الْحُكْمُ مَرْدُودًا وَيَنْبَغِي إذَا قَتَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِذَا أَتْلَفَ شَيْئًا أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لَهُ فَقَوْلُهُ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ مَعْطُوفٌ عَلَى خَصْمٍ أَيْ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ وَهُوَ الْمُمَيِّزُ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الصَّبِيُّ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَفِي صَبِيٍّ إلَخْ وَتَحْكِيمُ مُمَيِّزٍ مِنْ الْبَالِغِينَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَسْتَغْنِ بِغَيْرِ الْأُولَى وَيَكُونُ قَوْلُهُ " مُمَيِّزٍ " مَعْطُوفًا عَلَى غَيْرِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِغَيْرِ لَتُوهِمَ الْعَطْفُ عَلَى خَصْمٍ كَبَقِيَّةِ الْمَعْطُوفَاتِ فَرُفِعَ هَذَا بِإِتْيَانِهِ بِلَفْظِ غَيْرِ
(ص) لَا حَدٍّ وَقَتْلٍ وَلِعَانٍ وَوَلَاءٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إمَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِمَّا لِآدَمِيٍّ فَفِي اللِّعَانِ حَقٌّ لِلْوَلَدِ لِقَطْعِ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَجُوزُ بَقَاءُ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ فِي الْعِصْمَةِ وَلَا رَدُّ الْعَبْدِ فِي الرِّقِّ وَتَرَكَ هُنَا الْمُؤَلِّفُ بَعْضَ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا فِي بَابِ الْحَجْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ فِي الرُّشْدِ وَضِدِّهِ وَأَمْرِ الْغَائِبِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الطَّالِبُ أَيْ أَوْ كَانَ كُلٌّ طَالِبًا. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِمَنْ سَبَقَ رَسُولُهُ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ الَّذِي سَبَقَ رَسُولُهُ أَيْ رَسُولُ الطَّالِبِ أَيْ رَسُولَ الْقَاضِي الَّذِي أَتَى بِهِ الطَّالِبُ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَوْ مَنْ سَبَقَ رَسُولَ الْقَاضِي أَيْ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ الَّذِي سَبَقَ رَسُولَ الْقَاضِي مَعَهُ عَلَى غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَاهُمَا مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً) مِثَالُ الْمُتَّفِقَةِ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا أَنَا لِي عَلَيْك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثَمَنُ سِلْعَةٍ فَيَقُولُ الْآخَرُ مَا صَدَقْت بَلْ أَنَا لِي عَلَيْك تِلْكَ الْعَشَرَةُ ثَمَنُ سِلْعَةٍ وَمِثَالُ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا أَنَا لِي عَلَيْك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ ثَمَنُ سِلْعَةٍ فَيَقُولُ الْآخَرُ بَلْ أَنَا لِي عِنْدَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَدِيعَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِيَّةِ) الْمُرَادُ اسْتَوَيَا فِي الْإِتْيَانِ مَعَ دَعْوَى كُلٍّ أَنَّهُ الطَّالِبُ أَوْ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ كُلًّا طَالِبٌ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ الْمُدَّعِي بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ فَيُحْكَمُ أَنَّهُ الْمُدَّعِي بِكَسْرِ الْعَيْنِ فَيَعْتَبِرُ الْقَاضِي الَّذِي يُرِيدُ الْحُكُومَةَ عِنْدَهُ لَا غَيْرُهُ الَّذِي يُرِيدُ الْحُكُومَةَ عِنْدَهُ خَصْمُهُ.
(تَنْبِيهٌ) : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَابِعٌ لِلْمَازِرِيِّ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ وَنَصُّهُ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ، وَلَوْ فَرَضْنَا الْخَصْمَيْنِ جَمِيعًا طَالِبِينَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْلُبُ صَاحِبَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْقُضَاةِ وَيَطْلُبُ الْآخَرُ حَقَّهُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْتَدِئُ بِالطَّلَبِ وَفِيمَنْ يَذْهَبَانِ إلَيْهِ مِنْ الْقَاضِيَيْنِ أُوجِبَتْ لِلسَّابِقِ مِنْ رَسُولِ الْقَاضِيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِسَبْقِ الطَّالِبِ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى كَلَامُ الْمَازِرِيِّ فَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ بِاعْتِبَارِ آخِرِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ كُلٌّ طَالِبًا لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كُلٌّ طَالِبًا إلَّا مَعَ اخْتِلَافِ الدَّعْوَى وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي دَعْوَى وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ طَالِبًا فَإِذَا طَلَبَ الطَّالِبُ فِي دَعْوَى حَقِّهِ عِنْدَ قَاضٍ فَإِنَّهُ يُجَابُ فَإِذَا فَرَغَتْ الدَّعْوَى وَطَلَبَ الطَّالِبُ قَاضِيًا آخَرَ أُجِيبَ لِذَلِكَ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْتَدِئُ بِالطَّلَبِ وَفِيمَنْ يَذْهَبَانِ إلَيْهِ فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالطَّلَبِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ مَنْ جَاءَ رَسُولُهُ مِنْ الْقُضَاةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرْجِيحٌ بِشَيْءٍ أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا اهـ. ذَكَرَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي تَقْدِيمِ مَنْ يَدَّعِي يَأْتِي غَيْرَ خَصْمٍ لِأَحَدِهِمَا.
. (قَوْلُهُ: وَتَحْكِيمُ غَيْرِ خَصْمٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ قَاضٍ وَلَا يَحْتَاجُ لِشُهُودٍ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ تَنْظِيرُ بَعْضِهِمْ لَهُ بِالْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: غَيْرَ خَصْمٍ لِأَحَدِهِمَا) وَأَمَّا إذَا كَانَ خَصْمًا لَهُمَا فَسَكَتَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُمَا لَا يَطْلُبَانِ تَحْكِيمَهُ وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَحَكَّمَاهُ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَتَحْكِيمُ مُمَيِّزٍ مِنْ الْبَالِغِينَ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ وَصْفَ الْخُصُومَةِ وَالْجَهْلِ وَالْكُفْرِ فِي غَيْرِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يُفِيدُ الْمُغَايَرَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَتَحْكِيمُ بَالِغٍ غَيْرِ خَصْمٍ وَجَاهِلٍ وَكَافِرٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ
. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ النَّسَبُ) أَيْ إذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْأَبِ وَرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الْوَلَدِ فَالْأَبُ يَقُولُ لَيْسَ ابْنِي وَالرَّجُلُ يَقُولُ هُوَ ابْنُك، أَمَّا لَوْ كَانَ التَّنَازُعُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَلَدِ فَالْحَقُّ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْوَلَاءُ) أَيْ إذَا كَانَ السَّيِّدُ يَتَنَازَعُ مِنْ رَجُلٍ فِي الْعَبْدِ الْمَعْتُوقِ أَمَّا لَوْ كَانَ النِّزَاعُ مِنْ السَّيِّدِ مَعَ الْعَبْدِ الْمَعْتُوقِ فَالْحَقُّ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَتَرَكَ هُنَا الْمُؤَلِّفُ بَعْضَ مَسَائِلَ) أَيْ كَالرُّشْدِ وَضِدِّهِ وَالْحَبْسِ الْمُعَقِّبِ
وَالْحَبْسِ الْمُعَقَّبِ إلَخْ الْقُضَاةُ، وَتَرَكَ مِنْ هُنَاكَ بَعْضَ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي كُلِّ مَحَلٍّ مَا نَقَصَهُ مِنْ الْمَحَلِّ الْآخَرِ وَعَبَّرَ هُنَاكَ بِالْقِصَاصِ وَهُنَا قَيَّدَ بِالْقَتْلِ فَيُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا هُنَا.
(ص) وَمَضَى إنْ حَكَمَ صَوَابًا وَأُدِّبَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُحَكَّمَ إذَا حَكَمَ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحْكِيمُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي إنْ كَانَ صَوَابًا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِحَاكِمٍ غَيْرِهِمَا أَنْ يَنْقُضَهُ وَلَكِنْ إذَا اسْتَوْفَى الْحُكْمَ بِالْحَدِّ وَالْقَتْلِ يُؤَدَّبُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَإِلَّا فَلَا يُؤَدَّبُ بَلْ يُزْجَرُ وَلَا يُؤَدَّبُ عَلَى الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ إذَا حَكَمَ بِالْقَتْلِ وَعَفَا عَنْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَدَبٌ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْمَوَّاقِ
(ص) وَفِي صَبِيٍّ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَفَاسِقٍ ثَالِثُهَا إلَّا الصَّبِيَّ وَرَابِعُهَا وَفَاسِقٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ وَالْفَاسِقَ إذَا حَكَمُوا فِي الْمَالِ وَالْجُرْحِ فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا لِأَصْبَغَ وَعَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا لِمُطَّرِفٍ وَالثَّالِثُ الصِّحَّةُ إلَّا فِي تَحْكِيمِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنْ جَازَ وَهُوَ لِأَشْهَبَ، وَالرَّابِعُ الصِّحَّةُ إلَّا فِي تَحْكِيمِ الصَّبِيِّ وَالْفَاسِقِ وَهُوَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَلَك أَنْ تُقَدِّرَ وَفِي جَوَازِ تَحْكِيمِ صَبِيٍّ إلَخْ وَعَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا لَا يَجُوزُ عَدَمُ الصِّحَّةِ قَوْلُهُ، وَفِي صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ إلَخْ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ، وَقَوْلُهُ ثَالِثُهَا بَدَلٌ مَقْطُوعٌ فَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ ثَالِثُهَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ إلَّا تَحْكِيمَ الصَّبِيِّ، وَقَوْلُهُ وَفَاسِقٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ وَرَابِعُهَا إلَّا تَحْكِيمَ صَبِيٍّ وَفَاسِقٍ، فَإِنْ قِيلَ الْمُؤَلِّفُ حَذَفَ حَرْفَ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَوَّلُهَا كَذَا وَثَانِيهَا وَثَالِثُهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَرَابِعُهَا فَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَحْذُوفَ خَالٍ مِنْ حَرْفِ الْعَطْفِ أَيْ أَوَّلُهَا، وَكَذَا ثَانِيهَا كَذَا ثَالِثُهَا كَذَا وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ مَعَ قَوْلِهِ وَرَابِعُهَا بِالْعَطْفِ لِوُجُودِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ
(ص) وَضَرْبُ خَصْمٍ لَدَّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْخَصْمَ إذَا لَدَّ عَنْ إعْطَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَضْرِبَهُ وَأَنْ يَسْجُنَهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ بَلْ يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَحُكْمُ الْأَدَبِ الْوُجُوبُ عَلَى الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَلَدَّ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَاقِبَهُ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ إلْدَادَهُ إيذَاءٌ لَهُ وَإِضْرَارٌ بِهِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكُفَّهُ وَيُعَاقِبَهُ عَلَيْهِ بِمَا يَرَاهُ وَفِي حِفْظِي عَنْ بَعْضِهِمْ إنْ قَالَ لِخَصْمِهِ ظَلَمْتنِي أَوْ غَصَبْتنِي وَنَحْوَهُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي أَوْ تَظْلِمُنِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ يَا ظَالِمُ وَنَحْوَهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أُدِّبَ انْتَهَى، فَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مُطْلَقٌ عَلَيْهِ الْإِذْنُ فِيهِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ أَوْ يُقَالُ الْوَاجِبُ زَجْرُهُ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الضَّرْبِ، وَأَمَّا بِخُصُوصِ الضَّرْبِ فَحُكْمُهُ الْجَوَازُ إذْ الضَّرْبُ أَمْرُهُ سَدِيدٌ
(ص) وَعَزْلُهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلَمْ يَنْبَغِ إنْ شُهِرَ عَدْلًا لَا بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ، وَلْيَبْرَأْ عَنْ غَيْرِ سَخَطٍ (ش) عَزْلُهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ هُوَ الْأَمِيرُ أَوْ الْخَلِيفَةُ أَيْ وَجَازَ عَزْلُ الْأَمِيرِ أَوْ الْخَلِيفَةِ الْقَاضِيَ
لِمَصْلَحَةٍ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَرَحَهُ كَكَوْنِ غَيْرِهِ أَفْضَلَ أَوْ أَصْبَرَ وَأَجْلَدَ مِنْهُ فَلَوْ عَزَلَهُ لَا
لِمَصْلَحَةٍ
فَالنَّقْلُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ وَعَزْلُ مَنْ فِي بَقَائِهِ مَفْسَدَةٌ وَاجِبٌ وَمَنْ يُخْشَى مَفْسَدَتُهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلِذَا قَالَ بَعْضٌ الْجَوَازُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ الْمَشْهُورَ بِالْعَدَالَةِ بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ حَتَّى تَكْثُرَ فِيهِ الشَّكَاوَى وَتَتَظَافَرَ فَحِينَئِذٍ يَعْزِلُهُ وَإِذَا عَزَلَهُ فَإِنَّهُ يُوقِفُهُ لِلنَّاسِ لِيَرْفَعَ مَنْ يَرْفَعُ وَيَخْفِضَ مَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَتَرَكَ مِنْ هُنَاكَ بَعْضَ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا هُنَا) أَيْ وَهِيَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَاللِّعَانُ. (قَوْلُهُ: فَيُقَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا هُنَا) أَيْ فَيُرَادُ بِالْقِصَاصِ فِيمَا تَقَدَّمَ الْقَتْلُ فَقَطْ فِي شَرْحِ عب وَمُقْتَضَى نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ إبْقَاءُ مَا فِي الْحَجْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَقِصَاصٌ عَلَى شُمُولِهِ لِلْقَتْلِ وَغَيْرِهِ وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا لَا مَا قَالَهُ عب لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي مَالٍ وَجَرْحٍ
. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ إلَخْ) أَيْ فَالتَّأْدِيبُ لَيْسَ عَامًّا بَلْ قَاصِرٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَدِّ وَالْقَتْلِ.
. (قَوْلُهُ: إذَا حَكَمُوا فِي الْمَالِ وَالْجَرْحِ) هِيَ جَارِيَةٌ فِيمَا يُحْكَمُ بِهِ ابْتِدَاءً وَفِيمَا يَمْضِي حُكْمُهُ فِيهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْمَالِ وَالْجَرْحِ. (قَوْلُهُ: بَدَلٌ مَقْطُوعٌ) لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ بَدَلًا ثُمَّ قُطِعَ فَلَوْ جُعِلَ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَوَابًا لِمُقَدَّرٍ لَكَانَ أَظْهَرَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا (قَوْلُهُ: عَلَى مُقَدَّرٍ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: صَبِيٌّ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا تَحْكِيمَ صَبِيٍّ وَلَا مَانِعَ مَنْ نَصْبِهِ وَالتَّقْدِيرُ إلَّا الصَّبِيَّ وَفَاسِقًا وَيَصِحُّ رَفْعُهُ وَتَقْدِيرُهُ، وَرَابِعُهَا هُوَ وَفَاسِقٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) هَذَا سُؤَالٌ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَثَالِثُهَا بَدَلٌ، وَقَوْلُهُ: وَبَيَانُهُ إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْذُوفَ خَالٍ عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ أَيْ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ مَحْذُوفٌ
. (قَوْلُهُ: وَضَرْبُ خَصْمٍ لَدَّ) بِيَدِهِ أَوْ يَدِ أَعْوَانِهِ بِاجْتِهَادٍ فِي قَدْرِهِ وَكَذَا يُؤَدَّبُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الشَّرْعِ إنْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الرَّسُولِ وَإِلَّا فَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ شب وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ. (قَوْلُهُ: فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ) أَيْ فِي ذِكْرِهِ سَمَاعَ ابْنِ الْقَاسِمِ. (قَوْلُهُ: وَفِي حِفْظِي إلَخْ) هَذَا كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. (قَوْلُهُ: أُدِّبَ) أَيْ فَفَرْقٌ بَيْنَ ظَالِمٍ وَتَظْلِمُنِي؛ لِأَنَّ لَفْظَ ظَالِمٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ الظُّلْمَ صِفَتُهُ وَطَبِيعَتُهُ بِخِلَافِ يَظْلِمُنِي فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ حُدُوثَ ذَلِكَ فَقَطْ وَقَوْلُهُ: انْتَهَى أَيْ كَلَامُ الْمَوَّاقِ كَمَا يُعْلَمُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْإِذْنُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَاكِمٌ بِالْجَوَازِ وَذَلِكَ أَنَّ ضَرْبٌ مَرْفُوعًا مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ جَازَ. (قَوْلُهُ: فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ) الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِهِ أَنْ يَقُولَ أَرَادَ بِالْإِذْنِ الْوُجُوبَ مَا لَا يَشْمَلُ الْوُجُوبَ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُقَالُ الْوَاجِبُ إلَخْ) هَذَا أَحْسَنُ.
. (قَوْلُهُ: عَدْلًا) خَبَرٌ لِكَوْنِ الْمُقَدَّرِ وَالتَّقْدِيرُ إنْ شُهِرَ كَوْنُهُ عَدْلًا وَقِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ أَوْ نَائِبِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَجْلَدَ) عَطْفُ مُرَادِفٍ. (قَوْلُهُ: بَلْ حَتَّى تَكْثُرَ فِيهِ الشَّكَاوَى إلَخْ) أَقُولُ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ. (قَوْلُهُ: وَتَتَظَافَرُ) أَيْ تَتَقَوَّى. (قَوْلُهُ: لِيَرْفَعَ مَنْ يَرْفَعَ) أَيْ لِيَرْفَعَهُ إنْ كَانَ مَا فِيهِ كَذِبٌ
يَخْفِضُ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ لَمْ يُمْنَعْ الْعَزْلَ إنْ شُهِرَ بِالْعَدَالَةِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِيَّةِ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْهُ وَيَنْظُرَ فِي أُمُورِهِ فَالتَّجَرُّدُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْكَشْفِ وَالنَّظَرِ، وَالْمُرَادُ بِالشَّكِيَّةِ الشَّكْوَى وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا تَعَدَّدَتْ الشَّكْوَى
وَمَفْهُومُ شُهِرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْتَهَرْ بِالْعَدَالَةِ لَانْبَغَى عَزْلُهُ بِمُجَرَّدِ الشَّكْوَى مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ وُجِدَ بَدَلًا كَمَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَالْأَصْلُ فِي يَنْبَغِي الِاسْتِحْبَابُ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوُجُوبِ أَيْ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْزَلَ إنْ شُهِرَ عَدْلًا بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ وَإِذَا عَزَلَ الْخَلِيفَةُ الْقَاضِيَ الَّذِي أَقَامَهُ عَلَى مَمْلَكَتِهِ أَوْ عَلَى بَعْضِهَا لِمَصْلَحَةٍ فَإِنَّهُ يُبْرِئُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ مَظِنَّةُ تَطَرُّقِ الْكَلَامِ فِي الْمَعْزُولِ وَكَوْنُهُ لِمَصْلَحَةٍ قَدْ يَخْفَى عَلَى النَّاسِ وَقَدْ عَزَلَ عُمَرُ رضي الله عنه شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعَنْ سَخَطٍ عَزَلْتنِي فَقَالَ لَا وَلَكِنَّنِي وَجَدْت مَنْ هُوَ مِثْلُك فِي الصَّلَاحِ وَأَقْوَى عَلَى عَمَلِي فَلَمْ أَرَ مَنْ يَجِدُّ بِي إلَّا ذَلِكَ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ عَزْلَك عَيْبٌ فَأَخْبِرْ النَّاسَ بِعُذْرِي فَفَعَلَ عُمَرُ. أَمَّا إنْ عَزَلَهُ لِسَخَطٍ فَإِنَّهُ يُظْهِرُ عَيْبَهُ لِلنَّاسِ لِئَلَّا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلْيُبَرَّأْ أَيْ وُجُوبًا إذْ هُوَ حَقٌّ لِلْمَعْزُولِ، وَقَوْلُهُ عَنْ غَيْرِ سَخَطٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ أَيْ وَيُبَيِّنُ إنْ عَزَلَهُ عَنْ غَيْرِ سَخَطٍ.
(ص) وَخَفِيفُ تَعْزِيرٍ بِمَسْجِدٍ لِأَحَدٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَزِّرَ بَعْضَ الْأَخْصَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَيَضْرِبَهُ كَعَشَرَةِ أَسْوَاطٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ السَّلَامَةِ مِمَّا يُخْشَى عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْهُ بِخِلَافِ شَدِيدِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْهُ كَدَمٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى أَحَدٍ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا مَرَّ (ص) وَجَلَسَ بِهِ بِغَيْرِ عِيدٍ وَقُدُومِ حَاجٍّ وَخُرُوجِهِ وَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَالْأَمْرِ الْقَدِيمِ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْجُلُوسَ لِلْقَضَاءِ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ لِيَصِلَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْحَائِضُ وَالضَّعِيفُ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ» ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ الْعَدْلِ كَوْنُ مَنْزِلِ الْقَاضِي فِي وَسَطِ مِصْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ الْقَاضِي أَيَّامَ النَّحْرِ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ
ــ
[حاشية العدوي]
وَيَخْفِضَهُ إنْ كَانَ مَا قِيلَ فِيهِ صِدْقٌ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْمُحَقِّقِينَ ثُمَّ أَقُولُ قَوْلُهُ: لِيَرْفَعَ إلَخْ يُحْتَمَلُ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَتَكُونُ مَنْ وَاقِعَةً عَلَى الْقَاضِي الْمَعْزُولِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ فَتَكُونُ مَنْ وَاقِعَةً عَلَى الرَّافِعِينَ مِنْ النَّاسِ.
(قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مُغَايِرَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُفِيدُ قُوَّتَهَا فَتَكُونُ هِيَ الْمُعَوَّلَ ثُمَّ وَجَدْت عِنْدِي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا مَا يُفِيدُهُ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ) بَيَانٌ لِمُجَرَّدِ الشَّكْوَى. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي يَنْبَغِي الِاسْتِحْبَابُ) فَالْمَعْنَى وَلَا يُسْتَحَبُّ الْعَزْلُ بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ وَعَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ يَتَحَقَّقُ فِي الْكَرَاهَةِ فَالْمَعْنَى وَيُكْرَهُ الْعَزْلُ بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوُجُوبِ) أَيْ حَمْلٌ لَمْ يَنْبَغِ الْعَزْلُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ حَمْلٌ يَنْبَغِي كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ وَالْمَعْنَى يَجِبُ عَدَمُ الْعَزْلِ وَالْمُنَاسِبُ لِلنَّفْيِ أَنْ يَقُولَ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ أَيْ يَحْرُمُ الْعَزْلُ بِمُجَرَّدِ شَكِيَّةٍ وَهُوَ يَرْجِعُ فِي الْمَعْنَى لِوُجُوبِ عَدَمِ الْعَزْلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُبْرِئُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَيْ مِنْ مُقْتَضَى الْعَزْلِ أَيْ الْمُقْتَضَى الَّذِي يَشِينُ وَيُوجِبُ الْعَزْلَ. (قَوْلُهُ: شُرَحْبِيلُ) بِضَمِّ الشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: حَسَنَةٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ أَرَ مَنْ يَجِدُّ بِي إلَّا ذَلِكَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنْ جَدَّ أَيْ يُعِينُنِي وَيَجْتَهِدُ مَعِي إلَّا ذَاكَ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِتَرْكِ التَّشْدِيدِ، وَالْأَصْلُ مَنْ يُوجَدُ بِي مَنْ وَجَدَ بِهِ حَزِنَ عَلَيْهِ أَوْ رَقَّ عَلَيْهِ أَيْ فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَرِقُّ عَلَيَّ أَوْ يَحْزَنُ عَلَيَّ إلَّا ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدُ) إذْ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ لَوْ صَارَ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ. (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ) وَهُوَ عَزْلُهُ أَيْ أَنَّ الْعَزْلَ عَنْ غَيْرِ سَخَطٍ بَيَّنَهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّبْيِينَ هُوَ عَيْنُ التَّبْرِئَةِ
. (قَوْلُهُ: وَخَفِيفُ تَعْزِيرٍ) هُوَ مَا دُونَ الْحَدِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْهُ) وَهُوَ حِينَئِذٍ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ كَمَا قِيلَ فِي الْحَدِّ إذْ قَدْ ذُكِرَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يُحْتَمَلُ الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ انْتَهَى لَكِنْ قَوْلُ شَارِحِنَا وَلَا يَجُوزُ إلَخْ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْحُرْمَةُ بَلْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِحُرْمَةِ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ كَانَ يُقَامُ فِيهِ الْحَدُّ وَيُعَزَّرُ فِيهِ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ. (أَقُولُ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَوْ ظَنَّ حُصُولَ كَدَمٍ حَرُمَ وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ. (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ الْقَدِيمُ) هُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ إلَخْ) أَيْ فَالْجُلُوسُ بِالْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام جَنِّبُوا إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْوُجُوبُ فَإِنْ قُلْت كَوْنُهُ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ يَقْضِي بِأَنَّ مَالِكًا خَرَجَ عَنْ رَأْيِ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الصَّحْبِ وَالتَّابِعِينَ وَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَسْرَعُ امْتِثَالًا لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنَّ الصَّحْبَ وَالتَّابِعِينَ يُخَالِفُونَ فِعْلَهُ عليه الصلاة والسلام قُلْت يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ فِي سَابِقِ الزَّمَنِ لَمْ تَحْصُلْ خُصُومَاتٌ تُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى الرِّحَابِ فَلَمَّا جَاءَ زَمَنُ مَالِكٍ حَصَلَ فِي الْخُصُومَاتِ مَا يُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْجُلُوسِ فِي الرِّحَابِ فَاسْتُحِبَّ الْجُلُوسُ فِي الرِّحَابِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام جَنِّبُوا نَاظِرًا فِيهِ لِمُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ.
(أَقُولُ) وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْكَثِيرَةِ الشَّرِّ يَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ فَلِمَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الْمَطْلُوبُ الْجُلُوسُ فِي الرِّحَابِ وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] وَبِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام حَكَمَ فِيهِ وَلَكِنْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْجُلُوسُ بِرِحَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ الْقَاضِي أَيَّامَ النَّحْرِ إلَخْ) أَيْ
سَفَرِ الْحَاجِّ وَقُدُومِهِ وَفِي كَثْرَةِ الْوَحْلِ وَالْمَطَرِ؛ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِالنَّاسِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فَقَوْلُهُ وَمَطَرٍ أَيْ وَكَثْرَةِ مَطَرٍ فَقَوْلُهُ بِغَيْرِ عِيدٍ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِجَلَسَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَيْدِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِهِ أَيْ أَنَّ جُلُوسَهُ فِي الْعِيدِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ، وَأَمَّا مِصْرُ وَنَحْوُهَا فَيَنْبَغِي الْجُلُوسُ أَيَّامَ خُرُوجِ الْحَاجِّ وَقُدُومِهِ وَسَفَرِ الْقَوَافِلِ لِلشَّامِ وَغَيْرِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَكْرِيَاءِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَإِذَا غَفَلَ عَنْهُمْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ هَرَبُوا
(ص) وَاِتِّخَاذُ حَاجِبٍ وَبَوَّابٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا يَمْنَعُ مَنْ لَا حَاجَةَ عِنْدَهُ وَبَوَّابًا بِالْبَابِ ثِقَةً عَدْلًا
(ص) وَبَدَأَ بِمَحْبُوسٍ ثُمَّ وَصِيٍّ وَمَالِ طِفْلٍ وَمَقَامٍ ثُمَّ ضَالٍّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ جُلُوسِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَحْبُوسِينَ فَيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ فَمَنْ اسْتَحَقَّ الْإِفْرَاجَ أَفْرَجَ عَنْهُ وَمَنْ لَا أَبْقَاهُ، وَهَذَا بَعْدَ النَّظَرِ فِي الْكَشْفِ عَنْ الشُّهُودِ الْمُوَثِّقِينَ فَيَفْحَصُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ فَيُثْبِتُ مَنْ كَانَ عَدْلًا وَيُسْقِطُ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ كُلِّهِ عَلَى الشُّهُودِ ثُمَّ بَعْدَ النَّظَرِ فِي الْمَحْبُوسِ يَنْظُرُ فِي الْأَوْصِيَاءِ مَعَ الْأَيْتَامِ الَّذِينَ تَحْتَ حِجْرِهِمْ فَإِنَّ الْيَتِيمَ عَاجِزٌ عَنْ رَفْعِ أَمْرِهِ إلَى الْقَاضِي وَفِي مَالِ الْأَطْفَالِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ فِي مَالِ طِفْلٍ مَعَ وَصِيِّهِ أَوْ مُقَامٍ عَلَيْهِ الْأَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهُ لِعُمُومِ النَّظَرِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي أَمْرِ الْمُقَامِ الَّذِي أَقَامَهُ الْقَاضِي الَّذِي قَبْلَهُ مَعَ يَتِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ مُطَالَبَةٌ عَلَى الْمُقَامِ فَيَعْجِزُ وَلَا يَعْرِفُ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ بَعْدَ النَّظَرِ فِيمَا مَرَّ يَنْظُرُ فِي اللُّقَطَةِ وَالضَّوَالِّ وَفِي تت وَبَدَأَ أَوَّلَ وِلَايَتِهِ اسْتِحْبَابًا بِمَحْبُوسٍ خِلَافًا لِلدَّمِيرِيِّ
(ص) وَنَادَى بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ يَتِيمٍ وَسَفِيهٍ وَرَفَعَ أَمْرَهُمَا ثَمَّ فِي الْخُصُومِ (ش) قَالَ أَصْبَغُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا قَعَدَ أَنْ يَأْمُرَ بِالنِّدَاءِ فِي النَّاسِ أَنَّ كُلَّ يَتِيمٍ لَمْ يَبْلُغْ لَا وَصِيَّ لَهُ وَلَا وَكِيلَ لَهُ فَقَدْ حَجَرْت عَلَيْهِ وَكُلَّ سَفِيهٍ مُسْتَوْجِبٍ لِلْوِلَايَةِ فَقَدْ مَنَعْت النَّاسَ مِنْ مُدَايَنَتِهِ وَمُتَاجَرَتِهِ وَمَنْ عَلِمَ مَكَانَ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلْيَرْفَعْهُ إلَيْنَا لِنُوَلِّيَ عَنْهُ فَمَنْ دَايَنَهُ بَعْدُ أَوْ بَاعَ مِنْهُ أَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ انْتَهَى ثُمَّ بَعْدَ مَا مَرَّ يَنْظُرُ بَيْنَ الْخُصُومِ مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَمُسَاوَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَلْيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.
(ص) وَرَتَّبَ كَاتِبًا عَدْلًا شَرْطًا كَمُزَكٍّ وَاخْتَارَهُمَا وَالْمُتَرْجِمُ مُخَيَّرٌ كَالْمُحَلِّفِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يُرَتِّبُ لَهُ كَاتِبًا عَدْلًا يَضْبِطُ الْوَقَائِعَ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْدَلِ
ــ
[حاشية العدوي]
لَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ عَدَمُ الْجُلُوسِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا
. (قَوْلُهُ: وَبَوَّابٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْحَاجِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَالْبَوَّابُ الَّذِي يَقِفُ خَارِجَ بَابِ الدَّارِ فَلَا يُدْخِلُ إلَّا مَنْ لَهُ حَاجَةٌ، وَالْحَاجِبُ هُوَ الَّذِي يَقِفُ عَلَى بَابِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَعَدَّهُ الْقَاضِي لِلْجُلُوسِ فِيهِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَدْخُلَ وَاحِدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَوَّابِ أَوْ يَكُونَ بِإِذْنِهِ لِكَوْنِهِ لَهُ حَاجَةٌ، وَيَكُونُ الدُّخُولُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي الْقَاضِي فِيهِ عَلَى التَّدْرِيجِ بِحَيْثُ إنَّ أَصْحَابَ الدَّعَاوَى لَا يَدْخُلُونَ دُفْعَةً بَلْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْمَشْهُورُ أَنَّ اسْمَهُ عُثْمَانُ وَكَانَ أَبُوهُ حَاجِبَ الْأَمِيرِ بِقُوصَ.
(قَوْلُهُ: ثِقَةً عَدْلًا) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَكُونُ الْحَاجِبُ وَالْبَوَّابُ ثِقَةً عَدْلًا وَيُنْهَى عَنْ اتِّخَاذِهِ مَنْ يَحْجُبُ النَّاسَ وَقْتَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ
. (قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ جُلُوسِهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ وِلَايَتِهِ. (قَوْلُهُ: الْمُوَثِّقِينَ) أَيْ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْوَثَائِقَ أَوْ يَحْضُرُونَ كَتْبَ الْوَثَائِقِ أَيْ الشُّهُودِ الْمُلَازِمِينَ لِلْقَاضِي الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الدَّعْوَى وَتُوضَعُ شَهَادَتُهُمْ فِي الْوَثَائِقِ. (قَوْلُهُ: وَفِي مَالِ الْأَطْفَالِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ وَمَالِ طِفْلٍ عَلَى مَا هُوَ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الطِّفْلِ مُهْمَلًا أَوْ ذَا وَصِيٍّ أَوْ ذَا مَقَامٍ وَقَوْلُهُ: الْأَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهُ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ لَكِنْ أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَالِ طِفْلٍ أَخَصَّ مِمَّا قَبْلَهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَصِيٌّ أَيْ وَأَخَصُّ مِمَّا بَعْدَهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَمَقَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَوْلَهُ وَصِيٍّ وَمُقَامٍ صَادِقٍ بِالنَّظَرِ لِمَالِ الطِّفْلِ وَحَالَةِ الْقِيَامِ بِشَأْنِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُمُومٌ مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ لِلْمُهْمَلِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَفِي أَمْرِ الْمُقَامِ هَذَا حَلٌّ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مُقَامٍ، قَوْلُهُ (يُنْظَرُ فِي اللُّقَطَةِ وَالضَّوَالِّ) أَرَادَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَضَالٍّ قَاصِرٍ إذْ كَمَا يَنْظُرُ فِي الضَّوَالِّ فِي اللُّقَطَةِ وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالضَّالِّ مَا يَشْمَلُ اللُّقَطَةَ أَيْ أَنَّ اللُّقَطَةَ وَالضَّوَالَّ الْمَوْضُوعَةَ فِي حَوْزِ بَيْتِ الْمَالِ يُنْظَرُ فِي شَأْنِهَا هَلْ أَتَى لَهَا طَالِبٌ أَوْ لَا فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ مِنْ إبْقَاءٍ أَوْ صَرْفٍ فِيمَا يَصْرِفُ فِيهِ بَيْتُ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلدَّمِيرِيِّ) تِلْمِيذِ النَّاصِرِ شَارِحِ خَلِيلٍ أَيْ حَيْثُ جَعَلَهُ وَاجِبًا وَهُوَ الَّذِي حَلَّ بِهِ شَارِحُنَا أَوَّلًا
. (قَوْلُهُ: وَنَادَى) أَيْ أَمَرَ أَنْ يُنَادِيَ إلَخْ وَرُتْبَةُ الْمُنَادَاةِ فِي رُتْبَةِ النَّظَرِ فِي أَمْرِهِمَا فَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ النَّظَرِ فِي الْمَحْبُوسِينَ كَمَا تُفِيدُهُ التَّبْصِرَةُ خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْبِسَاطِيِّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ وَالْمُنَادَاةُ الْمَذْكُورَةُ مَنْدُوبَةٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّارِحِ وتت وَلَازِمَةٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ التَّبْصِرَةِ ثُمَّ نِدَاؤُهُ يَمْنَعُ مُعَامَلَةَ السَّفِيهِ الْمُهْمَلِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَفْعَالِهِ لَا عَلَى رَدِّهَا إذْ لَا فَائِدَةَ لِلْمُنَادَاةِ حِينَئِذٍ قَالَ فِي ك وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُنَادِي بِمَنْعِ مُعَامَلَةِ الْيَتِيمِ وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ. (قَوْلُهُ: وَرَفْعِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْعِ. (قَوْلُهُ: ثَمَّ فِي الْخُصُومِ) أَيْ أَنَّ مَرْتَبَةَ ذَلِكَ مُتَأَخِّرَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسَافِرُونَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ. (قَوْلُهُ: قَالَ أَصْبَغُ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ أَصْبَغَ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُنَادَاةَ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَجْرِ عَلَيْهِمَا انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَلَا وَكِيلَ) أَرَادَ بِهِ الْمُقَدَّمَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي
. (قَوْلُهُ: وَرَتَّبَ كَاتِبًا) أَيْ وُجُوبًا عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَنَدْبًا عَلَى مَا فِي الْحَطَّابِ. (قَوْلُهُ: شَرْطًا) حَالٌ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْعَدَالَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ عَدْلًا شَرْطًا. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُمَا) أَيْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَأَمَّلَ بِحَيْثُ يَأْخُذُ الْخِيَارَ مِنْ النَّاسِ وَيَجْعَلُهُ كَاتِبًا وَمُزَكِّيًا
الْمُوجِدِينَ مَرْضِيًّا عِنْدَ النَّاسِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَرْضِيًّا وَيَخْتَارُ الْقَاضِي الْمُزَكِّيَ وَالْكَاتِبَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا مِنْ أَعْدَلِ الْمَوْجُودِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي هُنَا هُوَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا لِلْقَاضِي يُخْبِرُهُ عَنْ الشُّهُودِ فِي مَسَاكِنِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا مُزَكِّي الْبَيِّنَةِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ وَبِعِبَارَةٍ فَإِنْ قُلْت إنْ أَرَادَ مُزَكِّيَ السِّرِّ فَقَدْ مَرَّ وَإِنْ أَرَادَ مُزَكِّيَ الْعَلَانِيَةِ فَسَيَأْتِي فَمَا فَائِدَةُ هَذَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُزَكِّي السِّرِّ وَذَكَرَهُ هُنَا لِشَيْءٍ غَيْرِ مَا مَرَّ وَهُوَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ عَدْلًا أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ هُنَا اتِّخَاذُ شَخْصٍ يُخْبِرُهُ بِأَحْوَالِ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ مِنْ شُهُودٍ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ الْمُتَّخَذُ لِيُخْبِرَهُ بِمَا يُقَالُ فِي شُهُودِهِ فَتِلْكَ خَاصَّةٌ وَهَذِهِ عَامَّةٌ، وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت وَالْمُتَرْجِمُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَجَمِيَّةَ مَثَلًا مُخْبِرٌ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ وَكَذَلِكَ الْمُحَلِّفُ لِلْغَيْرِ عَنْ الْقَاضِي سَمِعَ الْقَرِينَانِ أَشْهَبَ وَابْنَ نَافِعٍ إنْ احْتَكَمَ لِلْقَاضِي خُصُومٌ يَتَكَلَّمُونَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَفْقَهُ كَلَامَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُمْ رَجُلٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مُسْلِمٌ وَاثْنَانِ أَحَبُّ إلَيَّ وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ وَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمَسْخُوطِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْجَمَةِ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ إلَخْ
(ص) وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ أَوْ شَاوَرَهُمْ وَشُهُودًا (ش) ابْنُ الْمَوَّازِ الْأَحَبُّ أَنْ لَا يَقْضِيَ إلَّا بِحَضْرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ لِفِعْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا جَلَسَ أَحْضَرَ أَرْبَعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ فَإِذَا رَأَوْا مَا رَآهُ أَمْضَاهُ وَمَنَعَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، قَالَا وَلَكِنْ إنْ ارْتَفَعَ عَنْ مَجْلِسِهِ شَاوَرَهُمْ كَفِعْلِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا يَجْلِسُ لِلْقَضَاءِ إلَّا بِحَضْرَةِ شُهُودٍ وَعُدُولٍ يَحْفَظُونَ إقْرَارَ الْخَصْمِ خَوْفَ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ إحْضَارَ الشُّهُودِ مُسْتَحَبٌّ لِعَطْفِهِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ، وَهُوَ الْعُلَمَاءُ مِنْ قَوْلِهِ أَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: مَرْضِيًّا عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْخُلُقِ ذَا سَمْتٍ حَسَنٍ هَكَذَا كَتَبْت ثُمَّ وَجَدْت فِي شَرْحِ شب أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ مَرْضِيًّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَعْدَلِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا يُضَيِّعُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَاخْتَارَهُمَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعُدُولِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْدَلَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَاخْتَارَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ كَمُزَكٍّ. (قَوْلُهُ: يُخْبِرُهُ عَنْ الشُّهُودِ فِي مَسَاكِنِهِمْ) أَيْ الَّذِينَ أَعَدَّهُمْ بِجُلُوسٍ عِنْدَهُ يَشْهَدُونَ عَلَى إقْرَارِ الْخُصُومِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي وَمَا يَأْتِي مُزَكٍّ لِشُهُودٍ غَيْرِ خَاصِّينَ بَلْ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا مُزَكِّي الْبَيِّنَةِ أَيْ الَّتِي تَشْهَدُ بِالْحُقُوقِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاِتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِمَا يُقَالُ فِي سِيرَتِهِ وَحُكْمِهِ وَشُهُودِهِ. (قَوْلُهُ: فَسَيَأْتِي) أَيْ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِ. (قَوْلُهُ: فَالْجَوَابُ) أَجَابَ بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلُ جَوَابٌ بِالتَّسْلِيمِ، وَالثَّانِي جَوَابٌ بِالْمَنْعِ فَالْمُزَكِّي هُنَا أَرَادَ بِهِ مُزَكِّيَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَتَكُونُ الْأَشْخَاصُ ثَلَاثَةً مُزَكِّي السِّرِّ فَقَطْ وَمُزَكِّي الْعَلَانِيَةِ فَقَطْ وَمُزَكِّيهِمَا مَعًا. (قَوْلُهُ: مُزَكِّي السِّرِّ) أَيْ الَّذِي يُزَكِّي الشُّهُودَ الْمُلَازِمِينَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ) عِبَارَةُ ابْنِ غَازِيٍّ قَوْلُهُ: كَمُزَكٍّ أَيْ فِي كَوْنِهِ عَدْلًا رِضًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الرِّسَالَةِ وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ إلَّا مَنْ يَقُولُ عَدْلٌ رِضًا أَيْ يَجْمَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ يَدُلُّك عَلَى أَنَّ شَرْطًا تَصْحِيفُ مَرْضِيًّا. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِيمَا يَقُولُ الْمُزَكِّي فِي شَأْنِ الشَّاهِدِ مِنْ كَوْنِهِ يَقُولُ هُوَ عَدْلٌ رِضًا. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَرْجِمُ مُخْبِرٌ) إمَّا مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ وَأَنَّ الْمُتَرْجِمَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي اخْتَارَهُمَا وَقَوْلُهُ: مُخْبِرٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ مُخْبِرٌ. (قَوْلُهُ: مُخْبِرٌ) أَيْ لَا شَاهِدٌ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِ. (قَوْلُهُ: أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ) بَدَلٌ مِنْ الْقَرِينَانِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَسْخُوطُ) أَرَادَ بِهِ الْفَاسِقَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ انْتَقَلَتْ صُورَتُهُ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى بِأَنْ مُسِخَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُتَرْجِمِ وَالْمُحَلِّفِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُحَلِّفَ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْقَاضِي لِلتَّحْلِيفِ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَانْظُرْ هَلْ يَكْفِي عِنْدَ مُرْسِلِهِ وَغَيْرِهِ أَوْ عِنْدَ مُرْسِلِهِ فَقَطْ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَالَهُ عج.
. (قَوْلُهُ: ابْنُ الْمَوَّازِ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّ أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ أَيْ وَشَاوَرَهُمْ وَلَا مَعْنَى لِلْحُضُورِ إلَّا مُشَاوَرَتُهُمْ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِقَوْلِ أَشْهَبَ وَقَوْلُهُ: أَوْ شَاوَرَهُمْ إشَارَةٌ لِحِكَايَةِ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهَذَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَوْ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ فَتَكُونُ إشَارَةً إلَى قَوْلِ أَشْهَبَ خَاصَّةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مِنْ لَازِمِ الْحُضُورِ الْمُشَاوَرَةُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِحْضَارِ، وَتَرَكَ قَوْلَ مُطَرِّفٍ ثُمَّ إنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ حَيْثُ كَانَ فَكُرِهَ فِي حُضُورِهِمْ وَعَدَمِهِ سَوَاءً فَإِنْ كَانَ فَكُرِهَ فِي حُضُورِهِمْ لَا غَيْرُ وَجَبَ حُضُورُهُمْ وَإِنْ كَانَ فَكُرِهَ فِي عَدَمِهِ مُنِعَ ثُمَّ إنَّ مِثْلَ الْأَوَّلِ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ صِفَةُ الْقَضَاءِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ قَاضٍ شَرْعًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: لِعَطْفِهِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لِعَطْفِهِ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَحْضَرَ الْعُلَمَاءَ وَأَرَادَ بِالْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ظَهَرَ لَهُ لِيَظْهَرَ لَهُ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ مِثْلُ مَا ظَهَرَ لَهُمْ لَا تَقْلِيدًا لَهُمْ إذْ الْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ وَمِنْ مُقَلَّدِي مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا إلَّا أَنَّ الزَّرْقَانِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَطْلُوبًا بِذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَحْضُرْهُ فِي الْوَاقِعَةِ شَيْءٌ.
(أَقُولُ) وَالظَّاهِرُ إحْضَارُهُمَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَكُونَ أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ بَلْ لِلتَّخْيِيرِ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إحْضَارُ الشُّهُودِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْعُلَمَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّوْضِيحِ فَالْعَطْفُ الْمَذْكُورُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ وَإِنَّمَا جَرَّدَ الشُّهُودَ مِنْ أَلْ خَشْيَةَ تَوَهُّمِ عَطْفِهِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي قَوْلِهِ أَوْ شَاوَرَهُمْ.
(ص) وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِ بِمَجْلِسِ قَضَائِهِ كَسَلَفٍ وَقِرَاضٍ وَإِبْضَاعٍ وَحُضُورِ وَلِيمَةٍ إلَّا النِّكَاحَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُفْتِي فِي الْخُصُومَاتِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا عَرَفَ مَذْهَبَ الْقَاضِي تَحَيَّلَ إلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُسْتَفْهِمًا فَلْيُجِبْهُ، وَلِهَذَا جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْضُرَ مَجَالِسَ الْعِلْمِ فَيُعَلِّمُ وَيَتَعَلَّمُ وَالْمُرَادُ بِالْخُصُومَاتِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِالْفِعْلِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُفْتِي فِيمَا يَدْخُلُهُ الْخِصَامُ وَيُفْهَمُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّهْيَ مَحَلُّهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَذْهَبِهِ إلَّا مِنْ إفْتَائِهِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ لَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ خَوْفَ الْمُحَابَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا خَفِيفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تِجَارَةُ الْوُلَاةِ لَهُمْ مُفْسِدَةٌ وَلِلرَّعِيَّةِ مُهْلِكَةٌ، وَأَمَّا شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ فَجَائِزٌ وَذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ كَرَاهَتَهُ وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُودَهُ فِي الْمَذْهَبِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ شَغْلُ الْبَالِ وَحْدَهُ أَوْ هُوَ مَعَ الْمُحَابَاةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ خَشْيَةَ الْمُحَابَاةِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُسَلِّفَ وَلَا يَتَسَلَّفَ وَلَا يَدْفَعَ قِرَاضًا لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ وَلَا يُبْضِعُ بِضَاعَةً مَعَ غَيْرِهِ لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا سِلْعَةً مَثَلًا خَوْفَ الْمُحَابَاةِ وَلَا يَسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِأَمْوَالِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ
قَالَ الْأَخَوَانِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنْ طَلَبِ الْحَوَائِجِ وَالْعَوَارِيّ مِنْ الْمَاعُونِ وَالدَّوَابِّ لِرُكُوبِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ السَّلَفِ أَوْ أَنْ يُقَارِضَ أَحَدًا أَوْ يُبْضِعَ مَعَ أَحَدٍ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ وَلِيمَةً إذَا دُعِيَ إلَّا وَلِيمَةَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ عَيَّنَ إنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَتَأَذَّى مِنْهُ إلَخْ، وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالْوَلِيمَةِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ الَّذِي يُجْتَمَعُ لَهُ وَإِلَّا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ ضَائِعًا؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: بَلْ إحْضَارُ الشُّهُودِ وَاجِبٌ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ إحْضَارَ الشُّهُودِ مُسْتَحَبٌّ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إحْضَارِ الْعُلَمَاءِ مُسْتَحَبٌّ) وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي تت وَمِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ يُعْلَمُ أَرْجَحِيَّتُهُ عَلَى مُقَابِلِهِ. (قَوْلُهُ: خَشْيَةَ تَوَهُّمِ إلَخْ) هَذَا رُبَّمَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَطْفُ النَّكِرَةِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّمَا جَرَّدَهُ لِأَجْلِ أَنْ لَا يُتَوَهَّمَ مِنْ التَّعْرِيفِ خُصُوصُ الشُّهُودِ الْمُعَيَّنِينَ بَلْ الْمَطْلُوبُ حُضُورُ أَيِّ شُهُودٍ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ تَنَاسُبُ الْمُتَعَاطِفَيْنِ أَيْ فَلَمَّا جُرِّدَ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الضَّمِيرِ فِي شَاوَرَهُمْ وَفِيهِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مَعْرِفَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَطْفِهِ عَلَى الضَّمِيرِ أَوْ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُدُولَ يُعْلَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْعَطْفِ عَلَيْهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَطْفًا إلَّا عَلَى الْعُلَمَاءِ
. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُفْتِ فِي خُصُومَةٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَصْدَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى زَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُرَادُ أَنْ يُقَالَ لَمْ لِنَفْيِ الْمَاضِي لَا لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ فَالْمُنَاسِبُ لَا دُونَ لَمْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِ) أَيْ وَلَمْ يَبِعْ. (قَوْلُهُ: تَحَيَّلَ إلَى الْوُصُولِ) أَيْ إذَا أَتَى عَلَى غَرَضِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْهُ أَيْ إذَا لَمْ يَأْتِ عَلَى غَرَضِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِالْفِعْلِ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي خُصُومَةٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِيهِ أَيْ يَقَعَ فِيهِ الْخُصُومَةُ وَعَلَيْهِ فَلَا يُفْتِي فِيمَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ مَا يَقَعُ فِيهِ الْخِصَامُ بِالْفِعْلِ وَشَارِحُنَا ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي النَّوَادِرِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُسْتَفْهِمًا مَعْنَاهُ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ النَّوَادِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ الطَّالِبِينَ لِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ أَوْ يَكُونَ السَّائِلُ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ مَثَلًا مِمَّا لَا يَقَعُ الْقَضَاءُ فِيهِ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَهُ فِي ذَلِكَ الْبِسَاطِيُّ، وَانْظُرْ إذَا كَانَ يُدَرِّسُ وَحَضَرَ الْخَصْمُ وَالدَّرْسُ يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْخُصُومَةِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ وَلَا يُقِيمُ الْخَصْمُ فِي الْمَجْلِسِ وَعِنْدِي أَنَّهُ إنْ قَدَرَ أَنْ يُعْمِيَ الْكَلَامَ بِحَيْثُ لَا يَفْهَمُ الْخَصْمُ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِالِانْصِرَافِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا فَلَا يُفْتِي فِيمَا يَدْخُلُهُ الْخِصَامُ) أَيْ فِيمَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: أَنَّ النَّهْيَ مَحَلُّهُ) أَيْ نَهْيَ الْكَرَاهَةِ لَا نَهْيَ الْحُرْمَةِ. (قَوْلُهُ: تِجَارَةُ الْوُلَاةِ لَهُمْ مَفْسَدَةٌ) أَيْ لِشُغْلِهِمْ بِهَا عَنْ إصْلَاحِ الرَّعِيَّةِ وَقَوْلُهُ: لِلرَّعِيَّةِ مُهْلِكَةٌ أَيْ لِلتَّوَصُّلِ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ وَلِلضِّيقِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُمْ أَيْ الرَّعِيَّةِ لِقُدْرَتِهِمْ لِكَوْنِهَا حُكَّامًا عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِمْ مِنْ تَعَاطِي الْأَمْتِعَةِ الَّتِي فِيهَا التِّجَارَاتُ لِأَجْلِ أَنْ يَأْخُذُوهَا فَيَسْتَقِلُّوا بِرِبْحِهَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تِجَارَةُ الْوُلَاةِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُودَهُ فِي الْمَذْهَبِ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ مَوْجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ أَنْ يُسَلِّفَ) تَبِعَ تت فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَسَلَفٍ ظَاهِرُهُ مِنْهُ أَوْ لَهُ وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ سَلَفُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا إعْطَاؤُهُ السَّلَفَ اهـ.، أَقُولُ وَارْتَضَاهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ؛ لِأَنَّ سَلَفَهُ لِلْغَيْرِ مَعْرُوفٌ فَلَا يُنْهَى عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ وَلِيمَةً) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي عِنْدَ ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ وَلِيمَةَ النِّكَاحِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَخَالَفَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ التَّنَزُّهُ عَمَّا بِأَيْدِي النَّاسِ لِتَقْوَى كَلِمَتُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عج. (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَلْمِ) أَيْ أَنَّ الْوَلِيمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الطَّعَامُ) أَيْ وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيمَةِ الطَّعَامُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الْوَلِيمَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِنِكَاحٍ
(ص) وَقَبُولُ هَدِيَّةٍ وَلَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ قَرِيبٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَلَوْ كَافَأَ عَلَيْهَا لِرُكُونِ النَّفْسِ لِمَنْ أَهْدَى لَهَا؛ وَلِأَنَّهَا تُطْفِئُ نُورَ الْحِكْمَةِ وَيَجُوزُ لِلْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي أَخْذُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَا يَرْجُو مِنْهُ عَوْنًا وَلَا جَاهًا وَلَا تَقْوِيَةً لِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مَا دَامَ الْخِصَامُ وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ قَرِيبِهِ كَأَبِيهِ وَخَالَتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ وَمَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ظِنَّةٌ لِشِدَّةِ الْمُدَاخَلَةِ وَبِعِبَارَةٍ الْمُرَادُ بِالْقَرِيبِ مَنْ لَا يَحْكُمُ لَهُ وَيُمْكِنُ رُجُوعُ قَوْلِهِ إلَّا مِنْ قَرِيبٍ لِقَوْلِهِ كَسَلَفٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ وَقَبُولُ هَدِيَّةٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذْ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ حَرَامٌ وَمَا قَبْلَهُ مَكْرُوهٌ
(ص) وَفِي هَدِيَّةِ مَنْ اعْتَادَهَا قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَكَرَاهَةِ حُكْمِهِ فِي مَشْيِهِ أَوْ مُتَّكِئًا وَإِلْزَامِ يَهُودِيٍّ حُكْمًا بِسَبْتِهِ وَتَحْدِيثِهِ بِمَجْلِسِهِ لِضَجَرٍ وَدَوَامِ الرِّضَا فِي التَّحْكِيمِ لِلْحُكْمِ قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّةً مِنْ شَخْصٍ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى وَظِيفَةَ الْقَضَاءِ أَمْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ وَفِي حَقِّهِ قَوْلَانِ وَهَلْ يُكْرَهُ فِي حَقِّ الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ فِي حَالِ مَشْيِهِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ لَا يُكْرَهُ قَوْلَانِ وَالْمُرَادُ بِالْمَشْيِ السَّيْرُ كَانَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا وَهَلْ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَحْكُمَ مُتَّكِئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالْحَاضِرِينَ وَلِلْعِلْمِ حُرْمَةٌ أَوْ لَا يُكْرَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَهَلْ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ أَنْ يُلْزِمَ الْيَهُودِيَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ فِي سَبْتِهِ أَيْ إحْضَارِهِ لِلْحُكْمِ أَوْ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِيهِ قَوْلَانِ وَتَخْصِيصُهُ الْيَهُودِيَّ بِالذِّكْرِ مُخْرِجٌ لِلنَّصَارَى فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إحْضَارُهُمْ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَحَدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَ الْأَحَدَ كَتَعْظِيمِ الْيَهُودِ لِلسَّبْتِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ عَاتٍ وَهَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَدِّثَ جُلَسَاءَهُ لِأَجْلِ ضَجَرٍ نَزَلَ بِهِ لِيُرَوِّحَ قَلْبَهُ وَيَرْجِعَ إلَيْهِ فَهْمُهُ أَوْ يُمْنَعُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَوْ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ قَوْلَانِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ دَوَامُ الرِّضَا لِلْخَصْمَيْنِ فِي التَّحْكِيمِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ الْمُحَكَّمُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لَهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ الْحُكْمِ قَوْلَانِ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ دَوَامُ الرِّضَا بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ دَخَلَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِمَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ إلْزَامٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ
(ص) وَلَا يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ الْفِكْرِ وَمَضَى (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ تَمَامِ فِكْرِهِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لَا عَنْ أَصْلِ الْفِكْرِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ تَمَامِ فِكْرِهِ كَالْحُزْنِ وَالْحَقْنِ وَالْغَضَبِ وَاللَّقَسِ وَهُوَ ضِيقُ النَّفْسِ وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ مَضَى، وَالْمُفْتِي مِثْلُهُ
(ص) وَعَزَّرَ شَاهِدًا بِزُورٍ
ــ
[حاشية العدوي]
الْوَلِيمَةَ بِمَعْنَى الطَّعَامِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَلْمِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالْأَخْذُ دَائِرَتُهُ أَعَمُّ مِنْ دَائِرَةِ الِاشْتِقَاقِ
. (قَوْلُهُ: وَقَبُولُ هَدِيَّةِ) ظَاهِرُ النَّقْلِ الْكَرَاهَةُ لَا الْحُرْمَةُ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا يَجُوزُ إلَخْ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْحُرْمَةُ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا تُطْفِئُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ الَّتِي لِرَجَاءِ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضُرٍّ تُطْفِئُ إلَخْ أَمَّا الْهَدِيَّةُ لَا لِذَلِكَ فَهِيَ لَا تُطْفِئُ وَقَدْ قَبِلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَالَ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» .
(قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَا يَرْجُو) وَأَمَّا مَنْ يَرْجُو مِنْهُ إلَخْ فَهُوَ حَرَامٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ) أَيْ يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَيْ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ هَذَا إذَا كَانَ لِلشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُتَعَيِّنَةً وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: ظِنَّةً) أَيْ تُهْمَةً
. (قَوْلُهُ: وَفِي قَبُولِ هَدِيَّةِ مَنْ اعْتَادَهَا) بِإِضَافَةِ هَدِيَّةٍ لِمَا بَعْدَهُ وَلَا يُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ لِصِدْقِهِ بِصُورَةٍ غَيْرِ مُرَادَةٍ وَهِيَ إذَا لَمْ يَعْتَدْهَا الْمُهْدِي فَيَقْتَضِي أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَفِي قَبُولِ هَدِيَّةٍ اعْتَادَهَا قَبْلَ الْوِلَايَةِ اعْتَادَهَا الْمُهْدِي أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: يَعْنِي هَلْ يَحْرُمُ إلَخْ) الَّذِي فِي عج أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَالْعَدَمُ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ، وَظَاهِرُ لَفْظِ مُطَرِّفٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الصَّوَابُ. (قَوْلُهُ: كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ) أَيْ كَانَتْ مُعْتَادَةً إلَخْ أَيْ مُسَاوِيَةً لَهَا قَدْرًا وَصِفَةً وَجِنْسًا لَا أَزْيَدَ. (قَوْلُهُ: أَيْ إحْضَارُهُ) تَفْسِيرٌ لِإِلْزَامِ الْيَهُودِيِّ الْحُكْمَ فَالْمَعْنَى وَهَلْ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ إحْضَارُ الْيَهُودِيِّ لِلْحُكْمِ أَوْ لَا يُكْرَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْوَفَاءُ لَهُمْ بِمَا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَأَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ بِحَطِّ الْجِزْيَةِ لَا أَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ تَعْظِيمُ سَبْتِهِمْ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ لَا تَعْظِيمَ شَرْعِيٍّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ عَاتٍ) فِي شَرْحِ عب وَلَمَّا كَانَ مِنْ عِنْدِهِ أَيْ مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَاتٍ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ حَتَّى تَجْعَلَهُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ ضَعْفُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَاتٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُمْنَعُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْهَابِ الْمَهَابَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُكْرَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْمَنْعُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَيَتَّفِقُ مَعَ الْبِسَاطِيِّ إذْ لَا وَجْهَ لِلْحُرْمَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لَهُمَا الرُّجُوعُ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ لَهُمَا إذْ لَهُمَا مَعًا الرُّجُوعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ وَلَهُمَا الْإِقْلَاعُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبَا الْكَشْفَ وَيَعْزِمَا عَلَى الْحُكْمِ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُمَا الْإِصْلَاحُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّحْكِيمَ دَخَلَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِمَا) أَيْ بِاخْتِيَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَسَاغَ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحُكْمِ) أَيْ فَلَمْ يَدْخُلَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِ كُلٍّ مِنْهَا إذْ مَنْ دَعَا إلَيْهِ يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ مُوَافَقَتُهُ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إلْزَامُ تَعْلِيلٍ لِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ، أَيْ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ يَقْطَعُ مَادَّةَ الْخِصَامِ وَالشَّارِعُ دَاعٍ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ هَذَا كُلِّهِ بَعْدَ وُقُوعِ الدَّعْوَى، وَأَمَّا بَعْدَ التَّرَافُعِ وَقَبْلَ وُقُوعِ الدَّعْوَى فَمُقْتَضَى كَلَامِ شَارِحِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ عج قَائِلًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ
. (قَوْلُهُ: وَالْحَقْنِ) حَصْرُ الرِّيحِ. (قَوْلُهُ: وَاللَّقَسِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ)
فِي الْمَلَا بِنِدَاءٍ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَلَا يُسَخِّمُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُعَزِّرَ شَاهِدَ الزُّورِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ عَمْدًا وَإِنْ طَابَقَ الْوَاقِعَ لِأَجْلِ شَهَادَتِهِ الزُّورَ وَيَأْمُرُ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْمَلَا بَيْنَ النَّاسِ لِيَرْتَدِعَ غَيْرُهُ وَلَا يَحْلِقُ لَهُ رَأْسًا وَلَا لِحْيَةً وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالسَّوَادِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَرَى أَنْ يُطَافَ بِهِ وَيُشَهَّرَ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْحَلَقِ وَحَيْثُ مَا يُعْرَفُ بِهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ وَيَضْرِبُهُ ضَرْبًا مُوجِعًا وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ وَيَكْتُبُ بِشَأْنِهِ وَمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ كِتَابًا وَيَنْسَخُهُ نَسْخًا يَرْفَعُهُ عِنْدَ الثِّقَاتِ، وَالْبَاءُ فِي بِنِدَاءٍ بِمَعْنَى مَعَ
(ص) ثُمَّ فِي قَبُولِهِ تَرَدُّدٌ وَإِنْ أُدِبَّ التَّائِبُ فَأَهْلٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ إذَا عَزَّرَهُ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ ثُمَّ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا تُقْبَلُ، فِيهِ تَرَدُّدٌ فِي حِكَايَةِ طَرِيقَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، فَقَالَ الْأُولَى إنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ حَيْثُ يَشْهَدُ بِالزُّورِ لَمْ تُقْبَلْ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرِهَا فَقَوْلَانِ إلَخْ وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ بِعَكْسِ ذَلِكَ
وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا عُزِلَ لِجُنْحَةٍ لَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ صَارَ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ إذَا عَزَّرَ شَاهِدَ الزُّورِ بَعْدَ أَنْ جَاءَ تَائِبًا فَإِنَّهُ يُؤَجَّرُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَقَدْ وَضَعَ الشَّيْءَ فِي مَحَلِّهِ فَقَوْلُهُ فَأَهْلٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ إلَّا جُمْلَةً
(ص) وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ أَوْ مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّبَ مَنْ أَسَاءَ عَلَى مِنْ ذُكِرَ ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ الْإِسَاءَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَيَا ظَالِمُ يَا فَاجِرُ أَوْ عَلَى الْمُفْتِي أَوْ الشُّهُودِ كَتَفْتَرُونَ عَلَيَّ وَتَشْهَدُونَ عَلَيَّ لَا أَدْرِي أُكَلِّمُ مَنْ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْقَاضِي أَنَّهُ مُرْصَدٌ لِخَلَاصِ الْأَعْرَاضِ كَمَا أَنَّهُ مُرْصَدٌ لِخَلَاصِ الْأَمْوَالِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيمَا ذُكِرَ لِبَيِّنَةٍ بَلْ يَسْتَنِدُ إلَى عِلْمِهِ لِتَوْقِيرِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ وَالْحَقُّ حِينَئِذٍ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي تَرْكُهُ
(ص) لَا بِشَهِدْت بِبَاطِلٍ كَلِخَصْمِهِ كَذَبْت (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِلشَّاهِدِ شَهِدْت عَلَيَّ بِبَاطِلٍ فَإِنَّهُ لَا يُعَزِّرُهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ لِلْخَصْمِ عِنْدَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كَذَبْت فِيمَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيَّ بِخِلَافِ لَوْ قَالَ لِلشَّاهِدِ شَهِدْت بِزُورٍ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ زُورًا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاقِعِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِهِ فَقَدْ يَشْهَدُ بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ كَدَيْنٍ مَثَلًا وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَضَاهُ وَلَا مَضَرَّةَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الزُّورِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَا يَعْلَمْ عَمْدًا
(ص) وَلْيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ مُسْلِمًا وَكَافِرًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: فِي الْمَلَا) مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ الْجَمَاعَةُ مِنْ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَشْرَافًا وَقَوْلُهُ: بِنِدَاءٍ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ فِي الْمَلَا ثُمَّ لَا يَخْفَى هَلْ الْوُجُوبُ مُنْصَبٌّ عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْزِيرِ وَكَوْنُهُ فِي الْمَلَا مَعَ نِدَاءٍ أَوْ هُوَ مُنْصَبٌّ عَلَى خُصُوصِ التَّعْزِيرِ وَكَوْنُهُ فِي الْمَلَا مَعَ نِدَاءٍ مَنْدُوبٍ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ) أَيْ حَلْقًا يَحْصُلُ بِهِ نَكَالُهُ أَيْ بِأَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ تَعْيِيبُهُ وَفَهِمَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فَقَالَ أَيْ كَرَأْسِ السُّودَانِ وَبَعْضِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ شَيْنٌ أَيْ يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي عب أَوْ يَحْرُمُ كَمَا فِي شب وَهُوَ أَحْسَنُ وَقَوْلُهُ: وَلَا لِحْيَتُهُ أَيْ يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُسَخِّمُهُ أَيْ يَحْرُمُ. (قَوْلُهُ: يَرْفَعُهُ عِنْدَ الثِّقَاتِ) أَيْ بِأَنْ يَضَعَهُ فِي الْمَحَاكِمِ.
. (فَائِدَةٌ) أَوَّلُ ظُهُورِ شَهَادَةِ الزُّورِ بِالْعِرَاقِ فِي خِلَافَةِ الْقَيْرَوَانِ. (قَوْلُهُ: فِي حِكَايَةِ طَرِيقَتَيْنِ) فِي بِمَعْنَى مِنْ أَيٍّ مِنْ طَرِيقَتَيْنِ مَحْكِيَّتَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ) هِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْ فَيُقَالُ إنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ فَقَوْلَانِ وَغَيْرُ ظَاهِرِهَا لَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا قَالَ تت وَطَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْسَبُ بِالْفِقْهِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَقْرَبُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَإِنْ شَهِدَ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَمْ تُقْبَلْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ وَإِنْ شَهِدَ بَعْدَهَا وَقَبِلَ التَّعْزِيرَ فَمُقْتَضَى الْعِلَّةِ جَرَى التَّرَدُّدُ فِيهِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَوَّاقِ وَأَفَادَ ذِكْرُ التَّرَدُّدِ فِيمَا فِسْقُهُ بِالزُّورِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ فِسْقِهِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ مَا نَابَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا عُزِلَ إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّ حُكْمَهُ لَمَّا كَانَ لَا يُنْقَضُ إلَّا فِي مَسَائِلَ مُعَيَّنَةٍ كَمُخَالِفِ قَاطِعٍ أَوْ جَلِيِّ قِيَاسٍ كَمَا يَأْتِي فَشَدَّدَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: إذَا عُزِلَ لِجُنْحَةٍ) قَالَ عج يَنْبَغِي تَقَيُّدُ الْجُنْحَةِ بِأَنْ يَكُونَ جَوْرًا فَقَطْ ثُمَّ قَالَ عج بَعْدُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِسْقَهُ بِغَيْرِ جَوْرٍ لَيْسَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ جَاءَ تَائِبًا) أَيْ قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ كَذَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِحُ الْفِعْلِ وَفِي عب وشب أَنَّهُ مَرْجُوحٌ وَتَرْكُ أَدَبِهِ أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت تت ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أُدِّبَ لَكَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَعَنْ سَحْنُونَ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَلَامُ شَارِحِنَا مَاشِيًا عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَتَأَمَّلْ
. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ إلَخْ) وَكَذَا عَلَى الْقَاضِي بِمَجْلِسِ حُكْمِهِ وَالْحُكْمُ بِعِلْمِهِ فِي مَجْلِسِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ قَالَهُ الْبَدْرُ. (قَوْلُهُ: مَرْصَدٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ مَوْقِعٌ لِخَلَاصِ الْأَعْرَاضِ
. (قَوْلُهُ: كَذَبْت فِيمَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيَّ) بَلْ لَوْ قَالَ كَذَبْت فَقَطْ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا إنْ قَالَ كَذَبْت فِي شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ مَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ؛ لِأَنَّهُ إذَايَةٌ مِنْهُ أَيْ أَوْ ظَلَمْت أَوْ ظَلَمْتنِي أَوْ تَظْلِمُنِي، وَأَمَّا يَا ظَالِمُ فَيُؤَدَّبُ وَلَمْ يَكُنْ مَا ذُكِرَ مِنْ انْتِهَاكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِالْخُصُومَةِ بِخِلَافِ الْإِسَاءَةِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِلشَّاهِدِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إنْ قَالَ لِخَصْمِهِ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَمْ يُعَاقَبْ وَإِنْ قَصَدَ أَذَاهُ وَالشُّهْرَةَ بِهِ نُكِّلَ بِقَدْرِ حَالِ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ إلَّا لِقَرِينَةٍ تُكَذِّبُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَاطِلِ إلَخْ) كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ لِشَخْصٍ عِنْدَ آخَرَ حَقًّا ثُمَّ إنَّ الْمَدِينَ وَفَّاهُ بِغَيْرِ عِلْمِ الشَّاهِدِ فَإِذَا شَهِدَ بِذَلِكَ فَهِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ زُورًا فَالزُّورُ هُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَا يَعْلَمُ عَمْدًا وَإِنْ طَابَقَتْ الْوَاقِعَ، وَشَاهِدُ الْبَاطِلِ هُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَعْلَمُ عَمْدًا وَلَمْ
وَالْكَلَامِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا وَيَجْعَلُ نَظَرَهُ وَفِكْرَهُ لَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ
(ص) وَقَدَّمَ الْمُسَافِرَ وَمَا يَخْشَى فَوَاتَهُ ثُمَّ السَّابِقَ قَالَ وَإِنْ بِحَقَّيْنِ بِلَا طُولٍ ثُمَّ أَقْرَعَ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَدَاعَيَا عِنْدَ الْقَاضِي الْمُسَافِرُونَ وَغَيْرُهُمْ وَتَزَاحَمُوا عَلَى التَّقَدُّمِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ وُجُوبًا يُرِيدُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُقِيمِ ضَرَرٌ بِسَبَبِ تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَصَلَ الضَّرَرُ فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ الَّذِي يُخْشَى فَوَاتُهُ إذَا قُدِّمَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَبِعِبَارَةٍ الْمُسَافِرُ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُقَدَّمُ مَا هُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ ثُمَّ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ عَلَى غَيْرِهِ يُقَدَّمُ السَّابِقُ فِي الزَّمَانِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِحَقَّيْنِ إذَا كَانَ لَا يُطَوِّلُ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا بَلْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِيَّةِ بِأَنْ حَضَرَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبَيْنِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا لَمْ يُعْلَمْ فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ، وَصِفَتُهَا أَنْ تُكْتَبَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي رِقَاعٍ وَتُخْلَطَ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا مَفْهُومَ لِحَقَّيْنِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ الطُّولِ فَإِنْ حَصَلَ طُولٌ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ السَّابِقِ بِأَحَدِ الْحَقَّيْنِ وَتَأْخِيرُ حَقِّهِ الْآخَرِ عَمَّا يَلِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضٌ
(ص) وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْرِدَ وَقْتًا أَوْ يَوْمًا لِلنِّسَاءِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُفْرِدَ وَقْتًا أَوْ يَوْمًا لِلنِّسَاءِ كَانَتْ خُصُومَتُهُنَّ فِيمَا بَيْنَهُنَّ أَوْ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُنَّ، وَقَوْلُهُ (كَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدَّمَ السَّابِقَ يَعْنِي أَنَّ الْمُفْتِيَ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَكَذَلِكَ الْمُدَرِّسُ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَأَمَّا الطَّحَّانُ وَالْفَرَّانُ وَالْمُقْرِئُ وَسَائِرُ الصَّنَائِعِ إنْ كَانَ لَهُمْ عُرْفٌ عُمِلَ عَلَيْهِ وَإِلَّا قُدِّمَ الْآكَدُ فَالْآكَدُ وَيُقَدَّمُ فِي الْقِرَاءَةِ مَنْ فِيهِ نَافِلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ لِحُصُولِ كَثْرَةِ الْمَنَافِعِ عَلَى قِلَّتِهَا
(ص) وَأَمْرُ مُدَّعٍ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ بِالْكَلَامِ وَإِلَّا فَالْجَالِبُ وَإِلَّا أُقْرِعَ (ش) فَقَوْلُهُ تَجَرَّدَ إلَخْ صِفَةٌ لِمُدَّعٍ، وَقَوْلُهُ عَنْ مُصَدِّقٍ أَيْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ أَيْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ مَا يُصَدِّقُهُ إلَّا الْبَيِّنَةُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَمَسَّكْ بِمَعْهُودٍ أَوْ أَصْلٍ أَيْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعْهُودٌ وَأَصْلٌ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ تَجَرُّدُهُ مِنْهَا فَغَيْرُ بَيِّنَةٍ قَيْدٌ مُدْخِلٌ يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ وَهُوَ الَّذِي تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَمَّنْ يُصَدِّقُهُ الْآنَ بِالْكَلَامِ أَيْ بِالدَّعْوَى، فَقَوْلُهُ وَأَمَرَ وُجُوبًا أَيْ يَجِبُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُدَّعِي وَلَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا فَإِنَّ الْجَالِبَ لِنَفْسِهِ أَوْ بِرَسُولِ الْقَاضِي مَثَلًا بِمَجْلِسِ الشَّرْعِ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْجَالِبُ مِنْهُمَا
ــ
[حاشية العدوي]
يُطَابِقْ الْوَاقِعَ
. (قَوْلُهُ: وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ) أَيْ وَمُدَّعِي مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَبَيْنَ رَبِّ الطَّعَامِ كَنِكَاحٍ اسْتَحَقَّ فَسْخًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَخَافُ إنْ أَخَّرَ النَّظَرَ فِيهِ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ أَوْ طَعَامٍ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ) أَيْ إذَا كَانَ يَحْصُلُ لِلْمُسَافِرِ الضَّرَرُ وَاسْتَوَيَا وَإِلَّا قَدَّمَ الْأَشَدَّ ضَرَرًا. (قَوْلُهُ: أَوْ مُرَتَّبَيْنِ) أَيْ أَوْ جَاءَا مُتَرَتِّبَيْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ اسْتَوَيَا. (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ السِّبَاقِ بِأَحَدِ الْحَقَّيْنِ) وَلَوْ مَعَهُ طُولٌ وَاعْلَمْ أَنَّ شَارِحَنَا فَرَضَ الْحَقَّيْنِ فِي سَابِقِ الْغَيْرِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَيُقَدَّمُ بِحَقَّيْنِ وَلَوْ حَصَلَ طُولٌ.
(تَنْبِيهٌ) : فِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِقَالَ نَظَرٌ إذْ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ مُسْتَفَادٌ مِمَّا فِي النَّوَادِرِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ
. (قَوْلُهُ: لِلنِّسَاءِ) أَيْ اللَّاتِي يَخْرُجْنَ لَا الْمُخَدَّرَاتِ وَاَللَّاتِي يُخْشَى مِنْ سَمَاعِ كَلَامِهِنَّ فَيُوَكِّلْنَ أَوْ يَبْعَثُ لَهُنَّ فِي مَنْزِلِهِنَّ. (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَدَّمَ السَّابِقَ) فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عَطْفَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَشْبِيهٌ بِقَوْلِهِ ثُمَّ السَّابِقُ. (قَوْلُهُ: يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ) أَيْ فِي الْإِجَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْمُدَرِّسُ يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ) أَيْ فِي الْقِرَاءَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قَدَّمَ الْآكَدَ فَالْآكَدَ) أَيْ كَصَاحِبِ الْعِيَالِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ فِي الْقِرَاءَةِ مَنْ فِيهِ نَافِلَةٌ) أَيْ فَضِيلَةٌ وَهَذَا مُسْتَأْنَفٌ، وَمِثْلُهُ الْمُدَرِّسُ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّ الطَّالِبَ الَّذِي لَا قَابِلِيَّةَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُلْتَفَتُ لِعُرْفٍ وَلَا غَيْرِهِ لَا فِي الْمُقْرِئِ وَلَا فِي الْمُدَرِّسِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ دُونَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُقْرِئَ كَالطَّحَّانِ يَعْمَلُ بِالْعُرْفِ وَإِلَّا فَالْآكَدُ فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ وَالْمُقْرِئُ. (قَوْلُهُ: لِحُصُولِ كَثْرَةِ الْمَنَافِعِ) أَيْ لِتَرْجِيحِ كَثْرَةِ الْمَنَافِعِ عَلَى قِلَّتِهَا. (قَوْلُهُ: وَأَمَرَ مُدَّعٍ إلَخْ) لَمْ يُعَرِّفْ الْمُصَنِّفُ الدَّعْوَى وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ لَوْ سَلَّمَ أَوْجَبَ لِقَائِلِهِ حَقًّا وَلَهَا شُرُوطٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا وَزَادَ غَيْرُهُ مُعْتَبَرَةٌ مُتَعَلِّقٌ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لَمْ يُكَذِّبْهَا الْعَادَةُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ نَحْوِ دَعْوَى الْقَمْحَةِ وَالشَّعِيرَةِ وَبِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِنْ دَعْوَى أُجْرَةٍ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَبِقَوْلِهِ لَا يُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ مِنْ دَعْوَى دَارٍ بِيَدِ حَائِزٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَالْمُدَّعِي حَاضِرٌ سَاكِتٌ فَإِنْ قِيلَ فِي هَذَا تَقْدِيمُ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصْوِيرِ إذْ قَوْلُهُ: بِالْكَلَامِ مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ فَالْجَوَابُ لَا ضَرَرَ فِي تَقْدِيمِ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصْوِيرِ إذْ الْمُقَدَّمُ عَلَى التَّصْدِيقِ التَّصَوُّرُ لَا التَّصْوِيرُ الَّذِي يَكُونُ لِأَجْلِ الْغَيْرِ
فَإِنْ قِيلَ كَوْنُهُ مُدَّعِيًا مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَلَامِهِ وَأَمْرُهُ بِالْكَلَامِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهِ مُدَّعِيًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ، فَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَوْنَهُ مُدَّعِيًا مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَلَامِهِ لِإِمْكَانِ عِلْمِهِ بِتَصْدِيقِ خَصْمِهِ أَنَّهُ الْمُدَّعِي أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْجَالِبُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِهِ فَالْجَالِبُ وَهُوَ الطَّالِبُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِرَسُولِهِ أَوْ خَاتَمٍ أَوْ وَرَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مُقَدَّمٌ لِدَلَالَةِ قَرِينَةِ الْحَالِ عَلَى صِدْقِهِ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَقُرِعَ وَإِلَّا بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ الْجَالِبُ وَلَمْ يَصْطَلِحَا عَلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا، وَبِعِبَارَةٍ الْمُدَّعِي مَنْ يَقُولُ كَانَ أَوْ لَمْ يَطْلُبُ إنْ سَكَتَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْعَكْسِ كَمَا فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ مِنْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ أَوْ إنْ سَكَتَ يُطْلَبُ. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ مُدْخِلٌ إلَخْ) وَلَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَارَ الْمَعْنَى مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ: عَنْ مُصَدِّقٍ أَيْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ
(ص) فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى مِنْ الْمُدَّعِي الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ كَمَا إذَا قَالَ لِي عَلَيْهِ مِائَةٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ مَثَلًا فَاحْتَرَزَ بِالْمَعْلُومِ مِمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ كَلِيِّ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ وَبِالْمُحَقَّقِ مِمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَظْنُونٍ أَوْ مَشْكُوكٍ فِيهِ فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ، وَقَوْلُهُ مُحَقَّقٍ أَيْ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ دَعْوَى اتِّهَامٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ فِي قَوْلِهِ وَاسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إنْ حُقِّقَ (ص) قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَازِرِيَّ قَالَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ مُعَامَلَةٍ مَثَلًا وَأَنَا أَتَحَقَّقُ ذَلِكَ وَلَكِنْ جَهِلْت قَدْرَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ إمَّا بِالتَّفْصِيلِ وَإِمَّا بِالْإِنْكَارِ جُمْلَةً أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلَعَلَّ قَوْلَ الْمَازِرِيِّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَقَدْ قَالَ الْبِسَاطِيُّ عِنْدِي أَنَّهُ صَوَابٌ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابُهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ قَالَ وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَقْبَلُ الْإِقْرَارَ بِشَيْءٍ وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَقُولُوا تُقْبَلُ الدَّعْوَى بِشَيْءٍ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ فَلَا يَلْزَمُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ قُبِلَتْ فَهُوَ الَّذِي يَقُولُهُ الْمَازِرِيُّ وَإِنْ كَانَ احْتَجَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت إقْرَارُهُ بِشَيْءٍ يَلْزَمُ تَفْسِيرُهُ فَيَرْجِعُ لِلتَّفْسِيرِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إذَا تَعَذَّرَ قُلْنَا إلْزَامُهُ بِالتَّفْسِيرِ فَرْعُ إلْزَامِهِ بِالْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. .
(ص) وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ كَأَظُنُّ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ بَلْ قَالَ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ حَقًّا فَإِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ مَا لَمْ يَقْوَ الظَّنُّ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَاعْتُمِدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّ أَبِيهِ (ص) وَكَفَاهُ بِعْت وَتَزَوَّجْت وَحُمِلَ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ وَأَشَارَ هُنَا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى مِنْ تَبْيِينِ السَّبَبِ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ مِائَةٌ مِنْ سَلَفٍ أَوْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ مِنْ نِكَاحٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ شِرَاءً صَحِيحًا أَوْ نِكَاحًا صَحِيحًا بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَإِنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِسُؤَالِ الْمُدَّعِي عَنْ السَّبَبِ الَّذِي تَرَتَّبَ الْحَقُّ بِهِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وُجُوبًا عَلَيْهِ وَيَسْأَلُ الْمُدَّعِي عَنْ ذَلِكَ السَّبَبِ إذْ لَعَلَّهُ فِي الْأَصْلِ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِهِ حَقٌّ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ لَا أَعْلَمُ السَّبَبَ أَوْ لَا أُبَيِّنُهُ لَمْ يُطْلَبْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَإِنْ قَالَ نَسِيت السَّبَبَ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي وَلَا مَفْهُومَ لِلسَّبَبِ بَلْ يَسْأَلُ عَنْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ وَالْقَبْضِ وَعَدَمِهِ فَاسْتَغْنَى الْمُؤَلِّفُ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ لِاسْتِلْزَامِ قَوْلِهِ وَكَفَاهُ بِعْت إلَخْ لَهُ إذْ الْبَيْعُ وَالتَّزْوِيجُ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَبٌ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ فَإِنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِسُؤَالِ الْمُدَّعِي عَنْ السَّبَبِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْأَلُهُ فَإِنْ تَنَبَّهَ فَهُوَ الَّذِي يُسْأَلُ كَمَا يَأْتِي وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ وَمَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ لِمُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ فِي الثَّانِي فَلَا بُدَّ عِنْدَهُ أَنْ يَقُولَ عَقَدْته بِصَدَاقٍ وَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ انْتِفَاءُ الْمَوَانِعِ.
(ص) ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلِهِ بِمَعْهُودٍ أَوْ أَصْلٍ بِجَوَابِهِ (ش) أَيْ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ الْمُدَّعِي مِنْ دَعْوَتِهِ وَمَا يُطْلَبُ مِنْهُ مِنْ تَبْيِينِ السَّبَبِ وَغَيْرِهِ يَأْمُرُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: فَيَدَّعِي بِمَعْلُومٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعِلْمَ يَرْجِعُ إلَى تَصَوُّرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَذِهْنُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقِ رَاجِعٌ لِجَزْمِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ النِّزَاعُ فَهُوَ مِنْ نَوْعِ التَّصْدِيقِ فَلِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ لَا يُسْمَعُ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلِاشْتِرَاطِ التَّحْقِيقِ لَا يُسْمَعُ أَشُكُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ كَذَا وَمَا أَشْبَهَهَا. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ) وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَ سَبَبَهُ فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى عَلَى كَلَامِ الْمَازِرِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُجِيبَ بِالْإِنْكَارِ أَوْ بِالتَّفْصِيلِ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ تَكُنْ دَعْوَى اتِّهَامٍ) فِيهِ أَنَّ دَعْوَى الِاتِّهَامِ تَرْجِعُ لِلظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مَشَى هُنَا عَلَى قَوْلٍ وَهُنَاكَ عَلَى قَوْلٍ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ جَهِلْت قَدْرَهُ) وَأَمَّا لَوْ قَالَ لِي عِنْدَهُ شَيْءٌ وَامْتَنَعَ مِنْ ذِكْرِ قَدْرِهِ فَلَا تُسْمَعُ حَتَّى عِنْدَ الْمَازِرِيِّ وَبَقِيَتْ مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ لَيْسَتْ مَحَلَّ خِلَافٍ كَهَذِهِ وَهِيَ أَنْ يَدَّعِيَ جَهْلَ الْمُدَّعَى بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ كَشَهَادَةِ بَيِّنَةٍ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا لَا يَعْلَمُونَ قَدْرَهُ وَفِي هَذِهِ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ فَلَا يَلْزَمُ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ وَالثَّانِي بَاطِلٌ فَعَدَمُ الْقَبُولِ بَاطِلٌ فَالصَّوَابُ الْقَبُولُ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ الَّذِي يَقُولُهُ الْمَازِرِيُّ) أَيْ فِي الْقَبُولِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ احْتَجَّ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ فَيَكُونُ جَازِمًا بِأَنَّهُ احْتَجَّ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُبَالَغَةِ بِأَنْ يَكُونَ الشَّارِحُ مُتَرَدِّدًا هَلْ احْتَجَّ بِذَلِكَ أَمْ بِغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ فِي الْإِقْرَارِ يَلْزَمُ بِالتَّفْسِيرِ لِحَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الدَّعْوَى فَهِيَ فِي حَقِّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّفْسِيرِ هُوَ الْإِقْرَارُ اللَّازِمُ وَالْمُوجِبُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِهِ هُوَ النُّطْقُ بِهِ فَهُوَ الْأَصْلُ فَصَحَّ قِيَاسُ الدَّعْوَى عَلَى الْإِقْرَارِ، وَبَعْدُ فَالْمُعَوِّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ فَقَوْلُهُ: الْمُصَنِّفُ قَالَ وَكَذَا شَيْءٌ مُقَابِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا
. (قَوْلُهُ: بَلْ قَالَ أَظُنُّ) وَكَذَا أَشُكُّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقْوَ الظَّنُّ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ مَا يَأْتِي جَازِمٌ فِي اللَّفْظِ وَمُعْتَمَدٌ عَلَى مَا يُحَصِّلُ الظَّنَّ كَخَطِّ أَبِيهِ وَمَا هُنَا فَهُوَ مُصَرِّحٌ بِالظَّنِّ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَوْ قَوِيَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ دَعْوَى الِاتِّهَامِ لَا تُقْبَلُ وَالْمُعْتَمَدُ قَبُولُهَا. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ إلَخْ) أَيْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَوْ يُقَالُ إنَّهُ مَشَى عَلَى قَوْلَيْنِ فَتَبِعَ مَا هُنَا الْمُتَيْطِيَّ وَفِيمَا سَيَأْتِي أَشْهَبَ. (أَقُولُ) وَكَلَامُ صَاحِبِ الْإِمَامِ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ) أَيْ أَتَى بِالْمِثَالِ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ
. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ: عَنْ مُصَدِّقٍ وَإِنْ شِئْت قُلْت الْمُدَّعِي مَنْ ادَّعَى خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ مَنْ ادَّعَى الظَّاهِرَ
طَلَبِ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْيَمِينِ، وَعَرَّفَ الْمُؤَلِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الَّذِي تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ شَرْعِيٍّ أَوْ أَصْلٍ؛ وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ مُدَّعِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ مَقْبُولًا؛ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ بِمَعْهُودٍ شَرْعِيٍّ يَعْنِي أَنَّ الشَّرْعَ يَقْضِي بِتَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ حَيْثُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ إذْ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ وَإِنَّمَا طَرَأَ لَهُمْ الرِّقُّ مِنْ جِهَةِ السَّبْيِ بِشَرْطِ الْكُفْرِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ السَّبْيِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الْحَوْزُ فَيُسْتَصْحَبُ وَكَانَ مُدَّعِي عَدَمَ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَعَدَمَ الْحُرِّيَّةِ غَيْرَ مَقْبُولٍ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ النَّقْلَ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يُصَدِّقُهُ فَكَانَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
(ص) إنْ خَالَطَهُ بِدَيْنٍ أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ وَإِنْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ لَا بِبَيِّنَةٍ جُرِحَتْ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ فَأَنْكَرَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي أَنَّ هُنَاكَ خُلْطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَوْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُلْطَةِ اللَّطْخُ وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ أُنْثَى وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَتَكُونُ الْخُلْطَةُ بِدَيْنٍ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ سَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ بِالنَّقْدِ وَلَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي جَرَّحَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِعَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا الَّتِي تَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي بِالْحَقِّ الَّذِي ادَّعَى بِهِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِهَا عَنْ بَيِّنَةِ الْخُلْطَةِ وَلَا تَتَنَزَّلُ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ الْمُجَرَّحَةُ مَنْزِلَةَ الْمَرْأَةِ، فَقَوْلُهُ إنْ خَالَطَهُ إلَخْ شَرْطٌ فِيمَا فُهِمَ مِنْ الْكَلَامِ وَهُوَ أَنَّهُ أُمِرَ بِالْجَوَابِ فَإِنْ أَجَابَ بِالْإِقْرَارِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِشَرْطِ إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ فَهِيَ شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ ضِمْنًا فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْجَوَابِ، وَمَا قَالَهُ أَحَدٌ وَكَوْنُ الْخُلْطَةِ شَرْطًا فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الرِّسَالَةِ وَاَلَّذِي لِابْنِ نَافِعٍ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ وَنَفَاهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ بِمِصْرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ عِنْدَنَا اهـ.
وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الشَّامِ إلَى الْآنَ ثُمَّ إنَّ مِنْ حَقِّهِ أَوْ يُؤَخَّرُ قَوْلُهُ إنْ خَالَطَهُ بِدَيْنٍ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ لِيَكُونَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ
(ص) إلَّا الصَّانِعَ وَالْمُتَّهَمَ وَالضَّيْفَ وَفِي مُعَيَّنٍ وَالْوَدِيعَةَ عَلَى أَهْلِهَا وَالْمُسَافِرَ عَلَى رُفْقَتِهِ وَدَعْوَى مَرِيضٍ أَوْ بَائِعٍ عَلَى حَاضِرٍ الْمُزَايَدَةَ (ش) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِهَا مِنْهَا الصَّانِعُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ بِشَيْءٍ مِمَّا لَهُ فِيهِ صَنْعَةٌ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّبَ نَفْسَهُ وَمِنْهَا الْمُتَّهَمُ فِي نَفْسِهِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَخْصٌ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ وَمِنْهَا الضَّيْفُ أَيْ الْغَرِيبُ ضَافَ أَمْ لَا يُحْتَمَلُ هُوَ الْمُدَّعِي أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَمِنْهَا الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: بِمَعْهُودٍ شَرْعِيٍّ) هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْمَعْهُودُ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ وَالْأَصْلُ الْحَالُ الْمُسْتَصْحَبُ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الشَّرْعَ يَقْضِي بِتَصْدِيقِهِ) أَيْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ تَصْدِيقُ ذِي الْأَمَانَةِ وَعَلَى كَلَامِ شَارِحِنَا يَصِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَصْلٍ لَا حَاجَةَ لَهُ بِاعْتِبَارِ مَا مَثَّلَ بِهِ لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي شَرْحِ عب حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهَا أَيْ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ شَرْعًا وَإِنَّمَا طَرَأَ لَهُمْ الرِّقُّ مِنْ جِهَةِ السَّبْيِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ الْحَوْزُ) أَيْ حَوْزُ الْمِلْكِ هَذَا مَعْنَاهُ قَطْعًا كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ وَقَوْلُهُ: فَيُسْتَصْحَبُ فَتَكُونُ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ نَاقِلَةً عَنْ الْأَصْلِ وَلَا تُسْمَعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا فَإِنْ قُلْت الْأَصْلُ الْمَلَاءُ وَمَنْ ادَّعَى الْفَقْرَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ يُصَدَّقُ إلَّا لِرِيبَةٍ مَعَ أَنَّهُ مُدَّعٍ خِلَافَ الْأَصْلِ قُلْت الْمَلَاءُ لَيْسَ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا هُوَ الْغَالِبُ كَمَا بَيَّنَ هُنَاكَ وَلَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمَدِينَ إذَا ادَّعَى الْعُسْرَ أَثْبَتَهُ بِبَيِّنَةٍ مَعَ أَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ تُرِكَ هُنَا وَصَارَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الْغَالِبُ كَذَا فِي الشَّرَّاحِ.
. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الْخُلْطَةُ بِدَيْنٍ) أَيْ مُتَرَتِّبٍ عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لِأَجَلٍ أَوْ حَالٍّ أَوْ قَرْضٍ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْ تَشْهَدُ بَيِّنَةٌ أَنَّ بَيْنَهُمَا خُلْطَةً بِكَذَا وَلَا يَعْرِفُونَ بَقَاءَهُ وَلَا قَدْرَهُ فَلِذَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ بِالْخُلْطَةِ شَهَادَةً بِأَصْلِ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَكَرَّرَ بَيْعٌ بِالنَّقْدِ) مُرَادُهُ بِالنَّقْدِ الْحَالُّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَقْبُوضَ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الشَّامِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ) أَيْ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ أَيْ لِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنْ نَفَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَإِنَّهَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ خَالَطَهُ بِدَيْنٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلصَّنْعَةِ كَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْخُلْطَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُتَّهَمُ فِي نَفْسِهِ) أَيْ اتَّهَمَهُ النَّاسُ بِأَنْ يُشِيرُونَ إلَيْهِ بِالْعَدَاءِ فَإِذَا ادَّعَى إنْسَانٌ بِالسَّرِقَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعِي بِالسَّرِقَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا عِنْدَ النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَفِي شَرْحِ شب مَا مَعْنَاهُ الْمُرَادُ بِالْمُتَّهَمِ مَنْ اتَّهَمَهُ الْمُدَّعِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا عِنْدَ النَّاسِ فَتَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَقْرِيرَيْنِ قَرَّرَهُمَا اللَّقَانِيِّ فِي عَامَيْنِ أَيْ فِي عَامٍ قَرَّرَ بِهَذَا وَفِي عَامٍ آخَرَ قَرَّرَ بِالثَّانِي وَالْأَقْرَبُ لِظَاهِرِ النَّقْلِ عَنْ أَصْبَغَ مَا حَلَّ بِهِ شب فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْغَرِيبُ ضَافَ) أَيْ ضَافَك وَأَتَى لِمَنْزِلِك ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُضِفْك أَيْ لَمْ يَأْتِ لِمَنْزِلِك بِأَنْ كُنْت مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَادَّعَى عَلَيْك فَتَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.
(قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ هُوَ الْمُدَّعَى أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ) الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ أَنَّهُ مُدَّعٍ أَيْ أَنَّ الْغَرِيبَ إذَا نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِنْهَا أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ مَثَلًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ تَبَعًا لِلْمَوَّاقِ. (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ كَثَوْبٍ بِيَدِ إنْسَانٍ
وَالْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الَّذِي لَمْ تَهْلِكْ عَيْنُهُ لَا الْحَاضِرُ الْمُشَاهَدُ وَمِنْهَا دَعْوَى الْوَدِيعَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مِثْلَهُ يَمْلِكُ تِلْكَ الْوَدِيعَةَ وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُودَعُ عِنْدَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْوَدِيعَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْحَالُ اقْتَضَى الْإِيدَاعَ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خُلْطَةٍ وَمِنْهَا دَعْوَى الْمُسَافِرِ عَلَى بَعْضِ رُفْقَتِهِ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ مَالًا أَوْ أَنَّهُ أَتْلَفَ مِنْهُ مَالًا فِي حَالِ سَفَرِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُ دَفْعَ مَالِهِ لِبَعْضِ رُفْقَتِهِ وَمِنْهَا الْمَرِيضُ يَدَّعِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ وَمِثْلُهُ وَرَثَتُهُ وَمِنْهَا رَجُلٌ عَرَضَ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ لِلْبَيْعِ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى رَجُلٍ مِمَّنْ حَضَرَ الْمُزَايَدَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا وَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الشِّرَاءَ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِكَذَا وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةٌ، وَصَرَّحَ الْمُؤَلِّفُ بِلَفْظَةِ دَعْوَى فِي قَوْلِهِ وَدَعْوَى مَرِيضٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عِنْدَ حَذْفِهَا أَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ.
(ص) فَإِنْ أَقَرَّ فَلَهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَلِلْحَاكِمِ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ (ش) أَيْ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ فَلِلْمُدَّعِي الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ خِيفَةَ أَنْ يُنْكِرَ إقْرَارَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ الْمُدَّعِي لِلْإِشْهَادِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنَبِّهُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْحُكَّامِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْخِصَامِ وَقَطْعِ النِّزَاعِ، فَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى الْإِشْهَادِ حَيْثُ غَفَلَ الشُّهُودُ الْحَاضِرُونَ أَيْضًا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ
(ص) وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ نَفَاهَا وَاسْتَحْلَفَهُ فَلَا بَيِّنَةَ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُ بِإِحْضَارِهَا وَيَسْمَعُهَا وَيُعْذَرُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا فَإِنْ أَتَى بِدَافِعٍ فَلَا كَلَامَ وَصَارَتْ كَالْمَعْدُومِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ حُكِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَفَاهَا وَقَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي وَأَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَحَلَفَ خَصْمُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانِهَا حِينَ حَلَفَ خَصْمُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ عَلَى دَعْوَى النِّسْيَانِ، وَمِثْلُ النِّسْيَانِ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا أَوْ أُعْلِمَ بِهَا فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا حِينَئِذٍ بَعْدَ يَمِينِهِ كَمَا مَرَّ فِي النِّسْيَانِ فَلَوْ حَلَّفَ الْقَاضِي مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ إذْنِ خَصْمِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَا فَائِدَةَ فِيهَا وَلِلْخَصْمِ أَنْ يُعِيدَهَا ثَانِيَةً كَمَا يُفِيدُهُ الْإِتْيَانُ بِالسِّينِ الدَّالَّةِ عَلَى الطَّلَبِ، فَقَوْلُهُ وَاسْتَحْلَفَهُ أَيْ وَحَلَفَ وَلَوْ شَرَطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي عَدَمَ قِيَامِهِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي نَسِيَهَا وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ
(تَنْبِيهٌ) : وَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ وَفِيهَا أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي شَهَادَتِهِمْ مَدْفَعٌ أَوْ فِي عَدَالَتِهِمْ مَجْرَحٌ كَلَّفَهُ إثْبَاتَهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَشْهَدُوا بِمَحْضَرِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (ص)
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ الْحَالُ اقْتَضَى الْإِيدَاعَ) أَيْ لِكَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا دَعْوَى الْمُسَافِرِ) أَيْ الْمَرِيضَ خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْمَخُوفِ. (قَوْلُهُ: يَدَّعِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا كَمَا قُلْنَا وَمِثْلُهُ وَرَثَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا رَجُلٌ عَرَضَ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ سُوقٍ لَا يَتَحَالَفَانِ وَلَا يَلْزَمُ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ عَنْ الشَّامِلِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِهِ بِيَمِينٍ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ لِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ عج جَعَلَ مَا هُنَا تَقْيِيدًا لِمَا فِي الشَّامِلِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الْبَائِعِ) أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بَائِعٍ إلَخْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعٍ وَعَلَيْهِ ابْنُ غَازِيٍّ وَفِي الْمَوَّاقِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَذَكَرَ تت الْأَمْرَيْنِ وَتَبِعَهُ شَارِحُنَا وَفِي الْمُتَيْطِيِّ غَيْرُ هَذَا وَنَصُّهُ: الرَّجُلُ يَحْضُرُ الْمُزَايَدَةَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك بِكَذَا وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ بَلْ بِكَذَا انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى كَلَامِهِ رَاجِعٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُصَنِّفِ مُطْلَقًا
. (قَوْلُهُ: وَلِلْحَاكِمِ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْخِصَامِ فَلَيْسَ مِنْ تَلْقِينِ الْخَصْمِ لِلْحُجَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ وَمُقْتَضَى النَّوَادِرِ طَلَبُهُ. (أَقُولُ) وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ وَهَلْ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا وَهُوَ الظَّاهِرُ
. (قَوْلُهُ: فَلَا بَيِّنَةَ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَلَهُ الْقِيَامُ كَمَا إذَا رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَحَلَفَ وَأَخَذَ الْحَقَّ فَإِنَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْقَضَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا نَفْيَ مَعَهُ وَلَا اسْتِحْلَافَ كَمَا ذَكَرَهُ الْفِيشِيُّ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ النِّسْيَانِ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْعِلْمِ إلَخْ) وَكَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ أَوْ أَنَّهَا مَاتَتْ
. (قَوْلُهُ: وَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ) أَيْ وَلَا يَحْكُمُ عَلَى الْخَصْمِ إلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ هَذَا فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً مُتَوَسِّطَةً أَوْ بَعِيدَةً فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِذَا قَدِمَ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَنْسَابُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ) أَيْ الَّتِي يَتَمَيَّزُونَ بِهَا.
(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ فَلَوْ قَالَ بَيِّنَتِي غَائِبَةٌ فَاحْلِفْ لِي فَإِذَا قَدِمَتْ أَقُومُ بِهَا كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ وَيَقُومُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَوْ عَلِمَ بِبُعْدِهَا وَسَكَتَ وَحَلَّفَهُ كَانَ لَهُ الْقِيَامُ بِهَا أَيْضًا قَالَهُ الْبَدْرُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ وَظَاهِرُهُ بِلَا خِلَافٍ الثَّانِي لَا يَلْزَمُ مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنْ يَحْلِفَ عَلَى صِحَّتِهَا، الثَّالِثُ لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعِيَ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ الدَّعَاوَى عَلَى شَخْصٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِهَا وَيَتْرُكَ بَعْضَهَا لِوَقْتٍ آخَرَ، الرَّابِعُ لَوْ تَعَدَّدَتْ الدَّعَاوَى كَفَى فِيهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ نَاصِرٌ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُدَّعُونَ وَانْظُرْ النَّقْلَ الصَّرِيحَ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) أَيْ لَزِمَ
أَوْ وُجِدَ ثَانِيًا (ش) هُوَ فِي حَيِّزِ الِاسْتِثْنَاءِ فَيُفِيدُ أَنَّ وُجُودَهُ بَعْدَمَا اسْتَحْلَفَهُ وَحَلَفَ وَمِنْ قَوْلِهِ أَوْ وُجِدَ ثَانِيًا يُسْتَفَادُ أَنَّ الْحَلِفَ لِرَدِّ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَقَامَ شَاهِدًا عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ مُطْلَقًا أَوْ فِي دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ ثُمَّ وَجَدَ شَاهِدًا آخَرَ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ وَيَضْمَنَهُ لِلْأَوَّلِ وَيَعْمَلَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ لِانْفِرَادِهِ، وَفِي كَلَامِ تت نَظَرٌ اُنْظُرْ وَجْهَهُ فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ (ص) أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ (ش) الْمَعْطُوفُ عَلَى نِسْيَانِ مَحْذُوفٍ مَعَ حَذْفِ ثَلَاثِ مُضَافَاتٍ بَعْدَهُ وَالتَّقْدِيرُ أَوْ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى عَدَمِ قَبُولِ الْحَاكِمِ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ ذَلِكَ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ أَصْلًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَاسْتَحْلَفَ الْمَطْلُوبَ أَيْ طَلَبَ الْمُقِيمُ يَمِينَهُ وَحَلَفَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الَّذِي لَمْ يَقْبَلْهُ حَيْثُ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ وَيَحْلِفُ مَعَهُ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَذْهَبُهُ يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ تَارَةً وَلَا يَرَاهُ أُخْرَى كَالْمَالِكِيِّ وَكَانَتْ الدَّعْوَى فِيمَا لَا يَرَاهُ فِيهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضُمُّهُ لِلْأَوَّلِ إذَا كَانَ حِينَ تَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ نَاسِيًا لَهُ أَوْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيِّنَةِ.
(ص) وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا، قَالَ وَكَذَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي أَنْتِ حَلَّفْتنِي عَلَى ذَلِكَ قَبْلُ وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ مَا حَلَّفَهُ قَبْلَ تَارِيخِهِ فَإِنْ حَلَفَ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى ثُمَّ لَا يَحْلِفُ مَرَّةً أُخْرَى وَكَذَلِكَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْقَاضِيَ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّهَادَةِ فَالْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ حُضُورِ الْخَصْمِ لَا فِي غَيْبَتِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا) قَالَ فِي ك ثُمَّ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَطْفُ الْفِعْلِ الْمَاضِي عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ لَيْسَ بِقَوِيمٍ وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى أَيْ كَنِسْيَانٍ أَوْ وُجُودِ ثَانٍ قَدْ بَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَحَّ عَطْفُ الْفِعْلِ الْمَاضِي عَلَى الْمَصْدَرِ حَيْثُ رُوعِيَ الْمَعْنَى دَائِمًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ: فِي حَيِّزِ إلَخْ) أَيْ فَلَا بَيِّنَةَ إلَّا لِعُذْرٍ وَإِلَّا لِوُجُودِ ثَانٍ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ وُجُودِ الثَّانِي لَمْ تَنْتَفِ بَيِّنَتُهُ بَلْ بَقِيَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي دَعْوَى أَيْ عِنْدَ مَالِكٍ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَجَدَ شَاهِدًا) أَيْ كَأَنْ نَسِيَهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ، وَكَلَامُهُ هُنَا غَيْرُ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلَا ضَمَّ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى شَيْءٍ تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ لِانْفِرَادِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ لِعِلَّةِ الِانْفِرَادِ فَحَيْثُ فُقِدَ الِانْفِرَادُ لِوُجُودِ الثَّانِي صَحَّ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ تت نَظَرٌ) أَيْ فتت جَعَلَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِيمَنْ ادَّعَى عِنْدَ مَنْ يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ الْمَطْلُوبُ أَيْضًا لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ ثُمَّ وَجَدَ ثَانِيًا فَإِنَّهُ يَضُمُّهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ وَجَدَ الثَّانِيَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا لِرَدِّ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَأَيْضًا فَهُوَ مُكَرَّرٌ مَعَ مَفْهُومِ مَا يَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ حَلَّفَ الْمَطْلُوبَ ثُمَّ أَتَى بِآخَرَ فَلَا ضَمَّ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُمَا وَمَا هُنَا فِيمَا لَا تَثْبُتُ بِهِمَا لِكَوْنِ الْحَاكِمِ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا ضَمَّ. (قَوْلُهُ: مَعَ حَذْفِ ثَلَاثِ مُضَافَاتٍ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ إنَّمَا هُوَ مُضَافَانِ لَا ثَلَاثٌ. (قَوْلُهُ: لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ بُطْلَانَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ) أَيْ أَنَّ الْحَاكِمَ كَانَ مُجْتَهِدًا لَا يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَصَارَ يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَيُرْفَعُ لَهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَكَمَ أَوَّلًا بِالرَّدِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ أَيْ فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ الشَّاهِدَ وَيَحْلِفَ مَعَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ مَالِكِيٍّ يَرَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ الْأَوَّلُ بِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بَلْ أَعْرَضَ؛ لِأَنَّ إعْرَاضَ الْحَاكِمِ لَيْسَ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهَا تُصَدَّقُ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ الْأَوَّلُ بِالرَّدِّ فَإِنْ حَكَمَ بِالرَّدِّ فَلَيْسَ لِلْخَصْمِ أَنْ يَرْفَعَ لِحَاكِمٍ مَالِكِيٍّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَذَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيِّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَقْرِيرَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ بِمَا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْقَاضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَهُ الْحُكْمُ يَنْبُو عَنْهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ إذْ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ أَوَّلًا إلَّا أَنْ يُقَالَ يُقْرَأُ الْأَوَّلُ بِالنَّصْبِ أَيْ لَمْ يَرَهُ الزَّمَنَ الْأَوَّلَ وَفِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ مَا لَا يَخْفَى فَالْمُنَاسِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ لَا يَحْكُمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ ثُمَّ وُلِّيَ آخَرُ مِمَّنْ يَرَى الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ حُكْمُ الثَّانِي فَسْخًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ يُرِيدُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ بَابِ التَّرْكِ كَذَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت وَتَأَمَّلْ فِي الْكَلَامِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إنَّمَا يَضُمُّهُ لِلْأَوَّلِ إذَا كَانَ إلَخْ) وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي شَرَحَ بِهِ شَارِحُنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ قَدْ أَخَلَّ بِالْقَيْدِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ مَا أَشَرْنَا لَهُ بِقَوْلِنَا أَيْ كَأَنْ نَسِيَهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ
. (قَوْلُهُ: أَوَّلًا) لَوْ أَسْقَطَ أَوَّلًا لَكَانَ أَخْصَرَ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالْأَوَّلِيَّةِ بِاعْتِبَارِ طَلَبِهَا مِنْهُ ثَانِيًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَنَّهُ عَالِمٌ) أَيْ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ عَالِمٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ) أَيْ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ حَلَّفَهُ وَسَقَطَ الْحَقُّ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ الْمُتَوَجِّهَةُ أَوَّلًا وَلَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ إلَخْ) فَإِنْ أَقَامَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَلَى فِسْقِهِمْ شَاهِدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ وَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ
إقَامَتِهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ بِفِسْقِ شُهُودِهِ كَمَا اخْتَارَهُ الْمَازِرِيُّ فَإِنْ حَلَفَ بَقِيَ الْأَمْرُ بِحَالِهِ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ الْحَقُّ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي تَصْوِيرِ الدَّعْوَى لَا فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ كَيْفِيَّتَهَا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِفِسْقِ شُهُودِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَلَهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَيْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا إلَخْ
(ص) وَأَعْذَرَ إلَيْهِ بِ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ، وَنُدِبَ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِيهِ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ قَسِيمُ قَوْلِهِ فَإِنْ نَفَاهَا أَيْ إنْ قَالَ نَعَمْ، أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا وَسَمِعَهَا وَأَعْذَرَ بِ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا أَيْ وَأَعْذَرَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُوَجِّهَ الْحُكْمَ إلَيْهِ مِنْ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَطْعَنٍ فِي الْبَيِّنَةِ نَفَّذَ مَا شَهِدَتْ بِهِ وَإِلَّا أَنْظَرَهُ لِإِثْبَاتِ مَا يَدَّعِيهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا يَأْتِي، وَالْإِعْذَارُ وَاجِبٌ فَإِنْ حَكَمَ بِغَيْرِهِ نُقْضَ الْحُكْمُ قَالَهُ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ يَسْتَأْنِفُ لَهُ الْإِعْذَارَ فَإِنْ أَبْدَى مَطْعَنًا نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ عَدَمَ الْإِعْذَارِ لَمْ يُنْقَضْ الْحُكْمُ، قَالَهُ الْأَخَوَانِ وَقَالَ غَيْرُهُمَا يَسْتَأْنِفُ الْإِعْذَارَ فَإِنْ أَبْدَى مَطْعَنًا نُقِضَ وَإِلَّا فَلَا، وَيُنْدَبُ تَوْجِيهُ مُتَعَدِّدٍ فِي الْإِعْذَارِ إنْ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَائِبًا وَسَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ فِي غَيْبَتِهِ
(ص) إلَّا الشَّاهِدَ بِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَمُوَجِّهَهُ وَمُزَكِّيَ السِّرِّ وَالْمُبَرِّزَ بِغَيْرِ عَدَاوَةٍ وَمَنْ يُخْشَى مِنْهُ (ش) هَذِهِ مَسَائِلُ خَمْسٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْإِعْذَارُ مِنْهَا إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بِحَقٍّ لِخَصْمِهِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُعْذَرُ إلَيْهِ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ سَمِعُوا إقْرَارَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لِمُشَارَكَةِ الْقَاضِي لِلْبَيِّنَةِ فِي الْعِلْمِ فَلَوْ أَعْذَرَ فِي ذَلِكَ لَكَانَ إعْذَارًا فِي نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يُعْذَرُ فِي نَفْسِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ أَنَّ مَنْ لَا إعْذَارَ لَهُ فِيهِ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ تَسْمِيَتُهُ فَإِنَّهُ قَالَ مَسْأَلَةٌ وَكَذَلِكَ الشَّاهِدَانِ الْمُوَجَّهَانِ لِحُضُورِ الْيَمِينِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَقَامَهُمَا مَقَامَ نَفْسِهِ وَمِنْهَا مُزَكِّي السِّرِّ وَهُوَ مَنْ يُخْبِرُ الْقَاضِيَ فِي السِّرِّ بِحَالِ الشُّهُودِ مِنْ عَدَالَةٍ أَوْ جَرْحٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ
وَلَوْ سَأَلَ الطَّالِبُ الْمُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَمَّنْ جَرَحَهَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَ الْمَطْلُوبُ عَمَّنْ زَكَّى بَيِّنَةَ الطَّالِبِ فَإِنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِيمُ لِذَلِكَ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِهِ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَاضِي فَلَا يُعْذَرُ فِي نَفْسِهِ فَمُزَكِّي بِكَسْرِ الْكَافِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمُزَكِّي هُوَ الشَّاهِدُ وَاقْتَصَرَ الْبِسَاطِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيمَنْ زَكَّاهُ الْمُزَكِّي الْمَذْكُورُ أَيْضًا، وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِالْفَتْحِ فَيُفِيدُ أَنَّ مَنْ زَكَّاهُ مُزَكِّي السِّرِّ لَا يُعْذَرُ فِيهِ وَلَا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ يُزَكِّي غَيْرَهُ سِرًّا لَا يُعْذَرُ فِيهِ وَجَعَلَ الزَّرْقَانِيُّ الْمُزَكِّيَ شَامِلًا لِمَنْ يُخْبِرُهُ بِالْجَرْحِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: كَمَا اخْتَارَهُ الْمَازِرِيُّ) أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَازِرِيَّ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ فِي هَذِهِ وَإِنَّمَا لَهُ اخْتِيَارٌ فِي الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا وَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِصِيغَةِ الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَهُ مِنْ الْخِلَافِ لَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَعْذَرَ إلَيْهِ) وَالْإِعْذَارُ سُؤَالُ الْحَاكِمِ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ هَلْ عِنْدَهُ مَا يَجْرَحُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ أَمْ لَا وَالْهَمْزَةُ فِي أَعْذَرَ لِلسَّلْبِ مِثْلُ شَكَا إلَيَّ زَيْدٌ فَأَشْكَيْتُهُ أَيْ أَزَلْت شِكَايَتَهُ وَأَعْجَمْت الْكِتَابَ أَيْ أَزَلْت عُجْمَتَهُ أَيْ قَطَعَ عُذْرَهُ أَيْ لَمْ يُبْقِ لَهُ عُذْرًا أَيْ قَطَعَ حُجَّتَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَثْبَتَ عُذْرَهُ. (قَوْلُهُ: بِ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ أَوْ يَقُولُ لَهُ أَلَك مَطْعَنٌ أَوْ قَادِحٌ أَوْ مَدْفَعٌ أَوْ مَقَالٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ) وَالْإِعْذَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ عَلَيْهِ وَلِلْمُدَّعِي فِيمَنْ يَجْرَحُ بَيِّنَتَهُ فَيَقُولُ أَلَك حُجَّةٌ تَطْعَنُ فِي الْمَطْعَنِ أَوْ بَيِّنَةٌ غَيْرُ هَذِهِ. (قَوْلُهُ: نَفَذَ مَا شَهِدَتْ بِهِ) الْمُتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ نَفَذَ مِنْ النُّفُوذِ. (قَوْلُهُ: نُقِضَ الْحُكْمُ قَالَهُ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالْإِعْذَارُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ إنَّ الْإِعْذَارَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ كَمَا لَوْ حَبَسَ عَقَارًا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَادَّعَى شَخْصٌ مِنْ وَرَثَةِ الْوَاقِفِ تَوَلَّى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ إلَى أَنْ مَاتَ أَوْ أَنَّهُ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ مَثَلًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فَهَلْ يُعْذِرُ لِلْفُقَرَاءِ فِي هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ أَوْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْذِرُ إلَيْهِمْ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِي مَعَ بَيِّنَتِهِ وَإِذَا شَهِدَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ هَلْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الشُّهُودِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْإِعْذَارِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَى التَّوَاتُرِ الْمُحَصِّلِ لِلْعِلْمِ فَلَا إعْذَارَ وَإِلَى هَذَا مَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ والأندلسيي نَ كَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَاتٍ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْقُضْ الْحُكْمَ) وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهُ عَدَمَ الْإِعْذَارِ أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ، وَقَوْلُهُ: قَالَهُ الْأَخَوَانِ أَيْ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ لِمَا قَدَّمْنَا، وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ تَقْدِيمُهُ. (قَوْلُهُ: تَوْجِيهٌ مُتَعَدِّدٌ فِي الْإِعْذَارِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَائِبًا) وَيَقُولَانِ لَهُ قَدْ سَمِعَ الْقَاضِي شَهَادَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيْك وَهَلْ عِنْدَك مَنْ يُجَرِّحُهُمَا أَمْ لَا وَمُرَادُهُ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً، وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ أَوْ الْبَعِيدَةُ فَلَا إعْذَارَ بَلْ هُوَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ
. (قَوْلُهُ: إلَّا الشَّاهِدَ بِمَا فِي الْمَجْلِسِ) ابْنُ مَرْزُوقٍ وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ بِمَا فِي عِلْمِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَجْلِسِ. (قَوْلُهُ: لِحُضُورِ الْيَمِينِ) أَيْ مَثَلًا أَيْ أَوْ لِحِيَازَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَجِّهُ إلَّا مَنْ يَعْلَمُ عَدَالَتَهُ بِخِلَافِ الشُّهُودِ الَّذِينَ يُحْضِرُهُمْ الْمُدَّعِي غَيْرُ الْمُلَازِمِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِيهِمْ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهَا) أَيْ لِلْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ: بِحَالِ الشُّهُودِ) أَيْ الْمُلَازِمِينَ لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: لَا يُعْذَرُ فِيهِ) أَيْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمُزَكَّى بِفَتْحِ الْكَافِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُقِيمُ لِذَلِكَ) أَيْ لِلتَّزْكِيَةِ سِرًّا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ يُزَكِّي غَيْرَهُ) وَهُوَ الْمُزَكِّي بِكَسْرِ الْكَافِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَتْحِ لَا تُفِيدُ إلَّا عَدَمَ الْإِعْذَارِ فِي الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْإِعْذَارِ فِي الْمُزَكِّي بِالْكَسْرِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْكَسْرِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْأَمْرَيْنِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَأَقُولُ فِي كَلَامِهِ نَظَرٌ بَلْ يُفِيدُ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ مُزَكِّي السِّرِّ بِالْكَسْرِ ثَابِتَةٌ بِعِلْمِ الْقَاضِي فَهِيَ قَوِيَّةٌ وَعَدَالَةُ الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ لَيْسَتْ ثَابِتَةً بِعِلْمِ الْقَاضِي بَلْ بِعِلْمِ مَنْ زَكَّاهُ الْقَاضِي فَهِيَ ضَعِيفَةٌ فَإِذَا كَانَ لَا يُعْذَرُ إلَيْهِ فِي الضَّعِيفِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُعْذَرَ إلَيْهِ فِي الْقَوِيِّ
إخْرَاجٌ لِلَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّاهِدَ الْمُبَرِّزَ فِي الْعَدَالَةِ أَيْ الْفَائِقُ أَقْرَانِهِ فِيهَا لَا يُعْذَرُ فِيهِ لِغَيْرِ الْعَدَاوَةِ وَيُعْذَرُ فِيهِ فِيهَا، وَمِثْلُهَا الْقَرَابَةُ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يُخْشَى مِنْهُ عَلَى مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ إلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ وَمَنْ يُخْشَى مِنْهُ أَيْ وَشَاهِدُ مَنْ يُخْشَى مِنْهُ وَبِعِبَارَةٍ أَيْ وَالشَّاهِدُ عَلَى مَنْ يُخْشَى مِنْهُ لَا يُسَمِّي لَهُ
(ص) وَأَنْظَرَهُ لَهَا بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ حَكَمَ كَنَفْيِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ إذَا قَالَ لِي حُجَّةٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنْظِرُهُ لَهَا أَيْ لِأَجْلِ الْإِتْيَانِ بِهَا بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ لَا حُجَّةَ لِي وَنَفَاهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ فَإِنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ بَعِيدَةٌ كَالْعِرَاقِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ وَيُقِيمُهَا عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ فَالضَّمِيرُ فِي لَهَا لِلْحُجَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا.
(ص) وَلْيُجِبْ عَنْ الْمُجَرِّحِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً شَهِدَتْ لَهُ بِحَقٍّ عَلَى شَخْصٍ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِتَجْرِيحِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فَإِذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي عَمَّنْ جَرَّحَ بَيِّنَتَهُ فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُخْبِرَهُ عَمَّنْ جَرَّحَ بَيِّنَتَهُ وَيُوَجِّهُ لَهُ الْإِعْذَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْمُجَرِّحِ وَالْمُدَّعِي عَدَاوَةٌ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَرَابَةٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ التَّجْرِيحُ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَيِّنَةٍ وَإِنَّمَا الْقَاضِي عَلِمَ مِنْ الشَّاهِدِ شَيْئًا يَرُدُّ شَهَادَتَهُ فَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ الْجَوَابُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ حَذْفٌ أَيْ وَلْيُجِبْ الْحَاكِمُ السَّائِلَ عَنْ تَعْيِينِ الْمُجَرِّحِ.
(ص) وَيُعَجِّزُهُ (ش) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِذَا قَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ لِي حُجَّةٌ وَأَنْظَرَهُ الْحَاكِمُ لِأَجْلِ الْإِتْيَانِ بِهَا بِاجْتِهَادِهِ وَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّتِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُعَجِّزُهُ وَيَكْتُبُ التَّعْجِيزَ فِي سِجِلِّهِ بِأَنْ يَقُولَ فُلَانٌ ادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً وَلَمْ يَأْتِ بِهَا وَقَدْ عَجَّزْته خَوْفًا مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمَ التَّعْجِيزِ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ رَفْعًا لِلنِّزَاعِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ بِالْقَبُولِ ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُؤَلِّفُ مَسَائِلَ لَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعْجِيزُ فِيهَا بِقَوْلِهِ.
(ص) إلَّا فِي دَمٍ وَحَبْسٍ وَعِتْقٍ وَنَسَبٍ وَطَلَاقٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ لَا يَقْطَعُ فِيهَا الْحُجَّةُ وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَيْسَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي التَّزْكِيَةِ فَكَيْفَ يَشْمَلُ التَّجْرِيحَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ لَا مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا الْقَرَابَةُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِعْذَارَ بِالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ قَاصِرٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُبَرِّزِ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ لَا بِعَدَاوَةٍ وَلَا بِقَرَابَةٍ وَلَا بِغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: لَا يُعْذَرُ إلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ بِحَقٍّ وَكَذَا بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِتَجْرِيحِ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ لَا يُعْذَرُ لَهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى لَهُ فِيهَا) أَيْ حَيْثُ لَا تُسَمَّى فَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُهْمِلَ حَقَّهُ فِي تَفْتِيشِ حَالِ الشُّهُودِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ لَهُمْ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْلِيفِ الْمَشْهُودِ لَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدَّعْوَى عَلَى صَغِيرٍ وَغَائِبٍ لَكَانَ حَسَنًا
. (قَوْلُهُ: وَأَنْظَرَهُ إلَخْ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا وَقَوْلُهُ: بِاجْتِهَادِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ مَحْدُودًا بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَمَحَلُّ الْإِنْظَارِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ فَيَحْكُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْآنَ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيًا) أَيْ بِأَنْ أَتَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِتَجْرِيحِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فَيَقُولُ الْمُدَّعِي إنَّ لِي حُجَّةً فَأَنْظِرُونِي وَقَوْلُهُ: أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَيْ بِأَنْ أَرَادَ التَّجْرِيحَ فِي بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ) أَيْ بِمَا قَالَ خَصْمُهُ تت. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ بَعِيدَةٌ كَالْعِرَاقِ) أَيْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِي بَيِّنَةٌ بِالْعِرَاقِ تَشْهَدُ بِتَجْرِيحِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي
. (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُخْبِرَهُ) إنْ لَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ مِنْهُ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَنْ الْمُجَرِّحِ) ظَاهِرًا لَا الْمُجَرِّحِ السِّرَّ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ
. (قَوْلُهُ: وَيُعَجِّزُهُ) التَّعْجِيزُ هُوَ الْحُكْمُ بِعَدَمِ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ بِعَدَمِهَا لَهُ لِلْحُجَّةِ الَّتِي ادَّعَاهَا لَا الْحُكْمُ بَعْدَ تَبَيُّنِ اللَّدَدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ بَيِّنَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ مُحَشِّي تت التَّعْجِيزُ هُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَجِّزِ فَلَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى الْحُكْمِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِالتَّعْجِيزِ وَإِنَّمَا يَكْتُبُ التَّعْجِيزَ لِمَنْ سَأَلَهُ تَأْكِيدًا لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ الْحُجَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ النَّقْلَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُكْمِ هُوَ التَّعْجِيزُ ثُمَّ قَالَ إذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي دَمٍ إلَخْ لَا يَأْتِي عَلَى مَا دَرَجَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ إلَخْ وَقَبُولُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ التَّعْجِيزِ إنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ نِسْيَانٍ وَعَدَمِ عِلْمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا خُصُوصِيَّةً لِهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ مَا يَأْتِي بَعْدَ التَّعْجِيزِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَذَكَرَ النُّقُولَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك مِنْ هَذِهِ الْأَسْمِعَةِ وَغَيْرِهَا مَا قُلْنَاهُ إنَّ التَّلَفُّظَ بِالتَّعْجِيزِ غَيْرُ مُشْتَرَطٍ وَإِنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ الْقِيَامُ بَعْدَهُ لِلطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ إنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَهُوَ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إلَّا لِعُذْرٍ فِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَظَاهِرُهَا الْقَبُولُ فَلَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ إذْ الْقَبُولُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَنْ قَالَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ مَا أُتِيَ بِهِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَكْتُبُ التَّعْجِيزَ فِي سِجِلِّهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي وَكَتَبَهُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَذْكُرَهُ هُنَا. (قَوْلُهُ: خَوْفًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيَكْتُبُ التَّعْجِيزَ أَيْ إنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ التَّعْجِيزَ خَوْفًا مِنْ أَنْ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَأَنَّهُ بَاقٍ وَمَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَدَمُ التَّعْجِيزِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَيْ كَتَبَهُ خَوْفًا مِنْ دَعْوَاهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ تِلْكَ الدَّعْوَى وَقَوْلُهُ: رَفْعًا لِلنِّزَاعِ عِلَّةٌ لِلْكَتْبِ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: خَوْفًا وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ هُنَاكَ عِلَّةٌ لِلْمُعَلَّلِ بِالرَّفْعِ مَعَ عِلَّتِهِ أَيْ الرَّفْعِ
. (قَوْلُهُ: وَضَابِطُ إلَخْ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي الدَّمِ؛ لِأَنَّ لِوَلِيِّهِ إسْقَاطُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَتْلِ الْغِيلَةِ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ إسْقَاطُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ
لِمُدَّعِيهِ إسْقَاطُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالتَّعْجِيزِ لَا يَقْطَعُ الْحُجَّةَ فِيهِ وَبِعِبَارَةٍ لَيْسَ لِلْقَاضِي تَعْجِيزُ الطَّالِبِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِبَيِّنَتِهِ مَتَى وَجَدَهَا وَيَحْكُمُ الْآنَ بِإِبْطَالِ الدَّمِ وَبِإِبْطَالِ الْحَبْسِ وَبِبَقَاءِ الرِّقِّ وَبِعَدَمِ النَّسَبِ وَبِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ وَيُطَالِبَ بِالْبَيِّنَةِ فَيَعْجِزَ عَنْهَا فَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِعَدَمِ سَمَاعِ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ وَجَدَ بَيِّنَتَهُ وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ الْقِصَاصِ الْآنَ، وَالثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ أَنَّ شَخْصًا حَبَسَ عَلَيْهِ دَارًا وَيَطْلُبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ فَيَعْجِزُ عَنْهَا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ إنْ وَجَدَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ رَفَعَ يَدَهُ الْآنَ عَنْهَا، الثَّالِثُ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِذَلِكَ فَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِعَدَمِ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إنْ وَجَدَهَا وَإِنْ حَكَمَ بِبَقَائِهِ فِي الرِّقِّ الْآنَ، الرَّابِعُ إنْسَانٌ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ سَمَاعِ بَيِّنَتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إنْ وَجَدَهَا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ الْآنَ، الْخَامِسُ امْرَأَةٌ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَعَجَزَتْ عَنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى الطَّلَاقِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِإِبْطَالِ دَعْوَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ وَجَدَتْ بَيِّنَةً وَإِنْ حُكِمَ بِبَقَائِهَا فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا الْآنَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ عَدَمَ التَّعْجِيزِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا أَوْ أَنَّهُ طَلَّقَ إلَخْ وَلَمْ يَأْتِ بِمَدْفَعٍ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحُجَجِ فَإِذَا عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ حَتَّى فِي الدَّمِ وَنَحْوِهِ كَمَا ارْتَضَاهُ الْجِيزِيُّ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (وَكَتَبَهُ) لِلتَّعْجِيزِ أَوْ لِلتَّلَوُّمِ أَوْ لِلْإِعْذَارِ أَوْ لِلْإِنْظَارِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنْظَرَهُ لَهَا بِاجْتِهَادِهِ وَهَذَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْظَارَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيهِ وَلَكِنْ رُجُوعُهُ لِلتَّعْجِيزِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَتْبِهِ كَتْبُ التَّلَوُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ التَّعْجِيزَ إلَّا وَيَكْتُبُ التَّلَوُّمَ أَيْ وَكَتْبُ كَيْفِيَّةِ التَّعْجِيزِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالتَّعْجِيزِ) الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ سَابِقًا لَيْسَ لِلْقَاضِي التَّعْجِيزُ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّ التَّعْجِيزَ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالتَّعْجِيزِ لِلتَّصْوِيرِ لَا لِلتَّعْدِيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيزَ صِفَتُهُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ. (قَوْلُهُ: لَا يَقْطَعُ) أَيْ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: أَنْ يَدَّعِيَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى إثْبَاتٍ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَسَيَأْتِي دَعْوَى النَّفْيِ فِي آخِرِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ) فَإِذَا أُقِيمَتْ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْ عَلَى الْمُطَلِّقِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْقَاتِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْمُطَلِّقُ ادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً تَجْرَحُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ إنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ الْمُجَرِّحَةِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِتَعْجِيزِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِقَتْلِهِ ثُمَّ إنَّ أَوْلِيَاءَهُ أَقَامَتْ بَيِّنَةً تَجْرَحُ الشَّهَادَةَ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَمَضَى الْقَتْلُ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَيْ مِنْ وَلِيِّهِ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْتِ بِمَدْفَعٍ أَيْ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُبْطِلُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي بِالْقَتْلِ أَوْ الطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحُجَجِ أَيْ مِنْ الْإِعْذَارِ وَالتَّلَوُّمِ وَقَوْلُهُ: فَإِذَا عَجَّزَهُ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ فَإِذَا عَجَّزَهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) وَهُوَ النَّسَبُ وَمَا عُطِفَ عَلَى الدَّمِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي دَمٍ وَحَبْسٍ إلَخْ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى عج؛ لِأَنَّ عج يَقُولُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيزُهُ أَصْلًا أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ عج أَنَّ النَّفْيَ كَالْإِثْبَاتِ فِي عَدَمِ التَّعْجِيزِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَيْ الدَّمِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْجِيزِيَّ يَقُولُ لَيْسَ النَّفْيُ كَالْإِثْبَاتِ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَكَلَامُ شَارِحِنَا فِي ك عَنْ بَعْضِ التَّقَارِيرِ يُقَوِّي كَلَامَ عج. (قَوْلُهُ: كَمَا ارْتَضَاهُ الْجِيزِيُّ) هُوَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْجِيزِيُّ عَصْرِيُّ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيِّ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْ الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ اللَّقَانِيِّ. (قَوْلُهُ: لِلتَّعْجِيزِ) أَيْ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُعَجِّزُهُ وَهُوَ أَوْلَى لِقُرْبِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ لِلتَّلَوُّمِ أَيْ الَّذِي هُوَ عَيْنُ الْإِنْظَارِ الْمُفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَنْظَرَهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ لِلْإِعْذَارِ أَيْ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَعْذَرَ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يُفِيدُهُ) أَيْ كَوْنُ الضَّمِيرِ عَائِدًا عَلَى الْإِنْظَارِ هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِنْظَارَ إلَخْ) رَوْحُ الْعِلَّةِ قَوْلُهُ: وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيهِ أَيْ إذَا ادَّعَى الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُنْظِرْهُ وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهُ أَنْظَرَهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَاضِي أَنَّهُ أَنْظَرَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْكَتْبِ وَمُفَادُهُ أَنَّ التَّنَازُعَ إذَا حَصَلَ فِي التَّعْجِيزِ بِأَنْ يَقُولَ الْقَاضِي أَنَا عَجَّزْتُك فَيَقُولُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَنْتَ لَمْ تُعَجِّزْنِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا قَوْلَ الْقَاضِي فَلِذَا كَتَبَ التَّعْجِيزَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْكَتْبِ خَوْفًا مِنْ تَطَاوُلِ الزَّمَنِ وَنِسْيَانِ ذَلِكَ أَوْ عَزْلِ هَذَا الْقَاضِي وَقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ وَيَحْصُلُ التَّنَازُعُ عِنْدَ قِيَامِ غَيْرِهِ فَيَرْجِعُ لِلْكِتَابَةِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَتْبِ التَّعْجِيزِ كَتْبُ التَّلَوُّمِ) أَيْ بِحَسَبِ مَا طَلَبَ فِي الشَّرْعِ لَا عَقْلًا وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ التَّعْجِيزَ إلَّا وَيَكْتُبُ التَّلَوُّمَ أَيْ لِأَنَّ التَّعْجِيزَ شَرْعًا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ التَّلَوُّمِ فَمَتَى كَتَبَ الْمُتَأَخِّرُ الَّذِي هُوَ التَّعْجِيزُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ كَتْبِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ الْإِنْظَارُ الَّذِي هُوَ التَّلَوُّمُ أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَتْبِ التَّلَوُّمِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُتَقَدِّمُ كَتْبُ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي هُوَ التَّعْجِيزُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَتْبَ التَّعْجِيزِ مُسْتَلْزِمٌ لِكَتْبِ التَّلَوُّمِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمُسَبَّبِ الَّذِي هُوَ التَّعْجِيزُ وُجُودُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ التَّلَوُّمُ دُونَ الْعَكْسِ أَيْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَتْبِ التَّلَوُّمِ كَتْبُ التَّعْجِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ السَّبَبِ وُجُودُ الْمُسَبَّبِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ الْإِنْظَارُ وَيَمْنَعَ مِنْ التَّعْجِيزِ مَانِعٌ وَقَوْلُهُ: أَيْ وَكَتَبَ كَيْفِيَّةَ التَّعْجِيزِ أَيْ اللَّازِمِ مِنْهُ كَتْبُ التَّعْجِيزِ وَقَوْلُهُ: هَلْ عَجَّزَهُ بَيَانٌ لِلْكَيْفِيَّةِ فَكِتَابَتُهُ أَنَّهُ عَجَّزَهُ بَعْدَ ادِّعَاءِ الْحُجَّةِ أَوْ ابْتِدَاءِ كِتَابَةٍ لِكَيْفِيَّةِ التَّعْجِيزِ أَيْ لِصِفَةِ التَّعْجِيزِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ وَقَوْلُهُ: لَا وَكَتَبَ أَنَّهُ عَجَّزَ أَيْ فَقَطْ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ أَيْ فَكَتَبَهُ أَنَّهُ عَجَّزَ بِدُونِ أَنْ يُبَيِّنَ الْكَيْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ نَقُولُ بَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَأَنَّهُ مَا كَتَبَ أَنَّهُ عَجَّزَ إلَّا بَعْدَ كِتَابَةِ
هَلْ عَجَّزَهُ بَعْدَ أَنْ ادَّعَى حُجَّةً أَوْ ابْتِدَاءً لَا وَكَتَبَ أَنَّهُ عَجَّزَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى كَيْفِيَّةِ التَّعْجِيزِ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا يُعْتَبَرُ وَمِنْهُ مَا لَا يُعْتَبَرُ كَمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ.
(ص) وَإِنْ لَمْ يُجِبْ حُبِسَ وَأُدِّبَ ثُمَّ حُكِمَ بِلَا يَمِينٍ (ش) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يُجِبْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا بِإِقْرَارٍ وَلَا بِإِنْكَارٍ أَوْ قَالَ لَا أُخَاصِمُهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْبِسُهُ وَيُؤَدِّبُهُ عَلَى عَدَمِ جَوَابِهِ بِالضَّرْبِ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ ثُمَّ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا يَمِينٍ عَنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فَرْعُ الْجَوَابِ وَهَذَا لَمْ يَجِبْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَيُعَدُّ هَذَا إقْرَارًا مِنْهُ بِالْحَقِّ.
(ص) وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِي إذَا قَالَ فِي دَعْوَاهُ لِي عَلَى هَذَا مِائَةٌ مَثَلًا فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَيِّنِ لِي مِنْ أَيِّ وَجْهٍ تَرَتَّبَتْ عَلَيَّ هَلْ مِنْ سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ بَيَّنَ لَهُ السَّبَبَ طَلَبَ مِنْ الْخَصْمِ الْجَوَابَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ السَّبَبَ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْمُدَّعِي السَّبَبَ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لَا يَتَرَتَّبُ بِسَبَبِهِ غُرْمٌ أَوْ غُرْمٌ قَلِيلٌ وَلَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ حِينَ سُئِلَ عَنْ السَّبَبِ قَالَ لَا أَدْرِي أَوْ قَالَ نَسِيته فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ.
(ص) وَقُبِلَ نِسْيَانُهُ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبُ الْمُعَامَلَةِ فَالْبَيِّنَةُ ثُمَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ بِحَقٍّ عَلَى شَخْصٍ مِنْ مُعَامَلَةٍ صَدَرَتْ بَيْنَهُمَا فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَصْدُرْ بَيْنِي وَبَيْنَك مُعَامَلَةٌ وَأَنْكَرَهَا مِنْ أَصْلِهَا فَالْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ بِثُبُوتِ مَا ادَّعَى عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِهِ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ حِينَ أَنْكَرَ الْمُعَامَلَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أُعَامِلْهُ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الدَّيْنِ وَلِعَدَمِ الْقَبْضِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا حَقَّ لَك يَا مُدَّعِي عَلَيَّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْحَقِّ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً شَهِدَتْ لَهُ بِأَنَّهُ قَضَاهُ ذَلِكَ الْحَقَّ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى مَا شَهِدَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُكَذِّبُ بَيِّنَتَهُ وَمِثْلُ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ لَيْسَ لَك عَلَيَّ حَقٌّ أَوْ قِبَلِي وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أُمُورٌ اُنْظُرْهَا فِي الْكَبِيرِ
(ص) وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الدَّعْوَى الَّتِي لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ كَعِتْقٍ وَرَجْعَةٍ وَكِتَابَةٍ وَطَلَاقٍ وَنِكَاحٍ لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا يَمِينٌ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ يَمِينٌ عَلَى عَدَمِ الطَّلَاقِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ الْمُجْبَرَ يَمِينٌ عَلَى عَدَمِ الْعَقْدِ عَلَى مُجْبَرَتِهِ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَتَجَرَّدْ فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَا تُرَدُّ) فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَجَرَّدْ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ وَلَا تُرَدُّ وَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْقَذْفِ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَفِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ وَبِعِبَارَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِهَا أَيْ فَإِنْ لَمْ تَتَجَرَّدْ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ وَلَا تُرَدُّ بَلْ إمَّا حَلَفَ أَوْ حُبِسَ فَإِنْ طَالَ دِينَ وَلَيْسَ
ــ
[حاشية العدوي]
مَا يَسْبِقُهُ فِي التَّلَوُّمِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا لَا يُعْتَبَرُ كَالْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ) مَعْنَى ذَلِكَ أَيْ إلَّا الْمَسَائِلَ الْمُسْتَثْنَاةَ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ عَدَمُ التَّعْجِيزِ وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ لَا يُعْتَبَرُ وَالْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ هِيَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ إلَّا فِي دَمٍ إلَخْ
. (قَوْلُهُ: حُبِسَ وَأُدِّبَ) أَيْ يُحْبَسُ أَوَّلًا فَإِنْ لَمْ يُجِبْ بَعْدَ الْحَبْسِ أُدِّبَ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ حَكَمَ أَيْ ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ بَعْدَهُمَا عَلَى عَدَمِ الْجَوَابِ حَكَمَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَيُعَدُّ هَذَا إقْرَارًا) وَمِثْلُ عَدَمِ جَوَابِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِلَا يَمِينٍ شَكُّهُ فِي أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ مَا يَدَّعِيهِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الْمُدَّعِي وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ مَا ادَّعَى بِهِ وَقَالَ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَى بِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ لِذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَقَعُ ذَلِكَ فِي مَحَاكِمِ مِصْرَ
. (قَوْلُهُ: وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ) أَيْ حَيْثُ غَفَلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ أَوْ جَهِلَ أَوْ تَعَمَّدَ عَدَمَ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالسُّؤَالِ عَنْ السَّبَبِ ابْتِدَاءً إنَّمَا هُوَ الْحَاكِمُ لَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَكِنْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ كَفَى. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ تَلْزَمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) مُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ بِيَمِينٍ وَاسْتَظْهَرَهُ الْأَشْيَاخُ الْمُتَأَخِّرُونَ. (أَقُولُ) فَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِهِ لِقِلَّةِ الصِّدْقِ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ
. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْكَرَ مَطْلُوبُ الْمُعَامَلَةِ) أَيْ الْخَاصَّةِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَفٍ مَثَلًا كَمَا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا مِنْ بَيْعٍ فَيُنْكِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لَمْ أَشْتَرِ مِنْك كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَدَّعِي بِمَعْلُومٍ مُحَقَّقٍ كَمَا فِي عب.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ يُقْبَلُ. (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أُمُورٌ) مِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ أَنَّ مَحَلَّ التَّفْرِقَةِ إذَا كَانَ الْقَائِلُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَمَّا مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ إنْكَارِ أَصْلِ الْمُعَامَلَةِ وَبَيْنَ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأُمُورِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجَوَابِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْفِيَ السَّبَبَ إنْ عَيَّنَهُ الْمُدَّعِي بِأَنْ يَقُولَ مَا اشْتَرَيْته أَوْ مَا اقْتَرَضْته أَوْ مَا تَزَوَّجْت مِنْك مَثَلًا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَلِمُدَّعًى عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْجَوَابِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُدَّعِي لَهُ السَّبَبَ أَوْ عَيَّنَهُ لَهُ وَاكْتَفَى بِهَذَا وَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ مَاشٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ: الْبَيِّنَةُ وَمِثْلُهَا إقْرَارُهُ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَهُ فَلَا يُفِيدُهُ بَيِّنَتُهُ سَوَاءٌ أَقَرَّ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ عَلِمْت مَا ذَكَرُوا وَعَلِمْت اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْوَجْهَيْنِ أَقُولُ إنَّ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا بَدِيهِيَّةٌ لَا تَخْفَى فَإِذَنْ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْوَجْهَيْنِ فَتَدَبَّرْ
. (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ) هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى تَوَجَّهَتْ. (قَوْلُهُ: مَعْطُوفٌ عَلَى مَفْهُومِ) أَيْ عَلَى جَوَابِ مَفْهُومٍ
عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ وَحَلَفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ فَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ هُنَا بِمُجَرَّدِهَا فَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شَاهِدًا أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الطَّلَاقِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ
فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ دِينَ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَخْصٌ شَاهِدًا يَشْهَدُ لَهُ أَنَّ فُلَانًا زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَأَنْكَرَ الْأَبُ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ، فَقَوْلُهُ هُنَا (كَنِكَاحٍ) مِثَالٌ لِمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَلَيْسَ مِثَالًا لِمَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ بِالدَّعْوَى الَّتِي لَمْ تَتَجَرَّدْ وَلَا تُرَدُّ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ لَا نِكَاحَ وَبِعِبَارَةٍ هُوَ مِثَالٌ لِلْقَاعِدَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْطُوقِ قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِهَا وَمُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ شَاهِدٌ فِي النِّكَاحِ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ أَنَّهَا لَا تَتَوَجَّهُ، لَكِنْ كَلَامُهُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ يَرْفَعُ هَذَا الْإِيهَامَ.
(ص) وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا تَرَافَعَ إلَيْهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِأَنْ يَصْطَلِحَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ أَقْرَبُ إلَى جَمْعِ الْخَوَاطِرِ وَإِلَى تَأْلِيفِ النُّفُوسِ وَيُذْهِبُ غِلَّ الصُّدُورِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ سَحْنُونَ فَقَدْ تَرَافَعَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَبَى أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا وَقَالَ لَهُمَا اُسْتُرَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا وَلَا تُطْلِعَانِي مِنْ أَمْرِكُمَا عَلَى مَا قَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمَا، وَأَمَّا لَوْ خَشِيَ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ اتِّسَاعَ الْأَمْرِ وَالْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَأَمَرَ إلَخْ وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ وَجْهُ الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَهَذَا يُخَصِّصُ عُمُومَ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَا يَدْعُونَ لِصُلْحٍ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ وَيَقْصِرُهُ عَلَى مَا عَدَا مَنْ ذُكِرَ هُنَا
(ص) وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَيَتِيمِهِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا مُتَأَكِّدَ الْقُرْبِ كَأَبٍ وَإِنْ عَلَا وَزَوْجِهِمَا وَوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ كَبِنْتٍ وَهَذَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الظِّنَّةَ تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا كَانَ يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَسَاهَلُ فِي قَبُولِهَا فَيُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ يَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ أَمَّا إذَا اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ أَخْذًا مِمَّا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِالْأَوْلَى وَنَصُّهُ عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ وَانْظُرْ هَلْ يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ ابْنُ رُشْدٍ وَلَهُ الْحُكْمُ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَهُ وَيُعَاقِبُهُ لِقَطْعِ أَبِي بَكْرٍ الْأَقْطَعَ الَّذِي سَرَقَ عِقْدَ زَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ لَمَّا اعْتَرَفَ بِسَرِقَتِهِ وَانْظُرْ الْمُفْتِيَ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُفْتِيَ عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ لِمَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبُرْزُلِيِّ مَا نَصَّهُ الْمَازِرِيُّ عَدَاوَةُ الْمُفْتِي كَعَدَاوَةِ الشُّهُودِ
(ص) وَنُبِذَ حُكْمُ جَائِرٍ وَجَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ وَإِلَّا تُعُقِّبَ وَمَضَى غَيْرُ الْجَوْرِ وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ (ش) لِمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام أَنَّ «الْقُضَاةَ ثَلَاثَةٌ جَائِرٌ وَجَاهِلٌ وَعَدْلٌ» أَفَادَ الْمُؤَلِّفُ أَحْكَامَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَاضِيَ الْخَارِجَ عَنْ الْحَقِّ مُتَعَمِّدًا تُنْبَذُ أَحْكَامُهُ أَيْ تُطْرَحُ وَتُلْغَى أَيْ يَطْرَحُهَا وَيُلْغِيهَا الْقَاضِي الَّذِي يَتَوَلَّى بَعْدَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَخْصٌ شَاهِدًا إلَخْ) فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الشُّهْرَةُ فَشَهَادَةُ أَحَدٍ فِيهِ رِيبَةٌ بِخِلَافِهِمَا وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ سَائِرَ مَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُهُمَا فِي الْحَلِفِ مَعَ إقَامَةِ شَاهِدٍ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ لَا حُكْمُ النِّكَاحِ ثُمَّ إنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا مَسَائِلُ مِنْهَا قَوْلُهُ: وَحَلَفَ الطَّالِبُ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عِلْمَ الْعَدَمِ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ وَقَوْلُهُ: وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا اُنْظُرْ الشُّرَّاحَ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُرَدُّ) أَيْ لَا يَرُدُّهَا مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ. (قَوْلُهُ: هُوَ مِثَالٌ لِلْقَاعِدَةِ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ هِيَ قَوْلُهُ: وَكُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا وَقَوْلُهُ: وَهُوَ وَاضِحٌ أَيْ كَوْنُ قَوْلِهِ كَنِكَاحٍ مِثَالًا لِلْقَاعِدَةِ أَيْ بَيَانًا لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَوْضُوعِهَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْطُوقِ قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِهَا أَيْ بِالنَّظَرِ لِمَنْطُوقِ قَوْلِهِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ إذَا تَجَرَّدَتْ فَلَا يَمِينَ فِيهَا قَطْعًا وَقَوْلُهُ: وَمُشْكِلٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَفْهُومِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَجَرَّدْ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ دَعْوَى النِّكَاحِ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَتَوَجَّهُ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ كَلَامُهُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ يَرْفَعُ هَذَا الْإِيهَامَ) أَيْ يَرْفَعُ هَذَا الِاقْتِضَاءَ أَيْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْطُوقٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى هَذَا الْمَفْهُومِ
. (قَوْلُهُ: وَالرَّحِمُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ ثُمَّ مَحَلُّ الصُّلْحِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الصُّلْحُ لَا فِي طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ: إلَى جَمْعِ الْخَوَاطِرِ أَيْ الْقُلُوبِ فَفِيهِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْحَالِ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا يُخَصَّصُ إلَخْ) التَّخْصِيصُ صَحِيحٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ نَهْيٌ عَامٌّ وَقَوْلُهُ: وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ أَمْرٌ وَهُوَ خَاصٌّ فَالتَّنَافِي مَوْجُودٌ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّخْصِيصِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ عب
. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) مُقَابِلُ الْمُخْتَارِ مَا لِأَصْبَغَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ عَلَى مَنْ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنْ حَكَمَ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ فَهَلْ حُكْمُهُ فِي النَّقْضِ كَحُكْمِهِ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ لَا فَلَا يَنْقُضُ وَهُوَ ظَاهِرُ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ أَوْ يَنْقُضُهُ هُوَ لَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا فِي النَّوَادِرِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ الْحُكْمُ عَلَى الْإِقْرَارِ) أَيْ مُعْتَمَدًا عَلَى الْإِقْرَارِ. (قَوْلُهُ: وَيُعَاقِبُهُ لِقَطْعِ أَبِي بَكْرٍ الْأَقْطَعَ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ الْعَقْدُ مِلْكًا لِأَبِي بِكْرٍ وَأَنَّ مَالَهَا كَمَالِهِ
. (قَوْلُهُ: أَيْ تُطْرَحُ وَتُلْغَى) لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُوَافِقًا قَطْعًا وَكَلَامُ
ابْنُ رُشْدٍ الْقَاضِي الْجَائِرُ تُرَدُّ أَحْكَامُهُ دُونَ تَصَفُّحٍ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً فِي ظَاهِرِهَا إلَّا أَنْ تَثْبُتَ صِحَّةُ بَاطِنِهَا اهـ.
وَكَذَلِكَ تُنْبَذُ أَحْكَامُ الْقَاضِي الْجَاهِلِ الَّذِي لَمْ يُشَاوِرْ الْعُلَمَاءَ بَلْ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ فَإِنْ كَانَ يُشَاوِرُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تُتَعَقَّبُ فَمَا كَانَ مِنْهَا صَوَابًا فَيَبْقَى وَلَا يُنْبَذُ، وَمَا كَانَ جَوْرًا فَيُنْبَذُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ مَعَ الْمُشَاوَرَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ يَعْرِفُ عَيْنَ الْحُكْمِ وَلَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ إلَى إيقَاعِهِ إذْ الْقَضَاءُ صِنَاعَةٌ دَقِيقَةٌ لَا يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ بَلْ وَلَا أَجَلُّ الْعُلَمَاءِ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا وُلِّيَ الْجَاهِلُ لِعَدَمِ الْعَالِمِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِلْمَ وَاجِبٌ شَرْطٌ وَأَنَّ عَدَمَهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْوِلَايَةِ وَنُفُوذَ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعَالِمِ، وَأَمَّا الْعَدْلُ الْعَالِمُ إذَا حَكَمَ فِي شَيْءٍ ثُمَّ عُزِلَ وَوُلِّيَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ فَتَعَقُّبُهَا يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الشَّرِّ وَالْخِصَامِ فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ التَّعَقُّبِ عَدَمُ التَّتَبُّعِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّا إذَا رَأَيْنَا حُكْمًا فَاسِدًا لَا نَنْقُضُهُ بَلْ نَنْقُضُهُ قَوْلُهُ الْعَدْلُ أَخْرَجَ الْجَائِرَ، وَقَوْلُهُ الْعَالِمُ أَخْرَجَ بِهِ الْجَاهِلَ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَمَضَى الصَّوَابُ كَانَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْجَوْرِ قَدْ يَكُونُ خَطَأً أَوْ سَهْوًا أَوْ نِسْيَانًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْضِي
(ص) وَنُقِضَ وَبُيِّنَ السَّبَبُ مُطْلَقًا مَا خَالَفَ قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدْلَ الْعَالِمَ لَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ فَإِذَا عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَوُلِّيَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ وَرُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ أَوْ رُفِعَ لَهُ هُوَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ وَنَظَرَ فِيهَا فَوَجَدَ فِيهَا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِقَاطِعٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَإِنَّ لِلْغَيْرِ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وُجُوبًا وَيُبَيِّنَ السَّبَبَ الَّذِي نُقِضَ لِأَجْلِهِ لِئَلَّا يُنْسَبَ لِلْجَوْرِ وَالْهَوَى فَمَعْنَى مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَهُ كَانَ فِي وِلَايَتِهِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ فَقَوْلُهُ مَا أَيْ حُكْمًا مَفْعُولُ نَقَضَ مِثَالُ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الْأَخَ أَمَّا حِرْمَانُ الْجَدِّ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ النَّصِّ إذَا حَكَمَ بِشُفْعَةِ الْجَارِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَارِدٌ فِي اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ شَهَادَةُ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ لَا تَجُوزُ فَالْكَافِرُ أَشَدُّ فُسُوقًا وَأَبْعَدُ عَنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مُقْتَضَى الْقِيَاسِ (ص) كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ وَشُفْعَةِ جَارٍ وَحُكْمٍ عَلَى عَدُوٍّ أَوْ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ أَوْ مِيرَاثِ ذَوِي رَحِمٍ أَوْ مَوْلًى أَسْفَلَ أَوْ يَعْلَمُ سَبْقَ مَجْلِسِهِ أَوْ جُعِلَ بَتَّةً وَاحِدَةً أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا فَأَخْطَأَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِعَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ (ش) هَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِمَا خَالَفَ قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَثَلًا وَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَكَانَ
ــ
[حاشية العدوي]
ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي بَعْدَ مَوْضُوعٍ آخَرَ هَذَا إذَا حُمِلَ قَوْلُهُ: الْخَارِجُ عَنْ الْحَقِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ شَأْنَهُ ذَلِكَ لَا فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ بَلْ هُوَ الْمَوْضُوعُ وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَالِمٌ لَا جَاهِلٌ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ تُنْبَذُ أَحْكَامُ الْقَاضِي الْجَاهِلِ) وَلَوْ وَافَقَ الصَّوَابَ كَمَا فِي عب وَرَدَّهُ مُحَشِّي تت بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى صِحَّةِ أَحْكَامِ الْجَاهِلِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَا تُنْقَضُ وَكَذَا الْجَائِرُ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِالنَّقْضِ فِي الْجَاهِلِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ صَوَابًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ غَيْرُ الْمُشَاوِرِ غَايَتُهُ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْجَائِرِ وَالْجَائِرُ لَا يُنْقَضُ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا عُلِمَ صِحَّةُ بَاطِنِهِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ أَيْ بَهْرَامَ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي الْجَاهِلِ تُنْقَضُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الصَّوَابُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ كَمَا قَالُوا مَا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَعَقَدَ لَهَا عَلَى آخَرَ وَحَكَمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ كَافٍ فِي تَحْلِيلِهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ سَعِيدٍ، وَقَدْ رَجَعَ سَعِيدٌ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَهَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّخْمِينِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْحَدْسِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْرَفُ الطَّرِيقُ إلَيْهِ) يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْمُزَاوَلَةِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ: وَجَاهِلٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِلْمَ وَاجِبُ شَرْطٍ حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطُ صِحَّةٍ إذَا وُجِدَ الْعَالِمُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَكُونُ الْعِلْمُ شَرْطَ صِحَّةٍ بَلْ يُوَلَّى الْجَاهِلُ أَيْ الَّذِي لَهُ عَقْلٌ وَوَرَعٌ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يَسْأَلُ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَوْفُوا شُرُوطَ الْقَضَاءِ كَمَرْأَةٍ أَوْ عَبْدٍ فَإِذَا حَكَمَ بِدُونِ مَشُورَةٍ نُقِضَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا عَلَى مَا قَالَ الشَّارِحُ وَإِنْ شَاوَرَ تُعُقِّبَ وَقَالَ فِي ك جَوَابًا آخَرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وُلِّيَ عَلَى جَهْلٍ ابْتِدَاءً حُكْمُهُ بَاطِلٌ وَإِذَا لَمْ يُوَلَّ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً بَلْ إنَّمَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ بَعْدُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِجَهْلِهِ إلَّا بَعْدُ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا
. (قَوْلُهُ: أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ) أَيْ أَوْ خَالَفَ قَاطِعًا مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ مِنْ الْقَوَاعِدِ كَمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ لِابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَمَاتَ فَلَا إرْثَ لَهَا مِنْهُ لِاجْتِمَاعِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ خِلَافًا لِحُكْمِ ابْنِ سُرَيْجٍ بِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَهُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ فَتَرِثُ مِنْهُ وَقَوْلُنَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا فِي الْبُرْزُلِيِّ وَلَكِنْ هَذَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِكِيِّ لَا لِغَيْرِهِ فَلَا نَقْضَ بُرْزُلِيٌّ كَمَا قَالَهُ الْبَدْرُ. (قَوْلُهُ: أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَهُوَ مَا قَطَعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَوْ ضَعَّفَهُ مِثَالُ الْأَوَّلِ قِيَاسُ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى الْمُوسِرِ الْمُعْتِقِ، وَالثَّانِي قِيَاسُ الْعَمْيَاءِ عَلَى الْعَوْرَاءِ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ الضَّحِيَّةِ وَاحْتِمَالُ أَنَّ الْعَمْيَاءَ يُعْتَنَى بِهَا فِي أَخْذِهَا لِلْمَرْعَى لِكَوْنِهَا لَا تُبْصِرُ بِخِلَافِ الْعَوْرَاءِ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وُجُوبًا) فَإِنْ قِيلَ نَقْضُ أَحْكَامِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ هُنَا يُنَاقِضُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّقْضَ هُنَا لَيْسَ مُتَرَتِّبًا عَلَى تَعَقُّبِ أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا عَثَرَ عَلَيْهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ
الَّذِي أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مُعْسِرًا بِحَيْثُ لَا يُكَمِّلُ عَلَيْهِ بَعْضَهُ لِعُسْرِهِ وَأَبَى شَرِيكُهُ أَنْ يُكَمِّلَ بَعْضَهُ بِالْعِتْقِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى وَيَأْتِي لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ فَهَذَا الْحُكْمُ إذَا وَقَعَ مِمَّنْ لَا يَرَى اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ بَاطِلٌ فَلَهُ وَلِغَيْرِهِ نَقْضُهُ
وَأَمَّا إنْ وَقَعَ مِنْ حَاكِمٍ يَرَاهُ كَالْحَنَفِيِّ فَلِغَيْرِهِ نَقْضُهُ وَكَذَلِكَ مَا يَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ فَإِنْ قُلْت هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ قُلْت هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَوِيَ دَلِيلُهُ، وَأَمَّا غَيْرُ قَوِيِّ الدَّلِيلِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ وَلَا يُعْتَبَرُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِيهِ كَهَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي فِيمَا إذَا حَكَمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ لِضَعْفِ الْمُدْرِكِ فِيهِ وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا وَقَعَ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى عَدُوِّهِ أَيْ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا وَقَعَ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ ظَهَرَ إلَخْ وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِمِيرَاثِ ذَوِي الرَّحِمِ كَعَمَّةٍ وَنَحْوِهَا وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِثُبُوتِ مِيرَاثِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ وَهُوَ الْعَتِيقُ مِنْ الْأَعْلَى وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ مُسْتَنِدًا لِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَسَوَاءٌ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ جُلُوسِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا إنْ حَكَمَ بِعِلْمٍ حَصَلَ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ هُوَ نَقْضُهُ مَا دَامَ قَاضِيًا وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي حَيْثُ حَكَمَ بِجَعْلِ الْبَتَّةِ أَوْ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي حَيْثُ ثَبَتَ خَطَؤُهُ بِبَيِّنَةٍ بِأَنْ شَهِدَتْ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ عَدَلَ عَنْ كَذَا إلَى كَذَا عَلَى سَبِيلِ الْخَطَأِ فَقَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ أَيْ ثَبَتَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِبَيِّنَةٍ مِمَّا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ هُوَ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي لَهُ وَبِعِبَارَةٍ فَأَخْطَأَ لِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ اشْتِغَالِ فِكْرٍ قَوْلُهُ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ حُكْمٍ صَحِيحٍ، وَقَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَصْدٍ أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ لَا بِخَطَأٍ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا وَكَذَلِكَ يُنْتَقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْ أَمْرِهِمَا ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا أَرِقَّاءُ أَوْ أَنَّهُمَا كَافِرَانِ أَوْ أَنَّهُمَا صَبِيَّانِ أَوْ أَنَّهُمَا فَاسِقَانِ أَوْ أَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ قَرِيبَانِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّ نَقْضَ الْحُكْمِ بِاسْتِسْعَاءِ الْمُعْتَقِ وَشُفْعَةِ الْجَارِ وَمِيرَاثِ ذَوِي الرَّحِمِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَإِنْ نُقِضَ الْحُكْمُ فِي شَهَادَةِ الْكَافِرِ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ وَقَعَ مِنْ حَاكِمٍ يَرَاهُ كَالْحَنَفِيِّ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ فَقَدْ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ فِي اسْتِسْعَاءِ الْمُعْتَقِ أَنَّهُ يَنْقُضُ وَلَوْ وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهِ مِمَّنْ يَرَاهُ حَقًّا وَذَكَرَ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِلْمَالِكِيِّ نَقْضُهُ وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا الْحُكْمُ مِمَّنْ يَرَاهُ لِضَعْفِ الْمُدْرِكِ فِيهِ
قُلْت وَكَلَامُ الشَّيْخِ كَرِيمِ الدِّينِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِذَلِكَ الْبَابِ مِنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ الْمُدْرِكِ فِيهِ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْقَاطِعِ مَا قَابَلَ الضَّعِيفَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْحَسَنَ؛ لِأَنَّ كُلًّا لَا يَتَّصِفُ بِالضَّعْفِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الِاسْتِسْعَاءِ مُسَاوِيَةٌ لِمَسْأَلَةِ شُفْعَةِ الْجَارِ فِي الْحُكْمِ فَيُفِيدُ ضَعْفَ مُدْرِكِ الِاسْتِسْعَاءِ مَعَ أَنَّهُ فِي مُسْلِمٍ وَأَجَابَ عج بِأَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا خَالَفَ نَصَّ السُّنَّةِ الرَّاجِحَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَمَّا رَأَى تت عَدَمَ صِحَّةِ التَّمْثِيلِ قَالَ فِي كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ إنَّهُ مُشَبَّهٌ بِمَا خَالَفَهُ قَاطِعًا لَا مِثَالَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَهُ فِي مُسْلِمٍ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ يَسْأَلُ أَيْضًا مَا سَبَبُ النَّقْضِ فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ مُشَبَّهًا قَالَهُ عج. (قَوْلُهُ: إذَا وَقَعَ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَى عَدُوِّهِ) أَيْ حَكَمَ لِغَيْرِهِ لَكِنْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ عَدُوٌّ لِلْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خَالَفَ الْحَدِيثَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «لَا يَحْكُمُ عَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ» . (قَوْلُهُ: إذَا وَقَعَ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ إلَخْ) لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ الْقَاطِعِ أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَيْضًا وَهُوَ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَى الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ لَا يَجُوزُ فَالْكَافِرُ أَشَدُّ فِسْقًا وَأَبْعَدُ عَنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: إذَا حَكَمَ بِمِيرَاثِ ذَوِي الرَّحِمِ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ لِخَبَرِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» .
(قَوْلُهُ: أَوْ مِيرَاثُ مَوْلًى أَسْفَلَ) اُنْظُرْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا سَبَبَ النَّقْضِ هَلْ هُوَ مُخَالَفَةُ الْقِيَاسِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ جُلُوسِهِ) هَذَا هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَلَكِنْ جَعَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُقَابِلًا لِلْمَشْهُورِ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُنْقَضُ حُكْمُهُ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِ الْخَصْمِ ثُمَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ لَمْ يُفِدْهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ قَوْلَيْنِ فَمَا هُنَا عَلَى قَوْلٍ وَمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلٍ آخَرَ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: حَيْثُ ثَبَتَ خَطَؤُهُ بِبَيِّنَةٍ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ حَضَرَتْهُ وَعَلِمْت قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ الْحُكْمَ أَنَّهُ قَاصِدٌ أَنْ يَحْكُمَ بِكَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ فَحَكَمَ بِخِلَافِهِ لِغَفْلَتِهِ فَإِذَا شَهِدَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الثَّانِي نَقَضَهُ وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ يَلْتَزِمُ مَذْهَبًا يَحْكُمُ بِهِ بِتَقْلِيدِهِ لَا بِاجْتِهَادِهِ فَقَوْلُهُ: وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِهِ الْحُكْمَ بِكَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ وَقَوْلُهُ: مِمَّا إذَا ادَّعَى ذَلِكَ أَيْ ادَّعَى بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا كَذَا ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ قَصْدُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنْ يَحْكُمَ بِكَذَا إلَخْ فَعَدَلَ إلَى كَذَا هَذَا مَعْنَى تِلْكَ الْعِبَارَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: لِغَفْلَةٍ) أَيْ سَهْوٍ وَهُوَ غَيْرُ النِّسْيَانِ وَقَوْلُهُ: أَوْ اشْتِغَالِ فِكْرٍ اشْتِغَالُ الْفِكْرِ إمَّا مَعَ الْغَفْلَةِ أَوْ النِّسْيَانِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ وَقَوْلُهُ: أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَصْدٍ أَيْ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا أَيْ مَعْرُوفًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثُّبُوتَ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ قَصْدًا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَرِينَةٍ.
(قَوْلُهُ: لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ) أَيْ الصَّحِيحَةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِنَقِيضِ مَا ذُكِرَ لَكِنْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا وَالْحَاصِلُ
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَصَحَّ جَعْلُنَا قَوْلَهُ كَاسْتِسْعَاءِ إلَخْ مِثَالًا لَا تَشْبِيهًا اُنْظُرْ الْكَبِيرَ (ص) كَأَحَدِهِمَا إلَّا بِمَالٍ فَلَا يُرَدُّ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُ إنْ حَلَفَ (ش) التَّشْبِيهُ فِي النَّقْضِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْ حَالِهِمَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ يُرِيدُ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فَإِنَّ حُكْمَهُ يُنْقَضُ أَمَّا إنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا أَوْ يَئُولُ إلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لَا يُنْقَضُ إذَا حَلَفَ الطَّالِبُ مَعَ شَاهِدِهِ الْبَاقِي وَلَا يُرَدُّ الْمَحْكُومُ بِهِ وَيَمْضِي الْحُكْمُ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْلِفُ وَيُرَدُّ إلَيْهِ الْمَحْكُومُ بِهِ فَإِنْ نَكَلَ لَا شَيْءَ لَهُ فَالضَّمِيرُ فِي يُرَدُّ لِلْحَقِّ الْمَحْكُومِ بِهِ لِيَشْمَلَ الْمَالَ أَوْ مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَأَتَى بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ
(ص) وَحَلَفَ فِي الْقِصَاصِ خَمْسِينَ مَعَ عَاصِبِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فِي قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ عَبْدٌ مَثَلًا فَإِنَّ وَلِيَّ الدَّمِ يَحْلِفُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْعَصَبَةِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَتِمُّ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَوَثٌ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ نُقِضَ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ) أَيْ فَإِنْ نَكَلَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِالْقَتْلِ عَنْ حَلِفِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْعَصَبَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ وَرُدَّتْ شَهَادَةُ الْبَاقِي فَالضَّمِيرُ فِي رُدَّتْ لِلشَّهَادَةِ لَا لِلْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرَدَّ
(ص) وَغَرِمَ شُهُودٌ عَلِمُوا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ الْبَاقِيَ إذَا عَلِمَ أَنَّ رَفِيقَهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الدِّيَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ تت وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى الْآخَرِ مَعَهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَإِنَّ الْغَرَامَةَ لِلدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ وَإِلَّا كَانَتْ فِي مَالِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَوْ انْفَرَدَ بِالْعِلْمِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ بِكَذِبِهِمْ وَحَكَمَ فَالْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ هُنَا بِأَنَّ مَنْ شَهِدَ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِكَذِبِهِمْ ثُمَّ إنَّ الْجَمْعِيَّةَ فِي الشُّهُودِ بِاعْتِبَارِ إفْرَادِ جُزْئِيَّاتِ الْمَسَائِلِ إذْ الْمُرَادُ الْجِنْسُ وَإِلَّا فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا شَاهِدَانِ ظَهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافِرٌ مَثَلًا
(ص) وَفِي الْقَطْعِ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ (ش) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقِصَاصِ الَّذِي الْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ أَيْ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ شَاهِدَيْ الْقَطْعِ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ حَلَفَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْقَطْعِ مَعَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي تَمَّ الْحُكْمُ وَنَفَذَ؛ لِأَنَّ جِرَاحَ الْعَمْدِ تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَالْمَالِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ ثَانِيًا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ وَانْتَقَضَ الْحُكْمُ وَغَرِمَ الشَّاهِدُ إنْ عَلِمَ وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْقَطْعِ الْجَرْحُ وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى السَّرِقَةِ فَلَا يَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنَّهُ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُسْتَسْعَى وَالْوَارِدُ بِأَنَّهُ يُسْتَسْعَى ضَعِيفٌ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَارِدٌ بِاخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ رَاجِحٌ وَمَا وَرَدَ مِمَّا يَقْتَضِي الشُّفْعَةَ مَرْجُوحٌ. (قَوْلُهُ: فَصَحَّ إلَخْ) أَقُولُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْحُكْمُ فِي الْبَقِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هَلْ كَوْنُهَا خَالَفَتْ قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: اُنْظُرْ الشَّرْحَ الْكَبِيرَ وَنَصَّهُ فِي ك بَعْدَ قَوْلِهِ وَلِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَى الْفَاسِقِ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ نَصَّهَا عَنْ غَيْرِهِ قَالَ وَهَذَا بَعْضُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوقِ هَذَا وَقَدْ دَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ النَّقْضَ فِيمَا عَدَا شَهَادَةَ الْكَافِرِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَأَنَّهُ فِيهَا لِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَالْمَسَائِلُ الْأَرْبَعُ مِنْ جُزْئِيَّاتِ قَوْلِهِ مَا خَالَفَ قَاطِعًا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ شَهَادَةِ الْكَافِرِ فَهِيَ أَيْضًا كَذَلِكَ وَمِنْ جُزْئِيَّاتِ قَوْلِهِ أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ أَيْضًا فَتَكُونُ الْمَسَائِلُ الْخَمْسُ أَمْثِلَةً لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْمِثَالَ جُزْئِيٌّ يُذْكَرُ لِإِيضَاحِ الْقَاعِدَةِ إلَخْ
. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ وَلِيَّ الدَّمِ يَحْلِفُ) لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الدَّمِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةٍ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمْ تُرَدَّ) الْمُنَاسِبُ فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ: إذَا عَلِمَ أَنَّ رَفِيقَهُ عَبْدٌ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِأَنَّ شَهَادَتَهُ تُرَدُّ وَيَخْتَصُّونَ بِغُرْمِ دِيَةِ عَمْدٍ وَإِنْ شَارَكَهُمْ الْمُدَّعِي فِي الْعِلْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمْعٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الدِّيَةَ) أَيْ يَغْرَمُهَا وَحْدَهُ فِي مَالِهِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُشْكِلٌ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَالِمِينَ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِالْغُرْمِ دُونَ الْعَبْدِ أَوْ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاسِقِ وَكَانَ الْقِيَاسُ اخْتِصَاصُهُ بِالْغُرْمِ أَوْ مُشَارَكَتُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ، وَأَمَّا عَدَمُ غُرْمِهِ مَعَ أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَمُشْكِلٌ، وَقَدْ يُقَالُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ كَامِلِينَ وَالشَّخْصُ جُبِلَ عَلَى أَنْ يَرَى نَفْسَهُ كَامِلًا فَهُمْ مَعْذُورُونَ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ) مُقَابِلُهُ أَنَّهُ هَدَرٌ
. (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقِصَاصِ) أَيْ فَالْمَعْنَى وَحَلَفَ الْمُدَّعِي فِي الْقَطْعِ يَمِينًا وَاحِدَةً مُكَمِّلَةً لِلنِّصَابِ وَقَوْلُهُ: حَلَفَ الْمَقْطُوعُ مُرَتَّبٌ عَلَى مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي حَلَفَ الْمَقْطُوعُ فَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ وَإِنْ نَكَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ رُدَّتْ وَفِي الْقَطْعِ حَلَفَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ إذَا تَبَيَّنَ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ يَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْقَطْعِ أَيْ يَمِينًا وَاحِدَةً فِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَلِفَ لِيَسْتَحِقَّ الْغَيْرُ وَالْقَاعِدَةُ لَا يَحْلِفُ لِيَسْتَحِقَّ الْغَيْرُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى السَّرِقَةِ) أَيْ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى زَيْدٍ بِأَنَّهُ سَرَقَ وَقُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَحْلِفُ مُقِيمُهَا مَعَ الشَّاهِدِ الْبَاقِي عَلَى ثُبُوتِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي مِثْلِ حَدِّ السَّرِقَةِ بَلْ عَلَى ثُبُوتِ الْمَسْرُوقِ حَيْثُ كَانَ يَغْرَمُهُ السَّارِقُ كَمَا يَأْتِي آخِرَ بَابِ السَّرِقَةِ فَإِنْ حَلَفَ تَمَّ الْحُكْمُ بِالْغُرْمِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ لَمْ يَغْرَمْ الْمَالَ وَغَرِمَ لَهُ الشَّاهِدُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ دِيَةَ يَدِهِ إنْ عَلِمَ وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ شُمُولُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ لِلْقَطْعِ قِصَاصًا وَلِلسَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَطْعِ أَيْ وَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ عَنْ
لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَطْعِ لَا تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمَقْطُوعُ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا مَرَّ
(ص) وَنَقَضَهُ هُوَ فَقَطْ إنْ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ أَوْ خَرَجَ عَنْ رَأْيِهِ أَوْ رَأْيِ مُقَلِّدِهِ (ش) لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي لِحَاكِمِهَا وَلِغَيْرِهِ نَقْضُهَا أَخَذَ يَتَكَلَّمُ الْآنَ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ لَا يَنْقُضُهَا إلَّا حَاكِمُهَا فَقَطْ أَيْ مَعَ بَيَانِ السَّبَبِ أَيْضًا وَحَذَفَهُ مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ تَعْلِيلُهُ الْأُولَى إذَا حَكَمَ بِحُكْمٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ بَاقِيًا عَلَى وِلَايَتِهِ أَوْ عُزِلَ ثُمَّ وُلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى خِلَافًا لِمُطَّرِفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ فِيمَا إذَا عُزِلَ وَوُلِّيَ ثَانِيًا، وَهَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ إذَا حَكَمَ بِرَأْيِهِ مُسْتَنِدًا لِدَلِيلٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ وَفِي الْمُقَلِّدِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَمَا إذَا حَكَمَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَثَلًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ سَحْنُونَ مَثَلًا أَرْجَحُ مِنْهُ وَبِالْعَكْسِ الثَّانِيَةُ إذَا حَكَمَ بِحُكْمٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ خَرَجَ فِيهِ عَنْ رَأْيِهِ بِأَنْ كَانَ مُجْتَهِدًا وَيُحْمَلُ عَلَى السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ وَيَحْكُمُ بِمَا رَآهُ
الثَّالِثَةُ إذَا حَكَمَ الْمُقَلِّدُ لِمَذْهَبٍ فِي قَضِيَّةٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا مَذْهَبُ إمَامِهِ فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ غَلَطًا فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ هُوَ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ لِجَرَيَانِهِ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَبِعِبَارَةٍ أَوْ خَرَجَ عَنْ رَأْيِهِ أَوْ رَأْيِ مُقَلِّدِهِ أَيْ خَطَأً وَالْمُرَادُ ادَّعَى الْخَطَأَ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ وَإِلَّا فَيَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ كَذَا فَأَخْطَأَ وَهَذَا إذَا صَادَفَ خُرُوجُهُ عَنْ رَأْيِهِ قَوْلَ عَالِمٍ وَكَانَ قَاصِدًا الْعَمَلَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُسْتَنِدٍ لِقَوْلِ أَحَدٍ فَصَادَفَ قَوْلَ عَالِمٍ فَإِنَّ حُكْمَهُ يَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ
(ص) وَرَفَعَ الْخِلَافَ لَا أُحِلُّ حَرَامًا (ش) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ إذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ يَرْفَعُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْخِلَافِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا رُفِعَ لِمَنْ لَا يَرَاهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَوْجُودٌ عَلَى حَالِهِ فَمَنْ لَا يَرَى وَقْفَ الْمَشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ رُفِعَ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ نَقْضُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ شَخْصٌ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ فَاَلَّذِي يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ أَنْ يُنْفِذَ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ نَقْضُهُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لَا أُحِلُّ حَرَامًا فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا لَهُ ظَاهِرٌ جَائِزٌ وَبَاطِنٌ مَمْنُوعٌ بِحَيْثُ لَوْ اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْكُمْ بِجَوَازِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ كَمَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَحُكِمَ لَهُ بِهِ فَلَيْسَ لِلْمَحْكُومِ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمَا، وَأَمَّا مَا ظَاهِرُهُ كَبَاطِنِهِ فَيُحِلُّ الْحَرَامَ كَالْحُكْمِ مِنْ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ وَطْءَ الصَّغِيرِ يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْحَرَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ وَقَوْلُنَا فِي صَدْرِ التَّقْرِيرِ عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
الْحَلِفِ فِي مَسْأَلَةِ الْقِصَاصِ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ نَكَلَ فِي مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ حَلَفَ الْمَقْطُوعُ أَيْ وَلَمْ يَغْرَمْ الْمَالَ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَطْعِ فَلَا يُعْقَلُ مِنْ الطَّالِبِ حَلِفٌ حَتَّى يَتَأَتَّى نُكُولٌ إنَّمَا يَتَأَتَّى النُّكُولُ مِنْ الطَّالِبِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ
. (قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَرَاهُ حَقًّا فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ لِضَعْفِ مُدْرِكِ إمَامِهِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ إلَخْ) الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ مَا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ. (قَوْلُهُ: ادَّعَى الْخَطَأَ) أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ أَيْ بِدَعْوَاهُ الْخَطَأَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَحْكُمَ بِكَذَا وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ اُتُّفِقَ أَنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِغَفْلَةٍ عَرَضَتْ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ قَاصِدًا الْعَمَلَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ) أَيْ كَانَ قَاصِدًا الْعَمَلَ بِغَيْرِ الَّذِي صَادَفَ كَأَنْ يَكُونَ قَاصِدًا الْعَمَلَ يَقُولُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَثَلًا فَصَادَفَ قَوْلَ أَشْهَبَ مَثَلًا فَهَذَا كَانَ قَصْدُهُ الْحُكْمَ بِقَوْلٍ فَوَقَعَ فِي غَيْرِهِ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ هُوَ فَقَطْ وَيُقَيِّدُ قَوْلَهُ وَكَانَ إلَخْ بِمَا إذَا كَانَ مُفَوِّضًا لَهُ فِي الْحُكْمِ بِقَوْلٍ أَيْ عَالِمٍ، وَأَمَّا إنْ وُلِّيَ عَلَى الْحُكْمِ بِقَوْلِ عَالِمٍ مُعَيَّنٍ فَحُكْمُهُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ بَاطِلٌ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ لَا قَصْدًا أَيْ حَكَمَ بِهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ عَنْ الْحُكْمِ بِهِ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ الْحُكْمَ بِقَوْلِ عَالِمٍ فَحَكَمَ بِمَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِمٌ فَيَنْقُضُ حُكْمَهُ هُوَ وَغَيْرَهُ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ خَطَؤُهُ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَثَمَانٍ
. (قَوْلُهُ: وَرَفَعَ الْخِلَافَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَعْوَى وَهُوَ كَذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ اللَّقَانِيِّ وَالْقَرَافِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَصِيَّ يَرْفَعُ لِلْحَاكِمِ إذَا أَرَادَ زَكَاةَ مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ تَبَعًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَّا إذَا تَقَدَّمَتْهُ دَعْوَى صَحِيحَةٌ وَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ دَعْوَى لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ يَقُولَانِ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ بِدُونِ دَعْوَى لَا يُنْقَضُ وَاَلَّذِي فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ أَنَّهُ يُنْقَضُ حُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِدُونِ تَقَدُّمِ دَعْوَى وَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَفِعْلُ الْحَاكِمِ لَيْسَ كَحُكْمِهِ بَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ غَيْرِهِ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَحُكْمِهِ. (قَوْلُهُ: يَرْفَعُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَى الْخِلَافِ) أَيْ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْحُكْمُ لَا مَا مَاثَلَهَا مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَاكِمَ كَمَا لَا يَحْكُمُ بِخِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ: نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ) قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُنْفِذُهُ وَلَا يُمْضِيهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ. (قَوْلُهُ: وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ) أَيْ كَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ. (قَوْلُهُ: فَاَلَّذِي يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ) أَيْ كَالْمَالِكِيِّ. (قَوْلُهُ: كَالْحُكْمِ مِنْ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ وَطْءَ الصَّغِيرِ يُحِلُّ الْمَبْتُوتَةَ) أَيْ إذَا مَاتَ الصَّغِيرُ وَحَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِحِلِّ الْمَبْتُوتَةِ جَازَ لِلْمَالِكِيِّ الْمُطَلِّقِ لِلزَّوْجَةِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُعْتَمِدًا عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ بِحِلِّ وَطْءِ الصَّغِيرِ وَأَمَّا مَا دَامَ الصَّبِيُّ حَيًّا فَلَا يُمْكِنُ حِلُّهَا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ عَلَى الصَّغِيرِ لِأَنَّ
وَجْهِ الصَّوَابِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا خَالَفَ قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ كَمَا مَرَّ وَبِعِبَارَةٍ وَرَفَعَ الْخِلَافَ مَا عَدَا الْمَسَائِلَ الْمُتَقَدِّمَةَ فَإِنَّ لِلْمَالِكِيِّ نَقْضُهَا وَلَوْ حَكَمَ فِيهَا مَنْ يَرَى الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ فِيهَا ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ.
(ص) وَنَقْلُ مِلْكٍ وَفَسْخُ عَقْدٍ أَوْ تَقْرِيرُ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ حُكْمٌ لَا أُجِيزُهُ أَوْ أُفْتِي (ش) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ حَكَمْت كَقَوْلِهِ نَقَلْت مِلْكَ هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ أَوْ هِيَ مِلْكٌ لَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهَا مِلْكٌ لَهُ بَعْدَ حُصُولِ مَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ مِنْ تَزْكِيَةٍ وَإِعْذَارٍ وَغَيْرِهِمَا وَكَقَوْلِهِ فَسَخْت عَقْدَ كَذَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ رُفِعَ لَهُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَسَكَتَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِإِثْبَاتٍ وَلَا نَفْيٍ هَذَا مَعْنَى تَقْرِيرِهِ فَقَوْلُهُ حُكْمٌ خَبَرُ قَوْلِهِ وَنَقْلُ مِلْكٍ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ، وَأَمَّا إذَا رُفِعَ إلَيْهِ قَضِيَّةُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ لَا أُجِيزُ نِكَاحًا بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى فَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا إذَا أَفْتَى فِي مَسْأَلَةٍ؛ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ فَلِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّظَرَ فِيهِ (ص) وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلٍ بَلْ إنْ تَجَدَّدَ فَالِاجْتِهَادُ كَفَسْخٍ بِرَضْعِ كَبِيرٍ وَتَأْبِيدِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُجَاوِزْ مَحَلَّهُ إلَى مَا يُمَاثِلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي جُزْئِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ مُمَاثِلِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ جُزْئِيٌّ لَا كُلِّيٌّ بَلْ إنْ تَجَدَّدَ الْمُمَاثِلُ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الِاجْتِهَادَ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا، وَإِذَا كَانَ عَدَمُ التَّعَدِّي فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ فَأَوْلَى الْمُقَلِّدُ، ثُمَّ إنَّ الْمُؤَلِّفَ مَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَنَصُّهُ إذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ رَضَاعُ كَبِيرٍ فَحَكَمَ بِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ وَفَسَخَ النِّكَاحَ مِنْ أَجْلِهِ فَالْقَدْرُ الَّذِي ثَبَتَ بِحُكْمِهِ هُوَ فَسْخُ النِّكَاحِ فَحَسْبُ، وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِحُكْمِهِ بَلْ يَبْقَى ذَلِكَ مُعَرَّضًا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ
وَكَذَلِكَ لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حَالُ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا لَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي ثَبَتَ مِنْ حُكْمِهِ فَسْخَ النِّكَاحِ فَحَسْبُ، وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمُعَرَّضٌ لِلِاجْتِهَادِ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إجَارَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ الْعُقُودِ وَلَا الْمُبَايَعَاتِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاهَدَهُ وَمَا جُدِّدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مُعَرَّضٌ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ اهـ. فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ كَفَسْخِ إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّ رَضَاعَ الزَّوْجِ الْكَبِيرِ عَلَى أُمِّ زَوْجَتِهِ مَثَلًا سَبَبٌ حَامِلٌ لِلْحَاكِمِ عَلَى فَسْخِ النِّكَاحِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْحَاكِمِ إلَّا فَسْخُ النِّكَاحِ، وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمُعَرَّضٌ لِلِاجْتِهَادِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَإِلَيْهِ
ــ
[حاشية العدوي]
الطَّلَاقَ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ كَذَا قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ شُيُوخِنَا إنَّ الْمُضِرَّ فِي التَّلْفِيقِ الدُّخُولُ عَلَيْهِ
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ الدُّخُولُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ جَازَ كَمَا لَوْ عَقَدَ وَلِيٌّ مَالِكِيٌّ لِصَبِيٍّ فِي حِجْرِهِ عَلَى امْرَأَةٍ مَبْتُوتَةٍ وَدَخَلَ بِهَا وَأَصَابَهَا ثُمَّ رَفَعَ أَمْرِهِ لِحَاكِمٍ مَالِكِيٍّ فَطَلَّقَ عَلَى الصَّبِيِّ لِمَصْلَحَةٍ ثُمَّ رَفَعَ الْأَمْرَ لِحَاكِمٍ شَافِعِيٍّ فَحَكَمَ بِحَلِيَّةِ وَطْءِ الصَّغِيرِ لِلْمَبْتُوتَةِ فَيَجُوزُ لِلْبَاتِّ الْمَالِكِيِّ الْعَقْدُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا
. (قَوْلُهُ: بَعْدَ حُصُولِ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ ثَبَتَ عِنْدِي حُكْمًا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ مَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ فَلَا مُخَالَفَةَ. (قَوْلُهُ: أَوْ رُفِعَ لَهُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ) بِأَنْ عَقَدَتْ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا مَعَ شَاهِدَيْنِ قَبْلَ الْبِنَاءِ. (قَوْلُهُ: هَذَا مَعْنَى تَقْرِيرِهِ) قَالَهُ فِي الْمُسْتَنَدِ شَرْحِ الْمُعْتَمَدِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَالَ وَالْأَحْسَنُ فِي تَصْوِيرِ قَوْلِهِ أَوْ تَقْرِيرُ نِكَاحٍ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ رُفِعَ لِلْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ هَذَا النِّكَاحُ فَقَالَ قَرَّرْت هَذَا النِّكَاحَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: قَرَّرْت حُكْمًا فَإِذَا رُفِعَ هَذَا النِّكَاحُ لِمَالِكِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُهُ اهـ. ثُمَّ إنَّهُ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ الَّذِي قَدْ قَالَهُ فِي الْمُسْتَنَدِ شَرْحِ الْمُعْتَمَدِ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ السُّكُوتِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ حُكْمًا وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْفِعْلُ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُقَوِّي مَا ذَهَبَ إلَيْهِ شَارِحُنَا الَّذِي هُوَ كَلَامُ الْمُسْتَنَدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالتَّقْرِيرِ سُكُوتَ الْحَنَفِيِّ عَنْهُ حِينَ رُفِعَ لَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِيِّ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْحَنَفِيِّ عَنْهُ عِنْدَنَا حُكْمٌ وَأَوْلَى حُكْمُهُ بِإِثْبَاتِهِ وَأَمَّا تَقْرِيرُ النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَالِكِيٍّ فَلِغَيْرِهِ نَقْضُهُ لِخُرُوجِ الْمَالِكِيِّ عَنْ رَأْيِ مُقَلِّدِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ) أَيْ بَلْ هُوَ فَتْوَى وَيَكُونُ قَوْلُهُ: أَوْ أَفْتَى مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنْ هَذَا بِأَوْ وَعَطْفُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَعَكْسُهُ مَخْصُوصٌ بِالْوَاوِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ حُكْمًا فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ مُمَاثِلِهَا) لَا مِنْهَا نَفْسِهَا فَإِذَا فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَ امْرَأَةِ زَيْدٍ بِسَبَبِ رَضْعِهِ وَهُوَ كَبِيرٌ فَإِذَا وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لِعَمْرٍو فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ فَإِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى عَدَمِ الْفَسْخِ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ كَذَا مُفَادُ عِبَارَاتِهِمْ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَتَأْبِيدُ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِنِكَاحِ امْرَأَةِ زَيْدٍ جَارِيًا عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةِ عَمْرٍو. (قَوْلُهُ: فَأَوْلَى الْمُقَلِّدُ) أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يُجَدِّدَ حُكْمًا لِلثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ وَهَكَذَا إلَّا أَنَّهُ يُجَدِّدُ اجْتِهَادًا؛ لِأَنَّ تَجْدِيدَ الِاجْتِهَادِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ. (قَوْلُهُ: هُوَ فَسْخُ النِّكَاحِ) أَفَادَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فَحَكَمَ بِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يَحْرُمُ مِنْ أَنَّهُ حَاكِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا حُكْمُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَسْخِ لَا غَيْرُ؛ وَلِذَا قَالَ وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَخْ فَيُرَادُ بِقَوْلِهِ فَحَكَمَ أَيْ فَأَخْبَرَ بِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يَحْرُمُ ثُمَّ فَسَخَ النِّكَاحَ لِأَجْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ. (قَوْلُهُ: فَفَسَخَ نِكَاحَهَا وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا) الْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِالتَّحْرِيمِ وَلَيْسَ مُرَادًا إنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ الْفَسْخُ فَقَطْ وَلِذَا قَالَ لَكَانَ الْقَدْرُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بِنَجَاسَةِ مَاءٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ وَكَذَا فِيمَا بَعْدُ. (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ) أَيْ فِي مَاءٍ مُعَيَّنٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَاءِ الْمُتَقَدِّمِ حَدَثَ فِيهِ مَا حَدَثَ فِي الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ أَوْجَبَ حُكْمَهُ بِالتَّحْرِيمِ لَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى أُمِّ زَوْجَتِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ زَيْدًا مَثَلًا تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ أَنَّهُ رَضَعَ أُمَّهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ كَبِيرٌ وَيُحْتَمَلُ الْعَكْسُ بِأَنْ يَكُونَ زَيْدٌ وَهُوَ كَبِيرٌ رَضَعَ امْرَأَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا
أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) أَيْ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهَا فَسْخٌ بِسَبَبِ رَضَاعٍ فَيَصِيرُ عَدَمُ الْحُرْمَةَ مُعَرَّضًا لِلِاجْتِهَادِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي رَضَاعُهُ لَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بِأَنْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ وَتَأْبِيدِ إلَخْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَتَأْبِيدِ حُرْمَةِ مَنْكُوحَةِ عِدَّةٍ
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى فَسْخٍ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَكَيْفَ إذَا حَكَمَ بِالتَّأْبِيدِ فِيهَا تَكُونُ مُعَرَّضَةً لِلِاجْتِهَادِ بَعْدُ مَعَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ يُصَيِّرُ الْمَسْأَلَةَ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَعِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَسْهَلُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا إلَخْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَحَرَّمَهَا إلَخْ بَعْدَ قَوْلِهِ فَفَسَخَ نِكَاحَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ لِأَجْلِ فَسْخِ النِّكَاحِ لَا أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ وَبِعِبَارَةٍ وَتَأْبِيدِ عَطْفٌ عَلَى رَضْعِ وَالْبَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِلسَّبَبِيَّةِ وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَيْ فَسَخَ بِسَبَبِ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ يُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ لَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسْخِ وَقَعَ مِنْهُ مُؤَبَّدًا إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا صَحَّ قَوْلُهُ وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ
(ص) وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ظَهَرَ لَهُ وَجْهُ الْحَقِّ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَدْعُوَ إلَى الصُّلْحِ فِيمَا عَدَا مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِالظُّهُورِ ثُبُوتُهُ بِالْإِقْرَارِ الْمُعْتَبَرِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَالتَّعْلِيلِ لِعَدَمِ الدَّعْوَى إلَى الصُّلْحِ بِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَطِيطَةٍ فِي الْغَالِبِ فَالْأَمْرُ بِهِ هَضْمٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ ذَوِي الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ بِهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَمْرِهِمْ بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ عَارَضَهَا عِلَّةٌ أُخْرَى أَقْوَى مِنْهَا وَقَدْ أَشَارَ لَهَا الْمَوَّاقُ فِي قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه رَدِّدُوا الْحُكْمَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَتَّى يَصْطَلِحَا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ.
(ص) وَلَا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُ الطُّرُقَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْحَقِّ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا إلَّا فِي التَّعْدِيلِ أَوْ الْجَرْحِ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى التَّجْرِيحِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِتَحْسُنَ الْمُقَابَلَةُ بِالتَّعْدِيلِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعَدَالَةِ لَكَانَ أَحْسَنَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهَا كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْمُمَاثِلِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ لِمُمَاثِلٍ بَلْ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَصَارَ حَاصِلُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَتَعَدَّى لِمُمَاثِلٍ لَا يَتَعَدَّى لِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِعَيْنِهَا لِحَاكِمٍ آخَرَ أَوْ لِلْحَاكِمِ نَفْسِهِ الْمُجْتَهِدِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ بِأَنْ حَصَلَ عَقْدٌ ثَانٍ مِنْ الْكَبِيرِ الَّذِي رَضَعَ ثُمَّ حَصَلَ رَفْعٌ لِلْقَاضِي فَيُجَدِّدُ اجْتِهَادًا، وَأَمَّا الْعَقْدُ الْأَوَّلُ الَّذِي انْفَسَخَ فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: يَكُونُ لِأَجْلِ فَسْخِ النِّكَاحِ) أَيْ وَالْمَعْنَى فَفَسَخَ نِكَاحَهَا فَثَبَتَ بِسَبَبِهِ تَحْرِيمُهَا عَلَى زَوْجِهَا. (أَقُولُ) أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ أَيْ فَفَسَخَ لِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَيْ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ قَطْعًا فِي إفَادَةِ أَنَّهُ حَكَمَ بِالتَّأْبِيدِ وَقَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ إلَخْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ جَوَابٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ تَوَهُّمِ عَطْفٍ وَتَأْبِيدٍ عَلَى قَوْلِهِ فَسَخَ فَيُفِيدُ أَنَّ التَّأْبِيدَ مَحْكُومٌ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى رَضَعَ وَقَوْلُهُ: لَا أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ الْحُكْمُ بِالتَّأْبِيدِ بَلْ قَدْ يَحْكُمُ بِالْفَسْخِ وَلَا يَحْكُمُ بِالتَّأْبِيدِ وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ مُؤَبَّدُ التَّحْرِيمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ مَالِكِيٌّ مُعْتَدَّةً فِي الْعِدَّةِ وَقَبَّلَهَا أَوْ وَطِئَهَا فَحَكَمَ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِفَسْخِ هَذَا الْعَقْدِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِالتَّأْبِيدِ وَإِنَّمَا قَالَ فَسَخْت نِكَاحَهُ فَلِلْمَالِكِيِّ بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ وَيُزَوِّجَهَا لَهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْمَالِكِيِّ فَسْخُ هَذَا النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي يَرْفَعُ الْخِلَافَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ وَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ لَا يُؤَبِّدُ تَحْرِيمَهَا بِخِلَافِ لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ إذَا عَلِمْت هَذَا كُلَّهُ فَنُخْبِرُك بِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الْأَوَّلِ قَائِلًا إنَّ الْحُكْمَ بِالْفَسْخِ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ يَمْنَعُ مِنْ تَجَدُّدِ الِاجْتِهَادِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مُسْتَنِدَهُ فِيهَا إنْ رَضَعَ الْكَبِيرُ يَحْرُمُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّحْرِيمِ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَبَّدًا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ مُسْتَنِدَهُ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ فِيهَا، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ مُؤَبَّدًا أَمْ لَا وَأَقَرَّ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَقَدْ تَبِعَهُ هُنَا فَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ كَمَا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّبَاعِهِ لَهُ فِي تَوْضِيحِهِ اتِّبَاعَهُ فِي مَتْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ خِلَافُ مَا ظَهَرَ لَهُ أَوَّلًا فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: وَهِيَ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ رَاجِعًا لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ لَا لَهُمَا مَعًا حَتَّى يَأْتِيَ الِاعْتِرَاضُ غَيْرَ أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ هَلْ يُحَرِّمُ أَوْ لَا
. (قَوْلُهُ: فِيمَا عَدَا إلَخْ) وَكَذَا يَدْعُو الْحَاكِمُ لِلصُّلْحِ فِيمَا إذَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: عِلَّةٌ أُخْرَى أَقْوَى مِنْهَا) أَيْ وَهِيَ خَوْفُ الْعَدَاوَةِ. (قَوْلُهُ: رَدَّدُوا الْحُكْمَ) أَيْ لَا تُعَجِّلُوا بِالْحُكْمِ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنْ قِيلَ الدَّلِيلُ خَاصٌّ وَالدَّعْوَى عَامَّةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَا الْفَضْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ رَحِمٌ فَكَأَنَّهُمْ لِعِظَمِ الْعُلْقَةِ بَيْنَهُمْ كَأَنَّهُمْ ذُو رَحِمٍ. (قَوْلُهُ: يُورِثُ الضَّغَائِنَ) جَمْعُ ضَغِينَةٍ أَيْ الْحِقْدُ وَهُوَ إخْفَاءُ الْعَدَاوَةِ فِي الْقَلْبِ لِمَحَلِّ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ
. . (قَوْلُهُ: إلَّا فِي التَّعْدِيلِ) وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِجَرْحِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ إذْ لَوْ كَانَ مِثْلُهَا لَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ عَلَى عِلْمِهِ بِعَدَالَتِهِ وَقَوْلُهُ: فَكَالْجَرْحِ فَيَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ بِهِ وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالتَّعْدِيلِ عَلَى مَا صَدَرَ بِهِ الْمُتَيْطِيُّ إلَّا أَنْ يَطُولَ مَا بَيْنَ عِلْمِهِ بِجُرْحَتِهِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ بِتَعْدِيلِهِ فَتَقَدَّمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِلْمَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ إلَخْ) فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا قُرِئَ الْجَرْحُ بِفَتْحِ الْجِيمِ كَانَ مُقَابِلًا لِلتَّعْدِيلِ قَطْعًا
فِي الْمُقَابَلَةِ لِلْجَرْحِ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ فَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ مِنْ شَخْصٍ الْعَدَالَةَ أَوْ الْجُرْحَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى عِلْمِهِ فِي كُلٍّ وَيُعَدِّلَهُ أَوْ يُجَرِّحَهُ (ص) كَالشُّهْرَةِ بِذَلِكَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ أَوْ بِالْجُرْحَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَمِدُ عَلَى تِلْكَ الشُّهْرَةِ وَيَسْتَنِدُ فِي حُكْمِهِ عَلَى مَا اُشْتُهِرَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ شَهِدَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ قَاضِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَمَّا الِاسْمُ فَاسْمُ عَدْلٍ وَلَكِنْ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّك ابْنَ أَبِي حَازِمٍ، وَكَذَلِكَ يَسْتَنِدُ الْقَاضِي لِعِلْمِهِ أَيْضًا فِي تَأْدِيبِ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ بِمَجْلِسِهِ أَوْ مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ أَوْ عَلَى خَصْمِهِ وَكَذَلِكَ فِي ضَرْبِ مَنْ تَبَيَّنَ لَدَدُهُ أَوْ كَذَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ
(ص) أَوْ إقْرَارُ الْخَصْمِ بِالْعَدَالَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ بِعَدَالَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَنِدُ فِي حُكْمِهِ إلَى عَدَالَةِ الشَّاهِدِ وَيَحْكُمُ بِذَلِكَ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَزْكِيَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ الْمَشْهُودَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ إقْرَارُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالْعَدَالَةِ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَ أَدَائِهَا وَلَا يَقْضِي بِهِمْ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِتَعْدِيلٍ (ص) وَإِنْ أَنْكَرَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ بَعْدَهُ لَمْ يَفْدِهِ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِمَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِإِقْرَارِهِ شَاهِدَانِ فَلَوْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَحَكَمَ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا لِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنَّ حُكْمَهُ بِذَلِكَ لَا يُنْقَضُ فَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ حَكَمْت عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ عِنْدِي وَأَنْكَرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ فَلَا يُفِيدُهُ إنْكَارُهُ فَالضَّمِيرُ فِي بَعْدِهِ يَرْجِعُ لِلْحُكْمِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الْإِنْكَارُ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ كَانَ حَاكِمًا بِعِلْمِهِ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِأَنْكَرَ لَا بِإِقْرَارِهِ أَيْ وَإِنْ أَنْكَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ إقْرَارَهُ قَبْلَهُ فَلَوْ أَنْكَرَتْ الْبَيِّنَةُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا حَكَمَ بِهِ وَهُوَ يَقُولُ شَهِدْتُمْ وَحَكَمْت بِشَهَادَتِكُمْ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُرْفَعُ إلَى سُلْطَانٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَنْ يُعْرَفُ بِالْعَدَالَةِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ أَنْكَرَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْعَدَالَةِ ابْتَدَأَ السُّلْطَانُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ.
(ص) وَإِنْ شَهِدَا بِحُكْمٍ نَسِيَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ أَمْضَاهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ بِحُكْمٍ ثُمَّ ادَّعَى نِسْيَانَهُ أَوْ أَنْكَرَهُ مِنْ أَصْلِهِ وَقَالَ مَا حَكَمْت بِهِ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْزُولًا أَمْ لَا وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِنْكَارِ لَفُهِمَ مِنْهُ النِّسْيَانُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.
(ص) وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ بِمُشَافَهَةٍ إنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلَايَتِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَيُجَابُ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُقَابَلَةُ لَفْظًا وَمَعْنًى بِخِلَافِ الْجَرْحِ بِالْفَتْحِ فَفِيهِ الْمُقَابَلَةُ مَعْنًى لَا لَفْظًا، الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ أَيْ لِتَحْصُلَ الْمُقَابَلَةُ أَيْ بِدُونِ مُعَانَاةٍ بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ بِالْفَتْحِ فَالْمُقَابَلَةُ حَاصِلَةٌ لَكِنْ بِمُعَانَاةِ أَنَّ الْجَرْحَ يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لَأَنْ يُقْرَأَ بِالضَّمِّ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعَدَالَةِ إلَخْ لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قُلْت إنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ وَيُقْرَأُ الْجُرْحُ عَلَيْهِ بِضَمِّ الْجِيمِ لَا بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَابَلَةَ أَصْلًا نَقُولُ أَيْضًا لَا دَاعِيَ لَهُ بَلْ حُصُولُ الْمُقَابَلَةِ فِي الْمُصَنِّفِ بِقِرَاءَتِهِ بِالْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا الِاسْمُ إلَخْ) وَلَكِنْ إنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ الْمُشْتَهِرُ بِهَا ثَبَتَتْ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنَاهَا ثُمَّ إنَّ هَذَا أَيْ مِنْ أَنَّ الشُّهْرَةَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَوْ يَعْلَمْ الْقَاضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: أَوْ مُفْتٍ أَيْ أَوْ أَسَاءَ عَلَى مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ أَوْ عَلَى خَصْمِهِ أَيْ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي
. (قَوْلُهُ: أَوْ إقْرَارُ الْخَصْمِ بِالْعَدَالَةِ) أَيْ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَقَرَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ فَلَا إعْذَارَ فِيهَا فَيَعْتَمِدُ الْقَاضِي وَيَحْكُمُ وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَوْ الْبَيِّنَةُ خِلَافَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ نَعَمْ يَكُونُ الْقَاضِي شَاهِدًا لَهُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ كَمَا فِي السُّوادَنِيِّ وَقَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ مُقَابِلُهُ وَهُوَ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يُجَوِّزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِحَضْرَتِهِ بِدُونِ حُضُورِ شُهُودٍ وَقَوْلُهُ: فَلَوْ وَقَعَ وَنَزَلَ أَيْ وَارْتَكَبَ النَّهْيَ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَلَكِنْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ بِدُونِ شُهُودٍ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ اتِّفَاقًا وَإِذَا أَنْكَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا يَنْفَعُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ إلَخْ فَهُوَ مُسَلَّمٌ هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْضَرَ شُهُودًا أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: كَانَ حَاكِمًا بِعِلْمِهِ) أَيْ لَا بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا فَفِي كُلِّ مُسْتَنِدٍ لِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِالْإِقْرَارِ
. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْزُولًا أَمْ لَا) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ يُمْضِيهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَعْزُولٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْزُولًا أَيْ ثُمَّ وُلِّيَ أَوْ لَمْ يُعْزَلْ أَصْلًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمْضَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَالِ التَّوْلِيَةِ أَعَمُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ عُزِلَ بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ ثُمَّ وُلِّيَ أَوْ لَمْ يُعْزَلْ أَصْلًا وَلِلْوَلَدِ أَنْ يُنْفِذَ حُكْمَ وَالِدِهِ وَبِالْعَكْسِ.
. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ كُلٌّ بِوِلَايَتِهِ) وَصُورَةُ ذَلِكَ مَا إذَا ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو بِشَيْءٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً وَحَصَلَ الْإِعْذَارُ وَحَكَمَ قَاضِي مِصْرَ مَثَلًا عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ ذَهَبَ عَمْرٌو لِأُنْبَابَةَ فَيَأْتِي قَاضِي مِصْرَ إلَى شَاطِئِ بَحْرِ النِّيلِ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ وَيَقِفُ قَاضِي أُنْبَابَةَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ مِنْ جِهَةِ أُنْبَابَةَ وَيَقُولُ قَاضِي مِصْرَ لِقَاضِي أُنْبَابَةَ أَنَّ الْخَصْمَ الَّذِي عِنْدَك وَفِي بَلَدِك قَدْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ بِحَقٍّ كَذَا وَحَصَلَ الْإِعْذَارُ وَحَكَمْت عَلَيْهِ فَيَقُولُ قَاضِي أُنْبَابَةَ نَفَّذْت حُكْمَك وَيَقْبِضُ عَلَى الْخَصْمِ وَيُغَرِّمُهُ الْحَقَّ وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْخَصْمِ وَحَصَلَ الْإِعْذَارُ وَهَرَبَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ قَاضِي مِصْرَ قَاضِيَ أُنْبَابَةَ بِذَلِكَ فَيَقُولُ قَاضِي أُنْبَابَةَ حَكَمْت عَلَيْك بِالْحَقِّ وَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْخَصْمِ وَهَرَبَ الْخَصْمُ قَبْلَ الْإِعْذَارِ فَيُخْبِرُ قَاضِي مِصْرَ قَاضِي أُنْبَابَةَ بِذَلِكَ فَيُعْذِرُ قَاضِي أُنْبَابَةَ لَهُ ثُمَّ يَحْكُمُ عَلَيْهِ فَقَوْلُ شَارِحِنَا فَيُنْفِذُهُ الثَّانِي أَيْ إذَا كَانَ قَاضِي مِصْرَ حَكَمَ وَقَوْلُهُ: وَيَبْنِي الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ إذَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ
وَبِشَاهِدَيْنِ مُطْلَقًا (ش) الْإِنْهَاءُ تَبْلِيغُ الْقَاضِي أَمْرًا إلَى قَاضٍ آخَرَ لِيُتَمِّمَهُ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُنْهِيَ إلَى قَاضٍ آخَرَ مَا جَرَى فَيُنْفِذَهُ الثَّانِي وَيَبْنِيَ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ يَكُونُ مَعْزُولًا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَحْكُمَ الْمُنْهَى إلَيْهِ مَكَانَهُ أَيْ فِي مَوْضِعِ الْإِنْهَاءِ وَإِلَّا كَانَ حَاكِمًا بِعِلْمٍ سَبَقَ مَجْلِسَهُ وَالْإِنْهَاءُ يَكُونُ إمَّا بِمُشَافَهَةٍ أَيْ مُخَاطَبَةٍ وَمُكَالَمَةٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ فَإِذَا أَشْهَدَ الْقَاضِي عَلَى حُكْمِهِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ شَهِدَا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِذَهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ الْمَحْكُومُ بِهِ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِأَرْبَعَةٍ عُدُولٍ كَالزِّنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الزِّنَا وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا كِتَابُ قَاضٍ بِاتِّفَاقٍ إلَّا مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ بِأَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الدَّمِيرِيُّ وَفِي شَرْحِ الْأُجْهُورِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ اُنْظُرْ الشَّرْحَ الْكَبِيرَ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَشْهَدَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَالْآخَرُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَإِنَّ كَلَامَهُ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِ ذَلِكَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَبِشَاهِدَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ شُهُودُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ لَا تُتَّهَمُ عَلَى تَرْوِيجِ شَهَادَتِهِمْ الْأُولَى، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ (ص) وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ خَالَفَا كِتَابَهُ وَنَدْبُ خَتْمِهِ لَمْ يُفِدْ وَحْدَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ يَعْتَمِدُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدَانِ وَلَوْ خَالَفَا فِي شَهَادَتِهِمَا كِتَابَ الْقَاضِي الَّذِي أَرْسَلَهُمَا ثُمَّ إنَّ الْوَاوَ فِي وَإِنْ خَالَفَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمُوَافَقَةِ لَا تُتَوَهَّمُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي الْمُرْسِلِ أَنْ يَخْتِمَ كِتَابَهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ وَسَوَاءٌ قَرَأَهُ عَلَيْهِمَا أَمْ لَا وَاسْتِحْبَابُ الْخَتْمِ فِي الثَّانِي ظَاهِرٌ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُسْرَقَ أَوْ يَسْقُطَ مِنْ الشُّهُودِ فَيُزَادُ فِيهِ أَوْ يُنْقَصُ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَظْهَرُ لَهُ كَبِيرُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ حِينَئِذٍ دَائِرٌ مَعَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَالْقَبُولُ مُسْتَنِدٌ لَهُمَا وُجُودًا وَعَدَمًا، وَبِعِبَارَةٍ وَنُدِبَ خَتْمُهُ أَيْ مِنْ خَارِجٍ لَا مِنْ دَاخِلٍ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الْخَتْمُ مِنْ دَاخِلٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا كِتَابُ الْقَاضِي الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَاضِي لَا أَثَرَ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هَذَا كِتَابَ الْقَاضِي الْفُلَانِيِّ وَأَنَّهُ أَشْهَدَهُمَا بِمَا فِيهِ.
(ص) وَأَدَّيَا وَإِنْ عِنْدَ غَيْرِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَشْهَدَ عَدْلَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ فَإِنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ مَا أَشْهَدَهُمَا بِهِ وَإِنْ عِنْدَ غَيْرِهِ بِأَنْ مَاتَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ أَوْ عُزِلَ وَالْغَيْرُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ قَاضِيًا فِي الْبَلَدِ الَّذِي كَتَبَ لِقَاضِيهَا أَوْ قَاضِيًا لِغَيْرِهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ الْخَصْمُ وَيَعْرِفَ بِهِ أَنَّهُ هُوَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ عِنْدَ غَيْرِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَلَوْ كَتَبَ اسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَوَّاقِ (ص) وَأَفَادَ إنْ أَشْهَدَهُمَا أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ أَوْ خَطُّهُ كَالْإِقْرَارِ (ش) اخْتَلَفَ مَالِكٌ فِيمَنْ دَفَعَ إلَى شُهُودٍ كِتَابًا مَطْوِيًّا وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَرَّةً الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَا عَلَى
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: وَبِشَاهِدَيْنِ مُطْلَقًا) أَيْ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْإِعْذَارُ وَالْحُكْمُ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ ثُمَّ هَرَبَ الْخَصْمُ لِبَلَدِ قَاضٍ آخَرَ فَيَكْتُبُ قَاضِي مِصْرَ الْوَاقِعَةَ وَيُرْسِلُهُ مَعَ شَاهِدَيْنِ لِذَلِكَ الْقَاضِي فَإِذَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنْفِذُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ عج ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِشَاهِدَيْنِ مُفِيدٌ بِمَا إذَا أَشْهَدَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَيْ وَكَانَ الْآخَرُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يُعَوَّلُ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ فَلَوْ قَالَ وَأَنْهَى لِغَيْرِهِ إنْ كَانَ بِوِلَايَتِهِ بِمُشَافَهَةٍ مُطْلَقًا وَبِشَاهِدَيْنِ لَأَفَادَ أَنَّ كَوْنَ كُلٍّ بِوِلَايَتِهِ جَارٍ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: إلَّا مَا يَأْتِي إلَخْ) صُورَتُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اجْتَمَعَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي إسْكَنْدَرِيَّةَ مَثَلًا فَذَهَبَ الْمُدَّعِي لِقَاضِيهَا وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ تَدَاعَى مَعَ خَصْمِهِ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ وَحَكَمَ لَهُ فَيَطْلُبُ قَاضِي إسْكَنْدَرِيَّةَ شَاهِدًا يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ فَيَأْتِي بِالشَّاهِدِ وَيَحْلِفُ مَعَهُ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ نَقْلُ كِتَابِ قَاضٍ وَإِنَّمَا فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي هَكَذَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَقَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْأُجْهُورِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِشَاهِدَيْنِ أَيْ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَمَا آلَ إلَيْهَا وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ وَمَا آلَ إلَيْهَا فَيُكْتَفَى فِيهَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِأَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّقْلِ لَكِنْ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا آلَ إلَيْهَا وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النَّقْلِ مِنْ شَاهِدَيْنِ مُطْلَقًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ هِيَ شُهُودَ الْأَصْلِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الشُّهُودُ الَّتِي حَصَلَ بِهَا الْإِنْهَاءُ هِيَ الشُّهُودُ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْحَقُّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي الْمُرْسِلِ أَنْ يَخْتِمَ كِتَابَهُ) مُرَادُهُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنْ يَطْوِيَ الْكِتَابَ وَيَجْعَلَ عَلَيْهِ شَمْعًا أَوْ غَيْرَهُ وَيَخْتِمَ عَلَيْهِ بِخَتْمِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَالْعِبَارَةُ الْآتِيَةُ أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ وَنُدِبَ خَتْمُهُ أَيْ وَمِنْ خَارِجٍ هِيَ عَيْنُ هَذَا لَا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ لِلْخَتْمِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يُحِطْ بِمَا فِيهَا وَأَمَّا لَوْ أَحَاطَ بِمَا فِيهَا فَلَا يَجِبُ الْخَتْمُ.
(قَوْلُهُ: وَبِعِبَارَةٍ وَنُدِبَ خَتْمُهُ) هَذِهِ لِلَّقَانِيِّ أَيْ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ) تَفْسِيرٌ لِلتَّجْرِيدِ لَا أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْمُجَرَّدُ.
. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ) أَيْ دَالٌّ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ النُّقُوشُ وَالرُّقُومُ لَا حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ: فِيمَنْ دَفَعَ) أَيْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا دَفَعَ كِتَابًا لِشُهُودٍ أَرْسَلَهُمْ بِهَذَا الْكِتَابِ لِيُوصِلُوهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لِيَعْمَلَ بِمَا فِيهِ وَيُنْفِذَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّ مَا فِيهِ حُكْمُهُ أَوْ خَطُّهُ أَيْ مَخْطُوطُهُ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ مَرَّةً الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا
نَحْوِ مَا بِهِ وَلَا مُعَارِضَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الَّذِي فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَفَعَ وَرَقَةً مَطْوِيَّةً لِرَجُلَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ وَأَنَّهُ عِنْدِي وَفِي ذِمَّتِي فَإِنَّهُ يُفِيدُ إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ صَحِيحٌ فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلْقِيَاسِ أَيْ وَأَفَادَ هَذَا قِيَاسًا عَلَى هَذَا وَمَفْهُومُ أَشْهَدَهُمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا وَشَهِدَا لَمْ يُعْمَلْ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يَشْهَدَا أَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ (ص) وَمَيَّزَ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ اسْمٍ وَحِرْفَةٍ وَغَيْرِهِمَا (ش) يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلًا عَلَى صِفَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ الْمُمَيِّزَةِ لِمَوْصُوفِهَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ اسْمِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ جَدِّهِ وَحِلْيَتِهِ وَمَسْكَنِهِ وَصِنَاعَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (ص) فَنَفَّذَهُ الثَّانِي وَبَنَى (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يَصِلُ نَظَرَهُ بِمَا فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ بِثُبُوتِ شَهَادَتِهِمْ فَقَطْ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَتِهَا وَيَنْظُرُ فِي تَعْدِيلِهِمْ وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ بِتَعْدِيلِهِمْ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَعْدِيلِهِمْ بَلْ يَعْذُرُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَتَبَ بِأَنَّهُ أَعْذَرَ إلَيْهِ وَعَجَّزَهُ عَنْ الدَّفْعِ أَمْضَى الْحُكْمَ عَلَيْهِ
(ص) كَانَ نَقْلٌ لِخُطَّةٍ أُخْرَى (ش) الْخُطَّةُ بِالضَّمِّ الْأَمْرُ وَالْقَضِيَّةُ وَبِالْكَسْرِ الْأَرْضُ يَخُطُّهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُعَلِّمُ عَلَيْهَا عَلَامَةً بِالْخَطِّ لِيُعْلِمَ أَنَّهُ اخْتَارَهَا لِيَبْنِيَهَا دَارًا وَمَا هُنَا مِنْ الْأُولَى وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا انْتَقَلَ إلَى خُطَّةٍ أَيْ إلَى مَنْصِبٍ وَمَرْتَبَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ انْتِقَالِهِ وَيُبْنَى عَلَيْهِ كَمَا إذَا نُقِلَ مِنْ الْأَنْكِحَةِ وَالْبُيُوعِ إلَى الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ حَيْثُ كَانَ مَا يَقَعُ فِيهِ التَّنْفِيذُ أَوْ الْبِنَاءُ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ عُزِلَ ثُمَّ وُلِّيَ فَلَا يُبْنَى عَلَى مَا مَضَى بَلْ يُسْتَأْنَفُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ نُقِلَ وَقِيلَ يُبْنَى، وَلَمَّا كَانَ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَسَائِلِ الْإِنْهَاءِ وَإِنَّمَا يُوَافِقُهُ فِي التَّنْفِيذِ أَتَى بِهِ بِأَدَاةِ التَّشْبِيهِ (ص) وَإِنْ حَدًّا إنْ كَانَ أَهْلًا أَوْ قَاضِيَ مِصْرٍ وَإِلَّا فَلَا (ش) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ فَيُنْفِذُهُ الثَّانِي وَيُبْنَى عَلَى مَا مَرَّ وَإِنْ حَدًّا أَوْ عَفْوًا عَنْ الْقِصَاصِ إنْ كَانَ الْقَاضِي الْمُرْسَلُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ أَوْ قَاضِيَ مِصْرٍ أَيْ بَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ كَمِصْرٍ وَمَكَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ؛ لِأَنَّ قُضَاةَ الْأَمْصَارِ مَظِنَّةَ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ فَإِنْ انْتَفَى مَا ذُكِرَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ لَا يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ وَلَا يُنْفِذُهُ ثُمَّ شَبَّهَ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ (ص) كَأَنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ مَيِّتًا (ش) يَعْنِي أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إذَا جَاءَ إلَى
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُصَنِّفُ الْإِفَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ، وَقَدْ أَدَّيَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَدَمُ الْإِفَادَةِ وَوَجَّهَهَا الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُهُ فَالشَّهَادَةُ بِمَضْمُونِهِ شَهَادَةٌ بِمَا لَمْ يَعْلَمُوا وَضَعُفَ بِأَنَّ مَا يَضْمَنُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ قَدْ أَقَرَّ بِهِ مَنْ أُمِرَ بِالشَّهَادَةِ وَالْعِلْمُ تَارَةً يَقَعُ جُمْلَةً وَتَارَةً يَقَعُ تَفْصِيلًا. (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَالْإِقْرَارِ وَإِفَادَةُ أَنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُنَاسِبُ لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ مَا فِيهَا خَطُّهُ وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مُسَلَّمٌ فِيهِ الْحُكْمُ.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلْقِيَاسِ) أَيْ مُفِيدٌ لِلْقِيَاسِ أَيْ قِيَاسُ هَذِهِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا وَلِذَا قُلْنَا إنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ وَقَالَ بَعْضٌ إنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْكَافِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَهُوَ الَّذِي فِي الْأَصْلِ أَيْ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَحْتَمِلُ هَذَا أَيْضًا أَيْ أَفَادَ هَذَا أَيْ مَا قَبْلَ الْكَافِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا وَهُوَ مَا بَعْدَ الْكَافِ وَأَمَّا دُخُولُ الْكَافِ عَلَى الْمُشَبَّهِ كَمَا قُلْنَا أَوَّلًا فَنَقُولُ فِيهِ وَأَفَادَ هَذَا أَيْ مَا بَعْدَ الْكَافِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا أَيْ مَا قَبْلَ الْكَافِ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَالْمَسْأَلَتَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي النَّقْلِ فَلَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى. (قَوْلُهُ: وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ جَدِّهِ) وَأَرَادَ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيِّ بِالِاسْمِ مَا يَشْمَلُ الْكُنْيَةَ وَاللَّقَبَ أَيْ مِنْ اسْمٍ وَكُنْيَةٍ وَلَقَبٍ لَهُ وَلِأَبِيهِ وَجَدِّهِ قَالَ الْأَبِيُّ عَنْ عِيَاضٍ إنْ كَانَ مَشْهُورًا بِاسْمِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ قَالَ الْبَدْرُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ قَالَ عج قُلْت وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَيَّزَ فِيهِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي جَمِيعِهَا مَعَ ذِكْرِ اسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِهِمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى الْمُصَنِّفِ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ وَطَلَبَ الْمَحْكُومُ لَهُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا إلَى حَاكِمِ بَلَدِ الْمَطْلُوبِ كَتَبَ لَهُ وَمَيَّزَ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْغَائِبُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْ اسْمٍ لَهُ وَلِأَبِيهِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَنَفَّذَهُ الثَّانِي) أَيْ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ وُجُوهِ الْحُكْمِ وَقَوْلُهُ: وَبَنَى أَيْ وَبَنَى الثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ وُجُوهِ الْحُكْمِ وَالْحَالُ أَنَّ الْأَوَّلَ مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَلَا يُتِمُّهُ الثَّانِي كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ بَنَى عَلَى قَوْلِهِ وَنَفَّذَهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ أَدْنَى مِنْ التَّنْفِيذِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ فَنَفَّذَهُ الثَّانِي فِي قِسْمَيْ الْإِنْهَاءِ أَيْ الْإِنْهَاءِ بِالْمُشَافَهَةِ وَالْإِنْهَاءِ بِشَاهِدَيْنِ.
(قَوْلُهُ: كَأَنْ نُقِلَ لِخُطَّةٍ) صُورَتُهُ كَانَ الْقَاضِي مُوَلًّى فِي الْأَنْكِحَةِ فَقَطْ ثُمَّ إنَّهُ شَرَعَ فِي قَضِيَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ نُقِلَ لِقَضَاءِ الْجَمَاعَةِ فَيَحْكُمُ وَلَا يُعِيدُ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ إلَيْهَا تَشْمَلُ الْأُولَى وَأَمَّا لَوْ كَانَ قَاضِي الْأَنْكِحَةِ فَقَطْ ثُمَّ نُقِلَ لِلْبُيُوعِ فَقَطْ فَلَا يَحْكُمُ بَلْ يَبْتَدِئُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَقَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ وَالْقَضِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا الْوِلَايَةُ الْأُخْرَى وَإِنْ شِئْت قُلْت الْمَرْتَبَةُ الْأُخْرَى. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا نُقِلَ مِنْ الْأَنْكِحَةِ وَالْبُيُوعِ إلَى الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ لَمْ يَكُنْ انْدِرَاجٌ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ إلَى الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ إلَى قَضَاءِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الِانْدِرَاجَ إنَّمَا يَتَأَتَّى مَعَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ عُزِلَ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ نُقِلَ لِأَنَّ الْمُرَادَ نُقِلَ مِنْ وِلَايَةٍ إلَى وِلَايَةٍ أُخْرَى بِأَنْ كَانَ أَوَّلًا يَحْكُمُ فِي الْأَنْكِحَةِ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْكُمَ فِي الْمَوَارِيثِ مَثَلًا مَعَ اسْتِمْرَارِ التَّوْلِيَةِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْعَزْلِ وَالتَّوْلِيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ تَتَقَدَّمْ لَهُ تَوْلِيَةٌ فَلَا يَتِمُّ مَا فَعَلَهُ أَوَّلًا بَلْ يَسْتَأْنِفُ حُكْمًا جَدِيدًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ حَدًّا) بَالَغَ عَلَى الْحَدِّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ السُّقُوطُ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. (قَوْلُهُ: كَمِصْرٍ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ لَفْظَ مِصْرٍ فِي الْمُصَنِّفِ يُقْرَأُ بِالتَّنْوِينِ
قَاضٍ آخَرَ وَوُجِدَ فِي الْبَلَدِ رَجُلَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُشَارِكٌ لِلْآخَرِ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ فَإِنَّ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ لَا يُنْفِذُ الْحُكْمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِالْمَقْصُودِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشَارِكُ فِي الصِّفَةِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (ص) وَإِنْ لَمْ يُمَيَّزْ فَفِي أَعْدَائِهِ أَوَّلًا حَتَّى يَثْبُتَ أَحَدِّيَّتَهُ قَوْلَانِ (ش) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِصِفَتِهِ الَّتِي تُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ فَهَلْ لِلْقَاضِي الْمُرْسَلَ إلَيْهِ أَنْ يُعَدِّيَ أَيْ يُسَلِّطَ الطَّالِبَ عَلَى صَاحِبِ ذَلِكَ الِاسْمِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَعَلَى صَاحِبِ الِاسْمِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ بِالْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ أَوْ لَا يُعَدِّيهِ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْبِتَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُ الْمَطْلُوبَ فِي الصِّفَةِ قَوْلَانِ أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُشَارِكٌ فِي الْبَلَدِ مُحَقَّقٌ وَإِلَّا فَلَا يُعَدَّى عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ.
(ص) وَالْقَرِيبُ كَالْحَاضِرِ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ، وَالْغَيْبَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قَرِيبَةٌ وَبَعِيدَةٌ وَمُتَوَسِّطَةٌ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْغَائِبَ غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْأَيَّامِ مَعَ الْأَمْنِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَتَزْكِيَتِهَا وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قُدِّمَ (ص) وَالْبَعِيدُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَةَ قَضَى عَلَيْهِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ غَيْبَةً بَعِيدَةً كَإِفْرِيقِيَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ يُقْضَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا لَكِنْ يَحْلِفُ الطَّالِبُ يَمِينَ الْقَضَاءِ الَّتِي لَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَ وَلَا احْتَالَ وَلَا وَكَّلَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فِيهِ وَلَا فِي بَعْضِهِ وَتُسَمَّى يَمِينَ الِاسْتِبْرَاءِ وَهَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ اسْتِظْهَارٌ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْأَوَّلُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَيَمِينُ الْقَضَاءِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ عَلَى غَائِبٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ عَلَى الْأَحْبَاسِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي ك وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِعَدَمِ التَّنْوِينِ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلْبَلْدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: كُلٌّ مِنْهُمَا مُشَارِكٌ لِلْآخَرِ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ) أَيْ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنَفِّذُ مَا أُرْسِلَ إلَيْهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يَتْرُكْ الْقَاضِي التَّمْيِيزَ بَلْ كَتَبَ أَوْصَافَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَإِذَا هُنَاكَ مُشَارَكَةٌ فِيهَا بِخِلَافِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ تَرَكَ التَّمْيِيزَ أَصْلًا فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الِاسْمَ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُعْلَمْ إلَخْ) بِأَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ مِنْ يَوْمِ مَاتَ وَيُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِبُعْدِهِ فَيَلْزَمُ الْحَيُّ الْمَوْجُودُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ وَلَكِنْ تَارِيخُ وَثِيقَةِ الْحَقِّ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيِّ فِي هَذِهِ مُشَارَكَةٌ فِي الصِّفَاتِ الَّتِي مَيَّزَ بِهَا لِاخْتِلَافِ زَمَنِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ بِطُولِ الزَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ الْمُرَادُ فَلَا مُشَارَكَةَ. (قَوْلُهُ: فَفِي إعْدَائِهِ) وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ وَالْعَقْلُ. (وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يُعَدَّى عَلَيْهِ اتِّفَاقًا) أَيْ وَيُخَيَّرُ الْمُدَّعِي إنْ شَاءَ ادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي وَيَسْتَأْنِفُ لَهُ الْحُكْمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيِّ وَقَوْلُهُ: كَأَنْ شَارَكَهُ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ أَيْ كَأَنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ أَيْ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْمُصَنِّفِ الَّتِي مِنْهَا التَّمْيِيزُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهَا
. (قَوْلُهُ: تَقَدَّمَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَسْمَعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِمَوْضِعِ الْحُكْمِ مَالٌ أَوْ وَكِيلٌ أَوْ حَمِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَلَّ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بَلْ عَلَى بَلَدٍ خَاصٍّ وَالْمُرَادُ الَّذِي سَافَرَ لِمَحَلٍّ انْقَطَعَ بِهِ لَا الَّذِي سَافَرَ لِيَرْجِعَ فَهَذَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: كَالْأَيَّامِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ: تَزْكِيَتُهَا ثُمَّ يُعْلَمُ بِهَا فَإِنْ كَانَ لَهُ مَدْفَعٌ دَفَعَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ وَيُبَاعُ عَقَارُهُ وَنَحْوُهُ فِي الدَّيْنِ وَيُعَجِّزُهُ إلَّا فِي دَمٍ وَحَبْسٍ إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قُدِّمَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي قَوْلَهُ كَالْحَاضِرِ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ. (قَوْلُهُ: بِيَمِينِ الْقَضَاءِ) أَيْ مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ أَوْ سَبَبِيَّةٍ وَهَذَا أَحْسَنُ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا احْتَالَ) أَيْ وَلَا حَوَّلَهُ الْمَدِينُ عَلَى غَيْرِهِ وَفِي عب وَلَا أَحَالَ أَيْ وَلَا أَحَالَ غَيْرَهُ عَلَى هَذَا الْمَدِينِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَيِّتٍ) أَيْ عَلَى مَنْ يَدَّعِي عَلَى مَيِّتٍ أَيْ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِالدَّيْنِ فَلَا تَجِبُ ثُمَّ إنَّ يَمِينَ الْقَضَاءِ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ وَإِنْ رَضِيَتْ الْوَرَثَةُ بِتَرْكِهَا حَيْثُ دَفَعُوا بِالْحَاكِمِ قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تَجِبُ وَمِنْ ادَّعَى قَضَاءَ دَيْنِ مَيِّتٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى غَائِبٍ) أَيْ غَيْبَةً بَعِيدَةً وَمَحَلُّ يَمِينِ الْقَضَاءِ فِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْحَاضِرِ إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتَهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَأَمَّا إنْ شَهِدَتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِأَنَّ الْغَائِبَ كَانَ أَقَرَّ أَنَّ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ كَذَا فَلَا يَحْتَاجُ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَتِيمٍ) أَيْ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ أَوْ أَنَّهُ أَتْلَفَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ لِضَعْفِ الصَّغِيرِ وَمِثْلُ الْيَتِيمِ الصَّغِيرُ وَالسَّفِيهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْأَحْبَاسِ) أَيْ إذَا ادَّعَى مِلْكَ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْبَاسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالْمِلْكِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى الْحَبْسِ وَأَنْ لَهُ مَالًا تَجَمَّدَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَسَاكِينِ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَى الْمِسْكِينِ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَدْ تَصَدَّقَ بِمَا فِي يَدِ ذَلِكَ الْمِسْكِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ) بِأَنْ وَجَدَ كِتَابًا بِيَدِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقْرَءُونَ فِيهِ ادَّعَوْا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فَادَّعَى مِلْكِيَّتَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ بِأَنْ يَمُوتَ إنْسَانٌ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهِ وَارِثٌ وَأَخَذَ مَالَهُ بَيْتُ الْمَالِ فَقَدِمَ إنْسَانٌ وَادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهَا يَمِينَ الْقَضَاءِ أَوْ
أَوْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ اهـ.
وَبِعِبَارَةٍ وَيَمِينُ الْقَضَاءِ تَجِبُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِالدَّيْنِ فَلَا يَجِبُ.
(ص) وَسَمَّى الشُّهُودَ وَلَا نَقْضَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يُسَمِّيَ الشُّهُودَ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْغَائِبِ لِيَجِدَ مَدْفَعًا عِنْدَ قُدُومِهِ بِتَجْرِيحِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْبَيِّنَةَ وَأَلْزَمَ الْخَصْمَ الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فُسِخَ حُكْمُهُ وَيَسْتَأْنِفُ ثَانِيًا وَيَجْرِي فِي مُتَوَسِّطِ الْغَيْبَةِ أَيْضًا تَسْمِيَةُ الشُّهُودِ ثُمَّ إنَّ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ حَيْثُ كَانَ يُعْذَرُ فِيهِمْ كَذَا يَنْبَغِي قَوْلُهُ وَإِلَّا نُقِضَ مَا لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَإِلَّا فَلَا يُنْقَضُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْجَزِيرِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ قَوْلُهُ وَإِلَّا نُقِضَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ وَلِقَوْلِهِ وَسَمَّى الشُّهُودَ.
(ص) وَالْعَشَرَةُ الْأَيَّامِ أَوْ الْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَهَا فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ (ش) هَذِهِ هِيَ الْغَيْبَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ عَلَى مَسَافَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَعَ الْأَمْنِ أَوْ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ مَعَ الْخَوْفِ يُقْضَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا اسْتِحْقَاقَ الْعَقَارِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَقَوْلُهُ مَعَ الْخَوْفِ قَيْدٌ فِي الْيَوْمَيْنِ فَقَطْ وَالضَّمِيرُ فِي مَعَهَا يَرْجِعُ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ، وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْعَقَارِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّهَا عَامَّةُ النَّفَقَةِ أَوْ أَرْبَابُ الدُّيُونِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِبَيْعِ عَقَارِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ مِمَّا تَتَشَاحَحُ فِيهِ النُّفُوسُ وَيَحْصُلُ فِيهَا الضِّغْنُ وَالْحِقْدُ وَالنِّزَاعُ عِنْدَ أَخْذِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ لِيَكُونَ أَقْطَعَ لِلنِّزَاعِ.
(ص) وَحَكَمَ بِمَا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ كَدَيْنٍ (ش) هَذَا حُكْمٌ بِالْغَائِبِ لَا عَلَى الْغَائِبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْحُكْمِ وَهُوَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ فِي غَيْبَتِهِ كَالْعَقَارِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَطْلُبُ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ بَلْ تُمَيِّزُهُ الْبَيِّنَةُ بِالصِّفَةِ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ كَالْحَدِيدِ وَالْحَرِيرِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تَشْهَدُ بِقِيمَتِهِ وَيُحْكَمُ بِهَا لِمُدَّعِيهِ فَالْغَائِبُ عَنْ الْبَلَدِ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ وَصْفُهُ قَامَ وَصْفُهُ مَقَامَ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَصْفُهُ قَامَتْ قِيمَتُهُ مَقَامَ وَصْفِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ فِي الْمِثْلِيِّ لِجَهْلِ صِفَتِهِ، وَأَمَّا فِي الْبَلَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ
ــ
[حاشية العدوي]
يَدَّعِي أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ شَيْئًا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِفَقْرِهِ فَيَحْلِفُ يَمِينَ الْقَضَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ غَنِيٌّ بَاطِنًا. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ يَقُومُ إلَخْ أَيْ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَيِّتٍ وَمُتَوَجِّهَةٌ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ كَمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَعْنَى مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَعْنَى الْعِبَارَةِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْبَعِيرَ الَّذِي عِنْدَ زَيْدٍ مَثَلًا وَيُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْبَيِّنَةِ مِنْ يَمِينِ الْقَضَاءِ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَقَارًا بِيَدِ زَيْدٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِيَمِينِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ أَقْوَالٍ فَقِيلَ لَا يَحْلِفُ مُطْلَقًا وَقِيلَ يَحْلِفُ مُطْلَقًا وَقِيلَ يَحْلِفُ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ الْعَقَارِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي ذَلِكَ أَقُولُ وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقَارَ الشَّأْنُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقَعُ مِنْهُ التَّبَرُّعُ بِهَا بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ أَقُولُ وَلَكِنْ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعُرُوض كَذَلِكَ وَظَاهِرُ النَّصِّ خِلَافُ ذَلِكَ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَجَدْت عِنْدِي مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُشْتَبَهُ كَثِيرًا بِخِلَافِ الْعَقَارِ إلَخْ أَقُولُ وَالْعُرُوضُ كَالثِّيَابِ أَشَدُّ اشْتِبَاهًا
. (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ أَنْ يُسَمِّيَ الشُّهُودَ إلَخْ) أَيْ الشُّهُودَ بِالْحَقِّ وَالْمُعَدِّلِينَ لَهُمْ وَقَوْلُهُ: الْغَائِبُ أَيْ الْبَعِيدُ الْغَيْبَةِ والمتوسطها وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي الْبَعِيدِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ أَنْ يُسَمِّيَ الشُّهُودَ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ تَسْمِيَةُ الشُّهُودِ مُسْتَحَبٌّ وَمِثْلُ الْغَائِبِ فِي تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ الصَّغِيرُ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ يُعْذَرُ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَا إعْذَارَ فِيهِ وَهُوَ مَنْ يَعْلَمُ الْقَاضِي عَدَالَتَهُ فَيَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ
. (قَوْلُهُ: وَالْعَشَرَةُ الْأَيَّامِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا قَارَبَ الْمُتَوَسِّطَ وَالْقَرِيبَ يُعْطَى حُكْمَ كُلٍّ وَمَا قَارَبَ الْبَعِيدَ يُعْطَى حُكْمَهُ وَيَتَعَارَضُ الْأَمْرُ فِيمَا كَانَ نِسْبَتُهُ مُسْتَوِيَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ فَيُجْعَلُ مِنْ الْأَعْلَى الْمُتَوَسِّطُ أَوْ الْبَعِيدُ. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا حُكِمَ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ فِي ذَلِكَ أَيْ بِأَنْ يُقِيمَ شَخْصٌ عَلَى هَذَا الْغَائِبِ أَنَّ هَذَا الْعَقَارَ الَّذِي عِنْدَهُ لِهَذَا الْمُقِيمِ لِلْبَيِّنَةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِي مُدَّعًى عَلَيْهِ غَائِبِ عَنْ وِلَايَةِ الْحَاكِمِ وَلَكِنَّهُ مُتَوَطِّنٌ بِوِلَايَتِهِ أَوْ لَهُ بِهَا مَالٌ أَوْ وَكِيلٌ أَوْ حَمِيلٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَمَاعٌ وَلَا حُكْمٌ بَلْ تُنْقَلُ الشَّهَادَةُ بِدُونِ حُكْمٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ) وَمُقَابِلُهُ اسْتِحْقَاقُ الْعَقَارِ كَغَيْرِهِ إذْ لَا فَرْقَ. (قَوْلُهُ: وَالْحِقْدُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْقَرِيبِ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْبَعِيدِ جِدًّا يَكُونُ عَامًّا حَتَّى فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ، وَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَوَسِّطِ الْغَيْبَةِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا اسْتِحْقَاقَ الْعَقَارِ وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ فَيَنْتَظِرُهُ حَتَّى يَقْدَمَ
. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَدَيْنٍ) تَشْبِيهٌ فِي قَوْلِهِ بِالصِّفَةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ إلَّا ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيِّ. (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ كِنَانَةَ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَا يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ وَلَا يَدَّعِيهِ أَحَدٌ حَكَمَ فِيهِ بِالصِّفَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ أَوْ يَدَّعِيهِ وَمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلَا يَحْكُمُ فِيهِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: تَشْهَدُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِأَنْ تَقُولَ الْبَيِّنَةُ غَصَبَ مِنْهُ كَذَا قِيمَتُهُ كَذَا بَهْرَامُ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ)
وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِالصِّفَةِ أَمْ لَا
(ص) وَجَلَبَ الْخَصْمَ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَجْلِبُ الْخَصْمَ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَهِيَ الَّتِي يَرُوحُ مِنْهَا وَيَرْجِعُ فَيَبِيتُ فِي مَنْزِلِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَيَجْلِبُ الْخَصْمَ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ أَوْ وَرَقَةٍ أَوْ نَحْوِهِمْ يُرْسِلُهُ الْقَاضِي مَعَ الْخَصْمِ إلَى خَصْمِهِ فَلَوْ زَادَتْ مَسَافَةُ الْخَصْمِ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى بِأَنْ كَانَتْ عَلَى مَسَافَةِ سِتِّينَ مِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَجْلِبُ إلَّا إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِالْحَقِّ فَإِنَّ الْحَاكِمَ حِينَئِذٍ يَجْلِبُهُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لَا أَكْثَرُ كَسِتِّينَ مِيلًا إلَّا بِشَاهِدٍ) وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ بَعْضٌ أَنَّ مَسَافَةَ الْعَدْوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَجَلَبَ إلَخْ سَوَاءٌ أَتَى الطَّالِبُ بِشُبْهَةٍ أَمْ لَا وَهُوَ كَلَامُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَجَزَمَ ابْنُ عَاصِمٍ تَبَعًا لِسَحْنُونٍ بِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَدْفَعُ طَابِعَهُ وَلَا يَرْفَعُ الْمَطْلُوبَ إلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الطَّالِبُ بِشُبْهَةٍ لِئَلَّا يَكُونَ مُدَّعِيًا بَاطِلًا وَيُرِيدُ تَعَنُّتَ الْمَطْلُوبِ فَانْظُرْهُ
(ص) وَلَا يُزَوِّجُ امْرَأَةً لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ (ش) صُورَتُهَا امْرَأَةٌ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ إلَّا الْقَاضِي فَلَا يُزَوِّجُهَا إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ بِالشَّامِ وَلَا وَلِيَّ لَهَا إلَّا الْقَاضِي فَلَا يُزَوِّجُهَا قَاضِي مِصْرَ إلَّا إذَا دَخَلَتْ لِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَقَوْلُهُ لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ أَيْ لَيْسَتْ بِوِلَايَتِهِ الْخَاصَّةِ بِأَنْ كَانَتْ بِوِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ فَلَوْ وَقَعَ وَزَوَّجَهَا أُجْرِيَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ النِّكَاحِ مِنْ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَالشَّرِيفَةِ وَالدَّنِيَّةِ.
(ص) وَهَلْ يَدَّعِي حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ عُمِلَ أَوْ الْمُدَّعِي وَأُقِيمَ مِنْهَا (ش) الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ فِي عَقَارٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ حَكَمَ ابْنُ بَشِيرٍ وَكَتَبَ بِهِ إلَى بَعْضِ قُضَاتِهِ أَوْ حَيْثُ الْمُدَّعَى فِيهِ فَقَوْلُهُ أَوْ الْمُدَّعَى أَيْ فِيهِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحَذْفِ الْجَارِّ فَاتَّصَلَ الضَّمِيرُ بِهِ وَاسْتَتَرَ وَإِنْ كَانَتْ فِي دَيْنٍ فَيَدَّعِي حَيْثُ تَعَلَّقَ الطَّالِبُ بِالْخَصْمِ فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ خَاصٌّ بِالْعَقَارِ
(ص) وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَةٍ تَرَدُّدٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ قَرِيبَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَخِيفَ عَلَيْهِ التَّلَفُ مِمَّنْ يَأْخُذُهُ وَيُضَيِّعُهُ فَقَامَ شَخْصٌ قَرِيبٌ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَلَيْسَ هُوَ وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ وَأَرَادَ الْخِصَامَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ عَنْ الْغَائِبِ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ حِفْظًا لِلْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْ الْغَائِبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ تَرَدُّدٌ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُدَّعِي وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ أَمَّا مَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ عَارِيَّةً لَا يُغَابُ عَلَيْهَا وَالْمُرْتَهِنِ رَهْنًا كَذَلِكَ وَزَوْجَةِ الْغَائِبِ
ــ
[حاشية العدوي]
لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ لَوْ قَالَ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ
. (قَوْلُهُ: وَجَلَبَ الْخَصْمَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ طُلِبَ لِلشَّكْوَى لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَأْتِيَهُ خَاتَمٌ أَوْ رَسُولٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ قَالَ اللَّقَانِيِّ هَذَا فِيمَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لِلطَّالِبِ حَقًّا عَلَيْهِ وَإِلَّا وَجَبَ الذَّهَابُ مَعَهُ لِلشَّرْعِ فَإِنْ امْتَنَعَ أُدِّبَ وَغَرِمَ أُجْرَةَ الرَّسُولِ إنْ جَاءَ الطَّالِبُ لَهُ بِرَسُولٍ وَقَوْلُهُ: وَيَجْلِبُ إلَخْ أَيْ جَبْرًا عَلَيْهِ إنْ شَاءَ الْقَاضِي وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ إلَيْهِ إمَّا حَضَرَ أَوْ وَكَّلَ أَوْ أَرْضَى خَصْمَهُ. (قَوْلُهُ: كَسِتِّينَ مِيلًا) أَيْ وَمَا قَارَبَهَا بِمَا زَادَ عَلَى الْعَدْوَى فَلَا يَجْلِبُهُ فَإِنْ جَلَبَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ. (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَهِيَ الَّتِي يَرُوحُ فِيهَا إلَخْ فَمَا تَقَدَّمَ خِلَافُ الرَّاجِحِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَلَامُ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ) أَيْ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ لَا صَرِيحُهُ.
(قَوْلُهُ: لَا يَدْفَعُ طَابِعَهُ) أَيْ خَاتَمَهُ كَأَنْ يَضَعَهُ فِي يَدِهِ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: بِشُبْهَةٍ) كَأَثَرِ ضَرْبٍ أَوْ جُرْحٍ أَيْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ مَا يُقَوِّي دَعْوَاهُ. (أَقُولُ) وَكَلَامُ سَحْنُونَ خُصُوصًا وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَاصِمٍ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَحْكَامِ هُوَ الظَّاهِرُ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ، وَقَدْ ضَبَطُوهُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْمِيمِ
. (قَوْلُهُ: فَلَا يُزَوِّجُهَا قَاضِي مِصْرَ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مِصْرِيَّةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَيُزَوِّجُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا كَشَامِيَّةٍ بِمِصْرَ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ بِوِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ شَامِيَّةً فِي مِصْرَ فَقَاضِي الشَّامِ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهَا الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي أَشَارَ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَعَامَّةٌ مُسَلَّمٌ فَمَرْتَبَتُهُ بَعْدَ الْقَاضِي الَّتِي هِيَ بِوِلَايَتِهِ الْخَاصَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ لَهَا الْوِلَايَةَ الْخَاصَّةَ وَإِذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ لَهَا الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ فَإِذَا زَوَّجَ قَاضِي مِصْرَ امْرَأَةً فِي أُنْبَابَةَ الَّتِي لَهَا قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَتْ دَنِيَّةً صَحَّ وَإِنْ كَانَتْ شَرِيفَةً إنْ دَخَلَ وَطَالَ وَإِلَّا فَسَخَ أَيْ مُعَرَّضٌ لِلْفَسْخِ وَهُوَ صَحِيحٌ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِأَنْ كَانَتْ بِوِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ أَيْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ الْعَامَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوِلَايَتِهِ لِلْقَضَاءِ الْعَامَّةَ فَإِنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ لَا تَكُونُ تَارَةً عَامَّةً وَتَارَةً خَاصَّةً بَلْ لَا تَكُونُ إلَّا خَاصَّةً وَقَوْلُهُ: مِنْ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ إلَخْ الْمُنَاسِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ الشَّرِيفَةَ وَالدَّنِيَّةَ كَمَا بَيَّنَّا
. (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَدَّعِي إلَخْ) أَيْ إنَّ زَيْدًا تَنَازَعَ مَعَ عَمْرٍو فِي مِصْرَ فِي دَارِ فِي الصَّعِيدِ فَهَلْ الدَّعْوَى تُقَامُ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَوْ تُقَامُ فِي الصَّعِيدِ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي إسْكَنْدَرِيَّةَ وَالْمُدَّعِي فِي مِصْرَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دِمْيَاطَ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَحَلِّ الْمُدَّعِي وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَكْتُبَ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ؛ لَأَنْ يَجِيءَ لَهُ مَوْضِعَهُ فَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَذْهَبُ لِمَحَلِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْخِلَافُ فِي الْعَقَارِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْحَقُّ غَيْرَ عَقَارٍ فَيَدَّعِي حَيْثُ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: حَيْثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ مَوْجُودٌ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ لِأَنَّ حَيْثُ لَا تُضَافُ إلَّا لِلْجُمَلِ وَقَوْلُهُ: خَاصٌّ بِالْعَقَارِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْقَوْلَانِ فِي كُلِّ مُعَيَّنٍ عَقَارٍ أَمْ لَا
. (قَوْلُهُ: أَوْ قَرِيبَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ اخْتَلَفَ فَقِيلَ الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ وَقِيلَ فِي الْبَعِيدِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ)