الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهَذَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ تَمَّ الْعَمَلُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَقِيقَةِ الْجُعْلِ وَفِيهِ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى النَّفَقَةِ جُعْلًا تَغْلِيبًا
وَلَمَّا كَانَ الْمَجْعُولُ عَلَيْهِ ضَائِعًا يُشْبِهُ مَوَاتَ الْأَرْضِ نَاسَبَ الْإِتْيَانَ بِهِ بَعْدَ الْجُعْلِ فَقَالَ
(بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ)
قَالَ الشَّارِحُ الْمَوَاتُ بِضَمِّ الْمِيمِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الْمَوْتُ وَبِفَتْحِهَا مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَأَيْضًا هُوَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا مُنْتَفَعَ بِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ مُنْتَفَعَ اسْمُ مَفْعُولٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْ: لَا انْتِفَاعَ بِهَا الْآنَ فَقَدْ عَلِمْت ضَبْطَ الْمَوَاتِ هُنَا بِأَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَأَنَّهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ وَبَدَأَ الْمُؤَلِّفُ بِتَعْرِيفِ الْمَوَاتِ عَلَى الْإِحْيَاءِ بِقَوْلِهِ. (ص) مَوَاتُ الْأَرْضِ مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ (ش) إمَّا؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ عَلَى الْوُجُودِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَقُدِّمَ وَضْعًا، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَوَاتِ مُتَّحِدَةٌ وَالْإِحْيَاءُ يَكُونُ بِأُمُورٍ كُلٌّ مِنْهَا مُضَادٌّ لِلْمَوَاتِ فَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِهِ أَوَّلًا لِيَذْكُرَ أَضْدَادَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَوَاتَ الْأَرْضِ مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ وَاسْتَغْنَى الْمُؤَلِّفُ عَنْ أَنْ يَقُولَ مَا سَلِمَ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ بِالْجَمْعِ بِالِاسْمِ الْمُحَلَّى بِأَلْ الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ وَقَدْ عَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ بِقَوْلِهِ هُوَ لَقَبٌ لِتَعْمِيرِ دَاثِرِ الْأَرْضِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْصِرَافِ الْمُعَمِّرِ عَنْ انْتِفَاعِهِ بِهَا انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِتَعْمِيرِ دَاثِرِ الْأَرْضِ مَا يَشْمَلُ تَفْجِيرَ الْمَاءِ وَإِخْرَاجَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ فِي بَيَانِ الْإِحْيَاءِ وَأُخْرِجَ بِدَاثِرِ الْأَرْضِ غَيْرُ الدَّاثِرَةِ وَتَعْمِيرُ غَيْرِ الْأَرْضِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ إلَخْ عَمَّا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ مِنْ التَّعْمِيرِ كَالتَّحْوِيطِ وَرَعْيِ الْكَلَأِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِنْ التَّعْرِيفِ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْمِيرِ مُقْتَضِيًا لِلِاخْتِصَاصِ وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ بَيَانَهُ لِذَلِكَ بَعْدُ يَدْفَعُ عَنْهُ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى التَّعْرِيفِ أَنَّ الْإِقْطَاعَ وَالْحِمَى لَيْسَا مِنْ الْإِحْيَاءِ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِمَا تَعْمِيرُ دَاثِرِ الْأَرْضِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي الْإِحْيَاءُ مِنْ أَقْسَامِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا مِنْ أَفْرَادِ الْإِحْيَاءِ الَّذِي التَّعْرِيفُ لَهُ فَهُمَا قَسِيمَانِ لِلْإِحْيَاءِ لَا قِسْمَانِ مِنْهُ ثُمَّ إنَّ إضَافَةَ الْمَوَاتِ إلَى الْأَرْضِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ: الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ وَقَوْلُهُ مَا أَيْ: أَرْضٌ وَذِكْرُ الضَّمِيرِ فِي سَلِمَ نَظَرًا لِلَفْظِ مَا.
(ص) بِعِمَارَةٍ وَلَوْ انْدَرَسَتْ إلَّا لِإِحْيَاءٍ (ش) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ الِاخْتِصَاصُ كَائِنٌ بِعِمَارَةٍ أَوْ يَكُونُ بِعِمَارَةٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعِمَارَةَ إذَا انْدَرَسَتْ وَكَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ بَيْعٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ مَلَكَهَا مِنْ مَوَاتٍ بِإِحْيَاءٍ أَوْ إقْطَاعٍ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ مَوَاتًا فَإِنْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ الْمُنْدَرِسَةُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَيْ: فَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ صَحَّ قَوْلُهُ وَفِيهِ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى النَّفَقَةِ جُعْلًا تَغْلِيبًا (قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الْمَجْعُولُ عَلَيْهِ ضَائِعًا إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَمَّا كَانَ الْمَوَاتُ يُشْبِهُ الْمَجْعُولَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الضَّيَاعِ نَاسَبَ تَعْقِيبَهُ أَيْ: الْمَوَاتِ بِالْجُعْلِ
[بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]
(قَوْلُهُ مَا لَا رُوحَ فِيهِ) أَيْ وَإِنْ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَقَوْلُهُ وَأَيْضًا هُوَ الْأَرْضُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَصَّ الْأَوَّلُ بِالْحَيَوَانِ فَيَكُونُ مُغَايِرًا لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا مُنْتَفِعَ بِهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ بِحَسْبِ الْوُجُودِ بِجَامِعِ الْمَمْلُوكِ وَغَيْرِهِ وَالْمَمْلُوكُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفِعًا بِهِ أَمْ لَا فَبَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ تَغَايُرٌ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومِ وَعُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ بِحَسْبِ الْوُجُودِ (قَوْلُهُ انْتَهَى) أَيْ انْتَهَى كَلَامُ بَهْرَامَ (قَوْلُهُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ طَبْعًا) أَيْ: لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْوُجُودِ مُتَقَدِّمٌ فِي التَّعَقُّلِ (قَوْلُهُ فَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِهِ أَوَّلًا لِيَذْكُرَ أَضْدَادَهُ) الْحَاصِلُ أَنَّ بَيْنَ الْمَوَاتِ وَالْإِحْيَاءِ تَضَادًّا فِي الْجُمْلَةِ.
(أَقُولُ) فَإِذًا فَمَا الْمُرَجَّحُ لِتَقَدُّمِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَجَّحَ كَوْنُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ بِمَثَابَةِ الْبَسِيطِ وَالثَّانِي بِمَثَابَةِ الْمُرَكَّبِ وَالشَّأْنُ تَقْدِيمُ الْبَسِيطِ عَلَى الْمُرَكَّبِ (قَوْلُهُ بِالِاسْمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اسْتَغْنَى وَقَوْلُهُ بِالْجَمْعِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِهَا مُلْتَبِسَةً بِكَوْنِهَا جَمْعًا.
(قَوْلُهُ مَا يَشْمَلُ إلَخْ) تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّ تَفْجِيرَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ لَيْسَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ التَّعْمِيرِ وَلَا مِنْ أَجْزَائِهِ بَلْ هِيَ سَبَبٌ فِيهِ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى) أَيْ بِالْخَفِيِّ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَقَوْلُهُ وَيُجَابُ إلَخْ هَذَا جَوَابُ لَا يُنْتَفَعُ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ التَّعْرِيفُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَبِالنَّظَرِ لَهُ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ دَاثِرَ الْأَرْضِ مَا هُوَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدَّاثِرَ هُوَ الَّذِي لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ مَعْرُوضِ الْإِحْيَاءِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ لَا قِسْمَانِ مِنْهُ) ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ وَالْإِقْطَاعَ وَالْحِمَى كُلٌّ مِنْهَا مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الِاخْتِصَاصِ فَالِاخْتِصَاصُ تَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ.
(قَوْلُهُ أَيْ: الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ الْمَوَاتَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا فَلَا يَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ (قَوْلُهُ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ) لَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالِاخْتِصَاصِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ إيهَامِ أَنَّ مَا سَلِمَ مِنْ الْعِمَارَةِ يَكُونُ مَوَاتًا وَلَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِغَيْرِ الْعِمَارَةِ كَبِشَيْءٍ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ الْمُنْدَرِسَةُ إلَخْ) آفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعِمَارَةَ يَحْصُلُ بِهَا الِاخْتِصَاصُ وَلَوْ انْدَرَسَتْ تِلْكَ الْعِمَارَةُ مَا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْعِمَارَةُ نَاشِئَةً عَنْ إحْيَاءٍ بِأَنْ كَانَتْ نَاشِئَةً مِنْ بَيْعٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ إحْيَاءٍ فَعِنْدَ انْدِرَاسِهَا زَالَ الِاخْتِصَاصُ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى انْدَرَسَتْ وَكَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ إحْيَاءٍ زَالَ الِاخْتِصَاصُ وَلَوْ لَمْ يَطُلْ زَمَنُ الِانْدِرَاسِ وَلَيْسَ
نَاشِئَةً عَنْ إحْيَاءٍ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ مَوَاتًا وَيَبْطُلُ اخْتِصَاصُ الْمُحْيِي بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ فَفِي الْحَطَّابِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ الثَّانِي أَحَقَّ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى، وَأَمَّا إنْ أَحْيَاهُ الثَّانِي بِحِدْثَانِ عَوْدِهِ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنْ كَانَ عَنْ جَهْلٍ مِنْهُ بِالْأَوَّلِ فَلَهُ قِيمَةُ عِمَارَتِهِ قَائِمَةً لِلشُّبْهَةِ وَإِنْ كَانَ عَنْ مَعْرِفَةٍ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَةُ عِمَارَتِهِ مَنْقُوضَةً بَعْدَ يَمِينِ الْأَوَّلِ إنَّ تَرْكَهُ إيَّاهُ لَمْ يَكُنْ إسْلَامًا لَهُ وَإِنَّهُ كَانَ عَلَى نِيَّةِ إعَادَتِهِ انْتَهَى قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلِمَ بِعِمَارَةِ الثَّانِي وَسَكَتَ عَنْهُ وَإِلَّا كَانَ سُكُوتُهُ دَلِيلًا عَلَى تَسْلِيمِهِ إيَّاهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(ص) وَبِحَرِيمِهَا كَمُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى يَلْحَقُ غُدُوًّا وَرَوَاحًا لِبَلَدٍ (ش) الضَّمِيرُ فِي حَرِيمِهَا يَرْجِعُ لِلْعِمَارَةِ وَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ وَمَا بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِي الْحَرِيمِ بِنَاءً يَضُرُّ بِأَهْلِ تِلْكَ الْعِمَارَةِ ثُمَّ إنَّ الْبَاءَ لَيْسَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ كَالْبَاءِ الْوَاقِعَةِ فِيمَا بَعْدَهَا وَفِيمَا قَبْلَهَا لِاقْتِضَائِهَا أَنَّ الْحَرِيمَ سَبَبٌ فِي إحْيَاءِ مَا هُوَ حَرِيمٌ لَهُ مِنْ بَلَدٍ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْحَرِيمُ لَيْسَ سَبَبًا لِلِاخْتِصَاصِ بِالْبَلَدِ كَمَا ذَكَرَهُ تت فَقَالَ وَأَشَارَ لِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ أَسْبَابِ الِاخْتِصَاصِ بِقَوْلِهِ وَبِحَرِيمِهَا إلَخْ، وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا عَلِمْت فَالْوَاجِبُ جَعْلُهَا لِلظَّرْفِيَّةِ أَيْ: أَنَّ الِاخْتِصَاصَ الثَّابِتَ لِلْبَلَدِ وَغَيْرِهَا يَثْبُتُ لِحَرِيمِهَا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ وَبِحَرِيمِهَا عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يُفِيدُهُ الْمَعْنَى تَقْدِيرُهُ وَإِذَا حَصَلَ الْإِحْيَاءُ فِي الْأَرْضِ بِعِمَارَةٍ ثَبَتَ الِاخْتِصَاصُ فِيهَا وَفِي حَرِيمِهَا وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَا قَوْلُ الْجَوَاهِرِ وَالِاخْتِصَاصُ أَنْوَاعٌ الْأَوَّلُ الْعِمَارَةُ إلَى أَنْ قَالَ النَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ حَرِيمَ عِمَارَةٍ فَيَخْتَصَّ بِهِ صَاحِبُ الْعِمَارَةِ وَلَا يُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ اهـ.
وَالضَّمِيرُ فِي أَنْ يَكُونَ لِلِاخْتِصَاصِ بِمَعْنَى الْمُخْتَصِّ بِهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَالْمُحْتَطَبُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْهُ الْحَطَبُ وَكَذَا مَرْعًى اسْمٌ لِمَكَانِ الرَّعْيِ وَقَوْلُهُ لِبَلَدٍ حَالٌ مِنْ الْمُحْتَطَبِ وَالْمَرْعَى وَكَمُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: وَذَلِكَ كَمُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى يُلْحَقُ كُلٌّ غُدُوًّا وَرَوَاحًا أَيْ: ذَهَابًا وَإِيَابًا فِي يَوْمٍ مَعَ قَضَاءِ مَصَالِحِهِ كَالِانْتِفَاعِ بِالْحَطَبِ مِنْ طَبْخٍ وَنَحْوِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِالدَّوَابِّ مِنْ الْحَلْبِ وَالطَّبْخِ وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لَا مُجَرَّدُ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ أَيْ: يَلْحَقُ غُدُوًّا وَرَوَاحًا لِتَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ أَيْ: رُجُوعِ آخِرِ النَّهَارِ وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِ النَّهَارِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبِآخِرِهِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ.
(ص) وَمَا لَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ (ش) يُشِيرُ بِهِ إلَى حَرِيمِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
كَذَلِكَ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْبِنَاءَ الَّذِي دَثَرَ إنْ كَانَ نَاشِئًا عَنْ إحْيَاءٍ فَإِنَّهُ يَزُولُ مِلْكُ بَانِيهِ عَنْهُ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ بَعْدَ انْدِرَاسِهِ، وَالثَّانِي: أَنْ يُحْيِيَهُ شَخْصٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ الطُّولِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ نَاشِئًا عَنْ شِرَاءٍ مِمَّنْ أَحْيَاهُ أَوْ قَبِلَهُ مِنْ وَاهِبٍ أَوْ مُتَصَدِّقٍ وَبَنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُ بَانِيهِ عَنْهُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ بَعْدَ الِانْدِرَاسِ وَلَوْ أَحْيَاهَا آخَرُ فَلَا عِبْرَةَ بِإِحْيَائِهِ أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مَوَاتًا، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِعِمَارَةٍ لِلْمُلَابَسَةِ عَلَى حَلِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ سَبَبًا لِلِاخْتِصَاصِ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ الِاخْتِصَاصَ مُلْتَبِسٌ بِعِمَارَةٍ أَيْ: بِنَاءٍ إذَا كَانَ نَاشِئًا عَنْ شِرَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ لَا إنْ كَانَ نَاشِئًا عَنْ إحْيَاءٍ فَيُفِيدُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمْ يَكُنْ بِالْعِمَارَةِ بَلْ الْإِحْيَاءُ حَصَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ وَالْعِمَارَةُ نَاشِئَةٌ عَنْ ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَنُسْخَةُ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ وَالْمَعْنَى إذَا انْدَرَسَتْ وَكَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ بَيْعٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ مَلَكَهَا مِنْ مَوَاتٍ بِإِحْيَاءٍ أَوْ إقْطَاعٍ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ مَوَاتًا فَإِنْ كَانَتْ الْعِمَارَةُ الْمُنْدَرِسَةُ نَاشِئَةً عَنْ إحْيَاءٍ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ مَوَاتًا وَتَبْطُلُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا) أَيْ إذَا كَانَتْ الْعِمَارَةُ الْأُولَى نَاشِئَةً عَنْ إحْيَاءٍ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ أَحْيَاهُ الثَّانِي) وَلَيْسَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إشَارَةً إلَى الْإِحْيَاءِ الْوَاقِعِ مِنْ الثَّانِي لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِإِحْيَاءٍ أَيْ: مَا لَمْ تَكُنْ الْعِمَارَةُ نَاشِئَةً عَنْ إحْيَاءٍ.
(قَوْلُهُ وَمَا بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لَهُ) أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ كَمُحْتَطَبٍ وَمَرْعًى (قَوْلُهُ كَالْبَاءِ الْوَاقِعَةِ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْمَنْفِيِّ أَيْ: أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ فِيمَا قَبْلَهَا الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ بِعِمَارَةٍ وَمَا بَعْدَهَا الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَبِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَاءَ فِي بِعِمَارَةٍ لَيْسَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ بَاءُ الْمُلَابَسَةِ وَإِنْ جَعَلْتَهُ تَشْبِيهًا فِي النَّفْيِ صَحَّ فِي قَوْلِهِ بِعِمَارَةٍ وَفَسَدَ فِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ وَبِإِقْطَاعٍ إلَخْ لِلسَّبَبِيَّةِ قَطْعًا (قَوْلُهُ لَيْسَ سَبَبًا إلَخْ) أَيْ: بَلْ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْبَلَدِ.
(قَوْلُهُ أَيْ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ إلَخْ) نَاظِرٌ لِلْمَعْنَى وَقَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ أَيْ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ الْمَنْظُورُ فِيهِ لِجَانِبِ الْمَعْنَى فَنَنْتَقِلُ لِحَلِّ الْإِعْرَابِ فَنَقُولُ فَقَوْلُهُ وَبِحَرِيمِهَا عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ إلَخْ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُلَائِمُ أَوَّلَ الْعِبَارَةِ حَيْثُ قَالَ وَالِاخْتِصَاصُ كَائِنٌ بِعِمَارَةٍ (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَا) الدَّلَالَةُ مِنْ قَوْلِهِ يَخْتَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْعِمَارَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ) أَيْ: إذَا أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يُحْيِيَهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ قَطْعًا.
(قَوْلُهُ يُلْحَقُ كُلٌّ غُدُوًّا وَرَوَاحًا) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يُلْحَقُ كُلٌّ مِنْ الْمُحْتَطَبِ وَالْمَرْعَى فِي الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُلْحَقَانِ فِي الْغُدُوِّ فَقَطْ فَقَوْلُهُ وَرَوَاحًا مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ: وَيَرْجِعُ مِنْهُ رَوَاحًا أَيَفِي وَقْتُ الرَّوَاحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ فِي وَقْتِ الرَّوَاحِ إنَّمَا هُوَ رُجُوعُهَا مِنْ الْمَرْعَى لِمَنْزِلِهَا ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْخُرُوجُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَدْ يَكُونُ قَبْلَهُ، وَوَقْتُ الرُّجُوعِ يَخْتَلِفُ أَيْضًا وَقَدْ يُقِيلُونَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ وَقَدْ لَا يُقِيلُونَ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُحْتَطَبُ أَبْعَدَ مِنْ الْمَرْعَى وَعَكْسَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَرِيمَ أَبْعَدُهُمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ مِنْ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَطْلُوبِ وَمِنْ لِلتَّعْدِيَةِ لَا لِلْبَيَانِ
(قَوْلُهُ وَمَا لَا يَضِيقُ) عَطْفٌ عَلَى كَمُحْتَطَبٍ
يَعْنِي أَنَّ الَّذِي لَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ هُوَ حَدُّ حَرِيمِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ، وَأَمَّا بِئْرُ الزِّرَاعَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَأَشَارَ إلَى حَرِيمِهَا بِقَوْلِهِ (ص) وَلَا يَضُرُّ بِمَاءِ الْبِئْرِ (ش) فَاَلَّذِي لَا يَضُرُّ بِمَاءِ بِئْرِ الزِّرَاعَةِ هُوَ حَدُّ حَرِيمِهَا فَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مَخْصُوصٌ يُقَاسُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ أَمَّا الْبِئْرُ فَلَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مَحْدُودٌ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ بِالرَّخَاءِ وَالصَّلَابَةِ وَلَكِنَّ حَرِيمَهَا مَا لَا ضَرَرَ مَعَهُ عَلَيْهَا وَهُوَ مِقْدَارُ مَا لَا يَضُرُّ بِمَائِهَا وَلَا يَضِيقُ مُنَاخُ إبِلِهَا وَلَا مَرَابِضِ مَوَاشِيهَا عِنْدَ الْوُرُودِ وَلِأَهْلِ الْبِئْرِ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ أَوْ يَبْنِيَ بِئْرًا فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ فَعَلَى نُسْخَةٍ وَمَا لَا يَضِيقُ وَلَا يَضُرُّ بِنَفْيِ الْفِعْلَيْنِ يَكُونُ بَيَانًا لِحَدِّ الْحَرِيمِ أَيْ مُنْتَهَى حَدِّ الْبِئْرِ إلَى مَا لَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ وَلَا يَضُرُّ بِمَاءٍ وَعَلَى نُسْخَةٍ وَمَا لَا يَضِيقُ وَيَضُرُّ بِنَفْيِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَاثِبَاتِ الثَّانِي يَكُونُ بَيَانًا لِلْحَرِيمِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ النُّسْخَتَيْنِ.
(ص) وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِنَخْلَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ حَرِيمَ النَّخْلَةِ هُوَ قَدْرُ مَا يُرَى فِيهِ مَصْلَحَتُهَا وَهَذَا بَيَانٌ لِحَرِيمِهَا وَمَا قَبْلَهُ عَلَى نُسْخَةٍ مَا لَا يَضِيقُ غَايَةٌ لِلْحَرِيمِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهِ عَلَى نُسْخَةٍ وَمَا يَضِيقُ بِدُونِ لَا فَإِنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِمَا هُنَا وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَلَا مَفْهُومَ لِلنَّخْلَةِ وَلَوْ قَالَ لِشَجَرَةٍ كَانَ أَشْمَلَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ النَّخْلَةَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ إنَّمَا وَرَدَ فِيهَا فَذَكَرَهَا تَبَرُّكًا.
(ص) وَمَطْرَحِ تُرَابٍ وَمَصَبِّ مِيزَابٍ لِدَارٍ (ش) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى حَرِيمِ الدَّارِ الْمَحْفُوفَةِ بِالْمَوَاتِ وَهُوَ أَنَّ حَرِيمَهَا مَا يَرْتَفِقُ بِهِ أَهْلُهَا مِنْ مَكَان يُطْرَحُ فِيهِ تُرَابُهَا وَيَسِيلُ فِيهِ مَاءُ مَيَازِيبِهَا وَلَوْ قَالَ كَمِيزَابٍ لِيَشْمَلَ مَصَبَّ الْمِرْحَاضِ لَكَانَ أَحْسَنَ.
(ص) وَلَا تَخْتَصُّ مَحْفُوفَةٌ بِالْأَمْلَاكِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الدَّارَ الْمَحْفُوفَةَ بِالْأَمْلَاكِ لَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ خَاصٌّ بِهَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السُّكَّانِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْحَرِيمِ الَّذِي بِإِزَاءِ دَارِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِجِيرَانِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ فَقَوْلُهُ وَلَا تَخْتَصُّ أَيْ: اخْتِصَاصًا يَمْنَعُ مِنْ انْتِفَاعِ الْغَيْرِ، وَقَوْلُهُ مَحْفُوفَةٌ فَاعِلُ تَخْتَصُّ وَقَوْلُهُ بِأَمْلَاكٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَمُتَعَلِّقُ تَخْتَصُّ مَحْذُوفٌ أَيْ وَلَا تَخْتَصُّ الْمَحْفُوفَةُ بِالْأَمْلَاكِ بِحَرِيمٍ خَاصٍّ وَاسْتَلْزَمَ ذَلِكَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْجِيرَانِ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا صُرِّحَ بِقَوْلِهِ.
(ص) وَلِكُلٍّ الِانْتِفَاعُ (ش) لِأَجْلِ الْقَيْدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْآخَرِ) وَلَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
(ص) وَبِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ هُوَ حَدُّ حَرِيمِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ) أَيْ: نِهَايَةُ حَرِيمِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ (أَقُولُ) وَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَدَاخِلٌ مَا لَا يَضِيقُ فَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِئْرُ الزِّرَاعَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا) أَيْ: مَاءُ بِئْرِ السَّقْيِ لِلنَّخْلِ أَوْ لِلشِّرْبِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ أَنَّ مَا لَا يَضُرُّ بِمَاءِ الْبِئْرِ لَيْسَ شَامِلًا لِبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الضَّرَرِ بِالْمَاءِ حَرِيمٌ لِكُلِّ بِئْرٍ وَتُزَادُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ مَا لَا يَضِيقُ عَلَى الْوَارِدِ لَهَا فَقَوْلُ تت الْأَوَّلُ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِهَا فِيهِ نَظَرٌ.
(قَوْلُهُ فَاَلَّذِي لَا يَضُرُّ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ فَدَاخِلٌ الَّذِي إلَخْ.
(قَوْلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ نَافِعٍ حَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَاَلَّذِي اُبْتُدِئَ عَمَلُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَعَكَسَ ذَلِكَ أَبُو مُصْعَبٍ وَزَادَ وَحَرِيمُ بِئْرِ الزَّرْعِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ النَّهْرِ مَا لَا يَضُرُّ أَيْضًا بِمَنْ يَرِدُهُ وَقِيلَ حَرِيمُ النَّهْرِ أَلْفَا ذِرَاعٍ.
(قَوْلُهُ أَمَّا الْبِئْرُ) أَيْ: الشَّامِلُ لِبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَضُرُّ بِمَاءٍ لِبِئْرٍ جَارٍ فِي كُلِّ بِئْرٍ وَلَوْ لِمَاشِيَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَا يَضُرُّ بِمَائِهَا عَامٌّ فِي بِئْرِ الزِّرَاعَةِ وَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَيُزَادُ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ مَا لَا يَضِيقُ عَلَى الْوَارِدِ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّ حَرِيمَهَا مَا لَا ضَرَرَ مَعَهُ عَلَيْهَا) أَيْ: مَدْخُولَهُ مَا لَا ضَرَرَ وَقَوْلُهُ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا لَا يَضُرُّ أَيْ: مَدْخُولُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ يَبْنِيَ) بِأَنْ تَكُونَ مَحْفُورَةً مِنْ قَبْلُ وَلَا مَالِكَ لَهَا فَيُرِيدُ إنْسَانٌ إحْيَاءَهَا بِبِنَائِهَا (قَوْلُهُ أَيْ: مُنْتَهَى حَدِّ الْبِئْرِ) أَيْ: حَدُّ حَرِيمِ الْبِئْرِ وَقَوْلُهُ إلَى مَا لَا يَضِيقُ الْغَايَةُ خَارِجَةٌ.
(قَوْلُهُ يَكُونُ بَيَانًا لِلْحَرِيمِ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْطُوفِ الَّذِي هُوَ مُضِرٌّ لَا بِالنَّظَرِ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَمَا لَا يَضِيقُ، وَأَفَادَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ خِلَافَهُ وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ النُّسْخَةَ وَمَا يَضِيقُ وَيَضُرُّ وَهِيَ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ إنَّمَا وَرَدَ فِيهَا) وَهُوَ حَرِيمُ النَّخْلِ مَدُّ جَرِيدِهَا أَوْ كَمَا قَالَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ يَرَهُ ذَكَرَهُ ابْنُ عب.
(قَوْلُهُ وَمَصَبِّ مِيزَابٍ) أَيْ: أَوْ نَحْوِهِ كَمِرْحَاضٍ وَيُرَاعَى الْعُرْفُ فِي طَرْحِ التُّرَابِ لَا مَا نَدَرَ (قَوْلُهُ وَلَا تَخْتَصُّ مَحْفُوفَةٌ إلَخْ) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَقْدَمَ مِنْ بَعْضٍ فِي إحْيَاءٍ وَإِلَّا قُدِّمَ حَيْثُ ثَبَتَ لَهُ حَرِيمٌ قَبْلَ غَيْرِهِ أَيْ: فَصُورَتُهَا مَا إذَا جَاءَ جَمَاعَةٌ فِي مَحَلِّ مَوَاتٍ وَبَنَوْا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
(قَوْلُهُ بِحَرِيمٍ خَاصٍّ) الْأَوْلَى حَذْفُ خَاصٍّ وَيَقُولُ إنَّ الْمَحْفُوفَةَ بِالْأَمْلَاكِ لَا تَخْتَصُّ بِالْحَرِيمِ أَيْ: بِحَيْثُ تَكُونُ الْعَرْصَةُ بَيْنَ الدُّورِ خَاصَّةً بِدَارٍ بَلْ لِكُلٍّ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا كَانَ بِإِزَاءِ دَارِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِجِيرَانِهِ بِطَرْحِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مَثَلًا أَوْ يَخْرُجُ عَمَّا كَانَ بِإِزَاءِ دَارِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا تَنَاقُضَ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَاسْتَلْزَمَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ نَفْيَ الْأَخَصِّ) أَيْ: الْخَاصِّ وَقَوْلُهُ نَفْيَ الْأَعَمِّ أَيْ الْعَامِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَاصَّ هُنَا كَوْنُ الْعَرْصَةِ كُلِّهَا حَرِيمًا لِدَارٍ مِنْ الدُّورِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُ مُطْلَقِ الْحَرِيمِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَرِيمٌ وَهُوَ مَا كَانَ بِإِزَاءِ دَارِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِنَاءَ الدَّارِ هُوَ مَا بَيْنَ يَدَيْ بِنَائِهَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا أَمْ لَا فَاضِلًا عَنْ مَمَرِّ الطَّرِيقِ الْمُعَدِّ لِلْمُرُورِ غَالِبًا، وَلِمَالِكِ الدَّارِ أَنْ يُكْرِيَهُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ أَدْخَلَهُ دَارِهِ وَهُوَ مُضِرٌّ بِالطَّرِيقِ هُدِمَ وَإِلَّا فَالْقَائِلُونَ بِالْهَدْمِ أَكْثَرُ وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِهِ قَوْلُهُمْ أَظْهَرُ انْتَهَى الْبَدْرُ ثُمَّ نَقَلَ الْبَدْرُ عَنْ سَحْنُونَ وَأَصْبَغَ وَمُطَرَّفٍ أَنَّ الْبَحْرَ إذَا انْكَشَفَ عَنْ أَرْضٍ وَانْتَقَلَ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ لَا لِمَنْ يَلِيهِ وَلَا لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ.
وَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ لِمَنْ يَلِيهِ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسٌ وَالْقَضَاءُ وَالْفُتْيَا عَلَى خِلَافِ سَحْنُونَ
(ش) الْإِقْطَاعُ مَصْدَرُ قَوْلِك أَقْطَعَهُ إذَا مَلَّكَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ قَالَ بَعْضٌ وَالْإِقْطَاعُ يَكُونُ تَمْلِيكًا وَغَيْرَ تَمْلِيكٍ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ تَمْلِيكُ الْإِمَامِ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ الْحَبْسِ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ يَكُونُ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ لِأَحَدٍ فَيَمْلِكُهُ فَيَبِيعُهُ وَيَهَبُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَيَافِيِ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ الْعُمْرَانِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَيْسَ الْإِقْطَاعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مُجَرَّدٌ فَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ الْحَاصِلَ فِي شَيْءٍ بِالْإِحْيَاءِ لَا يُوجِبُ مِلْكَهُ لَهُ أَيْ: دَائِمًا وَيَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي فِي حَرِيمِ الْبَلَدِ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي إحْيَائِهِ وَبِعِبَارَةٍ وَلَيْسَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَيْسَ أَيْ: الْإِقْطَاعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ تَوَرُّكًا عَلَى الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ تَحْدِيدِ وُجُوهِ الِاخْتِصَاصَاتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِإِحْيَاءٍ أَمْ لَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّ إقْطَاعَ الْإِمَامِ يَحْتَاجُ لِحَوْزٍ كَسَائِرِ الْعَطَايَا وَلَوْ أَقْطَعَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ كَذَا عَمِلَ بِهِ.
(ص) وَلَا يُقْطَعُ مَعْمُورُ الْعَنْوَةِ مِلْكًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي أُخِذَتْ عَنْوَةً كَمِصْرِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ كَمَا مَرَّ فِي الْجِهَادِ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَعْمُورَهَا لِأَحَدٍ مِلْكًا بَلْ إمْتَاعًا وَالْمُرَادُ بِالْمَعْمُورِ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ وَبِعِبَارَةٍ الْمُرَادُ بِالْمَعْمُورِ مَا صَلَحَ لِزِرَاعَةِ الْبُرِّ وَنَحْوِهِ وَعَقَارُ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ وَلَيْسَ مِنْ عَقَارِ الْكُفَّارِ فَهُوَ مِنْ الْمَوَاتِ وَإِنْ صَلَحَ لِغَرْسِ الشَّجَرِ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ الْمَعْمُورُ مِلْكًا؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ يَكُونُ وَقْفًا، وَأَمَّا مَعْمُورُ غَيْرِ الْعَنْوَةِ فَيَقْطَعُهُ مِلْكًا وَإِمْتَاعًا ثُمَّ إنَّهُ يُسْتَثْنَى مِمَّا عَدَا مَعْمُورَ الْعَنْوَةِ أَرْضِ الصُّلْحِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَعْمُورَهَا وَلَا مَوَاتَهَا مِلْكًا وَلَا إمْتَاعًا فَفِي مَفْهُومِ الْعَنْوَةِ تَفْصِيلٌ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ.
(ص) وَبِحِمَى إمَامٍ مُحْتَاجًا إلَيْهِ قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا لِكَغَزْوٍ (ش) هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَاصِ يَعْنِي أَنَّ الِاخْتِصَاصَ يَكُونُ بِحِمَى الْإِمَامِ بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَيْ: دَعَتْ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ لِأَجْلِ نَفْعِهِمْ فَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَحَدٍ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَحْمِيُّ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يَضِيقُ عَلَى النَّاسِ بِأَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ مَنَافِعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَأَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَحْمِيُّ لَا بِنَاءَ فِيهِ وَلَا غَرْسَ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِغَزْوٍ وَنَحْوِهِ مِثْلَ مَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ وَدَوَابِّ الْفُقَرَاءِ فَالْمُرَادُ بِالْبَلَدِ الْأَرْضُ، وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا مُذَكَّرًا بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْبَلَدِ وَقَوْلُهُ وَبِحِمَى إمَامٍ أَيْ: أَوْ نَائِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي خُصُوصِهِ بِخِلَافِ الْإِقْطَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ النَّائِبُ بِشَرْطِ إذْنِ الْإِمَامِ لَهُ فِي خُصُوصِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ مَنْ يَقْطَعُهُ لَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْطَاعَ يَحْصُلُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنٍ بِهِ بِخِلَافِ الْحِمَى وَالْحِمَى بِالْقَصْرِ لَيْسَ إلَّا كَمَا فِي الْمَشَارِقِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ إذَا مَلَكَهُ) هَذَا يُوَافِقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَيَكُونُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُوَافِقًا لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ تَمْلِيكًا) أَيْ: لِذَاتٍ وَقَوْلُهُ غَيْرَ تَمْلِيكٍ أَيْ: لِذَاتٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِمَنْفَعَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَشَرْعًا أَنَّ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَأَنَّ هَذَا الْبَعْضَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالظَّاهِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ الْحَبْسِ) لَمْ يُوجَدْ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ لَفْظَةُ حَبْسٍ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهَا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مِنْهُ وَأَفَادَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ الْأَرْضِ الْحَبْسِ أَيْ: مَوَاتِهَا، وَأَمَّا أَرْضُ الزِّرَاعَةِ فَلَا يَقْطَعُهَا الْإِمَامُ مِلْكًا بَلْ إمْتَاعًا إلَّا أَنَّك بَعْدَ أَنْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ لَمْ تَكُنْ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّكَلُّفِ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَيَافِيِ أَوْ فِي قَرْيَةٍ) أَوْ فِي حَرِيمِ قَرْيَةٍ مِنْ الْعُمْرَانِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي إلَخْ (قَوْلُهُ لَا يُوجِبُ مِلْكَهُ) أَيْ: دَائِمًا (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ لَهُ إلَخْ) أَقُولُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي إحْيَائِهِ أَيْ: إحْيَاءِ الْقَرِيبِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لِغَيْرِ أَهْلِ الْبَلَدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ لَا يَمْلِكُونَ الْقَرِيبَ دَائِمًا؛ إذْ لَوْ كَانُوا يَمْلِكُونَهُ دَائِمًا لَمَا تَأَتَّى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي إحْيَائِهِ لِشَخْصٍ وَبَعْدَ هَذَا التَّوْجِيهِ فَنَقُولُ لَك إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ فِي يَدِهِ وَلِلْإِمَامِ نَزْعُهُ مِنْهُ بِدَلِيلِ احْتِجَاجِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتًا فَهِيَ لَهُ» هَذَا حَدِيثٌ يُؤْثَرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ مَا عَلِمْت بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا أَنَّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مِلْكُهُ بِمَا مَلَّكَهُ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام وَبِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ حَرِيمَ الْبَلَدِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ إحْيَاءٌ انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَقٌّ وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ فَهِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَيْ دَائِمًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بَلْ يَنْتَهِي الْمِلْكُ فِيهِ بِانْدِرَاسِهِ مَعَ طُولٍ مَعَ إحْيَائِهِ ثَانِيًا مِنْ شَخْصٍ آخَرَ انْتَهَى وَهُوَ غَيْرُ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَدُلُّ لَهُ إلَخْ يَرُدُّهُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بَلْ إمْتَاعًا) وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ إمْتَاعًا فَقَطْ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الِانْتِفَاعِ (قَوْلُهُ وَعَقَارُ الْكُفَّارِ) عَطْفٌ عَلَى مَا أَيْ: الْمُرَادُ بِالْمَعْمُورِ شَيْئَانِ أَرْضُ الزِّرَاعَةِ وَعَقَارُ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ فَهُوَ مِنْ الْمَوَاتِ) أَيْ: فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ مِلْكًا وَإِمْتَاعًا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَعْمُورُ غَيْرِ الْعَنْوَةِ) أَيْ: كَأَرْضٍ تَرَكَهَا أَهْلُهَا وَخَرَجُوا مِنْهَا كَمَا أَفَادَهُ شب (قَوْلُهُ وَبِحِمَى إمَامٍ) الْمُرَادُ الْمَنْعُ مِنْ رَعْيِ كَلَأِ مَكَان لِتَتَوَفَّرَ لِدَوَابَّ مَخْصُوصَةٍ (قَوْلُهُ مُحْتَاجًا) مَفْعُولُ الْمَصْدَرِ وَهُوَ حِمًى (قَوْلُهُ مِنْ بَلَدٍ) الْمُرَادُ بِالْبَلَدِ الْأَرْضُ وَلَوْ قَالَ مِنْ مَحَلٍّ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ) أَيْ: لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَحْمِيُّ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَفَا لَيْسَ نَعْتًا لِبَلَدٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَحْمِيِّ مِنْ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَالَ قَدْ عَفَا مِنْ بَلَدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ
وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْقَامُوسِ جَوَازُ الْمَدِّ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَحْمِيِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُبَاحِ وَتَثْنِيَتُهُ حِمَيَانِ وَحَكَى الْبِسَاطِيُّ أَنَّهُ سُمِعَ فِي تَثْنِيَتِهِ حَمَوَانِ بِالْوَاوِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَائِيٌّ وَأَصْلُ الْحِمَى عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّئِيسَ مِنْهُمْ كَانَ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مُخَصَّبًا اسْتَعْوَى كَلْبًا عَلَى مَكَان عَالٍ فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْرُهُ وَيَرْعَى هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فِيمَا سِوَاهُ، وَأَمَّا الْحِمَى الشَّرْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَحْمِيَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ.
(ص) وَافْتَقَرَ لِإِذْنٍ وَإِنْ مُسْلِمًا إنْ قَرُبَ وَإِلَّا فَلِلْإِمَامِ إمْضَاؤُهُ أَوْ جَعْلُهُ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ الْبَعِيدِ وَلَوْ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (ش) فَاعِلُ افْتَقَرَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمُحْيِي أَوْ عَلَى الْمَوَاتِ أَوْ عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُحْيِيَ الْمُسْلِمَ يَفْتَقِرُ لِإِذْنِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْإِحْيَاءُ قَرِيبًا مِنْ الْعُمْرَانِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَالْمَنْصُوصُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِحْيَاءُ فِيهِ وَلَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فَإِنْ تَعَدَّى الْمُسْلِمُ وَأَحْيَا بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا فَيُعْطِيهِ قِيمَةَ مَا بَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ مَقْلُوعًا وَيُثْبِتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ يُعْطِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقَعُ الْإِحْيَاءُ فِيهِ بَعِيدًا مِنْ الْعُمْرَانِ فَإِنَّ الْمُحْيِيَ لَا يَفْتَقِرُ فِي إحْيَائِهِ فِيهِ لِإِذْنٍ وَلَوْ كَافِرًا حَيْثُ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُحْيَا بِغَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْمُتَقَدِّمِ تَفْسِيرُهَا فِي بَابِ الْجِزْيَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ» فِي رِوَايَةِ عِيسَى هِيَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَنُ وَمَا وَالَاهَا قَالَ ابْنُ دِينَارٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَزْرِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْجَزَّارُ لِقَطْعِهِ الْحَيَوَانَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْ وَسَطِهَا إلَى أَجْنَابِهَا؛ لِأَنَّ الْبَحْرَ مُحِيطٌ بِهَا مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ الْمَغْرِبُ وَالْجَنُوبُ وَالْمَشْرِقُ فَفِي مَغْرِبِهَا جَدَّةُ وَالْقُلْزُمُ وَفِي جَنُوبِهَا بَحْرُ الْهِنْدِ وَفِي مَشْرِقِهَا خَلِيجُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ وَالْبَصْرَةُ وَأَرْضُ فَارِسٍ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَافْتَقَرَ رَجَّعَهُ ابْنُ غَازِيٍّ لِلْمَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ وَلَمْ يُرَجِّعْهُ لِلْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْكُورًا وَأَمَّا الْإِحْيَاءُ السَّابِقُ فِي قَوْلِهِ إلَّا لِإِحْيَاءٍ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مُخْرَجٌ وَجَعَلَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لِلْإِحْيَاءِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ مُسْلِمًا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْوَاوِ لِلْحَالِ لَا لِلْمُبَالَغَةِ لِئَلَّا يَقْتَضِيَ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُحْيِي بِإِذْنِ الْإِمَامِ فِي الْقَرِيبِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ.
وَلِمَا قُدِّمَ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الِاخْتِصَاصِ الْإِحْيَاءَ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِأَحَدَ عَشَرَةَ أُمُورٌ مِنْهَا سَبْعَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْمُؤَلِّفِ ذَلِكَ وَذَكَرَ جَمِيعَهَا عَاطِفًا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبْعَةِ مَجْرُورٌ بِالْبَاءِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِغَيْرِهَا فَهُوَ مَعَ مَا قَبْلَهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا مُخْرِجًا لَهَا بِلَا فَقَالَ (ص) وَالْإِحْيَاءُ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ وَبِإِخْرَاجِهِ وَبِبِنَاءٍ وَبِغَرْسٍ وَبِحَرْثٍ وَتَحْرِيكِ أَرْضٍ وَبِقَطْعِ شَجَرِهَا وَبِكَسْرِ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَتِهَا لَا بِتَحْوِيطٍ وَرَعْيِ كَلَإٍ وَحَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا فَجَّرَ الْمَاءَ أَيْ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا مَثَلًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إحْيَاءً لِلْبِئْرِ وَلِلْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْإِحْيَاءُ بِإِخْرَاجِ الْمَاءِ أَيْ: إزَالَتِهِ عَنْهَا لَا بِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَإِلَّا فَهُوَ مَا قَبْلَهُ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ تَفْجِيرُ مَاءٍ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْإِحْيَاءُ بِبِنَاءٍ فِيهَا، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْإِحْيَاءُ بِغَرْسٍ فِيهَا وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ عَظِيمَيْ الْمُؤْنَةِ أَمْ لَا وَفِي الْجَوَاهِرِ اشْتِرَاطُ الْعَظَمَةِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْإِحْيَاءُ بِحَرْثِ الْأَرْضِ مَعَ تَحْرِيكِهَا وَالْحَرْثُ الشَّقُّ وَالتَّحْرِيكُ التَّقْلِيبُ وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَغْنَ بِالتَّحْرِيكِ عَنْ الْحَرْثِ وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيكُ أَعَمَّ؛ لِأَنَّ الْحَرْثَ هُوَ الْوَاقِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ فَنُصَّ عَلَى التَّحْرِيكِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ خَاصًّا بِالْحَرْثِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّحْرِيكِ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَاتِهِمْ وَقُوَّةُ كَلَامِهِمْ تَقْتَضِي أَنَّ الزَّرْعَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ أَرْضٍ لَا يَكُونُ إحْيَاءً وَإِنْ اخْتَصَّ بِهِ صَاحِبُهُ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْإِحْيَاءُ بِقَطْعِ شَجَرِ الْأَرْضِ وَلَوْ قَالَ وَبِإِزَالَةِ شَجَرٍ لَكَانَ أَشْمَلَ لِيَشْمَلَ حَرْقَهُ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْإِحْيَاءُ بِكَسْرِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَحْمِيِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ) كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَقَدْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ مُحْتَاجًا مَفْعُولًا لَهُ فَجَعْلُ مُحْتَاجًا مَفْعُولًا لِحِمًى يَقْتَضِي أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ هَذَا وَقَدْ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ حَمَاهُ يَحْمِيهِ حِمَايَةً دَفَعَ عَنْهُ فَجُعِلَ الْمَصْدَرُ حِمَايَةً لَا حِمًى.
(قَوْلُهُ يَعُودُ عَلَى الْمُحْيِي) وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِاعْتِبَارِ إحْيَائِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ عَلَى الْمَوَاتِ (قَوْلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْعُمْرَانِ) حَدُّ الْقَرِيبِ مَا تَلْحَقُهُ الْمَاشِيَةُ بِالرَّعْيِ فِي غُدُوِّهَا وَرَوَاحِهَا وَهُوَ مَسْرَحٌ وَمُحْتَطَبٌ، وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى الْيَوْمِ وَمَا قَارَبَهُ وَمَا لَا تُدْرِكُهُ الْمَوَاشِي فِي غُدُوِّهَا وَرَوَاحِهَا فَهُوَ فِي الْبَعِيدِ (قَوْلُهُ جُدَّةُ) بِالضَّمِّ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ: بَحْرُ جُدَّةَ وَالْقُلْزُمَ وَهُوَ بَحْرٌ وَاحِدٌ الْمُسَمَّى بِبَحْرِ السُّوَيْسِ (قَوْلُهُ عُمَانَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ: مَعَ التَّنْوِينِ، وَأَمَّا عَمَّانُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَهِيَ قَرْيَةٌ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ (قَوْلُهُ وَالْبَحْرَيْنِ) اسْمُ بَلَدٍ (قَوْلُهُ بِأَحَدِ عَشَرَةِ أُمُورٍ) أَيْ: بِوَاحِدٍ مِنْ عَشَرَةِ أُمُورٍ (قَوْلُهُ بِغَيْرِهَا) أَيْ: بِغَيْرِ مُصَاحَبَةِ الْبَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عُطِفَ بِغَيْرِ الْبَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ.
(قَوْلُهُ حَفَرَ بِئْرًا مَثَلًا) أَيْ: أَوْ عَيْنًا (قَوْلُهُ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ هُوَ تَفْجِيرُ مَاءٍ وَمَا عَطْفٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ تَعْمِيرُ دَاثِرِ الْأَرْضِ وَهَذِهِ جُزْئِيَّاتٌ لَهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ اشْتِرَاطُ الْعَظَمَةِ) كَذَا فِي غَيْرِهِ أَقُولُ سُكُوتُهُمْ عَنْ كَوْنِ ظَاهِرِ الْمُصَنَّفِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَةِ الْجَوَاهِرِ يُؤْذِنُ بِعَدَمِ ارْتِضَاءِ ذَلِكَ الْقَيْدِ أَوْ التَّوَقُّفِ (قَوْلُهُ مَعَ تَحْرِيكِهَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّ الْحَرْثَ غَيْرُ التَّحْرِيكِ وَهُوَ مُفَادُ عب فَإِنَّهُ جَعَلَ
أَحْجَارِ الْأَرْضِ مَعَ تَسْوِيَةِ حُرُوفِهَا وَتَعْدِيلِ أَرَاضِيِهَا، وَأَمَّا تَحْوِيطُ الْأَرْضِ وَيُسَمَّى بِالتَّحْجِيرِ وَرَعْيِ كَلَئِهَا وَإِزَالَةِ الشَّوْكِ وَنَحْوِهِ عَنْهَا وَحَفْرِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ فِيهَا لَا يَكُونُ إحْيَاءً لِلْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا ذَلِكَ وَانْظُرْ لَوْ فُعِلَ فِي الْأَرْضِ هَذِهِ الْأُمُورُ جَمِيعُهَا هَلْ يَكُونُ إحْيَاءً لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ لَا يَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءً أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهَا كَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْهَيْئَةِ الْمُجْتَمِعَةِ عَنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَمْ لَا.
(ص) وَجَازَ بِمَسْجِدٍ سُكْنَى لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْكُنَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ تَجَرُّدِهِ لِلْعِبَادَةِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ وَتَعَلُّمِهِ وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ الْغَيْرُ الْمُتَجَرِّدِ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْمَسْجِدِ عَمَّا حُبِسَ لَهُ وَصَرَّحَ بَعْضٌ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ عَدَمِ التَّجَرُّدِ وَبِالْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ تَجَرَّدَتْ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحِيضُ وَلِأَنَّهَا قَدْ يَشْتَهِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَتَنْقَلِبُ الْعِبَادَةُ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ.
(ص) وَعَقْدُ نِكَاحٍ وَقَضَاءُ دَيْنٍ وَقَتْلُ عَقْرَبٍ وَنَوْمٌ بِقَائِلَةٍ وَتَضْيِيفٌ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ وَإِنَاءٌ لِبَوْلٍ إنْ خَافَ سَبْعًا (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ أَيْ: مُجَرَّدُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قَضَاءُ الدَّيْنِ الشَّرْعِيِّ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجْرِ وَالصَّرْفِ وَإِلَّا كُرِهَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قَتْلُ الْعَقْرَبِ فِي الْمَسْجِدِ أَرَادَتْهُ أَمْ لَا وَمِثْلُهَا الْفَأْرُ وَالثُّعْبَانُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ النَّوْمُ فِي الْقَائِلَةِ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُقِيمِ فِي مَسْجِدِ الْبَادِيَةِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُنْزِلَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي بِالْبَادِيَةِ الضِّيفَانَ وَيُطْعِمَهُمْ الطَّعَامَ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ شَأْنُ تِلْكَ الْمَسَاجِدِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُرَبَاءَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَأْوًى يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْوُوا إلَى الْمَسَاجِدِ وَيَبِيتُوا فِيهَا وَيَأْكُلُونَ فِيهَا مَا أَشْبَهَ التَّمْرَ مِنْ الطَّعَامِ الْجَافِّ. اهـ. فَقَوْلُهُ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ رَاجِعٌ لَهُمَا وَيُجْعَلُ الْمَاءُ الْعَذْبُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِمَنْ الْتَجَأَ إلَى الْمَبِيتِ بِالْمَسْجِدِ أَنْ يَتَّخِذَ إنَاءً يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ فِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ فِي اللَّيْلِ لِأَجْلِ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِ يَفْتَرِسُهُ الْأَسَدُ أَوْ غَيْرُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَبْقًا قَبْلَ خُرُوجِهِ أَيْ: بِالْقَافِ بَدَلَ الْعَيْنِ ثُمَّ إنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ حُرْمَةِ الْمُكْثِ بِالنَّجِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِلضَّرُورَةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يُرَشِّحُ كَالْفَخَّارِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا فِعْلُهُمَا مَعًا عَلَى ظَاهِرِ الْمُصَنَّفِ وَإِلَّا لَأَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى تَحْرِيكِ أَرْضٍ وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَغْنَ يُفِيدُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ مُفَادُ شَرْحِ شب فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَحْرِيكُ أَرْضٍ هُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ إذْ حَقِيقَةُ الْحَرْثِ تَحْرِيكُ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَرْثِ حَقِيقَتَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ بِالْآلَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ وَهُوَ التَّحْرِيكُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيكَ يَشْمَلُ الْحَرْثَ وَالزَّرْعَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ تَنَاقَضَتْ فِيهِ الْعِبَارَةُ.
(قَوْلُهُ حُرُوفِهَا) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَالْوَاقِعُ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ حُزُونِهَا بِالزَّايِ وَالنُّونِ وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ إحْيَاءً لِلْأَرْضِ) أَيْ: مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنْ بَيَّنَهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِحَفْرِهَا الْإِحْيَاءُ وَمِثْلُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ بِئْرُ السِّقَايَةِ بِأَنْ حَفَرَهَا لِشُرْبِ النَّاسِ (قَوْلُهُ وَانْظُرْ إلَخْ) وَكَذَا التَّنْظِيرُ فِي اثْنَيْنِ مِنْهَا وَقَدْ يُقَالُ حُكْمُهُمْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ لَا يُفِيدُ الْإِحْيَاءَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ اثْنَيْنِ يَكُونُ بِهِ الْإِحْيَاءُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَلَوْ مُسِنَّةً (قَوْلُهُ أَيْ: مُجَرَّدُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شُرُوطٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ كُسْوَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ بِكَثِيرِ كَلَامٍ أَوْ رَفْعِ صَوْتٍ وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجْرِ وَالصَّرْفِ) وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّجْرِ بِأَنْ دَفَعَ الْمَدِينُ بَدَلَ دَيْنِهِ عَرْضًا قَاصِدًا بِذَلِكَ التَّجْرَ لِاقْتِضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ أَخَذَ بَدَلَ ذَهَبٍ فِضَّةً قَاصِدًا بِذَلِكَ الصَّرْفَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ الْقَصْدِ بَلْ قَصَدَ اقْتِضَاءَ الدَّيْنِ فَلَا كَرَاهَةَ هَذَا مَا فَتَحَ بِهِ الْمَوْلَى تَعَالَى وَعِبَارَةُ تت وَمِثْلُهَا فِي شب وَاضِحَةٌ وَقَضَاءُ دَيْنٍ أَيْ: إذَا كَانَ يَسِيرًا وَإِلَّا كُرِهَ وَلِذَا قَيَّدَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا يَخِفُّ مَعَهُ الْوَزْنُ أَوْ يُعَدُّ (قَوْلُهُ وَفِي الْقَائِلَةِ) الْمُرَادُ بِهَا النَّهَارُ فَلَوْ قَالَ نَهَارًا لَكَانَ أَشْمَلَ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا أُحِبُّ لِذِي مَنْزِلٍ مَبِيتَهُ بِهِ وَسَهُلَ بِهِ لِلضَّيْفِ وَمَنْ لَا مَنْزِلَ لَهُ.
(قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَادِيَةِ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْبَادِيَةِ هَلْ ظَاهِرُهُ أَوْ مَا يَشْمَلُ الرِّيفَ لَكِنَّ قَوْلَ مَالِكٍ وَذَلِكَ شَأْنُ تِلْكَ الْمَسَاجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ مَسَاجِدَ الْأَرْيَافِ شَأْنُهَا ذَلِكَ كَذَا فِي ك، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَسَاجِدِ الْبَادِيَةِ قَطْعًا، وَأَمَّا مَسَاجِدُ الْحَاضِرَةِ فَيُكْرَهُ النَّوْمُ فِيهَا (قَوْلُهُ وَيَبِيتُوا فِيهَا) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بِحَذْفِ النُّونِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَجِدُوا مَأْوًى وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَسُوغُ لَهُمْ وَلَوْ فِي مَسَاجِدِ الْحَاضِرَةِ لَا خُصُوصِ الْبَوَادِي (قَوْلُهُ وَيَأْكُلُونَ فِيهَا مَا أَشْبَهَ التَّمْرَ إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ مَا إذَا أَتَى بِسُفْرَةِ جِلْدٍ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ أَنْ يَتَّخِذَ إنَاءً إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إنَاءً بَالَ فِيهِ وَتَغَوَّطَ وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ لِلنَّوْمِ فِيهِ قَالَ عج يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَكِبَ مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَمَتَى كَانَ إذَا بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ فِي صَدْرِ الْمَسْجِدِ يَكْثُرُ ضَرَرُهُ بِالنَّاسِ وَإِذَا بَالَ بِغَيْرِهِ يَقِلُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَبُولَ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ إذَا عَلِمَ إلَخْ) حَمْلُ الْخَوْفِ عَلَى الْعِلْمِ لَا يُخْفِي أَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ يَجِبُ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ عِنْدَ الظَّنِّ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَيُقَدِّمُ ثَوْبًا مَعَهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِلُبْسِهِ وَلَا يُفْسِدُهُ عَلَى أَرْضِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ يُفْسِدُهُ الْغَسْلُ لَمْ يَفْعَلْ وَلَا يَجِبُ، وَكَذَا الْغَرِيبُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُدْخِلُ دَابَّتَهُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُدْخِلُهَا فِي الْمَسْجِدِ.
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يُرَشِّحُ أَمْ لَا) إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّا يُرَشِّحُ بِحَيْثُ يُنَجِّسُ الْمَسْجِدَ وَوُجِدَ غَيْرُهُ فَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُ الْغَيْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هُوَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ.
أَوْ لَا كَالزُّجَاجِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ.
(ص) كَمَنْزِلٍ تَحْتَهُ وَمُنِعَ عَكْسُهُ (ش) التَّشْبِيهُ فِي الْجَوَازِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ بَيْتًا تَحْتَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْتًا فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَهَذَا فِي مَسْجِدٍ أَعْلَاهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ مَسْجِدِيَّتِهِ بِأَنْ بَنَى مَسْجِدًا ابْتِدَاءً ثُمَّ أُحْدِثَتْ السُّكْنَى فَوْقَهُ وَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ فِي قَوْلِهِ وَسُكْنَى فَوْقَهُ فِي أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي مَسْجِدٍ أَعْلَاهُ سَابِقٌ عَلَى مَسْجِدِيَّتِهِ.
(ص) كَإِخْرَاجِ رِيحٍ وَمُكْثٍ بِنَجِسٍ (ش) التَّشْبِيهُ فِي الْمَنْعِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ تَعَمُّدًا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَا يَجُوزُ جَلْبُ الرِّيحِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَخْلِيًّا لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَالْمَلَائِكَةِ اهـ.، وَأَمَّا خُرُوجُ الرِّيحِ فِيهِ غَلَبَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ فَالْإِخْرَاجُ تَعَمُّدُ الْخُرُوجِ فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَيْنُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَمْكُثَ فِي الْمَسْجِدِ بِشَيْءٍ نَجِسِ الْعَيْنِ غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ لِتَنْزِيهِ الْمَسْجِدِ عَنْ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي سَتْرُ النَّجِسِ بِطَاهِرٍ وَقَدْ جَرَى فِيهِ خِلَافٌ وَأَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَعَلَى الْخِلَافِ يَجْرِي وَضْعُ النِّعَالِ فِي شَيْءٍ طَاهِرٍ يُكِنُّهُ وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَمُكْثٍ أَنَّ الْمُرُورَ بِالنَّجِسِ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ وَأَقَامَهُ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ وَالْمُرَادُ بِالْمُتَنَجِّسِ الْمُتَنَجِّسُ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا إنْ أُزِيلَ عَيْنُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا فَلَا يُمْنَعُ الْمُكْثُ بِهِ فِيهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ.
(ص) وَكُرِهَ أَنْ يُبْصَقَ بِأَرْضِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبْصُقَ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمُحْصَبِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَحُكَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْحَدِيثِ كَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا فَقَوْلُهُ (وَحَكُّهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْ يَبْصُقَ مُقَدَّرٌ فِيهِ الْمُتَعَلِّقُ أَعْنِي بِأَرْضِهِ أَيْ: حَكُّهُ بِأَرْضِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا أَيْ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ أَنْ يَحُكَّهُ وَنُسْخَةُ حُلُولُو وَيَحُكُّهُ وَهِيَ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ.
(ص) وَتَعْلِيمُ صَبِيٍّ وَبَيْعٌ وَشِرَاءٌ وَسَلُّ سَيْفٍ وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ وَهَتْفٌ بِمَيِّتٍ وَرَفْعُ صَوْتٍ كَرَفْعِهِ بِعَلَمٍ وَوَقِيدُ نَارٍ وَدُخُولٌ كَخَيْلٍ لِنَقْلٍ وَفَرْشٌ أَوْ مُتَّكَأٌ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسَاجِدِ قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ حَيْثُ كَانُوا لَا يَعْبَثُونَ وَيُكَفُّونَ إذَا نُهُوا وَإِلَّا حَرُمَ إدْخَالُهُمْ الْمَسْجِدَ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ كَانَ فِيهِ تَقْلِيبٌ وَنَظَرٌ لِلْمَبِيعِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْعَقْدِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِ الذَّوَاتِ وَالْمَنَافِعِ كَأَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسْجِدِ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا لَا يَعْبَثُ وَيُكَفُّ إذَا نُهِيَ وَقَيَّدَ بَعْضٌ كَرَاهَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِسِمْسَارٍ وَإِلَّا حَرُمَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَأَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِالْبَيْعِ الْإِيجَابَ وَبِالشِّرَاءِ الْقَبُولَ وَإِلَّا لَاكْتَفَى بِالْبَيْعِ عَنْ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَازِمِهِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ سَلُّ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ فِي الْمَسْجِدِ لِلتَّقْلِيبِ أَوْ لِقَطْعِ حَاجَةٍ لَا لِإِخَافَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُسَلُّ فِي الْمَسْجِدِ سَيْفٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُمَرُّ فِي الْمَسْجِدِ بِلَحْمٍ وَلَا تُنَقَّرُ فِيهَا النَّبْلُ وَلَا تُمْنَعُ فِيهَا الْقَائِلَةُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَعْنَى تَنْقِيرِ النَّبْلِ إدَارَتُهَا عَلَى الظُّفْرِ لِيُعْلَمَ مُسْتَقِيمُهَا مِنْ مُعْوَجِّهَا، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ إنْشَادُ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ: طَلَبُ الْمُعَرَّفِ رَبُّهَا، وَكَذَلِكَ نَشْدُهَا أَيْ: طَلَبُ رَبِّهَا لَهَا، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْهَتْفُ بِالْمَيِّتِ وَعَلَى بَابِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَنِدَائِهِ بِمَسْجِدٍ أَوْ بَابِهِ بِأَنْ يَقُولَ أَخُوكُمْ فُلَانٌ قَدْ مَاتَ بِصَوْتٍ يُجْهَرُ بِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَخْلِيًّا) أَيْ: مِنْ النَّاسِ كَمَا ذَكَرُوا (قَوْلُهُ فَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَيْنُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ) فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنَّفِ أَنَّ الْحُرْمَةَ مَنُوطَةٌ بِتَعَمُّدِ الْإِخْرَاجِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَدْعِهِ وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرْمَةَ مَنُوطَةٌ بِجَلْبِهِ وَاسْتِدْعَائِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَدْعِهِ وَيَجْلِبْهُ وَلَكِنْ قَدْ تَعَمَّدَ إخْرَاجَ مَا كَانَ حَاصِلًا فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَيْنِيَّةِ فَلَا اعْتِرَاضَ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِجَوَازِ إرْسَالِ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُرْسِلُهُ فِي بَيْتِهِ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْخِلَافِ يَجْرِي إلَخْ) أَيْ فَعَلَى الرَّاجِحِ الْمَذْكُورِ لَا يَكْفِي وَضْعُ النِّعَالِ فِي شَيْءٍ طَاهِرٍ يُكِنُّهُ أَيْ: بَلْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَحُكُّهُ فَإِنْ لَمْ يَحُكَّهُ فَيَحْرُمْ كَمَا وَجَدْت عِنْدِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ أَنْ يُبْصَقَ بِأَرْضِهِ) وَكَذَا الْمُخَاطُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا قَلَّ وَإِلَّا حَرُمَ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ) إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَنْ حَصَلَ مِنْهُ الْأَمْرَانِ فَقَدْ لَحِقَهُ كَرَاهَتَانِ وَقَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ كَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْمُخْصَبِ أَوْ الْمُتْرَبِ فَلَا يُنَاسِبُ الْمَوْضُوعَ.
(قَوْلُهُ أَيْ وَالْحُكْمُ إلَخْ) إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَكُّ مَطْلُوبًا.
(قَوْلُهُ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ) قَدْ يُقَالُ لَا صَرَاحَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَكُرِهَ أَنْ يَبْصُقَ فِي أَرْضِهِ وَكُرِهَ أَنْ يَحُكَّهُ أَيْ: بِأَنْ يَبْصُقَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ يَحُكَّهُ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الْبَصْقُ مَعَ حَكِّهِ فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَحُكَّهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَصْقَ فَوْقَ فَرْشِ الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا وَكَذَا تَحْتَهُ إنْ كَانَ مُبَلَّطًا وَمَا أَشْبَهَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُحْصَبًا فَلَا يُكْرَهُ الْبَصْقُ تَحْتَ فَرْشِهِ.
(قَوْلُهُ قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ) الْأَوْلَى أَنْ يُقْصَرَ عَلَى الْقُرْآنِ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الصَّنَائِعِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالصَّبِيِّ وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ كَمَا رَوَاهُ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ عَدَمُ التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إنَّهُ الصَّحِيحُ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُنَقَّرُ فِيهَا النَّبْلُ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَنْقِيرًا وَقَوْلُهُ النَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ: السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا بَلْ الْوَاحِدُ سَهْمٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.
(قَوْلُهُ إدَارَتُهَا عَلَى الظُّفْرِ) أَيْ إمَالَتُهَا عَلَى الظُّفْرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ نَشْدُهَا) أَيْ: وَهُوَ الْوَارِدُ فِي خَبَرِ «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ
وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ فَجَائِزٌ كَمَا قَالَ هُنَاكَ أَيْضًا لَا بِكَحَلَقَ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ فَالْهَتْفُ الصِّيَاحُ أَيْ الْإِعْلَامُ بِمَوْتِهِ أَيْ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ رَفْعُ الصَّوْتِ كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْعَلَمِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ مَا لِلْعَلَمِ وَرَفْعَ الصَّوْتِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَفَعَهُ لِأَجْلِ التَّبْلِيغِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ التَّلْبِيَةُ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى وَرَفْعُ صَوْتِ الْمَرَابِطِ بِالتَّكْبِيرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ.
وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ وَقِيدُ النَّارِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَكُنْ لِتَجْمِيرِهَا أَوْ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَالْوَقِيدُ الْفِعْلُ نَفْسُهُ وَالْوَقُودُ بِالْوَاوِ بَعْدَ الْقَافِ الْآلَةُ الَّتِي تُحْرَقُ مِنْ حَطَبٍ وَنَحْوِهِ وَفِي الْقُرْآنِ {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] وَنُسْخَةُ حُلُولُو وَوَقُودٌ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ نَقْلِ حِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْهُ أَوْ إلَيْهِ خَوْفَ أَنْ تَبُولَ فِيهِ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا بِدُخُولِ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ لِكَوْنِ أَرْوَاثِهَا طَاهِرَةً؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام طَافَ عَلَى بَعِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا الدُّخُولُ لِغَيْرِ النَّقْلِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ فَضْلَتُهُ طَاهِرَةً؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا حُبِسَتْ لَهُ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ فِي الْمَسْجِدِ فَرْشًا يَجْلِسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي الْخُشُوعَ وَالتَّوَاضُعَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَالِكٌ يُوَسِّعُ فِي اتِّخَاذِ الْمُصَلَّيَاتِ وَالْخُمُرِ فِي الْمَسْجِدِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُتَوَقَّى بَرْدُ الْأَرْضِ وَالْحَصْبَاءِ بِالْحَصِيرِ وَالْمُصَلَّيَاتِ وَفَرْوَةٍ وَنَحْوِهَا فَقَوْلُهُ وَفَرْشٌ أَوْ مُتَّكَأٌ هُمَا مَرْفُوعَانِ عَطْفٌ عَلَى نَائِبِ فَاعِلِ كُرِهَ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَكْرُوهٌ وَقِيلَ جَائِزٌ مَا لَمْ تَكُنْ أَعْضَاؤُهُ مُتَنَجِّسَةً وَإِلَّا حَرُمَ وَيَجُوزُ قَفْلُ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ.
وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مِنْ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ يَعْقُبُونَ الْإِحْيَاءَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْمِيَاهِ وَأَقْسَامِهَا وَعَلَى الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْكَلَأِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ تَبِعَهُمْ الْمُؤَلِّفُ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى أَقْسَامِ الْمِيَاهِ فَقَالَ:
(ص) وَلِذِي مَأْجَلٍ وَبِئْرٍ وَمِرْسَالِ مَطَرٍ كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَأْجَلِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الصِّهْرِيجُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُجْعَلُ لِأَجْلِ حَوْزِ الْمَاءِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْبِئْرِ وَأَنَّ صَاحِبَ مِرْسَالِ الْمَطَرِ وَهُوَ مَكَانُ جَرَيَانِهِ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ لَهُ مَنْعُ ذَلِكَ مِنْ الْغَيْرِ وَلَهُ بَيْعُهُ لِمَنْ شَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَمْنَعَ الشِّرْبَ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْغَدِيرِ يَكُونُ فِي أَرْضِهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَمِرْسَالٌ مِفْعَالٌ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ وَهِيَ غَيْرُ شَرْطٍ فَلَوْ قَالَ وَرَسَّالٍ لِيَكُونَ مِنْ بَابِ النَّسَبِ كَتَمَّارٍ نِسْبَةً لِبَيْعِ التَّمْرِ كَانَ أَوْلَى أَيْ: صَاحِبِ إرْسَالِ الْمَطَرِ وَهُوَ مَنْ حَلَّ مَاءُ الْمَطَرِ فِي أَرْضِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ بِمِلْكٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْمَأْجَلِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَنْقُصُ بِالِاغْتِرَافِ وَلَا يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ أَوْ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ كَالْبِئْرِ وَقَوْلُهُ كَمَاءٍ يَمْلِكُهُ أَيْ: فِي آنِيَةٍ كَجَرَّةٍ أَوْ قِرْبَةٍ أَوْ قَصْعَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَحِينَئِذٍ فَحَصَلَ التَّغَايُرُ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَلِذِي مَأْجَلٍ إلَخْ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ.
(ص) إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك» (قَوْلُهُ كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ رَفْعُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقْصِرَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْعِلْمِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَفِي ك، وَأَمَّا رَفْعُ الْقُرَّاءِ أَصْوَاتَهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ مَا لِلْعِلْمِ وَرَفْعَ الصَّوْتِ) رَفْعَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَيُّ حَالَةٍ حَسَنَةٍ أَوْ أَيُّ ثَوَابٍ ثَبَتَ لِلْعِلْمِ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ أَيْ: لَا حَالَةً حَسَنَةً فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُرَادُ بِالرَّفْعِ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ إسْمَاعِ الْمُخَاطَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الدُّخُولُ لِغَيْرِ النَّقْلِ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ لِأَجْلِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا إلَخْ أَيْ: بِدُخُولِهَا لِلنَّقْلِ فَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي النَّقْلِ، وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَسُوقَهُ اسْتِشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ النَّقْلِ وَقَدْ قَالَ: وَأَمَّا الدُّخُولُ لِغَيْرِ النَّقْلِ إلَخْ (قَوْلُهُ فِي اتِّخَاذِ الْمُصَلَّيَاتِ) الْمُصَلَّيَاتُ جَمْعُ مُصَلًّى أَيُّ شَيْءٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ يَخْشَى بَرْدَ الْأَرْضِ فَيَكُونُ كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ مُبَيِّنًا لَهُ وَقَوْلُهُ وَالْخُمُرِ جَمْعُ خُمْرَةٍ وَزْنُ غُرْفَةٍ حَصِيرٌ صَغِيرٌ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ.
(قَوْلُهُ وَأَقْسَامِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ بِالتَّذْكِيرِ فَالْمَعْنَى وَأَقْسَامِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ الْمِيَاهِ، وَقَوْلُهُ وَأَقْسَامِهِ مِنْ كَوْنِهِ إمَّا مَاءُ بِئْرٍ أَوْ مَاءُ مَأْجَلٍ أَوْ مَاءُ مِرْسَالِ مَطَرٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْإِقْسَامَ هِيَ الْمِيَاهُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا فَالْعَطْفُ مُرَادِفٌ؛ لِأَنَّ الْمِيَاهَ هِيَ أَقْسَامُ الْمَاءِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْآبَارِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهَا بِئْرَ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْعُيُونِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهَا تُقَاسُ عَلَى الْبِئْرِ وَقَوْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَيْ: وَمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَلَا يُمْنَعُ صَيْدُ سَمَكٍ مِنْ مِلْكٍ (قَوْلُهُ وَلِذِي مَأْجَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهُوَ قَلِيلٌ وَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ كَمُقْعَدٍ وَمُعْظَمٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَكَانُ جَرْيِهِ) فِيهِ إفَادَةُ أَنَّ مِرْسَالِ اسْمُ مَكَان وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ أَنَّهُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فَفِيهِ تَنَافٍ وَقَوْلُهُ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ: وَيَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ (قَوْلُهُ لِمَنْ شَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَرْبَعٌ لَا أَرَى أَنْ تُمْنَعَ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْحَطَبُ وَالْكَلَأُ وَأَوْرَدُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ فِي أَرْضِهِ مِمَّا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ إلَى الِاسْتِقَاءِ مِنْهُمَا، وَأَمَّا مَاءُ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ رَجُلٍ أَوْ حَائِطِهِ الَّتِي قَدْ حُظِرَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ) أَيْ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَقَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ وَرَسَّالٍ إلَخْ أَيْ: وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى ذِي مَأْجَلٍ، وَأَمَّا عَلَى مِرْسَالٍ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَأْجَلٍ. (قَوْلُهُ أَيْ: صَاحِبِ إرْسَالِ الْمَطَرِ) أَيْ: صَاحِبِ الْمَطَرِ الْمُرْسَلِ (قَوْلُهُ بِمِلْكٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إلَخْ) أَيْ الْخَاصَّةِ بِهِ أَيْ: بِسَبَبِ كَوْنِهِ يَمْلِكُ ذَاتَهَا أَوْ مَنْفَعَتَهَا، وَأَمَّا مَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتَهُ كَالْمَاءِ الْمُسَبَّلِ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ أَعَمُّ إلَخْ أَيْ: وَلَوْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ كَمَا يَمْلِكُهُ أَيْ: بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ كَانَتْ الْمُغَايَرَةُ حَقِيقِيَّةً
ش) تَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ لَهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ لِمَنْ شَاءَ هَذَا إنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ قَوْمٌ لَا ثَمَنَ مَعَهُمْ وَيُخَافُ عَلَيْهِمْ الْهَلَاكُ أَوْ الْمَرَضُ الشَّدِيدُ لَوْ تُرِكُوا حَتَّى يَرِدُوا مَاءً غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ لِوُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ حِينَئِذٍ وَلَوْ قَالَ: إلَّا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْعَاقِلَ وَغَيْرَهُ وَالْكَلَامُ فِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ وَوَاوُ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ وَاوُ الْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا ثَمَنَ مَعَهُ مَوْجُودٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا وَلَوْ كَانَ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ وَقَوْلُهُ (وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ) رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ؛ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَمَنٌ مَوْجُودٌ حِينَ الْمُوَاسَاةِ لَوَجَبَ دَفْعُهُ لَكِنْ بِالثَّمَنِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ، ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَالْأَرْجَحُ إلَخْ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ رَجَّحَ الْأَخْذَ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ مَعَهُ؛ إذْ ذَاكَ؛ لِأَنَّهُ بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ هَذَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ إلَّا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ فِي غِنًى عَنْ قَوْلِهِ وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ.
(ص) كَفَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ بِهَدْمِ بِئْرِهِ وَأَخَذَ يُصْلِحُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ (ش) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ لَهُ بِئْرٌ يَسْقِي مِنْهَا زَرْعَهُ فَفَضَلَ عَنْ سَقْيِ زَرْعِهِ فَضْلَةٌ مِنْ الْمَاءِ وَلَهُ جَارٌ لَهُ زَرْعٌ أَنْشَأَهُ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ وَانْهَدَمَتْ بِئْرُ زَرْعِهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ مِنْ الْعَطَشِ وَشَرَعَ فِي إصْلَاحِ بِئْرِهِ فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْفَضْلِ بِالثَّمَنِ إنْ وُجِدَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْفَضْلَةِ بِأَنْ كَانَ زَرْعُ الْجَارِ لَا عَلَى أَصْلِ مَاءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَّضَ زَرْعَهُ لِلْهَلَاكِ أَوْ لَمْ تَنْهَدِمْ بِئْرُهُ أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي إصْلَاحِهَا قَوْلُهُ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: يُدْفَعُ لِجَارٍ ثُمَّ لَمَّا حُذِفَ أَتَى بِالظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، قَوْلُهُ وَبِهَدْمِ بِئْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِخِيفَ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ فَإِنَّ هَدْمَ الْبِئْرِ سَبَبٌ لِلْخَوْفِ عَلَى الزَّرْعِ وَقَوْلُهُ بِئْرِهِ أَيْ: بِئْرِ الزَّرْعِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الزَّرْعَ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ فَالتَّشْبِيهُ عَلَى هَذَا فِي عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ الْمَاءِ وَفِي أَخْذِ الثَّمَنِ إنْ وُجِدَ مَعَ جَارِهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ لَا ثَمَنَ لَهُ فِيهَا سَوَاءٌ وُجِدَ مَعَهُ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُسَافِرِ أَنَّهُ مُخْتَارٌ بِسَبَبِ السَّفَرِ بِخِلَافِ مَنْ انْهَدَمَتْ بِئْرُهُ.
(ص) كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ بِصَحْرَاءَ هَدَرًا إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ (ش) التَّشْبِيهُ فِي الْجَبْرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْبَادِيَةِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِمَاشِيَتِهِ، وَفَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ مِمَّنْ طَلَبَهُ أَوْ أَرَادَهُ وَيَأْخُذُهُ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بِالْهَدَرِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنْ بَيَّنَهَا حِينَ الْحَفْرِ فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ عَنْهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ التَّشْبِيهُ تَامًّا لِئَلَّا يَقْتَضِيَ أَنَّ الْجَبْرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُضْطَرِّ وَلِلزَّرْعِ الَّذِي انْهَدَمَتْ بِئْرُهُ مَعَ أَنَّهُ عَامٌّ، وَإِنَّمَا كَانَ فَضْلُ بِئْرِ الزَّرْعِ لِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ بِخِلَافِ فَضْلِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنَّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُ فَضْلِهَا وَبَيْعُهُ؛ لِأَنَّ حَافِرَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ نِيَّتُهُ فِي حَفْرِهَا لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ، وَأَمَّا حَافِرُ بِئْرِ الزَّرْعِ فَنِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ بِالثَّمَنِ) أَيْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ إلَخْ) هَذَا إذَا قُرِئَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تُجْعَلَ إنْ شَرْطِيَّةً مُرَكَّبَةً مَعَ لَا أَيْ: وَإِلَّا يَنْتَفِ عَدَمُ الثَّمَنِ بَلْ وُجِدَ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ لِابْنِ يُونُسَ فِي هَذِهِ تَرْجِيحٌ وَإِنَّمَا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ رَجَحَ الْأَخْذُ بِالثَّمَنِ) أَيْ: مِنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ وَالْمُتَبَادَرُ إلَخْ شُرُوعٌ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَقَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَةً بِالنِّسْبَةِ أَيْ: فَيُقْرَأُ بِالْفِعْلِ وَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ كَفَضْلٍ بِالْكَافِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِاللَّامِ وَعَلَى كُلٍّ فَهِيَ بِمَعْنَى فِي أَيْ: فِي فَضْلِ إلَخْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَخْلَصَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ وَيُقْرَأَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مُقَابِلًا بِهِ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ خِيفَ عَلَى زَرْعِ جَارِهِ إلَخْ) أَوْ الْهَلَاكُ وَهُوَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ مَحْذُوفٍ وَالْمَحْذُوفُ مَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ وَالتَّقْدِيرُ كَبَدَلِ فَضْلِ بِئْرِ زَرْعٍ لِجَارٍ حَالَ كَوْنِهِ قَدْ خِيفَ عَلَى زَرْعِهِ وَلَمَّا حَذَفَ صَاحِبَ الْحَالِ أَقَامَ الظَّاهِرَ مَقَامَ الضَّمِيرِ فَقَالَ زَرْعِ جَارِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الظَّنُّ أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ كَانَ جِيرَانُهُ مِنْهُمْ أَقْرَبَ وَأَبْعَدَ وَطَلَبَ مِنْ الْأَبْعَدِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ خُذْ مِنْ الْأَقْرَبِ كَمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ تَفْسِيرِ الْجَارِ بِمَنْ يُمْكِنُهُ السَّقْيُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ وَأَخَذَ يُصْلِحُ أَيْ: مَعَ الْإِمْكَانِ أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَلَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَاءِ لَا يَكْفِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ يَكْفِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الشُّرُوعُ فِي الْإِصْلَاحِ.
(قَوْلُهُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى إعْطَاءِ الْفَضْلِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ
وَقَوْلُهُ كَفَضْلِ إلَخْ أَيْ: كَبَذْلِ فَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ أَيْ: أَوْ سِقَايَةٍ أَيْ: شَرَابِ النَّاسِ مِنْهَا (قَوْلُهُ كَصَحْرَاءَ) أَيْ: فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ وَمَفْهُومُهُ لَوْ بَنَاهَا فِي مِلْكِهِ فَلَهُ الْمَنْعُ.
(قَوْلُهُ وَفَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ) أَيْ: فَضَلَ مِنْ الْمَاشِيَةِ فَضْلَةٌ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا يَأْتِي مِنْ التَّفْصِيلِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ رَبُّ الْبِئْرِ ثُمَّ الْمُسَافِرُ ثُمَّ دَابَّةُ رَبِّ الْمَاءِ ثُمَّ دَابَّةُ الْمُسَافِرِ ثُمَّ مَوَاشِي رَبِّ الْمَاءِ إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ لِمَا يَأْتِي أَنْ يَقُولَ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْبَادِيَةِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِمَاشِيَتِهِ فَإِنَّ مَا فَضَلَ عَنْ شُرْبِ رَبِّهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْغَيْرُ مِنْهُ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي قَوْلِهِ وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ إلَخْ.
(فَائِدَةٌ) أَفَادَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الْمُسَافِرِينَ لِلْحَجِّ فَكُلُّ مَنْ سَبَقَ إلَى الْمَاءِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَكَانَ ابْنُ عَرَفَةَ سَنَةَ حَجَّ يَسْبِقُ وَيَأْخُذُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَيَقُولُ كُلُّ مَنْ نَازَعَنِي قَاتَلْته؛ لِأَنَّى أَحَقُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَخْشَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ ضَرَرًا (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ) أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا وَلَا صَاحِبَ زَرْعٍ (قَوْلُهُ فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ عَنْهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ إحْيَاءً أَيْ: لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا حَفَرَ بِئْرَ مَاشِيَةِ لَا يَكُونُ إحْيَاءٌ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمِلْكِيَّةِ وَإِلَّا كَانَ إحْيَاءً
لَهُ جَمِيعُ مَائِهَا وَالْكَلَامُ فِي مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ حَفْرَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ لَا يَكُونُ إحْيَاءً لِتِلْكَ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ.
(ص) وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ وَلَهُ عَارِيَّةٌ آلَةٌ ثُمَّ حَاضِرٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ عَلَى مَاءٍ فَضَلَ عَنْ رَبِّهِ مُسْتَحِقُّونَ وَالْمَاءُ يَكْفِيهِمْ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْمُسَافِرِ وُجُوبًا وَسَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْبِئْرِ لَمْ يَتَّخِذْهَا لِلْكِرَاءِ وَلِلْمُسَافِرِ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ عَارِيَّةُ الْآلَةِ كَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْحَوْضِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ حَتَّى يَرْوِيَ ثُمَّ يَأْتِيَ الْحَاضِرُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَرْوِيَ فَقَوْلُهُ وَلَهُ عَارِيَّةٌ آلَةٌ أَيْ: عَلَيْهِ وَإِنْ رَجَعَ الضَّمِيرُ فِي لَهُ لِلْمُسَافِرِ لَمْ يُحْتَجْ لِجَعْلِ اللَّامِ بِمَعْنَى عَلَى وَهَذَا مَا لَمْ يَجْعَلْ الْآلَةَ لِلْإِجَارَةِ وَإِلَّا فَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ وَيَتْبَعُهُ بِهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ.
(ص) ثُمَّ دَابَّةِ رَبِّهَا لِجَمِيعِ الرَّيِّ (ش) أَيْ: أَنَّ الدَّوَابَّ يُقَدَّمُونَ عَلَى حَسْبِ تَقْدِيمِ الْآدَمِيِّينَ فَتُقَدَّمُ دَابَّةُ رَبِّ الْبِئْرِ ثُمَّ دَابَّةُ الْمُسَافِرِ ثُمَّ دَابَّةُ الْحَاضِرِ بِجَمِيعِ الرَّيِّ حَيْثُ كَانَ فِي الْمَاءِ فَضْلَةٌ فَالضَّمِيرُ فِي رَبِّهَا يَعُودُ عَلَى الْبِئْرِ وَاللَّامُ فِي لِجَمِيعِ لَامِ الْغَايَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْبَاءِ كَأَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ بِمُسَافِرٍ ثُمَّ مَوَاشِي رَبِّهِ ثُمَّ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ ثُمَّ مَوَاشِي الْحَاضِرِ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُؤَلِّفُ بِالْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ اكْتِفَاءً بِمَا ذُكِرَ فِي أَرْبَابِهَا وَسُكُوتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَاشِيَةِ الْمُسَافِرِ اعْتَذَرُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا مَاشِيَةَ لَهُ وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ عَنْ دَوَابِّهِ لَعَلَّهُ أَنَّ الدَّوَابَّ إذَا خِيفَ مَوْتُهَا لَا تُذَكَّى فَتُؤْكَلُ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي وَقَوْلُهُ لِجَمِيعِ الرَّيِّ هُوَ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِبُدِئَ وَلَا نُعْرِبُهُ بَدَلًا وَمَعْنَى بُدِئَ قُدِّمَ أَيْ: أَنَّ كُلَّ مَنْ قَدَّمْنَاهُ نُقَدِّمُهُ لِجَمِيعِ الرَّيِّ وَحِينَئِذٍ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ مَقْصُودَانِ وَإِعْرَابُهُ بَدَلًا يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّبْدِئَةَ وَالتَّقْدِيمَ لَا بُدَّ مِنْهُمَا فَهُمَا مَقْصُودَانِ فَلَا حَاجَةَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
(ص) وَإِلَّا فَبِنَفْسِ الْمَجْهُودِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ فَضْلٌ عَنْ أَرْبَابِهَا وَكَانَ بِتَقْدِيمِ أَرْبَابِهَا يَحْصُلُ الْجَهْدُ لِغَيْرِهِمْ وَبِتَقْدِيمِ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ لَا يَحْصُلُ الْجَهْدُ لَهُمْ أَوْ بِعَكْسِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْجَهْدُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ تَحْصُلُ بِتَقْدِيمِ رَبِّ الْمَاءِ عَلَى غَيْرِهِ كَثْرَةُ الْجَهْدِ لِغَيْرِهِ وَلَا يَحْصُلُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الْجَهْدِ لَهُ بَلْ جَهْدُ غَيْرِهِ كَثِيرٌ أَوْ الْعَكْسُ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ مَا يَحْصُلُ لَهُ كَثْرَةُ الْجَهْدِ لِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُقَدَّمَاتِ فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ الْجَهْدُ لِغَيْرِهِ كَمَا يَحْصُلُ مِنْ تَقْدِيمِ غَيْرِ رَبِّ الْمَاءِ عَلَى رَبِّهِ الْجَهْدُ لَهُ، وَالْحَاصِلُ لَهُمَا مُسْتَوٍ فَهَلْ يَتَسَاوَوْنَ أَوْ يُقَدَّمُ رَبُّ الْمَاءِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ نَاجِي وَصَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَوَّاقُ كَلَامَهُ وَأَظْهَرُهُمَا الثَّانِي وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ احْتِمَالٌ آخَرُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَبَيَانُ الْمِلْكِيَّةِ بِأَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ الْحَفْرِ أَنَّهُ يَحْفِرَهَا لِيَمْلِكَ مَاءَهَا.
(قَوْلُهُ وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ) لِاحْتِيَاجِهِ لِسُرْعَةِ السَّيْرِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ) الْأَحْسَنُ حَذْفُ الْكَافِ وَيَقُولُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُؤَلِّفُ بِالْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ) أَيْ: بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ مِنْ دَوَابَّ وَمَوَاشٍ.
(قَوْلُهُ وَسُكُوتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ جَمِيعُ الْمَرَاتِبِ التِّسْعَةِ إلَّا هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ مَوَاشِي إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا قَدَّمَ دَوَابَّ الْمُسَافِرِ عَلَى دَوَابِّ غَيْرِهِ لِاسْتِعْجَالِهِ فَيُفِيدُ أَنَّ مَوَاشِيَهُ تَكُونُ مَعَ دَوَابِّهِ وَلَا تُؤَخَّرُ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ فَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ تَأْخِيرِ مَوَاشِي الْمُسَافِرِ عَنْ دَوَابِّهِ وَأَنَّهَا بَعْدَ مَوَاشِي أَهْلِ الْمَاءِ فِيهِ نَظَرٌ.
(قَوْلُهُ وَلَا نُعْرِبُهُ بَدَلًا) أَيْ: بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ بِمُسَافِرٍ كَمَا فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى الَّتِي لِابْنِ غَازِيٍّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ ابْنِ غَازِيٍّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْبَاءِ كَأَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ بِمُسَافِرٍ وَقَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ أَيْ: حِينَ جَعَلْنَاهُ مُتَعَلِّقًا بِقُدِّمَ وَلَمْ نَجْعَلْهُ بَدَلًا وَقَوْلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ أَيْ: التَّقْدِيمَ وَالثَّانِي أَيْ: قَوْلُهُ بِجَمِيعِ الرَّيِّ (قَوْلُهُ إلَى أَنَّ الْأُولَى غَيْرُ مَقْصُودَةٍ) أَيْ التَّبْدِئَةَ عَلَى مَا قَالَ وَأَنَا أَقُولُ أَيْ: قَوْلُهُ بِمُسَافِرٍ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِ التَّقْدِيمِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَالتَّقْدِيمَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ التَّغَايُرُ وَحِينَئِذٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّ التَّبْدِئَةَ بِجَمِيعِ الرَّيِّ بَلْ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَقَوْلُهُ بِمُسَافِرٍ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِ التَّقْدِيمِ بِهِ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ قَوْلُهُ وَقُدِّمَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَقَوْلُهُ بِجَمِيعِ الرَّيِّ لَا بُدَّ مِنْهُمَا فَهُمَا مَقْصُودَانِ وَقَوْلُهُ فَلَا حَاجَةَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ مِنْ الْبَدَلِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ تَقَدَّمَ وَجْهُهُ وَهُوَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ ثُمَّ إنَّ فِي عِبَارَتِهِ تَدَافُعًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَا حَاجَةَ يَقْتَضِي صِحَّتَهُ وَلَكِنْ لَا حَاجَةَ لَهُ وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ إلَخْ) ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ ثَلَاثٌ إنْ انْفَرَدَ أَحَدٌ بِالْجَهْدِ قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ لِلْجَمِيعِ الْجَهْدُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ لَكِنْ يَتَفَاوَتُ يُقَدَّمُ الْأَشَدُّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ لِلْجَمِيعِ لَكِنْ اسْتَوَتْ الْمَشَقَّةُ فَالْقَوْلَانِ وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ يُمَكَّنُ مِنْ الشُّرْبِ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْهُ الْخَوْفُ لَا بِجَمِيعِ الرَّيِّ (قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ احْتِمَالٌ آخَرُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا حَلَّ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ كَفَضْلِ بِئْرِ مَاشِيَةٍ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي أَشَارَ لَهُ هُوَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ بِجَمِيعِ الرَّيِّ وَالْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي فَضْلِ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ عَنْ أَرْبَابِهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ رَيُّ جَمِيعِ غَيْرِهِمْ وَكَانَ يَحْصُلُ بِتَقْدِيمِ الْمُسَافِرِينَ عَلَى الْحَاضِرِينَ الْجَهْدُ لِلْحَاضِرِينَ أَوْ لِشُرْبِهِ وَلَا يَحْصُلُ لِلْمُسَافِرِينَ مِثْلُ ذَلِكَ بِتَقْدِيمِ الْحَاضِرِينَ عَلَيْهِمْ أَوْ الْعَكْسِ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ الْجَهْدُ أَوْ لِشُرْبِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْجَهْدُ الْحَاصِلُ لِكُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُسْتَوِيًا فَالظَّاهِرُ جَرْيُ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِيهِ وَتَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الْمُسَافِرِينَ عَلَى الْحَاضِرِينَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَبْيَنُ بِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ فِي الْفَضْلَةِ عَنْ أَهْلِ الْبِئْرِ وَلِذَا قَالَ وَبُدِئَ بِمُسَافِرٍ وَالْأَئِمَّةُ فَرَضُوا الْكَلَامَ فِيمَنْ يُقَدَّمُ فِي الْمَاءِ ابْتِدَاءً ثُمَّ رَتَّبُوا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كِفَايَةٌ ابْنُ رُشْدٍ إنْ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَاءِ وَالْمَارَّةُ وَالْمَاءُ يَكْفِيهِمْ بُدِئَ بِأَنْفَسِ أَهْلِ الْمَاءِ إلَى
يُقَرِّرُهُ بِهِ اُنْظُرْهُ فِي الْكَبِيرِ.
(ص) وَإِنْ سَالَ مَطَرٌ بِمُبَاحٍ سَقَى الْأَعْلَى إنْ تَقَدَّمَ لِلْكَعْبِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا سَالَ بِمَكَانٍ مُبَاحٍ وَهُنَاكَ قَوْمٌ لَهُمْ جِنَانٌ فَإِنَّ الْأَعْلَى وَهُوَ الَّذِي يَقْرَبُ مِنْ الْمَاءِ يَبْدَأُ بِالسَّقْيِ لِزَرْعِهِ أَوْ شَجَرِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَهَذَا إنْ تَقَدَّمَ الْأَعْلَى فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى غَيْرِهِ أَيْ: أَوْ كَانَ إحْيَاؤُهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَ الْأَسْفَلُ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ فِي السَّقْيِ عَلَى الْأَعْلَى حَيْثُ خُشِيَ عَلَى الْأَسْفَلِ الْهَلَاكُ وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَعْلَى الْمُتَأَخِّرُ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى الْأَسْفَلِ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إنْ تَقَدَّمَ أَوْ سَاوَى كَأَنْ تَأَخَّرَ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَى الْأَسْفَلِ الْهَلَاكُ لَأَدَّى الْمُرَادَ لَكِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْمَفْهُومِ وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ وَاحْتُرِزَ بِالْمَكَانِ الْمُبَاحِ مِمَّا لَوْ سَالَ الْمَطَرُ بِمَكَانٍ مَمْلُوكٍ فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ.
(ص) وَأُمِرَ بِالتَّسْوِيَةِ وَإِلَّا فَكَحَائِطِينَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأَعْلَى إذَا تَقَدَّمَ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى مَا مَرَّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْوِيَةِ أَرْضِهِ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ وَكَانَ السَّقْيُ فِي الْأَعْلَى لَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْأَسْفَلِ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَسْقِي كُلَّ جِهَةٍ عَلَى حِدَتِهَا وَيَصِيرُ الْحَائِطُ الْوَاحِدُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُتَسَاوٍ كَحَائِطِينَ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ بِجِهَتَيْهِ فَيَسْقِي الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلَ قَوْلُهُ وَأُمِرَ أَيْ: وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا رَاجِعٌ لِلْقَيْدِ الْمُقَدَّرِ وَكَأَنَّهُ قَالَ وَأُمِرَ بِالتَّسْوِيَةِ إنْ أَمْكَنَتْ أَيْ: وَإِلَّا تُمْكِنْ التَّسْوِيَةُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّسْوِيَةِ يَسْتَلْزِمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا إلَّا وَهِيَ مُمْكِنَةٌ.
(ص) وَقُسِمَ لِلْمُتَقَابِلِينَ (ش) يَعْنِي أَنَّ جِنَانَ الْقَوْمِ إذَا كَانَتْ مُتَقَابِلَةً لِلْمَاءِ الَّذِي سَالَ فِي الْأَرْضِ الْمُبَاحَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ وَلَا يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ هُمْ فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ سَحْنُونَ فَإِنْ كَانَ الْجَنَانَانِ مُتَقَابِلَيْنِ فِيمَا حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَعْلَى فَالْأَعْلَى قَسَمَ الْمَاءَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَسْفَلِ مُقَابِلًا لِبَعْضِ الْأَعْلَى حُكِمَ لِمُقَابِلِ الْأَعْلَى بِحُكْمِ الْأَعْلَى وَلِمُقَابِلِ الْأَسْفَلِ بِحُكْمِ الْأَسْفَلِ فَقَوْلُهُ لِلْمُتَقَابِلِينَ أَيْ: فِي الْجِهَةِ وَهَلْ عَلَى التَّسْوِيَةِ أَوْ الْمِسَاحَةِ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضٌ وَظَاهِرُهُ تَسَاوَيَا فِي الْإِحْيَاءِ أَوْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ (كَالنِّيلِ) تَشْبِيهٌ فِي مَاءِ الْمَطَرِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ سَقْيِ الْأَعْلَى إنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِحْيَاءِ إلَخْ.
(ص) وَإِنْ مُلِكَ أَوَّلًا قُسِمَ بِقَلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (ش) أَيْ: وَإِنْ مُلِكَ الْمَاءُ أَوَّلًا بِأَنْ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فِي إجْرَائِهِ إلَى أَرْضِهِمْ فَإِنَّهُ لَا تَبْدِئَةَ هُنَا لِلْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوا الْمَاءَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى أَرْضِهِمْ بِحَسْبِ أَعْمَالِهِمْ وَبِحَسْبِ ذَلِكَ الْعَمَلِ يُقْسَمُ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ بِقَلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عِيَاضٌ وَابْتِدَاءُ زَمَنِ الْحَظِّ مِنْ حِينِ ابْتِدَاءِ جَرْيِهِ لِأَرْضِ ذِي الْحَظِّ وَلَوْ بَعُدَتْ إنْ كَانَ أَصْلُ أَرَاضِيِهِمْ شَرِكَةً ثُمَّ قُسِمَتْ بَعْدَ شَرِكَتِهِمْ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ عَلَى ذَلِكَ قُوِّمَتْ الْأَرْضُ حِينَ قَسَمَهَا وَإِلَّا فَمِنْ حِينِ وُصُولِهِ لِأَرْضِهِ. اهـ.
الْمُرَادُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْت: لِمَ اُعْتُبِرَ الْحَظُّ مِنْ حِينِ ابْتِدَاءِ الْجَرْيِ حَيْثُ قُسِمَتْ الْأَرْضُ بَعْدَ شَرِكَتِهِمْ فِي الْمَاءِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَمِنْ حِينِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ قُلْت: لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْقَسْمُ بَعْدَ شَرِكَتِهِمْ فِي الْمَاءِ فَإِنَّمَا تُعْدَلُ عَلَى أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا بِالْقِيمَةِ فَيُرَاعَى فِي التَّعْدِيلِ قُرْبُ الْمَاءِ وَبُعْدُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَسْمُ قَبْلَ الشَّرِكَةِ فِي الْمَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ شَرِكَةٌ فِي الْأَرْضِ
ــ
[حاشية العدوي]
إنْ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيعَهُمْ بُدِئَ بِمَنْ الْجَهْدُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ اهـ. وَالْخَطْبُ سَهْلٌ.
(قَوْلُهُ بِمَكَانٍ مُبَاحٍ) أَيْ: فِي أَرْضٍ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَهُنَاكَ قَوْمٌ لَهُمْ جِنَانٌ) أَيْ: بَعْضُهَا مُتَّصِلٌ بِبَعْضٍ وَبَعْضُهَا مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَلَمْ تُحَطْ إلَّا جَنَّةٌ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا لَوْ احْتَاطَتْ إلَّا جَنَّةً فَهَذَا الْمَاءُ مُبَاحٌ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَقُسِمَ لِلْمُتَقَابَلَيْنِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ لِلْكَعْبِ) أَيْ، فَإِذَا أَمْسَكَ الْمَاءَ حَتَّى وَصَلَ لِلْكَعْبِ فَإِنَّهُ يُرْسِلُ لِمَنْ يَلِيهِ جَمِيعَ الْمَاءِ لَا مَا زَادَ عَلَى الْكَعْبِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ عج وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمُخَالَفَتِهِ لِإِطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ، فَإِذَا حَدَثَ إحْيَاءُ الْأَعْلَى فَالْأَقْدَمُ أَخَصُّ وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ وَقَدْ ارْتَضَى ابْنُ عَرَفَةَ إبْقَاءَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَأَنَّهُ اتَّبَعَ ظَاهِرَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ) بِأَنْ كَانَ بَعْضُهُ كَثِيرَ الشَّجَرِ وَبَعْضُهُ قَلِيلَ الشَّجَرِ (قَوْلُهُ فِيمَا حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) أَيْ: فِي الْمَاءِ الَّذِي حُكْمُهُ لِلْأَعْلَى أَيْ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُبَاحُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَسْفَلِ مُقَابِلًا لِبَعْضِ الْأَعْلَى) هَكَذَا فَأَرَادَ بِالْأَسْفَلِ هَذَا الْمُنْفَرِدَ فَإِنَّهُ أَسْفَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَعْلَى مِنْ الِاثْنَيْنِ الْمُتَّصِلِ بَعْضُهُمَا بِبَعْضٍ (قَوْلُهُ حُكِمَ لِمُقَابِلِ الْأَعْلَى) أَيْ: حُكِمَ لِأَعْلَى الْمُنْفَرِدِ بِحُكْمِ مُقَابِلِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْأَعْلَى مِنْ الِاثْنَيْنِ الْمُتَّصِلِ بَعْضُهُمَا بِبَعْضٍ وَحُكِمَ لِلْأَسْفَلِ الْمُنْفَرِدِ بِحُكْمِ أَعْلَى الْأَسْفَلِ مِنْ الِاثْنَيْنِ الْمُتَّصِلِ بَعْضُهُمَا بِبَعْضٍ.
(قَوْلُهُ وَهَلْ عَلَى التَّسْوِيَةِ) أَيْ: يُقْسَمُ الْمَاءُ سَوِيَّةً بَيْنَهُمَا فَلَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِشَيْءٍ وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى الْمِسَاحَةِ أَيْ يُقْسَمُ عَلَى حُكْمِ زَرْعِ كُلٍّ، فَإِذَا كَانَ مِسَاحَةُ أَحَدِهِمَا فَدَّانًا وَمِسَاحَةُ الثَّانِي نِصْفَ فَدَّانٍ فَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ (قَوْلُهُ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضٌ) أَيْ وَهُوَ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَمِنْ حِينِ وُصُولِهِ) أَيْ: بِأَنْ وَقَعَ قَسْمُ الْأَرْضِينَ قَبْلَ شَرِكَةٍ فِي الْمَاءِ أَوْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْت) جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ حَاصِلُ مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَلَى ذَلِكَ قُوِّمَتْ الْأَرْضُ فَلَوْ تَأَمَّلَ فِيهِ لَمَا وَرَدَ السُّؤَالُ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَعْدَ شَرِكَتِهِمْ فِي الْمَاءِ تُقْسَمُ الْأَرَاضِيُ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الْأَرْضِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ فَتُقْسَمُ أَثْلَاثًا كَأَنْ يُقَوَّمَ الْجُزْءُ الْقَرِيبُ مِنْ الْمَاءِ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا مَثَلًا، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَلِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَرِيبَ مِنْ الْمَاءِ أَقَلُّ مِسَاحَةً مِمَّا بَعْدَهُ وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ أَقَلُّ مِسَاحَةً مِمَّا بَعْدَهُ فَالْأَقْسَامُ الْوَاقِعُ فِيهَا التَّعْدِيلُ أَقْسَامُ الْأَرْضِ
ابْنُ عَرَفَةَ الْقَلْدُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ الْآلَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا لِإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُحْصِلُ التَّوَصُّلَ إلَى ذَلِكَ مُسْتَدْرَكٌ وَمِنْ ذَلِكَ السَّاعَاتُ الرَّمْلِيَّةُ لَكِنْ يُرَاعَى اخْتِلَافُ الْجَرْيِ وَقِلَّتُهُ فَإِنَّ جَرْيَهُ عِنْدَ كَثْرَتِهِ أَقْوَى مِنْ جَرْيِهِ عِنْدَ قِلَّتِهِ فَيُرْجَعُ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا قَالُوا إنَّ جَرْيَهُ عِنْدَ كَثْرَتِهِ خَمْسَ دُرَجٍ يَعْدِلُ جَرْيَهُ عِنْدَ قِلَّتِهِ ثَمَانَ دُرَجٍ عُمِلَ بِذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ جَرْيُهُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ جَرْيَهُ بِاللَّيْلِ أَكْثَرُ مِنْ جَرْيِهِ بِالنَّهَارِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَقَالَ إنَّهُ يُقْسَمُ مَاءُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ وَمَاءُ النَّهَارِ وَحْدَهُ.
(ص) وَأُقْرِعَ لِلتَّشَاحِّ فِي السَّبْقِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشُّرَكَاءَ إذَا تَشَاحُّوا فِي التَّبْدِئَةِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَا أَسْقِي زَرْعِي أَوْ نَخْلِي أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَجْرِي لَهُ الْمَاءُ كُلُّهُ حَتَّى يَرْوِيَ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَذَلِكَ إلَى آخِرِهِمْ وَصِفَةُ الْقُرْعَةِ أَنْ يَجْعَلَ أَوْرَاقَ بِعَدَدِ الشُّرَكَاءِ وَيَكْتُبَ فِي كُلِّ وَرَقَةٍ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ ثُمَّ يُعْطِيَ الْأَوْرَاقَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي الَّتِي أُعْطِيت أَوَّلًا بُدِئَ بِهِ ثُمَّ مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي الَّتِي أُعْطِيت ثَانِيًا وَهَكَذَا.
(ص) وَلَا يُمْنَعُ صَيْدُ سَمَكٍ وَإِنْ مِنْ مِلْكِهِ وَهَلْ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَقَطْ أَوْ إلَّا أَنْ يَصِيدَ الْمَالِكُ تَأْوِيلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةَ أَرْضٍ سَوَاءٌ كَانَ يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا أَوْ الْمَنْفَعَةَ فَقَطْ وَحَصَلَ فِيهَا سَمَكٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَصِيدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْبَحْرِ وَلِأَنَّ الْمَاءَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَالصَّيْدَ أَيْضًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَانَا كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ فَمَنْ سَبَقَ لَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَسَوَاءٌ طَرَحَهَا صَاحِبُ الْأَرْضِ فَتَوَالَدَتْ أَوْ جَرَّهَا الْمَاءُ إلَى تِلْكَ الْأَرْضِ، وَأَمَّا السَّمَكُ الَّذِي فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْأَرَاضِيِ الَّتِي لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَصِيدُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ، وَهَلْ عَدَمُ مَنْعِ الصَّيْدِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَقَطْ صَادَ الْمَالِكُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا تُمْلَكُ وَإِنَّمَا هِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ أَوْ اسْتِمْتَاعٍ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكَةُ الْحَقِيقِيَّةُ فَلَهُ الْمَنْعُ أَوْ عَدَمُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَالِكُ الصَّيْدَ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْمَنْعُ فَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي مَطْوِيٌّ فِي كَلَامِهِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ مِنْ مِلْكِهِ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ لَا يُتَوَهَّمُ مَنْعُهُ أَيْ: وَلَا يُمْنَعُ صَيْدُ سَمَكٍ مِنْ مِلْكِهِ وَإِذَا بُنِيَ يُمْنَعُ لِلْفَاعِلِ فَالْفَاعِلُ يُقَدَّرُ مُسْتَحِقٌّ مَثَلًا لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ وَإِنْ مِنْ مِلْكِهِ أَيْ وَلَا يَمْنَعُ مُسْتَحِقُّ مَاءٍ صَيْدَ سَمَكٍ إلَخْ أَيْ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَنْعُ وَفِي الْأُمَّهَاتِ لَا أُحِبُّ فَحَمَلَهَا الشُّيُوخُ عَلَى الْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةَ هَكَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَبِعِبَارَةٍ إنْ قُلْت قَوْلُهُ وَإِنْ مِنْ مِلْكِهِ يُنَافِي قَوْلَهُ وَهَلْ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ؛ إذْ هِيَ لَا تُمْلَكُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَشْمَلُ مِلْكَ الذَّاتِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَأَرْضُ الْعَنْوَةِ تُمْلَكُ مَنْفَعَتُهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ صَيْدُ السَّمَكِ وَإِنْ مِنْ مِلْكِهِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ أَوْ غَيْرِهَا طُرِحَتْ فَتَوَالَدَتْ أَوْ جَرَّهَا الْمَاءُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي مِلْكِهِ وَيَضُرُّ بِهِ الصَّيْدُ بِأَنْ يَطَّلِعَ الصَّائِدُ عَلَى حَرِيمِهِ أَوْ يَفْسُدَ زَرْعُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالتَّأْوِيلَانِ ضَعِيفَانِ.
(ص) وَلَا كَلَأٌ بِفَحْصٍ وَعَفَاءٍ لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعُهُ بِخِلَافِ مَرْجِهِ وَحِمَاهُ (ش) كَلَأٌ مُنَوَّنٌ مَعْطُوفٌ عَلَى صَيْدٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ رَعْيِ الْكَلَأِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ فِي الْمَرْعَى مِنْ غَيْرِ زَرْعٍ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي فَحْصِهِ وَالْفَحْصُ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تَرَكَ رَبُّهَا زَرْعَهَا اسْتِغْنَاءً عَنْهَا وَقَالَ عِيَاضٌ الْكَلَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ الْعُشْبُ وَمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مِمَّا تَأْكُلُهُ الْمَوَاشِي، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَرْعَى الْكَلَأَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ الْعَافِيَةِ فَالْعَفَاءُ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أُعْفِيَتْ مِنْ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ الْبَوَارِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْمَنْعِ فِيمَا ذُكِرَ مَا لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعُهُ أَمَّا إذَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْآلَةِ) كَذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُ صَحِيحٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْقَلْدِ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِلَّا فَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا تَبِعَ ابْنَ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ قَدْ عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الْجَرَّةُ الْمَوْضُوعُ فِيهَا الْمَاءُ الْمَثْقُوبَةُ مِنْ أَسْفَلِهَا أَيْ قِدْرٌ يُثْقَبُ وَيُجْعَلُ فِيهِ مَاءٌ عَلَى أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا فَيُجْعَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثُ جِرَارٍ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ جَرَّتَانِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ جَرَّةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ إنَّهُ يُقْسَمُ مَاءُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى أُسْلُوبٍ يُفِيدُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ حَتَّى يَرْوِيَ لِلْكَعْبَيْنِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الشُّرَكَاءِ فِي مِلْكِ الْمَاءِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ فَالْقَسْمُ بِالْقَلْدِ فَقَوْلُهُ حَتَّى يَرْوِيَ لِلْكَعْبَيْنِ الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْقَلْدِ كَمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ ثُمَّ يُعْطِيَ الْأَوْرَاقَ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْرَاقَ تُسَلَّمُ لِيَدِ أَمِينٍ ثُمَّ يُخْرِجُ وَرَقَةً وَيَنْظُرُ فِي اسْمِ صَاحِبِهَا فَمَنْ ظَهَرَ اسْمُهُ فِي الْأُولَى قُدِّمَ وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى النَّظَرِ فِي الثَّالِثَةِ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَقَطْ مَثَلًا.
(قَوْلُهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَصِيدَ إلَخْ) أَيْ: فَمَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ حَيْثُ لَمْ يَصِدْ الْمَالِكُ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) هَذَا الْحِلُّ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنَّ مِنْ مِلْكِهِ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ بِلَا خِلَافٍ) أَقُولُ قَدْ عَلِمْت أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ لَا خِلَافَ فِيهَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتِمْتَاعٍ) أَيْ: لِمَنْ أَعْطَاهَا لَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا إمْتَاعًا.
(قَوْلُهُ أَوْ عَدَمُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا إلَخْ) بِهَذَا يُعْرَفُ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّأْوِيلِ الْمَطْوِيِّ (قَوْلُهُ يُقَدَّرُ مُسْتَحِقٌّ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ مَتَى جَعَلَ الْوَاوَ لِلْحَالِ فَالْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌّ بِبِنْيَتِهِ لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلْمَفْعُولِ.
. (قَوْلُهُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا) أَيْ: وَلَمْ يَقْصِدْ تَرْكَهَا لِأَجْلِ الرَّعْيِ بَلْ أَعْرَضَ عَنْهَا رَأْسًا بِخِلَافِ الْحِمَى فَإِنَّهُ تُرِكَ لِأَجْلِ الرَّعْيِ فِيهِ بِدُونِ زَرْعٍ (قَوْلُهُ الْعِشْبِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ وَمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ هُوَ مَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ يَابِسًا كَانَ أَوْ رَطْبًا وَالْعُشْبُ الْكَلَأُ الرَّطْبُ (قَوْلُهُ فَالْعَفَاءُ) أَيْ: بِالْمَدِّ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ أُعْفِيَتْ مِنْ الزِّرَاعَةِ) أَيْ: تُرِكَتْ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْبَوَارِ أَيْ: تُرِكَتْ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِدُونِ قَصْدٍ