الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فَيُمَكَّنُ مِنْ الدَّعْوَى اتِّفَاقًا كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَانٌ كَالْمُسْتَعِيرِ عَارِيَّةً يُغَابُ عَلَيْهَا وَالْمُرْتَهِنِ رَهْنًا كَذَلِكَ وَالْغَاصِبِ إذَا غُصِبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَالْحَمِيلِ إذَا أَرَادَ الْمَدِينُ السَّفَرَ وَخَشِيَ ضَيَاعَ الْحَقِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي حَلِّ الشَّارِحِ نَظَرٌ.
(بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَأَحْكَامُهَا) وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ تَعْرِيفَهَا كَابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِ حَقِيقَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ: أَقَمْت ثَمَانِ سِنِينَ لِطَلَبِ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَأَسْأَلُ الْفُضَلَاءَ عَنْهُ وَتَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَقُولُونَ: الشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدُّدُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فَأَقُولُ لَهُمْ: اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَرْعُ تَصَوُّرِهَا وَتَمَيُّزِهَا عَنْ الرِّوَايَةِ إلَى أَنْ قَالَ: حَتَّى طَالَعْت شَرْحَ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ فَوَجَدْته حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: هُمَا خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْخَلْقِ وَالْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ ذَا دِينَارٌ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ فَهَذَا هُوَ الشَّهَادَةُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ، وَوَجْهُ مُنَاسَبَةِ شَرْطِ التَّعَدُّدِ فِي الشَّهَادَةِ وَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ يُتَوَقَّعُ فِيهِ عَدَاوَةٌ بَاطِنِيَّةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ فَاحْتَاطَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ فَاشْتَرَطَ مَعَهُ آخَرَ وَنَاسَبَ شَرْطُ الذُّكُورَةِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ حُكْمًا عَلَيْهِ غَلَبَةً وَقَهْرًا تَأْنَفُهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ فَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ أَشَدُّ نِكَايَةً فَخَفَّفَ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ عَنْ النُّفُوسِ وَلِأَنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ إلَخْ ثُمَّ إنَّ ابْنَ عَرَفَةَ عَرَّفَهَا بِقَوْلِهِ: الشَّهَادَةُ قَوْلٌ هُوَ بِحَيْثُ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعُهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ مَعَ تَعَدُّدِهِ أَوْ حَلِفِ طَالِبِهِ فَقَوْلُهُ: يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إلَخْ يُخْرِجُ بِهِ الرِّوَايَةَ، وَلَمْ يَقُلْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي لِوُجُودِهِ فِي التَّحْكِيمِ وَالْأَمِيرِ، وَقَوْلُهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ شَرْطٌ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَخْرَجَ بِهِ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَمَعْنَى إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ: إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُهَا.
(ص) الْعَدْلُ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ بِلَا فِسْقٍ وَحَجْرٍ
ــ
[حاشية العدوي]
فَالدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ وَلَدِهِ وَكَذَا الْمُعَارَةُ وَالْمَرْهُونُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ وَلَا ضَمَانَ وَقَوْلُهُ: رَهْنًا كَذَلِكَ أَيْ لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَانٌ) أَيْ مَعَ حَقٍّ فَاجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ. (قَوْلُهُ: وَالْغَاصِبُ إذَا غُصِبَ مِنْهُ شَيْءٌ) صُورَةُ ذَلِكَ غَصَبَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو شَيْئًا ثُمَّ إنَّ خَالِدًا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ زَيْدٍ غَصْبًا أَوْ بِدَعْوَى زُورٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلِلْغَاصِبِ وَهُوَ زَيْدٌ أَنْ يَتَوَكَّلَ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَقَوْلُهُ: وَالْحَمِيلُ إلَخْ، صُورَةُ ذَلِكَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دَرَاهِمُ، وَقَدْ ضَمِنَ خَالِدٌ عَمْرًا فِي تِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَكَانَ زَيْدٌ غَائِبًا وَأَرَادَ الْمَدِينُ السَّفَرَ فَلِلضَّامِنِ أَنْ يَتَوَكَّلَ عَنْ رَبِّ الدَّيْنِ وَيَمْنَعَ الْمُسَافِرَ. (قَوْلُهُ: وَفِي حَلِّ الشَّارِحِ نَظَرٌ) حَيْثُ صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَائِبِ، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ إنْسَانًا غَائِبًا وَلَمْ يُوَكِّلْ فَهَلْ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَوْ لَا تَرَدُّدٌ، وَوَجْهُ النَّظَرِ فِي كَلَامِ بَهْرَامَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ عَلَى غَائِبٍ كَذَا مُفَادُ اللَّقَانِيِّ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَالَ اللَّقَانِيِّ.
[بَاب الشَّهَادَةُ وَأَحْكَامُهَا]
(بَابُ الشَّهَادَةِ)(قَوْلُهُ وَأَحْكَامُهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالتَّكَلُّمِ عَلَى الشَّهَادَةِ التَّكَلُّمُ عَلَى أَحْكَامِهَا (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِ إلَخْ) اُعْتُرِضَ كَيْفَ يُقِيمُ مُدَّةً يَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي أَيْسَرِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ الْمُبْتَدِئِينَ، وَهُوَ تَنْبِيهُ ابْنِ بَشِيرٍ (قَوْلُهُ: هُمَا خَبَرَانِ) أَيْ الشَّهَادَةُ خَبَرٌ، وَالرِّوَايَةُ إلَخْ حَاصِلُ مَا قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِجُزْئِيٍّ، وَالرِّوَايَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِكُلِّيٍّ وَهَذَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَخَبَرِ «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السَّوِيقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ» وَخَبَرِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي السَّفِينَةِ الَّتِي لَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ فِيهَا فَذَكَرَ قِصَّةَ الدَّجَّالِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ أَحَادِيثَ مُتَعَلِّقَةٍ بِجُزْئِيٍّ وَكَآيَةِ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ انْتَهَى، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ نَظَرٌ إلَى الْأَغْلَبِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ ذَا دِينَارٌ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِيغَةٍ مَعْلُومَةٍ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ كَرَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا، وَسَمِعْت أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ إلْزَامٌ يَقْتَضِي أَنَّهَا إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ طَلَبٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ سَبَبُ الْإِلْزَامِ أَيْ إلْزَامُ الْقَاضِي لِلْمُعَيَّنِ بِالْمُدَّعَى بِهِ (قَوْلُهُ: فَاشْتَرَطَ مَعَهُ آخَرَ) أَيْ مَعَ الشَّاهِدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمَقَامِ أَيْ فَإِذَا اشْتَرَطَ آخَرَ مَعَهُ تَخِفُّ الْعَدَاوَةُ؛ لِأَنَّ الْبَلِيَّةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ (قَوْلُهُ: الْأَبِيَّةُ) أَيْ الْمُمْتَنِعَةُ عَنْ التَّلَبُّسِ بِالرَّذَائِلِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ مِنْ النِّسَاءِ أَيْ مِنْ أَجْلِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاقِعٌ مِنْ الْقَاضِي لَا مِنْ النِّسَاءِ، وَقَوْلُهُ: عَنْ النُّفُوسِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَخَفَّفَ (قَوْلُهُ: هُوَ بِحَيْثُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَتَدْخُلُ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَغَيْرُ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ لَا تُوجِبُ حُصُولَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلَالَةِ قَالَ ح، وَقَوْلُهُ: إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ يُرِيدُ إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي إمَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِكَوْنِهِ يَعْلَمُهَا، وَلَوْ قَالَ قَوْلَ عَدْلٍ إلَخْ وَأَسْقَطَ قَوْلَهُ إنْ عُدِّلَ قَائِلُهُ لَكَانَ أَبْيَنَ؛ لِأَنَّ عُدِّلَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِيمَا ثَبَتَ أَوْ قَالَ يُوجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ سَمَاعُهُ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ عَلِمَ عَدَالَةَ قَائِلِهِ لَشَمِلَ ذَلِكَ مَا إذَا ثَبَتَ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي حَدِّهِ دَوْرًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِافْتِقَارِهِ لِلتَّعَدُّدِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهَا شَهَادَةً ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَوْلٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَكْفِي، وَكَذَلِكَ الْخَطُّ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: وَالْجُمْلَةُ حَالٌ) تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهَا مُصَدَّرَةٌ بِعِلْمِ اسْتِقْبَالٍ.
(قَوْلُهُ: بِلَا فِسْقٍ) أَيْ مَا لَمْ
وَبِدْعَةٍ، وَإِنْ تَأَوَّلَ كَخَارِجِيٍّ وَقَدَرِيٍّ (ش) أَلْ فِي الْعَدْلِ لِلْحَقِيقَةِ أَيْ حَقِيقَةُ الْعَدْلِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مِنْ عُرْفِ الْمُحَدِّثِينَ، لَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ أَيْ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْقَاضِي، وَهُنَا وَصْفٌ لِلشَّاهِدِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا حَالَ الْأَدَاءِ وَلَوْ مُعْتَقًا لَكِنْ إنْ شَهِدَ لِمُعْتِقِهِ فَلَهُ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ التَّبْرِيزُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُون مُسْلِمًا حَالَ الْأَدَاءِ لَا كَافِرًا فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ لَا عَلَى مُسْلِمٍ اتِّفَاقًا، وَلَا عَلَى كَافِرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا حَالَ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ غَيْرِ الْعَاقِلِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حَالَ الْأَدَاءِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ إلَّا عَلَى بَعْضِهِمْ بِشُرُوطٍ سَتَأْتِي فِي الْجَرْحِ وَالْقَتْلِ لَا فِي الْمَالِ فَالْآتِي يُخَصِّصُ عُمُومَ مَا هُنَا، وَمِنْهَا ثُبُوتُ عَدَمِ الْفِسْقِ بِالْجَوَارِحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَاسِقَ بِالِاعْتِقَادِ فِيمَا يَأْتِي، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِأَجْلِ سَفَهٍ بِهِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ، وَلَا مَجْهُولِ الْحَالِ وَلَا السَّفِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْدُوعٌ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بِدْعِيًّا وَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ أَوْ جَهِلَ أَوْ تَأَوَّلَ فَهُوَ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ، وَلَا تَأْوِيلٍ كَالْقَدَرِيِّ وَالْخَارِجِيِّ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَدَرِيُّ مِثَالًا لِلْجَاهِلِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ شُبَهِهِمْ عَقْلِيَّةٌ، وَالْخَطَأُ فِيهَا يُسَمَّى جَهْلًا، وَالْخَارِجِيُّ مِثَالًا لِلْمُتَأَوِّلِ؛ لِأَنَّ شُبَهَهُمْ سَمْعِيَّةٌ، وَالْخَطَأُ فِيهَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَاهِلِ الْمُقَلِّدَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَالْمُتَأَوِّلَ الْمُجْتَهِدَ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُعْذَرُوا هُنَا بِالتَّأْوِيلِ لِكَوْنِهِ أَدَّى إلَى كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ، وَلَا كَذَلِكَ التَّأْوِيلُ فِي الْمُحَارِبِينَ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ فِي مُطْلَقِ الْعَدَالَةِ، وَأَهْلُ
ــ
[حاشية العدوي]
يَتُبْ الْفَاسِقُ وَتُعْرَفُ تَوْبَتُهُ (قَوْلُهُ: أَلْ فِي الْعَدْلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْعَدْلِ لَيْسَتْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرَى لِتَقَدُّمِهِ فِي أَهْلِ الْقَضَاءِ عَدْلٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي وَصْفِ الْقَاضِي وَهَذَا فِي وَصْفِ الشَّاهِدِ فَلَيْسَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ قَالَهُ اللَّقَانِيِّ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا رحمه الله: وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَوْصَافُ الشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: عَنْ عُرْفِ الْمُحَدِّثِينَ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ تُطْلَقُ بِمَعْنَى عَدَالَةِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ مَا نَظَرَ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: الْعَدْلُ إلَخْ وَتُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ عَلَى اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالْكَذِبِ وَتَوَقِّي الصَّغَائِرِ، وَهُوَ مَا نَظَرَ لَهُ عِيَاضٌ وَابْنُ شَاسٍ فَلِذَلِكَ جَعَلُوا هَذِهِ الشُّرُوطَ فِي الشَّاهِدِ، وَجَعَلُوا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا) فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الشَّاهِدُ الْحُرُّ بِرِقٍّ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُ غَيْرُهُ الْحَقَّ الْمَشْهُودَ بِهِ كَمَا قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ، وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا اُسْتُحِقَّ بِرِقٍّ فَتُرَدُّ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ مَنْدُوحَةً عَنْ وِلَايَتِهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ وِلَايَتُهُ الْعَتِيقَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّبْرِيزُ) أَيْ فَاقَ أَقْرَانَهُ فِي الْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ: حَالَ الْأَدَاءِ) أَيْ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا، وَهُوَ صَغِيرٌ وَيُؤَدِّيَهَا وَهُوَ كَبِيرٌ
(قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى كَافِرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَوَافَقَ الْمُقَابِلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّعْبِيُّ هَذَا مُقْتَضَى حَلِّهِ، وَعِبَارَةُ بَهْرَامَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَنَا، وَنَصُّهُ: وَاحْتُرِزَ بِالْمُسْلِمِ عَنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِإِجْمَاعٍ، وَلَا عَلَى مِثْلِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى بَعْضِهِمْ) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَدْلِ، وَالصَّبِيُّ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ أَصْلًا، وَلَوْ فِيمَا شَهِدَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا ثُبُوتُ عَدَمِ الْفِسْقِ) إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِلَا فِسْقٍ فِي قُوَّةِ الْمَعْدُولَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ التَّجْرِيحُ فَمَجْهُولُ الْحَالِ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا إنْ جَعَلْنَاهَا سَالِبَةً، وَلَمْ تَكُنْ مَعْدُولَةً فَتُفِيدُ أَنَّ مَجْهُولَ الْحَالِ يَصِحُّ شَهَادَتُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْعَدَالَةُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ، وَلَا مَجْهُولِ الْحَالِ رَاجِعٌ لِلشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَمِنْهَا ثُبُوتُ عَدَمِ الْفِسْقِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا السَّفِيهِ رَاجِعٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي بَعْدَهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ سَفَهٍ بِهِ) أَيْ وَأَمَّا حَجْرُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ الْحَجْرُ لِفَلَسٍ أَوْ لِمَرَضٍ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَحَاجِيرَ وَيَشْهَدُونَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَجْرِ الْمَنْفِيِّ مُطْلَقَ حَجْرٍ، بَلْ الْحَجْرُ لِلسَّفَهِ (قَوْلُهُ: كَالْقَدَرِيِّ وَالْخَارِجِيِّ) اُنْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ إمَامَةِ الْقَدَرِيِّ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ بِهِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَعَادَ بِوَقْتٍ فِي كَحَرُورِيٍّ وَشَهَادَتِهِ، فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ أَمْرَ الشَّهَادَةِ أَشَدُّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبْطِلُهَا مَا لَيْسَ فِعْلُهُ حَرَامًا؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضٌ: الشَّهَادَةُ مَنْصِبٌ رَفِيعٌ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ؛ فَلِذَا قُبِلَتْ رِوَايَةُ الْبِدْعِيِّ قَالَ عج فِي تَقْرِيرِهِ: أَهْلُ جَرْبَةَ الْمَشْهُورُونَ بِالِاعْتِزَالِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، وَلَا إمَامَتُهُمْ، وَلَا مُنَاكَحَتُهُمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ شَخْصًا مِنْ أَهْلِ جَرْبَةَ مَاتَ بِبِلَادِ السُّودَانِ فَقُلِبَتْ رَأْسُهُ رَأْسَ حِمَارٍ بَعْدَ الْمَوْتِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ لَيْسُوا بِمَالِكِيَّةٍ وَإِنَّمَا يَنْتَسِبُونَ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِمْ مَغَارِبَةً، وَفِي الْبَاطِنِ لَا يُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ أَدَّى إلَى كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَدَرِيَّ قِيلَ: كَافِرٌ، وَقِيلَ: فَاسِقٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ - عَلَى ضَلَالَتِهِمْ - فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَجَازُوا مُنَاكَحَتَهُمْ وَأَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ وَقَبُولَ شَهَادَتِهِمْ لَكِنْ قَالَ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ الْمُصْطَفَى يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مَا نَصُّهُ: وَبِهِ يَتَمَسَّكُ مَنْ يُكَفِّرُ الْخَوَارِجَ أَقُولُ فَظَهَرَ أَنَّ فِي كُفْرِهِمْ قَوْلَيْنِ، وَكَلَامُ الْخَطَّابِيِّ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ يُفِيدُ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ كُفْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ التَّأْوِيلُ فِي الْمُحَارِبِينَ) أَرَادَ بِهِمْ الْبُغَاةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْقَاطِعِينَ لِلطَّرِيقِ أَيْ بِخِلَافِ التَّأْوِيلِ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَذَا الظَّاهِرَ فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُتَعَيَّنُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ
الْمَذْهَبِ جَعَلُوهَا شُرُوطًا فِي عَدَالَةٍ خَاصَّةٍ، وَهِيَ عَدَالَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَوْفِ هَذِهِ الشُّرُوطَ يَكُونُ فَاسِقًا بِخِلَافِ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالْعَدَالَةِ هُنَا عَدَالَةٌ خَاصَّةٌ، وَهِيَ عَدَالَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَا مُطْلَقُ عَدَالَةٍ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يُشْتَرَطُ مِنْهَا حَالَ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ إلَّا الْعَقْلُ وَبَقِيَّتُهَا لَا تُشْتَرَطُ إلَّا حَالَ الْأَدَاءِ.
(ص) لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً أَوْ كَثِيرَ كَذِبٍ، أَوْ صَغِيرَةً خِسَّةً وَسَفَاهَةً وَلِعْبِ نَرْدٍ (ش) يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَتَلَبَّسَ بِكَبِيرَةٍ تَلَبُّسًا لَا يُعْرَفُ لَهُ بَعْدَهُ تَوْبَةٌ وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ؛ إذْ مَعْنَاهُ لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَلَبَّسَ بِهَا وَتَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ ثُمَّ أَدَّاهَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِهَا وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَكُونَ كَثِيرَ الْكَذِبِ فَتُغْتَفَرُ الْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ فِي السَّنَةِ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يُبَاشِرَ صَغِيرَةَ الْخِسَّةِ مِثْلَ النَّظْرَةِ وَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى دَنَاءَةِ الْهِمَّةِ، وَأَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ فَلَا تَقْدَحُ إلَّا بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ عَلَيْهَا وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَتَلَبَّسَ بِسَفَاهَةٍ وَفُسِّرَتْ بِالْمُجُونِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُبَالِي الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ أَوْ الْقَلِيلُ الْمُرُوءَةِ الَّذِي يُكْثِرُ الدُّعَابَةَ وَالْهَزْلَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ لَكِنْ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: ذُو مُرُوءَةٍ وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ بِلَا حَجْرٍ لَكِنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ ذُو مُرُوءَةٍ، وَأَمَّا إنْ حُمِلَ عَلَى السَّفَهِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ حَجْرٌ بِخِلَافِ السَّفَهِ مَعَ الْحَجْرِ فَلَا تَكْرَارَ فَلَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: ذُو مُرُوءَةٍ لَكِنْ فِيهِ نَوْعُ تَكَلُّفٍ وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَلْعَبَ بِالنَّرْدِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِمَارٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ الطَّابُ وَحُكْمُ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ الْحُرْمَةُ بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا صَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ فَقَوْلُهُ: وَسَفَاهَةً مَعْطُوفٌ عَلَى كَبِيرَةً فَتَكُونُ الْمُبَاشَرَةُ بِمَعْنَى التَّلَبُّسِ أَيْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِسَفَاهَةٍ، وَقَوْلُهُ: وَلِعْبَ نَرْدٍ عَطْفٌ عَلَى كَبِيرَةً.
(ص) ذُو مُرُوءَةٍ بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ حَمَامٍ وَسَمَاعِ غِنَاءٍ وَدِبَاغَةٍ وَحِيَاكَةٍ اخْتِيَارًا وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ (ش)
ــ
[حاشية العدوي]
أَوْصَافَ مَنْ يَشْهَدُ لَا مُطْلَقَ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مِنْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فِي الشَّاهِدِ، وَأَيْضًا الْعَدْلُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: الشَّاهِدُ الْعَدْلُ (قَوْلُهُ: لَا مُطْلَقُ عَدَالَةٍ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَدَالَةَ تُطْلَقُ عَلَى عَدَالَةِ الشَّهَادَةِ، وَتُطْلَقُ الْعَدَالَةُ عَلَى عَدَمِ الْفِسْقِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ كُلُّهَا (قَوْلُهُ: وَبَقِيَّتُهَا لَا تُشْتَرَطُ إلَّا حَالَ الْأَدَاءِ) أَيْ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ حَتَّى عِنْدَ التَّحَمُّلِ إحْدَاهُمَا شَاهِدَا النِّكَاحِ وَثَانِيَتُهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي: وَتَحَمُّلُهَا عَدْلًا فَالنِّكَاحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: 2] وَوَضْعُ الْخَطِّ بِمَنْزِلَةِ الْأَدَاءِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً) هَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ بِلَا فِسْقٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِلَا فِسْقٍ أَرَادَ الْكَبِيرَةَ الظَّاهِرَةَ كَالزِّنَا، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يُبَاشِرْ كَبِيرَةً الْبَاطِنَةَ كَالْعُجْبِ (قَوْلُهُ: لَا تُعْرَفُ بَعْدَهُ تَوْبَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا يَكُونُ مَنْطُوقُ الْمُصَنِّفِ صَادِقًا بِصُورَتَيْنِ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهُ كَبِيرَةٌ أَصْلًا أَوْ صَدَرَتْ وَتَابَ مِنْهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ: فَتُغْتَفَرُ الْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ فِي السَّنَةِ) كَذَا فِي التَّوْضِيحِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى تِلْكَ الْعِلَّةِ أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ كَبِيرَةٌ، وَاغْتُفِرَتْ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلَمْ تَحْتَجْ لِتَعْلِيلٍ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ غَيْرَ صَغِيرَةِ الْخِسَّةِ لَا تَقْدَحُ، وَلَوْ تَعَمَّدَهَا اخْتِيَارًا كَمَا قَالُوا وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ ثُمَّ إنَّ هَذَا كُلَّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا عَظِيمُ مَفْسَدَةٍ فَتَسْقُطُ بِهَا الشَّهَادَةُ فَفِي مَفْهُومِ كَثِيرَ كَذِبِ تَفْصِيلٌ (قَوْلُهُ: مِثْلَ النَّظْرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ صَغِيرَةٌ، وَهِيَ مَا عَدَا الْإِيلَاجَ فَهُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً زِنًا أَوْ لِوَاطًا ثُمَّ إنَّ جَعْلَهُ النَّظْرَةَ أَيْ وَنَحْوَهَا مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ صَغِيرَةَ خِسَّةٍ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ صَغِيرَةُ غَيْرِ خِسَّةٍ؛ لِأَنَّهَا يُفْتَخَرُ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ حَرَامًا بِخِلَافِ سَرِقَةِ لُقْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ أَيْ كَنَظَرٍ وَجَسَّةٍ (قَوْلُهُ: وَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ) قَيَّدَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِمِسْكِينٍ فَتَلْحَقُ بِالْكَبِيرَةِ قَالَهُ تت أَيْ فَتَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْكَبِيرَةِ، وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِهِ بَلْ مُتَوَقِّفٌ فِيهِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَنْبٌ صَغِيرٌ قَوِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِدْمَانَ يُصَيِّرُهَا كَبِيرَةً (قَوْلُهُ: بِالْمُجُونِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْجِيمِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ) أَيْ كَاَلَّذِي يَتَكَلَّمُ فِي الْمَحَافِلِ بِأَلْفَاظِ الْخَنَى (قَوْلُهُ: أَوْ الْقَلِيلُ الْمُرُوءَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْسِيرَيْنِ مُتَلَازِمَانِ (قَوْلُهُ: الدُّعَابَةَ) بِضَمِّ الدَّالِ، وَقَوْلُهُ: وَالْهَزْلَ عَطَفَهُ عَلَى الدُّعَابَةِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِمَارٌ) أَيْ مُغَالَبَةٌ بِأَنْ كَانَ خَالِيًا عَنْ دَفْعِ دَرَاهِمَ، وَالْقِمَارُ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ دَفْعِ دَرَاهِمَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لِخَبَرِ «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا وَضَعَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ دَمِهِ» وَفِي الْخَبَرِ أَيْضًا «مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ» وَمَنْ يَكُنْ مَلْعُونًا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يُدْمِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الزَّرْقَانِيُّ بَلْ حَيْثُ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِيهِ بِخُصُوصِهِ يَكُونُ كَبِيرَةً، وَإِنْ كَانَ عَطْفُهُ عَلَى كَبِيرَةٍ يَرُدُّهُ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الطَّابُ) أَيْ فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ.
(قَوْلُهُ: ذُو مُرُوءَةٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَيُقَالُ: فِيهَا مُرُوَّةٌ بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ وَاوًا وَإِدْغَامِ الْمَدَّةِ فِيهَا كَمَا قَالَ الْفِيشِيُّ (قَوْلُهُ: بِتَرْكِ غَيْرِ لَائِقٍ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَمَامٍ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَإِلَّا كَانَ كَبِيرَةً كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَيْ مِنْ لِعْبِ حَمَامٍ أَيْ مَعَ الْإِدْمَانِ (قَوْلُهُ: وَدِبَاغَةٍ) هَذِهِ الصَّنَائِعُ لَا يُتَقَيَّدُ فِيهَا بِالْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ: وَإِدَامَةِ شِطْرَنْجٍ) الْإِدَامَةُ أَنْ يَلْعَبَ بِهِ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كَمَا فِي الطُّرُرِ، وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِمَرَّةٍ فِي السَّنَةِ، وَاقْتِصَارُ بَعْضٍ عَلَى الْأُولَى يُفِيدُ قُوَّتَهُ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَشِطْرَنْجٍ مِنْ الْمُشَاطَرَةِ أَوْ التَّشْطِيرِ؛ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجْعَلُ شَطْرَيْنِ
ذُو إلَخْ نَعْتٌ بَعْدَ نَعْتٍ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَتَرْكُ الْمُرُوءَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ، وَهِيَ لَازِمُ الْعَدَالَةِ، وَتَقَرَّرَ بِأَنَّهَا مُسَبَّبَةٌ غَالِبًا عَنْ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُرُوءَةُ: الِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ مَا يُرَى أَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يُحَافِظُ عَلَى دِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَالْإِدْمَانِ عَلَى لِعْبِ الْحَمَامِ وَالشِّطْرَنْجِ وَكَالْحِرَفِ الذَّمِيمَةِ مِنْ دِبَاغَةٍ وَحِجَامَةٍ وَحِيَاكَةٍ أَيْ قَزَازَةٍ اخْتِيَارًا مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ، وَأَمَّا أَهْلُهَا أَوْ مَنْ اُضْطُرَّ لَهَا فَلَا يَقْدَحُ انْتَهَى مِنْ خَطِّ النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى تَتَّصِفُ بِهَا الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، وَقَدْ تُفَسَّرُ الْمُرُوءَةُ بِكَمَالِ الرُّجُولِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ، وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تَشْمَلُ الْمَرْأَةَ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ: لَهَا رَجُلَةٌ تَأَمَّلْ وَسَمَاعُ الْغِنَاءِ يَرُدُّ الشَّهَادَةَ إذَا كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ وَتَكَرَّرَ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الْمَكْرُوهِ حِينَئِذٍ مَكْرُوهٌ فَإِنَّهُ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ، وَأَمَّا بِالْآلَةِ فَحَرَامٌ وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ إنَّ الْغِنَاءَ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: الصَّوْتُ الْمُتَقَطِّعُ أَوْ الَّذِي فِيهِ تَرَنُّمٌ أَوْ الْمُمْتَدُّ وَأَمَّا بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ فَهُوَ الْيَسَارُ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ فَهُوَ النَّفْعُ
(فَائِدَةٌ) وَالنَّرْدُ قِطَعٌ تُكَوَّنُ مِنْ الْعَاجِ أَوْ مِنْ الْبَقْسِ مُلَوَّنَةٌ يُلْعَبُ بِهَا لَيْسَ فِيهَا لَبْسٌ وَإِنَّمَا تُرَصُّ فِي حَالِ لِعْبِهَا وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الشِّطْرَنْجَ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُؤَرِّخُونَ صِصَّةُ بْنُ دَارٍ الْهِنْدِيُّ، وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَعَ التَّشْدِيدِ، وَاسْمُ الْمَلِكِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ سِهْرَامُ بِكَسْرِ السِّينِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ وَقَالَ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ فِي شَرْحِ لَامِيَّةِ الْعَجَمِ: إنَّ اسْمَهُ بِلْهِيثُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ وَكَانَ أَزْدَشِيرُ بْنُ بَابَكَ أَوَّلَ مُلُوكِ الْفُرْسِ قَدْ وَضَعَ النَّرْدَ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ: نَرْدَشِيرُ نَسَبُوهُ إلَى وَاضِعِهِ وَجَعَلَهُ مِثَالًا لِلدُّنْيَا وَأَهْلِهَا وَجَعَلَ الرُّقْعَةَ اثْنَيْ عَشَرَ بَيْتًا بِعَدَدِ شُهُورِ السَّنَةِ، وَقَسَّمَهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ عَلَى عَدَدِ فُصُولِ السَّنَةِ وَجَعَلَ الْقِطَعَ ثَلَاثِينَ قِطْعَةً بِعَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ بِيضًا وَسُودًا كَالْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَجَعَلَ الْفُصُوصَ مُسَدَّسَةً إشَارَةً إلَى أَنَّ الْجِهَاتِ سِتَّةٌ لَا سَابِعَ لَهَا وَجَعَلَ مَا فَوْقَ الْفُصُوصِ وَتَحْتَهَا كَيْفَ وَقَعَتْ سَبْعَ نُقَطٍ عَدَدَ الْأَفْلَاكِ وَعَدَدَ الْأَرْضِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْخَبَرِ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرِيٌّ، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ الْخَبَرُ هُوَ الْمَجْمُوعُ عَلَى حَدِّ الرُّمَّانِ حُلْوٌ حَامِضٌ
(قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُحَافَظَةِ الدِّينِيَّةِ) أَيْ فَالْمُرُوءَةُ الْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَهِيَ لَازِمُ الْعَدَالَةِ) أَيْ وَالْمُحَافَظَةُ الدِّينِيَّةُ لَازِمُ الْعَدَالَةِ بَلْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِ الْعَدْلِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهَا مُسَبَّبَةٌ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بِأَنَّهَا بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ أَيْ الْمُرُوءَةَ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ تَرْكُهَا مُسَبَّبٌ غَالِبًا عَنْ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ وَبَعْدَ أَنْ عَلِمْت ذَلِكَ، فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَحْرِيفٌ، وَأَصْلُهَا: وَتَقَرَّرَ بِأَنَّهَا الْكَفُّ غَالِبًا عَنْ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ (قَوْلُهُ: الِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ مَا يَرَى) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِزُهْدٍ كَأَنْ يَمْشِيَ فِي السُّوقِ بِطَقِيَّةٍ وَقَمِيصٍ كَالْقُرْطُبِيِّ الْمُفَسِّرِ صَاحِبِ التَّذْكِرَةِ الْمَدْفُونِ فِي الصَّعِيدِ تُجَاهَ مُنْيَةِ ابْنِ خَصِيبٍ شَرْقِيَّهَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا أَهْلُهَا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا تَلِيقُ بِهِمْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَنْ اُضْطُرَّ مُحْتَرَزُ اخْتِيَارًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْحِرَفُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، فَإِنَّ الْحِيَاكَةَ عِنْدَنَا بِتُونُسَ لَيْسَتْ مِنْ الصِّنَاعَاتِ الدَّنِيَّةِ الْبُرْزُلِيُّ، وَهِيَ بِإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ الصِّنَاعَاتِ الرَّفِيعَةِ يَفْعَلُهَا وُجُوهُ النَّاسِ وَمِمَّا يَخْتَلِفُ بِهِ الْعَوَائِدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْمَشْيُ حَافِيًا وَالْأَكْلُ فِي الْحَوَانِيتِ إلَّا أَنَّ عج قَالَ الظَّاهِرُ أَنَّ الدِّبَاغَةَ مِنْ الصِّنَاعَاتِ الدَّنِيَّةِ مُطْلَقًا، وَالْخِيَاطَةُ مِنْ الرَّفِيعَةِ مُطْلَقًا أَيْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «عَمَلُ الْأَبْرَارِ مِنْ الرِّجَالِ الْخِيَاطَةُ، وَمِنْ النِّسَاءِ الْغَزْلُ» وَقَوْلُهُ أَوْ مَنْ اُضْطُرَّ أَيْ وَكَذَا مَنْ يُعَانِيهَا لِكَسْرِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا: رَجُلَةٌ تَأَمَّلْ) أَيْ تَأَمَّلْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِصَاصِ مَعَ اشْتَرَاك الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِي الْمَادَّةِ، وَإِنْ زَادَتْ الْأُنْثَى بِزِيَادَةِ التَّاءِ، وَكَأَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْأَصْلَ وَضْعُ رَجُلٍ لِلذَّكَرِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى ثُمَّ تُوُسِّعَ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَرْأَةِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ لِلتَّمْيِيزِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَمَاعَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ فِعْلَ الْغِنَاءِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا، وَأَمَّا سَمَاعُهُ فَمَكْرُوهٌ حِينَ التَّكْرَارِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُخِلُّ بِالشَّهَادَةِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى إنَّمَا كَانَ سَمَاعُ الْغِنَاءِ مَكْرُوهًا حِينَ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ الشَّهَادَةَ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَأَقُولُ: فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ سَمَاعَهُ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا كَفِعْلِهِ الثَّانِي: أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْكَرَاهَةِ رَدُّ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لَا يُنْتِجُ خُصُوصَ الْكَرَاهَةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا يَقْبُحُ مِمَّا يَحْمِلُ عَلَى التَّهْيِيجِ أَوْ التَّشْبِيهِ بِأَمْرَدَ، وَإِلَّا حَرُمَ (قَوْلُهُ: فَحَرَامٌ، وَتُرَدُّ إلَخْ) وَلَكِنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمَوَّاقُ وَالْمَشَذَّالِيُّ أَنَّ سَمَاعَ الْغِنَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ آلَةٍ أَمْ لَا إنَّمَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ إذَا أَدْمَنَهُ كَمَا أَنَّ فِعْلَ الْغِنَاءِ إنَّمَا يُسْقِطُهَا مَعَ الِاشْتِهَارِ كَانَ بِآلَةٍ أَمْ لَا فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لتت مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِآلَةٍ تُطْرِبُ يَحْرُمُ وَيَحِلُّ بِالشَّهَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يُدْمِنْهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ آلَةٍ فَيُكْرَهُ، وَإِنْ تَكَرَّرَ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ هَكَذَا عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِيهِ تَرَنُّمٌ إلَخْ) هَذِهِ الْأَقْوَالُ تَرْجِعُ لِقَوْلٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُمْتَدُّ) أَيْ مَعَ التَّقْطِيعِ فَلَا يُنَافِي الْأَوَّلَ
(قَوْلُهُ: فَائِدَةٌ وَالنَّرْدُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ الْحُكْمَ فِيهِ، وَفِي الشِّطْرَنْجِ مِنْ أَنَّ النَّرْدَ يَرُدُّ الشَّهَادَةَ مُطْلَقًا، وَالشِّطْرَنْجُ يَرُدُّهَا بِشَرْطِ الْإِدَامَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ الْخِلَافُ فِي إبَاحَتِهِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنْ اُنْظُرْ تَعْرِيفَ الْمُؤَلِّفِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مَعَ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَالنَّرْدُ قَالَ الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كَالشِّطْرَنْجِ وَنَقَلَ فِي تَوْضِيحِهِ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا لَبْسٌ) أَيْ اخْتِلَاطٌ كَأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَلْتَبِسُ الْقِطَعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُرَصُّ فِي حَالِ لِعْبِهَا، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ بِلْهَيْثٍ) رَأَيْت مَضْبُوطًا بِالْقَلَمِ بِكَسْرَةٍ تَحْتَ الْبَاءِ (قَوْلُهُ: نَسَبُوهُ إلَى وَاضِعِهِ) أَيْ أَضَافُوهُ إلَى جُزْءِ وَاضِعِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَضَافُوا نَرْدَ إلَى شِيرَ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ الْفُصُوصَ) كَأَنَّهَا قِطَعٌ أُخْرَى
(قَوْلُهُ: وَجَعَلَ مَا فَوْقَ الْفُصُوصِ) أَيْ تِسْعُ نُقَطٍ فَوْقَ الْفَصِّ وَسَبْعٌ تَحْتَهُ قَوْلُهُ: وَمَنْ تَبِعَهُمَا لَعَلَّهُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَلْيُحَرَّرْ
وَعَدَدَ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ وَجَعَلَ مَا تَأْتِي الْفُصُوصُ بِهِ مِنْ الْأَعْدَادِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ لِمَنْ يَضْرِبُ بِهَا مِثْلَ الْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ وَتَقَلُّبِهِ فِي الدُّنْيَا وَجَعَلَ تَصَرُّفَ اللَّاعِبِ فِي تِلْكَ الْأَعْدَادِ لِاخْتِيَارِهِ وَلَهُ فِيهِ حُسْنُ التَّدْبِيرِ كَمَا يُرْزَقُ الْمُوَفَّقُ شَيْئًا يَسِيرًا فَيُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَيُرْزَقُ الْأَحْمَقُ شَيْئًا كَثِيرًا فَلَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَالنَّرْدُ جَامِعٌ لِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ فِي اخْتِيَارِ لَاعِبِهِ وَالشِّطْرَنْجُ مُقَرَّرٌ لِاخْتِيَارِ اللَّاعِبِ وَعَقْلِهِ وَتَصَرُّفِهِ الْجَيِّدِ أَوْ الرَّدِيءِ.
(ص) وَإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ أَوْ أَصَمَّ فِي فِعْلٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأَعْمَى الْعَدْلَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَقْوَالِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَمَّا فِي الْأَفْعَالِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ الْفِعْلَ قَبْلَ الْعَمَى كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْحَطَّابُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَأَمَّا الْأَعْمَى الْأَصَمُّ فَلَا يُقْبَلُ، وَلَا يَتَزَوَّجُ وَلَهُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَعْتَمِدُ عَلَى الْقَرَائِنِ، وَأَمَّا الْعَدْلُ الْأَصَمُّ غَيْرُ الْأَعْمَى فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَفْعَالِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَهَادَةِ الْأَخْرَسِ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَيُؤَدِّيهَا بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ وَالْكِتَابَةِ وَأَمَّا الْأَصَمُّ فِي الْأَقْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ قَبْلَ الصَّمَمِ كَذَا يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.
(ص) لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ إلَّا فِيمَا لَا يَلْبِسُ (ش) هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ رحمه الله فِيمَا وُجُودُهُ مَانِعٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَمَا مَعَهَا وُجُودُهَا شُرُوطٌ، وَعَدَمُهَا مَوَانِعُ وَالْمَوَانِعُ جَمْعُ مَانِعٍ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ مَنَعَ الشَّيْءَ إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ فَالْمَوَانِعُ تَحُولُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَبَيْنَ مَقْصُودِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّهَادَةِ قَبُولُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا، وَالْمَانِعُ هُوَ الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ الظَّاهِرُ وَالْمُغَفَّلُ هُوَ الَّذِي لَهُ قُوَّةُ التَّنَبُّهِ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ قُوَّتَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُغَفَّلٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ الْخَيِّرُ الْفَاضِلُ ضَعِيفًا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ لِغَفْلَتِهِ أَنْ يَلْبِسَ عَلَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْمَشْهُودُ فِيهِ جَلِيًّا وَاضِحًا بَيِّنًا لَا يَلْبِسُ عَلَى أَحَدٍ كَقَوْلِهِ: رَأَيْت هَذَا يَقْطَعُ يَدَ هَذَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ تُقْبَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَلِيدُ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُغَفَّلِ وَالْبَلِيدِ أَنَّ الْمُغَفَّلَ لَهُ مَلَكَةٌ أَيْ قُوَّةٌ مُنَبِّهَةٌ لَكِنْ لَا يَسْتَعْمِلُهَا، وَالْبَلِيدُ لَيْسَ لَهُ مَلَكَةٌ أَصْلًا قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا لَا يَلْبِسُ بِكَسْرِ الْبَاءِ؛ لِأَنَّ مَاضِيَهُ مَفْتُوحُ الْبَاءِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] .
(ص) وَلَا مُتَأَكِّدِ الْقُرْبِ كَأَبٍ، وَإِنْ عَلَا وَزَوْجِهِمَا (ش) يَعْنِي أَنَّ مِنْ شَرْطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ مُتَأَكِّدَ الْقُرْبِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا، وَلَا شَهَادَتُهُ لِأُمِّهِ، وَإِنْ عَلَتْ، وَلَا لِزَوْجَةِ أَبِيهِ، وَلَا لِزَوْجِ أُمِّهِ وَيَدْخُلُ فِي الْوَلَدِ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ فَقَوْلُهُ: وَلَا مُتَأَكِّدِ الْقُرْبِ مَعْطُوفٌ بِالْوَاوِ عَلَى مُغَفَّلٍ، وَلَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَكَذَلِكَ لَا يَشْهَدُ لِزَوْجَتِهِ، وَلَا لِابْنِهَا وَلَا لِأَبِيهَا، وَلَا الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا، وَلَا لِابْنِهِ وَأَبَوَيْهِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِ زَوْجِ ابْنَتِهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السِّمْسَارِ إذَا تَوَلَّى الْعَقْدَ، وَإِلَّا فَتَجُوزُ إذَا كَانَتْ سَمْسَرَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الثَّمَنِ وَكَثْرَتِهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْخَاطِبِ إذَا تَوَلَّى الْعَقْدَ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُشْرِفِ لِمَنْ هُوَ مُشْرِفٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِمَنْ أَوْصَى عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَزَوْجِهِمَا أَيْ زَوْجِ الْأَبِ وَالْأُمِّ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الْأَبِ.
(ص) وَوَلَدٍ، وَإِنْ سَفَلَ كَبِنْتٍ وَزَوْجِهِمَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِوَلَدِ بِنْتِهِ، وَإِنْ سَفَلَتْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَعَدَدَ الْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ) أَيْ فَالْكَوَاكِبُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ إلَّا السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَعُطَارِدُ وَالْمُشْتَرَى وَالْمِرِّيخُ وَالزُّهْرَةُ وَزُحَلُ، وَقَوْلُهُ: فِي اخْتِيَارٍ أَيْ بِسَبَبِ اخْتِيَارِ لَاعِبِهِ، وَقَوْلُهُ: وَالشِّطْرَنْجُ مُقَرَّرٌ أَيْ مُثْبَتٌ لِاخْتِيَارِ اللَّاعِبِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَعَقْلُهُ وَتَصَرُّفُهُ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّرْدِ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الشِّطْرَنْجِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ النَّرْدِ بَيَانُ حُكْمِ اللَّهِ وَقَدْرِهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الشِّطْرَنْجِ بَيَانُ كَمَالِ عَقْلِ الشَّخْصِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَعْمَى فِي قَوْلٍ إلَخْ) لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقَوْلِ بَلْ تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْمَرْئِيَّاتِ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَذُوقَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: فَيُقْبَلُ فِيمَا يَلْمِسُهُ بِيَدِهِ أَنَّهُ حَارٌّ أَوْ بَارِدٌ أَوْ لَبِنٌ أَوْ خَشِنٌ، وَفِيمَا يَذُوقُهُ أَنَّهُ حُلْوٌ أَوْ حَامِضٌ، وَفِيمَا يَشُمُّهُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْحَطَّابُ) فِي شَرْحِ عب اعْتِمَادُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ والْمُعْتَمَدُ مَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: وَيَعْتَمِدُ فِي وَطْءِ زَوْجَتِهِ عَلَى الْقَرَائِنِ) أَيْ كَكَوْنِهَا نَحِيفَةً أَوْ جَسِيمَةً.
(قَوْلُهُ: الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ) احْتِرَازًا عَنْ الْعَدَمِيِّ كَعَدَمِ الطُّهْرِ، وَقَوْلُهُ: الظَّاهِرُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ وَصْفًا وُجُودِيًّا وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَلَا يُعَدُّ مَانِعًا كَالْعُلُوقِ فَالْحَيْضُ وَصْفٌ وُجُودِيٌّ فَعُدَّ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ: سَابِقًا شُرُوطٌ، وَعَدَمُهَا: مَوَانِعُ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ وَصْفًا وُجُودِيًّا، وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، وَالْإِطْلَاقُ عَلَى عَدَمِ الْمَوَانِعِ مَجَازٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ سِيَاقَ الْمُصَنِّفِ فِي الشَّاهِدِ لَا فِي الْمَشْهُودِ لَهُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ، وَلَا الْأُمِّ لِابْنِهَا، وَزَوْجَةُ الْأَبِ لَا تَشْهَدُ لِوَلَدِ زَوْجِهَا، وَإِنْ سَفَلَ، وَزَوْجُ الْأُمِّ لَا يَشْهَدُ لِوَلَدِهَا، وَإِنْ سَفَلَ (قَوْلُهُ: سَمْسَرَتُهُ) أَيْ أُجْرَةُ سَمْسَرَتِهِ لَا تَخْتَلِفُ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ بِأَنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَشَرَةً إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِائَةً وَخَمْسَةً إذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسِينَ، وَقَدْ شَهِدَ بِأَنَّ الثَّمَنَ مِائَةٌ فَلَا تُعْتَبَرُ (قَوْلُهُ: الْخَاطِبِ) أَيْ لِغَيْرِهِ أَيْ بِكَثْرَةِ الصَّدَاقِ وَقِلَّتِهِ أَيْ بِأَنْ خَطَبَ لِلزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَتَوَلَّى الْعَقْدَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: مُشْرِفٌ، وَهُوَ شَخْصٌ يَجْعَلُهُ الْوَاقِفُ مَثَلًا أَمِينًا عَلَى الْمُتَوَلِّي لِصَرْفِ وَقْفِهِ (قَوْلُهُ: دَخَلَتْ فِي الْأَبِ) أَيْ عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهَا دَخَلَتْ تَحْتَ الْكَافِ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِوَلَدِ بِنْتِهِ) الْمُنَاسِبُ لِحَلِّهِ أَوَّلًا أَنْ يَقُولَ لِبِنْتِهِ وَابْنِهِ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ هَذَا لَا يُنَاسِبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْمُؤَلِّفِ فِي
وَلَا لِابْنِهِ، وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا لِزَوْجَةِ ابْنِهِ، وَلَا لِزَوْجِ ابْنَتِهِ، وَخَصَّ الْبِنْتَ بِالذِّكْرِ تَوْطِئَةً لِيَتَوَصَّلَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ فِي مَنْعِ شَهَادَتِهِ لِزَوْجِهَا، وَإِلَّا فَلَفْظُ الْوَلَدِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَالْقُرْبُ الْأَكِيدُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ لَا مُطْلَقُ الْقُرْبِ.
(ص) وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ مَعَ ابْنِهِ كَشَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ الْأُخْرَى؛ وَلِذَا امْتَنَعَ تَعْدِيلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبِ الْجِنْسُ لِيَشْمَلَ الْأُمَّ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ تَأْدِيَةَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ تُسَمَّى شَهَادَةً، وَقَوْلُهُ:(كَكُلٍّ عِنْدَ الْآخَرِ) تَشْبِيهٌ فِي الْإِلْغَاءِ الْمَطْوِيِّ فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَاحِدَةٌ مَعْنَاهُ وَتُلْغَى الْأُخْرَى وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَبَ إذَا شَهِدَ عِنْدَ ابْنِهِ أَوْ الْعَكْسُ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَهَادَةِ الْآخَرِ أَوْ عَلَى حُكْمِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (أَوْ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ حُكْمِهِ) وَكَذَا شَهَادَةُ الْفَرْعِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ أَوْ الْعَكْسُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى التَّزْكِيَةِ.
(ص) بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخٍ إنْ بُرِّزَ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِخِلَافِهِ (ش) لَمَّا قَدَّمَ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ أَوْ الْعَكْسَ لَا تَجُوزُ أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا شَهِدَ أَخٌ لِأَخِيهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ عَنْ أَقْرَانِهِ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي عِيَالِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ، وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ لَهُ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا مَالٌ وَقَالَ س: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ كَانَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ أَمْ لَا يَكْتَسِبُ بِشَهَادَتِهِ لِأَخِيهِ شَرَفًا أَوْ جَاهًا أَمْ لَا يَدْفَعُ عَنْهُ بِهَا مَعَرَّةً أَمْ لَا فَعَلَى هَذَا فَمَا حَكَاهُ الشَّارِحُ مِنْ الِاتِّفَاقِ، وَالْمَشْهُورِ ضَعِيفٌ وَوَافَقَهُ ق وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْأَخِ أَنْ يُعَدِّلَ أَخَاهُ كَمَا أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَأَوَّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدِّلُ أَخَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْرُفُ بِتَعْدِيلِهِ.
(ص) كَأَجِيرٍ وَمَوْلًى وَمُلَاطِفٍ وَمُفَاوِضٍ فِي غَيْرِ مُفَاوَضَتِهِ وَزَائِدٍ أَوْ مُنْقِصٍ وَذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ (ش) هَذِهِ مُشَبَّهَةٌ بِقَوْلِهِ: إنْ بَرَّزَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَجِيرَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ بَارِزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي عِيَالِهِ وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ إلَّا إذَا كَانَ بَارِزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَجَائِزٌ بِغَيْرِ شَرْطِ التَّبْرِيزِ، وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ، وَهُوَ الَّذِي يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّك وَيَضُرُّهُ مَا يَضُرُّك لِصَدِيقِهِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَارِزًا فِي الْعَدَالَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي عِيَالِهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ لِشَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَارِزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَشَرِيكُ تَجْرٍ فِي غَيْرِهَا لَكَانَ أَحْسَنَ لِيُفِيدَ أَنَّ الشَّرِيكَ شَرِكَةَ عِنَانٍ لَا يَشْهَدُ لِشَرِيكِهِ فِي غَيْرِ الشَّرِكَةِ إلَّا إذَا كَانَ مُبْرِزًا وَأَنَّ الشَّرِيكَ الْخَاصَّ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ إذَا شَهِدَ لِشَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرِكَةِ لَا يُشْتَرَطُ
ــ
[حاشية العدوي]
الشَّاهِدِ فَالْبِنْتُ وَالْوَلَدُ وَزَوْجُهُمَا شُهُودٌ لَا مَشْهُودٌ عَلَيْهِمْ فَالْمَعْنَى لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَحَدِ وَالِدَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَزَوْجِهِمَا مَعْنَاهُ أَنَّ زَوْجَ الْبِنْتِ لَا يَشْهَدُ لِأَبَوَيْ زَوْجَتِهِ، وَزَوْجَةُ الِابْنِ لَا تَشْهَدُ لِأَبَوَيْ زَوْجِهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَفْظُ الْوَلَدِ) لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ إذَا كَانَ شَامِلًا فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَخُصَّ الْبِنْتَ بِالذِّكْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ: لِيَتَوَصَّلَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ أَيْ صَرِيحًا.
(قَوْلُهُ: وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ) أَيْ وَتَبْطُلُ الْأُخْرَى لِتُهْمَةِ أَنْ يَقْصِدَ كُلٌّ تَقْوِيَةَ الْآخَرِ وَتَصْدِيقَهُ وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ لِيَمِينٍ مِنْ الْمُدَّعِي، وَإِذَا طَرَأَ فِسْقٌ لِأَحَدِهِمَا مِمَّا يُوجِبُ بُطْلَانَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الِابْنِ مَعَ الْأَبِ شَهَادَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِآخَرَ بِمَا مَرَّ إذَا شَهِدَا لِغَيْرِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ عب وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَطَلَتْ شَهَادَةُ وَاحِدٍ بِمُعَيَّنٍ أَوْ رَجَعَ عَنْهَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالْآخَرِ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا شَهَادَتَانِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَبْرِيزٌ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى شَهَادَتِهِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ نَقْلُ الْأَصْلِ عَنْ الْفَرْعِ وَعَكْسُهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى حُكْمِهِ أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ كُلٌّ مِنْ الِابْنِ أَوْ الْأَبِ عَلَى حُكْمِهِ لِآخَرَ فَإِذَا تَنَازَعَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو يَقُولُ إنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ لِي، وَيُنْكِرُ الْآخَرُ فَلَا يَجُوزُ لِابْنِ الْقَاضِي أَوْ أَبِيهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى حُكْمِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا شَهَادَةُ الْفَرْعِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ) أَوْ الْعَكْسُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى التَّزْكِيَةِ بَحَثَ فِيهِ عج بِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ لَيْسَ إنْشَاءً لِشَهَادَتِهِ بِالتَّعْدِيلِ، وَالْمُمْتَنِعُ إنْشَاؤُهُ لَهُ؛ وَلِذَا أَفْتَى ابْنُ نَاجِي بِجَوَازِهِ قَائِلًا: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.
(قَوْلُهُ: إنْ بُرِّزَ) فِي شَرْحِ عب أَنَّهُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ مُحَشِّي تت أَنَّهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَهُوَ لَازِمٌ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُبَرِّزٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ فَائِقًا غَيْرَهُ مُقَدَّمًا فِيهَا (قَوْلُهُ: فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ) أَيْ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ وَحَكَى بَهْرَامُ فِيهَا أَنَّ الْمَشْهُورَ الْمَنْعُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَقَوْلُهُ: وَقَالَ س مُقَابِلٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: يَكْتَسِبُ بِشَهَادَتِهِ لِأَخِيهِ شَرَفًا أَوْ جَاهًا كَشَهَادَتِهِ لَهُ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِنِكَاحِهَا شَرَفٌ أَوْ جَاهٌ لِكَوْنِهَا مِنْ ذَوِي الْقَدْرِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ بِهَا مَعَرَّةً كَأَنْ يَشْهَدَ بِتَجْرِيحِ مَنْ جَرَّحَ أَخَاهُ فَالْمَازِرِيُّ حَكَى اتِّفَاقَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ بَهْرَامُ فَظَهَرَ قَوْلُ شَارِحِنَا مِمَّا حَكَاهُ الشَّارِحُ أَيْ بَهْرَامُ مِنْ الِاتِّفَاقِ وَالْمَشْهُورُ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَوَافَقَهُ) أَيْ وَافَقَ الشَّيْخُ سَالِمٌ عَلَى ذَلِكَ تِلْمِيذَهُ الشَّيْخَ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ س رَمْزٌ لِلشَّيْخِ سَالِمٍ وَق رَمْزٌ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ تِلْمِيذِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ شب فِي شَرْحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَذَاكِرٍ بَعْدَ شَكٍّ) قَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا حَصَلَ لَهُ مَا ذَكَرَ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُبَرِّزٍ (قَوْلُهُ: هَذِهِ مُشَبَّهَةٌ بِقَوْلِهِ: إنْ بُرِّزَ) فِيهِ تَسَامُحٌ بَلْ مُشَبَّهٌ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ أَخٍ لِأَخِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ وَشَرِيكُ تَجْرٍ) رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ شَرِيكُ الْمُفَاوَضَةِ لَا مُطْلَقُ التَّجْرِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الشَّرِيكَ الْخَاصَّ) أَيْ غَيْرَ شَرِيكِ التَّجْرِ كَأَنْ يَكُونَ شَرِيكَهُ فِي دَابَّةٍ مَثَلًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيمَا
فِيهِ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ زَادَ شَيْئًا فِي شَهَادَتِهِ أَوْ نَقَصَ فِيهَا بَعْدَ أَدَائِهَا إنْ كَانَ مُبَرِّزًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ الْأُولَى عَلَى طِبْقِ دَعْوَى الْمُدَّعِي أَمْ لَا، غَيْرَ أَنَّ مَا زَادَهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي لَا يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي حَيْثُ لَمْ يَدَّعِهِ فَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي بِعَشَرَةٍ فَشَهِدَ الْمُبَرِّزُ بِذَلِكَ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ ثُمَّ شَهِدَ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ يُقْبَلُ تَذَكُّرُ الْمَرِيضِ أَوْ الصَّحِيحِ لِلشَّهَادَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ حِينَ سُئِلَ عَنْهَا: لَا أَدْرِي أَوْ لَا أَعْلَمُهَا إذَا كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَرَضِ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ.
(ص) وَتَزْكِيَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُزَكَّى فِي السِّرِّ وَفِي الْعَلَانِيَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ بِحَدٍّ) إلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ مِمَّنْ يَفْتَقِرُ إلَى التَّزْكِيَةِ جَائِزَةٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الدِّمَاءِ لَا تُقْبَلُ إلَّا مِمَّنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَزْكِيَةٍ، وَهُوَ الْمُبَرِّزُ الْفَائِقُ عَلَى أَقْرَانِهِ لِشِدَّةِ خَطَرِهَا لَكِنْ مَا ذُكِرَ ذَلِكَ إلَّا فِي الدِّمَاءِ خَاصَّةً كَمَا فِي الشَّارِحِ فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ بِدَمٍ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ خَاصَّةً لَا فِي مُطْلَقِ الْحَدِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فَقَوْلُهُ: وَتَزْكِيَةٍ أَيْ وَذِي تَزْكِيَةٍ؛ لِأَنَّ التَّبْرِيزَ شَرْطٌ فِي الْمُزَكِّي لِغَيْرِهِ لَا فِي التَّزْكِيَةِ.
(ص) مِنْ مَعْرُوفٍ إلَّا الْغَرِيبَ بِ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضَا مِنْ فَطِنٍ عَارِفٍ لَا يُخْدَعُ مُعْتَمِدٍ عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ لَا سَمَاعٍ (ش) هَذَا نَعْتٌ لِتَزْكِيَةٍ أَيْ كَائِنَةِ التَّزْكِيَةِ مِنْ مَعْرُوفٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُزَكِّيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ غَرِيبًا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُزَكِّيَهُ ابْتِدَاءً مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْقَاضِي لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُزَكِّيَ مُزَكِّيَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ فَالْمَعْرِفَةُ لِلْقَاضِي لَا بُدَّ مِنْهَا لَكِنْ إنْ كَانَ غَيْرَ غَرِيبٍ فَبِلَا وَاسِطَةٍ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا فَبِوَاسِطَةٍ، وَمِثْلُ الْغَرِيبِ النِّسَاءُ لِقِلَّةِ خِبْرَةِ الرِّجَالِ بِهِنَّ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِهِنَّ وَصِفَةُ التَّزْكِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تُشْعِرُ بِالسَّلَامَةِ فِي الدِّينِ وَالرِّضَا يُشْعِرُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْبَلَهِ وَالْغَفْلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ بِتَمَامِهِ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ أَتَى بِأَحَدِ جُزْأَيْهِ فَلَا تُقْبَلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي مَعَ مَا مَرَّ أَنْ يَكُونَ فَطِنًا لَا يُخْدَعُ عَارِفًا لَا جَاهِلًا وَقِيلَ عَارِفًا
ــ
[حاشية العدوي]
فِيهِ الِاشْتِرَاكُ لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا مُعَيَّنًا أَوْ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةً فَيُمْنَعُ كَانَ مُبَرِّزًا أَمْ لَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَفِي الْمُعَيَّنِ تَجُوزُ مُطْلَقًا مُبَرِّزًا أَمْ لَا، وَفِي التَّجْرِ مُفَوَّضًا أَمْ لَا تَجُوزُ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ (قَوْلُهُ: عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ) صُورَتُهَا ادَّعَى زَيْدٌ عَشَرَةً فَشَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ وَشَهِدَ لَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حِينَئِذٍ بِالْعَشَرَةِ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ الْأُولَى أَنْ يَدَّعِيَ بِعَشَرَةٍ فَيَشْهَدَ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَشْهَدَ بِعِشْرِينَ مَثَلًا، الثَّانِيَةُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي بِعَشَرَةٍ فَيَشْهَدَ لَهُ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَشْهَدَ بِأَزْيَدَ مِنْ خَمْسَةٍ، وَذَلِكَ صَادِقٌ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي هِيَ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبِسِتَّةٍ مَثَلًا، وَبِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَصُوَرُ تِلْكَ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَشَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ فِي الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا ادَّعَى بِعَشَرَةٍ، وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَزْيَدَ وَكَذَا فِي صُورَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ مِنْهَا فَيَأْخُذُ سِتَّةً (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَدَّعِهِ) فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي بِدُونِ شَهَادَةٍ ثَانِيَةٍ بِغَيْرِ يَمِينٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ
(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَدَّعِهِ) أَيْ فَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَغَيْرِ شَهَادَةٍ ثَانِيَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ هَكَذَا نَظَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ تَلَامِذَةِ الْمُؤَلِّفِ وَمُفَادُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِشَهَادَةٍ ثَانِيَةٍ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي بِعَشَرَةٍ فَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ) هَذَا تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ كَانَ شَهَادَتُهُ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ) تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَوْ لَا وَتَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَنَا مَقَامَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَدَّعِيَ قَدْرًا فَيَشْهَدَ لَهُ عَدْلٌ ابْتِدَاءً بِأَزْيَدَ مِنْهُ أَوْ أَنْقَصَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَرِّزًا وَحَلَفَ مَعَهُ فِيهِمَا لَكِنْ عَلَى طِبْقِ دَعْوَاهُ فَقَطْ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا يَأْخُذُ الزَّائِدَ، وَعَلَى طِبْقِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي الثَّانِي وَأَخَذَ مَا شَهِدَ بِهِ فَقَطْ فَإِنْ رَجَعَ فِيهِ إلَى شَهَادَتِهِ بِمَا ادَّعَى الْمُدَّعِي قُبِلَ إنْ كَانَ مُبَرِّزًا، وَهَذَا هُوَ الْمَقَامُ الثَّانِي وَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي إلَى مَا رَجَعَ لَهُ الشَّاهِدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ قَبْلَهُ عَلَى طِبْقِ شَهَادَتِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامِ الثَّانِي لِاشْتِرَاطِهِ التَّبْرِيزَ لَا الْأَوَّلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ قَوْلِهِ حِينَ سُئِلَ عَنْهَا لَا أَدْرِي إلَخْ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَ نِسْيَانٍ وَلَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا قَبْلَهُ جَزَمَ فِي شَهَادَتِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ ذَكَرَ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا وَالنَّاسِي لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا.
(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ بِحَدٍّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى بَعِيدٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُهُ بِجَعْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي مُقَدَّرٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يُفِيدُهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَتَزْكِيَةٍ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَفْتَقِرُ لَهَا، وَإِنْ فِي حَدٍّ.
(قَوْلُهُ: بِأَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ أَشْهَدُ فَلَوْ قَالَ: هُوَ عَدْلٌ رِضًا لَمْ يَكْفِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاعْتَمَدَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْقَاضِي) أَيْ أَوْ بَيْنَ النَّاسِ (قَوْلُهُ: يُشْعِرُ بِالسَّلَامَةِ) فَإِنْ قُلْت: تَفْسِيرُ الشَّارِحِ الرِّضَا بِمَا ذُكِرَ يُغْنِي عَنْهُ عَدْلٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي مَفْهُومِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَمْعَ لِلِاحْتِيَاطِ، وَجَوَابٌ آخَرُ، السَّلَامَةُ مِنْ الْغَفْلَةِ لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً فِي مَفْهُومِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا، بَلْ فِيمَا يُلْبِسُ؛ فَلِذَا ذُكِرَتْ مَعَ الْعَدَالَةِ.
وَقَالَ التَّتَّائِيُّ لِإِشْعَارِ الْأَوَّلِ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْبَلَهِ وَالْغَفْلَةِ وَالثَّانِي لِاحْتِمَالِ ارْتِكَابِ مَا لَا يَلِيقُ (قَوْلُهُ: عَارِفًا) أَيْ بِبَاطِنِ الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ كَمَعْرِفَةِ ظَاهِرِهِ بِأَنْ صَحِبَهُ طَوِيلًا وَعَامَلَهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَقَوْلُهُ: عَارِفًا بِتَصَنُّعَاتِ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَارِفًا بِتَصَنُّعَاتِ النَّاسِ عِلْمَهُ بِبَاطِنِ الْمُزَكَّى كَظَاهِرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا
بِتَصَنُّعَاتِ النَّاسِ فَقَوْلُهُ: لَا يُخْدَعُ أَيْ فِي عَقْلِهِ، وَلَا يُسْتَزَلُّ فِي رَأْيِهِ، تَفْسِيرٌ وَإِيضَاحٌ لِفَطِنٍ فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى عَارِفٍ لَكَانَ أَظْهَرَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي أَيْضًا أَنْ يَعْتَمِدَ فِي تَزْكِيَتِهِ لِلشَّاهِدِ عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ لَهُ فِي الْحَضَرِ وَفِي السَّفَرِ، وَيَرْجِعُ فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا لِلْعُرْفِ وَأَشْعَرَ إتْيَانُهُ بِالْأَوْصَافِ مُذَكَّرَةً بِأَنَّ النِّسَاءَ لَا تُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُنَّ لَا لِرِجَالٍ، وَلَا لِنِسَاءٍ لَا فِيمَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا يُجْزِئُ الِاعْتِمَادُ فِي التَّزْكِيَةِ عَلَى السَّمَاعِ كَ سَمِعْنَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ أَنَّ فُلَانًا عَدْلٌ رِضًا، وَأَمَّا مِنْ سَمَاعٍ فَشَا كَمَا إذَا قَالَا: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا فَيُقْبَلُ كَمَا يَأْتِي فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ. (ص) مِنْ سُوقِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ إلَّا لِتَعَذُّرٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي أَنْ يَكُونَ مِنْ سُوقِ الْمُزَكَّى بِفَتْحِ الْكَافِ أَوْ مِنْ مَحَلَّتِهِ، وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رِيبَةٌ فَلَيْسَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقًا بِسَمَاعٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ تَزْكِيَةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَتَزْكِيَةٍ حَاصِلَةٍ مِنْ مَعْرُوفٍ حَاصِلَةٍ مِنْ أَهْلِ سُوقِهِ وَمَحَلَّتِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا لِتَعَذُّرٍ مِنْ سُوقِهِ وَمَحَلَّتِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(ص) وَوَجَبَتْ إنْ تَعَيَّنَ (ش) أَيْ وَوَجَبَتْ الشَّهَادَةُ بِالتَّزْكِيَةِ إنْ تَعَيَّنَ التَّعْدِيلُ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعَدِّلْهُ غَيْرُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَجْرِيدِ الْفِعْلِ مِنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ أَيْ وَوَجَبَ التَّعْدِيلُ إنْ تَعَيَّنَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْدِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ انْفَرَدَ بِهِ وَهَذَا إذَا طُلِبَتْ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِفِعْلِهَا قَبْلَ طَلَبِهَا إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَةِ.
(ص) كَجُرْحٍ إنْ بَطَلَ حَقٌّ (ش) التَّشْبِيهُ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ جُرْحَةَ شَاهِدٍ، وَإِنْ لَمْ يُجَرِّحْهُ بَطَلَ الْحَقُّ بِسَبَبِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجَرِّحَهُ حَتَّى لَا يَضِيعَ الْحَقُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَالشَّرْطُ قَيْدٌ فِي هَذِهِ، وَفِيمَا قَبْلَهَا أَيْضًا عَلَى خِلَافِ قَاعِدَتِهِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ يَرْجِعُ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ لَا لِمَا قَبْلَهَا فَمَعْنَى إنْ بَطَلَ حَقٌّ أَيْ بِتَرْكِ التَّعْدِيلِ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ إنْ بَطَلَ حَقٌّ بِتَرْكِ التَّجْرِيحِ.
(ص) وَنُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا (ش) الضَّمِيرُ فِي مَعَهَا يَرْجِعُ لِتَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُضِيفَ إلَى تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ تَزْكِيَةَ السِّرِّ وَيَكْفِي فِيهَا وَاحِدٌ وَيُنْدَبُ التَّعَدُّدُ.
(ص) مِنْ مُتَعَدِّدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الِاسْمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ بِخِلَافِ الْجَرْحِ (ش) يَعْنِي أَنَّ التَّزْكِيَةَ مُطْلَقًا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ فَيَتَوَقَّفُ حُصُولُ النَّدْبِ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ عَلَى التَّعَدُّدِ كَمَا أَنَّ حُصُولَ وُجُوبِ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَدِّلَ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ عَدَالَتِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
بِبَاطِنِ الْمُزَكَّى كَظَاهِرِهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِتَصَنُّعَاتِ النَّاسِ (قَوْلُهُ: كَسَمِعْنَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي السَّمَاعُ مِنْ مُعَيَّنٍ كَسَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ يَقُولَانِ: زَيْدٌ عَدْلٌ أَوْ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْ فَاشِيًا، وَقَدْ قَطَعَ بِالشَّهَادَةِ، وَأَمَّا إنْ أَسْنَدَ شَهَادَتَهُ لِلسَّمَاعِ، وَلَمْ يَقْطَعْ بِهَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ السَّمَاعُ مِنْ جَمَاعَةٍ بِحَيْثُ يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْقَطْعَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ بِالتَّزْكِيَةِ سَوَاءٌ قَطَعَ بِهَا أَوْ أَسْنَدَهَا لِلسَّمَاعِ فَأَقْسَامُ السَّمَاعِ ثَلَاثَةٌ قِسْمٌ لَا تَحْصُلُ بِهِ التَّزْكِيَةُ سَوَاءٌ أَسْنَدَ الشَّهَادَةَ بِهَا لِلسَّمَاعِ أَوْ قَطَعَ بِهَا، وَقِسْمٌ يُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُسْنِدَ الشَّهَادَةَ بِهَا لِلسَّمَاعِ فَيَعْمَلَ بِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعَ بِهَا فَلَا يَعْمَلَ بِهَا، وَقِسْمٌ يَعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ بِهَا سَوَاءٌ قَطَعَ بِهَا أَوْ أَسْنَدَهَا لِلسَّمَاعِ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَأَمَّا مِنْ سَمَاعٍ فَشَا لَا يُؤْخَذُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يُفَصَّلُ فِيهِ إنْ لَمْ يَفْسُدْ الْقَطْعُ بَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا فَيَبْطُلَ أَوْ لَا فَيَصِحَّ، وَإِنْ أَفَادَ الْقَطْعَ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا قَطَعُوا أَوْ أَسْنَدُوا لِلسَّمَاعِ هَذَا مَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِهِ.
(قَوْلُهُ: الشَّهَادَةُ بِالتَّزْكِيَةِ) أَيْ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالتَّزْكِيَةِ لِلتَّصْوِيرِ، وَقَوْلُهُ: إنْ تَعَيَّنَ التَّعْدِيلُ، لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْدِيلَ هُوَ عَيْنُ الشَّهَادَةِ بِالتَّزْكِيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي تَعَيَّنَ عَائِدٌ عَلَى الْمُزَكَّى أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَاشِرٍ، وَالْمُرَادُ: وَوَجَبَتْ عَيْنًا إنْ تَعَيَّنَ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ وَجَدَ مَنْ يُعَدِّلُ إلَّا أَنَّهُ قَامَ بِهِ مَانِعٌ كَخَوْفٍ مِنْ الْمُجَرِّحِ.
(قَوْلُهُ: كَجَرْحٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ) أَيْ فِي الشَّارِحِ هُنَا، وَقَوْلُهُ: إنْ بَطَلَ حَقٌّ أَيْ أَوْ حَقٌّ بَاطِلٌ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِرُجُوعِ الشَّرْطِ إلَى مَا قَبْلَ الْكَافِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ تَعَيَّنَ يُغْنِي عَنْ رُجُوعِ الشَّرْطِ لِمَا قَبْلَ الْكَافِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ بِحَقٍّ، وَلَا يَعْرِفُهُ غَيْرُ الْمُزَكِّي وَمِنْ لَازِمِ تَرْكِ التَّزْكِيَةِ بُطْلَانُ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ " أَوْ حَقٌّ بَاطِلٌ "؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ بَطَلَ حَتَّى يُفِيدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ إثْبَاتَ الشَّيْءِ وَنَفْيَهُ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الْوَاقِعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إثْبَاتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ فِي الْوَاقِعِ فِيهِ تَحْقِيقُ بَاطِلٍ، وَإِبْطَالُ حَقٍّ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ بِنَفْيِ مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي الْوَاقِعِ (تَنْبِيهٌ) : فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ بَطَلَ حَقٌّ أَنَّ شَهَادَةَ الْمُجَرَّحِ إذَا كَانَتْ حَقًّا فَلَيْسَ لِمَنْ عَلِمَ بِجُرْحَتِهِ تَجْرِيحُهُ عَلَى الرَّاجِحِ أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت عَلِمَ الْمُجَرِّحُ بِالْكَسْرِ بِأَنَّ الْمُجَرَّحَ شَهِدَ بِحَقٍّ يَقْتَضِي عِلْمَهُ بِالْحَقِّ فَلِمَ لَمْ يُجَرِّحْهُ وَشَهِدَ هُوَ بِهِ قُلْت عِلْمُ الْمُجَرِّحِ بِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الْمُجَرَّحُ بِالْفَتْحِ حَقٌّ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ شَهَادَةِ الْمُجَرِّحِ بِالْكَسْرِ إمَّا لِتَأَكُّدِ الْقَرَابَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَإِمَّا لِنِسْيَانِهِ قَدْرَ الْحَقِّ.
(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَزْكِيَةُ سِرٍّ مَعَهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَلَانِيَةَ قَدْ تُشَابُ بِالْمُدَاهَنَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى السِّرِّ أَجْزَأَتْ اتِّفَاقًا كَالْعَلَانِيَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَكِنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ إذَا انْفَرَدَتْ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ وَالتَّعَدُّدُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الِاسْمَ) ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ إنَّمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْمُسَمَّى (قَوْلُهُ: فَيَتَوَقَّفُ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ أَصْلَ النَّدْبِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّعَدُّدِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ، وَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالتَّعَدُّدُ مَنْدُوبٌ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ
؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَنْ يُجَرِّحُ شَاهِدًا فِي شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ الْجَرْحِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَرُبَّمَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مَا لَا يَقْتَضِيهِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِ أَنَّهُ جَرَّحَ شَاهِدًا فِي شَهَادَتِهِ فَسُئِلَ عَنْ سَبَبِهِ فَقَالَ رَأَيْته يَبِيعُ وَلَا يُرَجِّحُ الْمِيزَانَ فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِتَجْرِيحِ شَخْصٍ وَشَهِدَ اثْنَانِ بِتَعْدِيلِهِ فَإِنَّ شَاهِدَيْ الْجَرْحِ مُقَدَّمَانِ عَلَى شَاهِدَيْ التَّعْدِيلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ مُقَدَّمٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ إنَّمَا يَحْكِي عَنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَالْمُجَرِّحُ إنَّمَا يَحْكِي عَنْ بَاطِنِ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ الْمُسْتَتِرَةِ فَقُدِّمَ لِذَلِكَ، وَأَيْضًا الْمُجَرِّحُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ.
(ص) وَإِنْ شَهِدَ ثَانِيًا فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى تَرَدُّدٌ (ش) وَفِي نُسْخَةِ حُلُولُو، وَإِنْ شَهِدَتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ فَالضَّمِيرُ عَلَى الْأُولَى يَرْجِعُ لِلْمُزَكَّى بِفَتْحِ الْكَافِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يَرْجِعُ لِلْبَيِّنَةِ أَوْ الشُّهُودِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ شَهِدَ شَهَادَةً وَزَكَّى فِيهَا بِشُرُوطِهَا ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةً ثَانِيَةً فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَزْكِيَةٍ ثَانِيَةٍ، وَهُوَ لِسَحْنُونٍ قَائِلًا: لَا بُدَّ مِنْ تَزْكِيَتِهِ كُلَّمَا شَهِدَ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ وَتَشْتَهِرَ تَزْكِيَتُهُ أَوْ يَكْتَفِيَ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى، وَهُوَ لِأَشْهَبَ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْعَمَلُ عِنْدَنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ وَلَوْ شَهِدَ فِي يَوْمِ تَزْكِيَتِهِ اهـ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ، وَعِبَارَةُ الْمَوَّاقِ تَقْتَضِي أَنَّ التَّرَدُّدَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ بَلْ هُمَا قَوْلَانِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا عَدَّلَ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي النَّقْلِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ تَعْدِيلُهُ وَيَشْتَهِرْ، وَأَنَّهُ لَوْ طُلِبَ تَعْدِيلُهُ بِالْقُرْبِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ أَوْ بِالْبُعْدِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُعَدِّلُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، وَلَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّ طَلَبَ التَّزْكِيَةِ ثَانِيًا إنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ الِاكْتِفَاءُ بِتَزْكِيَتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ مَا لَمْ يُتَّهَمْ بِأَمْرٍ حَدَثَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ تت مَا يُفِيدُ صِحَّةَ التَّعْبِيرِ بِالتَّرَدُّدِ وَأَنَّهُ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ مَرْزُوقٍ.
(ص) وَبِخِلَافِهَا لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ أَبَوَيْهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لَهُ (ش) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ أَخٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ شَهَادَةَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِهِ الْآخَرِ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ هَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا شَهِدَ لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ أَوْ لِلْبَارِّ عَلَى الْعَاقِّ قَالَ مَالِكٌ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مُنْكِرَةً وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ هِيَ الْقَائِمَةَ بِذَلِكَ فَمَنَعَهَا أَشْهَبُ وَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ شَهِدَ بِطَلَاقِ غَيْرِ أُمِّهِ لَمْ يَجُزْ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ لَا إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، وَلَوْ شَهِدَ لِأَبِيهِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ لِوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لَانْبَغَى أَنْ لَا تَجُوزَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ) فَيَتَعَذَّرُ إحْصَاؤُهَا وَضَبْطُهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يُرَجَّحُ الْمِيزَانُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْجِيحُ الْمِيزَانِ فَلَوْ لَمْ يُرَجَّحْ بَلْ سَاوَى الْمِيزَانَ فَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ شَاهِدَيْ الْجَرْحِ مُقَدَّمَانِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ لِمَنْ عُدِّلَتْ شُهُودُهُ، وَيُنْتَقَضُ الْحُكْمُ كَمَا نَسَبَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ وَلَكِنْ قَيَّدَ الْمَازِرِيُّ تَقْدِيمَ الْجَرْحِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَكَاذَبَا قَالَ فَلَوْ شَهِدَتْ طَائِفَةٌ بِكَوْنِهِ لَيْلَةَ كَذَا كَانَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ وَأُخْرَى بِعُكُوفِهِ عَلَى الصَّلَاةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَقَطَعَ بِكَذِبِ إحْدَاهُمَا فَيَرْجِعُ لِمَزِيدِ الْعَدَالَةِ، وَالْعَدَدِ إذَا بَلَغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ) الْمُنَاسِبُ عَنْ مَالِكٍ لَا عِنْدَ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْعَمَلُ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ قَوْلُ سَحْنُونَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ التَّزْكِيَةِ كَانَ بِالْقُرْبِ أَوْ الْبُعْدِ حَتَّى يَكْثُرَ تَعْدِيلُهُ وَتَشْتَهِرَ تَزْكِيَتُهُ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا عَدَّلَ مَجْهُولَ الْحَالِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَجْهَلْ بَلْ عُرِفَ بِالْخَيْرِ أَوْ كَثُرَ مُعَدِّلُوهُ لَمْ يَحْتَجْ لِتَزْكِيَةٍ أُخْرَى، وَرَأَيْت مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا طُرُوُّ الْفِسْقِ، وَأَمَّا لَوْ طَالَ الزَّمَنُ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّهُ طَرَأَ عَلَيْهِ فِسْقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ بِقَضِيَّةٍ فِي الْمَجْلِسِ وَزَكَّى ثُمَّ شَهِدَ بِقَضِيَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَهَذَا لَا يَحْتَاجُ لِتَزْكِيَةٍ ثَانِيَةٍ قَطْعًا (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْبُعْدِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ) الْمُنَاسِبُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَيْ وَأَشْهَبَ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّزْكِيَةِ الْأُولَى. الثَّانِي لَا يَكْفِي التَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدُّدِ كُلَّمَا شَهِدَ حَتَّى يَكْثُرَ تَعْدِيلُهُ، وَتَشْتَهِرَ تَزْكِيَتُهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ. الثَّالِثُ لِابْنِ الْقَاسِمِ يَكْتَفِي بِالتَّعْدِيلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَطُولَ الزَّمَنُ كَسَنَةٍ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الثَّانِي (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُ دَلِيلُ الِاسْتِحْسَانِ فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ أَوَّلًا: أَوْ لَا بُدَّ، وَالِاسْتِحْسَانُ مَعْنًى يَنْقَدِحُ فِي ذِهْنِ الْمُجْتَهِدِ فَتَقْصُرُ عَنْهُ عِبَارَتُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُسْتَحَبَّ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ ذَكَرَ تت) أَيْ فَنَقَلَ عَنْ أَشْهَبَ قَوْلَيْنِ: قَوْلٌ بِأَنَّ تَزْكِيَتَهُ الْأُولَى تَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ، وَلَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ خِلَافُهُ إنْ شَهِدَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَنَحْوِهَا سُئِلَ عَنْهُ الْعَدْلُ، فَإِنْ مَاتَ عُدِّلَ مَرَّةً أُخْرَى، وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ إنْ زَكَّاهُ مَشْهُورُ الْعَدَالَةِ لَمْ يَحْتَجْ لِإِعَادَةِ التَّزْكِيَةِ وَلَهُ فِي نَقْلِ الْبَاجِيِّ عَنْهُ: الْمَشْهُورُ بِالْعَدَالَةِ يَكْفِي فِيهِ التَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ حَتَّى يُجَرَّحَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ وَاَلَّذِي لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَيُؤْتَنَفُ فِيهِ تَعْدِيلٌ فَاَلَّذِي فِي نَقْلِ غَيْرِ الْبَاجِيِّ أَنْ يَكُونَ الْمُزَكِّي بِكَسْرِ الْكَافِ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَاَلَّذِي فِي نَقْلِ الْبَاجِيِّ بِفَتْحِهَا اهـ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْمُتَقَدِّمِينَ اثْنَانِ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ.
(قَوْلُهُ: لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِير) وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ لِاتِّهَامِهِ بِحِفْظِ مَالِهِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مُنْكِرَةً) أَيْ، وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ، وَيُفْرَضُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي غَيْرَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا وَشَاهِدًا، وَقَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ هِيَ الْقَائِمَةَ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ تَدَّعِي الطَّلَاقَ، وَالْأَبُ يُنْكِرُ، وَقَوْلُهُ: فَمَنَعَهَا أَشْهَبُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَمِيلُ مَعَ أُمِّهِ، وَقَوْلُهُ: وَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَأَقُولُ: الْأَظْهَرُ قَوْلُ أَشْهَبَ وَيُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً) أَقُولُ: وَسَكَتَ عَمَّا
كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَانْبَغَى أَنْ تَجُوزَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا كُلِّهِ قُوَّةُ التُّهْمَةِ؛ وَلِذَا قَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ الْجَوَازَ بِمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِكَوْنِ الْعَطْفِ بِأَوْ.
(ص) ، وَلَا عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ (ش) الْمُرَادُ بِهَا الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا الدِّينِيَّةُ لِجَوَازِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ يَعْنِي أَنَّ الْعَدَاوَةَ تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ فَلَا يُقْبَلُ عَدُوٌّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلَا عَلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَا بَأْسَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ سَفِيهٍ فِي حِجْرِ عَدُوِّهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ تَمْنَعُ الْقَبُولَ تَكَلَّمَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ إلَيْهِ بِسِرَايَةٍ مُنَبِّهًا عَلَى مَنْعِهَا مُشِيرًا لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ) أَيْ ابْنِ الْعَدُوِّ وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ أَحَدِ شُيُوخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَأَشَارَ بِالْمُبَالَغَةِ لِرَدِّ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْجَوَازِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَلْحَقْ الْأَبَ مَعَرَّةٌ، وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا، وَقَوْلُهُ:(أَوْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ أَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ قَادِحَةٌ فِي الشَّهَادَةِ وَلَوْ طَرَأَتْ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ حِينَئِذٍ، وَعَدَاوَةُ الدِّينِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؛ لِأَنَّهَا عَامَّةٌ غَيْرُ خَاصَّةٍ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْعَدَاوَةُ الْخَاصَّةُ.
(ص) وَلْيُخْبِرْ بِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ لِلشَّاهِدِ الْعَدْلِ: أَدِّ الشَّهَادَةَ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّاهَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ الْقَاضِيَ بِالْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّدْلِيسِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ قَادِحَةٍ، أَوْ يَكُونَ الْقَاضِي مِمَّنْ يَرَى أَنَّهَا لَيْسَتْ قَادِحَةً وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ مِنْ أَنَّ الْإِخْبَارَ بَعْدَ الْأَدَاءِ هُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ الْمَوَّاقِ خِلَافًا لِحَلِّ تت وَمِثْلُ الْعَدَاوَةِ الْقَرَابَةُ.
(ص) كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا تَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجْنُونِ مُخَاصِمًا لَا شَاكِيًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ: تُشَبِّهُنِي بِالْمَجَانِينِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ، وَتُرَدُّ بِذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاصَمَةِ بِأَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ مُفِيدًا لِكَوْنِ شَهَادَتِهِ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ مَا قِيلَ لَهُ لَا عَلَى وَجْهِ الشِّكَايَةِ لِلنَّاسِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: اُنْظُرُوا مَا فَعَلَ مَعِي، وَمَا قَالَ فِي حَقِّي أَوْ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنْ يَفْعَلَ مَعِي ذَلِكَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ إلَخْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِقَوْلِهِ، وَلَا عَدُوٍّ، وَيَكُونُ مِنْهُ بِالْأَخَفِّ لِيَعْلَمَ مِنْهُ الْأَجْلَى بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا عَلَّلَ فِي النَّصِّ كَمَا فِي الشَّارِحِ وَعَلَّلَهُ بِكَوْنِ الشَّاهِدِ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَلَا عَدُوٍّ أَيْ مَنْ ظَهَرَتْ عَدَاوَتُهُ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّ مَعْنَاهُ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَاوَتُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَشْبِيهًا بِالْعَدَاوَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا عَدُوٍّ وَيَكُونُ تَشْبِيهًا مَصْدَرِيًّا، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ مَانِعَةٌ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
إذَا كَانَتْ حَيَّةً، وَفِيهَا خِلَافٌ فَمَنَعَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهَا أَصْبَغُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ مُنْكِرَةً وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ هِيَ الْقَائِمَةَ بِشَهَادَةِ وَلَدَيْهِ وَالْأُمُّ فِي عِصْمَتِهِ فَأَجَازَهَا أَصْبَغُ وَمَنَعَهَا سَحْنُونَ بَعْدَ أَنْ قَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَانَتْ الْأُمُّ فِي عِصْمَتِهِ أَمْ لَا حَيَّةً أَوْ لَا أَنْكَرَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَوْ لَا لِجَرْيِ الْعَادَةِ بِالْبُغْضِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّبِيبِ (قَوْلُهُ: وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: لَهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ مَيْلٍ وَذَلِكَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِأَحَدِ الْوَلَدَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمَتْنِ لَفْظَةُ لَهُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهَا كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي نُسْخَةٍ مُصَلَّحَةٍ.
(قَوْلُهُ: بِسِرَايَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ عَدَاوَةَ الْأَبِ تَسْرِي لِلِابْنِ (قَوْلُهُ: الْمَعَافِرِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ: أَحَدُ شُيُوخِ إلَخْ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ
(قَوْلُهُ وَلْيُخْبِرْ بِهَا إلَخْ) هَذَا سَمَاعُ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ عَالِمًا بِالْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَازِمًا بِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ تَرَتَّبَ إبْطَالُ الْحَقِّ، وَإِلَّا فَلَا يُخْبِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَسَمِعَ سَحْنُونَ: لَا يُخْبِرُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ بِهِ حَقًّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ فَانْظُرْ لِمَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ الْأَصَحَّ بَلْ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ؟ وَتَأَمَّلْ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلْيُخْبِرْ بِهَا) أَيْ وَمِثْلُهَا الْقَرَابَةُ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إذَا أَدَّاهَا) أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا، وَلَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى تَحَمُّلِ ذَلِكَ ثُمَّ يُخْبِرُ الْحَاكِمَ بِعَدَاوَتِهِ (قَوْلُهُ: وَلِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ قَادِحَةٍ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِسَبَبِهَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا قَالَ: سَبَبُ عَدَاوَتِي أَنَّهُ تَارِكٌ الصَّلَاةَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُ أَيْ بِأَنْ كَانَ بَعْضُ الْمَذَاهِبِ يَرَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ غَيْرُ قَادِحَةٍ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إلَخْ) أَفَادَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِي الْخِصَامَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَتُشَبِّهُنِي، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَتَتَّهِمُنِي فَلَا دَخْلَ لَهُ فَلَوْ حَذَفَهُ مَا ضَرَّهُ (قَوْلُهُ: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِقَوْلِهِ) أَيْ وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَذِي (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِّلَ فِي النَّصِّ) الْأَنْسَبُ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لِتَعْلِيلِهِ فِي النَّصِّ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا أَيْ وَإِنَّمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِقَوْلِهِ، وَلَا عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ لِتَعْلِيلِهِ فِي النَّصِّ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَعَلَّلَهُ وَالْمُرَادُ نَصُّ الْمَازِرِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَازِرِيَّ نَقَلَ عَنْ أَصْبَغَ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَعَلَّلَهُ بِكَوْنِ الشَّاهِدِ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْعَدَاوَةِ بَلْ أَقَرَّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَاوَةِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ تَشْبِيهًا بِالْعَدَاوَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ تَشْبِيهًا بِالْعَدَاوَةِ بَلْ تَشْبِيهٌ بِالْمَنْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَالتَّقْدِيرُ وَالْعَدَاوَةُ مَانِعَةٌ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ مَنْعًا كَمَنْعِ قَوْلِهِ بَعْدَهَا مِنْ الْقَبُولِ تَتَّهِمُنِي إلَخْ، وَقَوْلُهُ: مَصْدَرِيًّا يَقْتَضِي أَنَّ التَّشْبِيهَ يَنْقَسِمُ إلَى مَصْدَرِيٍّ وَغَيْرِ مَصْدَرِيٍّ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى تِلْكَ الْعِبَارَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ مُرَادُهُ يَكُونُ التَّشْبِيهُ مَصْدَرِيًّا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مَصْدَرٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ لَصَحَّ لَكِنَّ ظَاهِرَ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ دَاخِلَةً عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكَافِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ
كَمَا يَمْنَعُ مِنْ الْقَبُولِ قَوْلُهُ بَعْدَهَا: تَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي حَالَةَ كَوْنِهِ مُخَاصِمًا لَا شَاكِيًا فَمُخَاصِمًا حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ الْهَاءُ فِي كَقَوْلِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
(ص) وَاعْتُمِدَ فِي إعْسَارٍ بِصُحْبَةٍ وَقَرِينَةِ صَبْرِ ضُرٍّ كَضَرَرِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي شَهَادَتِهِ بِإِعْسَارِ شَخْصٍ عَلَى صُحْبَتِهِ أَوْ عَلَى اخْتِبَارِهِ أَوْ امْتِحَانِهِ لَهُ أَيْ فَيَعْتَمِدُ عَلَى الظَّنِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ فَالْبَاءُ فِي بِصُحْبَةٍ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ يَعْتَمِدُ عَلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ يَصْبِرُ عَلَى الضَّرَرِ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ جُوعٍ وَعُرْيٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَا يَعْتَمِدُ فِي الشَّهَادَةِ بِالضَّرَرِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ عَلَى الصُّحْبَةِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَيَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الْمُفِيدَةِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَمَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ.
(ص) وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ لِفِسْقٍ، أَوْ صِبًا، أَوْ رِقٍّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا حَرَصَ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ أَدَّى الشَّهَادَةَ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ كُفْرٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ صِبًا أَوْ رِقٍّ فَلَمَّا زَالَ الْمَانِعُ بِأَنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ أَوْ تَابَ الْفَاسِقُ بِالْجَارِحَةِ أَوْ احْتَلَمَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَدَّوْهَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُتَّهَمُونَ عَلَى إزَالَةِ النَّقْصِ الَّذِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَجْلِهِ فَيُتَّهَمُونَ عَلَى قَبُولِهَا لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ فِي دَفْعِ الْمَعَرَّةِ فَلَوْ لَمْ تُرَدَّ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ حَتَّى زَالَ الْمَانِعُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ إذَا أَدَّوْهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ فَقَوْلُهُ: وَلَا إنْ حَرَصَ أَيْ اُتُّهِمَ عَلَى الْحِرْصِ، وَقَوْلُهُ: نَقْصٍ أَيْ تَعْيِيرٍ أَيْ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ: فِيمَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ كَشَهَادَتِهِ فِيمَا أَيْ فِي حَقٍّ رُدَّ فِيهِ.
(ص) أَوْ عَلَى التَّأَسِّي كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْحِرْصَ عَلَى التَّأَسِّي، وَمَعْنَى التَّأَسِّي أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: حَالٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ) اعْتَرَضَ جَعَلُهُ حَالًا إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ فِي حَالِ الْخُصُومَةِ، وَإِنَّمَا هَذَا الْكَلَامُ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ الْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ، وَهُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَائِلًا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَدُوٌّ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: مَا هُوَ أَدْنَى مِنْ هَذَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ
(قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ دَخِيلَةٌ هُنَا لَيْسَ لَهَا مُنَاسَبَةٌ لَا بِاَلَّذِي قَبْلَهَا، وَلَا بِاَلَّذِي بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: وَقَرِينَةٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ فَلَوْ اكْتَفَى بِهِ لَصَحَّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى اخْتِبَارِهِ أَوْ امْتِحَانِهِ الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَظَاهِرُ عَطْفِ الِاخْتِبَارِ عَلَى الصُّحْبَةِ بِأَوَانِهِ مُغَايِرٌ مَعَ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالثَّانِي مَا عَدَا الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ: فَيَعْتَمِدُ عَلَى الظَّنِّ) أَيْ عَلَى مَا يُفِيدُ الظَّنَّ مِنْ الصُّحْبَةِ مَثَلًا أَوْ رُؤْيَتِهِ لَهُ يَصْبِرُ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَالْبَاءُ فِي بِصُحْبَةٍ بِمَعْنَى عَلَى) عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أَيْ عَلَى قِنْطَارٍ، وَقَوْلُهُ: أَيْ يَعْتَمِدُ عَلَى قَرِينَةٍ هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِصُحْبَةٍ إلَخْ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَرِينَةٍ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَطْفُ مُغَايِرًا لَصَرَّحَ بِكُلٍّ، وَقَوْلُهُ: يَصْبِرُ عَلَى الضَّرَرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ صَبْرَ ضُرٍّ يَئُولُ أَمْرُهَا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ عَلَى (قَوْلُهُ: كَمَا يَعْتَمِدُ فِي الشَّهَادَةِ بِالضَّرَرِ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ (قَوْلُهُ: الْمُفِيدَةِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ) أَيْ الظَّنِّ الْغَالِبِ الْقَوِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَوَّلَ الْعِبَارَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الظَّنِّ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي إلَّا الظَّنُّ الْقَوِيُّ، وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ: حَرَصَ عَلَى إلَخْ) أَيْ اشْتَدَّ تَعَلُّقُهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ) أَيْ عَارٍ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ رَدِّ الشَّهَادَةِ أَيْ اُتُّهِمَ عَلَى حُبِّ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فِيمَا رُدَّ فِيهِ أَيْ فِي شَأْنِ شَهَادَةٍ رُدَّ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (أَقُولُ) لَا يَخْفَى أَنَّكَ تَقُولُ إنَّكَ قَدْ فَسَّرْت النَّقْصَ بِالْعَارِ الَّذِي لَحِقَهُ بِسَبَبِ رَدِّ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَارَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قُلْت: إنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا، وَالتَّقْدِيرُ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ سَبَبُهُ، وَهُوَ الْفِسْقُ (قَوْلُهُ: فَلَمَّا زَالَ الْمَانِعُ) أَيْ مِنْ الرَّدِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَدَّوْهَا) الْأَوْلَى حَذْفُ ثُمَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَدَّوْهَا جَوَابٌ لِمَا، وَقَوْلُهُ: لَمْ تُقْبَلْ أَيْ فَلَمْ تُقْبَلْ، وَقَوْلُهُ: عَلَى إزَالَةِ النَّقْصِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْعَارُ الَّذِي لَحِقَهُمْ، وَقَوْلُهُ: لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ سَبَبِهِ أَيْ لِأَجْلِ سَبَبِ الْعَارِ، وَسَبَبُ الْعَارِ هُوَ الْفِسْقُ (قَوْلُهُ: لِمَا جُبِلَ إلَخْ) مِنْ زَائِدَةٌ وَقَوْلُهُ فِي بِمَعْنَى مِنْ وَالتَّقْدِيرُ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الطَّبِيعَةُ الْبَشَرِيَّةُ مِنْ حُبِّ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُبُّ دَفْعِ الْعَارِ مَطْبُوعًا، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ تُجْعَلَ مِنْ بَيَانِيَّةً، وَقَوْلُهُ: فِي دَفْعِ فِي بِمَعْنَى مِنْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَالْمَعْنَى لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ الشَّخْصُ مِنْ طَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي هِيَ حُبُّ دَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: نَقْصٍ أَيْ تَعْيِيرٍ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّعْيِيرِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْمُعَيِّرِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْعَارُ؛ وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ دَفْعُ الْعَارِ فَفَسَّرَ التَّعْيِيرَ بِالْعَارِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَيْ دَفْعُ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِإِزَالَةِ، وَقَوْلُهُ: رُدَّ فِيهِ أَيْ رَدَّ الشَّاهِدُ فِيهِ أَيْ الشَّاهِدَ بِهِ أَيْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِذَلِكَ الْحَقِّ وَالْمُرَادُ بِالْمَحْذُوفِ لَفْظُ شَهَادَتِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ كَشَهَادَةِ إلَخْ) فَهُوَ مِثَالٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا إنْ حَرَصَ مَعْنَاهُ، وَلَا بِشَهَادَةٍ اُتُّهِمَ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي كَذَا، وَمِثَالُ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ شَهَادَتُهُ فِيمَا رُدَّ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى التَّأَسِّي) هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَانِعِ الرَّابِعِ؛ وَلِذَا لَمْ يَقْرِنْهُ بِلَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَفْرَادُ الْمَانِعِ كَمَا فَعَلَ فِي بَقِيَّتِهَا وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْخَامِسُ: الْحِرْصُ عَلَى إزَالَةِ التَّعْيِيرِ بِإِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ أَوْ بِالتَّأَسِّي كَشَهَادَتِهِ فِيمَا رُدَّ فِيهِ لِفِسْقٍ أَوْ صِبًا أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ وَكَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا اتِّفَاقًا وَكَشَهَادَةِ مَنْ حُدَّ فِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالتَّعْيِيرُ مَصْدَرُ عَيَّرَهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: الْحِرْصُ عَلَى التَّأَسِّي) أَيْ الرَّغْبَةُ أَيْ اُتُّهِمَ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى التَّأَسِّي (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى التَّأَسِّي أَنْ يُجْعَلَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فَيَقْرَأُ يُجْعَلُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ
كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالْقَذْفِ وَاللِّعَانِ، وَالْمَنْبُوذِ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي صِفَةٍ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُصِيبَةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ وَإِذَا نَدَرَتْ هَالَتْ وَوَدَّتْ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ يَزْنِينَ فَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى التَّأَسِّي إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ اُتُّهِمَ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى التَّأَسِّي أَيْ عَلَى مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي مَعَرَّتِهِ.
(ص) أَوْ مَنْ حُدَّ فِيمَا حُدَّ فِيهِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى وَلَدٍ أَيْ وَكَشَهَادَةِ مَنْ حُدَّ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الَّذِي حُدَّ فِيهِ بِخُصُوصِهِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَتُقْبَلُ كَمَنْ حُدَّ بِشُرْبِ خَمْرٍ فَشَهِدَ بِقَذْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّأَسِّي الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِتَخْفِيفِ مَعَرَّةٍ بِمُشَارَكَةٍ فِيهَا قَوْلُهُ: فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَيْ بِالْفِعْلِ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا شُرَّاحُ الرِّسَالَةِ وَمِثْلُ الْحَدِّ بِالْفِعْلِ الْقَتْلُ فَقَطْ إذَا عَفَا عَنْهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ الْأَخَوَيْنِ وَمِثْلُ الْحَدِّ التَّعَازِيرُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُزِّرَ فِيمَا عُزِّرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلْتَةً فَقَوْلُهُ: فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَيْ، وَهُوَ مُسْلِمٌ بِخِلَافِ الْكَافِرِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَلَوْ فِيمَا حُدَّ فِيهِ.
(ص) وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا حَرَصَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمُخَاصَمَةِ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ؛ لِأَنَّ مُخَاصَمَةَ الْآدَمِيِّ تَدُلُّ عَلَى بُغْضِهِ لَهُ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ لِغَائِبٍ، وَيَشْهَدَ لَهُ فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَعَهُ وَرَفْعَهُ حِرْصٌ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ فَمِثْلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ بِرَجُلٍ، وَيَرْفَعُوهُ لِلْقَاضِي وَيَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا، وَعَدَمُ الْقَبُولِ فِي ذَلِكَ لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ وَتَعَلُّقَهُمْ بِهِ وَرَفْعَهُمْ إيَّاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ هُنَا خِلَافُ الْعَدَاوَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
(ص) أَوْ شَهِدَ وَحَلَفَ (ش) أَيْ وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ إذَا شَهِدَ وَحَلَفَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ سَوَاءٌ شَهِدَ فِي حَقٍّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ مُتَّصِلًا بِالشَّهَادَةِ كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ - وَاَللَّهِ - أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ كَذَا أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهَا كَقَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ كَذَا وَاَللَّهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ كَشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا) أَيْ أَوْلَادِ الزِّنَا بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ الشُّهُودِ أَوْلَادَ زِنًا أَوْ يَشْهَدَ وَلَدُ زِنًا مَعَ رَجُلٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ، وَالزَّوْجَانِ يُنْكِرَانِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا (قَوْلُهُ: كَالْقَذْفِ) فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ بِالْقَذْفِ فَقَدْ أَثْبَتَ الشَّاهِدُ الزِّنَا، فَيَكُونُ الزِّنَا ثَابِتًا فَلَا مَعَرَّةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا وَلَدُ الزِّنَا يَوَدُّ اشْتِهَارَ الزِّنَا بِحَيْثُ يَصِيرُ كَالنِّكَاحِ فَلَا مَعَرَّةَ تَلْحَقُهُ فِيمَا يَنْشَأُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَالْمَنْبُوذِ) عَطْفٌ عَلَى وَلَدِ الزِّنَا أَيْ وَكَذَا شَهَادَةُ الْمَنْبُوذِ لَا تُقْبَلُ فِي الزِّنَا وَنَحْوِهِ، وَلَوْ صَارَ عَدْلًا أَيْ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَنْبُوذِ أَنْ يَكُونَ وَلَدَ زِنًا
(قَوْلُهُ: بِتَخْفِيفِ مَعَرَّةٍ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ التَّأَسِّي هُوَ تَخْفِيفُ مَعَرَّةٍ بِمُشَارَكَةٍ فِيهَا هَذَا مَعْنًى عُرْفِيٌّ كَاَلَّذِي فَسَّرَ بِهِ الشَّارِحُ، وَإِلَّا فَالتَّأَسِّي فِي الْأَصْلِ هُوَ الِاقْتِدَاءُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَقَوْلَانِ) مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: فَلْتَةً) أَيْ مَرَّةً (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْقَاضِي إلَخْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَمِدُ عَلَى شَهَادَةِ الْغَيْرِ، وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ سَحْنُونَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَقْضَى وَلَدُ الزِّنَا، وَلَا يُحَكَّمُ فِي الزِّنَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ فُجْلَةَ، وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى الشُّهُودِ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا تَسَاهَلَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، وَنَظَرُوا فِي اللِّوَاطِ هَلْ يَدْخُلُ فِي الزِّنَا أَمْ لَا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي الدُّخُولُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الشَّهَادَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» .
(قَوْلُهُ: وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ) الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَفْرَادُ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يَشْمَلُهُ مَا قَبْلَهُ فَالْأَوْلَى لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَبُولِ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْرَادِهِمَا يَقُولُ بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ أَرْبَابِ الشُّرَطِ، وَأَمَّا أَرْبَابُ الشُّرَطِ كَالْوَالِي يَأْخُذُ شَخْصًا وَيَرْفَعُهُ لِلسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَبَسَهُ أَوَّلًا، فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ لِعُذْرٍ كَلَيْلٍ مَثَلًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ مَانِعًا مِنْ الشَّهَادَةِ كَذَا صَرَّحُوا إلَّا أَنْ يَعْظُمَ الْفَسَادُ فِي الْأَسْوَاقِ فَلَا بَأْسَ أَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَرْفَعُونَهُمْ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا نَعَمْ إنْ فَوَّضَ التَّصَرُّفَ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ كَانَ كَالْوَالِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُخَاصَمَتَهُ لَهُ تَدُلُّ عَلَى بُغْضِهِ لَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُفَادَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْقَبُولِ هُوَ الْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ لَا الْبُغْضُ الَّذِي هُوَ يَرْجِعُ لِلْعَدَاوَةِ فَتِلْكَ الْعِلَّةُ تُنَافِي الْمُفَادَ مِنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَعَهُ وَرَفَعَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا حِرْصٌ عَلَى الْأَدَاءِ لَا عَلَى الْقَبُولِ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ حَرَصَ عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَأْتِي قَوْلُهُ: حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ أَيْ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الْقَبُولِ فِي ذَلِكَ لِابْنِ الْقَاسِمِ) وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ لَهُمْ) لَا يَخْفَى أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَكْرُوهِ لَا يَنْفِي الْعَدَالَةَ الْمُوجِبَةَ لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَمْرُ نَدْبٍ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا لَا مَكْرُوهًا مَعَ أَنَّ الْمَوَّاقَ صَرَّحَ بِوُجُوبِ السَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت التَّصْرِيحَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ سِوَاهُمْ عَلَى مُعَايَنَةِ الْفِعْلِ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ هُنَا خِلَافُ الْعَدَاوَةِ) أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ مُخَاصَمَةَ الْآدَمِيِّ تَدُلُّ عَلَى بُغْضِهِ لَهُ وَمَتَى وُجِدَ الْبُغْضُ وُجِدَتْ الْعَدَاوَةُ فَرَجَعَتْ الْمُخَاصَمَةُ لِلْعَدَاوَةِ لَا إلَى خِلَافِهَا.
جَهَلَةِ الْعَوَامّ فَإِنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِي ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يُعْذَرُوا بِهِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَ، وَلَوْ بِالطَّلَاقِ إذَا اتَّهَمَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ.
(ص) أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ (ش) هَذَا هُوَ الْحِرْصُ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا رَفَعَ شَهَادَتَهُ قَبْلَ أَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ، وَفِي الْحَدِيثِ «شَرُّ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَهَا بِهَا، ثُمَّ إنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ رَفَعَ إلَى آخِرِهِ مِثَالٌ ثَالِثٌ لِلْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ أَيْ أَوْ شَهَادَةُ شَاهِدٍ رَفَعَ شَهَادَتَهُ وَأَدَّاهَا قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَاَلَّذِي فِي ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْأَدَاءِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْأَدَاءِ كَأَنْ رَفَعَ إلَخْ وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ: إنَّ الرَّفْعَ بِمَعْنَى التَّأْدِيَةِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ يَحْصُلُ بَعْدَ أَدَائِهَا فَكَيْفَ يَلْتَبِسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ عِنْدَ فَهْمِ الْمَعْنَى مِنْ النَّوْعَيْنِ، وَالْمَخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ الْأَدَاءِ بَعْدَ لَفْظِ الْقَبُولِ لِيَصِيرَ هَذَا مِثَالًا لَهُ، وَيَصِيرُ اللَّفْظُ هَكَذَا، وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ الْأَدَاءِ، فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: كَمُخَاصَمَةٍ إلَى قَوْلِهِ: وَحَلَفَ مِثَالَيْنِ لِلْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ مِثَالًا لِلْحِرْصِ عَلَى الْأَدَاءِ الْمُقَدَّرِ.
(ص) وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِمْكَانِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَوَقْفٍ وَرَضَاعٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ إذَا تَمَحَّضَ لِلَّهِ - تَعَالَى، وَكَانَ مِمَّا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ الْمُبَادَرَةُ بِالشَّهَادَةِ إلَى الْحَاكِمِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَنْ عَلِمَ بِعِتْقِ عَبْدٍ، وَسَيِّدُهُ يَسْتَخْدِمُهُ وَيَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ أَوْ عَلِمَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ وَمُطَلِّقُهَا يُعَاشِرُهَا فِي الْحَرَامِ أَوْ عَلِمَ بِوَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَمَنْ حَبَسَهُ أَوْ غَيْرُهُ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَيْهِ يَسْتَغِلُّهُ، وَيَصْرِفُ رِيعَهُ فِي غَيْرِ مَصَارِفِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ اُنْظُرْ وَجْهَهُ فِي الْكَبِيرِ أَوْ عَلِمَ بِرَضَاعِ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُبَادِرْ بِرَفْعِ شَهَادَتِهِ كَانَ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي حَقِّهِ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ ثُمَّ الْمُرَادُ بِمَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ، وَإِلَّا فَكُلُّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ، وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَالْمُرَادُ بِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ مَا لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ إسْقَاطُهُ، وَهَذَا قَدْ يُوجَدُ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ كَبَعْضِ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ الْمُعْتَقَ لَهُ حَقٌّ فِي الْعِتْقِ بِتَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمَشْهُودُ بِطَلَاقِهَا لَهَا حَقٌّ فِي تَخْلِيصِ عِصْمَتِهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَفِي الْوَقْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَهُوَ طَلَبُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَهُ فِيهِ، وَقَدْ تَتَمَحَّضُ هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَمَا إذَا رَضِيَ الْمُعْتَقُ بِذَلِكَ أَيْ بِاسْتِخْدَامِ الْمُعْتِقِ لَهُ كَاسْتِخْدَامِ الرَّقِيقِ أَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِبَقَائِهَا تَحْتَهُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الْوَقْفِ وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَظَاهِرٌ قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ.
(ص) وَإِلَّا خُيِّرَ كَالزِّنَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِلَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ بِأَنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ تَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْهَا مِثْلَ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الشَّاهِدَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَفَعَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الشَّاهِدَ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ) أَيْ دُونَ الْخَصْمِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ كَمَا لِمَيَّارَةَ عَلَى الزَّقَّاقِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْحَدِيثِ «شَرُّ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» إلَخْ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَالثَّانِي، وَهُوَ خَيْرُ الشُّهُودِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَفِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ: أَنْ يُخْبِرَ صَاحِبَهَا بِهَا) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُ صَاحِبِ الْحَقِّ بِهَا إنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ فَلَوْ تَرَكَ إعْلَامَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ) أَيْ تَأَمُّلٍ صَحِيحٍ صَادِقٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تَأَمُّلٌ، أَوْ تَأَمُّلٌ فَاسِدٌ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ) إشَارَةٌ لِلْجَوَابِ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا الْتِبَاسَ، وَلَا خَفَاءَ فِي الْمُغَايَرَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرَّفْعَ التَّأْدِيَةُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ بِخِلَافِ الْحِرْصِ، وَحَيْثُ لَا خَفَاءَ، وَلَا الْتِبَاسَ فَلَا يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ مِثَالٌ لِلْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ رَفَعَ قَبْلَ الطَّلَبِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا إنْ حَرَصَ عَلَى الْأَدَاءِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَمْثِلَتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْمَخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا جَوَابٌ ثَانٍ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَالْمَخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فَتَدَبَّرْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَقُولَ قَوْلَهُ فَكَيْفَ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُقَالُ: مَا يَكُونُ مِثَالًا لِهَذَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَخْلَصَ أَنْ يُجْعَلَ مِثَالًا لِمَحْذُوفٍ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَبَسَهُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ لَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ وَكَانَ بَاقِيًا تَحْتَ يَدِ مَنْ حَبَسَهُ فَلَا يُقْضَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ إلَخْ) وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَحْمِلَ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَأَمَّا عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَهُ إسْقَاطُهُ حَتَّى بَعْدَ قَبُولِهِ وَلِأَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ كَمَا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ هُوَ مِنْ الْمُسْتَدَامِ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ - تَعَالَى - فِي الْوَقْفِ أَنْ لَا يُغَيَّرَ عَنْ سُنَّتِهِ بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ خُصُوصًا بَعْدَ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُبَادِرْ إلَخْ) قَالَ الْبَدْرُ اُنْظُرْ فِي مَسْأَلَةٍ إذَا رَأَى أَحَدٌ الْهِلَالَ لَيْلًا فَتَرَكَ إلَى النَّهَارِ الْإِخْبَارَ بِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ جُرْحَةً فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَظَاهِرٌ) أَيْ ظَاهِرٌ أَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَطْ (أَقُولُ:) لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَالرَّضَاعِ فَاَلَّذِي يُقَالُ فِي الطَّلَاقِ يُقَالُ فِي الرَّضَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا خُيِّرَ كَالزِّنَا) مَحَلُّهُ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ وَأَطْلَقَهَا وَأَمَّا لَوْ زَنَى بِهَا وَأَبْقَاهَا فَهِيَ حُرْمَةٌ دَائِمَةٌ فَيَجِبُ الرَّفْعُ
ذَلِكَ مِنْ السَّتْرِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ بِالْفِسْقِ الْمُجَاهِرِ بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ السَّتْرَ عَلَيْهِ، وَتُرْفَعُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِمَا اعْتَرَفَ لِيَرْتَدِعَ عَنْ فِسْقِهِ.
(ص) بِخِلَافِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي (ش) قَالَ أَشْهَبُ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إنَّ الْحِرْصَ عَلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قِيلَ لِمَالِكٍ فِي رَجُلٍ يُقِرُّ خَالِيًا أَفَيَجُوزُ أَنْ أَقْعُدَ لَهُ مُخْتَفِيًا لِأَشْهَدَ عَلَيْهِ قَالَ: إنْ تُحُقِّقَ الْإِقْرَارُ كَمَا يَجِبُ فَلْيُشْهِدْ.
(ص)، وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ كَبَدْوِيٍّ لِحَضَرِيٍّ بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَوْ مَرَّ بِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِبْعَادَ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ كَشَهَادَةِ الْبَدْوِيِّ لِحَضَرِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «: لَا يَشْهَدْ بَدَوِيٌّ عَلَى حَضَرِيٍّ» وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ أَيْ فِيمَا يُسْتَبْعَدُ كَالْأَمْوَالِ، وَأَمَّا الْحِرَابَةُ وَالْقَتْلُ وَالْقَذْفُ وَالْجُرْحُ وَشِبْهُهُ فَلَا اسْتِبْعَادَ، وَالِاسْتِبْعَادُ الِاسْتِغْرَابُ بِأَنْ يَسْتَغْرِبَ الْعَقْلُ شَهَادَةَ هَذَا لِهَذَا، وَهُوَ هُنَا عُدُولُهُ عَنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ، وَيُشْهِدُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ، قَوْلُهُ كَبَدْوِيٍّ أَيْ وَتَحَمَّلَهَا فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّهَامُ ثُمَّ إنَّ الْمُؤَلِّفَ عَبَّرَ بِالْحَضَرِيِّ عَنْ الْقَرَوِيِّ الْوَاقِعِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي أُخْرَى صَاحِبُ قَرْيَةٍ، وَالضَّمِيرُ فِي اُسْتُبْعِدَ لِلِاسْتِشْهَادِ، وَالسِّينُ فِي قَوْلِنَا: لِلِاسْتِشْهَادِ لِلطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الشَّهَادَةِ لِلْحَضَرِيِّ مِنْ الْبَدْوِيِّ، فَشَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ لِلْحَضَرِيِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادٍ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِبْعَادَ فِيهَا حِينَئِذٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ وَكَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَيْ فِي الْأَقْوَالِ أَيْ أَوْ رَآهُ فِي الْأَفْعَالِ أَوْ مَرَّ الْبَدْوِيُّ عَلَيْهِمَا، وَهُمَا يَتَقَارَرَانِ، وَكَذَلِكَ اسْتِشْهَادُهُ لَهُ فِي السَّفَرِ، وَمِثْلُهُ الْأُمُورُ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا الْخِلْوَاتُ وَالْبُعْدُ عَنْ الْعُدُولِ.
(ص) وَلَا سَائِلٍ فِي كَثِيرٍ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ أَوْ يَسْأَلُ الْأَعْيَانَ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَ إلَخْ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: فَكَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ السَّتْرَ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّتْرَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ بَلْ يَجِبُ الرَّفْعُ، وَيُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْكَرَاهَةُ فِي كَلَامِ مَالِكٍ لِلتَّحْرِيمِ.
(قَوْلُهُ كَالْمُخْتَفِي) أَيْ الْمُتَوَارِي عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ (قَوْلُهُ: أَنْ أَقْعُدَ لَهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ قَعَدَ، وَقَوْلُهُ: مُخْتَفِيًا حَالٌ، وَقَوْلُهُ: لِأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَقَوْلُهُ: فَلْتَشْهَدْ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ هَكَذَا وَجَدْته ضَبْطًا لِبَعْضِ شُيُوخِنَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْيَاءِ، وَيُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ وَيَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ الْتِفَاتٌ أَيْ فَلْيَشْهَدْ ذَلِكَ الشَّاهِدُ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ فَلْيُشْهَدْ ذَلِكَ الشَّاهِدُ وَهُنَاكَ ضَبْطٌ آخَرُ كُنْت قَرَّرْته مَعَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ أَنْ يُقْرَأَ أُقْعِدَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَقَوْلُهُ: مُخْتَفِيًا مَفْعُولٌ أَيْ شَخْصًا مُخْتَفِيًا، وَقَوْلُهُ: فَلْيَشْهَدْ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ فَلْيَشْهَدْ ذَلِكَ الْمُخْتَفِي، وَقَوْلُهُ: إنْ تُحُقِّقَ الْإِقْرَارُ يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لَقَالَ إنْ تَحَقَّقَتْ الْإِقْرَارَ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ إنْ تَحَقَّقَ الْمُخْتَفِي ذَلِكَ الْإِقْرَارَ، وَقَوْلُهُ: كَمَا يَجِبُ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُقِرُّ غَيْرَ خَائِفٍ، وَلَا مَخْدُوعٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُقِرُّ خَائِفًا أَوْ مَخْدُوعًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ، وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِمَا ذُكِرَ.
(قَوْلُهُ: لِحَضَرِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ) أَيْ وَكَذَا الْحَضَرِيُّ عَلَى بَدَوِيٍّ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: عَبَّرَ عَنْ الْحَضَرِيِّ) أَيْ الْمَشْهُودِ إلَخْ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ «لَا يَشْهَدُ بَدَوِيٌّ لِحَضَرِيٍّ» أَصْلًا بَلْ مَا فِيهِ إلَّا الْقَرَوِيَّ أَوْ صَاحِبَ قَرْيَةٍ، وَلَا يُنَافِيهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «لَا يَشْهَدُ بَدَوِيٌّ عَلَى حَضَرِيٍّ» ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ لِحَضَرِيٍّ قَالَ اللَّقَانِيِّ: لَوْ قَالَ لِقَرَوِيٍّ كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ تَصْوِيرًا وَتَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ انْتَهَى أَيْ أَعَمُّ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَشْهَدُ لِلْقَرَوِيِّ فَأَوْلَى الْحَضَرِيِّ وَقَالَ عج الْحَضَرِيُّ شَامِلٌ لِلْقَرَوِيِّ وَلِلْمِصْرِيِّ بِالْمُطَابَقَةِ، وَدَلَالَةُ الْمُطَابِقَةِ أَوْلَى مِنْ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّوَايَاتِ أَرْبَعٌ اثْنَتَانِ فِي الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُمَا لَا يَشْهَدُ الْبَدَوِيُّ لِلْقَرَوِيِّ، وَلَا يَشْهَدُ بَدَوِيٌّ لِصَاحِبِ قَرْيَةٍ، وَاثْنَتَانِ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمَهُمَا الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَشْهَدُ بَدَوِيٌّ عَلَى حَضَرِيٍّ» وَفِي طَرِيقَةٍ أُخْرَى عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ (قَوْلُهُ وَالسِّينُ فِي قَوْلِنَا لِلِاسْتِشْهَادِ لِلطَّلَبِ) وَأَمَّا السِّينُ فِي اُسْتُبْعِدَ فَلِلتَّأْكِيدِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْأَقْوَالِ) أَيْ سَمِعَ الْبَدَوِيُّ الْحَضَرِيَّ يُقِرُّ لِحَضَرِيٍّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ رَآهُ فِي الْأَفْعَالِ أَيْ رَآهُ فِي الْأَفْعَالِ يَغْصِبُ مَثَلًا لِحَضَرِيٍّ مَالًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ حَذْفًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَضَرِيِّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَرَّ الْبَدَوِيُّ عَلَيْهِمَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَقَوْلُهُ: الْبَدَوِيُّ عَلَى حَذْفٍ أَيْ مَرَّ هُوَ أَيْ الْبَدَوِيُّ عَلَى الْحَضَرِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَالْفَاعِلُ الْحَضَرِيُّ، وَقَوْلُهُ: وَهُمَا يَتَقَارَرَانِ أَيْ فِي الضَّجَرِ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَيْنُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ فَعَلَى نُسْخَةِ هَذَا الشَّارِحِ لَمْ يَكُنْ لَفْظَةُ بِهِ بَعْدَ مَرَّ، وَفِي شَرْحِ شب وعب زِيَادَةٌ بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ، وَلَفْظُ عب أَوْ مُرَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ مَرَّ حَضَرِيَّانِ فِي سَفَرٍ بِبَدَوِيٍّ فَيَشْهَدُ فِي الْأَمْوَالِ، وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ وَكَذَا فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ (أَقُولُ) وَهَذَا حِلٌّ ظَاهِرٌ أَقُولُ وَعَلَى هَذَا الْحِلِّ لَا دَاعِي لِلْمُرُورِ، بَلْ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مُرُورٌ بَلْ كَانُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ
(قَوْلُهُ: وَلَا سَائِلَ) هُوَ مُنْخَرِطٌ فِي سِلْكِ الِاسْتِبْعَادِ وَمِنْ أَفْرَادِهِ فَالْأَوْلَى لِلْمُؤَلِّفِ تَجْرِيدُهُ مِنْ لَا إذْ لَا يَقْتَرِنُ بِهَا إلَّا الْمَانِعُ لَا أَفْرَادُهُ كَمَا فَعَلَ فِي سَائِرِ الْمَوَانِعِ وَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِعُذْرٍ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ حَضَرِيٌّ أَوْ سَائِلٌ فِي كَثِيرٍ إلَخْ ثُمَّ يَقُولُ بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ أَوْ مَرَّ بِهِ لِيَعُودَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا هُوَ النَّقْلُ لَكَانَ حَسَنًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ يَسْأَلُ الْأَعْيَانَ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: مَا لَمْ يَسْأَلْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْ يَسْأَلُ الْأَعْيَانَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَأَوْلَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا أَصْلًا
الْمَسْأَلَةُ الْمَانِعُ فِيهَا الِاسْتِبْعَادُ وَمُخَالَفَةُ الْعَادَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ السُّؤَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الْحَقِّ الْمَالِيِّ إذَا كَانَ كَثِيرًا، وَتَجُوزُ فِي التَّافِهِ الْيَسِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا مَعَ قَصْدِ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا إنْ سَمِعَهُ يَقُولُ أَوْ مَرَّ بِهِمَا، وَهُمَا يَتَنَازَعَانِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِكَذَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فَقَوْلُهُ: فِي كَثِيرٍ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِسَائِلٍ بَلْ بِمُقَدَّرٍ أَيْ شَهِدَ فِي كَثِيرٍ بِخِلَافِ مَنْ يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ أَوْ يَسْأَلُ أَعْيَانَ النَّاسِ وَأَشْرَافَهُمْ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ فِي الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَعْيَانِ الْأَغْنِيَاءُ، وَإِنَّمَا تُمْنَعُ شَهَادَةُ السَّائِلِ فِي الْكَثِيرِ إذَا كَانَ يَسْأَلُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ.
(ص) وَلَا إنْ جَرَّ بِهَا كَعَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا (ش) هَذَا عَطْفٌ عَلَى مُغَفَّلٍ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْ، وَلَا يَجُرُّ لَهُ بِهَا نَفْعًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا جَرَّ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا لَهُ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ لِاتِّهَامِهِ عَلَى قَتْلِهِ لِيَرِثَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشُّهُودُ كُلُّهُمْ وَرَثَةً أَوْ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوَرِّثُ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ أَوْ وَلَدَهُ وَاحْتُرِزَ بِالْمُحْصَنِ عَنْ الْمُوَرِّثِ الْبِكْرِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ.
(ص) أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ إلَّا الْفَقِيرَ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِأَنَّهُ قَتَلَ شَخْصًا عَمْدًا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْرُوثُ فَقِيرًا، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْوَارِثِ حِينَئِذٍ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالزِّنَا أَوْ الْقَتْلِ عَمْدًا جَائِزَةٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ وَاحْتُرِزَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تَجُوزُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ غَنِيًّا كَانَ الْمُوَرِّثُ أَوْ فَقِيرًا.
(ص) أَوْ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ فِي وَلَائِهِ (ش) هَذَا عَطْفٌ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: بَعْدَهُ أَوْ بِدَيْنٍ، وَتَقْدِيرُهُ كَشَهَادَتِهِ عَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا، وَكَشَهَادَتِهِ بِعِتْقِ مَنْ يُتَّهَمُ عَلَى وَلَائِهِ أَوْ شَهَادَتِهِ بِدَيْنٍ فَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْجَرِّ كَمَا إذَا شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ فُلَانًا مَثَلًا حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُودُ بِعِتْقِهِ ذَا مَالٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَاءِ كَالْبَنَاتِ وَالزَّوْجَاتِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا تُؤَدِّي إلَى حِرْمَانِ الْوَرَثَةِ الْمَذْكُورِينَ فَلِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ ذُكِرَ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَيْهِمْ زَادَ فِيهَا قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ التُّهْمَةُ حَاصِلَةً الْآنَ بِأَنْ يَكُونَ لَوْ مَاتَ حِينَئِذٍ وَرِثَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا يَوْمًا مَا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ أَنَّ أَخَاهُمَا أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ وَهُنَاكَ ابْنَانِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا جَائِزَةٌ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالْوَلَاءِ هُنَا الْمَالُ أَيْ مَنْ يُتَّهَمُ فِي مَالِهِ.
(ص) أَوْ بِدَيْنٍ لِمَدِينِهِ (ش) هَذَا أَيْضًا مِنْ أَمْثِلَةِ الْجَرِّ، وَالْمَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَدِينِهِ بِهِبَةٍ أَوْ جِرَاحِ خَطَأٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَئُولُ إلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَحْصُلُ لِلْمَدِينِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَدِينِهِ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَالْقَذْفِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهِ؛ إذْ لَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ، وَلَوْ أَبْدَلَ " دَيْنٍ " بِمَالٍ لَكَانَ أَشْمَلَ كَمَا لَوْ شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ أَوْ دَارٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُعْسِرًا، وَكَانَ دَيْنُهُ حَالًّا أَوْ قَرِيبَ الْحُلُولِ، وَعَبَّرَ هُنَا بِمَدِينٍ وَبَعْدَهُ بِمُدَانٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمَا لُغَتَانِ، وَبَقِيَتْ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ مِدْيَانٌ وَرَابِعَةٌ، وَهِيَ مَدْيُونٌ.
(ص) بِخِلَافِ الْمُنْفِقِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ (ش) أَيْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا كَانَ أَجِيرًا عِنْدَهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَيْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَاجِبَةً بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، أَمَّا مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ وَأَمَّا عَكْسُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ شَهَادَةُ مَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: إذَا كَانَ كَثِيرًا إلَخْ) وَهُوَ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِشْهَادِهِ فِيهِ، وَتَرَكَ الْأَغْنِيَاءَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ إنَّمَا يُقْصَدُ فِي تَوْثِيقِهِ غَالِبًا الْأَغْنِيَاءُ فَالْعُدُولُ عَنْهُمْ إلَى فُقَرَاءَ رِيبَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ قَدْ يَحْمِلُ عَلَى الرِّشْوَةِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ سَأَلَ لِمُصِيبَةٍ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا إنْ جَرَّ إلَخْ) وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ شَهِدَ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إزَالَةِ ذَلِكَ الْعَيْبِ الْحَاصِلِ بِالتَّزْوِيجِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْعَيْبِ بِالطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى مُغَفَّلٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَطْفٌ عَلَى لَيْسَ بِمُغَفَّلٍ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَكَأَنَّهُ قَالَ لَا إنْ كَانَ مُغَفَّلًا، وَلَا إنْ جَرَّ، وَقَوْلُهُ: أَيْ، وَلَا يَجُرُّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَاضِيَ فِي الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمُضَارِعِ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْرُوثُ فَقِيرًا) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ يُنْفِقُ عَلَى ذَلِكَ الْفَقِيرِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(قَوْلُهُ: هَذَا عَطْفٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ يُنَكِّدُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ لَفْظُ شَهَادَتِهِ الْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا شَهِدَ إلَخْ) أَيْ جِنْسُ الْوَلَدِ الصَّادِقِ بِاثْنَيْنِ فَصَحَّ تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا أَيْ الْوَلَدَيْنِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ الْمَشْهُودُ بِعِتْقِهِ ذَا مَالٍ) لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مِثْلُ الْمَالِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا أَوْ صَالِحًا أَوْ فَارِهًا؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ رَغْبَةً فِي انْتِسَابِ مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ ذُكِرَ) بِأَنْ كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ لَا يُبَاعُ بَلْ صَارَ حُرًّا فَجَاءَ الضَّرَرُ عَلَى الْأَوْلَادِ الَّذِينَ هُمْ الشُّهُودُ (قَوْلُهُ: يَوْمًا) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَمُوتَ ابْنُ الْمُعْتَقِ (قَوْلُهُ: وَهُنَاكَ ابْنَانِ) أَيْ لِلْأَخِ بَلْ وَلَوْ ابْنٌ وَاحِدٌ أَوْ ابْنٌ لِلْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْوَلَاءِ هُنَا الْمَالُ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اللُّحْمَةَ.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُعْسِرًا) أَيْ أَوْ مَلِيًّا وَكَانَ مُلِدًّا (قَوْلُهُ: بِمُدَانٍ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَفِي غَيْرِهِ: مُدَّانٌ بِالتَّشْدِيدِ ابْنُ غَازِيٍّ بِالْمَعْنَى أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا رحمه الله.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فِي عِيَالِهِ فَالْأَجِيرُ الَّذِي لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ عِيَالِهِ.
هُوَ فِي نَفَقَةِ شَخْصٍ لَهُ فَإِنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَ الشَّهَادَةَ لَهُ قَطَعَ عَنْهُ النَّفَقَةَ.
(ص) وَشَهَادَةُ كُلٍّ لِلْآخَرِ، وَإِنْ بِالْمَجْلِسِ (ش) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ لَهُمَا عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى اثْنَيْنِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهَذَا مَعَ اتِّحَادِ الزَّمَنِ وَأَحْرَى مَعَ اخْتِلَافِهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَأَحْرَى مَعَ اخْتِلَافِهِ.
(ص) وَالْقَافِلَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي حِرَابَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ الْقَافِلَةِ تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي حِرَابَةٍ وَسَوَاءٌ شَهِدُوا لِصَاحِبِهِمْ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ سَبٍّ قَوْلُهُ " بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ " بَدَلٌ مِنْ الْقَافِلَةِ، وَهَذِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَهَادَةُ كُلٍّ لِلْآخَرِ كَالسَّابِقَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ يُتَوَهَّمُ فِيهَا عَدَمُ الْجَوَازِ لِمَا ثَبَتَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَقَبِلْنَا الشَّهَادَةَ هُنَا لِلضَّرُورَةِ.
(ص) لَا الْمَجْلُوبِينَ إلَّا كَعِشْرِينَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَجْلُوبِينَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا وَيَشْهَدَ مِنْهُمْ كَالْعِشْرِينِ فَأَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَتُقْبَلَ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِنَفْسِهِ وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْعِشْرِينَ كَمَا عِنْدَ التُّونِسِيِّ أَمْ لَا كَمَا عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْعِشْرِينَ يَشْهَدُونَ جَمِيعَهُمْ لَا اثْنَانِ مِنْهُمْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ كَمَا عِنْدَ التُّونِسِيِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَانْظُرْ لَوْ شَهِدَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ وَحَلَفَ الْمَشْهُودُ لَهُ هَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: وَالْمَجْلُوبُونَ هُمْ الْقَوْمُ الَّذِينَ يُرْسِلُهُمْ السُّلْطَانُ لِسَدِّ ثَغْرٍ أَوْ حِيَاطَةِ قَرْيَةٍ أَيْ حِرَاسَتِهَا أَوْ لِقُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ، أَوْ قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ الْكُفَّارِ مُتَرَافِقِينَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمُونَ وَسَوَاءٌ جَرَى عَلَيْهِمْ الِاسْتِرْقَاقُ، أَوْ لَا، وَعُلِّلَ ذَلِكَ بِاتِّهَامِهِمْ عَلَى حَمِيَّةِ الْبَلَدِيَّةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ شَهَادَةِ طَوَائِفِ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ قَدِمُوا مُتَرَافِقِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بَلْ التَّعْلِيلُ بِذَلِكَ يَقْتَضِي مَنْعَ شَهَادَةِ الْعَسْكَرِ عَلَى أَبْنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُتَرَافِقِينَ وَهَذَا مُشَاهَدٌ مِنْهُمْ فِي زَمَانِنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التُّهْمَةَ تَضْعُفُ مَعَ عَدَمِ قَيْدِ التَّرَافُقِ وَتَقْوَى مَعَ التَّرَافُقِ فَالِاقْتِضَاءُ الثَّانِي غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
(ص) وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ فِي وَصِيَّةٍ بِكَثِيرٍ وَشَهِدَ لِغَيْرِهِ بِكَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِلتُّهْمَةِ فَلَا تَصِحُّ لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالشَّهَادَةُ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا لِلتُّهْمَةِ بَطَلَ جَمِيعُهَا وَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا لِلسُّنَّةِ جَازَ مِنْهَا مَا أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِوَصِيَّةٍ بِعِتْقٍ وَبِمَالٍ فَإِنَّهَا تُرَدُّ فِي الْعِتْقِ، وَلَا تُرَدُّ فِي الْمَالِ وَكَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا.
(ص) وَإِلَّا قُبِلَ لَهُمَا (ش) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَشَهِدَ لِغَيْرِهِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ جَائِزَةٌ لَهُمَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَشَهَادَةُ كُلٍّ لِلْآخَرِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُؤٍ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ إلَخْ، وَمُقَابِلُ ذَلِكَ مَا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ جَازَ، وَإِنْ تَقَارَبَ مَا بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَعَ اتِّحَادِ الزَّمَنِ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا مَعَ قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ اتِّحَادِ إلَخْ لَا حَاجَةَ لَهُ مَعَ قَوْلِهِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى اثْنَيْنِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَهَذَا مَعَ اتِّحَادِ الزَّمَنِ بِأَنْ يُقَالَ: وَأَحْرَى مَعَ اخْتِلَافِهِ أَيْ بِأَنْ طَالَ الْمَجْلِسُ فَالزَّمَنُ اخْتَلَفَ لَكِنَّ الْمَجْلِسَ وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَافِلَةِ) هُمْ الرُّفْقَةُ لَا بِقَيْدِ رُجُوعِهِمْ مِنْ السَّفَرِ بَلْ مُطْلَقًا لَا كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْهَا عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ أَفَادَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: فِي حِرَابَةٍ) أَيْ وَاقِعَةٍ فَيَشْمَلُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَالنَّسَبَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَسَبٍ أَيْ نَفْيُ النَّسَبِ أَيْ شَهِدُوا لَهُ بِأَنَّ الْغَيْرَ يَنْفِي النَّسَبَ بِأَنْ قَالَ الْبَدَوِيُّ: لَسْت ابْنًا لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ: أَوْ سَبٍّ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ سَبٌّ بِسِينٍ وَبَاءٍ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْزِيرِ أَوْ الْحَدِّ وَكَذَا فِي عب (قَوْلُهُ: بَدَلٌ مِنْ الْقَافِلَةِ) وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَدَلٌ مَقْطُوعٌ مَرْفُوعٌ خَبَرُهُ فِي حِرَابَةٍ.
(قَوْلُهُ: لَا الْمَجْلُوبِينَ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَافِلَةِ عَلَى نُسْخَةِ الْجَرِّ، وَعَلَى نُسْخَةِ الرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَيْهَا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهَا، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ وَجُرَّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ وَمَنْ رَاعَى فِي الِاتِّبَاعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُرَادَ شَهَادَتُهُمْ قَطْعًا فِي مَالٍ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ ذَلِكَ فِي النَّسَبِ أَيْ يَشْهَدُونَ بِأَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ) أَيْ عَلَى شَخْصٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُمْ لِغَيْرِهِمْ عَلَى شَخْصٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَوْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ عَلَى شَخْصٍ مِنْهُمْ فَيَكْفِي اثْنَانِ، وَالْعِشْرُونَ إنَّمَا يُشْتَرَطُونَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْهُمْ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ مِنْهُمْ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِنَفْسِهِ) أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعِشْرُونَ لَيْسَ فِيهِمْ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمَشْهُودُ لَهُ، فَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ بَعْضَ الْعِشْرِينَ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ (قَوْلُهُ: وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ إلَخْ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ ضَعِيفٌ، فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانُوا عُدُولًا لَا يُشْتَرَطُ الْعِشْرُونَ بَلْ كَانَ يَكْفِي اثْنَانِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَجْلُوبِينَ تُدْرِكُهُمْ حَمِيَّةُ الْبَلَدِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِقُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ) أَيْ لِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ جَرَى عَلَيْهِمْ الِاسْتِرْقَاقُ) أَيْ ثُمَّ أَعْتَقَهُمْ الْإِمَامُ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُسَلَّمٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ شَهَادَةُ غَيْرِ الْمُتَرَافِقِينَ عَلَى أَبْنَاءِ الْعَرَبِ وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمَجْلُوبِينَ، وَقَوْلُهُ: فَالِاقْتِضَاءُ إلَخْ أَيْ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ.
(قَوْلُهُ: بِوَصِيَّةٍ) أَيْ وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي وَصِيَّةٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) مُقَابِلُهُ رِوَايَةُ الْجَلَّابِ بِالْجَوَازِ لِغَيْرِهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: جَازَ مِنْهَا مَا أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ يَبْطُلُ الْجَمِيعُ، وَقَوْلُهُ: فِي بَعْضِ صُوَرِهَا هُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي فَإِنْ كُتِبَتْ بِخَطِّ الشَّاهِدِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تُرَدُّ فِي الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هَذَا الشَّاهِدُ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ فِي حُكْمِ التَّبَعِ، فَإِنْ نَكَلَ الْغَيْرُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ حَقُّ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ لَا تَبَعَ ثُمَّ إنَّ كُلًّا مِنْ بِكَثِيرٍ وَبِوَصِيَّةٍ مُتَعَلِّقٌ بِشَهِدَ وَلِغَيْرِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى لَهُ ثُمَّ إنَّ الْأُولَى لَا تُقْبَلُ لَهُمَا وَالثَّانِيَةُ تُقْبَلُ لَهُمَا فَقَوْلُهُ: وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ أَيْ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمُقَابَلَةِ وَمِنْ حَذْفِ الْمُتَعَلِّقِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ فَلِذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقُولَ: وَلِغَيْرِهِ مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ، وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا مَنْ شَهِدَ إلَخْ إذَا كُتِبَتْ الْوَصِيَّةُ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِأَنْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمَيِّتِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كُتِبَتْ بِخَطِّ الشَّاهِدِ أَوْ لَمْ تُكْتَبْ أَصْلًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَوْ قَلَّ كَأَنْ كُتِبَتْ بِكِتَابَيْنِ أَيْ كُتِبَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِكِتَابٍ وَالْوَصِيَّةُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ بِكِتَابٍ آخَرَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلْآخَرِ أَيْضًا دُونَهُ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ لِلتُّهْمَةِ.
(ص) وَلَا إنْ دَفَعَ كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الدَّفْعَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا كَشَهَادَةِ بَعْضِ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ خَطَأً بِفِسْقِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الشَّاهِدُ فَقِيرًا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَصِحُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ الْقَتْلَ بِالْخَطَأِ لِذِكْرِهِ الْعَاقِلَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ عَمْدًا، وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَظَاهِرُهُ كَانَتْ شَهَادَةُ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ وَقَعَتْ بَعْدَ أَدَاءِ شُهُودِ الْقَتْلِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُمَا مَعًا فَقَوْلُهُ: وَلَا إنْ دَفَعَ أَيْ وَلَا بِالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى بِمُغَفَّلٍ.
(ص) أَوْ الْمُدَّانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ (ش) الضَّمِيرُ فِي لِرَبِّهِ رَاجِعٌ لِلدَّيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمُدَانِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُدَانَ، وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ سَوَاءٌ شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ كَقِصَاصٍ أَوْ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ أَهَمَّ خِلَافًا لِنَقْلِ ابْنِ زَرْقُونٍ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا لَا يَسْتَضِرُّ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ سَوَاءٌ شَهِدَ لَهُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ قَوْلُهُ: الْمُعْسِرِ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ مَلِيءٌ فِي الظَّاهِرِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْشَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ الْحَبْسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ.
(ص) وَلَا مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُنْوَى فِيهِ، وَإِلَّا رَفَعَ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُفْتِي عَلَى مُسْتَفْتِيهِ إنْ كَانَ اسْتِفْتَاؤُهُ فِي شَيْءٍ يَنْوِي الْحَالِفُ فِيهِ كَمَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ زَيْدًا وَكَلَّمَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ مَثَلًا وَادَّعَى نِيَّةَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَلِفِ فَإِذَا طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ الْمُفْتِيَ لِيَشْهَدَ لَهَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى زَوْجِهَا بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَعْلَمُ مِنْ بَاطِنِ الْيَمِينِ خِلَافَ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهَا، وَأَمَّا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَنْوِي فِيهِ
ــ
[حاشية العدوي]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَسِيرٌ فِي حُكْمِ التَّبَعِ) هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ بِقَلِيلٍ وَلِغَيْرِهِ بِكَثِيرٍ؛ وَلِذَا كَانَ الصَّوَابُ أَنَّ الْبُطْلَانَ إذَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِقَلِيلٍ وَلِغَيْرِهِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبِوَصِيَّةٍ إلَخْ) إلَّا أَنَّ الْبَاءَ فِي بِكَثِيرٍ لِلتَّعْدِيَةِ، وَفِي بِوَصِيَّةٍ لِلظَّرْفِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ) الْأَوْلَى تَجْرِيدُهُ مِنْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ سِلْكِ مَا قَبْلَهُ وَتَوَهُّمُ عَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِمُسَوِّغٍ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ فِيهِ تَعَدَّى فِعْلُ الْفَاعِلِ الْمُتَّصِلِ إلَى ضَمِيرِهِ الْمُتَّصِلِ، وَذَلِكَ خَاصٌّ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِ شَهِدَ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، وَفِي الْكَلَامِ رَكَّةٌ ذَكَرَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: فَهُمْ مِنْ الْمُقَابَلَةِ) أَيْ مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ وَلِغَيْرِهِ بِكَثِيرٍ، وَيُنَاقَشُ بِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ تُفِيدُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْيَسِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمَيِّتِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجَعَ عَنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُقْبَلُ لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ يَخْشَى مُعَاجَلَةَ الْمَوْتِ، وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الشَّاهِدُ فَقِيرًا) فِي عب خِلَافُهُ فَإِنْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ فَقِيرًا بِحَيْثُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا فِي الدِّيَةِ وَاسْتَغْنَى عَنْ تَقْيِيدِ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ: دَفَعَ إلَخْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ تت وَبَهْرَامُ تَبَعًا لِلتَّوْضِيحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ التَّقْيِيدُ. (قَوْلُهُ ضَرَرًا) أَيْ وَهُوَ غُرْمُ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ فِي الْمَعْنَى إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلٍ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ لَا بِالْغَفْلَةِ، وَلَا بِالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا يُنَافِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: الْمُدَانِ الْمُعْسِرِ إلَخْ) أَيْ إنْ حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ قَرُبَ حُلُولُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ بِسَبِّهِ) بِسِينٍ وَبَاءٍ كَمَا فِي الشَّارِحِ أَيْ السَّبُّ الْمَعْلُومُ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِنَقْلِ ابْنِ زَرْقُونٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقُولُ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِيمَا عَدَا الْمَالَ قَالَهُ أَهْلُ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ كَانَ ثَابِتًا) لَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ الْآنَ بِالْحَبْسِ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَدِينِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: وَلَا مُفْتٍ) وَلَا حَاضِرٍ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُفْتِي) وَمِثْلُهُ الْمُصْلِحُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَادَّعَى نِيَّةَ ذَلِكَ) أَيْ وَسُئِلَ الْمُفْتِي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْك الطَّلَاقُ حَيْثُ نَوَيْت ثُمَّ وَطِئْت بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ نَوَى الْبَاطِنَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ النِّيَّةِ هَكَذَا عِنْدَ الْمُفْتِي، وَأَمَّا الْقَاضِي فَيَحْكُمُ بِالطَّلَاقِ، وَلَا يَنْظُرُ لِتِلْكَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ لِلظَّاهِرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَسَائِلَ يُقْبَلُ فِيهَا عِنْدَ الْمُفْتِي دُونَ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا رَفَعَ إلَخْ رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُنْوَى فِيهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: كَمَا إذَا أَقَرَّ إلَخْ مَعْنَاهُ إنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ بِأَنَّهُ زَنَى ثُمَّ اسْتَفْتَى الْمُفْتِيَ قَائِلًا لَهُ: أَنَا نَوَيْت بِقَوْلِي ذَلِكَ الطَّلَاقَ، أَوْ نَوَيْت الزِّنَا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْكَرَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ: وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ
فَإِنَّ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَرْفَعَ وَيَشْهَدَ كَمَا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْمُفْتِي بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ بِحَدٍّ وَنَحْوِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَا يَسَعُ الْمُفْتِي أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَقَوْلُهُ: عَلَى مُسْتَفْتِيهِ أَيْ فِيمَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْتَاءٍ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْوَى بِهِ كَإِدَارَةِ مَيِّتَةٍ رَفَعَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مِنْ كَوْنِهِ مَحْضَ حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْ مَحْضَ حَقِّ اللَّهِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ أَوْ لَا.
(ص) ، وَلَا إنْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقٍ، وَقَالَ: أَنَا بِعْته لَهُ (ش) أَيْ وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي هَذَا أَيْضًا، وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقِ ثَوْبٍ مَثَلًا لِشَخْصٍ، وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَأَنَا بِعْته لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَأَنَا وَهَبْته أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ لِانْتِفَاءِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ يَرْجِعُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَقُلْ، وَأَنَا بِعْته لَهُ لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّاهِدَ كَانَ بَاعَهُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَا يَضُرُّ لِاحْتِمَالِ كَذِبِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبَرْمُونِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَثَبَتَ بَيْعُهُ لَهُ لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْبَيِّنَةِ لَكِنْ إنْ كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُفِيدُ عِنْدَ الْقَاضِي صِدْقَ الشَّاهِدِ بِقَوْلِهِ: وَأَنَا بِعْته يُرِيدُ تُفِيدُ تَقْوِيَةَ الظَّنِّ عِنْدَ الْقَاضِي بِصِدْقِهِ فَهُوَ قَدْ حَرَصَ بِذَلِكَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا فِيمَا مَرَّ عِنْدَ ذِكْرِهِ الْحِرْصَ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ يَكْتَفِي بِمَا مَرَّ لِشُمُولِهَا لِهَذِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ لِئَلَّا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا إنْ دَفَعَ إلَخْ أَوْ يَسْتَغْنِي بِمَا مَرَّ عَنْ هَذِهِ لِشُمُولِهِ لَهَا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ النَّوْعَيْنِ عُدَّ قِسْمًا آخَرَ.
(ص) ، وَلَا إنْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا شَهِدَ شَهَادَةً وَبَعْدَ أَدَائِهَا وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا حَدَثَ بِهِ فِسْقٌ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ عِنْدَهُ كَمِينٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِسْقِ، وَأَنَّهُ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهِ وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا لَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ تَنْفِيذِ مَا حُكِمَ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّهُ كَانَ شَرِبَ خَمْرًا بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِفَاسِقَيْنِ.
(ص) بِخِلَافِ تُهْمَةِ جَرٍّ وَدَفْعٍ وَعَدَاوَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ ظُهُورَ مَا ذُكِرَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا لِخِفَّةِ التُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ فَمِثَالُ تُهْمَةِ جَرٍّ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ لِامْرَأَةٍ بِحَقٍّ عَلَى آخَرَ، وَلَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ حَتَّى تَزَوَّجَ الشَّاهِدُ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَمِثَالُ تُهْمَةِ الدَّفْعِ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلٌ بِفِسْقِ آخَرَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِدَ الْمَشْهُودُ بِفِسْقِهِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، وَالشَّاهِدُ بِالْفِسْقِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ بِالْفِسْقِ قَالَهُ الشَّيْخُ دَاوُد تَبَعًا لِلْبِسَاطِيِّ قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِدَ الْمَشْهُودُ بِفِسْقِهِ أَيْ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِفِسْقِهِ، أَوْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَالتَّوْبَةِ مِمَّا جُرِّحَ بِهِ، وَمِثَالُ تُهْمَةِ الْعَدَاوَةِ كَمَا لَوْ خَاصَمَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا رَفَعَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْوِي فِيهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْوَى أَيْ أَوْ كَانَ فِيمَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا يُنْوَى فِيهِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ أَوْ بِحَدٍّ مَعْنَاهُ: أَوْ أَقَرَّ بِمُوجَبِ حَدٍّ كَالزِّنَا، وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ تَفْرِيعَ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ: عَلَى مُسْتَفْتِيهِ إلَخْ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا يَظْهَرُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُفَرَّعَ عَلَيْهِ حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَّا رَفَعَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ مِمَّا يُنْوَى فِيهِ، وَحَاصِلُ التَّفْرِيعِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَّا رَفَعَ رَاجِعٌ لِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: عَلَى مُسْتَفْتِيهِ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِمَّا يُنْوَى فِيهِ فَتَدَبَّرْ، وَقَوْلُهُ: كَإِرَادَةِ مَيِّتَةٍ إلَخْ حَاصِلِهِ أَنَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ زَوْجَتَهُ الْمَيِّتَةَ وَاسْتَفْتَى فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا عِنْدَ الْمُفْتِي.
(قَوْلُهُ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا وَهَبْته إلَخْ) رَدَّهُ مُحَشِّي تت بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَهَبْته وَتَصَدَّقْت وَبِعْت وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ خِلَافَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ أَحْرَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِهَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ مَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِالْمِلْكِيَّةِ (أَقُولُ) ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَوْلُ الْبَرْمُونِيِّ لِاحْتِمَالِ كَذِبِ الْبَيِّنَةِ يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُهُ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت عِنْدِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْرِيرُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلَمَّا حَذَفَ الْمَرْجِعَ أَبْرَزَ (قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ: وَأَنَا بِعْته) هَكَذَا نُسْخَةُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ وَالْبَاءُ ظَرْفِيَّةٌ فَقَوْلُهُ: وَأَنَا بِعْته مُسْتَأْنَفٌ لَيْسَ مَفْعُولًا بِقَوْلِهِ، وَقَوْلُهُ: يُرِيدُ يُفِيدُ الْأَوْلَى حَذْفُ يُرِيدُ، وَيَقُولُ: يُفِيدُ تَقْوِيَةً وَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ يُفِيدُ عِنْدَ الْقَاضِي صِدْقَ الشَّاهِدِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ظَنِّ صِدْقِ الشَّاهِدِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ يَنْبَغِي إلَخْ) أَيْ بِحَيْثُ يَجْعَلُهُ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يَكْتَفِي إلَخْ أَيْ فَكَانَ لَا يَذْكُرُهَا أَصْلًا أَيْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ جُزْئِيَّاتِهِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ جُزْئِيَّاتِ الشَّيْءِ.
(قَوْلُهُ: كَمِينٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِسْقِ) أَيْ اسْتِتَارٌ وَاسْتِخْفَاءٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِسْقِ، وَالتَّعْبِيرُ بِحَدَثِ الْمُقْتَضِي تَحَقُّقُ الْحُدُوثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ اُتُّهِمَ بِالْحُدُوثِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالِاتِّهَامِ الشَّكَّ أَوْ الظَّنَّ الضَّعِيفَ، وَأَمَّا الظَّنُّ الْقَوِيُّ فَيُعْطِي حُكْمَ التَّحَقُّقِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُنْقَضُ) أَيْ لِكَوْنِهِ قَضَى بِفَاسِقٍ.
(قَوْلُهُ: إنْ شَهِدَ إلَخْ) أَيْ فَيُتَّهَمُ أَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ لَهَا لِأَجْلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا (قَوْلُهُ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِفِسْقِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِفِسْقِهِ لَكَانَتْ شَهَادَتُهُ غَيْرَ مَاضِيَةٍ، وَلَا يُتَوَهَّمُ بُطْلَانُ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِالْفِسْقِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ) أَيْ عَدَالَةِ الْمَشْهُودِ بِفِسْقِهِ الَّذِي هُوَ شَاهِدٌ بِالْقَتْلِ أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا شَهِدَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - كَانَ أَوَّلًا - قَائِمٌ بِهِ وَزَالَ فَيَكُونُ شَهَادَةً بِالْفِسْقِ ضِمْنًا (قَوْلُهُ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَلِمَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلشَّارِحِ أَنْ يَحْذِفَ تُهْمَةَ الْمُقْتَضِي عَطْفَ عَدَاوَةٍ عَلَى لَفْظِ جَرٍّ وَأَنَّ لَفْظَ تُهْمَةٍ
الْعَدَاوَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بَعْدُ، وَأَمَّا لَوْ اُحْتُمِلَ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْأَدَاءِ فَتَضُرُّ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: كَقَوْلِهِ تَتَّهِمُنِي إلَخْ.
(ص) وَلَا عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ ثَبَتَ بَيْنَهُمْ التَّحَاسُدُ وَالتَّبَاغُضُ وَالْعَدَاوَةُ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ إلَّا عَلَى هَذَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ذُكِرَ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّ شَهَادَةَ ذَوِي الْفَضْلِ مَقْبُولَةٌ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «يَحْمِلُ هَذَا الدِّينَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ» ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَنْ شَنَّعَ عَلَيْهِمْ رضي الله عنهم.
(ص) وَلَا إنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمَّالِ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأَخْذَ مِنْ الْعُمَّالِ الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ أَيْ الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ جِبَايَةُ الْأَمْوَالِ فَقَطْ دُونَ صَرْفِهَا فِي وُجُوهِهَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ عِنْدَهُمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْأَخْذُ أَوْ الْأَكْلُ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ اتِّكَالًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ كَصَغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ لَا تَقْدَحُ وَأَمَّا الْعُمَّالُ الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ جِبَايَةُ الْأَمْوَالِ وَصَرْفُهَا فِي وُجُوهِهَا كَالْحَجَّاجِ وَنَحْوِهِ مِنْ أُمَرَاءِ الْبِلَادِ الَّذِينَ فُوِّضَ إلَيْهِمْ جَمِيعُ أُمُورِ الْأَمْوَالِ فَجَوَائِزُهُمْ كَجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ يَجُوزُ الْأَكْلُ عِنْدَهُمْ، وَأَخْذُ جَوَائِزِهِمْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
(ص) وَلَا إنْ تَعَصَّبَ كَالرِّشْوَةِ وَتَلْقِينِ خَصْمٍ وَلِعْبِ نَيْرُوزَ وَمَطْلٍ وَحَلِفٍ بِعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثًا بِلَا عُذْرٍ وَتِجَارَةٍ لِأَرْضِ حَرْبٍ وَسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ أَوْ مَعَ وَلَدِ شِرِّيبٍ وَبِوَطْءِ مَنْ لَا تُوطَأُ وَبِالْتِفَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَبِاقْتِرَاضِهِ حِجَارَةً مِنْ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ إحْكَامِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالزَّكَاةِ لِمَنْ لَزِمَتْهُ وَبَيْعِ نَرْدٍ وَطُنْبُورٍ وَاسْتِحْلَافِ أَبِيهِ (ش) هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ مِنْهَا أَخْذُ الرِّشْوَةِ أَيْ أَخْذُ الْمَالِ لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقِ بَاطِلٍ، وَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ لِإِبْطَالِ الظُّلْمِ فَهُوَ جَائِزٌ لِلدَّافِعِ، حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ قَوْلُهُ: وَلَا إنْ تَعَصَّبَ أَيْ اُتُّهِمَ عَلَى التَّعَصُّبِ أَيْ التَّحْلِيلِ وَالْحَيْفِ، وَمِنْهَا تَلْقِينُ الْخُصُومِ أَيْ يُلَقِّنُهُ مِنْ الْحُجَّةِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى خَصْمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ بِهِ حَقُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ الْقَبُولِ (تَنْبِيهٌ) : وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُرْتَشٍ أَيْ آخِذِ الرِّشْوَةِ أَيْ مَنْ كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ هَذَا الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْآنَ، وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُلَقِّنِ الْخُصُومِ أَيْ مَنْ كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُلَقِّنْ هَذَا الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْآنَ، وَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُلَقِّنَ أَحَدَهُمَا حُجَّةً عَجَزَ عَنْهَا
وَمِنْهَا لِعْبُ نَيْرُوزَ، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ لَا سِيَّمَا إذَا لَعِبَهُ مَعَ الْأَوْبَاشِ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّصَارَى ثُمَّ إنَّ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى فِي أَيْ لِعْبٍ فِي يَوْمِ نَيْرُوزَ قَالَ تت قِيلَ إنَّهُ كَانَ بِمِصْرَ قَدِيمًا يُفْعَلُ فِي يَوْمِ النَّيْرُوزِ، وَلَا نَعْرِفُ صِفَتَهُ لَكِنْ رَأَيْت بِبَعْضِ
ــ
[حاشية العدوي]
مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُحَقَّقَةٌ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَعَدَاوَةٍ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ تُهْمَةٍ.
(قَوْلُهُ: يَحْمِلُ هَذَا الدِّينَ) أَيْ هَذَا الْعِلْمَ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ خَلَفٍ) أَيْ قَرْنٍ، وَقَوْلُهُ: عُدُولُهُ فَاعِلُ يَحْمِلُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَامِلَ لِهَذَا الْعِلْمِ إنَّمَا هُمْ الْعُدُولُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِلْمِ الْعَدَالَةُ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ شَنَّعَ عَلَيْهِمْ) أَيْ قَائِلًا: إنَّهُمْ كَالتُّيُوسِ فِي الزَّرِيبَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ (قُلْت) أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ عَلَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ ثَبَتَتْ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ لَا مُطْلَقُ الْعُلَمَاءِ.
(قَوْلُهُ: الْمَضْرُوبِ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْعُمَّالِ أَيْ كَاَلَّذِي يُرْسِلُهُ الْمُلْتَزِمُ لِجِبَايَةِ الْخَرَاجِ وَأَمَّا نَفْسُ الْمُلْتَزِمِ فَهُوَ كَالْخَلِيفَةِ (قَوْلُهُ: لَا تَقْدَحُ) خَبَرُ أَنَّ أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَقْدَحُ كَالْمَرَّةِ مِنْ صَغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ أَيْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ قَبِيلِ الصَّغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ فَحِينَئِذٍ فَلَا تَقْدَحُ الْمَرَّةُ فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنْ صَغَائِرِ غَيْرِ الْخِسَّةِ (قَوْلُهُ: كَالْحَجَّاجِ إلَخْ) فَإِنَّهُ نَابَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ (قَوْلُهُ: فَجَوَائِزُهُمْ كَجَوَائِزِ الْخُلَفَاءِ) أَيْ فَقَدْ أَخَذَ مَالِكٌ جَائِزَةَ الْمَنْصُورِ، وَأَخَذَ ابْنُ شِهَابٍ جَائِزَةَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَالْأَخْذُ مِنْ الْعُمَّالِ أَخْذُ ابْنِ عُمَرَ جَائِزَةً مِنْ الْحَجَّاجِ عَلَى مَا نُقِلَ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ مِمَّنْ ذُكِرَ إذَا كَانَ جُلُّ الْمَالِ حَلَالًا كَمَا فِي تت وَأَمَّا مَنْ جُلُّ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَمْنُوعٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا مَنْ جَمِيعُ مَالِهِ حَرَامٌ فَقَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَقَبُولُ هِبَتِهِ وَمُعَامَلَتُهُ أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّ مَا أَطْعَمَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَدْ اشْتَرَاهُ أَيْ بِعَيْنِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ دَفَعَ فِيهِ عَيْنَ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ وَرِثَهُ أَوْ وَهَبَ ذَلِكَ جَازَ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ عَيْنَ الْحَرَامِ، وَيُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ اشْتَرَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَرُدُّ عَطَايَاهُمْ أَيْ السَّلَاطِينِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ مُرَاءٍ أَيْ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَرَامَ (قَوْلُهُ: جَوَائِزُهُمْ) أَيْ عَطَايَاهُمْ.
(قَوْلُهُ، وَلَا إنْ تَعَصَّبَ كَالرِّشْوَةِ) مُثَلَّثُ الرَّاءِ، وَقَوْلُهُ: وَتَلْقِينُ خَصْمٍ بِأَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمِ: يَلْزَمُك كَذَا عَلَى قَوْلِك كَذَا لِيَفْهَمَ الْمَقْصُودَ (قَوْلُهُ: وَمَجِيءِ مَجْلِسِ الْقَاضِي) أَيْ لِاتِّهَامِهِ أَنَّ لَهُ خُصُوصًا بِالْقَاضِي (قَوْلُهُ: مِنْهَا أَخْذُ الرِّشْوَةِ) مَأْخُوذٌ مِنْ الرِّشَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَطْلُوبِهِ كَالْحَبْلِ (قَوْلُهُ: وَالرِّشْوَةُ أَخْذُ الْمَالِ) أَيْ أَوْ دَفْعُهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِمَا مَعًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَيْ التَّحَيُّلِ وَالْحَيْفِ) هُمَا بِمَعْنَى لَا يَخْفَى أَنَّ تَفْسِيرَ الرِّشْوَةِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ كَالرِّشْوَةِ تَمْثِيلٌ؛ لِأَنَّ آخِذَ الْمَالِ لِذَلِكَ يُتَّهَمُ عَلَى التَّحَيُّلِ وَالْحَيْفِ، وَتَكُونُ الرِّشْوَةُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَذِي الرِّشْوَةِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ الْعَصَبِيَّةُ، وَهِيَ أَنْ يَبْغَضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا اهـ. فَعَلَيْهِ يَكُونُ تَشْبِيهًا، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ اتِّهَامِ التَّعَصُّبِ مُوجِبًا لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ فَأَوْلَى وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا) أَيْ تِلْكَ الْحَالَةَ إلَّا مَعَ الَّتِي هِيَ لِعْبُ نَيْرُوزَ (قَوْلُهُ: إذَا لَعِبَ مَعَ الْأَوْبَاشِ) جَمْعُ وَبَشٍ كَفَرَحٍ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ السَّفَلَةُ (أَقُولُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِالتَّفْسِيرِ الْآتِي لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْأَوْبَاشِ فَلَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا
(قَوْلُهُ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ الْمُشْرِكِينَ فَعَطْفُ النَّصَارَى مُغَايِرٌ
قُرَى الصَّعِيدِ يَأْتِي رَجُلٌ مِمَّنْ يُسْخَرُ بِهِ لِكَبِيرِ الْقَرْيَةِ فَيَجْعَلُ عَلَيْهِ فَرْوَةً مَقْلُوبَةً أَوْ حَصِيرًا يَخْرِقُهَا فِي رَقَبَتِهِ وَيَرْكَبُهُ فَرَسًا، وَيَتْبَعُهُ رَعَاعُ النَّاسِ وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ يَقْبِضُونَ عَلَى مَنْ أَمَرَهُمْ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، وَلَا يُطْلِقُونَهُ إلَّا بِشَيْءٍ يَدْفَعُهُ لَهُمْ أَوْ يَعِدُهُمْ بِهِ اهـ.
وَمِنْهَا الْمَطْلُ مِنْ الْغَنِيِّ بِإِعْطَاءِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ أَذِيَّةٌ لِلْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ، وَالْمَطْلُ تَأْخِيرُ الدَّفْعِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْحَقِّ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّفْعِ، وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ رَبُّ الدَّيْنِ الْوَفَاءَ اسْتِحْيَاءً مِنْ طَلَبِهِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ بَحْثِ الْمُؤَلِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ وَهَذَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ، وَمِنْهَا تَكْرَارُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ أَوْ الطَّلَاقِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ» فَسُمِّيَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ فَاسِقًا، وَهُوَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَمِنْهَا مَجِيئُهُ لِمَجْلِسِ الْقَاضِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ بِلَا عُذْرٍ وَبِعِبَارَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ بِلَا عُذْرٍ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ، وَمِنْهَا التِّجَارَةُ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ أَوْ إلَى بِلَادِ السُّودَانِ لَا إنْ دَخَلَهَا لِمُفَادَاةِ أَسِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ أَوْ أَدْخَلَتْهُ الرِّيحُ غَلَبَةً، وَمِنْهَا الِانْتِفَاعُ بِمَا عَلِمَ غَصْبَهُ، وَمِنْهَا مَنْ سَكَنَ مَعَ وَلَدِهِ الَّذِي يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ أَوْ إزَالَتِهِ، وَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَغَيْرُ الْوَلَدِ أَوْلَى، وَلَا مَفْهُومَ لِلشُّرْبِ بَلْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَعَاصِي كَذَلِكَ ثُمَّ إنَّ الْكَثْرَةَ الْمَفْهُومَةَ مِنْ صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ بِالْعُرْفِ أَوْ تُفَسَّرُ بِمَا فُسِّرَ بِهِ إدَامَةُ الشِّطْرَنْجِ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ بَعْضٌ، وَمِنْهُ وَطْءُ مَنْ لَا تُوطَأُ شَرْعًا كَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَطِئَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا أَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي حَيْضِهَا أَوْ عَادَةً كَوَطْءِ مَنْ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ
وَمِنْهَا إذَا كَانَ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاتُهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِهَا، وَذَلِكَ مُخِلٌّ لِلْمُرُوءَةِ، وَلَعَلَّ هَذَا إذَا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَكَذَا مَنْ أَخَّرَ صَلَاتَهُ عَنْ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ عَمْدًا، وَمِنْهَا مَنْ اقْتَرَضَ حِجَارَةً مِنْ حِجَارَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ لَبِنًا، وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ، وَلَا مَفْهُومَ لِلْمَسْجِدِ بَلْ الْحَبْسُ مُطْلَقًا، وَلَا مَفْهُومَ لِلْحِجَارَةِ، وَمِنْهَا مَنْ لَمْ يُحْكِمْ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَحْكَامَ الزَّكَاةِ حَيْثُ لَزِمَتْهُ فَمَعْنَى إحْكَامٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ إتْقَانٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نَقْلُ الشَّارِحِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَيْ لَمْ يُتْقِنْهُمَا ثُمَّ لَا مَفْهُومَ لِلْوُضُوءِ بَلْ كُلُّ مَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَيَتْبَعُهُ رَعَاعُ النَّاسِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْعَيْنِ أَيْ سَفَلَةُ النَّاسِ (قَوْلُهُ: الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ) قَالَ تت وَلَعَلَّهُ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ لَا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ اهـ.
وَغَيْرُهُ جَزَمَ بِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ السَّخَاوِيَّ قَالَ: لَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ فِي تَأْلِيفِهِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَظَهَرَ مِمَّا قُلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْرَارِ مَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَقُولُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -: مُرَادُهُ بِالْفَاسِقِ مَنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَا مَنْ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَخْ) ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِاتِّهَامِهِ أَنَّ لَهُ خُصُوصًا بِالْقَاضِي أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَى الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا فَيَتَحَيَّلُ فِي تَحْرِيفِ الْخُصُومَةِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِلَا عُذْرٍ) وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُذْرُ كَحَاجَةٍ أَوْ عِلْمٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَادِحًا (قَوْلُهُ: التِّجَارَةُ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ) إذَا كَانَتْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَرْبِيِّينَ، وَقَيَّدَهُ أَبُو إِسْحَاقَ بِمَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْإِطْلَاقُ اهـ.
وَمِثْلُ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ تِجَارَةُ مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَحْكَامِ التِّجَارَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ إلَى بِلَادِ السُّودَانِ إلَخْ) رَأَيْت النَّقْلَ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي السَّفَرِ لِلسُّودَانِ خَوْفُ جَرَيَانِ أَحْكَامِ الشِّرْكِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّ سَفَرَ السُّودَانِ غَيْرُ جُرْحَةٍ، وَقِيلَ: بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ عِلْمِ جَرَيَانِ أَحْكَامِ الشِّرْكِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ إلَى بِلَادِ السُّودَانِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الْكُفْرِ فَأَرَادَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ أَيْ مِنْ الرُّومِ أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ شَأْنُهُمْ الْحَرْبُ وَالسُّودَانُ لَيْسَ شَأْنُهُمْ الْحَرْبَ، وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي الْكُفْرِ كَمَا قُلْنَا
(قَوْلُهُ: الِانْتِفَاعُ بِمَا عَلِمَ غَصْبَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَصَدَ حِلَّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسُكْنَى مَغْصُوبَةٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ السُّقُوطَ لِلشَّهَادَةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِسُكْنَى الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِمَا عَلِمَ غَصْبَهُ كَالطَّحْنِ عَلَى دَابَّةٍ مَغْصُوبَةٍ (قَوْلُهُ: يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ) تَفْسِيرٌ لِشَرِّيبٍ (قَوْلُهُ: وَالْحَالُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ مَنْعِ وَلَدِهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ إزَالَتِهِ أَيْ إزَالَةِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ هَذَا أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ كَأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الدَّارِ إذَا لَمْ يَنْزَجِرْ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَوْضَحُ وَنَصُّهُ وَهَذَا إذَا عَلِمَ بِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، أَوْ أَنْكَرَ جَهْدَهُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّغْيِيرِ، وَلَا عَلَى الِانْتِقَالِ عَنْهُ لَمْ تَسْقُطْ شَهَادَتُهُ إذَا هَجَرَهُ طَاقَتَهُ وَغَيْرُ الْوَلَدِ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ تُفَسَّرُ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الْإِدَامَةَ فِي الشِّطْرَنْجِ) فَسَّرَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الْإِدَامَةَ فِي الشِّطْرَنْجِ بِأَنْ يَلْعَبَ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِمَرَّةٍ فِي السَّنَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ هَذَا إذَا أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) أَيْ وَيَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَّرَ صَلَاتَهُ عَنْ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ) مُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا انْتَبَهَ فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَأَخَّرَهَا إلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبِاقْتِرَاضِهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ اشْتَرَيْت مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا اقْتَرَضَ النَّاظِرُ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ اقْتِرَاضِ الْوَدِيعَةِ وَانْظُرْ هَلْ الِاقْتِرَاضُ تُرَدُّ بِهِ لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً أَوْ لِكَوْنِهِ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْجِدُ عَامِرًا أَوْ خَرَابًا سَوَاءٌ كَانَ يَحْتَاجُ لِتِلْكَ الْحِجَارَةِ أَمْ لَا تُرْجَى عِمَارَتُهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ جَهِلَ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونَ
(قَوْلُهُ: بَلْ الْحَبْسُ مُطْلَقًا) كَانَ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَحْكَامَ الزَّكَاةِ إلَخْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ
كَذَلِكَ فَيَشْمَلُ التَّيَمُّمَ وَالْحَجَّ وَبِعِبَارَةٍ وَعَدَمُ إحْكَامٍ أَيْ التَّسَاهُلُ فِي فِعْلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالتَّسَاهُلُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى عَطْفِ الزَّكَاةِ عَلَى الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ عَطْفُهَا عَلَى إحْكَامِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ وَعَدَمُ مَعْرِفَةِ نِصَابِ الزَّكَاةِ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ.
(فَرْعٌ) الْأَغْلَفُ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ فِي الْخِتَانِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَمِنْهَا مَنْ يَتَعَاطَى بَيْعَ آلَاتِ الْمَلَاهِي كَالنَّرْدِ وَالْمَزَامِيرِ وَالطُّنْبُورِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَنْ اسْتَحْلَفَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ دَنِيَّةً مِنْ نَسَبٍ فِي حَقٍّ لَهُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا وَأَنْكَرَهُ فِي ذَلِكَ أَيْ وَحَلَّفَهُ بِالْفِعْلِ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْقَلِبَةً مِنْ الْوَلَدِ أَوْ مُتَعَلِّقًا بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا حَقٌّ لَيْسَ لِلِابْنِ فِيهَا طَلَبٌ وَالْمُنْقَلِبَةُ شَأْنُهَا أَنْ لَا تُطْلَبَ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْوَلَدِ تَحْلِيفَ أَبِيهِ كَمَا مَرَّ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.
(ص) وَقَدَحَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِكُلٍّ وَفِي الْمُبَرِّزِ بِعَدَاوَةٍ وَقَرَابَةٍ، وَإِنْ بِدُونِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ الْمُتَوَسِّطَ فِي الْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ عَلَى شَخْصٍ وَأَعْذَرَ الْقَاضِي لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ بِكُلِّ قَادِحٍ مِنْ تَجْرِيحٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيُوقَفُ الْحُكْمُ إلَى إثْبَاتِهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا دُونَ الْمُتَوَسِّطِ يَقْدَحُ فِيهِ بِكُلٍّ بِالْأَوْلَى، وَأَنَّ الْمُبَرِّزَ سَوَاءٌ كَانَ شَاهِدًا أَوْ مُزَكِّيًا فِي الْعَلَانِيَةِ يُعْذَرُ فِيهِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَافِرًا بِالْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَبِالْقَرَابَةِ الْمُتَأَكَّدَةِ فَقَطْ أَيْ هَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ قَرَابَةٌ، وَيُسْمَعُ مِنْهُ إثْبَاتُ مَا ذُكِرَ، وَلَوْ بِشَاهِدٍ دُونَ الْمُبَرِّزِ فِي الْعَدَالَةِ، وَأَمَّا إذَا قَدَحَ بِغَيْرِ الْقَرَابَةِ وَالْعَدَاوَةِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُبَرِّزَ كَالْمُتَوَسِّطِ فَيَسْمَعُ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْقَدْحَ فِيهِ بِكُلٍّ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (كَغَيْرِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ كَمَا يُسْمَعُ الْقَدْحُ فِي الْمُبَرِّزِ بِغَيْرِ الْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ مِمَّا يَكْتُمُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ، وَهِيَ شَهَادَةٌ وَعِلْمٌ عِنْدَهُ يُؤَيِّدُهُ مِثْلَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ بِدُونِهِ أَيْ، وَإِنْ ثَبَتَ الْقَدْحُ بِشَاهِدٍ دُونَهُ فِي التَّبْرِيزِ، وَرُدَّ بِالْمُبَالَغَةِ قَوْلُ مَنْ شَرَطَ فِي شَاهِدَيْ التَّجْرِيحِ أَنْ يَكُونَا مِثْلَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ فِي الْعَدَالَةِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ الْبَاء بِمَعْنَى مِنْ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَعَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى مِنْ فَمَعْنَى الدُّونِ الْمُغَايِرُ لَهُ فَيَشْمَلُ الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ وَحِينَئِذٍ فَالْمَجْرُوحُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ مِنْ دُونِ الْمُبَرِّزِ كَالْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ.
(ص) وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِلَا حَدٍّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِفِسْقٍ أَوْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ شَهِدَ ثَانِيًا بِالْحَقِّ الْأَوَّلِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ زَالَتْ عَدَاوَتُهُ أَوْ فِسْقُهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِلَا حَدٍّ بِزَمَنٍ كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَنَةٍ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ قُبِلَتْ، وَإِلَّا رُدَّتْ
ــ
[حاشية العدوي]
وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُتْقِنْ الزَّكَاةَ أَوْ لَمْ يُحْكِمْ الزَّكَاةَ (قَوْلُهُ: أَيْ التَّسَاهُلُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي قِرَاءَةَ إحْكَامٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ وَعَدَمُ مَعْرِفَةِ نِصَابِ الزَّكَاةِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي بَيَانِ عَدَمِ الْإِتْقَانِ لَا فِي عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ (قَوْلُهُ: مَنْ اسْتَحْلَفَ أَبَاهُ) أَطْلَقَ لِيَشْمَلَ الْعَالِمَ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ وَغَيْرَ الْعَالِمِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ اسْتِحْلَافَهُ أَبَاهُ حَرَامٌ فَإِنَّهُ عُقُوقٌ، وَلَا يُقْضَى بِهِ، وَإِنْ اقْتَحَمَ وَحَلَّفَهُ فَسَقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ عُذِرَ بِجَهَالَةٍ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُقُوقٍ فَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ، وَلَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ اهـ.
وَالْعُقُوقُ كَبِيرَةٌ أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْقَلِبَةً مِنْ الْوَلَدِ) أَيْ إنْ ادَّعَى الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ بِشَيْءٍ وَحَقَّقَ الدَّعْوَى فَلِلِابْنِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَيَقُولَ لَهُ احْلِفْ وَيَثْبُتُ حَقُّك (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ فِي الْمُنْقَلِبَةِ وَأَمَّا فِي الْمُتَعَلِّقِ بِهَا حَقٌّ فَالْمَذْهَبُ الْحَلِفُ (تَتِمَّةٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الشَّاعِرِ الَّذِي يَمْدَحُ مَنْ أَعْطَاهُ وَيَهْجُو مَنْ مَنَعَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا: قَطْعُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جُرْحَةٌ وَقَالَ أَيْضًا: الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ جُرْحَةٌ نَقَلَهُ فِي ك.
(قَوْلُهُ: بِعَدَاوَةٍ وَقَرَابَةٍ) لَوْ زَادَ الْمُؤَلِّفُ وَشِبْهِهِمَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ وَالْمُرَادُ مَا عَدَا الْإِسْقَاطَ أَيْ الْفِسْقَ؛ إذْ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَفِيهِ فَقَطْ اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: بِكُلٍّ) أَيْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْقَدْحَ فِي الشَّاهِدِ الْمُتَوَسِّطِ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ الْقَدْحَ فِيهِ، وَيُوقَفُ الْحُكْمُ إلَى إثْبَاتِهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطْلُبْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ ضَعْفُ عَقْلٍ وَجَهْلٌ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ فِي تَجْرِيحِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا فَقَوْلُهُ: السَّابِقُ وَأَعْذَرَ إلَيْهِ بِأَبْقَيْتُ لَك حُجَّةً مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ بِهِ جَهْلٌ أَوْ ضَعْفُ عَقْلٍ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ) بَلْ بِفِسْقٍ يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَهُ فَيَسْمَعَ مِنْهُ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ أَثْبَتَهُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْمُبَرِّزِ، وَإِلَّا أُدِّبَ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْغَصْبِ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ إلَخْ) هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُعْتَمَدُ وَقَالَ اللَّقَانِيِّ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ ضَعِيفٌ (أَقُولُ) : وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ لِتَقْدِيمِهِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الِاطِّلَاعُ شَهَادَةٌ، وَأَنَّثَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ، وَقَوْلُهُ: وَعَلِمَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَنَّ الِاطِّلَاعَ شَهَادَةٌ وَخَبَرٌ يُؤَدِّيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهِيَ الْجَرْحُ أَيْ أَنَّ الْجَرْحَ أَمْرٌ شَاهَدَهُ وَعَلِمَهُ فَيُؤَدِّيهِ أَوْ أَنَّ شَهَادَةَ بِمَعْنَى مَشْهُود بِهِ وَعِلْمٌ بِمَعْنَى مَعْلُومٍ أَيْ أَنَّ الْجُرْحَ أَمْرٌ مَشْهُودٌ بِهِ وَمَعْلُومٌ يُؤَدِّيهِ (قَوْلُهُ: فَالْمُجَرَّحُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ فَالْمُجَرَّحُ هُوَ الْبَيِّنَةُ فَتَغَايَرَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ، وَإِنْ كَانَ شَهَادَةً نَاشِئَةً مِنْ دُونِهِ فَسَاوَتْ مِنْ بَقَاءِ الْبَاءِ عَلَى حَالهَا.
(قَوْلُهُ: وَالْفِسْقِ) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ قَادِحٍ لَا الْكَبَائِرُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ) أَيْ بِقَرَائِنَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ النَّاسِ زَوَالُهَا وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى قُوَّةِ ظَنِّ الزَّوَالِ فَفِي الْعَدَاوَةِ رُجُوعُهُمَا لِمَا كَانَا عَلَيْهِ وَيَسْأَلُهُمْ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ فَيُخْبِرُونَهُ فَحِينَئِذٍ يَنْتَفِي
وَبَحْثُ ابْنِ عَرَفَةَ مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ فَقَوْلُهُ: بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَيْ ظَنِّ النَّاسِ وَيَسْأَلُهُمْ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ فَيُخْبِرُونَهُ بِهِ.
(ص) وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ وَيُجَرِّحُ شَاهِدًا عَلَيْهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ امْتَنَعَتْ شَهَادَتُك لَهُ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ الْمُتَأَكَّدَةِ كَأَبِيك وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تُزَكِّيَ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّك تَجُرُّ لَهُ بِذَلِكَ نَفْعًا، وَلَا يَجُوزُ لَك أَنْ تُجَرِّحَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّك تَدْفَعُ عَنْهُ بِذَلِكَ مَضَرَّةً فَقَوْلُهُ: وَيُجَرِّحُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْخُولِ النَّفْيِ أَيْ، وَلَمْ يُجَرِّحْ شَاهِدًا شَهِدَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَيْ وَالشَّخْصُ الَّذِي وَالضَّمِيرُ فِي يُزَكِّ عَائِدٌ عَلَى الشَّاهِدِ الْمُمْتَنِعِ الشَّهَادَةِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ لَا عَلَى مَنْ.
(ص) وَمَنْ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَالْعَكْسُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ امْتَنَعَتْ شَهَادَتُك عَلَيْهِ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ بَيْنَكُمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَنْ تُجَرِّحَ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ، وَلَا أَنْ تُزَكِّيَ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّك فِي الْحَالَتَيْنِ تَجْلِبُ مَضَرَّةً إلَى عَدُوِّك، وَلَا يُقْبَلُ مِنْك ذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَكْسِ فِي التَّصْوِيرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْعَكْسَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ الْمُتَرَتِّبَيْنِ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ وَهُمَا لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ، وَلَمْ يُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ فَعَكْسُ لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ يُزَكِّي شَاهِدَهُ، وَعَكْسُ لَمْ يُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ أَنَّهُ يُجَرِّحُ شَاهِدًا شَهِدَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِ.
(ص) إلَّا الصِّبْيَانَ لَا نِسَاءٍ فِي كَعُرْسٍ (ش) لَمَّا ذَكَرَ شُرُوطَ شَهَادَةِ الْبَالِغِينَ وَانْتِفَاءَ مَوَانِعِهَا أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ الشُّرُوطِ، وَلَا انْتِفَاءُ كُلِّ الْمَوَانِعِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ بِشُرُوطِهَا الْآتِيَةِ فِي الْجَرْحِ وَالْقَتْلِ لَا فِي الْأَمْوَالِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةُ وَمَنَعَهَا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ، وَإِنَّمَا جَازَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلِأَنَّهُمْ يُنْدَبُونَ إلَى تَعْلِيمِ الرَّمْيِ وَالصِّرَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُدَرِّبُهُمْ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْكِبَارَ لَا تَحْضُرُ مَعَهُمْ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِبَعْضِهِمْ لَأَدَّى إلَى إهْدَارِ دِمَائِهِمْ، وَأَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي عُرْسٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِاجْتِمَاعِهِنَّ، وَقَوْلُهُ:(فِي جَرْحٍ أَوْ قَتْلٍ) يَرْجِعُ لِمَسْأَلَةِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ لَكِنْ لِمَسْأَلَةِ الصِّبْيَانِ عَلَى سَبِيلِ الْإِثْبَاتِ وَلِمَسْأَلَةِ النِّسَاءِ عَلَى سَبِيلِ النَّفْيِ، وَلَا قَسَامَةَ مَعَ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِي الْقَتْلِ، وَالصِّبْيَانُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ فِي نَفْسٍ وَلَا جَرْحٍ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَالْجَرْحُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَقَرْنُهُ بِالْقَتْلِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: شَهَادَةُ النِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ بِانْفِرَادِهِنَّ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ هُنَا، وَلَا تَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ إلَّا إذَا امْتَنَعَتْ شَهَادَتُهُنَّ هُنَا فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْجَوَابُ أَنَّ اجْتِمَاعَهُنَّ لَمَّا كَانَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْحِرْصُ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ بِسَبَبِ غَلَبَةِ ظَنِّ الصَّدَاقَةِ بِلَا حَدٍّ، وَفِي الثَّانِي مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِي التَّوْبَةِ وَاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْعَدَالَةِ بِلَا حَدٍّ أَيْضًا فَيَنْتَفِي بِذَلِكَ الْحِرْصُ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ هُنَا صَارَ عَلَى حَالَةٍ لَيْسَ فِيهَا حِرْصٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ صَدِيقًا وَمَا تَقَدَّمَ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ حَرِيصًا فَلَا تَنَافِيَ، وَمَا تَقَدَّمَ صَارَ عَدْلًا، وَلَمْ يَتَقَوَّ الظَّنُّ، وَهُنَا تَقَوَّى الظَّنُّ وَلَمْ يَقِلَّ بِالتَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُخَالِطُ الدَّهْرَ، وَلَا يُطْلِعُ عَلَى بَاطِنِهِ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ ابْنُ عَرَفَةَ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي جَعْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ ارْتِفَاعَ الْعَدَاوَةِ كَارْتِفَاعِ الْفِسْقِ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ، وَإِلَّا ظَهَرَ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَنْ عُدِّلَ فِي شَهَادَةٍ ثُمَّ شَهِدَ أُخْرَى هَلْ تُسْتَصْحَبُ عَدَالَتُهُ أَوْ يُسْتَأْنَفُ إثْبَاتًا فَإِنْ قُلْنَا بِاسْتِصْحَابِ الْعَدَالَةِ كَفَى غَلَبَةُ ظَنِّ زَوَالِ الْعَدَاوَةِ، وَإِلَّا فَلَا.
(قَوْلُهُ بِالْعَكْسِ فِي التَّصْوِيرِ) أَيْ لَا الْحُكْمِ فَالْحُكْمُ هُوَ عَدَمُ التَّزْكِيَةِ، وَعَدَمُ التَّجْرِيحِ، وَعَكْسُهُ ظَاهِرٌ، وَهَذَا عَكْسٌ فِي التَّصْوِيرِ أَيْ التَّصْوِيرِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْعَكْسُ تَصْوِيرُهَا فَاقْلِبْ الْأَوَّلَ لِلْآخِرِ، وَالْآخِرَ لِلْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ: لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ فِي قُوَّةٍ شَاهِدًا لَهُ فَاقْلِبْ لَهُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَاجْعَلْهَا فِي الْآخِرِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْآخِرِ وَاجْعَلْهَا فِي الْأَوَّلِ فَهُوَ عَكْسٌ لُغَوِيٌّ فَالنَّفْي بَاقٍ، وَقَوْلُهُ: فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ عَلَى حِدَتِهِ أَيْ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَرَتِّبِينَ وَعَلَيْهِ فَالْعَكْسُ وَاقِعٌ فِي الْحُكْمِ بِحَيْثُ يُبَدَّلُ النَّفْيُ بِالْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا التَّصْوِيرُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ قَوْلُهُ: شَاهِدُهُ وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ بَاقٍ لَمْ يُبَدَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَمَّا ذَكَرَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا الصِّبْيَانَ مُسْتَثْنًى مِمَّا قَبْلَهُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، وَالتَّقْدِيرُ يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الْبَالِغِ كَذَا وَكَذَا وَنَفْيُ كَذَا وَكَذَا إلَّا شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ فَيَقْرَأُ إلَّا الصِّبْيَانَ بِالنَّصْبِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْبَالِغِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ كَذَا وَكَذَا إلَّا الصِّبْيَانَ وَيَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فَلَا نُطِيلُ بِهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا) أَيْ الْقَسَامَةَ فِي الْقَتْلِ أَيْ الْقِصَاصِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تُوجِبُ دِيَةً أَصْلًا مَعَ أَنَّهَا تُوجِبُ الدِّيَةَ فَالْمُنَاسِبُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الصِّبْيَانَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْحَلِفِ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ) أَيْ فَهُوَ مَصْدَرٌ لَا بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْأَثَرِ، وَقَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنَّهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَرْحَ مَصْدَرٌ فَيَكُونُ بِفَتْحِ الْجِيمِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَظْهَرُ لَهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْجَرْحَ وَالْقَتْلَ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِمَا فِي غَيْرِ الْعُرْسِ فَأَوْلَى الْعُرْسُ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الْأَمْرِ بِاجْتِمَاعِهِنَّ فِيهِ فَلَا فَائِدَةَ لِلنَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الْعُرْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْعُرْسِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ:
مُحْتَاجًا إلَيْهِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ مَقْبُولَةٌ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ قَبُولِهَا فِي الْعَمْدِ وَاضِحٌ لِقُوَّتِهِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَهُوَ آيِلٌ إلَى الْمَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْ الْيَمِينِ، وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَمْ تُقْبَلْ فِي حَالَةِ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُنَّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَهُوَ قَادِحٌ فِي عَدَالَتِهِنَّ بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ وَاغْتُفِرَتْ فِيمَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ كَالْوِلَادَةِ لِلضَّرُورَةِ تَأَمَّلْ.
(ص) وَالشَّاهِدُ حُرٌّ مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ تَعَدَّدَ لَيْسَ بِعَدُوٍّ، وَلَا قَرِيبٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَفُرْقَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَحْضُرْ كَبِيرٌ أَوْ يَشْهَدُ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَلَا يَقْدَحُ رُجُوعُهُمْ وَلَا تَجْرِيحُهُمْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ الشَّاهِدَ يُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطٌ مِنْهَا أَنْ يَشْهَدَ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ لَا فِي مَالٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ حُرًّا، وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْحُرِّيَّةِ لِمَا فِي الرَّقِيقِ مِنْ شَائِبَةِ الْكُفْرِ فَالتَّمَحُّضُ أَوْلَى، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا أَيْ وَأَنْ يَبْلُغَ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَضْبِطُ مَا يَقُولُ، وَلَا يَثْبُتُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ مِنْ الصِّبْيَانِ وَإِنْ كَثُرْنَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُرِيدُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ ذَكَرٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الصِّبْيَانِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِنَاثِ أَيْضًا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّدًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ أَنْفُسِهِمْ أَوْ بَيْنَ آبَائِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُطْلَقَ الْعَدَاوَةِ مُضِرَّةٌ أَيْ دُنْيَوِيَّةً أَوْ دِينِيَّةً، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ قَرِيبًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ مُضِرَّةٌ وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُ الْعَمَّ وَالْخَالَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَكِيدَةً كَمَا فِي الْبَالِغِينَ كَمَا ارْتَضَاهُ الْجِيزِيُّ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الشُّهُودِ خِلَافٌ بَلْ يَكُونُونَ مُتَّفِقِينَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ كَشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، وَالْآخَرُ مِثْلُهُ
وَأَمَّا لَوْ قَالَ: الْآخَرَ: إنَّ غَيْرَهُ قَتَلَهُ فَلَا يُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ هَذَيْنِ قَتَلَاهُ، وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا: بَلْ أَنْتُمَا قَتَلْتُمَاهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَوْ شَهِدَ صَبِيَّانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّمَا أَصَابَتْهُ دَابَّةٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ حَقًّا أَوْلَى وَالصَّحِيحُ سُقُوطُهُمَا، وَخِلَافٌ اسْمُ مَصْدَرٍ أَطْلَقَهُ وَأَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ وَلَوْ عَبَّرَ بِاخْتِلَافٍ كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ كَفَى، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمْ فُرْقَةٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمْ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْعُدُولُ عَلَيْهِمْ بِمَا شَهِدُوا بِهِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ افْتِرَاقُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَحْضُرَ الصِّبْيَانَ كَبِيرٌ فِي مَعْرَكَتِهِمْ، وَأَطْلَقَ فِي الْكَبِيرِ لِيَعُمَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الْعَدْلَ وَالْفَاسِقَ وَالْحَرَّ وَالْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ
ــ
[حاشية العدوي]
فِي غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْعُرْسِ أَيْ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُفِيدُ إلَّا إذَا كَانَ قَصْدُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي الْعُرْسِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ جَوَازِ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ فِي غَيْرِ مَا هُنَا جَوَازُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْعُرْسِ فَنَصَّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ دَفْعًا لِهَذَا التَّوَهُّمِ أَيْ وَهَذَا قَصْدُهُ، وَقَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِاجْتِمَاعِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ هُنَا يُفِيدُ الْأَمْرَ بِهِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ مَقْبُولَةٌ) أَيْ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) حَاصِلُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِشَهَادَتِهِنَّ، وَلَا يَظْهَرُ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى مَالٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ شَهَادَتِهِنَّ فِيهِ أَيْ مَعَ الْيَمِينِ أَوْ الشَّاهِدِ فَلَا يَظْهَرُ الْإِطْلَاقُ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهَا إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا الِاجْتِمَاعَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ مَعَ الشَّاهِدِ أَوْ الْيَمِينِ إلَّا إذَا كُنَّ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ؛ لِأَنَّ الْعُرْسَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالِاجْتِمَاعِ فِيهِ بَلْ يُنْهَى عَنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهِ فَالْعَدَالَةُ مَفْقُودَةٌ فِيهِنَّ، وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَلَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شَهَادَتِهِنَّ وَحْدَهُنَّ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ (قَوْلُهُ: وَاغْتُفِرَتْ فِيمَا لَا يَظْهَرُ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِي الْوِلَادَةِ مَعَ الْقَادِحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ هَذَا.
(قَوْلُهُ: وَالشَّاهِدُ إلَخْ) ذِكْرُ الْأَوْصَافِ لِلشَّاهِدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ تت بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّمْيِيزَ كَذَلِكَ دُونَ الْإِسْلَامِ وَالذُّكُورَةِ، وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ اعْتِبَارُ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالذُّكُورَةِ وَأَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّمْيِيزَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَفُرْقَةٌ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ لَا بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ غَيْرَ الْمُقْتَرِنِ بِلَا يَمْنَعُ مِنْهُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْحُرِّيَّةِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْحُرِّيَّةِ أَفَادَ أَنَّ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ الْكُفْرِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَيْ فَأَوْلَى مَنْ كَانَ خَالِصَ الْكُفْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَيْرَهُ) أَيْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَا مَا قَرُبَ كَالتِّسْعَةِ لَا يَضْبِطُ مَا يَقُولُ أَيْ فَأَوْلَى مَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ: يُرِيدُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ ذَكَرٌ) نُسْخَةُ الشَّارِحِ مَعَهُمْ، وَالْمُنَاسِبُ مَعَهُنَّ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ذَكَرٌ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمَوْضُوعِ لِلصِّبْيَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ ذَكَرٍ ضَائِعًا (قَوْلُهُ: دِينِيَّةً أَوْ دُنْيَوِيَّةً) أَيْ؛ لِأَنَّ لِلصِّبْيَانِ حَالَةً غَيْرَ حَالَةِ الْكِبَارِ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ سُقُوطُهُمَا) أَيْ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ضَعِيفٌ، وَنُسْخَةُ الشَّارِحِ سُقُوطُهَا أَيْ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى الشَّهَادَةِ فَيَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ اثْنَيْنِ وَسَكَتَ الْبَاقِي فَيَقْتَضِي أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ مَعَ أَنَّهَا تَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا اخْتِلَافَ فَمَعْنَاهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمْ فَيَصْدُقُ بِمَا إذَا سَكَتَ الْبَاقِي (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمْ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ) أَيْ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ التَّعْلِيمِ فَلَوْ تَفَرَّقُوا ثُمَّ اجْتَمَعُوا قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ زَمَنٌ يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُمْ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَشْهَدْ الْعُدُولُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْكَبِيرِ) اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا فِي الْحَطَّابِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْكَبِيرُ وَقْتَ الْقَتْلِ أَوْ الْجَرْحِ وَكَانَ عَدْلًا لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ لِلِاسْتِغْنَاءِ